احمد الصراف

بيت الكويت للمخالفات الوطنية

لا يبدو أن مسلسل ما يسمى بـ«بيت الكويت للأعمال الوطنية» سينتهي قريبا على خير ويغلق ملفه إلى الأبد، أقول ذلك على الرغم من قرار مجلس الوزراء القاضي بإزالة عقار البيت الكائن في منطقة الشويخ الشمالي في فترة لا تتجاوز 23 يونيو 2013، لعلمي التام بأن المستفيدين من وجود هذا «الصرح المتهالك» سيفعلون كل ما بإمكانهم القيام به لوقف تنفيذ قرار المجلس مثلما فعلوا ونجحوا من قبل في أكثر من مناسبة، إن من خلال اللجوء إلى رئاسة الوزراء، وخاصة في عهد الشيخ ناصر المحمد، أو السعي لدى آخرين، في وقف ازالة البيت وكل ما يتضمنه من تجاوزات تعبنا من الكتابة عنها! ولكن يبدو ان بعض الجهات ترى انه ربما بقاء خراب هذا البيت يساهم في احتفاظهم بخرابهم. ولا أستغرب طبعا ما صرح به البعض من افتخارهم بوجود بيت الكويت للأعمال الوطنية، والقول إن فيه متحفا «معترفا» به من منظمة اليونيسكو والهيئات العالمية! فهذا خلط مضرّ وكلام لا معنى له، فهناك فرق بين ضرورة توثيق وتسجيل وتجسيد ما تعرّضت له الكويت من اعتداء حقير على أقدس ما لديها أثناء فترة الغزو والاحتلال الصدامي، وبين ذلك ظروف انشاء البيت ومحتوياته، فقد شاب تأسيسه من يومه الأول وحتى الآن الكثير من اللغط الذي سبق أن كتبنا عنه، كما أفردت له صحف عدة صفحات ومانشيتات، وبالتالي تصبح المناشدة التي تقدم بها رئيس «جمعية أهالي الشهداء والأسرى والمفقودين الكويتية»(!) وهي جهة أخرى نشك، كما هي حال بيت الكويت للأعمال «الوطنية»، في قانونية وجودها، أو حصولها على ترخيص، وبالتالي فهي والبيت لا وجود لهما في الواقع، أقول تصبح مناشدتهم لسمو رئيس مجلس الوزراء لتمديد المهلة الممنوحة لإخلاء عقار بيت الكويت للأعمال الوطنية لحين توافر الأموال اللازمة لبناء مقره الجديد في منطقة غرناطة، أمرا لا معنى له. كما أن رسالة البيت لا يمكن أن تستمر بمثل هذه الطريقة المخالفة لأبسط قواعد العمل الوطني والتطوعي، فالبيت بما فيه مخالف ولا تعرف اي جهة مصير ما يحصل عليه من تبرعات أو مدى قانونية رسوم الدخول التي يتقاضاها، وبالتالي تصبح مسألة توفير اموال عامة لبناء مقره الجديد مسألة سخيفة اخرى. كما ان توثيق عملية الغزو والاحتلال بحاجة لجهد جماعي وقانوني، وليس لما يجري حاليا من انفراد وعشوائية في آلية الادارة والاشراف. وهذا يعني أن استمرار الوضع الخرب مؤشر آخر على أننا لا طبنا ولا غدا الشر.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

