احمد الصراف

فخري شهاب مثالا

التقيت بالزميل الكبير فخري شهاب في بيته قبل أكثر من 10 سنوات، وكتبت عنه أكثر من مرة، ولاحظت مؤخرا تغيرا في مواقف الرجل من أحداث وطنه، وأنه أصبح اقل حذرا فيما يتطرق اليه، وأكثر انسجاما مع قضايا الساعة، أقول ذلك لتذكري بأنني في ذلك اللقاء اليتيم طلبت منه، من منطلق ما يمتلك من علم ومعرفة وخبرة مالية وذكريات طريفة، مشاركة الآخرين فيها، وضرورة نشر أفكاره، التي تسبق عصره، لكي يستفاد من تجاربه الثرية في أكثر من مجال. ولا أدري إن كانت اتجاهاته الأخيرة صدى لما كتبت أو أنه اصبح، وهو في التسعينات من عمره الذي نتمنى ان يطول، يعرف أن ليس هناك ما يخسره. كما أن اختياره لـ القبس، التي عرفت بجرأة من يتولى رئاستها، ساهم في استرسال الرجل في آرائه دون «هنات أو عقبات!».
يقول السيد شهاب في نص نشر له أخيرا: حصلت الكويت على استقلالها قبل أكثر من نصف قرن، وكانت وقتها بحاجة إلى بناء قاعدة سكانية تكفيها لسد حاجات اقتصادها، واختارت سياسة تجنيس «اعتباطية وشخصية»، نتج عنها أن أعداد المجنسين وخبراتهم لم تكن لها علاقة بحاجات الدولة الفعلية، كما أن هذه الحاجات بقيت مستمرة طوال السنوات 50 الماضية وتضخمت مع زيادة السكان. وبما أن سياسة التعليم كانت «اعتباطية» هي أيضا فقد أنتج نظام التعليم جيشا من المتعلمين الذين لا حاجة للمجتمع اليهم، فضلا عن المجنسين الذين لم يحتج الاقتصاد الوطني لأغلبيتهم! وفي هذه الفوضى السكانية وُل.دت مشكلة «البدون»، وتآزرت فوضى البيروقراطية التي خلقتها الدولة الفتية، و«قصر نظر بعض القيادات الوطنية»، وفوضى الغزو العراقي في تفاقم المشكلة، ووجدت الدولة نفسها تواجه كتلة بشرية ضخمة لا تختلف مبدئياً عن التركيب السكاني المحلي، فيها نسبة مما تحتاجه لسد متطلبات الاقتصاد وأخرى أكبر من ذلك من غير المدربين لا تختلف عن الكتلة السكانية الأصلية كثيرا، الا أنها عاجزة عن إثبات هويتها بما يكفي المتطلبات البيروقراطية، فتقرر تأجيل الوصول الى حل ايجابي نهائي. ثم مرت فترة منعت الدولة فيها استخدام «البدون» ريثما يتم البت في مشكلتهم، واستمر التردد وما زال. وتعاقبت على الحكم وزارة إثر أخرى، فأزمنت المشكلة، وارتفعت أصوات التذمر، واضيفت الى ذلك أصوات المؤسسات الدولية، فقررت الدولة معالجة المشكلة وجاهاً – وتمخض الجبل، فأجهض، وبدأ التجنيس قطرة فقطرة يتعثر، مغفلا حاجات الكويت نفسها. وما زالت المشكلة موضع أخذ ورد ونقاش بين السياسيين، وما فتئت الكويت بعد أكثر من نصف قرن مضى على استقلالها تفتقر إلى العمالة المدربة، وما فتئ «البدون» يأملون خيرا في بيداء الأحلام.
وفي مقال آخر ذكر: .. إن المعلق الاجتماعي يرى ويعي الكثير مما يدور حوله من أحداث، ولكنه لا يستطيع أن يشكو من قلة ما يستوجب الشكوى منه. الا أنني أشكو من مشكلة فريدة، وهي كثرة المشاكل المحيطة بي وصعوبة انتقاء بعضها، وتفضيله على أخرى! وأنا أشبّه نفسي بالغريق في بحر ثائر: لا أدري الى أين أوجه جهدي للوصول الى شاطئ السلامة! وهذا معناه أني لا أُعدم وجود مشكلة أو محنة تستوجب التعليق عليها يوما ما. وكأنني كواقف في مركز دائرة من المحن كلها تستدعي التعليق عليها، وكلها من الأهمية مما يستدعي التعليق عليها فورا وفي آن واحد! فكيف وماذا أستبعد، وكيف وماذا أؤجل، وكيف وماذا أختار؟
ونحن نقول له، إن سمح لنا بذلك، أن يكتب ويكتب وألا يحرمنا من زاد معرفته وغزير علمه، فأمثاله أصبحوا، وهو الذي قضى جل عمره بين العملات، عملة نادرة. وأن يتخلى عن مقولة: لقد أسمعت لو ناديت حيا! فنحن وغيرنا الكثير أحياء ونسمع جيدا، و«كثر الدق سيفك اللحام يوما»!!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

