احمد الصراف

وقف عجلة العلمانية!

ذكرت في مقالات سابقة أن هناك – فقط – دولتين إسلاميتين، من أصل 45 أو أكثر، يمكن أن تفتخرا بتحقيق إنجازات صحية وتعليمية واقتصادية وصناعية بارزة، ولكن لأسباب مختلفة، وإن تلاقت في نهاية الأمر. فماليزيا، التي تعتبر من نمور آسيا، حققت معدلات نمو غير مسبوقة، مقارنة بغيرها في آسيا، على الرغم من فقرها النسبي. وقد لمست وتأكدت – إن من خلال زياراتي المتعددة لها أو من خلال سابق تعاملي التجاري مع منتجيها – أن الفضل في تقدمها يعود الى ما تمتعت به من استقرار وانفتاح، خاصة في عهد مهاتير محمد (مواليد 1925)، الذي امتدت فترة حكمه 32 عاما حتى 2003، والذي حوَّل ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، إلى دولة صناعية متقدمة، يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو %90 من الناتج المحلي الاجمالي، وهما القطاعان اللذان يسيطر على غالبيتهما العنصر الصيني غير المسلم من السكان، وهم سبب تقدمها الصناعي. وقد نتج عن إيمان مهاتير بقوة وقدرة المهاجر والمواطن الصيني على العمل والإنتاج، ان انخفضت نسبة من هم تحت خط الفقر من %52 عام 1970 إلى %5 في 2002!
والدولة المسلمة الثانية التي حققت معدلات نمو غير مسبوقة هي تركيا، التي تسلم فيها رجب اردوغان الحكم في السنة نفسها التي ترك فيها مهاتير منصبه! وقد قطف هذا السياسي التركي رحيق علمانية تركيا، التي بدأت عام 1924، يوم أعلن مصطفى كمال أتاتورك، تركيا جمهورية في مارس 1924 وإلغاء نظام الخلافة، وطرد الخليفة وأسرته، وإلغاء وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وتحويل المدارس الدينية إلى مدنية، وإعلان تركيا دولة علمانية، لأنه آمن بأن نظام الخلافة كان عائقا أمام أي تحديث للبلاد، سواء في التعليم أو المشروعات القومية. وقد حققت تركيا في الفترة القصيرة التي حكم فيها أتاتورك الذي توفي عام 1938 تقدما هائلاً في الفنون والعلوم والزراعة والصناعة!
ما يحدث الآن في المدن التركية، واسطنبول بالذات، من تظاهرات واعمال شغب ليست ببعيدة عما يقوم به حزب أردوغان من قطع لصلات تركيا بالعلمانية. فبعد التقدم الاقتصادي والصناعي الكبير الذي حققه أردوغان، الذي يوصف بالإسلامي المعتدل، والذي يميل لفكر «الإخوان المسلمين»، نتيجة علمانية الدولة على مدى 90 عاما، ومناخ الحرية الذي تعيشه شعوب تركيا، راودت أردوغان أحلام إعادة الخلافة وإحياء عظامها وهي رميم، مع كل ما سيكون لذلك من تأثير هائل في مجمل النشاط الإنساني فيها، وعلى مناخ الحريات الشخصية بالذات، وفي هذا لا يختلف أردوغان عن «متخلفي» مجلس الأمة الكويتي، الذين لا يرون في الأخلاق غير الحجاب والقناع وكراهية «المايوه» واختصار الدمار الخلقي في زجاجة بيرة أو امرأة غير محجبة!
إن عودة تركيا عن علمانيتها لا تعدو ان تكون الخطوة الأولى في انحدارها، وعودتها الى نادي الدول العربية والإسلامية المتخلفة، وهذا ما يسعى متظاهرو ميدان تقسيم إلى وقفه.

***
• ملاحظة: ضبطت وزارة التجارة طنين من العسل المنتهي الصلاحية! والحقيقة ان العسل ليس له تاريخ صلاحية، وكان حرياً بالوزارة ان تقول بانتهاء التاريخ المدون عليه، أو صودر لأنه لم يُحفظ بصورة سليمة! وبدلاً من ذلك، على مفتشي الوزارة ضبط ومصادرة العسل الذي يباع كمعجزة وعلاج، وهو لا هذا ولا ذاك!

