احمد الصراف

العلمانية الجميلة والطائفية الكريهة

عندما كنا نكتب وننادي بالعلمانية حلاً لجميع مشاكلنا، ونقول ان في اتباعها، دون المساس باية عقيدة، يكمن الترياق الذي نحن بحاجة اليه لتغيير الكثير من أوضاعنا المهترئة ومفاهيمنا البالية كان الكثيرون ينتقدون دعوتنا ويرفضون التصديق بأن في اتباع العلمانية الحل للتخلص من أطنان الحقد الكامن في نفوس الكثيرين منا، وكان هؤلاء يزيدون باتهامنا بالكفر والردة والزندقة والعمل لمصلحة النظام الصفوي الفارسي، هذا غير تهم الانتماء للمجوسية والعمل لمصلحة الاستعمار والصهيونية، وكل هذا خير دليل وشاهد على مدى الحاجة لاتباع العلمانية طريقا وسياسة، فأنا لا يمكن أن أكون كل هذه الأمور في الوقت نفسه، وبالتالي سوقها في حقي ناتج عن كم الجهل والحقد الديني أو المذهبي الكامن في النفوس، وليس مثل العلمانية مادة لتنظيف النفوس من هذه الاتهامات السخيفة والأحقاد البغيضة، التي عادة ما تعمي القلوب وتمنع رؤية الأمور بشكل واضح! فطالما أن الدين والوطن ليسا للجميع بل لطائفة أو لأتباع دين محدد، فإن الخراب سيستمر ويشملنا جميعا، وفي هذا تقول وفاء سلمى الكاتبة السورية الأميركية، في مقال إلكتروني: قام أبناء ملتي، الاسلاميون السنة طبعا، بحوالي 3272 عملية ارهابية، بلغ عدد القتلى فيها 18562، والجرحى 39445، كان نصيب العراق منها 866 عملية ارهابية، الهند 565، باكستان 197، أفغانستان 235، الجزائر 169، الشيشان 92، روسيا 25، تايلند 133، بنغلادش 34، السعودية 26، السودان 32، لبنان 19، اسرائيل 234، نيجيريا 30، أندونيسيا 66، الفلبين 83، الصومال 7، اليمن 10، الاردن 5، طاجيكستان 16، سوريا 5، البلقان 3، مصر 9، بريطانيا 7، فرنسا 4، الولايات المتحدة 14، وأخيرا قطر عملية ارهابية واحدة، وهذا فقط حتى عام 2005، حسب قولها. ويمكنكم تخيل العدد اليوم، بعد استمرار وازدياد العنف الطائفي والمذهبي في العراق وسوريا ولبنان وباكستان، واشتراك ابناء المذاهب كافة فيه، ليعم «خير التطرف» الجميع! وتقول ان أرقامها تبين أن عدد القتلى في العام الواحد في اربع سنوات بلغ 4640 قتيلا، وهذا يفوق كل قتلى محاكم التفتيش الاسباني، بين القرنين 12 و15. كما أن عدد القتلى في 11 سبتمبر 2001 يفوق كل القتلى خلال 36 عاما من الحرب في شمال ايرلندا، ويفوق الاعدامات التي تمت في الولايات المتحدة في 65 عاما الماضية. كما أن عدد القتلى على يد الاسلاميين المتشددين السنة في العام الواحد يفوق عدد القتلى على يد جماعة «كوكلوكس كلان» العنصرية في أميركا في خمسين عاما!
لا أدري مدى صحة ما اوردته الزميلة من أرقام، ولكني لا استبعدها أبدا واكره فكرة معرفة ما هي عليه الآن، او ما ستكون هذه الأرقام بعد عشر سنوات من الآن، فالعنف الطائفي الجاهل سيستمر والقتل الديني سيشملنا جميعا، شئنا أم ابينا، ولا ادري هل سيكون حال الأمة أفضل لو اختفى الشيعة وزالت إيران عن خارطة الشرق الأوسط؟ هل سنتفرغ حينها لمحو إسرائيل والقضاء على الفقر والجهل والمرض، لأن الشيعة كانوا العائق أمام إنجاز هذه الأمور! اين ذهبت أيها المنطق؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأمل في الجيش فقط

