احمد الصراف

حلم أبو عبدالوهاب

لا أميل كثيرا للقيام بواجب تقديم العزاء! ولو لم يسمَّ واجبا لما قمت به أصلا. وربما تكون عملية كتابة رثاء في فقيد، أكثر صعوبة من حضور العزاء شخصيا والتمتمة ببضع كلمات، والخروج والسلام! فالعزاء الكتابي، خاصة إن كان كاتبه غير ميّال للمبالغة، صعب، ولكن أثره يبقى لفترة أطول.
الحادث المؤسف والمحزن جدا الذي تعرّض له ابن صديق وحفيد صديق كريم آخر، هزّني من الأعماق، خاصة أن حادثة أليمة مماثلة حصلت للجد قبلها ببضع سنوات، وأذكر جيدا أنها أبكتني وقتها كثيرا. كما هزّت الحادثة الأخيرة قارئة عزيزة، فكتبت النص التالي، الذي تصرفت فيه قليلا، لكي يفي بالغرض، وأنشره، لعله يغفر لي عدم اتصالي بالصديق وصهره، في فترة العزاء، لظروف خاصة!
* * *
دخل الوالد غرفة ابنه البكر، وهو يمشي على أطراف أصابعه، وكأنه لا يود أن يقلق نومه العميق بعد يوم مرهق طويل. وما ان بلغ منتصف الغرفة، حتى شعر بأنه غير قادر على كتم شهقة عميقة صدرت منه، تبعها بكاء مر! وهنا ارتمى على فراش فلذة كبده الذي فارقه مبكرا، وهو لا يزال في مقتبل العمر، ولثم مخدته واشتم رائحته الطيبة المميزة، والكولونيا الخاصة التي كان يفضّلها، والتي كانت آثارها لا تزال عالقة بأطراف الشرشف.
أجهش في بكاء صامت، ولم يشعر بالوقت يمر، ولم يعرف كم بقي في تلك الغرفة التي لن يملأها الدفء ثانية، ولكنه كان على يقين بأن قدميه لن تطآها مرة أخرى. أدار نظره في محتويات الحجرة الجميلة، وفي كل شيء كانت عينا فقيده الصغير تقعان عليه صباح كل يوم عندما يصحو من نومه، وعندما كان يسكنها بجسده وروحه. هنا أشياؤه الصغيرة، وهناك أغراضه الخاصة تملأ أدراج خزائنه. وصوره الجميلة، بابتسامته الأخاذة، تغطي حوائط الغرفة، هذه واحدة وهو بملابسه الرياضية، يحتفل مع أصدقائه بمناسبة ما، وثانية يقف بجواره على ساحل المالديف، وثالثة على ظهر قاربهم الكبير، ورابعة مع بقية أفراد أسرتهم الصغيرة والجميلة! وهنا مضرب التنس الخاص به، والذي لم يستخدمه كثيرا، وهناك سماعات جهاز الموسيقى، وكمبيوتره المحمول. إن كل ما في تلك الغرفة أصبح حزينا يشتاق إلى صاحبه، فكيف بشوقه هو لابنه الشاب البريء الذي كان يملأ دنياه ودنيا جده وجدته ووالدته فرحا من حوله.
اجال نظره ثانية في الصور الفوتوغرافية التي تظهره مع ابنه الحبيب على شرفة فندق، أو خلف مجداف قارب، وأخذ يفكر بأنه إن عاد إليه فسيبحر معه بعيدا، بعيدا جدا، ليبقوا معا الى الأبد. آه.. كم يتمنى لو تتاح له فرصة ضمه إلى صدره للمرة الأخيرة، لمرة فقط، لكي لا يتركه يغادر ذراعيه، بعد أن يدخل جسده بين ضلوعه. وأخذ يسأل نفسه: يا ترى هل ستعود الابتسامة لوجهي؟ وهل سينسيني الزمن أعز من كان معي وتركني ورحل؟ وهل سيعود أصدقائي ليقولوا لي أين ضحكتك يا أبو عبدالوهاب، التي كانت تغرد معها عيناك؟ إن العيون لا تبتسم، ولكنهم كانوا يقولون إن عيوني تبتسم!
من أجل ابنه الحبيب سيحاول أن ينسى، قد يتطلب الأمر بعضا من الوقت، وقد يطول هذا الوقت، ولكن من أجل ابنه سيحاول أن ينسى، فهو لا شك في مكان ما يغرّد مع أقرانه، فقد رحل صغيرا وبريئا وليس في عنقه دين لأحد، أو في ذمته وعد لم يف. به، أو في باله عداوة لم ينسها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