أحمد الصراف

احمد الصراف

من منا على حق؟

تعتبر الكنيسة الكاثوليكية، كغيرها من الكنائس المسيحية وأصحاب العقائد والمذاهب الأخرى بأن أتباعها فقط سيحظون بنعمة دخول الجنة دون باقي البشر. فمنذ وجدت الحياة على هذا الكوكب قبل ملايين السنين، وليس قبل 6000 عام، كما ورد في العهد القديم، وكما يؤمن غالبية مسيحيي ويهود العالم، وفكرة الأفضلية، أو الفئة الناجية، هي المسيطرة على كل جماعة، وستبقى الفكرة ما بقيت الحياة على هذا الكوكب قبل أن ينهيها مجنون، وغالبا باسم الدين واسم الإله، بقنبلة او بغيرها! وكان يعتقد أنه يصعب التعامل مع التشدد والغلو الديني بغير علاج نفسي وتعليمي مكثف، ولكن د. كاثلين تيلور Kathleen Taylor اختصاصية الأعصاب المعروفة من جامعة أكسفورد صرحت بأن التطرف الديني سيدفع العالم في السنوات المقبلة لاعتباره مرضا، والمصاب به بحاجة للعلاج. وورد في تقريرها المقتضب في مجلة The Raw story بأن النظرة الحالية للشخص المتطرف دينيا بأنه «خيار شخصي» ستختفي لتحل محلها نظرة أكثر تشددا واعتبار المتطرف شخصا مريضا بحاجة لعلاج «كيميائي»، وليس نفسيا وتثقيفيا، لأن هذا الشخص يشكل بتطرفه خطورة على المجتمع. وقالت انها لا تتكلم هنا فقط عن المتطرف المسلم أو من هو أكثر تطرفا منه، بل وايضا عن الذين يستسهلون ويستمرئون مثلا قيام الأب بضرب ابنائه او زوجته. وفي السياق نفسه تقريبا نرى أن الكنائس المسيحية، وإن ببطء، نجحت على مدى قرون في تطوير معتقداتها وتقليل التناقض في تعاليمها احيانا، وإعطائها صبغة تتلاءم مع كل عصر، وتم ذلك من خلال لقاءات كنسية مفصلية في أهميتها، ولا يعني ذلك أن هذه التغيرات قد توقفت الآن، بل لا تزال مستمرة وبوتيرة أكثر تسارعا، فما كانت تؤمن به بالأمس القريب اصبح أمرا شاذا اليوم، والعكس صحيح! فليس في الكتب المقدسة لأي ديانة ما يمنعها من التطوير والتغيير، بالرغم من أن هذه النصوص بقدسية ما، إلا أنها تبقى – في حدود علمنا – في نظر أصحابها بشرية وغير ربانية، وهذا ما يختلف فيه المسلمون عن غيرهم في اعتقادهم بألوهية النص! وفي هذا السياق أيضا جاء تصريح البابا الجديد فرنسيس من أن الكفار الملحدين، والعياذ منهم، سيبلون حسنا في الآخرة! وجاء تصريحه هذا من منطلق «تسامح ومحبة مسيحية مع جميع البشر»! ولكن متحدثا باسم الفاتيكان أصدر «تصحيحا» لكلام «قداسته» بالقول بأن الكنيسة لا تزال تؤمن بأن «هؤلاء» سيذهبون للنار، وان تصريح قداسته لم يفهم كما ينبغي، وأن الكنيسة تؤمن بأن الخلاص يأتي من خلال المسيح، وأن من لا يؤمن بذلك لا يمكن أن تنزل الرحمة عليه. كما أكد التوضيح أن الحرمان من الرحمة الأبدية لا يشمل فقط اتباع بقية الديانات، بل وحتى المنتمين للكنائس الأخرى!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

تنبؤات حامد

حامد عبدالصمد روائي وباحث مصري من مواليد 1972. درس الإنكليزية والفرنسية ثم العلوم السياسية بجامعة أوغسبرغ في ألمانيا، وعمل في اليونيسكو، وبعدها مدرساً للدراسات الإسلامية في جامعة إيرفورت، ومدرساً للتاريخين الإسلامي واليهودي بجامعة ميونخ في ألمانيا. وتضيف المراجع أنه تعرف على ألمانية يسارية، تكبره سناً، دعته إلى ألمانيا، حيث تزوجا، وحصل على الجنسية الألمانية. ومن أعماله رواية «وداعاً أيتها السماء»، وكانت مثار جدل. كما قام حامد، عام 2010، بوضع كتاب بعنوان «سقوط العالم الإسلامي»، وهو موضوع مقالنا هذا، حيث توقع فيه اندحار وانهيار هذا العالم. والطريف أن الكتاب صدر قبل فترة الربيع العربي وثورات شعوبه ضد حكامهم، ويعتقد البعض بأن الحدث دحض ما تنبأ به عبدالصمد في كتابه من أن العالمين العربي والإسلامي لن تقوم لهما قائمة وأنهما في طريقهما إلى الانهيار! ويرى عبدالصمد أن الإسلام لا يملك أجوبة على أسئلة الحياة العصرية، وأنه تخطى مرحلة الذروة، وأنه الآن في مرحلة الانحدار. وينفي أن يكون الإسلام هو من صنع الحضارة في ما بين القرنين السابع والحادي عشر، بل يرجعها، آنذاك، إلى انفتاح العرب المسلمين واندماجهم مع حضارات شعوب مختلفة كالفرس والآراميين والأشوريين واليهود والمسيحيين والبرابرة. وينتقد عبدالصمد عدم اندماج المسلمين الحالي مع غيرهم بسبب سلوكيات محددة، مثل منعهم بناتهم من العيش بصورة متساوية مع غيرهم، وتحذيرهن والذكور من الانخراط الكامل في الحياة الغربية. وبالرغم من نظرة المؤلف السوداوية إلى العالم الإسلامي، فإن ما يهم هنا هو قيام جهة علمية بالبحث الجدي في النقاط التي قام مؤلف الكتاب بإثارتها والرد عليها، خصوصاً عندما يقول إن الانهيار سيبدأ مع شح آبار البترول واتساع فسحات التصحر واشتداد حدة النزاعات الطائفية والعرقية والاقتصادية المزمنة في المنطقة، وما سيرافق ذلك من حركة نزوح نحو الغرب. وبنى الكاتب استنتاجاته على عوامل عدة، منها افتقار أغلبية الدول الإسلامية لاقتصادات خلاقة يعتمد عليها في خلق منتج حقيقي، وافتقادها لنظام تربوي فعّال وجفافها من أي إبداع فكري، وهذه بنظره ستؤدي حتماً إلى تصدع بنى هذه الدول وانهيارها بالتالي. ويقول الكاتب إن الشعوب الإسلامية عاشت نوعاً من النهضة في القرون الوسطى عندما انفتحت على الحضارات والثقافات التي احتكت بها، وانفتحت عليها واستفادت من منجزاتها وعلومها، عندما كان السريان والأشوريون مثلاً ينعمون بمستوى علمي رفيع مع وصول جنود المسلمين إلى ديارهم. فجرى ذلك في عواصم الحضارة، آنذاك، في بلاد ما بين النهرين وبغداد ومنطقة أرض الشام، ولكن الإسلام الذي تبناها ونسبها لنفسه بقي غير قادر على نقلها إلى مهد انطلاقته في مكة والمدينة وباقي أطراف الجزيرة العربية، لأنهم لم يكونوا لا من أهلها ولا من مبدعيها. ويقول إن الحضارات العالمية اليوم تتلاقح وتتنافس مع بعضها وتزدهر وتتقدم، إلا الإسلامية، فقد بقيت جامدة مكتفية باتهام غيرها بالكفر، وفي الوقت نفسه يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار وينعمون بمختلف إنجازاتهم العلمية والتكنولوجية والطبية، دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده هؤلاء الكفّار قد فاتهم، وأصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها.
البحث الذي ورد في الإنترنت عن الكتاب طويل، ولا مجال لذكر الكثير مما ورد فيه لمخالفته، كالعادة، لقوانين النشر، بالرغم من حاجتنا الماسة إلى من ينهي عميق سباتنا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الآن عرفت

