احمد الصراف

إليكم جميعاً مع محبتي

أي جهد مميز يحتاج إلى كلمة.. شكراً
لا تحرمنا من قلمك ودورك ضمن مجموعة التنوير

أحمد الصراف
هذا ليس سردا تاريخيا لما حدث معي شخصيا في الأيام القليلة الماضية، بالرغم من تأثري به، بقدر ما هو توضيح لما يعنيه الكاتب، اي كاتب، في نفوس قرائه وعقولهم.
قررت قبل ايام التوقف عن الكتابة، ومراجعة النفس في قراري، متسائلا، بيني وبين نفسي شفاهة، وسائلا قرائي كتابة، عن جدوى بذل كل هذا الجهد وتمضية كل هذا الوقت في كتابة مقال إن لم يكن هناك من يقرأ وينفعل ويتجاوب ويضحك ويحزن، وإن بصمت، ويلعن ويشتم ويحتج، وإن بأعلى صوت؟! وجاء الجواب بأسرع مما توقعت وبأكثر مما طلبت، فقد غمرني قراء «القبس الجميلة» بفيض مشاعرهم عن طريق اتصالاتهم الهاتفية ورسائلهم النصية وعلى الإنترنت والواتس أب وتويتر. وجميعها تقريبا تضمنت كلمات آسرة جعلتني أشعر بالخجل لشكي في جدوى كتاباتي وجهلي بنوعية قرائي. كما انتابتني مشاعر مختلطة عصفت بي سعادة من جهة لأنني أقدمت على خطوة كان لا بد منها لتعطيني دفعة معنوية ربما كنت بحاجة إليها. كما أنها من جهة أخرى أشعرتني بأن قلة تواصلي مع محيطي وضعت غمامة على عيني، فتواصلي الاجتماعي مع من يقرأ القبس نادر، إما لبعد المسافات، الفعلية أو النفسية والفكرية بيني وبينهم، وتزايد وجودي بعيدا عن الوطن! وعندما سألني الصديق أبو عبداللطيف عما دفعني للجوء إلى القراء بحثا عن إجابة لحيرتي، أو عن اثر ما أكتب في نفوسهم، قلت له إنني أشبه نفسي، منذ سنوات، بالبستنجي، أو الخولي أو الزارع، الذي يقوم صباح كل يوم، والكل من حوله نيام، بتقليم زهور حدائق الحي وتشذيب أغصان الزهور والورود أمام مداخل بيوت سكانه وعلى شرفات منازلهم، وتبديل تربة الأصص وزيادة سماد أحواض الزرع، وإزالة الأغصان الجافة وإبراز المتألقة منها، ورش أوراق الورد بالماء لتبدو وكأن الندى قد نزل عليها للتو، وليعيد الرونق الجميل لألوانها، ويعدل من قامات سيقانها لترتفع شامخة، وليحدثها لتتذكر أن تبتسم لمن ينظر إليها. وأنه قام بذلك كل يوم تقريبا لعشرين سنة تقريبا ولم يأت جار، إلا ما ندر، ليقول له «سلمت يداك» أو ليطري على عمله ويمدح ذوقه ويربت على كتفه ويبتسم له راضيا أو قابلا لعمله. وبالتالي، كان لا بد لهذا البستاني أن يتوقف عن سقي الزهور والاهتمام بالورد، وليشارك بقية أهل الحي في وضع الساق على الساق وارتشاف القهوة أو الشاي مع صحف الصباح! ولكن ما أن لاحظ سكان الحي حالة حدائقهم حتى تعالت احتجاجاتهم الجميلة، وتدفقت كلماتهم الرائعة، عبر مكالمات ورسائل لا تنتهي، تطالب الزارع بالعودة للعناية بزهورهم وتشذيب ورد حدائقهم، وتنظيف ما علق بمزروعاتهم من أوراق وأفكار بالية! وهنا هز أبوعبداللطيف رأسه موافقا ومدافعا بالقول إن مجتمعاتنا، بسبب ميلها لقضاء حاجاتها بالكتمان، هي مجتمعات بخيلة في الإطراء، ضنينة بالمدح، كريمة في النقد، سخية في إبراز العيوب، وكان حريا بي، وبعد ما بلغته من عمر وخبرة(!) أن أكون ملما بطبائع قومي واهلي، وأن أعرف أن كلمة «شكرا» لا تخرج منهم بسهولة، لجفاف نفوسنا التي تشبه بيئتنا الصحراوية. فمن منا فكر يوما أن يستيقظ ليقول كلمة «شكرا» السحرية للزوجة أو الزوج أو للخادم أو الطباخ الذي أعد فطوره؟ أو ليذهب خارج البيت، في ساعات الفجر الأولى، صيفا وشتاء، ليشكر من يقوم منذ سنوات بغسل سيارته؟ وما نسبة من قالوا شكرا لكناس الشارع على عمله؟ صحيح أن البعض يضع نصف دينار أو اكثر في يد ذلك المسكين، ولكنه يفعل ذلك كسبا للأجر وليس ليقول له: شكرا! فقد يكون هذا الكناس بحاجة إلى كلمة امتنان لما يقوم به بمثل حاجته إلى النصف دينار. وبالتالي، كان ربما لزاما عليّ التوقف عن الكتابة، أو تقليم وتشذيب حوض زهور الحي، للفت نظر محبي تلك الزهور والورد إلى ان من يرعاها ليس فقط بحاجة إلى كلمة طيبة، بل وأيضا لأنه يود أن يعرف أين تذهب كلماته، وهل هناك من يتجاوب وينفعل ويتفاعل ويضحك ويزعل، ويعبس مع ما يكتب، بمثل قدرته، ورغبته في معرفة إن كان هناك من يغضب ويرتفع ضغطه، وهو في مكتبه الهندسي، وإن كانت تصدر منه، وبينه وبين نفسه، همهمة احتجاج أو نية شتيمة أو لعنة، بهمس! كما أن علينا ان نعرف أن هناك من يؤدون أعمالا تفوق في قيمتها بكثير ما ندفعه من أجر للحصول عليها، ومن هؤلاء فراش المكتب وكناس الشارع وغسال السيارة وربما حتى صراف القبس! ومن أجل توضيح ما يعنيه الكاتب، أي كاتب لقرائه، وما تعنيه القبس كصحيفة ملتزمة، أود هنا مشاركة القراء في بعض ما وردني من رسائل على مدى خمسة ايام، وهي ليست بالضرورة افضل من غيرها، ولكنها ربما كانت، لسبب أو لآخر، مناسبة أكثر للنشر. ولخصوصية أسماء من ارسلها، فسأكتفي بذكر الاسم الأول، عدا الرسالة الأخيرة، وليعذرني من ارسلها. 

شهادات عابرة للقارات
من استراليا كتب علاء يقول: إنني من متابعي مقالاتكم منذ سنوات. وعلى الرغم من ان أغلب المواضيع التي تتناولها محلية أو خليجية، ولكنها تتشابه مع المواضيع العراقية. من موقعي في القارة الأسترالية أعتبر مقالاتكم بمنزلة غذاء روحي يومي أكره أن أخسره.
أما مناور، فكتب: أنا لا أعرفك الا عن طريق مقالاتك، وفعلا عشقت القبس اكثر بسببها. قهوة الصباح لا طعم لها بغيرك.
أما عبدالخالق، فقد طالب باستمراري، وقال: لا تقلل من أهمية ما تكتب، فلك تأثير على جمهرة واسعة من القراء. ويجب ألا نترك الساحة للرجعيين.
وفيليب من سويسرا: خواطركم تصب في الصميم، واتمنى أن يكون لك الوقت الكافي للقيام بما تحب.
متري من بيروت قال: استطيع أن أؤكد لك بأنه ليس من المهم أن تلقى كتاباتك اذنا صاغية او عيناً تقرأ، بل أن تجد صداها في العقول!
واقبال كتبت: انت لم تتعب ولم تيأس ولكنك مشتت، ربما تحتاج الى التركيز وأن ترتب اوراقك وتضع جدولا زمنيا لمشاريعك المتعلقة بالكتابة، سواء مذكرات او خواطر، وألا تقطع الطريق بمن تعلق بك.
زبيدة كتبت: منذ سنوات وأنا لا أقرأ اي جريدة لأن قراءتها تسبب لي اكتئابا وحزنا واخفاقا! ولكني أقرأ مقالتك اليومية على الإنترنت، وهي نافذتي على الداخل الكويتي الذي يزداد ضيقا يوما بعد يوم. لا تنقطع عن الكتابة، وان ارهقتك واتعبتك، فهي أكثر جدوى مما تعتقد، وهي تدخل الكثير من الأمل إلى نفوس اناس مثلي، واعتقد بأنهم كثيرون.  
إلهام من جبل لبنان كتبت: منذ تدرّجت في تعلم استعمال الحاسوب، ثم حصلت على خدمة الإنترنت (السيئة والبطيئة في لبنان) ومقالك اليومي ثابت في موعده الصباحي، أنا لا أقرأه وحدي، بل هو جزء من «باقات» أرسلها كل صباح في كل الاتجاهات، أراك تغربل وتصفّي وتقدم لنا الأطايب، تماما كما أفعل أنا،  وجهدك مشكور على كل حال، فالوقت لا يتّسع لقراءة كل ما على الشبكة العنكبوتية. أرى أن في مقالاتك تلك «الجرعة» من الموضوعية التي أحب، فلا دعاية ولا تعصب دينياً ولا مديح مجانياً لأهل السلطة. وبصراحة، حتى عندما لا أتفق معك حول فكرة ما، يكفيني أن أعتبرها «جديرة بالمناقشة» وهذا جل ما نطلبه من اي محاور!