إعجازهم وعجزنا

ليست هناك حدود لقدرة العقل البشري على الخلق والاستنباط والاكتشاف والتطوير، وقد تمكن هذا العقل، على مدى آلاف السنين، وقبل أن تأتي العقائد، بتقديم الكثير للبشرية، وحضارات الإغريق والفراعنة، والسومريين خير مثال. فقد نجح الإنسان في تطوير الزراعة وتأنيس الحيوانات وبناء المدن واختراع مختلف أدوات القتال والبناء وغيرها. كما قام العقل نفسه في السنوات المائة المنصرمة، أو أكثر قليلا، بتقديم كمّ هائل من الاختراعات والاكتشافات والإنجازات التكنولوجية، خاصة في ميادين الفضاء والطب والهندسة والكمبيوتر، ساهمت جميعها، ليس فقط في تخفيف معاناة البشرية، بل وخلق بيئة مريحة لمعيشتها، وجعل الحياة أكثر تشويقا ومدعاة للاحترام، والأكثر من ذلك أنها أطالت في متوسط عمر الإنسان، والذي لم يكن يتجاوز الخمسين عاما بكثير في غالبية دول العالم، وحتى أقل من ذلك في الدول المتخلفة!
ثم بدأ التحسّن في حياة الإنسان الأول، وبدأ متوسط عمره في الارتفاع مع كل تقدم يحرزه في السيطرة على بيئته، وحماية حياته من الحيوانات المفترسة، واستمر الارتفاع في متوسط العمر بشكل مطرد، وتسارع بشكل كبير ومثير في العقود الأخيرة، وبالتالي لم يكن للعقائد علاقة بقصر أو طول عمر الإنسان، بل الإنسان هو الذي أطال عمره وعمر ما بعده من أجيال، إن من خلال التطور الطبي، أو معرفة الصالح والضار من الأطعمة.
والارتفاع في متوسط عمر الإنسان لم يتوقف منذ عقود طويلة، وبلغ مستويات عالية في الدول المتقدمة طبيا وغذائيا، ومن المحتم أنه مع التقدم العلمي، فمن المتوقع أن يرتفع المتوسط ليصل إلى 150 عاما أو أكثر، فليس هناك علميا ما يمنع ذلك مادامت أعضاؤه تعمل بصورة جيدة! وبالتالي فإن ما يسنده البعض من فضل لنصوص محددة في ما وصل إليه الإنسان من تقدم طبي وعلمي، أمر لا يراد منه إعلان الحقيقة، بل المتاجرة بهذه النصوص المقدسة، وتحقيق فائدة مادية منها. فالعبرة ليست في فضل كتاب مقدس في معرفة اختراع أو اكتشاف ما، بل العبرة بالنتيجة، والنتيجة أننا في هذا الجزء من العالم، وبكل ما كان ولا يزال لدينا من نصوص، كنا نعيش متوسط عمر أقل من غيرنا، بكتبنا وبغيرها، والعلم الحديث هو الذي أثر في نوعية حياتنا وأطال في متوسط بقائنا أحياء! وما حدث من تطور علمي في القرن السابع الميلادي ساهم فيه علماء من دول إسلامية، لم يكن له أي أثر في زيادة متوسط عمر الإنسان في حينه، ولا بعد ألف عام من ذلك، بل جاء الفضل بعدها على أيدي غيرهم، ونسبة الفضل فقط لنا تعود لحالة الإحباط المتراكمة التي عشنا ولانزال نعيشها.
وللدلالة على ما للعقل البشري من قوة، دعونا نستعرض توقعات وتنبؤات البعض من كبار المستشارين والخبراء العسكريين، في ما يتعلق بمستقبل عدد من المخترعات والمكتشفات. فقد توقع لي فورست مثلا، وهو أب الراديو والتلفزيون، أن الإنسان لن يصل يوما إلى القمر! وقال الأدميرال وليم ليهي الخبير في المتفجرات، تعليقا على مشروع بناء القنبلة النووية: إن هذه القنبلة لا يمكن أن تنفجر! وقال خبير كمبيوتر في عام 1949 إن كمبيوتر المستقبل سينخفض وزنه لطن ونصف الطن فقط. وقال رئيس شركة «آي. بي. إم» للآلات الحاسبة، عام 1943: أعتقد أن هناك سوقاً لخمسة كمبيوترات عملاقة في العالم! وقال اللورد كيلفن، رئيس الجمعية الملكية، عام 1895 ان أي شيء أثقل من الهواء لا يمكن أن يطير، في تعليق له عن إمكان السفر في الطائرة!.. لا بد أنك مجنون لتفكر في التنقيب عن البترول داخل الأرض!: هذا ما سمعه إدوين دريك عام 1859 من صاحب شركة حفر! وقال المارشال الفرنسي الشهير فوش إن الطائرة لعبة لطيفة، ولكنها لا يمكن أن تصبح يوما ذات أهمية في الحروب. وقال رئيس تسجيل براءات الاختراع عام 1899: كل ما يمكن أن يُخترع قد تم اختراعه، وليس هناك ما هو جديد!