سأستبق أحداث اليوم الأحد 30 يونيو في مصر، والتظاهرات التي ستطالب الرئيس مرسي بالتنحي، سأستبقها بالتنبؤ بأن الإخوان، وليس مرسي الذي ربما لا يملك من أمره شيئا، لن يذعنوا، مهما كبر حجم التظاهرات، ومهما كانت دموية وعارمة وشاملة لكل القطر المصري، فالإخوان لم يصلوا للحكم بعد حلم دام أكثر من 80 عاما، ليسلموه، حسب قول زعمائهم، لمجموعة من الكفرة والأفاقين والفاسدين من علمانيين وليبراليين وشيوعيين وأعداء الله ورسوله، طوعا، بل سيحاربون هؤلاء بمخالبهم ويتمسكون بالحكم بنواجذهم، ليس لأنه من مصلحتهم كافراد ومتاجرين بالدين، لكنا تفهمنا ذلك، وإن على مضض، بل لكونه حقا إلهيا لا خيار لهم فيه! وطبعا هذا لم يقله رجل دين في التاريخ الحديث دع عنه قوله من جيش صغير منهم! فأحد شيوخ الدين من الإخوان قال ان كل من يريد إسقاط مرسي (من دون أن يحدد بالديموقراطية أو بغيرها) وكل من يطالب بوضوح بكرسي الحكم مكان مرسي يصدق عليه الحديث النبوي: «ندفعه بكل وسيلة فإن لم يدفع بأية وسيلة إلا بقتله وجب قتله ودمه هدر!» والشيخ صاحب اغرب لحية في مصر، لم يقصر فقد قال: لمرسي شرعية قرآنية وشرعية نبوية وشرعية شعبية! (فإن كانت لمرسي شرعية قرآنية وشرعية نبوية فكيف يمكن المطالبة بهزيمته في الانتخابات أو حتى منافسته فيها؟!).
ويقول رجل دين ثالث: الشعب لم يأت بمرسي للحكم، بل الله الذي أتى بمرسي للحكم! ويقول رابع، وهو من السلف: حتى لو كفر مرسي لا يجوز الخروج عليه. أما يوسف القرضاوي، وهو من أعمدة الإخوان، فيتفق مع هؤلاء ويزايد عليهم بقوله: لا يجوز لأحد حتى أن يرفع صوته بالمناداة بإخراج محمد مرسي من نظام الحكم، وهو ولي أمر المسلمين الذي يجب أن يطاع بأمر من الله، وان الدعوة للخروج عليه فتنة! ثم يكمل غيرهم النغمة نفسها ليأتي أخيرا وليس آخرا، وجدي غنيم، أحد كبار متشددي الإخوان، ليقول فيما سيجري اليوم الأحد، 30 يونيو: هي الحرب بين الإسلام وبين الكفرة أعداء الله الذين يعارضون مرسي. فالفيصل هو في هذا اليوم، والله يأمرنا أن نطيع ولي الأمر طالما لم يكفر (مع أن شيخا سلفيا قبله قال بعدم الخروج عليه ولو كفر!) ويستطرد وجدي بالقول: نحن اخترنا حاكما يصلي الفجر وحافظا للقرآن ومراته (أي زوجته) محجبة! ويتساءل غنيم: يعني عايزين ايه أكثر من كده؟ ثم يقول، في تفصيل الفئات المعارضة لمرسي، هم من التكفيريين والصليبيين والعلمانيين والكفار، وأنهم يجب ان يُعتدى عليهم بمثل ما اعتدوا، وليجدوا من المسلمين غلظة، هؤلاء أعداء الله!
والآن هل يعني كل هذا أن الإخوان سيتخلون يوما عن الحكم بأي وسيلة كانت؟ الجواب الطبيعي أن هذا لن يحدث ابدا، وربما يكون الجيش هو الوحيد القادر على ذلك، كما حدث في الجزائر قبل سنوات، عندما تدخل الجيش لإنقاذ الوطن من حكم بلحاج وعباسي مدني اللذين قالا انهما متى ما وصلا للحكم فإن ذلك آخر عهد الجزائر بالديموقراطية!