المسلم المظلوم

“>عاشت مناطق شاسعة من حوض المحيط الهندي في جنوب شرق آسيا في سلام ديني، ولم تعرف الحروب الدينية على مدى ثلاثة آلاف سنة، الى أن غزا المسلمون، بقيادة محمد بن القاسم، عامل الحجاج، بلاد السند عام 92 هجرية. ويعود سبب خلو المنطقة تاريخيا من الحروب الدينية الى تعدد آلهتها وتساوي غالبيتها في الأهمية، فلا جهة تشعر بأن آلهتها أفضل من غيرها، أو العكس، اضافة الى خلو عقائد الغالبية، والبوذيين منهم بالذات، من العنف، وبالتالي كان لافتا للنظر ما اصبحت تتعرض له أخيرا الأقليات المسلمة في تايلند وبورما وسريلانكا، وحتى الصين الشعبية وغيرها من اعتداءات شبه متكررة وتتسم بالعنف الشديد ضد مواطني تلك الدول من الأقلية المسلمة، والتي فقد من جرائها الكثير منهم أرواحهم وأملاكهم وحقولهم، ورفض التعامل معهم أو الشراء من متاجرهم! والغريب أن رهباناً بوذيين متطرفين، ممن اشتهروا بحبهم للسلام والمحبة، كانوا على رأس الكثير من عمليات الاعتداء على الأقليات المسلمة في بلادهم، وهم الذين لم يشكل وجودهم يوما تهديدا خطيرا على الغالبية، فلم حدث مثل هذا التحول؟
يقول المسيح، عليه السلام، في أحد اقواله: أحب اعداءك وصلّ لمن يضطهدك! وقد كان لكلمته تلك تأثير هائل على مواقف الكثير من القادة والجنود المشاركين في الحروب ممن ارتضوا المسيحية دينا، حيث حرم عليهم معتقدهم الجديد ضرب الآخرين فكيف بسفك دمائهم؟ وهنا اصبح الوضع خطيرا، وكادت المسيحية أن تفقد زخمها، لتعارض مبادئ المسيح السلمية مع ما أصبح يتطلبه الدين الجديد من اراقة دماء الاعداء، وبالتالي تطلب الأمر تدخل بعض رجال الاكليروس آنذاك بدعم سياسي من الأباطرة والملوك، لتغيير مفهوم «أحب لأعدائك ما تحب لنفسك» وتحليل قتل الآخر بالحرب وبغير ذلك، طالما كان الهدف «عادلا»! وهكذا تطوع عشرات الآلاف للمشاركة في الحروب الصليبية على الشرق لاستعادة بيت المقدس من المسلمين «الكفار»! وبالتالي ما اصبحنا نراه اليوم من ميل عدد من الرهبان البوذيين للجوء للعنف ضد الأقلية المسلمة لا يختلف عن مواقف أوائل المسيحيين، الذين كان رافضو القتال منهم في مقدمة الجيوش الصليبية الغازية! فهؤلاء الرهبان شعروا أن وجودهم العقائدي يتعرض لخطر الافناء ان استمروا في اتباع الطرق السلمية واللاعنف مع الموجة الجديدة من التطرف الاسلامي، وما أصبح يشكله تمددهم وتكاثرهم من خطر عليهم، وهكذا برروا لأنفسهم قتل الآخر، لأن الهدف عادل! وهنا يجب توجيه اللوم لمن اندس بين مسلمي جنوب شرق آسيا، وقبلهم وبعدهم بين مسلمي اميركا واوروبا، من المتطرفين الخليجيين بالذات، الذين زينوا لهم رفض التبعية لحكم غيرهم، من عبدة الأوثان، وحثهم على المطالبة بـ«حقوقهم» المهدورة، وغير ذلك من مطالبات أفزعت الأكثرية، فوقفت ضدهم ودفعوا هم ونحن ثمنا باهظا لتطرف هؤلاء وغبائهم!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