أحمد الصراف

احمد الصراف

روزفلت ومرسي

يختار شعب أميركا رئيسا كل 4 سنوات، وله أن يترشح مرة ثانية فقط، الاستثناء الوحيد في تاريخها ربما كان في اختيار فرانكلين روزفلت، أعظم رؤسائها، لولاية ثالثة، بعد أن نجح في إخراجها من الكساد العظيم، وقاد التحالف في معركته ضد المحور في الحرب العالمية الثانية. كما أن مؤسسة الحكم فيها، لم تتردد في الطلب من الرئيس ريتشارد نيكسون التخلي عن الحكم قبل انتهاء ولايته، بالرغم من أنه منتخب شرعيا لأربع سنوات. وكاد الكونغرس فيها أن يخلع الرئيس كلينتون قبل انتهاء ولايته «الشرعية»، وبالتالي فإن التخلص من رئيس، سلميا أو عسكريا، بقوى داخلية أو خارجية، ليس بالأمر المستغرب او غير المسبوق في عالم السياسة، والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى من صدام العراق إلى نوريجا بناما، إلى بينوتشه شيلي وفرانكو في اسبانيا وعسكر الارجنتين واليونان وتركيا، وغيرهم. وبالتالي فإن ما حدث اخيرا في مصر من «انقلاب» على حكم الإخوان المسلمين كان أمرا لا مفر منه، والجيش كان الجهة الوحيدة التي كان بإمكانها إزالة حكمهم ووقف سيطرتهم، غير الشرعية ولا الديموقراطية، على مفاصل الدولة وضعضعة نظامها المدني وتحويله الى ديني يخدم بقاءهم في الحكم إلى الأبد، كما حصل مع نظام المرشد الآخر في إيران، التي يحكمها رئيس ديني بصورة مطلقة وهو المرجع الأعلى ومصدر كل السلطات والموحي لكل القوانين والمانع والمانح الأوحد، وله أن ينهي حياة اي سياسي بكلمة منه، ولا يخضع لمساءلة أي جهة ولا تجوز إزاحته، وبالتالي لا يمكن وصف حكمه بالديموقراطي! وكان مرشد الإخوان المصري يود الاقتداء بالنظام الإيراني، لولا أنه وبطانته كانوا أقل دهاء وحصافة من الخميني، مؤسس النظام الإيراني، الذي ضمن الحكم في إيران لمرشد معمم، وما لم يتحرك الجيش فيها لإنهاء حكمه او تتدخل قوى خارجية، فإنه سيبقى لسلطة الدكتاتورية الدينية على مذهب محدد، إلى الأبد!! المهم أن حظ مصر والمصريين كان أفضل من حظ الإيرانيين، فقد أفقد تعطش إخوان مصر للسلطة صوابهم، ودفعهم للاستعجال في توطيد ركائز حكمهم بقرارات عشوائية وغير شرعية أو شعبية، بدءا من عض يد قائد الجيش الذي سلمهم الحكم، واصطدامهم بالقضاء الذي سبق ان سكت عن إزاحتهم للنائب العام، وعادوا للاستعانة به لحل مجلس الشعب، ولم يطل بهم الوقت طويلا قبل أن يصطدموا بالقضاء نفسه وبعدها بمؤسسة الأزهر، التي من المفتر ض أن تكون معهم، كما عادوا الكنيسة بشراسة أكبر، وضيقوا على الإعلام، ثم كانت النهاية في ما اصدره مرسي التعبان من «قوانين» الإعلان الدستوري، الذي صاغوا مواده على عجالة، وبغباء، لكي يكون مفصلا على مقاسهم، وأخيرا لم يتركوا جهة غيرهم لم يكسبوا عداوتها، هذا غير الذين انشقوا عنهم وفضحوا مخططاتهم التآمرية. كما أطلقوا العنان لكل قليلي الأدب من دعاتهم لتكفير كل من عاداهم أو حاول التخفيف من غلوائهم، وبالتالي لم يكن امام الجيش، في ظل تخبطهم وفشلهم الذريع، وفي ظل غياب أي آلية إزالة أخرى، للتدخل للتخلص من حكمهم الثيولوجي الدكتاتوري الغريب!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التفكير خارج الصندوق