أحمد الصراف

احمد الصراف

إن كنت في فرنسا

وردني النص التالي على الإنترنت: تخيل أنك ذهبت ذات صباح لعملك فوجدت جميع العاملين معك ملثمين، تسمع أصواتهم، ولكن لا ترى وجوههم أبدا، كيف سيكون شعورك؟ لن تكون مرتاحا بالطبع، وإن استمر الوضع، وكنت انسانا سويا، فستصاب باضطراب، فنحن كبشر بحاجة إلى رؤية وجوه من نتحدث إليهم. والاتصال الإنساني لا يكتمل إلا برؤية الوجه، هكذا طبيعة البشر منذ أن بدأوا بالتعارف والعيش كجماعات. ويبدو أن الذين يفرضون على المرأة تغطية وجهها لا يفهمون هذه الحقيقة. وبالرغم من ان المصريين كانوا رواد تحرر المرأة منذ ثورة 1919 وما قامت به هدى شعراوي من خلع للبرقع التركي، إلا أن مصر، ومنذ نهاية السبعينات، وقعت في قبضة السلف المدعومين بأموال النفط، وهنا عاد النقاب للظهور من جديد. ويتساءل مرسل النص: هل حقا يمنع النقاب فتنة النساء ويساعد على الفضيلة؟ ويجيب بأن الإسلام لم يأمر المرأة بتغطية وجهها، إطلاقا، وإلا لما طلب منها «غض البصر». كما أكد الأزهر بكتاب له بعنوان «النقاب عادة وليس عبادة» الأمر ذاته. وقال ان المجتمعات القديمة فرضت النقاب لكون المرأة «أصل الغواية»، ولا يمكن الحماية من الغواية بغير عزل المرأة أو تغطيتها بالكامل، وكأن جميع الرجال وحوش ولا يستطيعون السيطرة على شهواتهم! وإذا كانت المرأة يجب أن تغطي وجهها حتى لا تفتن، فماذا يفعل الرجل الوسيم؟ علما بان عيني المرأة المنقبة، ان كانتا جميلتين، قد تتحولان إلى مصدر قوي للغواية، فماذا نفعل عندئذ لمنع الفتنة؟ لذا طلب من النساء ارتداء نقاب بعين واحدة، وهنا لن يحدث «إغواء»! كما أجاب بأن النقاب يمنع المرأة من العمل كطبيبة جراحة أو قاضية أو مهندسة، وهي مختبئة خلف النقاب، بعين أو باثنتين. انتهى.
ونكمل الموضوع بمناسبة الحكم الذي صدر في فرنسا على امرأتين خالفتا قانون منع النقاب، وهو الحكم الذي لقي معارضة من البعض، وحتى من مدعي الليبرالية، بحجة أن القانون وما تبعه من احكام، هو تدخل مباشر في حياة الفرد الشخصية، والحقيقة خلاف ذلك تماما، فليس هناك من يستطيع الجزم بأن من ترتدي النقاب حرة الإرادة وتعرف ما تفعل. كما أن الأمر لن يقتصر على فرض ارتداء النقاب على هذه الفتاة أو تلك، بل سيمتد حتما لأمور كثيرة أخرى، كحق الأب في تزويج ابنته لمن يرغب، وليس للذي يقبله عقلها ويرضى به قلبها. الخلاصة ان على هؤلاء الذين يهدفون لأسلمة أوروبا البقاء في بلدانهم وممارسة ما يشاؤون من طقوس، فعندما نكون في فرنسا فعليا لن نفعل ما يفعل أهل فرنسا!
***
ملاحظة: في طريقة هي الأولى من نوعها، حاولت كويتية اخفاء ملامح الخوف على وجهها خلف النقاب والعباية، ولكن يقظة رجال الجمارك في المطار حالت دون ذلك، وتم القبض عليها وبحوزتها 40 ألف حبة مخدرة حاولت تهريبها داخل أحذية نسائية وحقيبة ملابس. وهذه من مزايا النقاب، لمن يريد الشر بنا، وبعض من مساوئه علينا!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

لجنة الأوقاف

أحمد الصراف
أحترم وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية، شريدة المعوشرجي، بالرغم من عدم اتفاقي معه في كل شيء تقريبا، وذلك لما يتحلى به من شخصية هادئة ترفع عن الصغائر، ولكنه في الحقيقة ليس بالشخص القوي الذي يمكن الاعتماد عليه في القضاء على ما تعانيه وزارة الأوقاف من خراب وفساد. فقد سبق أن أعلن في بداية السنة عن تشكيل لجنة «محايدة» (كتبنا عنها في حينه) للنظر في ما أثير من سلبيات ومخالفات في الأوقاف، وهذا يعني في المجال الوزاري ربما سرقات واختلاسات. وقال ان اللجنة سيترأسها خبيران من العدل وآخر من المكتب الفني. وأن عمل اللجنة لن يستغرق الكثير بحيث تنتهي من تقريرها خلال شهر. وقال أيضا ان تجميد أو «تدوير» من اثيرت الشبهات حولهم حاليا أمر مستبعد، لعدم ثبوت التهم عليهم، وأنه لا ينوي الاستعجال بالحكم لحين صدور تقرير اللجنة!
صدر التقرير، كما توقعنا، متأخرا جدا، ولكن قلة سمعت به، والأهم أن احدا كالعادة لم يُدَن بشكل واضح، واستغلت نتائجه لإجراء تصفيات حزبية من خلال تدوير هنا وتبديل هناك، مع المحافظة على التوازنات الحزبية، فالأوقاف يتحكم في مصيرها حزبا السلف والإخوان، والغلبة كانت غالبا للحزب الأخير، علما بأن الأمور في الوزارة تترجح مع ميول الوزير وقدرته على المناورة!
وقد زايد وكيل الأوقاف على تصريح وزيره بخصوص تشكيل اللجنة، قائلا انه من منطلق الشفافية واستجلاء الحقيقة تم تشكيل لجنة التحقيق المحايدة، وهذا يعني أن لجان التحقيق عادة ليست محايدة! مؤكدا حرصه والوزير على متابعة ما ستنتهي إليه من توصيات لتحقيق العدالة ومعاقبة المتجاوزين. وها قد مرت اشهر عدة ولم تتم معاقبة أي متجاوز بشكل واضح، ربما لأن سمعة الوزارة الدينية لا تسمح بإدانات «قوية»، وبالتالي اختفى تماما عنصر الشفافية الذي سبق ان بشرنا به الوكيل!
لقد أثرت إشاعات الاختلاس والسرقة على الكثيرين، وتوقع البعض إصلاحا قادما، وخاصة أن بين المتهمين من يشغل مناصب مهمة وحساسة، وبقاء الأمر دون حسم أمر مسيء للجميع، ومؤسف أن يكون الشيء الإيجابي الوحيد الذي حصل في محاربة الفساد في الوزارة خلال السنوات العشر الماضية، هو التخلص من المدير السوداني لمركز الوسطية، وهذا تحقق بشكل أساسي في حينه لمعارضة قوى السلف له، وليس لأن الوزير أو الوكيل قررا طرده، بعد أن تسبب في ضياع الملايين من دون فائدة. ومع هذا لا يزال مركز الوسطية ولجانه وبرامجه «الطايحة الحظ» تستنزف الكثير من المال، من دون مردود على أي طرف غير المشاركين في رئاسة لجانه غير العاملة ولا الفاعلة، فالجميع يعرف أن المركز كان منذ البداية نكتة سمجة، وتصدى لمهمة نشر الوسطية في العالم أجمع وهو لم يفد كثيرا دولة مثل الكويت لا تعرف كيف تنظم نفسها، فكيف بتنظيم حال غيرها. وبقاء وضع المركز كما هو دليل واضح على الفساد في الوزارة، فالجميع ساكت ولا يمانع في الاستفادة من المكافآت العالية التي تصرف لهم، مثلهم مثل أعضاء هيئة أسلمة القوانين. وهذا الأمر هو الذي يحتاج لاهتمام الوزير، فسياسة الصمت التي تتبعها الوزارة ليست دليل وقار بقدر ما هي عجز عن مواجهة الحقيقة!