كيف نتغلب على فتنتهن؟

يتطلب التواصل والتعامل بيسر مع الآخر رؤية بعضنا وجه بعض، فهكذا اعتاد الانسان على التخاطب منذ مئات آلاف السنين، ولم تتأخر تكنولوجيا الاتصال الهاتفي في تلبية هذه الحاجة، بحيث أصبحنا نرى وجوه من نتحدث معهم وتعابيرهم على الهاتف الثابت أو النقال، كما ان البعض يجد درجة من الصعوبة في «التفاهم» مع من يخاطبه من خلف ستار أو حجاب، خصوصاً إن كان الحاجز مفتعلا. فنحن غالبا ما نقبل بالتحدث مع شخص يبعد عنا ولا نعرفه أو نعرف كيف يبدو، ولكن ما إن يصبح هذا الشخص أمامنا ويحاول تغطية كل أو جزء من وجهه، لسبب أو لآخر، فإننا نشعر بنوع من عدم الارتياح، وهنا نتكلم عن القناع أو الشادور او البوشيه أو اي قطعة قماش تغطي وجه من نخاطب، كاللثام الذي يستخدمه رجال الطوارق، وشبه الأكياس التي يجبر رجال طالبان نساءهم على تغليف أنفسهن بها!
وقد ورد في بعض المصادر أن المرأة المصرية كانت اسبق من غيرها في العالم العربي في تلقي التعليم العالي، والإقدام على العمل في شتى المجالات والوظائف. كما كانت الأولى عربيا في قيادة السيارة والطائرة، وأول من دخلت الحكومة والبرلمان. ولكن وضعها الاجتماعي ومكانتها كإنسانة تراجعا مع نهاية السبعينات، بعد أن وقعت مصر في قبضة الأفكار السلفية وانتشر فيها المذهب الوهابي، المدعوم بأموال النفط، سواء عن طريق الفضائيات المملوكة للسلفيين، أو بواسطة ملايين المصريين الذين عملوا سنوات في الخليج، وعادوا مشبعين بأفكار السلف والإخوان، والكادحين منهم بالذات من الطبقة غير المتعلمة جيدا. ورأينا كيف عاد النقاب للظهور من جديد في مصر، مدعوما ليس فقط بدعاية قوية، بل وبمن يعتقد أن من لا يدعو لارتدائه فإنما يدعو للإباحية والانحلال! ولو طرحنا سؤالا يتعلق بمدى قوة الحجاب في منع الفتنة ونشر الفضيلة، لما حصلنا على إجابة مقنعة أبدا! فالدول التي ينتشر فيها الحجاب ليست بالضرورة الأكثر فضيلة، ولو كانت كذلك فهل الفضيلة، بمعناها الضيق المرتبط بوضعية المرأة بالذات، هي التي تحدد نظافة وسعادة وقوة اي مجتمع، أم أن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير؟ فالحياة في اي مدينة عصرية معقدة، وفي طريقها لأن تصبح اكثر تعقيدا مع استمرار شح الموارد وقلة الوظائف وزيادة أعباء ومتطلبات الحياة، والتسارع في أهمية دور المرأة في المجتمع، نظرا لانشغال الرجل وتزايد الحاجة الى مساهمتها في ميزانية الأسرة، إضافة الى دورها في تربية الأولاد، وكل هذه تحتاج لخلق إنسانة تتمتع بدرجة كافية من التعليم والثقة بالنفس، لكي تنجح في أي عمل تقوم به. فالفضيلة لا تأتي بحجاب ونقاب، بل من خلال حصول الجميع على حقوق عمل متساوية! ولا يمكن للمرأة أن تشعر بالثقة إن أقنعها المجتمع بأنها أصل الغواية، وأن مقاومة الرذيلة لا تتم إلا بوضعها خلف حجاب، وأنه كلما زادت كثافة ذلك الحجاب زادت قدرتها على مقاومة «الإغراء»! وفي سياق مختلف، يقول مفكر غير معروف بأن الفلسفة هي في القدرة على تبرير البحث عن قط اسود في غرفة مظلمة. أما الميتافيزيق، او ما وراء الطبيعة، فهو تبرير البحث عن قط اسود غير موجود اصلا في غرفة مظلمة. أما عندما نبحث عن قط أسود، غير موجود، في غرفة مظلمة، ومع هذا نصيح قائلين بأننا وجدناه، فهذا هو التطرف الديني، أما العلم فإنه يطلب أن نبحث عن القط الأسود في الغرفة المظلمة.. باستخدام مصباح إنارة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

سنوات النظر

بدأت في استخدام النظارات، والجمع هنا أفضل، لاحتوائها على عدستين، قبل نصف قرن تقريبا. وبناء على نصيحة سمعتها أخيرا من طبيب قللت من الاعتماد الكلي عليها، لأن استخدامها بكثرة يضعف عضلات العينين، والتخلي عنها بين الفترة والأخرى يعيد للعضلات قوتها ويجعل النظر من دونها ممكنا، خصوصاً عند ضياعها. وهكذا اصبحت، مع الوقت، «ادبر نفسي» واقود السيارة وأمارس الكتابة والقراءة في أحيان كثيرة من دون نظارات! وعندما فكرت، كاقتصادي سابق، في ما صرفته من ثروة صغيرة على عشرات النظارات والعدسات المختلفة الشكل واللون والاستخدام طوال السنوات الماضية، مع التقدم التكنولوجي الكبير في طريقة صنع عدساتها وإطاراتها واستخداماتها بحيث أصبحت تنفع لتقريب الأشياء وقراءة الحروف الصغيرة عن قرب وتصلح في الوقت نفسه لاستخدامها في الوقاية من الشمس، وغير قابلة للخدش بسهولة وخفيفة الوزن، وذات عدسات بالغة الدقة، كل هذا دفعني للبحث في تاريخ النظارات فوجدت أن قدماء المصريين اشاروا الى استخدام شيء ما يمكن عن طريقه رؤية الأجسام باكبر من حجمها الحقيقي. كما نجح علماء في عهد الامبراطور الروماني نيرون، قبل الفي عام، في قراءة كلمات بالغة الصغر من خلف زجاج عليه ماء أو آنية زجاجية بها ماء. وأول كتابة علمية عن استخدام العدسات المنحنية convex lens في تكبير الصور كانت عام 1021 في كتاب «المناظر» للعالم ابن الهيثم، الذي يعرفه الغرب بـ «الهازن Alhazen»، ويقدره أكثر منا، فليس هناك حسب علمي معلم واحد يحمل اسم هذا العالم الكبير الذي قدم اسهامات عظيمة للبشرية في علوم البصر وغيرها. وكالعادة مات نسيا منسيا بعد أن ادعى الجنون، خوفا على حياته من بطش الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله! وقد ترجم كتاب «المناظر أو البصريات» لللاتينية في القرن 12، وكانت مادته أساس تطوير نظارات البصر بعدها بمائة عام في إيطاليا. كما عرفت الصين في القرن 12 ما يشبه النظارات الشمسية، وبدأ صنع نظارات البصر لأول مرة في إيطاليا عام 1313 وتظهر لوحات فنية لشخصيات كنسية وسياسية معروفة «بورتريه» وهم يرتدون النظارات. كما كان للعالم الأميركي بنجامين فرانكلين الفضل في اختراع العدسات التي تبين البعدين، كما تطور مع الوقت شكل وطريقة الإطارات وأول نوع منها يمكن وضعه على الأذنين اخترع عام 1727، أي قبل ظهور الوهابية في الجزيرة العربية بــ14 عاما! وفي القرن العشرين كان لعلماء مصانع زايس الألمانية الفضل الأكبر في تطوير العدسات لمختلف الاستعمالات، وبالرغم من انتشار استخدام العدسات اللاصقة وعمليات الليزر لتعديل البصر إلا أن استخدام النظارات التقليدية استمر في ازدياد، مع التقدم الكبير في تقنيات صنعها. ويذكر أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية اكتشف كارل زايس، أن مصنعه سيكون ضمن المنطقة التي ستخضع للسوفيت، فتركه بكامل اختصاصييه وعلمائه ومبانيه وآلاته وهرب إلى القسم الغربي ليبني مصنعا جديدا من الصفر، وهو اليوم واحد من أكبر المصانع في العالم، أما ما تركه وراءه، تحت الحكم الدكتاتوري، فقد انهار بعدها بسنوات قليلة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نظاراتهم ونظراتنا