عنوان المقال ترجمة للتعبير الإنكليزي Thinking outside of the box، أي أن نفكر بطريقة غير تقليدية وألا نحصر تفكيرنا ضمن حدود معينة سبق أن اعتدنا عليها، بل نحاول قلب الأمور والنظر إليها من زوايا غير عادية. ففي سؤال قدم لــ200 شخص تقدموا لشغل وظيفة مهمة، طلبوا من كل ممتحن التفكير خارج الصندوق، وكان السؤال يتعلق بما سيقدم عليه أي منهم إن وجد نفسه فجأة، وفي ليلة ممطرة وشديدة البرود، أمام موقف حافلات غير مغطى، وثلاثة أشخاص ينتظرون، أحدهم صديق قديم سبق أن كان له دور مهم في إنقاذ حياته، وسيدة طاعنة في السن تبدو في حالة صحية سيئة، وهي ترتجف من البرد، وامرأة طالما حلم بأن يقضي بقية حياته برفقتها! فمن سيختار منهم إن كانت السيارة التي يقودها لا تتسع لغير شخص واحد؟ من الواضح أن السؤال يتضمن جانبا أخلاقيا يصعب تجاهله، فتقديم يد العون لسيدة كبيرة على وشك الموت بردا أمر غاية في الأهمية ولكن ماذا عن ذلك الرجل الذي سبق أن أنقذ حياته، ولم يتمكن يوما من رد المعروف له؟ أو تلك السيدة الحلم التي تقف بانتظاره.. وهكذا. وهنا بدا التحدي بين المتقدمين للوظيفة وفاز بها من فكر خارج الصندوق، وقال إنه سيتخلى عن سيارته ويعطي مفاتيحها للصديق الذي سبق أن أنقذ حياته، ويطلب منه إيصال السيدة العجوز لبيتها أو لأقرب مستشفى، ويقوم هو بانتظار الحافلة برفقة من حلم طوال حياته بأن يكون بجانبها.
السؤال الثاني، موجه لمجموعة من الفتيات اللاتي تقدمن لشغل وظيفة عالية الأجر: ما الذي ستفعله أي واحدة إن أفاقت من النوم في صباح أحد الأيام واكتشفت أنها «حامل»؟ وهنا فازت بالوظيفة من كانت إجابتها إيجابية أكثر من غيرها، والتي قالت: سأتصل برئيسي وأعلمه بالخبر السار، وأطلب السماح لي بالتغيب عن العمل في ذلك اليوم لكي اتمكن من الاحتفال بالمناسبة الرائعة مع زوجي! الإيجابية في جوابها أن جميع المتقدمات كن «عازبات» والفائزة اختارت أن تكون أكثر إيجابية من غيرها، وتفكر بطريقة غير كلاسيكية و«خارج الصندوق».
وفي التجربة الثالثة، قال المدير لآخر المتقدمين للوظيفة، بعد أن فشل البقية في التجربة: هذا آخر سؤال أوجهه لك: أين هو مركز هذه الطاولة التي أمامنا؟ فأشار المتقدم، وبكل ثقة، لنقطة محددة على أحد أطراف الطاولة ووضع اصبعه عليها. فسأله المدير الممتحن عما يجعله يشعر بكل تلك الثقة بأن إجابته صحيحة: فجاءه الجواب سريعا: معذرة يا سيدي، لقد قلت في البداية إن هذا آخر سؤال توجهه! وبالتالي لا أعتقد أنه يحق لك توجيه سؤال ثان! وهكذا حصل المتقدم على الوظيفة، بتلك الإجابة الحادة والسريعة، لأنه فكر خارج الصندوق!
وقد يسأل البعض عن الكيفية التي يمكن بها التفكير خارج الصندوق، وأن نكون غير تقليديين في تفكيرنا! والجواب ليس بتلك السهولة، ويتعلق غالبا بالموروث الثقافي والتحصيل العلمي والتربية المنزلية لأي إنسان، إضافة لقراءات هذا الفرد وتعدد مهاراته وعلاقاته الاجتماعية ونسبة معقولة من الخبرة العملية والذكاء. ويزخر الإنترنت بالكثير عن هذا الموضوع، ولكن التطبيق ليس سهلا، فنحن غالبا ما نعارض كل جديد ولا نميل للتغيير، وخاصة إن تعلق الأمر بالموروث الثقافي والديني.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجموعة نقاط (2 – 2)