[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

حلم الحكم

«.. الحزب الذي يحمل خبزاً للناس أفضل بكثير عند الله من الحزب الذي يحمل لهم الكتاب المقدس»! (المفكر العراقي عبدالرزاق الجبران).

***
عاش «ابو مرسي» في قرية صغيرة على ضفاف النيل في صعيد مصر. وعلى الرغم من أنه فلاح وابن فلاح، إلا أنه كان يحلم دائما بأن يمتلك قاربا يمخر به عباب النهر الخالد، ذهابا وإيابا، وأن يحمل أهله معه، ويتجول به ويصطاد من أسماكه أكبرها وأطيبها، ويملأ رئتيه برائحة «البحر»، ويسمع صوت الشراع وهو يخفق ويرتطم بالصواري العاليات، وأن يبز بقاربه اهل قريته ويتحكم بهم من خلال عروض اصطحابهم معه! حلم «أبو مرسي» طال لأكثر من ثمانين عاما قبل ان يتحقق، وما ان وضع الرجل قدميه المتعبتين على ظهر مركبه الجديد، الذي اشتراه من المال الوفير الذي «انهمر» عليه من ابنائه العاملين في الخليج واصدقائهم الذين سمعوا بحلمه في امتلاك القارب، حتى اكتشف أنه لا يعرف شيئا من علوم البحر والإبحار، ولا وقت لديه لتعلم شيء وهو بكل تلك الكهولة، كما أنه – ويا للهول – لا يعرف حتى العوم! وهكذا أضاع «ابو مرسي» كل ما جمعه من مال ابنائه، وما ورد اليه من ثروات اصدقائهم في مشروع فاشل ليس أهلا له، ولم يكن يوما حاضرا له، بعد ان انشغل طوال 80 عاما بالجلوس والحلم باقتناء قارب من دون محاولة تعلم شيء عن الملاحة والسباحة والسياحة!

***
من الواضح أن الوضع المأساوي الذي وجدت مصر نفسها فيه، تحت حكم «الإخوان»، أمر يدعو الى الحسرة والحزن، فهو دليل دامغ على أن أكبر الأحزاب السياسية فيها، وعلى مدى ثلاثة ارباع قرن، لم يكن يوما مؤهلا لتسلم الحكم، ليس فقط لخلل في «فلسفته» – إن جازت الكلمة – بل، أيضا، لأن مرشديه غالباً انشغلوا طوال الفترة السابقة في تجميع الأموال وتكديسها في يد فئة مختارة وقليلة جدا، وفي كسب الأعوان، وفي حياكة المؤامرات وتنظيم التظاهرات، والتخلص من المناوئين، إرهابا أو قتلا. ونسوا أن الحكم فن والسياسة دسائس، والمبادئ وضعت لتنقض والأحلاف وقعت لتلغى، وأن الغاية، في جميع الأحوال، تبرر الوسيلة، مهما كانت دنيئة، لئيمة أو غير إنسانية. نعم، وصل «الإخوان» الى حكم مصر وغيرها، والخير في ما حصل، فقد اكتشفوا واكتشف العالم معهم خواء فكر قادتهم، في مصر والكويت بالذات، وقلة حيلتهم. فمصر ميدان التحرير والتظاهرات وخطف الثورات من صانعيها هي غير مصر من قصر عابدين أو الاتحادية أو مركز الإخوان في الروضة أو شبرا او تطوان. وعليه، فإن على حاكم مصر الفعلي، المرشد «محمد بديع، أن يخرج للناس ويقول، كما طالبه الكاتب محمد حسنين هيكل: يا جماعة، اكتشفنا أننا أهل فكر ومبادئ، لكننا لسنا أهل سياسة»! ومن بعدها يترك «الإخوان» الحكم لإنقاذ مصر مما سيلم بها من كوارث، إن أصروا على البقاء!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حصان العريفي الأبلج