تقوم شركة «غوغل» بتطوير نظارة بإمكانها نقلنا في ثوانٍ لعالم خيالي لم نكن نحلم بوجوده، وكأننا نعيش في أفلام الخيال العلمي التي طالما ضحكنا من كم المبالغة فيها. فهذه النظارة ستلغي جهاز الكمبيوتر الشخصي تقريبا من حياتنا، كما ستجعلنا نستغني عن الهاتف النقال والخرائط الورقية ونظام الــ «جي بي اس»، والكاميرا، حيث ستحتوي، إضافة لدورها في النظر أو الوقاية من الشمس، على جهاز تصوير وشاشة وسماعات وميكروفون، ويتم التعامل معها بالصوت، حيث ستقوم بتنفيذ كل ما يصدر لها من معلومات تمت برمجتها مسبقا! فيمكن مثلا الطلب منها تصوير منتج معين في فترينة محل، وفور قيامها بذلك تقوم بعرض مجموعة معلومات عن تلك السلعة من سعر وبلد الصنع وغير ذلك. وعندما نقوم صباحا، ونرتدي النظارة، نطلب منها معرفة برنامج عمل اليوم وبمن سنلتقي، فتعرض لنا كل ذلك على شاشتها من دون أن نحرك اصبعا أو عضلة! وعندما ننظر لخارج غرفة نومنا تقوم بعرض درجة حرارة الجو وحالة الطقس. كما تقوم بعرض ما في بريدنا من رسائل لنقوم بالرد عليها، من خلال حسابنا على غوغل، ونعدل المواعيد، ونعدل ونحدد أماكن اللقاء من خلال خريطة واضحة تبين طريقة الوصول لاي نقطة بسهولة. ولو حدث ان دخلنا محطة قطارات فإن النظارة ستخبرنا بأي عطل أو تأخير في اقلاع أي قطار، وتطلب منا سلوك طريق محدد لأنه الأقصر للوصول لمقصدنا. كما تقوم النظارة بعمل السكرتير الخاص، فلو مررنا بإعلان عن فيلم سينمائي أو رأينا كتابا في نافذة مكتبة، فبالإمكان إعطاء تعليمات شفوية لحجز نسخة منه وحجز تذكرة لمشاهدة الفيلم في موعد ومكان هو الأقرب لنا، وخصم المبلغ من حسابنا. كما ستقوم النظارة بمهمة توجيهنا في أي مول مباشرة إلى القسم أو المحل الذي نود التسوق منه أو فيه، من دون أن نضيع وقتا في المرور بمختلف الأقسام، وهذه ميزة تناسب الرجال وليس بالضرورة النساء! كما يمكن إجراء المكالمات الهاتفية من خلال النظارة، إضافة لمئات المهام والوظائف الأخرى! اثناء ذلك، وفي مختبرات مختلفة، وأقل ضوضاء، وتفوح من جنباتها روائح البخور والقهوة المحسنة بالهيل والزعفران، يقوم علماء آخرون بالانشغال بتحريم هذا وتكفير ذلك من خلال مجموعة هائلة من التوصيات والآراء الشخصية التي تسمى فتاوى، والتي جعلت العالم يشفق علينا من كثرة انشغالنا بها، مثل تحريم إهداء الزهور، لأن روائحها المغرية مثيرة جنسيا! وتحريم الحديث في دوران الأرض، وتحريم لعبة كرة القدم لأن في اتباع قوانينها وأحكامها تشبه بالكفار وأميركا بالذات! كما أن ممارستها تدعو للفسق والكلام البذيء والتصرف الأحمق. ومن جاهد في افغانستان وكشمير والبوسنة أفضل، لأنهم يكرهون اللعبة، ولم يلتهوا بـ «الكورنر والفاول والبلنتي»! وأجاز آخرون من هؤلاء نهب اموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم، وتحريم أداء التحية العسكرية لأن فيها مهانة للمسلم وخضوعاً لغير البشر. وتحريم التعامل مع اصحاب العقائد الباطلة من علمانيين وليبراليين… إلخ.