نستكمل النقاط التي بدأناها في المقال السابق:
سادساً: إن استمرار الدولة الدينية في إيران مثلا لأكثر من 30 عاما، وهي تجربة الحكم الإسلامية الأولى والوحيدة حتى الآن، لا يعني صحة الفكرة بقدر ما يعني أن من وصل للحكم هناك، عرف منذ اليوم الأول أن استمراره مرتبط باستمرار استخدامه للحديد والنار، والقتل والسجن والنفي لمناوئيه، ومتى ما توقفت أو انتهت دكتاتورية المرشد والملالي في إيران، فإن الدولة الدينية ستنهار خلال ساعات، وليس في هذا أي مبالغة، خاصة أن الحكم الديني فشل في تحقيق الرخاء الذي وعد شعبه به، واستبدل السافاك بالمخابرات التي أصبح لها وزير متفرغ!
سابعاً: ما الذي سيقوله الآن من «ادعوا» بأن حكم محمد مرسي كان مدعوما بشرعية إلهية ونبوية؟ وما الذي سيقوله ذلك التافه الذي ادعى أن «جبريل» نزل على أحد مساجد القاهرة، ليطلب من المصريين تأييد حكم مرسي؟ أو رجل الدين الذي حلم بأن النبي طلب من محمد مرسي، وهو جالس بين جماعة في مسجد، أن يكون إماما عليهم؟!
ثامناً: إن على كل من كتب وادعى بأن مبارك انتقل من القصر إلى السجن بمؤامرة أميركية، وأن الثورة في مصر كانت مؤامرة أميركية وأن خطف «الإخوان» لها وحكمهم لمصر كان بناء على خطة أميركية، فإن على هؤلاء مراجعة سابق كلامهم، فالشارع المصري قبل سنة فقط كان مهيأً لوصول «الإخوان»، لكونهم الجهة الوحيدة التي كانت وقتها منظمة لتسلم الحكم، بعد انهيار عهد مبارك! وعندما اكتشف الجميع تقريبا أن «الإخوان» ليسوا فقط مثلهم مثل غيرهم من سياسيين متحذلقين وصوليين، بل وأصحاب فكر خاوٍ خالٍ من أي محتوى مفيد، سقطت دولتهم! ولا ننفي هنا وجود خطط غربية، وليس بالضرورة مؤامرات، تستفيد من ضعف أوضاعنا وتفرقنا وتشرذمنا، بحيث أصبح الخطر الشيعي فجأة أشد وأكثر خطرا على الأمة الإسلامية، كما روّج القرضاوي وغيره من مثيري النعرات، ومؤججي الصراعات الطائفية، من بقية الأخطار الأخرى!
تاسعاً: ليس من طبعنا الاستهزاء أو الشماتة بأحد، حتى لو كان صاحب مكتب هندسي ربى لحم كتفه من الحكومة، فلما اشتد ساعده رماها، ولكن من الغريب حقا أن يستمر هذا الجهل ومعه الإيمان بأن هؤلاء قادة ومنظرون، وليسوا انتهازيين! ولعل في انهيار حكم «الإخوان» بارقة أمل في أن يعي الموهومون حقيقة هؤلاء «القادة»!
عاشراً: وقوف حزب النور السلفي ضد «الإخوان» خير دليل على أن المسألة لا علاقة لها بالدين، بل سياسة في سياسة، وسيفعل «الإخوان» بهم الشيء ذاته يوما، إن عادوا للحكم!
وأخيرا، قد لا تهدأ الأوضاع في مصر، وقد تتحول إلى باكستان أخرى. وقد يكون المخرج الوحيد اعتراف «الإخوان» بأن الدولة الدينية، بالمفهوم العصري، لم توجد أبدا، ولا يمكن أن توجد، وإن وجدت فلن تستمر! ولكن هل بإمكانهم معرفة هذه البديهيات، وهم الذين لم يجدوا أفضل من مرسي رئيساً يمثلهم؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجموعة نقاط (2/1)