جسر تنهدات اليرموك

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

هناك جسر في مدينة البندقية الإيطالية يمر السياح فوقه فيطلقون تنهدة عميقة تيمنا بالتنهدات التي كان يطلقها في غابر الأيام المحكوم عليهم بالموت، كما تقول الرواية، وهم يعبرون الجسر لآخر مرة في طريقهم إلى ساحة الإعدام! وفي منطقة اليرموك الكويتية، وعلى شارع الملك فيصل، جسر تمر المركبات بمحاذاته ويتنهد سائقوها ألما وحسرة لوضعه ومكانه، ولما وصل له الفساد في دولة كانت يوما «نظيفة وجميلة»!
تستخدم المعارضة السياسية في الدول المتقدمة تعبير «جسر إلى لا مكان» أو A bridge to nowhere عندما تريد انتقاد الحكومة على إنفاقها مبلغا كبيرا لتحقيق هدف صغير، اي ان المال الذي صرف سوف يؤدي للا شيء تقريبا! والتعبير نفسه يطلق على اي جسر يبنى على طريق ما ولكن لا طرف منه يؤدي لأي مكان، وعادة ما يكون مثل هذا الجسر من دون خدمات وغير كامل الإنشاء ويفتقد شروط الأمان، وبني لغرض تنفيع جهة أو شخص ما. وعلى الرغم من أن جسورا كثيرة حازت لقب «جسر إلى لا مكان»، وفي أكثر من دولة في العالم، إلا ان اشهر هذه الجسور ربما كان جسر «فورت دوكسن» Fort Duquesne Bridge الذي بني عام 1963 على نهر أليكاني في بتسبيرغ، بنسلفانيا، والذي ما ان انتهى بناؤه بعد 6 سنوات، حتى تبين أنه لا يؤدي إلى اي مكان، ففي طرفه منطقة فضاء كبيرة لا يحدها البصر والشيء ذاته في طرفه الآخر، وبقي على حاله دون ان يستخدمه احد لأكثر من عشرين عاماً، قبل ان تقرر بلدية المدينة بناء استاد رياضي على أحد طرفيه.
نعود إلى جسر اليرموك، والذي بني على خط مواز لطريق الملك فيصل باتجاه المطار، والذي يبدأ أوله بعد فتحة الدخول والخروج من منطقة اليرموك على الطريق نفسه ويستمر بمحاذاته لينتهي لــ… لا شيء! وهذا ما دفع الأشغال لوضع كتل كونكريت على مدخله وأخرى على مخرجه، لعدم الحاجة له، علما بأن طوله يزيد على 100 متر، وربما تكلف الملايين، ومع هذا لا فائدة منه، وما يقال من انه بني لكي تستخدمه «شخصية أمنية» عند خروجها من اليرموك في طريقها للمطار، دون أن تضطر للدخول في زحمة مرور الملك فيصل لمائة متر، أمر لا يعقل ابدا! ولا شك ان الجهات أوصت ببناء الجسر، ووافقت على بنائه مستفيدة من فساد الوزارة المعنية! وهنا نتمنى على وزير الأشغال التفرغ لدقائق وطلب ملف هذا الجسر العجيب، واستعراض عدد ووظائف المهندسين والإداريين الذين أقروا موقعه وتكلفته، والشركة التي نفذته وحينها سيكتشف، إن احب ذلك، الكثير من مواطن الخلل في وزارته. وفي السياق نفسه فإن القول بأن فساد البلدية لا تحمله الجمال ربما لا يكون دقيقا، فالبلدية لا تشكو من الفساد بقدر ما تشكو من فقدان الإدارة الحازمة، فغياب الإدارة الجيدة هو الذي نشر الفساد فيها! ولو اشتهى مديرها العام أو وزيرها كشف الفساد فيها ووضع حد للبعض منه لما تطلب الأمر أكثر من طلب ملف بناية عالية واحدة في أي منطقة مكتظة، واستعراض اسماء من وافقوا على ترخيصها بالرغم من افتقادها لكل شروط الأمن والسلامة ومواقف السيارات، وهنا سيجد جيشا من الفاسدين والمفسدين الذين وضعوا تواقيعهم الكريهة على كل مخططات البناء من دون خوف من عقاب!
***
• ملاحظة: شكراً لينا باكير، فقد أسعدت نفوسنا العطشى للجمال والفن لساعتين، بعيداً عن قضايا «الداو» وسرقات المال العام وخراب التعليم وتخلف النفوس والعقول.

احمد الصراف

ابتزاز «الكويتية»

قليلا قليلا بدأت «الخطوط الكويتية» بالعودة لوعيها، واختفاء شحوب الإفلاس من وجنتيها، واحمرار خدودها من عافية ما ضخته الحكومة من أموال في شرايينها الجافة، بعد مرحلة «الغيبوبة الطويلة» التي دخلت بها وكادت أن تقضي عليها، إضافة إلى التغيير الجذري والإيجابي في إدارتها العليا، وهذا ما كان ليحدث لو لم «تكتشف» الحكومة أن ضررا بالغا سيصيب الدولة والاقتصاد وجزءا حيوياً من تاريخنا، ان انهارت الشركة، التي لم توجد علة لم تشك منها. كما كان ضروريا، بمقدار أهمية الدعم المادي والمعنوي نفسه، تسليم زمام ادارة الشركة ليد ليست خبيرة بأحوالها وملابسات تعثرها، بل وأمينة ويمكن الثقة بقراراتها! وبالتالي لم يكن غريبا ما قام به الكابتن سامي النصف، الرئيس الجديد لمجلس ادارة طيراننا الوطني من قرار غير مسبوق تمثل في إقدامه على محاربة الفساد الذي عشش لعقود داخل المؤسسة الوطنية، وكانت أولى بشائر «حروبه» ما كشفه لوسائل الإعلام من تعرّض الشركة للضغوط على يد النائب سعد البوص، وضغوطه عليها لكي تقوم بشراء وتأجير الطائرات عن طريق شركة يمتلكها وأبناؤه، وبفوارق مالية هائلة بين «عرضه» المبالغ في جودته، وبين ما حصلت عليه الشركة من عروض نتيجة الاتصال المباشر بالشركات المصنعة!
إن موقف هذا النائب وتصرفه، الذي ربما كشف نفسه أكثر برده على قرار النصف اللجوء للصحافة لكشف ملابسات ما ستتعرض له الشركة من خسائر بالملايين ان هي رضخت له، قد يكون دليلا قويا على ما تشكو منه أهم سلطات الدولة من خراب وفساد. فكيف يلجأ من أنيطت به مسؤولية التشريع وسن القوانين ومراقبة اداء الحكومة، لمثل هذه الأساليب في الإثراء، ويقدم عرض بيع، مهما كان جيدا ومجديا، لشركة تخضع لرقابته، ويريدنا فوق هذا أن نفترض حياديته وحسن نيته ونظافة يده؟!
إن بقية أعضاء مجلس الأمة مطالبون بمحاسبة «زميلهم» على تورّطه في مثل هذه الأعمال إن كانوا حقا يرغبون في رفع ما لحق ببيت الأمة من شوائب والتخلص منها، ووضع ضوابط تمنع عضو المجلس من التعامل مباشرة، أو حتى بصورة غير مباشرة، ان أمكن ذلك، مع جهات تخضع لرقابة النائب، فهذا سيحول المجلس الى ساحة تنفيع، ولا يعني ذلك أنه لم يكن كذلك طوال نصف قرن، على الأقل. كما أن اعتراف النائب البوص بأنه مساهم في 13 شركة تدخل جميعها في مناقصات ومنافسات حكومية أمر يدعو للقلق، فكيف يمكن أن نصدق أن هذه المنافسات، والصراع على مناقصات بملايين الدنانير جميعها «شريفة»، كما يدعي؟ وهنا نتمنى على أعضاء المجلس قبول تحديه، واعتبار دخوله في مناقصات بمئات ملايين الدنانير مع جهات يقوم برقابتها، نوعا من الضغوط، وقبول استقالته!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