نقطة ضوء من القبس
«مي» كتبت: أتابع و بشكل يومي مقالاتك كونك كاتبي المفضل من بين العديد من كتّاب المقالات اليومية. وأود من خلال هذا الرد أن أوصل إليك مدى أهمية ما أقرأه لك يوميا. بالنسبة لكتاباتك بخصوص التيار الديني المتشدد فقد أثريت معلوماتنا بشكل مباشر وواضح، وسلطت الضوء على تاريخ هذه الحركات وبدايتها والتنبيه من خطورتها، بالاضافة الى متابعتك الحثيثة لأنشطتهم والتعليق والتحذير منها، وقدمت لنا معلومات وفيرة عن مصادر ثرواتهم، والتزمت دائما بذكر مصادر معلوماتك، بالاضافة لما لديك من فكر وعلم نتيجة ما تقرأ من كتب ومما تعلمت، وكل ذلك أثلج صدورنا وعبّر عن آرائنا، حيث أصبحت ونحن معك ندا لهم فيما يفعلون، فأرجوك لا تتوقف. أما بالنسبة لكتاباتك الخاصة بنقد الأوضاع الاجتماعية للمرأة العربية و الدفاع عن حقوقها وحريتها، فأرجو منك أن تستمر، فهذه المقالات تقف في وجه أعداء حرية المرأة وتشعرهم بالخجل من تصرفاتهم. كما أستمتع بكتاباتك المتنوعة عن التاريخ أو المعلومات ونستفيد منها كثيرا عندما تذكر لنا عن اسم كتاب جديد تنصحنا بقراءته أو معلومة جديدة عن اختراع، وألاحظ طريقة طرحك الممتعة للمعلومة، مستندا إلى علم وفير، أو بتشبيهك لما يحدث بقصة فلسفية ممتعة وغريبة ثم تضيف تحليلك الشخصي.
أما الكابتن، فيقول عليك بالاستمرار في صراعك مع قوى التخلف، أنا معجب بعمودك.
ويقول جعفر: نتمنى ألا تتوقف، فقد تعلمنا أشياء مثيرة وجميلة منك، وأثرت بداخلنا مواضيع شيقة.
وكتبت فوزية: لم اصدق انك ستترك تواصلك مع قرائك، انها خطوة ربما أخذت الكثير من التفكير والتمحيص قبل الإقدام عليها، وما علينا سوى احترامها، و لكن لا بد ان نقول أيضاً ان الكتابة التي قدمتها لقرائك كانت ذات فائدة كبيرة لتنوع الأفكار والمعلومات التي يجهلها القراء، وكانت كتاباتك متنفسا لآخرين ممن يؤمنون بأفكارك المستنيرة التي تنم عن ثقافة إنسانية راقية ولكن لا يملكون ما تملكه من عقل منظم ولغة سلسة وغزارة في التعبير وصبر على البحث والتبحر المستمر، فكنت المترجم لما يفكرون به وانقذتهم من حاله الــfrustration   التي هم بها. لا يسعني، ومعي الكثير ممن اعرف، إلا أن اطالبك بالتراجع عن  قرارك، وأتمنى ألا تنقطع عن الكتابة. هناك أقلام رشيقة وأخرى جريئة في الصحافة الكويتية، ولكنك تمتلك الاثنين معا وزيادة، فانت من القليلين الذين يحترمون العقل ويطالبون بالتزود بالعلم حتى نصبح  بمستوى الامم التي على الاقل تفهم ما يجري من حولها ولا يضحكون من جهلها وتأخرها! لا تحرم قراءك من نقطه الضوء المطلة عليهم من القبس، على الاقل مرتين في الاسبوع، لفترة الاستراحة.
وتقول هنادي: أحمد الكاتب، لقد اخترت أن أسبق اسمك بالصفة الوحيدة التي أعرفك بها فنحن لم نلتق، وأحمد بالنسبة لي هو الكاتب المجهول الذي يتحدث بلسان العقل في مجتمع فقد عقله وضميره! عندما أقرأ السموم التي يبثها ثعابين التطرف الديني أحزن ولا أجد عزائي إلا في مقالاتك التي تظل شوكة في خواصرهم وترياقاً يحمي المسموم من الموت بين انيابهم. أرجوك استمر، نحن وراءك جميعاً وننتظر اليوم الذي تنتظره أنت حتى و لو بعد حين.
ويوسف يتساءل: هل على كل من يحمل شمعة أن يطفئها كلما التقى بمن يبغض النور؟ الرجاء المثابرة!
وحسن أضاف: كتاباتك اليومية تضيء صحافة الكويت ويجب أن تستمر.
وفارعة قالت: يا نصير الحرية والحق صاحب القلم المستنير، سأكون أكثر المتضررين فيما لو انقطعت عن الكتابة. لا تعتقد أبدا بأن مقالاتك تذهب سدى. المتأثرون كثر وما تفعله إنما هو دورك  ضمن مجموعة التنوير وضمن من حملوا على عاتقهم التغيير نحو مجتمع إنساني منفتح يحتفي بالثقافات الأخرى ويساهم في بناء حضارة إنسانية في المنطقة، وان حاول غيره الهدم. لا تتركنا. «إحنا نموت عليك يا معود إذا انت تترك من يبقى في الساحة؟» انت تقوم بالتغيير صدقني، قلمك مؤثر جداً وأنا عن نفسي لم يعد لدي وقت لأقرأ لكل الكتاب، فأصبحت اكتفي بمقالك في القبس ومقال زميلة عزيزة في جريدة الجريدة.
عدنان يقول: لم اتوقع منك هذا الشعور بالإحباط واليأس. ولعلمك وليس مجاملة، فأنت تعتبر من أميز الكتاب في الصحف الكويتية، والموضوعات التي تطرحها قيمة وبعيدة كل البعد عن التحيز والطائفية والشخصانية، ان زوجتي وهي متدينة معجبة بما تطرحه من آراء ومقتطفات ومعلومات مفيدة. الصحافة الكويتية محتاجة وبشدة الى اراء نيرة ومخلصة ومحبة للوطن والمصلحة العامة، فهناك الكثير من الكتاب المرتزقة والمتطرفين والذين يتبعون الدينار وأهل النفوذ والمصالح الشخصية والحزبية والمأجورين. إن صاحب الرأي الحر والمخلص والشفاف لا بد ان يواجه بعض المشاكل والعراقيل ولكن احب ان أؤكد لك أن الكثيرين يحترمون ويقدرون ما تطرحه.
وكتب وديع: لا تلق القلم يا احمد ولو تعبت، ولا ترم الرسالة التي حملت طويلا ولا يأخذك الوهم ولا التردد، مهما أخذت منك الكتابة اليومية، فلا يوازي ذرة من الاحترام الذي كسبته، ومن المكانة التي كونتها في قلوبنا. إن كان لا بد من القدر، فاسقط انت والقلم معا.
نوال من دبي تقول: إن الشعور بالمسؤولية يجري في دمك، ولن تستسلم رغم السلبيات التي نعيش فيها واعتقد بأنك نورت جيلاً وأجيالاً، ووضعت حدودا لتجاوز الكثيرين لواجباتهم ومسؤولياتهم وقلمك وكلمتك، والقلة أمثالك أملنا وكنز مجتمعنا.
مشاعل تكتب: أنا و أسرتي نقرأ لك منذ سنوات. الكتاب من امثالك ينطبق عليهم قول السيد المسيح «صوت صارخ في البرية» نحن نسمعك بوضوح واهتمام،ونشد على يدك.
وكتب خالد من الصليبية قائلا: قرأت مقالك، وأحب اكلمك من دون تكلف. أنت من الذين غيروا في طريقة تفكيري، ومقالاتك من اخف وامتع المقالات وخصوصاً المترجمة، لأننا، نحن معشر«الجهلة» باللغة الانكليزية؛ نعتبرك وامثالك الواحة في الصحراء القاحلة. شيء كبير جدا اذا قدرت أن تؤثر، وخصوصاً بالطبقات السفلى اجتماعيا. مع تحيات متابع لمقالاتك من الصليبية، يمكن ما تعرفها؟!
وسمية كتبت: هل هذه مفاجأة؟ بعد أن تعودنا على قراءة الصفحة الاخيرة قبل الاولى تأتي وتسألنا هذا السؤال؟ هل تريد منا ان نهجر القراءة؟ لا والله، القبس من دونك ما تسوى، رجاء لا تتركنا.
وصافي قال إن توقفي سيدفعه لقراءة مقالاتي القديمة.
وعماد كتب: إنني من اشد المؤيدين لاستمرارك في الكتابة. فان  تحليلك وفهمك لما تمر به الأمة يساعداننا على فهم ما يجري من حولنا. أصبحت سمة التخلف والتشرذم لصيقة بنا، فمع تقدم العالم نتراجع نحن إلى الجاهلية .
وتقول قارئة: منذ ما يقارب 15 سنة مضت، وقد كنت في حينها في بداية حياتي العملية، قرأت مقالتك عن قصة علبة البسكويت، والتي تحكي عن سيدة كانت تنتظر طائرتها فاشترت كتابا وعلبة بسكويت لتمضية الوقت.. إلخ. ومنها تعلمت أنه لا يمكنك استرجاع الفرص بعد ضياعها ولا يمكن استرجاع الرصاصة بعد انطلاقها، فشكراً لك على ذلك الدرس، الذي لم أنسه منذ يومها.
وكتب يعقوب: مع كل ما ربطنا من زمالة ومودة وصداقة، فانه قد يكون اعجابي بما توصلت اليه من كفاءة بالكتابة زائد القدرة على إظهار افكارك متحيزا، فأسلوبك فيه الكثير من الحرفنة، أنا كأحد الكثيرين من أصدقائك فخور بكل ما حققته ككاتب رئيسي ومقروء في القبس.
محسن كتب: تألمت لما تضمنه مقالك من شعور باليأس والإحباط، وأرجو أن أكون مخطئا في فهمي لما كتبته. وأود أن أؤكد لك أني من القرّاء الدائمين الحريصين على الاطلاع على ما تكتبه كل يوم، وفي كثير من الأحيان أستبق وصول الجريدة إليّ في الصباح، فألجأ إلى الإنترنت لأقرأ مقالك قبل أن أنام. وأعتقد أن هناك الكثير من القراء الذين لديهم حرصي واهتمامي نفسهما. بل إني أقدر لإدارة جريدة القبس إفساح المجال لمقالاتك في موقع متميز من الجريدة في الصفحة الأخيرة، حيث كنا نقرأ للراحل محمد مساعد.
ومريم قالت: أقرأ مقاتك وأحيانا أستشهد بها وأتأثر بما تحتويه ربما لصغر سني، فإني مازلت أثق كثيرا بحسي اخلاقي ولا أطاوعه، ولكن معرفتي بالقانون من خلال مقالك زادتني ثقة بنفسي. مقاتك فيها الكثير من ايجابيات، وأنا أتفق معها، وقد اكتشفت أن والدي أيضا معجب بمقالك، رغم أنه يستدرك، واصفا إياك بأنك «ليبرالي حييل».
عهدي كتب: من يكتب مقالا فيه رأي حصيف وجيد فلا يهتم برأي الناس، العبرة بالرأي أو الفكرة التي تكتبها واغلب آرائك جيدة وتستحق المتابعة. انا من قرّائك الدائمين، وكثير ما تناقشنا في ما تكتبه مع مرتادي ديوانيتنا.
سعاد كتبت: هل داهمك اليأس؟ لست تراني لائمة! فما الذي يدعو لغير ذلك؟ ولكنك لا تملك هذا الحق !أحاول منذ زمن أن أنجو من عادتي  في تعكير مزاجي مع قراءة الجريدة كل صباح، ولكني أفشل دائما، لا لأنني شديدة الولع بتعذيب نفسي، ولكن لوجود أمل في داخلي بأنه حتما ستقع عيناي على ما يسعدها، وبأن هذا الوطن يستحق أن نتمنى له الخير، والأمل يجعلنا ننتظر.
سليمان من لندن: إن توقفت عن الكتابة فسأتوقف عن القراءة، وتتحمل مسؤولية ما أعانيه من جهل في المستقبل. فمنذ تقاعدت وأنا امضي بضع ساعات في قراءة كتب لم أحلم بقراءتها. أنا في الواقع أبالغ، ولكن ليكن في علمك أن هناك العديد منا سيصيبهم نوع من الاكتئاب إذا كان أمثالك من كتّاب سيتركون الكتابة فأفضل ما في الغربة هو قراءة مقالاتكم. وفي الختام، أم سعود «تقولك بطل هالسوالف وخلك على الكتابة».