يجب أن نعترف أن من حكم مصر خلال السنة الماضية لم يكن محمد مرسي، فقدرات الرجل السياسية والاجتماعية المتواضعة لم تؤهله يوما لإدارة شركة صغيرة، فكيف ببلد بحجم مصر وتعقيدها، بل ان تنظيم الإخوان، بقيادة المرشد ومكتب الإرشاد، هو الذي أدارها، وبالتالي فحكم مرسي لم يسقط، بل الذي سقط هو حكم الإخوان بكل ما يحمله ذلك من تبعات.
ثانيا: كما سبق أن ذكرنا في أكثر من مناسبة، فقد كان ضروريا إفساح المجال لفكرة أو مقولة «الإسلام هو الحل» لكي تأخذ نصيبها من التطبيق، وضرورة إعطاء حزب «الإخوان المسلمين»، أو اي حركة دينية أخرى، فرصة ممارسة الحكم لكي يعرف العامة والبسطاء، ومن في حكمهم، هشاشة أفكار هذه الأحزاب وسذاجة «حلولها» لمشاكل العصر، وأن الموضوع يتعلق أصلا برغبة الاستيلاء على السلطة باسم الدين وليس إعلاء شأن الدين. ولو كان في الأديان حلول للمشاكل المستعصية أو المعقدة جدا التي تواجهها المجتمعات الإنسانية لما بقيت دولة غير دينية على الأرض، فالغرب، بما يتصف به من برغماتية، لا يمكن أن يتردد في اتباع أي دين يرى فيه صلاح مجتمعاته! وهو لم يختر العلمانية، بعد صراع ديني دامٍ وطويل، لو لم يجد فيها الحل لمشاكل مجتمعاته! ومن قلة العقل الاعتقاد بأن المجتمعات الغربية، الأفضل منا خلقا وأدبا وتقيدا بالاصول والمواعيد والتزاما بالعقود، والمتقدمة عنا بمراحل في كل نشاط صناعي وتعليمي وزراعي وطبي، أغبياء ولا يعرفون ما نعرفه عن الدين!
ثالثا: تسلم الفكر «الإسلامي» للحكم، وفشل الأفراد الذين يقفون خلف الفكرة في إدارة البلاد، طبقا لمعطيات وأفكار معينة، كلاهما يعني بصورة تلقائية فشل الفكر الديني الذي حاولوا الترويج له، وهذا ما كنا نحذر من خطورته دائما!
رابعا: عدم نجاح الإخوان المسلمين في تجربة الحكم لم يعن فقط أنهم كانوا طوال أكثر من 80 عاما منشغلين بتجميع الأموال والانتشار عالميا، وفتح المكاتب وزيادة أعضاء الحزب واستثمار مدخراته في مختلف المشاريع وحياكة المؤامرات، وبذل كل جهد وحيلة للوصول الى اللحكم في أي بلد، بل إن عدم نجاحهم يعود إلى أن غالبية الأفكار التي آمنوا بها لم تكن تصلح لحل مشاكل أي مجتمع عصري!
خامسا: مشكلة الإخوان الأساسية لم تكن تكمن فقط في نقص «خبرات الحكم لديهم، وهو ما سبق ان اشرنا اليه في مقال سابق م.ن أن مَن يحلم باقتناء قارب طوال 80 عاما كان حريا به الاستعداد لذلك اليوم، وليس الجلوس ببلاهة وعدم تعلم شيء عن السباحة والملاحة، بل وتكمن أيضا في عدم وجود المياه اللازمة لتعلم السباحة!
وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تساؤلات مهندسة يهودية