أحمد الصراف

احمد الصراف

دافنينه سوا

كان رجلان يمتلكان حمارا ويعتمدان عليه في معاشهما، وفي أحد الأيام، في طريق عودتهما من تسليم شحنة ثقيلة لخارج البلدة، حرد الحمار فجأة ورفض التحرك وعندما قسوا عليه بالضرب وقع على الأرض ونفق من فوره، فأصيب الاثنان بصدمة كبيرة لخسارتهما مصدر رزقهما الوحيد، وجلسا يندبان حظهما! وبسبب طول علاقتهما بذاك الحمار قررا عدم تركه هناك في العراء، بل دفنه بطريقة مناسبة، وما ان انتهيا من اهالة التراب عليه في الحفرة، وجلسا والارهاق والهم والغم بادية عليهما، مر عابر سبيل ورأى امارات الحزن عليهما، فرق قلبه لمنظرهما، وظن أنهما يبكيان حبيبا فقداه، فوضع بجانبهما بعض الطعام وقطعة نقود! فشكراه وتناولا الطعام ووضع احدهما قطعة النقود في جيبه، ورفع يديه يحمد ربه، بدعاء طويل، على نعمته، فمر عابر سبيل آخر وسمع الدعاء ورأى منظرهما امام القبر ، فغلبته طيبته فوضع قطعة نقود هو أيضا أمامهما وطلب من الداعي أن يدعو له بالتوفيق في مهمته! وهنا برقت في رأس أحد الرجلين فكرة، فقام من فوره وذهب للمدينة القريبة وعاد منها ومعه بعض الملابس وقطع قماش بيضاء وبضع قطع رخام ومونة وقام ببناء ما يشبه القبر المعتبر، بحيث أصبح شكله أكثر مدعاة للاحترام. وقاد الحظ رجالا ونساء للمرور بالطريق نفسه ورؤية الرجلين وهما بأرديتهما الدينية الوقورة يرسلان الدعاء خلف الآخر والرجاء بظهر أخيه، ويهزان رأسيهما بوقار شديد، وتزيدهما هيبة قطع القماش التي لفاها على رأسيهما كعمتين، فقام هؤلاء المارة وعابرو السبيل بالتبرع لهما، حاثين غيرهم على التبرع فلا بد أن الرجلين يرعيان قبر «ولي» من الصالحين، ويستحقان العون. ومع الأيام تكاثر الزوار من حولهما، وانقلب المكان لمزار بعد أن دفعا للبعض لكي يروجوا لرؤيتهم معجزات يعود الفضل فيها للمدفون في ذلك القبر، ونقل ما رأوه من قدراته على تقريب البعيد وجعل العاقر تحمل والعانس تقترن. وهكذا جذب هذا غيرهم من منتفعين وشذاذ آفاق، من الذين عادة ما يتواجدون في مثل هذه الأماكن، والذين قاموا بالمزايدة على غيرهم في وصف معجزات الولي الصالح، بعد أن أصبحت مصالحهم مرتبطة بصحة ما يشاع عن قدراته الخارقة، وقام آخرون بفتح محال لبيع الخرز والمسابح والتعاويذ، وتخصص غيرهم في كتابة الأدعية، وفتح آخرون مطاعم ومقاهي ومشارب لخدمة الزوار، ونصب غيرهم خياما لايواء قاصدي المزار والتبرك. ولم يمر وقت طويل قبل ان يتحول القبر اليتيم الى قرية صغيرة ثم لما يشبه المدينة، والفضل كل الفضل لـ«الولي الصالح»، الذي أصبح مزاره مركز المدينة ومصدر قوتها وثراء قاطنيها، بحيث ارتبط رخاء عيشهم به، وهكذا انقلبت حياة صاحبي الحمار من الفقر المدقع الى الثراء الفاحش، بعد أن اصبحت الأموال تجري بين أيديهما كجريان حبات الرمال من ثقوب المنخل! وفجأة دب الخلاف بينهما في احدى الليالي، أثناء اقتسام الغلة، على قطعة قماش ثمينة وضعت في المزار، وتعالى صوتاهما، وهدد أكبرهما بفضح السر، وبأن المدفون ليس اماما صالحا ولا وليا ناصحا بل حمارا نافقا! فرد عليه الآخر: يبدو أنك نسيت أننا دفناه معا! فذهبت مقولته مثلا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الهيئة الذهبية