نستشهد دائماً بما تكتب
عادل يقول: نغمة اليأس في مقالتك امس ما كان يجب ان تخرج منك. طبعا انت تحمل راية وشعلة تنوير المجتمع، وتسبح عكس التيار، وتعلم ان تأثيرها بطيء اذا قيس بعمر الشعوب، ولكن يبقي لها تأثير. ففي الديوانية دايما نستشهد بما كتبت لتأكيد فكرة معينة، وبين عائلتي الصغيرة لما اقول لاولادي ما سطرته بقلمك من معلومات فان عيونهم تتفتح للآخر ويرغبون في المزيد وهذا في حد ذاته تأثير واضح وايجابي.
وكتب عبدالله (بالإنكليزية) لا تتوقف عن الكتابة: أنا أعلم أنك تقضي الكثير من الوقت لتكتب شيئا لا تستغرق قراءته إلا لحظات، وهذا ما يجعل أسلوبك في الكتابة مميزا، ولا يتطلب من القارئ بذل عناء كبير لفهم ما تريد قوله. لديك حس فكاهي، فقد اضحكتني في مرات كثيرة وأنا اقرأ مقالاتك، فلا تتوقف.
وكتب من وصف نفسه بانه تجاوز الستين: لم أكتب لصحافي أو لصحيفة أو حتى لمسؤول حكومي: غالبا ما كنت أقرأ لك وللشرفاء أمثالك، فأقول: جزاك الله  خيرا أو أقرأ لآخرين، وهم كثر للأسف، ينطقون بما لا يفقهون، ويخوضون فى أمور لا يدركون ما تجره من تبعات على هذا الوطن كلما أمسكوا بأقلامهم، وكتابتي لأول مرة من منطلق تقديري لشخصك الكريم ولقلمك، فلا تضع قلمك جانبا ولا تخفف فالتخفيف، مكروه فى هذه الأمور.    
شريفة تقول: على الرغم من أنني ابلغ 21 عاما فقط، فإنني اجد في مقالاتك الكثير، وأنتظر ما تكتب يوميا بفارغ الصبر.. لا تتوقف.
محمود يقول: هناك دائما مَن يثمن ويفهم ويتأثر بكتاباتك في عامودك. براعة الكاتب في استحواذه على اهتمام القراء وأنت واحد منهم.
انا لا اقرأ يوميا سوى مقالتك وحوالي عشر دقائق من القبس. اعتقد انك تنتمي الى آخر جيل كويتي مثقف ومستعد للعمل الجاد، لذلك يجب ألا تتوقف عن الكتابة للاجيال التي تبعتك.
عادل من لندن كتب: اقرأ كل كتاباتك وأحبها كثيرا، فأكثرها مرهم للجرح، أرجوك الاستمرار وأن تكثر منها. أما زوجته الدكتورة فكتبت: نحن نعيش في لندن ونستمتع بقراءة مقالاتك، ودوما نرسلها إلى أصدقائنا، وكلهم يستلذون بها وبما فيها من معان فنرجوك أكمل المشوار واستمر في العطاء.
ميسون تقول: كنت وما زلت من المعجبين والمتابعين لمقالتك اليومية في جريدة القبس وكانت كجرعة الفيتامين المغذية، التي أحرص على تناولها مع فنجان القهوة في عملي صباحا. وفي هذا الصباح تصفحت جريدة القبس وكلي شغف للوصول إلى الصفحة الأخيرة من أجل قراءة مقالتك، وكم كانت خيبتي ثقيلة حين لم أجدها، وتذكرت ما كتبته عن نيتك الاعتزال فشعرت بوقع الخيبة أكثر. بالطبع ليس لي الحق في أن أثنيك عن قرارك فيما لو اتخذته فعلا، لكني أجد أن من حقك معرفة أني واحدة من متابعيك وقرائك الذين حتما سيفتقدون مقالتك القيمة بشكلها ومضمونها. سنفتقدك حقا، أرجو أن تواصل الكتابة. وبعد أن اقتفيت أثرك وجدت موقعا باسم «كلام الناس» يحتوي على جميع مقالاتك، أسعدني أنني وجدت أرشيفا لها، ولكن مع ذلك أعتقد أن مقالاتك على الصفحة الأخيرة في القبس لها وقع صباحي منعش.
محمد «الثالث» قال إنه لم يشارك في حملة ثني عن التوقف عن الكتابة، والسبب أنه كان على يقين بأنني غير قادر على ذلك، ليس ضعفا أو عجزا من جانبي، بل لأنه وبقية قرائي «لن يسمحوا بذلك!! خاصة بعد ان أصبحت جزءاً مهما من برنامج القراءة اليومي لمن كتب لي ولمن لم يكتب من قراء القبس».
وقال: من يقرأ لأبي طارق يلاحظ ب سهولة الجهد المبذول ودقة المتابعة وعمق الفكر وحتى حين لا يتفق البعض مع ما تكتب يشيدون بالجرأة والمثابرة في مناقشة قضايا قد يصنفونها من المحاذير أو المحرمات، وهذا لا شك جهد مشكور باتجاه تحرير الفكر من قيود المجاملة أو المهادنة المقيتة، التي أراها أحد أهم الأسباب لما نحن فيه . ولذلك اسمح لي أن أقول وأكرر «لن نسمح لك يا أحمد»!
وكتب نجيب: نجحت بجدارة في ملء الفراغ الذي خلفه أبو طلال، لذلك نرجو منك الاستمرار.
وأخيراً، نختم هذه المشاركات برسالة المهندس علي العبدالله: حين وقعت عيناي على عنوان مقالتك الأخيرة «هل تعبت أم يئست؟»، انطبعت في ذهني إشارتان: الأولى «هل تَع.بَتْ أَم يَئ.سَتْ؟» والثانية، «هل تَع.بْتُ أَم يَئ.سْتُ؟»! ولكن.. وبمجرد أن قرأت السطر الأول تحققت ان الأمر مرتبط بشخصك العزيز. وبعد قراءتي المتكررة للمقال ارتأيت أن أتريث قليلاً، ريثما يستقر غبار الصراع بين العقل والعاطفة. وبعد أن انتصر العقل على العاطفة مع بعضٍ من عطف العقل تجاه العاطفة، بَرَزَتْ أمامي جُمل وكأنها كُتبت بمداد مميز عن باقي المفردات، مع التأكيد على أهمية كل كلمة لكونها النسيج المتكامل لمقالة، لا شك اختصرت عشرين سنة من «المعاناة  والنشوة».
تقول «أسعدت البعض، ولكني حتما أغضبت الأكثر»، وأنا أقول يا أخي الفاضل، أليس هذا هو الوضع الطبيعي؟ «إن إرضاء الناس غاية لا تدرك»، خاصة ان هناك شرائح من المجتمع تبغض الحقيقة، لأنها، إما تتضارب مع مصالحها أو توجهاتها الدينية والفكرية.. هذا إذا كان لديها الفكر أصلاَ! وهناك أيضا من لا يتفقون معكم لأنهم لا يريدون تعكير صفو من حولهم. وهناك أسباب أخرى كثيرة، منها الجهل المطبق على العقول.
تقول «.. بل لصعوبة صياغة ما أود كتابته بطريقة سليمة، بحيث يخرج جميلا، ولا يمنع من النشر، ولا تحذف منه فقرة هنا أو كلمة هناك.. الخ». أقول إن جهودك هذه لم تذهب قط سدى، فإنك تصيغ ما تكتب بلغة بليغة ومترابطة تتميز بالقوة والجمال، وان استدعى الأمر بالقوة والصراحة وبشجاعة يفتقدها الكثيرون ممن ينعتون أنفسهم «بالكتّاب» أو يُنعتون، كذلك لا فرق. إن الجهد والوقت والمعاناة التي تبذلونها هي من جودك وكرمك لإيصال «الرسالة» وإدخال السعادة الى قلوب القراء، وأنا منهم. لقد نذرت نفسك لذلك، وهذا قمة في العطاء النبيل. وتسترسل، الى حيث تقول، «ولكوني كاتبا غير محترف ولا حتى بالضليع بأسرار اللغة». هذا تواضع منك جمّ. قد لا تكون ضليعاً بأسرار اللغة، لأن ذلك تخصص عميق لا يناله الاّ من كرّس حياته وتفرغ لدراسة أسرارها، ولكنك من دون شك، وان كنت تقول بتواضع إنك غير محترف– وهذا ليس إطراء- فأنتم تكتبون باحتراف. وكم من «كتّاب» يُعتبرون أكاديميين تزعجني لغتهم قبل فحوى ما يكتبون! منهم من لا يعرف ان «لم» تجزم! ومنهم من لا يعرف الفرق بين «التاء المربوطة والمفتوحة» وهؤلاء «كتَّاب» في الصحف اليومية.
وتقول «فمن الطبيعي أن تكون عملية الكتابة اكثر صعوبة بالنسبة إلي، مقارنة بغيري من زملاء أكاديميين ومحامين وشعراء وأدباء!»، أعتقد ان الصعوبة نتيجة حرصك على أن تكون كتاباتكم، وكما قلتم، «سليمة بحيث يخرج الكلام جميلا، ولا يمنع من النشر، ولا تحذف منه فقرة هنا أو كلمة هناك.. الخ»، ولا علاقة له بانك لست اكاديميا أو شاعرا أو أديبا. وقد أثلجت صدري حين قلت: «وربما تكون محبة البعض، على قلتهم، لما أكتب، هي الجائزة الكبرى..». وأنا أقول: في المقابل، انت وسام على صدورنا لما تتمتع به من شفافية وشجاعة في طرح الكثير من الأمور التي يرتعد البعض من الاقتراب منها، خوفا على مصالحه أو إرضاءً لمن يدور في فلكهم.
إن ما أوردته ليس إلا ما أشعر به بكل صدق، ولم أقصد التأثير في قراركم بشأن الاستمرار من عدمه. لا شك، كغيري ممن كتبوا اليك، أتمنى أن تستمر. ونحن بانتظار مؤلفاتك التي وضعت مسوداتها منذ سنوات. وفي الختام، أهديك قصيدة كتبتها منذ عدة سنوات حين كنت بين مجموعة من المعارف والأصدقاء ضمن BOOK CLUB  وكنا قد قرأنا «المعذبون في الأرض» للدكتور طه حسين، واجتمعنا لمناقشة الكتاب وكانت مساهمتي بهذه القصيدة:
 من وحي «المعذبون في الأرض» للدكتور طــه حسين:

«طَه حُسَينُ»،  لَقد  هَيَّجتَ ل.ي طَـرَبًا
شَر.بتُ   م.ـن  نَبع.ـكَ  الأَفكَارَ وَالأدَبَا
كَم سَـوَّدُوا  صُحُفًا،  ثُمَّ ادَّعَـوا   أَدبًا
 تَقَيَّأوا  فَـوقَ  صَفـحَات.  الك.تَاب. وَبًا
وص.ــغتَ لَفـظًا رَز.ينَ اللَّـحن.  مُتَّز.نًا
س.ــحرُ البَيَان. أَتَانَا م.ن لَـــدُنكَ سَــــنًا
رَسمتَهُ  صُـــــــوَرًا، عَايَشتُـهُ  حُلُمَـا
وَص.غتَهُ عَاص.ـفًا م.ـــن ثَمَّ فَـوقَ رُبىً
حَتَّى سَم.عتُ ضَج.يجَ الصَّمت. وَاعَجَبًا
«مُعَذَّبُونَ»  ب.دُنـيَانَـا ؟!  فَلَـــــيسَ لَـنَا
فَت.لكَ  قَد سُجّ.لَت ف.ي  لَـــــوح. مَو.ل.دنَا

بَعدَ الَّذ.ي كَانَ  ف.ي الأَسفَار. مضطَر.بَا
فَفَاضَ ف.ي القَلب.  نَبعٌ،  بَعدَمَا نَضَبَا
 يَح.يلُ   قَلب.ـي  سَق.يـمًا  مَلـؤُهُ   الكُرَبَا
وَيحلُمُــــونَ ب.ب.نـت. الكَــــرم.  وَالع.ـنَبَا
وَكُلُّ لَفـــــظٍ أَرَى ف.ي رَحم.ـــــه. كُـتُبَا
كَأَنَّــــــهُ ب.مَـــــدَاد. التّ.بـر. قَـــد نُـظ.مـَا
أَسقَيتَن.ي م.ن شَـــرَاب.  اللَّفـظ. مَا عَذُبَا
أجلَستَن.ي، وَفُـــــؤَاد.ي نَبضُـهُ سُـــل.بَا
أَو خ.لتُ نَفس.ي أَرَى ف.ي صَخب.ه. عَجَبَا
أَن نَعلَـــمَ الغَيبَ أَو أَن نَفقَهَ  السَّبَبَــا
فَمَا لَنَا أَن نُث.يـرَ السَّــخطَ والغَضـــَبَا