تقول نجاة النهاري في مقال نشر على أحد المواقع، وهي مهندسة يهودية من أصل يمني! ان كثيرين من أصدقائها دعوها لترك دينها وتصبح مسلمة! وأنها اقتنعت الى حد ما بالفكرة بعد أن ارسلوا لها قصة النبي مع جاره اليهودي، الذي كان يلحق بالنبي الأذى، وعندما مرض اليهودي زاره النبي فخجل هذا من تصرفاته ودخل الاسلام! وتقول إنها فهمت من القصة أن تصرفات محمد واخلاقه كانت هي مقياس اعجاب اليهودي بالاسلام، قبل أن يقرأ ما في القرآن! وانها تساءلت هنا: يا ترى بماذا سيغري المسلمون غيرهم لدخول الاسلام؟ وأي اسلام ستختار هي الدخول فيه وهناك مذاهب متعددة وكل مذهب يعتبر الآخر «كافرا» يحل قتله، وكيف تضمن أن المذهب الذي ستختاره سيضمن لها العيش بسلام ولا يحلل أحد قتلها لأنها من مذهب مخالف؟ وقالت إنها عرفت من صديق أن حديثا قدسيا مفاده أن المسلمين سيتفرقون الى سبعين فرقة كلها ستذهب للنار باستثناء فرقة واحدة ستدخل الجنة. وقالت إنها سألت صديقتها عن اسم تلك الفرقة فقالت إنها لا تعرفها ولا يوجد مسلم يعرفها لكن كل فرقة تدعي أنها هي المقصودة! وقالت: من من علماء المسلمين يعطيها ضمانا أكيداً بأنها ستنضم للفرقة الصحيحة التي لا يعذبها الله؟ فهذه مغامرة كبيرة وخطرة جدا! وتستطرد بأن المسلمين اليوم كثير منهم يتقاتلون فيما بينهم في كل مكان، ويذبح بعضهم بعضا بطرق بشعة جداً، فكيف يقتنع الآخر بدخول الاسلام اذا وجد المسلم يقتل اخاه بسبب الدين نفسه، بينما لا يمكن أن يحدث له ذلك ان بقي على دينه، فاليهود لا يقتل بعضهم بعضا بسبب الدين! وكيف يمكن تبرير قتل 80 ألف مسلم في سوريا خلال سنتين فقط بأيدي المسلمين، سواء من النظام أو المعارضة؟! هذا غير أكل بعضهم قلوب بعض، دع عنك قتلى الصراعات المذهبية في العراق وباكستان ولبنان وحتى مصر مؤخرا! ولنر كيف يمكن لليهودي أو المسيحي أن يقتنع ويطمئن قلبه لدخول الاسلام اذا كان هذا حال المسلمين؟ كما أن اغراءات الدخول للاسلام في بداياته من حرية وعدل وخلاص من الظلم والجهل والفقر اصبحت كلها الآن عملة نادرة في دار الاسلام، التي تكتظ بكل ما يخالف ذلك تماما! فالفقر والجهل والظلم وانتهاكات حقوق الانسان تعمها جميعا، وجميعها تفتقد التنمية والقوة الاقتصادية، وهو عكس حال الدول التي يديرها «الكفار»! وتستمر نجاة في تساؤلاتها الجادة أحيانا والساذجة أحيانا أكثر غير عالمة بأنهم سيجيبونها بأن الهدف هو الحياة الاخرى وليس الدنيا الزائلة، ولكننا نجد أن من يجيبها هو أكثر تكالبا منها على ملذات الدنيا ومتعها، ولا يود أن يموت لا في أنفاق القصير ولا حواري حلب!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ملاحظات نزار وسعود

امتلأت وسائل الإعلام الإقليمية في الأشهر القليلة الماضية، بدعوات لمقاطعة الشيعة وتخوينهم وتخويف الجماهير منهم والدعوة لقتلهم، لأنهم، وليس المجاعة ولا الفقر ولا المرض ولا أميركا ولا حتى إسرائيل، يمثلون الخطر الأكبر المقبل!! وهذا المقال شبه رد على هذا الشحن الطائفي السخيف الذي لا يهدف لغير إشعال المنطقة بحروب طائفية مدمرة!
عاد صديق ورجل أعمال معروف من زيارة استغرقت أسبوعا لمدينتي النجف وكربلاء، حيث أنهى عدة صفقات تجارية. وقال انه تألم لوضع المدينتين، وهو المختلف مذهبيا عن سكانهما! فبالرغم من أنه وجد ترحيبا جميلا، ومناخا استثماريا جيدا، إلا أنه لم يرتح لا في نومه ولا تنقله ولا طعامه بسبب افتقار المدينتين لكل شيء يليق بمكانتيهما، الدينية والتاريخية! وقد ذكرتني ملاحظاته تلك بمقال كتبه الزميل العراقي نزار أحمد، تطرق فيه لما تعرضت له المناطق الشيعية، طوال عقود، من إهمال الحكومات المتعاقبة لها، بالرغم من أن الشيعة شاركوا في تلك الحكومات بشكل مميز وقوي. واشتكى الزميل من هيمنة السنة على الوظائف الحكومية، وتطرق لسبب ذلك تاليا. وقال ان المجتمع الشيعي، ومنذ ولاية الدولة العثمانية، يختلف عن المكونين السني والكردي، حيث تتحكم به مؤسستان: الدينية والعشائرية، فالأولى دفعت ولا تزال باتجاه إبقاء اتباعهم تحت سيطرتهم، لاستمرار استفادتهم منهم ومن ضعفهم. وقال انه عند نشأة الدولة العراقية عام 1921 قامت المؤسسة الدينية الشيعية بمقاطعة العملية السياسية وحرمت الانتماء الى مؤسسات الدولة العراقية او حتى التعامل معها، وهذا مهد الطريق لهيمنة المكون السني! كما حرمت المؤسسة الدينية الشيعية، او لم تشجع الانتساب الى الكليات العسكرية، وبالتالي رأينا أن غالبية من قاموا بالانقلابات العسكرية، على مدى نصف قرن تقريبا، كانوا من السنة، وليس في هذا طبعا ما يدعو للفخر!! كما كان للمرجعيات دور في إفقار المجتمع من خلال تأييدها للاقطاع الزراعي والنظام العشائري. كما أن المرجعية لم تكن بطبيعة الحال تؤيد الانتماء للأحزاب الليبرالية والتقدمية، والغريب ان في مرحلة ما كان المكون الأساسي للأحزاب الشيوعية من الشيعة!
ويستطرد زميلنا في القول انه، وبعد ثماني سنوات من وصول الحكومات الشيعية الى دفة الحكم، لا يزال السؤال واردا: ماذا قدمت للمكون الشيعي غير الفقر والتشرذم والتخلف والامراض والبطالة ونقص الخدمات والركود الاقتصادي والفقر الثقافي واغتصاب الأنشطة الترفيهية وتقسيم المجتمع الشيعي الى بؤر دينية متناحرة واعادة هيمنة النظام العشائري؟ ويورد الزميل سؤالا مهما آخر: لماذا لا يمثل الشيعة غير صاحب العمامة؟ ويجيب بأن السبب يكمن في تحكم المؤسسة الدينية، وسياستها في ابقاء المجتمع الشيعي متخلفا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي لم يتجرأ غيرهم على تمثيل الشيعة! ملاحظات صديقي رجل الأعمال، وكلمات الزميل نزار، دفعتني للتساؤل عن مصير مليارات الدولارات التي دفعت، على مدى نصف القرن الماضي على الأقل، من «الخمس» والمساعدات، لكبار الشخصيات السياسية والدينية؟ وهل حقا يمثل العراق أو حتى إيران المنهكة بمشاكل ومصائب لا تعد ولا تحصى، بفضل حكم متخلف، خطرا على أمن المنطقة وسلامتها؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