يقول «وين»، عندما كنت في العاشرة أحضر والدي جهاز هاتف لبيتنا وعلقه على الحائط، وكنت استمع بانبهار عندما تتكلم والدتي من خلاله. واكتشفت يوما أن سيدة رائعة تعيش داخله اسمها «الاستعلامات من فضلك Information please»! وكانت تعرف كل شيء وتجيب عن أي سؤال. وفي يوم كنت وحيدا في البيت، ألعب بمطرقة والدي ودون أن انتبه سقطت على يدي وشعرت بألم شديد في إبهامي، ولم يكن هناك داع لأن ابكي، فلن يسمعني أو يواسيني احد، وهنا فكرت في الاتصال بالسيدة «الاستعلامات من فضلك». رفعت السماعة، كانت تجربتي الأولى مع تلك الجنية التي تعيش بداخله وقلت «الاستعلامات من فضلك»، وخلال ثوان ردت علي بصوت واضح: «الاستعلامات»! فقلت لها، والبكاء يخنقني، ان المطرقة سقطت على اصبعي وأن أمي في الخارج، وأنا وحيد في البيت، فسألتني إن كان هناك دم يخرج من اصبعي وعندما نفيت ذلك، سألت إن كان بإمكاني الوصول الى علبة الثلج في الثلاجة، وعندما أجبت بنعم طلبت أن أضع اصبعي بين قطعتي ثلج وسيختفي الألم والورم! لا أدري لماذا آمنت بما قالته، فقد اختفى الألم خلال لحظات قليلة، ومنذ يومها أصبحت اتصل بـ «الاستعلامات من فضلك» في أي أمر يحتاج فيه للمساعدة، سواء تعلق بواجب منزلي أو تهجئة كلمة أو حتى واجب حسابي، وكانت دائما ترد وتساعدني. وفي يوم أخبرتها بموت طائرنا الكناري، فواستني، وسألتها لماذا يموت طائر جميل يغرد كل يوم للعائلة، وينتهي كومة ريش في قفص صغير؟ وهنا شعرت بأن حزني اثر فيها فقالت: يا «وين» هناك عوالم اخرى يغرد فيها الطير»! ولسبب ما جعلني جوابها أشعر بالرضا. استمرت علاقتي بـ «الاستعلامات من فضلك» لسنوات، إلى أن انتقلنا، وكنت في العاشرة حينها، للعيش في مدينة أخرى. ولفترة افتقدت صديقتي «الاستعلامات من فضلك»، ولم اجرب الاتصال بها، لشعوري بأنني تركتها خلفي في ذلك الصندوق المسمى بالتلفون! كبرت بعدها، ولكنني لم انس مكالمات الطفولة أبدا، خاصة في اوقات الشدة، وكيف كنت سعيدا وانا صغير لمعرفتي أن بإمكاني اللجوء اليها في اي وقت. وكم كانت صبورة معي وتتحمل أسئلة صبي ساذج لا تعرف عنه شيئا وتجيب عنها! وفي يوم توقفت لنصف ساعة في مطار مدينتي القديمة، وأنا في طريقي للكلية، ووجدت نفسي اتجه لهاتف عمومي وارفع السماعة وأطلب «الاستعلامات»، وكالمعجزة جاء الصوت العذب نفسه الذي أعرفه جيدا. ولأنني لم أخطط لما كنت سأقوله ومن دون ان اشعر قلت لها: هل يمكن أن تساعديني في تهجئة كلمة؟ وهنا ران صمت طال قليلا قبل ان تقول: اعتقد أن اصبعك لا يؤلمك الآن! وضحكنا معا. وقلت لها انني دائما ما تساءلت بيني وبين نفسي إن كنت تعلمين ما كانت تعنيه من أهمية لي في تلك الأيام! فردت قائلة: وانا أيضا اتساءل إن كنت تعلم ما كانت تعنيه اتصالاتك البريئة من أهمية لسيدة مثلي، فأنا لا ابناء لي، وكنت انتظر مكالماتك بشوق! فقلت لها انها كانت دائما تخطر على بالي وأنني فكرت كثيرا في أن أتصل بها، ولكني لم افعل، وسألتها إن كان بإمكاني الاتصال بها في المرة القادمة التي ازور فيها اختي، التي تسكن في منطقتها فقالت: بكل سرور، وأخبرتني أن اسمها «سالي» وما علي سوى السؤال عنها. بعد ثلاثة اشهر دفعتني الصدف لتلك المدينة، وعندما اتصلت بالاستعلامات سمعت صوتا مختلفا، فسألتها عن «سالي» فسألتني الموظفة ان كنت اعرفها، فقلت انني صديق لها، واخبرتها باسمي، فقالت ان سالي كانت تعمل ساعات أقل كثيرا في الاشهر القليلة الماضية بسبب مرضها، وأنها توفيت قبل بضعة أسابيع! غمرني الحزن، وقبل ان اقفل الخط، سمعتها تقول: انتظر، هل قلت انك صديق قديم لها، هل أنت «واين»؟ وعندما أجبت بنعم، قالت ان سالي تركت لك رسالة قصيرة تقول فيها: «ان هناك عوالم اخرى نغرد فيها»، وانني سأفهم ما تقصده برسالتها تلك! فقلت شكرا ووضعت السماعة، وأنا أعرف تماما ما قصدته سالي!
هنا علينا ألا نقلل من اهمية ما نتركه من انطباعات على الآخرين، وأن نتساءل ان كنا نجحنا في أن نلمس جزءا من حياة من هم حولنا، من قراء وأحبة واصدقاء.