صورة المسلم

تزداد صورة المسلم في العالم سوءا يوما عن يوم، ويزداد عدد الذين يبدون استعدادا غريبا للتهجم على معتقدات المسلمين ونعتهم بكل مفردات التعصب والإرهاب. كما أصبح أمرا عاديا ما اصبح الكثيرون يعتقدونه عن ميل المسلمين شبه الفطري لسفك الدماء، وقتل المناوئين ولو كانوا مسلمين مثلهم والتمثيل بجثثهم. وأعتقد شخصيا أن تجاهل هذه السمعة السيئة وما أصبح يتردد في مختلف وسائل الإعلام الدولية يشكل خطراً كبيراً يستلزم التصدي له. وبالتالي تصبح من الأهمية بمكان معرفة آراء الآخرين في المسلمين، وسبب كره مجاميع متزايدة لهم، وسبب تزايد أعداد مؤيدي الآراء المتطرفة لأمثال القس الأميركي الأهوج تيري جونز أو السياسي الهولندي كيرت ولدرز أو المبشر الجنوب أفريقي بيتر هاموند، والذي يعتبر واحدا من اكبر المناوئين للإسلام، فقد سبق له أن ألف كتابا بعنوان Slavery, Terrorism and Islam :The Historical Roots and Contemporary Threat. ضمنه آراءه المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، والتي نعتقد أن من الأهمية الإشارة إليها لكي نعرف الطريقة التي يفكر بها «مثقفو» العالم عن العالم الذي نعيش فيه. يقول هامند ان الإسلام ليس دينا فقط، بل اسلوب حياة، وأن «الأسلمة» تبدأ بالعمل عندما يكون هناك عدد كاف من المسلمين في أي مجتمع، وأن الأمور تبقى تحت السيطرة، من وجهة نظره، طالما بقيت نسبتهم في أي مجتمع دون الـ%2، فهنا يكونون أقلية محبة للسلام، ولا يشكلون خطرا على مجتمعهم، وهذا ما نلاحظه من مسلمي أميركا واستراليا وكندا وإيطاليا والصين والنرويج. أما عندما تصبح نسبتهم بين 2 و%5 فإنهم يبدؤون بالتأثير في غيرهم ودعوتهم للإسلام، مع التركيز على اصحاب السوابق من اتباع الأقليات الأخرى. وهذا ما رآه المؤلف في الدانمرك وألمانيا وبريطانيا وتايلند واسبانيا. ويقول انه حالما تصل النسبة إلى %5 يبدأ هؤلاء بممارسة تأثيرهم الذي يتناسب وعددهم، ويطالبون بتوفير الذبح الحلال لهم، ومقاطعة المحال التي لا تبيعه، إضافة إلى مجموعة أخرى من المطالب، وهذا ما شوهد في دول كفرنسا، بمسلميها الـ%8، والفلبين والسويد وترينيداد وغيرها، ويقول انه ما إن تقترب نسبة المسلمين في أي دولة الـ%10 فإنهم يميلون لزيادة مطالبهم والشكوى أكثر من اوضاعهم، ومن ممارسة التفرقة ضدهم. وهذا ما حدث في أحياء من باريس وأمستردام والهند وكينيا، التي تشكو من تركز كبير للمسلمين في أحياء معينة. ويقول المؤلف انه ما ان تصل النسبة إلى %20 فإن الأمر يصبح مصدر قلق، حيث سيصبح الجهاد فريضة لا يمكن تجنبها، وستكون هناك ميليشيات مسلحة، وقتل للمخالفين وحرق أماكن عبادتهم، كما حدث في أثيوبيا وعدد من الدول الأفريقية الأخرى. ويعتقد المؤلف المتحامل أن الأمر يصبح شديد الخطورة عندما تصل نسبة المسلمين في مجتمع ما إلى %60 هنا نجد أن خطر الفناء يطال كل الأقليات الأخرى، التي تجبر إما على الهجرة أو دفع الجزية والحرمان من ممارسة طقوسهم الدينية، وهذا ما حدث في ألبانيا (!) وماليزيا وقطر (!) والسودان! وعندما تتجاوز النسبة %80 كما في بنغلادش ومصر وفلسطين وإيران والمغرب وباكستان، وسوريا وكازاخستان، تصبح حياة الجميع جحيما لا يطاق! ويقول ان الدول التي تبلغ نسبة مسلميها %100 لا تعرف السلام ولا تعرف غير مدارس القرآن وليس فيها قوانين وتسعى لقتل الكفرة، ولو كانوا مسلمين مثلهم! 