احمد الصراف

مدرسة تعليم قلة الأدب

من الواضح أن هناك تزايدا كبيرا في حالات قلة الأدب والذوق والحياء في مجتمعاتنا! فقد أصبح المؤدبون واصحاب الذوق قلة في مجتمع أصبح افراده يأكلون أنفسهم ومن حولهم، وحتى حديد وخشب وأرصفة وطنهم لم تسلم من شراهتهم، وكأن الذين من حولهم نكرة! وهؤلاء غير المكترثين بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم هم عادة الأقل التزاما بالقانون، وكأن لا دولة ولا خلق ولا أدب هناك يستحق الاكتراث أو الالتفات اليه. تذهب إلى الحفلات فتجد أن «المخامط» على الكراسي والطاولات، القريبة من منطقة ما! وما ان يغادر مدعو كرسيه لسبب أو آخر، حتى يقفز الآخرون على كرسيه من دون اكتراث لحقيقة أن هذا الكرسي يعود لشخص آخر! وتذهب إلى الأسواق فتجد أن أرصفة كثيرة قد تكسرت نتيجة وقوف المركبات الكبيرة عليها، وتجد أن «قليل ادب» قد حجز عددا من السيارات بوقوفه الخاطئ من دون أن يعبأ بمتاعب الآخرين. وتجد الأصحاء، من منعدمي الإحساس، يحتلون بسياراتهم مواقف المعاقين من دون اكتراث بلوحة المرور التي تقول «خذ إعاقتي إن أردت أن تأخذ مكاني»! وتقود سيارتك في الطريق فتجد السيارات تتخاطفك ذات اليمين واليسار بسرعة هائلة، وفي سباق مميت، وما ان يقترب هؤلاء من كاميرا السرعة حتى يخففوا من سرعتهم ليعودوا للانطلاق مرة اخرى، وهذا يعني أن بيننا الكثير من الذين «يخافون ولكن لا يستحون». وقد قمت شخصيا بإيقاف سائق يسير بمركبته عكس السير، وسألته إن لم يكن قد سمع بتشدد المرور في ما يتعلق بالمخالفات، وكيف سمح لنفسه بالمخاطرة بعمله واسرته، وهو الإنسان شبه المعدم؟ فسكت، وطأطأ برأسه، ومد يديه يحاول الإمساك، ربما للثمه! نعم هو يخاف، ولكنه حتما لا يستحي! ولو وقفت في طابور فمن المعتاد أن تجد من يريد تخطي الجميع بحجة أنه قد تأخر أو مشغول، وكأن البقية ينتمون لكوكب آخر. وغالبا ما يفوز هؤلاء ويحصلون على ما يريدون، فهم لا يستحون، وهذا يجعلهم يتمادون أكثر في قلة الأدب، وهذا يزيد من غيظ غيرهم أكثر ليتساءلوا إن كانت هناك مدرسة لتعليم قلة الأدب، ليحصل الجميع على المكسب.. نعيش جميعا… في غابة!
وتعليقا على المقال الذي ذكرت فيه اسماء بعض من اتصل بي محاولا ثنيي عن التوقف عن الكتابة، ارسل لي قارئ طبيب يقول ان من المخجل ان «استمر» في الكتابة بعد رفضي نشر بقية أسماء من اتصل بي، وهو أحدهم، وأنه لا يود وضع اسمه ضمنهم لأنني لا استحق هذا الشرف! وأن اختياري لذكر اسماء شخصيات مهمة، فالبقية «بشر» ووقفوا معي! وان ليس لي الخيار غير ان أنشر أسماءهم في مقال آخر او اتوقف عن الكتابة! وقال انني اقترفت اكبر خطأ في سيرتي ككاتب! وإن علي ذكر أسماء البقية، ذكر أسماء البقية، ذكر أسماء البقية أو أصبح، بنظره، شخصا غير مرغوب فيه!! ولعلم الطبيب القارئ فإن مساحة العمود لم تسمح بذكر جميع الأسماء، وليس من الذوق نشر مقال آخر لا يتضمن غير 53 اسما، خاصة أن مقال غد، الجمعة، سيتطرق لموضوع التوقف! كما أن نشر الأسماء اعتمد على قاعدة أولية ورودها وليس أهميتها، فجميع القراء لدي بالأهمية نفسها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

وهم الفضيلة (2/2)

يستطرد الزميل فخري شهاب بالقول إننا يجب أن نرفض مثل هذا المصير الذي تعرضت له النساء الأميركيات إن كنا نريد كويت المستقبل أن تكون عربية ومسلمة، أما إن كنا نريدها كويتا عصرية متحررة فهذا أمر آخر! وتحدى من جادلهم من «السخفاء»، وهو الذي سبق ان وصفهم بالمفكرين، أن يتكرموا عليه بالكيفية التي يرون بها مستقبل حفيداتهم مثلا! وناشدهم باسم الديموقراطية أن يخبروه بأمر من يأبى أن يرى أخواته وبناته وحفيداته «يتعايشن»، وينجبن أولادهن «معايشة»؟ هل سيُجْبَرُ المخالف هذا على احترام قانون «التعايش» العلماني الجديد، فيضطره إلى قبوله؟ وتبلغ السخرية ذروتها عندما يعترض السيد شهاب على ما تتعرض له «تقاليدنا وعاداتنا الموروثة» من هجوم من «العدو»! يعاونه في ذلك أشباه العقلاء منا! ثم يسخر من منجزات المرأة، والكويتية بالذات، لأنها ربما نجحت سياسيا، ولكنها فشلت في أن تعمل شيئا يسجل لها ويقترن باسمها، او يرفع اسم الكويت عاليا بين الدول في الرياضة أو الفن! ولكن تعال يا زميلي الكريم وقل لي هل الفن والرياضة هي من «تقاليدنا وعاداتنا الموروثة» التي تطالب «نساءنا» بالبروز والتميز فيها؟ ثم ينهي مقاله بالقول بأن التحديات التي تتعرض لها المرأة الكويتية، كأغلب بنات جنسها العربيات، وريثة محيط متخلف حضاريا، فقيمها وآفاقها وطموحاتها ومثلها العليا مستمدة من تراث القرون الوسطى! ولكنه نسي أن ما استمد من القرون الوسطى وما قبلها هي التقاليد والعادات الموروثة، التي طالبنا في بداية مقاله بعدم التخلي عنها! ويبدو أن صديقنا الزميل قد نسي في خضم ثورته وغضبه المثل الإنكليزي الذي يقول إن من الاستحالة الاحتفاظ بالكيكة وتناولها في الوقت نفسه! فلا يمكن أن تحقق المرأة، والمسلمة بالذات، اي إنجاز حضاري، علمي أو فني أو رياضي أو اخلاقي إن استمر إصرارنا على التمسك بتقاليدنا وعاداتنا، علما بأن ليس هناك ما هو جامد في أي موروث، فتقاليد جدتي غير تقاليدي غير تقاليد جدتها وهكذا! ولو أردنا للمرأة أن تتقدم فيجب أن تتعلم، وأن تتعلم يعني أن تنهل من كل مورد عظيم، وهذا العلم لا يوجد من دون اختلاط وسفر، ولا يوجد من دون كرامة، والكرامة لا توجد بغير ثقة والثقة تعني اعطاء الابن والابنة ما يستحقانه من تربية وتعليم ونتركهما يتصرفان بما يريانه مناسبا وفي مصلحتهما، وبالتالي لا يمكن الإصرار على استمرار تحكم الرجل بالمرأة، لأنها صمام الفضيلة والشرف والعفة، ثم نتوقع منها في الوقت نفسه أن تبدع وترفع رأس اسرتها وأمتها عاليا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