أحمد الصراف

احمد الصراف

إسماعيل وإسحاق

ول.د الكاتب الأيرلندي جورج برناردشو توأماً. وقامت أمهما يوماً، وهما رضيعان، بتركهما في إناء كبير للعب فيه، فمات أحدهما غرقاً، ولم تستطع الأم تحديد من بقي، فقررت أنه «جورج»! ويقول برناردشو إنه عاش حياته وهو يتساءل دائماً: هل أنا جورج أم أنا أخي؟
* * *
سيحل علينا عيد الفطر قريباً، وسيتبعه بعد 40 يوماً تقريباً عيد الأضحى، وفي نهايته سيتم «التضحية» بملايين الخراف، أغلب لحومها سيضيع تحت التراب، ويذهب ثمنها سدى! ولا أدري كيف لا تستطيع أمة كان فيها عمر بن الخطاب، الذي نجح قبل 14 قرناً وقف العمل بنصوص دينية، من وقف دفع «الخمس» لفئة المؤلفة قلوبهم، إلى معارضة قطع يد السارق في عام الرمادة، وغيرها، كيف لا تستطيع هذه الأمة أن تتفق على قيام «أمير حج» أي عام بذبح «كبش» واحد فقط نيابة عن كل حجاج البيت وأهاليهم، والمسلمين أجمع، بدل نحر كل هذه الثروة الحيوانية كل عام، وصرف ما كان سيدفع فيها على تنمية مدن وشعوب بحاجة إلى كل شيء، من طعام مستمر وماء متدفق ودواء متوافر، هذا غير المساكن والمدارس والمستشفيات، ولن نقول المسارح والحدائق والشوارع، ولا حتى المجاري! ألا يبدو عجزنا عن القيام بذلك مثيراً للشفقة، أو ربما للغثيان؟ إن وضع العالم الإسلامي اليوم ليس كوضعه قبل ألف عام، فقد تضاعف الناس فيه آلاف المرات، وأصبحت احتياجاتهم أكثر تعقيداً، وأصبح هناك عجز رهيب في الغذاء، والمجاعة تضرب سنوياً دولاً عدة، وستضطر الدول الإسلامية، أو تجبر إنسانياً، على وقف عمليات النحر الجماعية، فلمَ ننتظر ذلك اليوم ولا نبادر به من الآن؟ 
يقول الكاتب المصري حسين أمين إن أغلبية أعياد العالم ترمز إلى السلام والمحبة، وشكر الرب على عطاياه، وطلب المغفرة، والعناية بالآخر المحتاج، أياً كان! ولو تمعنا في هذا القول، لوجدنا أننا نفتقد شيئا من هذا القبيل، فأعيادنا في غالبها صارمة ومتشددة في وقارها، ولا تتضمن فرحاً وضحكاً، ومقتصرة علينا فقط! ومنذ 14 قرناً والمسلمون يؤمنون بأن المقصود بابن النبي إبراهيم هو إسماعيل، بينما يؤمن النصف الآخر من أصحاب الكتب السماوية، من يهود ومسيحيين، بأن الابن المقصود، كما ورد في نصوصهم، هو إسحاق! فكيف يمكن تسوية هذا الاختلاف؟ وهل يعقل أن المسلمين يحتفلون بالتضحية من أجل ابن، يعتقد الجانب الآخر بأنه أخ له وليس هو؟ وليس سهلاً طبعاً الوصول إلى حل هنا، لأن كل طرف يرى أن ما ورد في كتبه أكثر دقة، وبالتالي سيستمر الصراع بين الجميع، ونتقاتل ونكفّر ونحرق ونشتت ونرمّل، وابتسامة «الموناليزا» ترتسم على وجه بقية العالم وهو ينظر إلينا باستغراب، ثم يمضي في طريقه، غير مكترث بما نوقعه ببعضنا من دمار!
ملاحظة: صرّح «بطل» بأنه تم البدء في تجهيز 12 ألف مجاهد من جزيرة العرب بالسلاح لمحاربة «حزب الله»! وهذا طبعاً كلام فارغ تماماً! كما طالب بأن يقبضوا على 10 من أفراده، ليتمتع بنحرهم!
نشر هذا الهذيان والسكوت عنه يعنيان أنه لا علاج لوضعنا، والنهاية قريبة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