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

مصنع الفقهاء

لا أدري كيف تقبل بعض الصحف نشر اعلانات أقل ما يقال عنها وعن مضمونها انها لا تتفق والمصلحة العامة، ولكن هذه قصة أخرى. فقد ورد في اعلان ملون غطى ربع صفحة دعوة صريحة للشباب الذكور من سن 16 وحتى 20 عاما للتسجيل في دورة «المفاتيح» لفهم القرآن والسنة، ولتكون تلك خطواتهم الأولى ليصبحوا «فقهاء» المستقبل! ولكي يمتلك المشارك المراهق في الدورة «مفاتيح الفهم» فقد طلب الاعلان منه التواجد في وقت محدد في «المسجد الكبير» لاجراء امتحان القبول له، فان اجتازه، فسيعني ذلك أنه سيحظى بالفوز برعاية «الدكتور فلان» له لفترة ثلاث سنوات.. مجانا، ولتكون تلك خطوته الأولى لكي يصبح.. «فقيها»!
لا أحد يود التفكير في مثل هذه المشاريع ولا في خطورتها، فكيف يمكن لصبي لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر بكثير فهم المسائل الدينية وتعقيداتها الفقهية تحت اشراف من يكون هو بحاجة الى اشراف ورشاد، حتى ولو ادعى حمل أعلى الشهادات الصحيحة أو المشكوك في جدواها؟ وكيف اصبحت معرفة دورة المفاتيح أهم من دورة الطب والعلوم الأخرى التي نشكو من نقص كبير فيها؟ وكيف نتفرغ لمثل هذه الدراسات وليس بين المليون و200 ألف مواطن، وبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير النفط مهندس واحد يعرف كيف يستفيد بطريقه اقتصادية من كميات البترول الثقيل التي تتراكم لدينا ولا نمتلك تقنية الاستفادة منها؟ وما الضمان أن هؤلاء «الشباب الذكور» لن ينحرفوا، أو يتم غسل ادمغتهم ودفعهم للقيام بعمليات مشبوهة لمصلحة هذه الجهة أو تلك؟ وما الذي يمكن أن نجنيه من فقه او فهم متخصص في أي مجال من مراهق بعد استماعه لـ«دكتور» لثلاث سنوات، أو حتى لثلاثين سنة؟ ان هذه الأمور يجب عدم السكوت عنها بأي حال، ويا ليت جهة ما تتحرك وتتساءل وتسأل اصحاب تلك المبرة عما يهدفون له من وراء اعلانهم، وما الذي يمكن أن ينتهي اليه مصير شاب جلس مع من لا يكبره بكثير -ثلاث سنوات، ثم ماذا؟ أليس من الأجدى توجيه طاقات هؤلاء الشباب لأنشطة ومجالات نحن بأمس الحاجة اليها، لكي لا يأتي يوم نتباكى فيه على مصير أبنائنا في سجون الدول الأخرى، ونطالب حكومتنا بالتدخل لاطلاق سراحهم؟ أوَلم يحن الوقت ليصبح لدينا «كويتي وأعمل» بدلا من «كويتي وافتخر»؟
يقول المفكر الايراني الراحل علي شريعتي: خير لك أن تقضي وقتك بالسعي لادخال نفسك الجنة، على السعي لاثبات أن غيرك سيدخل النار!.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أين العقل؟