يقول شارلز دارون إن الأنواع، أو الكائنات الحية، التي بقيت دون أن تنقرض ليست تلك الأقوى، ولا التي تمتعت بأعلى درجات الذكاء، بل تلك التي كان لديها استعداد أكبر من غيرها على التغير والتبدل!
ورد في صحف الثلاثاء أن النائب نواف الفزيع سحب طلب تشكيل لجنة لزيارة هيئة استكمال أحكام الشريعة! ولا أعرف السبب وراء سحب الطلب أو أساس تقديمه، ونتمنى تعلقه بما تتكلفه الدولة، منذ ما يقارب 20 عاما، من أموال طائلة على هيئة هلامية الهدف! أو ربما لأن السيد النائب لقي صداً من داخلها! ولنحسن الظن أكثر سنفترض أن الكيل فاض به، وأراد معرفة ما يدور في هيئة تبيض ذهبا لمن يديرها وتبيض حجرا لمن يصرف عليها! علما بأن الهيئة تأسست بهدف سحب البساط من تحت أقدام بعض نواب مجلس ما بعد التحرير، الذين طالبوا السلطة بتعديل المادة الثانية من الدستور، وبالتالي كان لابد من المزايدة عليهم، وتشكيل جهة لدراسة الأمر والبحث والتداول فيه، والتوصية به، لكي يمر الوقت وتنسى الجماعة الأمر أو تتغير الظروف، دون نتيجة، فقد عانت الهيئة منذ اليوم الأول لتأسيسها من فراغ الهدف والضياع، فعالم اليوم المتغير غير عالمهم، وعالم ما ينادون به. وأقول صادقا إنه لا أحد استفاد من عملها غير العاملين بها، الذين ارتضوا لأنفسهم رواتب وبدلات ومكافآت سخية ربما من دون أداء عمل حقيقي. وبالرغم من كل سابق كتاباتي عن مثالب الهيئة وسقطاتها، فإنني حقيقة لا ألوم كثيرا القائمين عليها لسكوتهم عن سكوت الحكومة عنهم، بل عن مدى مشروعية وجودها، فلا قطع هؤلاء الحق من أنفسهم واستقالوا، ولا طلبت الحكومة منهم الاستقالة لانتفاء الغرض «السياسي» من وجودهم! كما أن «فركشة» أو حل هذه الهيئة سيمهّد السبيل لحل الكثير من اللجان والهيئات الأخرى العديمة الفائدة مثلها! وفي هذا السياق، وربما لقطع الطريق على الطرق السابقة للنائب الفزيع، قام وزير الإعلام بتذكر وجود هيئة تطبيق الشريعة، فقام بزيارة مقرها، وأكد هناك «حرص» الوزارة على الاستفادة من خبراتها في تدعيم خطط وبرامج وزارتي الإعلام والشباب! وهنا نكون شاكرين للوزير تزويدنا بهذه الخطط والبرامج، وكيف يمكن أن يستفيد من أعمال الهيئة؟ كما شدد الوزير الشيخ سلمان، خلال زيارته، على أهمية تبادل الخبرات والتنسيق بين «وزارته» والهيئة، بما يصبّ في خدمة المجتمع الكويتي المحافظ بطبيعته (هكذا!). وأن تبادل الخبرات والتجارب معها من شأنه دعم مسيرة الوزارة الإعلامية، بهدف إيصال رسالتها الهادفة من خلال تسليط الضوء على الإيجابيات والسلبيات في المجتمع، لدعمها ومعالجة بواطن الخلل والقصور في مواقع أخرى! (هل فهمتم شيئا من هذا الكلام الإنشائي؟ وإن فهمتم هل من الممكن تطبيق %1 منه؟)، كما أشاد الوزير بدور اللجنة في دعم انسجام وترابط وتكافل المجتمع الكويتي في جميع مكوناته (وهنا أيضا أتمنى على الوزير أن يدلّني، أنا المواطن البسيط، على ما قامت به الهيئة في دعم وانسجام وترابط مجتمعي! كما نوه الوزير في الوقت ذاته بشمولية عمل اللجنة، التي تقع على عاتقها مسؤولية التخطيط لتطبيق أحكام الشريعة). وبدوره قال رئيس الهيئة إنه يشدد على أهمية وضع معايير أخلاقية ومجتمعية وبرامج اجتماعية تسهم في تحفيز روح الوطنية والمواطنة المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومن عادات وتقاليد المجتمع الكويتي المحافظ والمتماسك (هكذا)، كما دعا إلى تبني العديد من المشاريع والبرامج المشتركة بين اللجنة ووزارتي الإعلام والشباب الهادفة لخدمة جميع شرائح المجتمع الكويتي، واضعا خبرات وبحوث ودراسات اللجنة في خدمة مؤسسات الدولة لتحقيق الهدف المنشود. انتهى! والسؤال هنا: هل يعني هؤلاء ما يقولونه؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الصحراء والتدوين