صراع المنطقة المذهبي

ليس هناك صراع مذهبي، بالرغم من عشرات الضحايا الذين يلقون حتفهم باسمه في سوريا والعراق وباكستان يوميا، بل هناك صراع غبي!
يعتقد الكثيرون أن المنطقة معرضة لحرب مذهبية مدمرة وطويلة ستستمر لسنوات، وسيكون طرفاها هذه المرة ووقودها أجساد ودماء السنة والشيعة. ولكن زعماء الطرفين، ومن يؤججون مثل هذا النوع من الصراع لا شك اغبياء، أو أنهم أصحاب مصالح ضخمة في استمراره، وليس بينهم حتما من هو غيور أو حريص على عقيدته. فلو نظرنا عبر التاريخ، ومنذ الف عام على الأقل لوجدنا أن عشرات آلاف الصراعات الدينية التي نشبت بين كل أطراف المذاهب والديانات، وبالذات التي تسمى بالسماوية، نتج عنها هلاك مئات الملايين، ولكن لم ينتج عنها في نهاية الأمر فناء طرف أو خضوعه للطرف الآخر، الا مرحليا. ففي كل الأحوال يعيد الخاسر تنظيم صفوفه لينتقم لنفسه، وهكذا تستمر الحلقة الجهنمية الى الأبد! فما الذي يهدف اليه الشاب السني الذي يقوم بوضع حزام ناسف حول خصره وتفجير نفسه في جمع من المصلين الشيعة في العراق أو باكستان أو سوريا وغيرها، أو العكس؟ هل يعتقد هذا الانتحاري الغبي أن بعمله هذا سيفني الشيعة أو يقضي على السنة في باكستان أو العراق أو سوريا، أو أن يقرر الكاثوليك في ايرلندا وغيرها تغيير ديانتهم، أو أن يقرر حتى مستضعفو الروهنغا في بورما التخلي عن عقيدتهم، أو غير ذلك؟ لا طبعا، فالقتل لن يجر الا القتل، والمؤسف أن هناك دائما قتلة، وفي كل انحاء العالم، على استعداد لقتلي وقتلك وقتل انفسهم لاعتقادهم بأنهم مدفوعون بقوى ربانية للقيام بذلك، وأن مكانهم في السماء محفوظ، وهذا الوهم الذي نشأ ضمن محيط بشري كبير يصعب القضاء عليه بغير العلم، وفي هذا يقول عالم الأحياء البريطاني رتشارد داوكنز ان من يتوهم أنه نابليون مثلا يحتاج الى أدوات دعم كثيرة لإثبات صحة مقولته، لأنه منفرد ولا يتلقى دعما من غيره من العقلاء، أما من يتوهم أن عقيدته صحيحة فهو يسبح في بحر من المؤيدين لفكرته، وهذا التأييد الجماعي يعطي المؤمن قوة دعم ودفع كبيرة!
وفي معرض دفاع البعض عن عقيدة ما يقولون انها لا يمكن أن تكون خاطئة ان كان عدد المنتمين لها يتجاوز المليارين مثلا! وعندما تجيبهم بالقول ان هناك من يعتقدون بقدسية البقر وعدم ضربها أو تناول لحمها أو حتى دفعها عن الطريق العام، واستعدادهم لقتل الآخر والنفس دفاعا عن البقرة، يقارب عددهم المليار، فهل يعني ذلك انهم على حق؟ وبالتالي فعدد المنتمين لأي عقيدة لا يعني شيئا، لأنه نتيجة تكاثر طبيعي، وليس بالاختيار الرشيد، ولهذا نجد مثلا أن الشخص المنتمي للديانة الدرزية يولد ويعيش ويموت غالبا وهو من «الجهال»، بلا عقيدة أو علم أو معرفة بدينه، الا انه اختار طوعا أن يكون عاقلا ويأخذ أسرار العقيدة، وهنا يجب أن يكون قد تجاوز الأربعين من عمره، أي أصبح راشدا!
ان العالم حولنا قد تحول لقرية صغيرة، والعمر قصير، والأحقاد كثيرة، فلمَ نمضي وقتنا في كراهية الآخر، والتفكير في كيف نرسله للنار، بدلا من التركيز على فعل الخير؟ ولكن هنا ايضا ورطة، فقد يعتقد سني أن الخير في قتل الشيعي، او يعتقد الشيعي أن الخير في قتل السني، وهنا ستستمر عملية تحكم الموتى فينا الى الأبد!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا والنسيان