من الواضح أن جهات في الحكومة رأت أو اعتقدت بأنها ستكسب الكثير من رضا كبار مسؤوليها إن هي غالت في تطبيق القوانين، وضد الوافدين بالذات، وكأن إشعار هؤلاء بأنهم ملاحقون دائما سيكون في مصلحة الجميع وسيجعل خطر فسادهم وإجرامهم أقل، ونسي هؤلاء أن وراء كل مخالف ومجرم غير كويتي يقف مواطن من جماعة «كويتي وأفتخر»! فالوافد غير السوي لا يعمل عادة لحسابه Free lancer، بل بدعم وحماية من مواطن غالبا. وفي السياق نفسه لم يكن تصريح وزيرة الشؤون، الذي تراجعت عنه تاليا، حول نيتها ترحيل 100 ألف وافد سنويا موفقا، وهي الإنسانة القانونية والحصيفة، فهي تعرف الآن صعوبة التنفيذ، إداريا على الأقل! كما سينجم عن التطبيق ظلم كبير لا داعي له، وكان الأجدر بها القول إنها ستسعى لترحيل مائة كويتي على الأقل، من المتاجرين بالإقامات، الى السجن! فلو كان فينا خير أصلا، لما لعب بنا هؤلاء، ولما كانت نسبتنا كمواطنين، مقارنة بإجمالي السكان، بهذا الانخفاض! كما أن قرار ترحيل الوافد المتورط في مخالفات مرور جسيمة، وقطع رزقه وعائلته، وإجباره على ترك عمله أو تجارته والتخلي عن كل التزاماته، لا يفتقد الإنسانية فقط، بل يتسم بالغباء الشديد، وستكون له تبعات خطيرة. فالمقيمون، أو غالبيتهم على الأقل، أتوا الى الكويت للعمل والكسب الشريف، وهذه كانت نية من وفر لهم العمل وسهّل لهم القدوم، وبالتالي ليس من الإنسانية ولا من الذكاء جعلهم يعيشون في قلق مستمر على مصيرهم ومصير أبنائهم ان تورّطوا في مخالفة مرور ارتكبت في لحظة سهو أو انشغال، والأفضل له وللدولة فرض غرامة مالية كبيرة عليه تعطيه وغيره درسا لا يمكن نسيانه. إن المشكلة لا تكمن في مخالفات الوافدين وزيادة عددهم، بل في الفساد المستشري في «عالم الكفالات»، وهو الفساد الذي حاولت شخصيا كشف جزء منه عندما عرضت على شخص جاء لمقابلتي لغرض جمع تبرعات لبناء مسجد في باكستان، مبلغ ألفي دينار وضعتها أمامه نقدا، مقابل أن يخبرني باسم كفيله أو من سهل له القدوم الى الكويت، إلا أنه رفض، لعلمه بأنه سيخسر أكثر إن أفشى أحد بأسرار اللعبة في سوق العمل! فهناك، كما هو معروف، «أطراف متنفذة»، وحتى مغمورة، تستفيد من تملكها لعشرات التراخيص الوهمية وبعناوين وهمية أو صادرة على محل خالٍ لا تزيد مساحته على 20 مترا أتاح لها الحصول على تقديرات احتياج لمئات الموظفين والعمال، إن لم يكن الآلاف، علما بأن نظام دفع راتب العامل في البنك أثبت فشله، فالرواتب تدفع من «الكفيل الشريف» في بلد «كويتي وأفتخر»، وتسحب في اللحظة نفسها التي تودع فيها، وبإمكان البنوك تأكيد ذلك من واقع سجلاتهم الإلكترونية. كما أن ترحيل العمالة عشوائيا سيخلق مشاكل جمة ويزيد من تكاليف الأجور. ولو نظرنا لنشاط واحد كعمليات تحميل وتفريغ الحاويات في الموانئ مثلا، لوجدنا غالبا أن من يقوم بها عمال لا يتبعون كفلاء لهم نشاط في الموانئ، وبالتالي ما الذي سيحدث لو تم ترحيل هؤلاء؟ ستحدث كارثة حقيقية حتما!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أخلاق «الداخلية»