وهم الفضيلة في مجتمعاتنا

هذا ليس ردا على مقال سبق ان كتبه الزميل فخري شهاب، وما أثاره من لغط في حينه، بقدر ما هو رد على انطباع عام يؤمن به كثيرون، مفاده أن المجتمعات الغربية عامة تتسم بالانحلال والتفسخ الأخلاقي، وأن الفضيلة والعفة والشرف هي من سمات مجتمعاتنا، وأن للعادات والتقاليد دورا في الحفاظ عليها. يقول الزميل: إن «الأفكار» كجراثيم الدرن، سريعة الانتشار عبر الحدود، فظهورها اليوم في الغرب مقدمة لظهورها عما قريب بيننا! وهنا لا نتفق معه طبعا في وصف «الأفكار» بالدرن، فقد نسي أو تناسى أن الغرب والإنسانية برمتها تدين بكل تقدمها لمجموعة أفكار فلسفية وعلمية، والإنسان بغير فكر هو حيوان أعجم. كما أن الفكر الغربي الحديث بالذات، هو الذي أطاح بمسلمات عتيقة وخاطئة، وأوصل البشرية لما هي عليه من تقدم ورقي حضاري وتقني! ويقول أيضا ان دراسة رسمية (رسمية!) لـ «إن بي سي» N.B.C الأميركية كشفت أخيراً عن معالم واتجاهات في عالم الزواج لم تكن معروفة من قبل، فمن دراسة أجريت بين عام 2002 وعام 2010 تبين أن الشباب من الجنسين بدأوا منذ التسعينات يفضلون بشكل مطرد «التعايش» بعضهم مع بعض على الارتباط بالزواج! كما أن النسبة الى ارتفاع، فمن %34 في عام 1995، ارتفعت إلى %43 في 2002، ثم ارتفعت إلى %48 اليوم. واضاف أن الدراسة بينت ان ربع النساء الأميركيات، بين سن 15 عاما و44 عاما قد «تعايشت» مع رجل ما، وإن هذه النسبة ترتفع كلما ارتفعت أعمارهن. وتساءل الزميل إن كان هذا ما ينتظر المجتمع الاسلامي بعد حملات التحرر التي يسعى الليبراليون جاهدين لتطبيقها؟ وقال انه ناقش هذه الفكرة مع بعض المفكرين في الكويت، فارتفعت أصوات من طرح السؤال محتجين! وقال انه سألهم إن كانوا يرضون بالمصير ذاته لبناتهم ومجتمعاتهم؟! وسؤال زميلنا هنا يفتقد الجدية، خاصة في مجتمع محافظ، أو هكذا يريد الناس أن يظهروا! ولا أدري لماذا نربط مصير أي امرأة، خاصة إن كانت بالغة ومتعلمة بما يكفي، بموقف والدها أو اخيها منها مثلا؟ ولماذا لا يكون لها كيانها وشخصيتها، وإلى متى يجب أن يستمر مجتمعنا الذكوري في تحكمه بالمرأة وبما تفعل؟ وهل يعتقد صاحبنا أن هناك أسرة، في أي مجتمع كان، حتى الغربي الذي يصفه بالتحلل، تريد لابنتها المعاشرة والحمل ومسؤولية تكون سببا في تحطم حياتها أو حياتهم للأبد؟ وبالمقياس نفسه هل هناك اب يرضى لابنه المراهق ممارسة ما شاء من حرية جنسية، فقط لأنه ذكر؟ ألا يمكن أن يترتب على مثل هذه العلاقات مشاكل وأمراض ومسؤوليات مدنية؟ وبالتالي فغالبية الأسر الغربية التي عرفتها أو قرأت عنها لن تختلف إجاباتها عن سؤال الزميل عن إجابة أي أب شرقي لو وجه اليه سؤال يتعلق بموقفه من تصرفات بناته وأبنائه! ولكن هل هذا هو مقياس تقدم ورقي وشرف أي مجتمع؟ وهل الشرف يقاس جنسيا فقط، أي بتعدد حالات «التعايش» من غير زواج؟ وكيف نسخر من نسب التعايش المرتفعة في المجتمع الأميركي في ظل غياب تام لأي أرقام عن مجتمعاتنا؟ وهل من الإنصاف الافتراض، جزافا، بأن مجتمعاتنا أكثر عفة من غيرها! ألم يكن من المفترض على الزميل مقارنة ارقام بأرقام؟ أم أن الشرف الرفيع يقطر من أهدابنا من دون ان نراه؟ وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أكتب لمن يفهم

أستغرب كثيراً تحسر البعض على أنظمة قمعية سابقة، بحجة أن أوضاع دولهم قد ساءت كثيراً وأصبحت جحيماً لا يطاق بعد أن غادرها زعماء تلك الأنظمة من أمثال صدام ومبارك وبن علي والقذافي! والمرء يتفهم تحسر من خسروا مادياً ونفوذاً من الأنظمة السابقة، ويتفهم وجهات نظر البسطاء في هذا العالم منها، والذين لا ينشدون غير الاستقرار، ولو كان مزيفاً ومؤقتاً! ولكن ما عذر من يصفون أنفسهم بالمتعلمين والمثقفين؟ فكيف يسمح هؤلاء لأنفسهم مقارنة نظام صدام بنظام المالكي مثلاً، مع كل سيئات الأخير وأخطائه القاتلة وانعدام الأمن والأمان في كل ركن من العراق؟ وكيف يمكن مقارنة نظامي القذافي ومبارك ومن لف لفهما من الدكتاتوريين، بالأنظمة الحالية لهذه الدول؟ جميل أن ينسى الإنسان إساءات الغير له، وينطلق في مسار حياته، ولكن كيف يمكن أن ننسى، للعبرة والتاريخ على الأقل، منظر صدام والسيجار في فمه، في أكبر اجتماع لحزب البعث وأركانه ترأسه فور «استيلائه» على السلطة، ونظرات الموت الباردة تنطلق من عينيه الميتتين، وهو يستمع إلى أسماء من طالب بإعدامهم من رفاق الطريق؟ وكيف يمكن أن ننسى عدد من تورط بقتلهم بيديه، هذا غير مئات الآلاف الذين قتلوا بأيدي أجهزته السرية والعلنية؟ أين ذهبت نخبة العراق من علماء وفنانين وأساتذة ومبدعين، الذين حشرهم صدام والقذافي في ناقلات لا تصلح لنقل الحيوانات، ليلاقوا مصيرهم المؤلم؟ وكيف ننسى أن بعض هؤلاء تجاوزت فترات حكمهم الثلاثين عاماً دون أن يفكروا يوماً في تطبيق أي مبدأ ديموقراطي أو يعترفوا بكرامة مواطنيهم أو بالرقابة على أي من أعمالهم، وتمادوا في تخريب النفوس والذمم وقتل كبرياء شعوبهم سنة وراء أخرى، بحيث أصبح الأخ يشك في أخيه، والابن يرتعب من أبيه، وعندما أزيح هؤلاء، قتلاً أو سجناً، وجاءت من بعدهم أنظمة تحبو، اتهمها هؤلاء «المثقفون» بالعجز والتخلف، وكأن ما ورثته من تركة من سبقها لم يكن أكثر من لعبة أطفال مكسورة، وليس شعباً كسير النفس والخاطر يشعر بالمذلة والاندحار، خائفاً فاقداً السيطرة حتى على أبسط احتياجاته البيولوجية بمجرد وجوده بحضرة الزعيم، فاقداً لكل متطلبات الكرامة والإنسانية، بعد أن شاهدوا بأم أعينهم كيف سحلت أجساد أبنائهم وآبائهم وأصدقائهم وأهاليهم أمامهم خلف مركبات السلطة، وضحكات القتلة تتعالى منتشية. كما أن صدام وغيره من طغاة لم يتمكنوا من الاستمرار في الحكم كل ذلك الوقت لو لم يقوموا بالتخلص، سحقاً ودهساً وحرقاً وتذويباً بالأسيد، لكل من امتلك كرامة وعارضهم، أو علماً واختلف معهم، أو بصراً فنظر إليهم.
ألا يعرف هؤلاء المتباكون على الأنظمة القمعية أن قادتها، الذين حكموا شعوبهم لعقود بالحديد والأسيد والنار، هم السبب فيما وصلت إليه حال أوطانهم الآن؟ كيف يمكن أن نصدق أن مبارك بريء من تهمة إذلال الشعب المصري وهو الذي كتم على أنفاسه لأكثر من ثلاثين عاماً؟ أو أن القذافي الحقير وصدام الأكثر حقارة كانا يبنيان وطناً، ولم يترك أعداؤهما والاستعمار والصهيونية الفرصة لهما لإكمال مشاريعهما «الحضارية»؟!
عندما كنت في أثينا قبل أيام اختلفت مع سائق سيارة أجرة على أمر ما. وكنت أحاول أن أبين له خطأه، وحيث إنني كنت عاجزاً عن رفعه لمستواي «اللغوي» والتحدث بلغة عالمية مشتركة، ولعجزي عن فهم لغته التي لا يتحدث بها الكثيرون، فقد اضطررت إلى النزول لمستواه، مجازاً، ومخاطبته بالإشارة. ولو شاهدنا أحد ونحن نتجادل في السيارة بكلمات وإشارات غريبة ولا يعرف الأول ما يقصد الثاني، لما تردد في الضحك علينا ووصفنا بالجهل، إن لم يكن بالجنون. وبالتالي، فإن مناقشة هؤلاء المتحسرين على الأنظمة القديمة يعني الاضطرار إلى النزول لمستواهم. وهذا ما لا وقت لدينا له، بعد أن انتهينا من كتابة هذا المقال.