استباقة: عندما انهيت كتابة هذا المقال، تبين لي أنني ربما كتبت شيئا يماثله! اكتشافي المتأخر بين أن ذاكرتي بدأت تضعف، وبالتالي أصررت على نشر المقال، بدلا من التخلص منه، فنسيان موضوعه أكد مدى حاجتي للقراءة أكثر في هذا المجال.
نشكو جميعا، بدرجة او بأخرى، من النسيان، والمشكلة تتعقد اكثر مع التقدم في العمر، الى أن يتحول النسيان للخرف! وبالرغم من انتشار المرض بين كبار السن، وحتى بين الأقل من ذلك بكثير، فان الطب الحديث لم يجد طريقة فاعلة لعلاجه لتعلق الأمر بتلف أكثر مناطق المخ دقة، وهي خلايا الذاكرة، ولكن بالامكان التخفيف من آثار ومخاطر هذا المرض الخطر باتباع خطوات محددة تختلف من شخص لآخر حسب البيئة والظروف. فعلينا مثلا عدم التقليل من أهمية توقف تدفق الدم بسهولة للقدمين. فمن يشكو من هذا العارض عليه توقع مشاكل مع القلب والذاكرة مستقبلا، ومراجعة الاختصاصي ضرورية هنا. كما علينا الاكثار من الاطعمة المضادة للسموم كالخضار والفواكه وأهمها التوت الأسود، الكشمش، البلوبريز والبلسان أو «الدربريز»، كما علينا تجنب الأغذية المحضرة بزيوت مشبعة، فتأثيرها خطر على خلايا المخ. ومعروف علميا بأن المخ يبدأ حجمه بالتضاؤل عندما نصل للثلاثين او الاربعين، ولا يوجد شيء يزيد من حجم المخ كتعلم شيء جديد كل يوم من خلال التجربة والمغامرة والمطالعة المستمرة. كما يجب أن نوسع من دائرة معارفنا وأصدقائنا ونختلط أكثر بالآخرين، فالوحدة من مسببات الخرف. وحيث ان النساء تزيد اصابتهن بالمرض (%68) فإن عليهن تعويض ما يفقدن من هرمون الاستروجين، المنشط للذاكرة، والتعويض يجب أن يتم في الفترة السابقة لتوقف العادة. كما علينا الاكثار من الكوليسترول الحميد من خلال ممارسة الرياضة والتقليل من المشروبات «القوية»، والاهتمام بتنزيل الوزن. كما علينا اجراء فحص دم لمعرفة اذا ما كنا قد ورثنا جينا يسمى apolipoprotein E4 فوجوده يتطلب اتخاذ اجراء فوري لمراجعة اختصاصي! كما ينصح بتناول القهوة والشوكولاتة السوداء. ومن المهم أن نراقب أوزاننا فهبوط الوزن تلقائيا بعد الستين مؤشر غير صحي، وعلينا مراجعة الطبيب في حال استمرار فقد وزن غير مبرر. كما على غير المسلمين تناول قدح من النبيذ الأحمر يوميا… ان وجد! ومن المهم التغلب على حالات الضغط النفسي، ضمن الأسرة او العمل. والاهتمام بأمراض الفم، فاللثة المريضة تتسبب في أحيان كثيرة في تسمم الدماغ. كما علينا تناول فيتامين B12 بناء على نصيحة طبية. كما ينصح الخبراء بتناول الخل، بكل أنواعه، ان باضافته للسلطة أو اضافة الملح له وتناوله أو اضافته للماء. كما أن بودرة الكاري فعالة في محاربة مرض النسيان. كما أن المصابين بالسكر معرضون أكثر من غيرهم للاصابة بالخرف!.
****
ملاحظة: لم ترد الفتاة الكويتية ولا وكالة الأنباء، «كونا»، على ما ذكرناه عن خلو خبر الوكالة المتعلق بفوز الفتاة برئاسة لجنة تحكيم دولية تابعة للاتحاد الأوروبي، ومقرها.. قطر، خلوه من المصداقية! وسكوت الوكالة دليل آخر على خرابها!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

غابة الكويت

الغابة مكان مناسب للكثيرين، فلا طرق ولا إشارات مرور ولا قوانين ولا شرطة ولا تفتيش، ولا انضباط ولا دوام، والبقاء فيها للأقوى! والكويت تحولت إلى ما يشبه الغابة، بفضل سيطرة قوى الصحوة الدينية المزيفة خلال الثلاثين سنة الماضية على مقدراتها، برضا السلطة أو بصمتها! فقد اكتشفنا فجأة أن هناك عشرات آلاف من مخالفي الإقامة، وسهل جدا القبض عليهم! كما فوجئنا بوجود المئات الذين يقودون مركباتهم من دون إجازة قيادة، وتم القبض عليهم بسهولة! واكتشفنا أن هناك مجرمين فارين من وجه العدالة وأصحاب سوابق بيننا، وهؤلاء أيضا القي القبض عليهم! كما اكتشفنا فجأة أن الجريمة منتشرة في البلد وأن الآلاف تم إنهاء إقاماتهم وترحيلهم إلى بلدانهم! واكتشفنا أن الآلاف يعملون في ورش مشاريع حكومية حيوية، من دون ان يكونوا على كفالة من يعملون لديهم، وتم شحنهم لمراكز الإيواء والإبعاد! يحدث ذلك وكأنها أمور مستجدة، ولم تصبح عرفا مفروغا منه! إننا لا نعترض على إجراءات الحكومة، بل نؤيدها، فوجود «خراب الصحوة» منذ سنوات لا يبرر السكوت عنه، ولكن هذا الخراب وجد بسبب فساد الجهاز الحكومي، وهو الذي يتطلب العلاج وليس الشارع! وبالتالي أتوقع ان تنتهي كل هذه الحملة إلى…. لا شيء! ففي نهاية الأمر سينجح صاحب الواسطة ودافع الرشوة في تعديل وضعه وإخراج عماله من السجن ووقف ترحيلهم والحصول على ما يريد من إقامات وغير ذلك، وعلى العاجز التوجه لجهة يتناول فيها «تبنا» ويسكت. لقد توقعنا هذه الموجة العاتية من الانفلات الأمني بسبب سياسات الأمن والتجنيس الفاشلة التي عجزت على مدى أكثر من 60 عاماً عن خلق استقرار «بشري»، فلا تزال مشكلة «البدون»، ومنذ عام 1965، تتفاقم وتكبر وتتضخم من دون ان تجد أي لجنة حلا لها، وكنا خلال الفترة نفسها ننجح دائما تقريبا في إيجاد الحلول لأعقد مشاكل الدول الشقيقة والصديقة، ولكننا نسينا انفسنا! ومنذ سنوات وبعض رجال الأمن يرتكبون الجرائم ولهم يد ورجل في تهريب كل مطلوب عبر الحدود، والاعتداء على الموقوفين في المخافر، والتستر على مخالفي الإقامات ومشاركتهم في أنشطة مشبوهة، والصحف تزخر يوميا بمخالفاتهم الجسيمة وجرائمهم، ولم يفكر وزير داخلية واحد في غير توقيع العقوبة على رجل الأمن المتورط، ربما إن لم تكن لديه واسطة، من دون التقدم خطوة والبحث عن جذور هذا التسيب داخل الجهاز الأمني الذي لا شك يزخر بالكثير من الشرفاء والمخلصين! لقد كنت ضحية غير مباشرة لأكثر من عملية سرقة وسلب تحت تهديد السلاح، ضمن محيط بيتي، خلال الفترة الماضية، والمعلومات متوافرة لدي، وهاتف مخفر المنطقة لا يرد، والذهاب له بهدلة لا ترضاها النفس الأبية! إننا حقا بحاجة ماسة لفلسفة أمن جديدة وفكر جديد، فلا يعقل بقاء كل هؤلاء الشباب من عديمي الجنسية معلقين من دون عمل في دولة بكل هذا الثراء النقدي، ولا يزال بعضهم ينتظر منذ نصف قرن تعديل وضعه. إن الحملة الأمنية الأخيرة كانت أمرا مستحقا منذ ثلاثين عاما، والخوف أن تكون بالونا مؤقتا سرعان ما سينتهي برشوة أو واسطة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الدكتوراه المثقوبة