يعتبر المسلمون بشكل عام، والعرب منهم بشكل خاص، وأهل الجزيرة بشكل أخص، من غير المؤمنين بالتدوين، ويعتمدون على قضاء أمورهم شفاهة. وبالتالي لم يكن مستغربا أن الفن الوحيد العالي القدر الذي برع فيه العرب هو الشعر، لأنه لم يكن يتطلب، لإبهار الآخرين بجماله، أي مواد وألوان أو أدوات، بل مجرد ملكة حفظ وبراعة إلقاء، ومن ثم الانطلاق من جماعة إلى أخرى ومن ديوان إلى إيوان وإلقائه أمام كل جمع ونيل الثناء والعطايا عليه! ولا شك في أن قصائد عظيمة كثيرة فقدت، لأن أحدا لم يهتم بتدوينها، وما وصلنا منها لا يذكر. ولا يعني ذلك أن التدوين معدوم كليا، ولكن ما بين ايدينا من تراث يمتد الى فترة تقارب الألفي عام، شيء لا يذكر! ولو نظرنا إلى أهم حدث في حياة اي شخص عادي، وهو الزواج، الذي تترتب عليه تبعات جمة، لوجدنا أنه كان يتم، حتى فترة قريبة، شفاهة، ولم يكن يتطلب إشهاره غير القيام بـ«زفة» بطبل وزمر! ولولا ما أصبح يتطلبه الارتباط بالآخر من تبعات، وما تمنحه الحكومات من مزايا، لما اهتم كثيرون بتدوين عقود زواجهم، فمن اختار العيش في الصحراء وتلحف السماء لم يكن له خيار كتابة عقد زواج، دع عنك الاحتفاظ به في خرجه.
ومن جانب آخر نرى أنه لو عاد أحفاد مهاجر مسلم إلى البرازيل إلى موطن سابق جدودهم للبحث عن جذورهم، فغالبا لن يجدوا شيئا، وعكس ذلك مع احفاد المهاجر المسيحي مثلا، حيث سيجدون كثيرا عنه وعن جدودهم، وبمن اقترنوا منذ مئات السنين، لأن الكنائس عادة ما تحتفظ بسجلات زواج وتعميد كل من دخلها، حتى في القرى الصغيرة والبعيدة!
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة قبل الدخول في موضوع المقال المتعلق بحصولي من الصديق الباحث يعقوب الإبراهيم على صورة العدد 10 من صحيفة الدستور البصْرية، والتي كان عبد الله الزهير هو «صاحب امتيازها ومدير سياساتها»! والتي صدرت بتاريخ 12 مارس 1912، اي قبل أكثر من 100 عام، حيث ورد فيها أن ثمن الاشتراك فيها مجيديان في الممالك العثمانية، وعشرة فرنكات في البلاد الأجنبية، وللطلاب نصف القيمة! وقد ورد في باب الحوادث المحلية الخبر التالي: منذ ثلاثة اشهر وعلائم الأفراح بادية على ساحة حضرة المفخم والأمير المعظم جناب عز السلطنة سردار ارفع الشيخ خزعل خان أمير المحمرة وسرحدار عربستان، ايدنا بـ«ختان» حضرة شبله المحترم الشيخ عبد الحميد. وإذا ألقينا النظر إلى غرض مولانا الأمير من إطالة مدى الأفراح حال أن كل أوقاته فرح وسرور، نراه غرضا ساميا هو أن يعلم الجميع من قاص ودان، فيتمكن ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين أن يؤموا ساحته ومنزله الرحب ليكون لهم مندوحة الدخول بلا استئذان فيأكلون هنيئا مريئا… وإذا أجلنا النظر من جهة أخرى نرى أن حضرة مولانا الأمير الكبير الشيخ مبارك باشا الصباح كان مصباح ذلك الفرح العظيم، مما يدل دلالة واضحة على دوام اتحاد وارتباط الأميرين في أفراحهما وكل شؤونهما، مما نتمنى أن يقتدي بهما أمراء العرب ورؤساؤهم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

بونودوتشيه

عندما قررت كتابة مقال عن مدينة فينيسيا الجميلة، في زيارتي الثالثة والأجمل لها، لم أعرف كيف ومن اين ابدأ، وتذكرت كلمات أغنية اشتهرت عام 1970 وغناها مطربون كثر، وكلماتها تقول Where do I begin to tell the story of how great a love can be, The sweet love story that is older than the sea, The simple truth about the love she brings to me, Where do I start
ففينيسيا، أو البندقية، كما نعرفها، مدينة تجمع بين الجمال والعراقة والتاريخ، كما أن دخول بيوت البعض من ساكنيها ومواطنيها وعشاقها، وما اكثرهم من مشاهير العالم، ليس كالخروج منها، فهنا تسمع الآهات إعجابا بما هم عليه من تطور وحب للفن والجمال، وتطلق التنهدات حسرة على أوضاعنا، وما أضعناه من وقت ومال على التافه من الأمور، من دون اهتمام لا بالثقافة ولا بالفن ولا بالتاريخ ولا حتى بأي شيء آخر غير استخراج النفط وصرف عائداته بغير حكمة ولا دراية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أكمل جراد الثمانينات العقائدي المهمة وحطم اي أمل في إحراز أي نوع من التقدم المعقول وفي أي مجال كان، وبالتالي لا أدري من اين ابدأ في الحديث عن فينيسيا، التي تمتلئ بمتاحف الآثار والفنون المعاصرة والقديمة، وكنائسها القديمة والعريقة التي تخلب ديكوراتها الداخلية وتصاميمها الخارجية الألباب وما تتضمنه مبانيها من ثراء وتاريخ، فقد كان لفينيسيا، التي كانت يوما جمهورية، أو دوقية مستقلة، قبل ان تصبح جزءا من إيطاليا، تاريخ تجاري وحربي معروف، خصوصاً خلال الحروب الصليبية، وكانت جيوشها أول من استخدم البنادق الحربية في المعارك. وقد كتب عن البندقية الكثيرون وتغنى بجمالها الشعراء على مر العصور، ومنها رائعة شكسبير «تاجر البندقية»! كما اختارها مشاهير العالم من قادة وسياسيين وفنانين كبار موطنا لهم، وكانت طبيعتها الخلابة وجسورها وشوارعها المائية مصدر إلهام لأعمال فنية لا تعد، ولا أدري لم أطلق العرب عليها اسم «البندقية»، فليس هنا ما يفيدنا غير التخمين، فقد يكون السبب أنها كانت المصدر الأول للبنادق، أو ربما اشتقت التسمية من الإيطالية، حيث كان يطلق عليها «الدوقية الجميلة» أو الـ «بونودوتشيه» القريب لفظها من البندقية! وأخبرني سفير إيطاليا السابق أن التسمية ربما اخذها العرب عن الألمانية، حيث تعرف البندقية بــVendeg أو شيء من هذا القبيل! وقد انتشرت على الإنترنت حكاية، سبق أن تطرق إليها زميل، تقول إن مقهى فينيسياً يقوم بعض رواده بطلب فنجان قهوة ودفع ثمن فنجانين بحيث يكون الثاني بتصرف غير القادر على شراء فنجان الـ «اكسبرسو»، وهؤلاء يستدلون على توافر فنجان مجاني من علامة يضعها صاحب المقهى على الحائط الخارجي! وعندما سألت صديقة نصف «فينيسيه» عن حقيقة هذه القصة ضحكت وقالت باقتضاب: كبر عقلك، فالفينيسيون، بالرغم من الاختلاف الكبير في لهجتهم عن بقية «الطليان» إلا أنهم لا يختلفون عنهم في حرصهم على المال، كحال بقية الأوروبيين، وبعدهم عن السفه في الصرف!