أحدث سفر رجل الدين السعودي محمد العريفي الى لندن، ونشر صوره وهو باللباس الغربي، والرأس المكشوف، يتجول ويتسوق في شوارع لندن، وبيكادللي بالذات، أحدث ضجة في الصحف السعودية، وكتب عن زيارته للندن البعض، ومنهم الزميل خلف الحربي، والسبب أن الزيارة جاءت فور انتهاء «الشيخ الداعية»(!!) من زيارة غير مباركة لمصر قام خلالها غالباً بـ«توليع» الأمور هناك، واستصراخ ضمائر وقلوب وربما عقول شبابها، مطالبا اياهم بالانخراط في الحركة الجهادية والذهاب لسوريا لمحاربة الفجرة من أنصار بشار وحزب الله! وقال الزميل خلف ان العريفي ولى وجهه بعدها شطر لندن على الدرجة الأولى ليقضي جزءا من الصيف هناك، وكأن لسان حاله يقول: «معليش يا بشار وحسن نصر الله وايران وروسيا، اصبروا الى أن أخلص من قضاء الصيفية وسنوريكم بعدها!». ويبدو أن العريفي بعد أن انتهى من تنوير وتثقيف وتعديل وضع وتفهيم وتدريب الأمة السعودية والمصرية والعربية الاسلامية، ولّى وجهه نحو ديار البريطانيين يريد الخير لهم وتنويرهم وتثقيفهم، وألا ينسى خلال ذلك التمتع بـ«حلال» ماله والتسوق من هارودز وغيرها من مراكز التسوق الفخمة، فالجهاد في سوريا لن يطير، ولن ينتهي سريعا، أثناء ذلك بامكان المجاهدين، كما يقول خلف، أن يذهبوا الى سوريا ويقاتلوا ويرتدوا ما شاؤوا من أحزمة ناسفة، ريثما ينتهي الشيخ من رحلته الدعوية في لندن، وبعدها تصوير آخر لقطات برنامجه الرمضاني ثم امتطاء جواده الأبلج الذي تركه في تركيا، والكل تقريبا شاهد صورته وهو يمتطيه على هضبة الأناضول متوعدا النظام السوري وحزب الله بالويل والثبور! نعم هو سيعود حتما من لندن، وان سبقتموه على درب الشهادة فهذا أعز وأكرم لكم! ويستطرد الحربي في القول ان من الناحية العسكرية البحتة فان لدى العريفي 5 ملايين تابع من أشداء «بني تويتر» يلاحقونه في كل مكان، وسبق له أن خاض منفردا 3 تريليونات هاشتاق! هذا طبعا غير غزوات الفيس «من على ظهر التيس». وقد سبق أن ذكر العريفي أن ثقات أخبروه أن ملائكة يقاتلون مع المجاهدين في سوريا، كما طالبهم بأن يثبتوا. ويقول الحربي «حدثني من أثق به أن العريفي أو الشيخ المجاهد، كان يراقب جحافل الأعداء، وهو على ظهر حصانه الأبلج في تركيا، ولكنه لم يعبر الحدود الى سوريا، بل خاض البحر المتلاطم بالطائرة حتى وصل الى أرض الكنانة، حيث خطب في الناس خطبة عصماء خلعت القلوب من أضلعها، وما ان هتفت الجموع: (الجهاد.. الجهاد) حتى طار الى لندن وهو يمتشق سيف صلاح الدين (ليس الحقيقي بل الذي استخدمه أحمد مظهر في فيلم يوسف شاهين).
ليس غريبا هذا الاستغفال لعقول شعوب كاملة من قبل فئة تعرف جيدا كيف تستفيد من هذا الجهل لتعيش عيشة الملوك، ولكن الغريب استمرار هذا الاستغفال كل هذا الوقت، بالرغم من الدلائل على أن اغلب الدعاة ما هم الا متاجرون بالدين، متنعمون بخيره! كما أن بعضهم لم يتردد في الاستيلاء على عمل غيره لزيادة ثرائه. وقد سبق أن بين برنامج «نقطة تحول» في «ام بي سي»، في خلال مقابلات مع بعض هؤلاء «الدعاة» فخامة القصور التي يعيشون فيها والرفاهية التي ينعمون بها، فهل يصدق عاقل انهم سيهجرونها للحرب في أنفاق القصير وغيرها من الجحور؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