توجد أكبر نسبة من حملة الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه، الصحيحة والمزورة، في الدول الخليجية، النفطية، مقارنة بغيرها من الدول العربية، وسبب ذلك يعود للمزايا التي تمنحها هذه الدول الثرية بالمال لحاملي هذه المؤهلات العلمية، ولوجود المادة لدى افراد هذه المجتمعات للصرف على ما يتطلبه الحصول عليها، أو ما يتكلفه شراؤها، من منازلهم! وقد تمكن عدد كبير من حملة هذه الشهادات الجامعية والدكتوراه، وما بينهما، من كسب الاعتراف المبكر بشهاداتهم «اللاجامعية» الصادرة من جهات غير معترف بها، أو من «لا جهات»، في وقت لم تكن فيه الوزارة تدقق كثيرا في صحة مثل هذه الشهادات لقلة حملتها، أو بسبب «غض النظر» أو «النأي بالنفس»! ولا انسى منظر ذلك النائب الذي دار بشهادته الوهمية على كل مسؤولي الدولة، وأخذ الصور التذكارية معهم بمناسبة نجاحه في دفع مبلغ 1500 دولار ثمنا لشهادته! وهذا طبعا شجّع غيره للقيام بالمثل.
والغريب في دولة العجائب ان يقوم أصحاب الشهادات الوهمية، أو غير المعترف بها، بالدعوة للاجتماع والاحتجاج والتظاهر وتكوين من يمثلهم والظهور في وسائل الإعلام دون حياء أو خجل، لمطالبة الحكومة بالاعتراف بما قاموا به من احتيال وتوظيفهم، أو ترقيتهم إن كانوا موظفين بناء على شهادات أقل درجة، فكيف يحدث ذلك ولا احد يحرك اصبعا في وجه هؤلاء؟ ولو قام مجموعة من الأفاقين واللصوص بالتظاهر مطالبين الحكومة بإلغاء «سوابقهم»، فهل سيتم السكوت عنهم مثلا؟
الغريب في الأمر، كما سبق ان اشار الزميل عبدالله النجار، في مقال له في «الوطن»، ان الكثير من حملة شهادات الدكتوراه الوهمية، العاملين في الحكومة بشهاداتهم الجامعية، يوقعون مراسلات الجهات التي يقومون بالإشراف عليها أو إدارتها، بصفتهم من حملة شهادة «دكتور»! ومعروف أن هذا مخالف للحقيقة. كما يقوم آخرون بطبع رسائل خاصة بهم وبطاقات زيارة تحمل اسمهم وصفتهم الوهمية، كدكتور، وهذا لا يعد خداعا للآخر بل نوعا من النصب الفاضح الواضح. كما يقوم عدد من العاملين في المجال الديني، وخاصة لجان جمع الأموال، باستخدام لقب الدال، الذي قد يكون وهميا، في استدراج التبرعات على أساس انهم من كبار «العلماء»!
وحيث ان ليس من السهولة إصدار قانون من المجلس يمنع الأفراد من استخدام أي ألقاب مهنية أو علمية عالية بصورة غير قانونية، فإن كل وزير بإمكانه إصدار تعميم يمنع موظفي وزارته من استخدام اي ألقاب من هذا النوع دون حصولهم على شهادة معترف بها تثبت ذلك، ويصبح الأمر مدعاة للاحراج لو كان الموظف يعمل في جهة رقابية أو قانونية أو استشارية، أو بالذات في لجنة تحقيق أو تحكيم! وهذا حدث في أكثر من حالة، فلدينا مهندسون كان ولا يزال لهم دور سياسي وتحكيمي بارز، ومعروف عنهم أن شهاداتهم مضروبة أو صادرة من جامعات فاشلة وغير معترف بها، قاموا بعد وصولهم لمراكز القرار بالسعي للحصول على الاعتراف بها من وزارة التربية. وقصة الكلية البحرية(!!) معروفة ومستوى خريجيها معروف! ومع هذا اعترفت بها الوزارة «كرمال عيون بوعدله»!
الموضوع ذو شجون ومؤلم، وهو ما يجعل من موضوع انحدار الأخلاق مسألة غاية في الأهمية، ولكن متى كان انتحال الصفات أو حمل الشهادات الوهمية من الكبائر في دولة «العادات والتقاليد»؟