هناك بند في قانون الجنسية يسمح بمنحها لغير المواطنين لجليل ما قدموه من أعمال! وبالرغم من أن قلة فقط حصلت على الجنسية الكويتية عن جدارة، فإن المحسوبية والواسطة كان لهما الدور الأكبر في حصول الكثيرين عليها دون وجه حق! كما أن عددا ممن خدموا الكويت بصدق، عندما كانت ضعيفة الحال والمال، توفوا، بعد ان اصبحت الكويت ذات جمال وحلال، ونسيتهم دون أن يحصلوا على جنسيتها أو يحظى أبناؤهم بـ«شرف الإقامة الدائمة فيها»، وهذا هو موضوع مقالنا هذا.
فبعد ما يقارب السبعين عاما على بدء تصدير البترول، وتسارع ثراء الدولة وزيادة عدد من قدم للعمل بها، فإن لا أحد منهم تقريبا حصل على حق الإقامة الدائمة، حتى لو كانوا من كبار المستثمرين الذين لم تشب سيرتهم يوما شائبة، ولا حتى مخالفة مرور أو من التربويين الذين افنوا أعمارهم في تدريسنا، ومن بعدنا ابناؤنا، أو الذين عملوا بإخلاص في إدارة مرافقنا الحيوية، التي عجزنا عن ادارتها! وكان الممكن، لو كانت لدينا وزارة داخلية نصف عصرية أو حتى ربع ظهرية، أن يتم منح هؤلاء الإقامة الدائمة دون ان يطلبوها، ولكن في ظل غياب أو انعدام سجلات إقامة عصرية وقاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها لمعرفة اسماء وسير وسجل «خدمات»، فإن الطلب يصبح صعب التحقيق، ولكن هذا لا يعني اليأس، فأنا أعرف عددا لا بأس به ممن قضى الواحد منهم اكثر من ثلثي عمره، حتى الآن في الكويت، وآخرين ولدوا فيها قبل أكثر من نصف قرن، وبعضهم جاوز الستين عاما في البلاد دون انقطاع، وهؤلاء تعرفهم من لهجاتهم وعاداتهم التي أصبحت مقاربة لعاداتنا، وتتلمس مشاعرهم ومحبتهم لتراب هذا الوطن من أحاديثهم، وعميق حزنهم ان اصابته مصيبة، ومع هذا «يتمرمطوا» في كل مرة يجددون فيها إقامة أو إجازة قيادة، أو عند إجراء أي عملية نقل معلومات على الجواز أو تعديل اسم كفيل أو عنوان سكن. كما زاد الطين بلة قيام جهات كثيرة بالتضييق على كبار حملة الشهادات العلمية والشك فيها، بالرغم من مرور عقود وهم يعملون على أساسها كأطباء ومهندسين وغيرهم، بالطلب من هؤلاء تصديقها من الجامعات الكندية أو الأميركية أو الأوروبية المرموقة التي أصدرتها، علما بأن بعض هذه الجامعات لا تعمل بنظام تصديق الشهادات أصلا. إن هؤلاء المقيمين بين ظهرانينا، من مواطنين عرب وغيرهم، لم يأتوا للعمل غصبا عنا، بل بملء إرادتنا، ولحاجتنا الماسة غالبا لخبراتهم وجهودهم التي فشل أبناؤنا في سدها. وبالتالي يتطلب الأمر العناية بهم، ليس فقط لأنهم بشر اسوياء يستحقون كل خير، ما لم يثبت العكس، بل وايضا لكي يعطونا أفضل ما عندهم، متى ما شعروا بالاستقرار والأمان. ولو كنت وزيرا للداخلية، وهذا حتما ما لا أتمناه، لقمت بتأسيس إدارة خاصة لإعطاء من قضى في الكويت أربعين عاما مثلا أو اكثر، عناية خاصة تليق به، إن كانت سيرته خالية من اي سوابق أو مخالفات جسيمة. وبمثل هذه الأعمال يمكن أن نجاري الدول المحترمة في إنسانية أنظمتنا.
* * *
• ملاحظة: بصرف النظر عن اي اعتبارات، متى يعود الزميل فؤاد الهاشم للكتابة؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أنا قبطي.. أنا مصري

تتعرّض مصر لخراب اقتصادي وسياحي وسياسي شبه شامل، ولا يبدو في الأجل القريب أن الحل مقبل، ولكنه سيأتي حتما، مهما طال الزمن، ولكن ليس قبل أن يذهب الشذاذ وحكمهم الشاذ إلى مهملات التاريخ، فمن فرق بين ابناء الشعب واستبعد هذا وقرّب ذاك بناء على عرق أو مذهب أو دين لا يمكن أن يؤمَن شره أو يحظى بأي تقدير أو احترام في التاريخ، ولكن المؤسف حقا أن جزءاً مهماً من الخراب الذي تسبب ويتسبب فيه الإخوان، والمتعلق بالنظرة للأقلية القبطية، هو الذي لا يمكن إصلاحه، فالأقباط كانوا ولايزالون، تاريخيا ووطنيا، زهرة مصر وجمالها وروحها الوقادة التي طالما أضاءت ما تلبّد في سمائها من غيوم التخلف والتعصب، كما أن أقباط مصر، كما يقول الزميل باسيلي بحرقة، هم أكبر وأقدم الأقليات المسيحية التي تعيش في الشرق الأوسط منذ آلاف السنين. كما أنهم أقدم جماعة وطنية متماسكة وموجودة في مكانها نفسه، بخصائصها وملامحها نفسها، وقبل أن تختار اعتناق المسيحية. ويستطرد باسيلي في القول بأسى: إنهم، وبالرغم من كل ذلك، فإن الغالبية لا تعرف عنهم ذلك أو لا تودّ أن تعرف، وتعاملهم وكأنهم ليسوا شركاء في وطن واحد لهم ما لغيرهم من حقوق، إن لم يكن أكثر. فهم كانوا وسيبقون أقلية، ولكنهم سيبقون اقلية غامضة وغير معروفة أو مفهومة بشكل صحيح في أعين الآخرين. حتى عددهم لا يود أحد معرفته أو الإقرار به! كما أن تسميتهم يختلفون عليها، فالبعض يسميهم أقباطاً، بينما يسميهم آخرون بالمسيحيين أو النصارى أو حتى بـ«أهل الذمة»! كما تختلف الرؤية لهم في مدى قربهم من المسلمين أو بعدهم عنهم، فالبعض يراهم مؤمنين من أهل الكتاب، والبعض الآخر يعتبرهم كفارا مشركين يقولون إن الله ثالث ثلاثة، والبعض يسميهم «عبدة الصليب»! أما عن معتقداتهم وأعيادهم وعاداتهم وسيكولوجيتهم فالالتباس والجهل بها هما السائدان حتى لدى نسبة كبيرة من المثقفين المسلمين، علما بأن معظمهم متعاطف مع الأقباط ويدافع عن حقوقهم، مما يجعل الأقباط في النهاية يبدون كأقلية لا يكاد يعرفها أحد. ويقول إن الدليل على ذلك ما قامت به الرئاسة المصرية في مطلع العام عندما حددت موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب خلال فترة أسبوع الآلام «عيد القيامة»، وهو العيد الأكبر والأهم لدى الأقباط. وعندما تم الاعتراض على هذا الموعد تم تغييره، هذا قبل أن تحكم المحكمة بإلغاء الانتخابات أصلا! ويقول باسيلي إنه يتذكر أنه طوال سنوات دراسته في مصر كان يفاجأ بأن بعض الامتحانات قد تحددت في أيام عيد الميلاد أو القيامة، دون اعتبار لظروفهم! ورغم احتمال أن يكون وراء التحديد متعصبون في هذه الوزارة أو تلك، فإن الجهل بأعياد الأقباط أو عدم الاهتمام بمعرفة مواعيدها هو السائد. كما تجري في مصر منذ عقود عملية تشويه نمطية بشعة لصورة الأقباط، خاصة من قبل متعصبي المصريين وغيرهم من المتأثرين بنوع من الدعاة الممثلين لأكثر المذاهب تخلفا وتشددا، والذين يهدفون إلى بناء شهرتهم عن طريق تغذية مشاعر الاستعلاء والكراهية بنعت الاقباط بالكفر والقذارة والنجاسة الجسدية والروحية، وبذلك يسهلون على غيرهم التعدي على إنسانيتهم وسلبهم حقوقهم في المواطنة. كما من اللافت أن في كل مواقف التشويه الممنهج للأقليات في مجتمعات كثيرة نجده يحدث تحت غطاء ديني صاخب وهائج، يمنحه صك الموافقة الإلهية السامية، فيقوم الإنسان بناء عليه بأبشع أنواع الإذلال والاستعباد والاضطهاد لأخيه الإنسان، المختلف عنه دينا أو مذهبا أو شكلا، دون خلجة واحدة من تأنيب الضمير، بل بالعكس نجده مزهواً بأنه بهذا يرضي ربه ويتقرّب إليه!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