مبالغات اللواء عبد الفتاح

“>صرح اللواء عبد الفتاح العلي، مدير المرور، المسؤول عن الحملة الأمنية، بأنه لا يوجد شعب في العالم مثل الشعب الكويتي احتراماً (هكذا) للقانون، ومشكلتنا في إدارة المرور هي مع الوافدين!
ولو كنت وزيرا للداخلية لأعفيت الرجل من منصبه، ليس لسوء لغته، ولكن لما تضمنه تصريحه من تجن، وبعد عن الحقيقة والدقة!
أولا: قد يكون الوافد أكثر ارتكاباً للمخالفات، ولست متأكداً من ذلك، فاللواء لم يورد أي إحصاءات تدعم ما قال! ولنفترض صحته، فإن للأمر أسبابه، فقد نسي أو تناسى أن عدد الوافدين، بفضل جهوده وجهود من سبقه من رجال أمن وأعضاء أمة ووزراء، أكثر بضعفين تقريبا من الكويتيين، ومن الطبيعي أن تكون مخالفاتهم أكثر!
ثانياً: الوافد لم يدخل البلاد متخفياً، بل نحن الذين دعوناه ومنحناه ما يحتاجه لأداء عمله، فكيف نأتي ونلومه على ارتفاع نسبة مخالفاته؟ ثالثا: حاجة الوافد لإجازة قيادة أكثر من المواطن، فهم يقومون بكل الأعمال التي نرفض القيام بها، من قيادة سيارة الأجرة الجوالة، والحافلات والكرينات والتراكتورات وصهاريج المياه، ولا ننسى تناكر المجاري طبعا! رابعا: لو تفحصنا سجل كل مقيم تسبب في أكبر عدد من المخالفات، ممن تم ترحيلهم، لوجدنا أن السيد اللواء ومن سبقه، وغيره من الضباط وأعضاء مجلس الأمة والوزراء ربما هم الذين سهلوا حصول هؤلاء على رخص قيادة، من دون المرور بالاختبارات الصحيحة، فكيف يأتي اليوم ويلوم الوافد على مخالفاته؟ علما بأن نسبة كبيرة منهم دفعت للكويتي لكي لا يمروا باختبارات القيادة؟ خامسا: لا يمكن أن نكون أكثر شعب يحترم قوانين المرور في العالم، إن كنا غير ذلك في بقية جوانب الحياة، فهذا أمر لا يستوي والمنطق السليم، فنحن شعب غالبيته متخلف، ولا يمكن أن نحترم القانون إن كانت غالبيتنا لا تعرف ما القانون! ولا يمكن أن نكون الأفضل في احترام القانون إن كانت الرشوة والفساد ينخران في كل جسم وزاري وإداري! وبالتالي فإن اللواء عبد الفتاح يستحق جائزة نوبل في «المبالغة»، إن وجدت! فالحقيقة أننا أكثر شعب يخالف، وأكثر شعب يسرع ويتجاوز الغير برعونة، وأكثر شعب يحتل مواقف المعاقين وأكثر شعب ينتقل بسيارته من حارة لأخرى من دون اكتراث بالغير، وحتى الكثير من رجال المرور يبرعون في ذلك! كما أننا أكثر شعب يستعمل كتف الطريق بسيارته التي تغطيها النصوص الدينية، وفوق كل هذا نحن أكثر شعب يطلب منه الإدلاء بصوته في الانتخابات.
• ملاحظة: قيام وزيرة الشؤون بإحالة العدد الأكبر من قياديي الوزارة للتقاعد وقبول استقالة آخرين، من دون أن يحتج وزير أو نائب سابق أو متنفذ، خير دليل على خراب الوزارة! فكيف نكون اكثر شعب يحترم القانون، وغالبية هؤلاء يستحقون الطرد من وظائفهم في أخطر وزارة؟ شكرا للوزيرة ذكرى الرشيدي.