أحمد الصراف

احمد الصراف

القضية رقم 12

ذكرنا في مقال نُشر في 2011/12/1، ونقلا عن «أخبار اليوم» المصرية، أن وزارة العدل في مصر شكّلت لجنة تحقيق للنظر في الاتهامات التي طالت بعض جمعيات النفع العام، التي كان لها دور في ثورة 25 يناير، التي أدت إلى الإطاحة بحكم مبارك، بأنها ربما قد تكون تلقت أموالا من مصادر أجنبية! وأن الجمعية السلفية (أنصار السنة) حصلت من مصدرين خليجيين على مبلغ 296 مليون جنيه (50 مليون دولار)، جاء أكثر من ثلثها من الكويت! ولم تنكر الجمعية السلفية «التهم» حتى اليوم. وقلنا في المقال إنه تبين لاحقا أن تلك الأموال، التي كانوا ينكرون باستمرار تلقيهم لها من الخارج، هي التي مكّنتهم، ومكّنت جماعة «قارض الثورات الأكبر» في قطر، من خطف ثورة الشباب وتجييرها لحسابهم. كما ورد في الصحافة الكويتية أن مبالغ التحويلات المليونية هذه خرجت من حسابات «جمعية إحياء التراث السلفية» لحساب الحزب السلفي الأكبر والأكثر تطرفا في مصر! وحدث ذلك أمام سمع وبصر الحكومة الكويتية، وربما بعلمها – إن ثبت صحة ذلك – فهو إثبات دامغ على تدخّلنا في شؤون الدول الأخرى. فلا يُعقل أن تتمكن جمعية نفع عام، تخضع لرقابة الدولة الصارمة، من تحويل مثل هذه المبالغ دون علمها. وتساءلنا في المقال: من أين لجمعية كإحياء التراث مثل هذه الأموال الضخمة لتصرفها على حزب سياسي مصري متطرف يسعى للوصول إلى الحكم؟ ولماذا لا تنفق هذه الجمعية أموالها في الكويت، بوجود عشرات آلاف المحتاجين من المواطنين، وشبه المعدمين من «البدون»؟ أسئلة كثيرة ستبقى بلا جواب وتعزز سابق شكوكنا بدور بعض الأحزاب الدينية في تمويل الإرهاب خارج الكويت، وربما داخلها. – انتهى!
لم يُعجب هذا الكلام في حينه السيد طارق سامي السلطان، رئيس جمعية سلف الكويت، فقام برفع دعوى قضائية علينا، هي الثانية عشرة في تاريخنا الصحفي القصير، وقضت محكمة أول درجة بعدها ببطلان ادعاء الجمعية بحقنا. ولكن الجمعية التراثية السلفية، أو العكس، لم تكتف. بذلك، بل قامت باستئناف الحكم، وهنا أيضا قررت محكمة الاستئناف بطلان الادعاء، وقضت ببراءتنا ورئيس التحرير من تهمة الإساءة إلى الجمعية ورئيسها! والعجيب أن هؤلاء بدلا من أن يقوموا بعقد مؤتمر صحفي والرد على ما ورد في الصحف المصرية من اتهامات بحقهم، وكونهم من ممولي جماعات سلفية متطرفة في مصر وغيرها، قاموا برفع قضية علينا، مطالبين بمبلغ 5001 دينار كتعويض.
وبالمناسبة، لا يزال محاسب جمعية رعاية المرضى (!)، السلفية الإخوانية، الذي نهش من صندوقها، على مدى 4 سنوات، مبلغ 14 مليون دولار، دون أن ينتبه أحد من مسؤوليها الى السرقة، لا يزال محبوسا في قطر، دون أن تتمكن الكويت من استعادته لمحاكمته! وسبق أن ذكرنا قبل شهرين أن جهات عدة لا تودّ رؤية وجه هذا المختلس في الكويت لكي لا يتسبب في فضح دورها المريب في عملية الاختلاس التي استغرقت 1400 يوم دون أن «ينتبه» أي من مجلس إدارة الجمعية إليه!

أحمد الصراف