قالب ثلج الداو

يروى عن رضا شاه، والد آخر ملوك إيران، قبل أن يطيح الخميني بالملكية فيها، أن مسؤولاً أميركياً اشتكى له من أن الفساد يأكل بعضاً من المساعدات التي تقدّمها بلاده للمشاريع الإنمائية في إيران. فرد عليه الشاه بأن المساعدات تشبه قالب الثلج، فهو يتسلمه ليعطيه لرئيس وزرائه ليقوم هذا بدوره بتسليم القالب لوزير الاقتصاد ليعطيه لمدير الخزينة.. وهكذا، وما إن يصل قالب الثلج إلى مدير المشروع حتى يكون بنصف حجمه، بعد أن أذابت «حرارة الأيدي» التي تناولت تسلمه وتسليمه نصفه الآخر، وبالتالي من الصعب تحديد المسؤولية! ومن هنا يمكن القول إن تحديد الجهة التي يجب تحميلها مسؤولية غرامة الداو، تشبه تحديد المسؤولية في تآكل أو ذوبان قالب الثلج «الإمبراطوري»!
ففي قضية الداو هناك جهات قررت، قبل 7 سنوات، التفكير في الدخول في المشروع، وقامت جهات أخرى بالتفاوض على شراء نصف موجودات شركة داو الأميركية بمبلغ سبعة مليارات ونصف المليار دولار، وفي أي عملية شراء إما يدفع الثمن كاملاً، وإما يلتزم المشتري بدفعه بـ «عربون» لبيان الجدية وحسن النية! وجهة ثالثة حاولت تمرير المشروع بكل تعقيداته وشروطه على مجلس الأمة! وهذه رفضت تمريره في المجلس دون دراسة متأنية لشك بعض الأعضاء في وجود مستفيدين مباشرين من إقراره، ومدى فائدة الدولة من المشاركة فيه. وجهات أخرى تريد كسب الوقت، وعدم انتظار الإجراءات التشريعية، فالوقت يمر وهو ليس في مصلحة الكويت، وإعطاء المجلس الوقت للدراسة سيقتل المشروع في مهده. وجهات إعلامية وأخرى سياسية حاربت المشروع بضراوة، خدمة لأجنداتها! ولو سألت أي جهة من الجهات أعلاه عن مبررات تصرفها، لسمعت من الأولى أن الكويت دولة نفطية، وهي بحاجة ماسة إلى تنويع دخلها والدخول في السوق العالمي من خلال تملك مشاريع صناعية ضخمة، وبالتالي كان لا بد من التفكير في مشروع بمثل تلك الضخامة. أما الفريق الذي وافق على البند الجزائي، فسيبرر تصرفه بأن الصفقة ما كانت ستتم من دونه وأنه حق للبائع، طالما كنا جادين في الصفقة! أما الجهة الفنية والحكومية، فإنها دافعت بالقول إن المشروع أخذ حقه من الدراسة والبحث، ولم يبق وقت طويل قبل أن تنتهي المهلة وتلغى الصفقة وتخسر الكويت. أما الجهات الشعبية التي طالبت بالتأني، فقد بررت موقفها من أنها «لدغت من جحر الحكومة» مرات ولا تريد أن تلدغ أكثر، وعلينا التأني ومعرفة شروط العقد. إزاء كل ذلك، لم يكن أمام الجهة المختصة، التي سئمت من كل ذلك التناحر، إلا أن تلغي الصفقة وليتحمل كل طرف مسؤوليته. والآن، من هو المسؤول عن تآكل قالب الثلج؟ لا أحد! واعتقد أن هذه هي النتيجة التي ستخرج بها لجنة التحقيق! فالمشكلة لم تكن في اختيار المشروع، ولا في شرطه الجزائي، ولا في إصرار المشرّع على دراسته، ولا في التسرع بإلغائه، بل في آلية الإدارة الحكومية، والتخبط والفساد اللذين نعيشهما! ولو كان المشروع قد أقر في حينه، لربما كانت هناك مسرحية مماثلة أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الحياة هي القهوة