أحمد الصراف
[email protected] 
www.kalamanas.com 

احمد الصراف

السياسة والانتخابات وأنا

أعتقد، ويشاركني في ذلك بعضهم، أن السياسة بشكل عام مفسدة للنفس، وإن كان هذا القول، كغيره من الأقوال، لا ينطبق على قلة قليلة، ولا أدعي أنني منها، هذا لو كنت سياسيا! كما أن ما يخضع له السياسي من ضغوط يومية تقريبا للاختيار بين أقل الحلول سوءا، يكون عادة امرا مرهقا للنفس، وبالتالي فإن السياسة تنفع أصحاب القامات الأكثر ميلا مع الريح، مقارنة بغيرهم الأكثر عنادا وصلابة وتمسكا بآرائهم، حتى إن كانت غير صحيحة! وتصبح الممارسة السياسية أكثر صعوبة واقل شفافية مع تخلف الدولة وتخلف نظامها السياسي، أو عندما تكون الدولة «ريعية» تعتمد على مورد دخل واحد، والتي تمسك فيها الحكومة بكل أطراف ذلك المورد، فهي المانحة وهي المانعة، هنا تصبح العملية السياسية، بشقها الرقابي بالذات من خلال العمل البرلماني، عملية مربكة ومرهقة. فلو رأى النائب أو المشرع أن ظلما وقع على فرد أو شريحة من المجتمع، وسبب الظلم يعود لتصرف أو قرار حكومي، ورأى أن عليه السعي لرفع ذلك الظلم، أو إزالة أسبابه، فإنه عادة ما يلجأ للأدوات الدستورية، وهذه قد تأخذ دهرا، إن نتجت عنها فائدة في نهاية الأمر، وقد يكون الوقت قد تأخر كثيرا، وأصبح الحل غير ذي جدوى. وبالتالي تختار الغالبية اللجوء الى الطريق الأسهل، اي السعي لدى الجهة نفسها التي عليه واجب رقابة أعمالها وتصرفاتها، اي الحكومة المانحة والمانعة، والطلب منها، بمذلة غالبا، إزالة الظلم، وهذا ما لا تقبله عادة النفس السوية! فكيف يمكن لمثل هذا النائب بعدها محاسبة ومراقبة الجهة التي استجابت «لرجائه» وأوقفت تعسفها أو قرارها الجائر بحق فرد أو جماعة؟
مناسبة هذا الحديث هو الطلبات التي أصبحت تردني من أحبة وأصدقاء للعودة إلى الوطن خلال شهر رمضان القادم، على افتراض أن مرسوم الدعوة للانتخابات سيصدر قريبا، معلنا إجراءها خلال الشهر المقبل، والانخراط في العمل السياسي، عن طريق الترشح للانتخابات المقبلة، وحجتهم أن أولئك الذين سبق وأن حققوا نتائج جيدة في الانتخابات السابقة، ليسوا بأفضل مني، وأنه آن أوان وضع «خبراتي» المصرفية والتجارية والحياتية في خدمة الأمة، وأنني سوف أكون صوتا مقبولا من الجميع، وأنهم سيقفون معي!
ولكن، على الرغم مما قد ينتاب بعضهم من زهو لسماع مثل هذا الكلام، إلا أنه، لا شك، زهو فارغ، فالسياسة، كما ذكرنا، تحتاج الى نوعية من الأشخاص ممن يتصفون بصفات خاصة وكبيرة، ولا أجد أنها تتوافر في شخصي المتواضع. كما لا أملك ما يملكه السياسي المحترف من إمكانات، وبالتالي أكتب هذا المقال لأقطع الطريق على نفسي، إن حدثتني يوما بأن أتراجع، واخضع لمغريات السلطة والجاه، لأنني أشعر بان «روما» التي أعيش فيها تحت الشجرة، بكل ما فيها من بساطة عيش، أفضل بكثير من بهورة «روما» من على كرسي النفوذ والسلطة، أيا كان لونه!
• ملاحظة: ذكرني تصريح الشيخ المهري بأنه سيعطي صوته للأصلح، سواء كان سنيا، شيعيا، أو ليبراليا، بتغريدة لزياد الرحباني قال فيها، تعليقا على أحداث سوريا وتأثيرها في لبنان: السنة لهم أميركا، والشيعة لهم روسيا، والكفرة لهم.. الله.

أحمد الصراف

احمد الصراف

التوعية والتوجيه المعنوي

ما ان استقلت الكويت في بداية الستينات حتى باشرت الحكومة بتغيير تسمية المصالح الحكومية من «دوائر الى وزارات». واختارت الحكومة في حينها – كغيرها من الحكومات العربية – اطلاق تسمية وزارة الارشاد على وزارة الاعلام، لأن مهمة الوزارة في ذلك الوقت – وربما كل وقت – إرشاد الناس الى ما كانت تعتقده من نقص في وعيهم، وربما حتى ادراكهم، وهم بالتالي كالأنعام. وعندما تبين فساد التسمية قامت – كما أذكر – الجامعة العربية، بإصدار قرار غير ملزم، طالبت فيه اعضاءها بتعديل تسمية وزارة الارشاد الى الاعلام. وربما سبق حزب الإخوان المسلمين في الكويت – الفرع المحلي للتنظيم العالمي للإخوان – الحكومة او تزامن قرارها مع قرار الحكومة، فقامت بتغيير تسمية حزب جمعيتهم من «جمعية الإرشاد» إلى «جمعية الإصلاح الاجتماعي»، ربما بعد ان اكتشفوا فساد التسمية، وان البشر لا يحتاجون الى من يرشدهم، ولكنهم لا يزالون يتمسكون بإطلاق تسمية «المرشد» على كبيرهم، فالمرشد يرشد، لأن الجماعة تعتقد أن من هو ادنى منه مرتبة بحاجة الى من يرشده، حتى لو كان افضل منه علماً وفهماً!
وفي الكويت ادارة مهمة في وزارة الداخلية، وربما في وزارات اخرى تسمى إدارة العلاقات العامة والتوجيه المعنوي، واحيانا التوعية! وهذه تسميات معيبة وغير مقبولة، خاصة ان كان المخاطبون من رجال الأمن مثلا! وكأن دور هذه الادارة الاعلامي البحت اصبح يتضمن نوعاً من لفت النظر والتوعية، وكأن المخاطبين بحاجة الى التوجيه وادارة دفتهم، وتوعيتهم لما يحيط بهم من مخاطر! وبالتالي نتمنى على العقيد المميز في عمله عادل الحشاش، مدير إدارة العلاقات العامة والتوجيه المعنوي في وزارة الداخلية، السعي الى تغيير مسمى ادارته، بتسمية تتسم بنوع من الرقي والحضارة، وربما الاكتفاء بإدارة العلاقات العامة، وهي تسمية صحيحة وسليمة، ولا غبار عليها. كما نتمنى على بقية مسؤولي هذه الادارات او الاقسام في بقية دوائر الحكومة إزالة المعيب من الكلمات عنها.
ملاحظة: غاب العميد محمد الصبر عن عمله قبل فترة في اجازة دراسية، وعاد منها ولم نسمع له تصريحاً، ولم نر له طلة، فعسى المانع خيراً!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأخلاق والضرائب