***
ملاحظة: ورد في الصفحة الأولى من جريدة إماراتية أن استقصاء رأي جرى في إسرائيل أظهر أن %20 من الإسرائيليين يتمنون الموت للعرب! والهدف هنا اظهار اليهود كشريرين ودمويين، وسنقبل ذلك! ولكن لو أجري الاستقصاء نفسه بيننا، فالنتيجة ستكون كارثية، فسيصوت %50 بتمني الفناء لليهود، و%50 بتمني الفناء لبعضنا البعض، والأحداث التي نعيشها خير شاهد!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحاجة أمُّ التحليل

أحدثت إصلاحات مصطفى كمال أتاتورك الثورية وغير المسبوقة، هزة في دول إسلامية عدة، ومنها أفغانستان وإيران، والتي حاول ملكاها، كل على طريقته، اتباع ما قام به أتاتورك، ولكنهما فشلا، وبعدها بعقود أتت حركة طالبان وثورة الخميني لتعيد الدولتين قروناً إلى الوراء. والمشكلة التي تعصف اليوم بالكثير من الدول العربية والإسلامية هي ندرة القيادات ذات النظرة المستقبلية، والنقص الرهيب في الحريات السياسية، واعتماد الكثير من الأنظمة في شرعية بقائها على دعم رجل الدين، والذي قام بممارسة نفوذه من خلال إصدار الفتاوى، بطلب من الآخرين، أو بتبرع شخصي منه، لتبرير بقاء الحكام في الحكم أو تبرير تصرفاتهم! واعتقد رجال الدين هؤلاء بأن قاعدة ألا أحد يدوّن أو يبوب فتاواهم، وبالتالي بإمكانهم، إن شاؤوا ذلك، تغييرها وإصدار أخرى بدلاً منها، وحتى متناقضة معها، لاعتقادهم بأن الأولى ربما نسيت، أو مر زمن عليها وأصبحت غير صالحة، أو لا تنسجم مع مصالح المفتي التي تتغير، أحياناً، مع تغير عواطفه وأهوائه، والأهم من ذلك مصالحه الشخصية! ولكن التسارع في تكنولوجيا الاتصال التي أصبحنا نلهث وراءها، وهي تسبقنا، كشف حيل البعض من هؤلاء وزيفهم، وقلل من استعدادهم لتغيير آرائهم «الدينية» بسهولة، خصوصاًَ بعد أن قام مغردون خليجيون، من خلال «تويتر» بنشر مراجعة لفتاوى التحريم التي صدرت خلال الخمسين عاماً الأخيرة، والتي تراجع أصحابها عنها تالياً، كتحريم التلفزيون وتعليم البنات، واستخدام الهواتف النقالة التي تحتوي على كاميرات، وتحريم التصوير أو وضع الصور الشخصية، حتى للرجال، على بطاقات الهوية والجوازات واستخدام الدراجة والسيارة والمشاركة في الانتخابات وآلاف الأمور الأخرى، وهي جميعها لم تصبح فقط «حلالاً» بعيون هؤلاء الذين أفتوا بحرمتها، بل وأكثر من ذلك أصبحوا على رأس مقتنيها ومستخدميها، وبالتالي من الطبيعي الافتراض أن أموراً «منطقية» كثيرة تعتبر الآن في حكم المحرمات كقيادة المرأة للسيارة، والتي نتج عنها مساوئ ومشاكل اجتماعية جمة ليس أقلها زيادة عدد السائقين في الكثير من الأسر، سيتم التخلي عنها، وهذا يدفعها للتساؤل عن سبب التمسك بهذا المنع، طالما أن الوقت سيأتي وتصبح فيه كغيرها حلالاً؟ وقائمة الأشياء والأمور والتصرفات التي صدرت بها فتاوى تحريم، فقط خلال 50 عاماً وأصبحت من المحللات خير شاهد! ويذكر، كما ورد في الدراسة، وهذه حقيقة، أن الدراجة، التي كان بعض أهالي القرى يسمونها «حصان إبليس»، كانت ممنوعة، ثم خفف التحريم شريطة أن يحضر من يريد استخدامها شهادة تزكية من إمام مسجد الحي!
ويذكر أن التحريم طال في يوم من الأيام جهاز إرسال البرقيات والراديو والفيديو، وصحون استقبال القنوات. وكاد الملك عبدالعزيز بن سعود أن يفقد هيبته أمام الإخوان في بداية انتصاراته عندما أصر على استخدام التلفون. ويقال إنه لجأ إلى حيلة طريفة لكسب قبول الإخوان للجهاز، حيث ترك الرياض وذهب إلى منطقة بعيدة! وجاء آخر الشهر وتأخر صرف الرواتب، وقيل لهم إن الصرف لا يمكن أن يتم بغير موافقته، والوصول إليه والعودة بالموافقة سيستغرق بضعة أيام، ولكن يمكن تقصير الفترة بالاتصال به هاتفياً وأخذ موافقته، فاعترض البعض، ولكن الأكثرية أيّدت الاستعانة «بالهاتف الحرام»، وبالتالي تغلبت الحاجة على الفتوى ليصبح الهاتف حلالاً! ولو دخلنا بيوت كبار المفتين اليوم لوجدناها تمتلئ بكل ما كان محرما قبل سنوات!

أحمد الصراف