قررت مجموعة من خريجي جامعة مرموقة ممن حققوا نجاحاً في حياتهم العملية، وأثناء لقائهم السنوي، زيارة أحد كبار أساتذتهم والذي كان له تأثير في حياتهم. وأثناء اللقاء تحوّل مجرى الحديث إلى الشكوى مما يواجهونه جميعاً في أعمالهم وحياتهم من معوقات، وما يتعرضون إليه من ضغوط نفسية.
وهنا قام البروفيسور واتجه إلى المطبخ قائلاً إنه سيحضر لهم القهوة. وعاد بعد لحظات طالباً من كل واحد أن يقوم بخدمة نفسه في صب قهوته، ووضع لهم على رف المطبخ تشكيلة من فناجين القهوة، ليختار كل واحد منها ما يشاء، وكانت المجموعة تتكون من كوب مصنوع من البورسلان وآخر من الزجاج وثالث من البلاستيك ورابع من الكريستال وخامس من الورق وهكذا. كان بعضها يبدو جميلاً بما عليه من رسوم، وآخر يبدو باهتاً من الاستخدام الطويل، وثالث يبدو أنيقاً بتصميمه المثالي، ورابع يبدو عملياً، ولكنه ليس بالأنيق، بعضها يبدو غالي الثمن، وبعضها الآخر لا يساوي حتى ثمن ما يحتويه من قهوة. وعندما عاد كل منهم إلى مكانه وبيده الفنجان الذي اختاره لقهوته، قال لهم البروفيسور: كما تلاحظون، فقد قام كل واحد منكم باختيار أفضل كوب لنفسه، وترك الأكواب التي بدت أقل قيمة وجمالاً لغيره، وربما يكون تصرفكم طبيعياً، فكل منكم يريد الأفضل لنفسه، وهنا تكمن مشكلة كل واحد منكم، وشكواكم من تعرضكم يومياً للضغوط النفسية. فمن الواضح أن شكل أو ثمن أو مستوى كوب القهوة الذي اخترتموه لم يضف شيئاً لطعم القهوة بداخلها، مهما كان الكوب غالياً أو جميلاً، فأنتم جميعاً الآن ترتشفون قهوة من النوعية والطعم نفسهما، فأنا لم أقدم لكم شيئاً غيرها، وقبلتم عرضي على تناولها، وهذا ما سعيتم إليه بقيامكم من مقاعدكم والذهاب إلى المطبخ، ولكنكم قمتم جميعاً، ربما دون وعي، باختيار أفضل كوب، وما إن جلستم حتى قام كل منكم بمقارنة كوبه بأكواب غيره…! والآن لو افترضنا أن الحياة هي القهوة، وأن المال والوظيفة والوضع الاجتماعي هي الكوب، فإننا في سعينا للحصول على مال أكثر ووظيفة أفضل ووضع اجتماعي أرقى ننسى في كل هذا الخضم أن نعيش الحياة! وربما يشعر من حصل منكم على كوب رخيص أنه يتناول قهوة أقل جودة من غيره، وهذا طبعاً غير صحيح، فالقهوة واحدة، ولكن الشعور المخادع بأن الكوب الأفضل يجعل طعمها أفضل هو الذي يرهقنا وينسينا كيف نتمتع بحياتنا! وعلينا بالتالي أن نتذوق طعم الحياة، وليس شكل الكوب، فالسعداء ليس أولئك الذين يمتلكون كل شيء، بل الذين يستخدمون كل ما لديهم بطريقة أفضل!
***
• ملاحظة:
يقول ابن رشد، المفكر العربي الأول والأكبر، والذي لم تكرمه أي دولة عربية أو إسلامية، بإطلاق اسمه على حتى «زنقة»، يقول: إذا أردت أن تتحكم في جاهل، فعليك أن تغلّف كل باطل بغلاف ديني!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com