***
• ملاحظة: بثت «كونا» خبراً، نشر في جميع الصحف، عن فوز فتاة كويتية برئاسة المركز الأوروبي للتحكيم الدولي بالاتحاد الأوروبي، وذلك خلال اجتماع عقد في الدوحة (!!) وهذا خبر لا معنى له ولا علاقة له بالاتحاد الأوروبي، وليس فيه ما يدعو إلى الفخر! وهنا نتمنى على الصحافة التأكد مما يردها مستقبلاً من وكالة الأنباء الكويتية.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

حلم الشدياق اللبناني

كتب عادل شدياق، ولا أعرف حقيقة من يكون، مقالا طريفا تخيل فيه تغيير قانون الانتخابات في بلده لبنان، بحيث يسمح لغير اللبنانيين بالترشح فيها. وقال انه في حال قيام محمد بن راشد بخوض الانتخابات اللبنانية، فإنه سيصوت له، لأن الرجل قدم «منفردا» الكثير لوطنه، بالرغم من ان «إمارته» تعتبر الأقل مالا والأفقر في مصادرها الطبيعية بالمقارنة بأبوظبي وقطر والكويت والسعودية وحتى البحرين، ومع هذا جعل الرجل من دبي، التي تفتقد كل شيء تقريبا، مركزا ماليا ورياضيا عالميا، ووجهة سياحية مقصودة. ويتساءل الشدياق كيف نجح ابن راشد، الذي يصفه بانه جاء من البادية، في تحقيق كل هذا الاعجاز الفني والزراعي والعمراني على تلك المساحات الهائلة من الأراضي التي لا يغطيها شيء غير الرمال اللانهائية؟ ولم يحدث ذلك لو لم يكن بن راشد يعرف جيدا كيف ينتقي مساعديه ليحولوا له أحلامه إلى واقع على الأرض، ويصنع بلدا يقارب نيويورك ولندن وباريس! ثم تخيل الكاتب ما سيحدث للبنان لو سلم لابن راشد لعشر سنوات! ونحن نتخيل معه عما سيحدث للكويت لو سُلّ.م جزء منها لمحمد بن راشد، كما سبق أن طالب البعض! والجواب لا شيء سيحدث أو يتغير لا في لبنان ولا في الكويت، إن لم تتغير العقلية الإدارية! فمحمد بن راشد يحتاج الى البيئة المناسبة لكي ينجح. فأفضل سيارة في العالم تحتاج الى الطريق المناسب لتسير عليها، وإلى ورش الصيانة، وبغيرها ستتعطل. وهكذا الأمر مع اي آلة أو أي بشر كان. فقبل أن نطالب بتولي محمد بن راشد، الذي أصفه بـ«لي كوان يو» و«مهاتير محمد» دبي، إدارة جزء من الكويت أو لبنان علينا توفير البيئة المناسبة له، ومتى ما توافرت هذه البيئة فقد تنتفي الحاجة اليه! وهذه البيئة يمكن توفيرها بعناصر محددة، فنحن ولبنان بحاجة الى الأمانة في أداء العمل والى الكثير من الثقة بالآخر، وللقوة في اتخاذ القرار، وكل ذلك ضمن إطار احترام كامل وشامل للقانون، وأن لا أحد فوق القانون، وأن ليس هناك من هو أفضل من غيره، من الأسرة أو من غيرها! فمتى استثني البعض من قرار أو حكم، خرب الوضع وانعدمت الثقة بالنظام! فلبنان، مثلا دولة تاريخية عريقة وذات إمكانات نمو هائلة تزيد عما لدى أي «دولة نفطية»، فلديها كل أسباب التقدم والنجاح، ومع هذا يشكو منذ عقود طويلة من عجز مالي رهيب، فقد انهكته السرقات والفساد السياسي والمالي، وحطمت أضلعه، وهو الفساد والخراب نفسه الذي سيحطم أضلع كل من يفكر بتطوير النظام فيه، فلا يمكن تحقيق شيء بوجود طبقة سياسية فاسدة وبعدم عدالة.

***
• ملاحظة: انتظرنا 15 عاماً لترسية مناقصة بناء جسر الصبية. ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً لا يزال المقاول بانتظار أمر المباشرة والمشروع مهدد بالإلغاء، اعادة الطرح! وهذا مثال على ما نشكو منه من فساد سياسي ومالي!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

عبدالحسين زوربا

كتب اليوناني نيكوس كازانتزاكس Nikos Kazantzakis رواية «زوربا الإغريقي أو اليوناني» قبل نصف قرن، وهي الرواية الأشهر في التاريخ اليوناني الحديث، وترجمت بعدها بسبع سنوات للإنكليزية وغيرها، قبل أن تتحول لفيلم شهير ولمسرحية موسيقية ناجحة. ولو سألت الملايين حول العالم عما يخطر على بالهم عند الحديث عن اليونان لقال الغالبية بأنها تعني لهم أشياء كثيرة ولربما كان على رأسها موسيقى رقصة فيلم زوربا، Zorba, The Greece! فاليونان، لدى الغالبية ليست الحكومة ولا الحضارة الإغريقية، ولا حتى افلاطون أو ارسطو أو مباني الاكروبول، بل شخصية زوربا القرن العشرين السيريالية الساحرة التي جسدها الفنان الراحل أنطوني كوين وموسيقى الفيلم، والمشهد الخالد لزوربا، على رمال شاطئ البحر، وهو يفرد ذراعيه استعدادا لأداء رقصة تبدأ بإيقاعها الموسيقي البطيء والهادئ لتتحول تدريجيا لثورة لحن صاخب أبدي لا ينسى، تنصهر فيه شخصية بوهيمية شبه ثائرة وفوضوية ومحبة للحياة حتى الثمالة، مع وطن غارق في التاريخ البشري، فنا وفلسفة وبناء وبشرا وحجرا، لتعطينا شيئا سيبقى خالدا وجزءا من اليونان الوطن، وكل ذلك من خلال ثلاثية الرواية والممثل واللحن الرائع!
وفي كويت الثمانينات، كويت الإبداع والنهضة الواعدة، كنت كلما سألت صديقا يعيش في الخارج عما يريده من الكويت، كان الغالبية يطلبون مني أن أشتري لهم اشرطة فيديو «بيتاماكس» وVHS التي تحتوي على مسرحيات كويتية شهيرة كــ«درب الزلق» و«باي باي لندن»، و«عزوبي السالمية» و«حامي الديار». وكانت اسماء من مثلوا في هذه المسرحيات كفيلة بجذب آلاف المشاهدين لها، وهي التي خلقت كويت الإبداع والثقافة، وكانت عنوان انفتاح الكويت ودرجة تمتعها بحرياتها السياسية والفكرية والثقافية، والتي ضاعت جميعها، لدينا ولدى غيرنا، مع قدوم جراد التخلف العقائدي. ولو سألت عن أكثر شخصية فنية ادخلت السرور على قلوب الغالبية وأضحكتهم حتى البكاء، وأوجعت خواصرهم لتبادرت للذهن أسماء شخصيات كبيرة كالمرحوم خالد النفيسي وسعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا، الذين ارتبطت اسماؤهم بجزء حيوي ومهم من تاريخ الكويت الحديث واصبحوا في مرحلة هم الكويت، وليست كويت آبار النفط والثراء النقدي، فقد امتلك غيرنا النفط والثراء ومع هذا لم يكن لديهم لعقود طويلة حتى كومبارس يقف على المسرح رافعا علما مهلهلا.
نعم سعد وخالد وعبدالحسين جزء من تاريخ مشرف ويستحق أن نفتخر به، فمن أبكونا في التاريخ وأدخلوا الحزن على قلوبنا والأسى لنفوسنا كثيرون، ولكن من جعلونا نبتسم ونضحك من القلب قلة تكفي أصابع اليد الواحدة لعدهم. وكما ارتبط تاريخ مصر الحديث بشخصية أم كلثوم ولبنان بفيروز فإن تاريخ الكويت، شاء الجهلة والمنغلقون أم أبوا، ارتبط في جزء منه، ولا يزال، بشخصية عبدالحسين الذي أعطى أداؤه الفني الرائع طراوة طالما افتقدتها قطعة أرضنا الجافة والخشنة. ومن أجل الوفاء بجزء مما تكدس علينا من دين نفسي لهذه الشخصية التي وضعت اسم الكويت على كل شفة ولسان، والتي تجاوز تأثيرها عمل عشرات السفارات والملحقيات الثقافية والسياحية، فإنني أطلب منكم، كمبادرة وفاء، ان تضعوا مشاغلكم جانبا لدقائق قليلة، وتشاركوني اليوم أو غدا في تقديم واجب العزاء، في حسينية معرفي القديمة، لعبدالحسين عبدالرضا في حفيده يوسف الذي توفي بعيدا عن وطنه!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الظلم المتجذر