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
يعتقد القارئ محمد ثابت أن اي مجتمع لا يمكن أن يستحق العيش فيه إن لم يهتم بالفئات الضعيفة من مواطنيه كالأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وهؤلاء لا يمكن العناية بهم بغير نظام ضرائب فعال، وليس بالصرف من صندوق ريعي لم يبذل أي جهد في تكوين رأسماله! كما يمكن القول ان نجاح أي رجل اعمال يرتبط بمواهبه الشخصية ومدى مثابرته على العمل الجاد، وما سبق أن قدمته له عائلته والدولة من رعاية نفسية وجسدية وعقلية، وبالتالي يجب عليه القيام، من خلال ما عليه دفعه من ضرائب، وليس بمبادرة خير منه، المساهمة في مشروع رفاهية المجتمع، ليس لتمكين الحكومة فقط من الاستمرار في تقديم خدماتها له ولغيره، بل لترشيد أخلاق أفراد المجتمع أيضا، ومنحهم إحساسا بالمسؤولية عن إدارة الدولة، وحقهم في السؤال عن أين وكيف ينفق ما يدفعونه من ضرائب.
ما يحدث في الكويت، الدولة الريعية الصرف، امر مفسد وغريب، فهناك رسوم شتى تفرض على المواطن والمقيم بصور متعددة، ولكنها ليست بالضريبة، ولا تساهم في تشكيل أخلاقيات المجتمع، ولا تعريفه بفلسفة الضرائب! وإن كانت السلطة تعتقد أن فرض الضرائب سيفقدها هيبتها ويعطي دافعيها الحق في مساءلتها، فهي لا شك مخطئة! فعدم وجودها لم يمنع السؤال البرلماني، ولكنه سؤال لا علاقة له بما يخلقه دفع الضريبة من سلوك إيجابي ومشاركة اجتماعية في تحمل أعباء إدارة الدولة، وبالتالي فإن كل تأخير في فرض الضريبة معناه دفع المواطنين والمقيمين أكثر للإمعان في سلبيتهم، واعتبار ما يجري لا شأن لهم به طالما أن الحكومة أو السلطة هي التي تعطي وتمنح وتكرم! لا شك ان هناك فئات، وبخاصة من كبار رجال الأعمال وملاك العقارات، وحتى من اصحاب الرواتب العليا، يسرهم الوضع الحالي، ولكن هؤلاء لا يعلمون مدى خسارة المجتمع من عدم وجود نظام ضرائب عادل. وفي بريطانيا ينتظر اناس بلهفة كل عام مالي، عشت جزءا منها على مدى سنوات، خروج وزير الخزانة The Exchequer من اجتماع مجلس الوزراء ملوحا بحقيبة حمراء قديمة لوسائل الإعلام، تتضمن موازنة وزارته عن السنة التالية، ومنها شرائح الضرائب الجديدة أو المعدلة التي ستفرض على مختلف السلع والخدمات، والتي سيكون لها تأثير مباشر في كل فرد، وستجد أن الجميع تقريبا سيقومون بالتقليل من استهلاكهم للقهوة مثلا، لأن الضرائب زادت عليها، والإقبال على الشاي لأن الضرائب خفضت عليه، وهكذا بالنسبة للكتب ورسوم الجامعة وأنواع المركبات والسلع المختلفة. وبالتالي فإن الضريبة ليست مالا فقط يجبى لتمويل أنشطة الحكومة، بل أداة فعالة ايضا لترشيد استهلاك الفرد، وتقويم أخلاقياته، وتوجيه سلوكه الوجهة التي تراها الحكومة «المنتخبة» أكثر عدلا ومناسبة للمجتمع.
ملاحظة: %70 ممن أطلقت أسماؤهم على الشوارع لا يستحقون أي تكريم، والبعض منهم شارك في نهب ثروات الوطن وتخريبه! ومن ساهم في خيره من أمثال الجنرال هستد لم يحصل على شيء، وهذا أمر يمكن تقبله، وإن على مضض، ولكن ما ذنب عثمان خليل عثمان، الخبير الدستوري الذي كان له الفضل الأكبر في وضع الدستور؟ وماذا عن علماء افادوا البشرية جمعاء بخير اختراعاتهم واكتشافاتهم، ولن نذكر منهم سوى ثلاثة ساهموا في تخفيف آلام مئات الآلاف منا، هذا غير مليارات البشر الآخرين، امثال الكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين، ووليم مورتون، مكتشف غاز التخدير، ووليس كارير، مخترع اول جهاز تبريد الهواء، في عام 1902.