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

رفض الأب الأفغاني تزويج ابنته بسبب صغر سنها، وما هي إلا أيام حتى لقيت تلك المسكينة حتفها ذبحا، وقطع رأسها، ولم تكن قد تجاوزت ربيعها الرابع عشر! تبين لاحقا أن من قام بتلك الجريمة رجلان، أحدهما من رفض الأب تزويج ابنته له! وفي الشهر نفسه دين اربعة «رجال شرطة»، في الولاية الأفغانية نفسها بالسجن لستة عشر عاما لاغتصابهم امرأة. وقد أدت أحداث عنف بشعة مماثلة اقترفت ضد المرأة، من حرق وجوه وضرب مبرح وتشويه وتزويج قسري، وعدم اكتراث بصغر سن الفتاة عند تزويجها، كل هذا دفع الرئيس كرزاي عام 2009 لإصدار قانون هدف منه وضع حد، أو على الأقل التقليل، من حوادث الاعتداء على النساء، وكانت النتيجة أن المئات من الآباء والأزواج والإخوة دينوا بجرائم بشعة من تشويه وجوه ضحاياهم من بنات أو زوجات أو حتى أقارب من الدرجة الثانية، وتقطيع أوصالهن! وخوفا من أن يأتي رئيس آخر مستقبلا ويلغي القانون، فقد قام بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، والمرأة بالذات، في افغانستان بمحاولة تحصين القانون من خلال تمريره في البرلمان. ولكن ما إن قدم القانون للمناقشة حتى ثارت ثائرة الأعضاء المتشددين من رجال القبائل والملالي ضده، وتم سحبه بعد اقل من 15 دقيقة من النقاش الناري، بعد وصفه ومن قدمه ومن سبق ان اصدره بمعاداة الشريعة. وزادوا على ذلك بطلب حماية الآباء والاخوة والأزواج من أي عقوبة إن قاموا بعمل عنيف ضد بناتهم أ وزوجاتهم، إن كان هدفهم المحافظة على الشريعة. كما طالبوا بمنح الأزواج حق اغتصاب زوجاتهم إن رفضن «طاعتهم». وطبعا هذه القوانين تخص حاليا ساكني المدن، أما مناطق الأرياف فإن حال المرأة فيه يعود لما قبل القرون الوسطى. ولكن لو عدنا لما كان عليه حال المرأة قبل نصف قرن مثلا، ومن خلال الصور والأفلام الوثائقية، لوجدنا أنها كانت في الغالب سافرة الوجه حرة في حركتها وتدرس في الجامع وتعمل وتعامل بطريقة أكثر إنسانية من الآن حتما، ولم يتدهور وضعها الإنساني والمعيشي، ولم تسلب حقوقها وتوضع في أكياس زرقاء لا تخرج من دونها، إلا مع موجة الصحوة الدينية التي اجتاحت المنطقة ككل، وبالتالي ليس هناك امل في أن تعود للمرأة كرامتها بغير القضاء التام على كل مظاهر الصحوة المزيفة، وقبر الحركات الدينية المتطرفة إلى الأبد، فقد دفعنا جميعا، والمرأة بالذات، ثمنا رهيبا يصعب تعويضه بسهولة.

احمد الصراف

هرم الحجرف

أؤمن بأنه لا يمكن أن تتقدم أمة بغير التعليم، ولا بتقدم فرد بغير القراءة المكثفة، وفي كل مجال وموضوع! ولو قمنا باستخدام هذا المعيار لقياس تخلف «الأمة الكويتية» أو تقدمها لوجدنا أنفسنا في مستوى متدن جدا نتيجة قرار السلطة في بداية الثمانينات بالتحالف مع القوى الدينية، من إخوان وسلف، خوفا من غيرهم، وتمكينهم أو غض النظر عن سيطرتهم على كل أنشطة التربية والتعليم والثقافة في الكويت ليصل بنا الحال الى هذا المستوى التعليمي والثقافي السيئ في بلد «كان» جميلا ومبدعا وواعدا وسباقا في مجالات عدة! ويروى عن أحد أثرياء الكويت، من باب المبالغة طبعا، أنه تعجب من قرار تعيين أحد ابنائه في منصب مالي كبير، وكيف أنه لم يفعل الشيء ذاته، وهو والده! وهكذا مع السلف والتلف، فمن ولوهم مهمة تعليم شعب الكويت وتثقيفه، طوال العقود القليلة الماضية، أبوا عليهم، وإن بصورة غير مباشرة، تولي هؤلاء مسؤولية تربية ابنائهم وبناتهم وتعليمهم وتثقيفهم! أقول هذا بعد قراءة تصريح أكبر مسؤول عن التربية في الكويت، وربما افضل من تولى الوزارة فيها، من أن مؤشرات واقعنا التعليمي غير مرضية، وهنا يقصد أنها كارثية! وأن النتائج المتدنية التي حققها طلبة الكويت في الاختبارات الدولية كشفت المخفي! وأن ثقة المجتمع ككل بوزارة التربية معدومة (والدليل التكالب المكثف على التعليم الخاص)! وبالرغم من أنه نوه بدور المجلس الأعلى للتعليم، فإنه يعلم أن المجلس وعدمه واحد تقريبا، مع الاحترام لأعضائه، الذين لم يبد أي منهم اعتراضه الصريح، حتى الآن، على الضعف الشديد لمخرجات التعليم بالرغم من صرف المليارات! كما أبدى الوزير في تصريح آخر «استغرابه» واستياءه من عدم قدرة طلبة الكويت حتى على «القراءة والكتابة» بشكل صحيح، بعد «تخرجهم»! وفي جلسة حوارية عقدت في «ديوان معرفي» تطرق المشاركون للكثير من المشاكل التي يواجهها التعليم في الكويت سواء ما تعلق منها بعدم التزام المعلمين بالمناهج، أو ضعفهم وضعفها، وغير ذلك. ولا شك أن العلة الكبرى تكمن في المعلم والمناهج، وبغير تطوير هذين العاملين الأساسيين، فلا أمل في أي تقدم، ونظرة على «جمعية الإخوان المعلمين» تكفي لمعرفة الكثير عما جرى ويجري في هذا المرفق المهم! ولو كنت مكان وزير التربية لما ترددت في القضاء على مافيا المناهج وإبعاد كل من له ميول «دينية حزبية» من مهمة التعليم والتأثير في المناهج، حيث يصعب احراز اي تقدم او تطوير بوجود هؤلاء.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أمة التخريب

عندما تقوم أمة بتحطيم رموزها الفكرية وتتلف آثارها وتخرب تاريخها وتشوه معالم تحضرها، فإن هذا إيذان ببدء انحدارها الأبدي. ولا توجد جهة في العالم خربت آثارها واعتدت على تاريخها وقتلت رموزها الفكرية كما فعل العرب والمسلمون بشكل عام، فالعمل الإجرامي الذي قام به متخلفو طالبان بتفجيرهم علنا لتماثيل وادي باميان، وهو المصير نفسه الذي تعرض له اسد بابل في البصرة، إضافة لما تعرض له تمثال المفكر والأديب الكبير طه حسين من تحطيم في مصر، ومحاولة قتل نجيب محفوظ، الأديب العربي الوحيد الفائز بنوبل للآداب، وإزالة الكثير من آثار صدر الإسلام، كل هذا عرض ويعرض تاريخ المنطقة للتشويه والنسيان! ولولا جهود جهات مثل اليونيسكو، وتدخلها المستمر لمصلحة الحفاظ على آثارنا وتاريخنا، لكان التدمير والتخريب و «المحو المتعمد» أعم واشمل بكثير. وما جرى ويجري في سوريا من تدمير لأسواق وأحياء تاريخية وتفجير بيوت وقصور صمدت لمئات السنين أمر يدعو الى القلق، هذا غير أرواح عشرات الآلاف التي فقدت وأضعافهم من الجرحى واضعاف اضعافهم من المشردين الذين فقدوا كل أمل في حياة كريمة، هذا غير التخريب «المتعمد» أو الجاهل لمحتويات متاحف القاهرة وبغداد ولبنان وسرقة أو تحطيم الكثير من آثارها الإنسانية بحجة أنها وثنية أو غير «محترمة»، وتدعو الى الفسق، وهي التي بقيت لأكثر من ألف عام دون أن يسجد لها أحد أو يتجه اليها بدعاء، فكيف أصبحت فجأة أصناماً تنادي بتفجيرها جماعات لا تعرف شيئا لا في العلم ولا في الثقافة ولا في الأدب ولا في التاريخ ولا في أي أمر عصري أو إنساني آخر. وكيف أصبح وضع تراثنا مصدر قلق حتى لأعدائنا بحيث أصبحوا، نتيجة لغلونا وسفهنا أكثر رحمة منا بها وبمخطوطاتنا التاريخية! ولا ننسى أن منطقة الربع الخالي، التي ترقد على خاصرة الجزيرة العربية، كانت نسيا منسيا لآلاف السنين لا نعرف عنها شيئا إلى أن أتى الإنكليزي «أبو تيله عساه يموت الليلة» ليعرفنا عليها. كما غرف المصريون والسودانيون من نهر النيل لآلاف السنين دون أن يفكر أحد منهم بالسؤال عن مصدر مياهه، أو أن يمخر عبابه بقاربه ليعرف من أين ينبع، ويطلق على بحيرته اسم عائشة او فاطمة بدلا من فكتوريا! اشياء وامور كثيرة ترد على البال والخاطر لا يتسع المجال لذكرها على الرغم من أهميتها، وجميعها مؤلم لا بل موجع وليس بيدنا فعل شيء لوقف هذا الانحدار والتدهور الشامل!

***
• ملاحظة: أجرت الـ «بي.بي.سي» مقابلة مع متسلق جبال نيبالي شهير قال فيها إنه رأى الطائرة وركبها، وجلس خلف مقودها، قبل ان ترى عيناه السيارة، لأنه كان يعيش في منطقة جبلية قريبة من جبال الهملايا، لا تصلها إلا البغال والطائرات! وفي توقيت بث المقابلة نفسه تقريبا انتشر خبر وصول السعودية رها محرق إلى قمة جبل افرست، لتكون أول مسلمة تحقق هذا الإنجاز الكبير، ولكن عندما تعود رها الى وطنها فإنها لن يسمح لها بقيادة السيارة!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com