قرن المرأة

لم تمر البشرية بقرن اكثر صخبا ودموية وتطورا وتقدما وازدهارا، اقتصاديا وصحيا وثقافيا، وانهيارا وموتا كالقرن العشرين. ففيه خاض العالم حربين عالميتين حصدتا ارواح عشرات الملايين، غير اضعافهم من الجرحى والمشردين، هذا عدا الحروب الثنائية الدامية، وآخرها حرب العراق وإيران التي حصدت أرواح أكثر من مليون «بريء»، بسبب جهل زعامات دموية فاشلة. وفي القرن الــ 20 نجح الأطباء في التوصل لأدوية وطرق علاج لعشرات الأمراض التي كان العالم يعتقد باستحالة شفاء المصاب منها. كما شهد القرن أكبر عدد من الانقلابات العسكرية، إضافة للانقلابات البشرية على قيم قديمة ومسلمات وأعراف لم تمس منذ قرون، وذلك بسبب انتشار الثقافة والعلم الذي بين الأسباب المناخية والطبيعية والعلمية وراء الكثير من الظواهر التي كان الإنسان يعتقد ان تفسيرها في علم الغيب، ولا يعرفه غيرعلام الغيوب.
وقد ارتفع دخل الفرد في ذلك القرن لمستويات قياسية مقارنة بما قبله، وشمل الرخاء أجزاء كبيرة من العالم، قابله صرف كبير على التعليم والسكن والسيارة والترفيه. كما زاد فيه عدد من يمتلكون مساكنهم، وزاد معدل عمرالإنسان بنسبة %30 وحتى %50 في بعض المناطق. كما زاد عدد سكان الأرض بشكل كبير نتيجة توقف الحروب وزيادة العناية الطبية. كما اصبح الجميع تقريبا يتذوق طعام الآخر، وأصبح أي مطبخ نادرا ما يخلو من مواد طبخ أو «بهارات» لم تكن معروفة لديه.
وأخذت الموسيقى، والعالمية بالذات، تأخذ دورها في التثقيف والترفيه، وهي التي كانت في القرن السابق له مقتصرة على صالونات استماع قليلة. كما شهد القرن انتشارا هائلا لاستخدام اللغة الإنكليزية التي اكتسحت اللغات الرئيسية الحية الأخرى، وكل ذلك بفضل ما قدمته اميركا للعالم في مجال الكمبيوتر والطب والفضاء. كما شهد القرن تغيرا في مفهوم الغنى والثراء، فبعد أن كان مرتبطا بتملك العقار ثم بالمصانع وغيرها، اصبح الثراء يتمثل في ما لدى الفرد من أوراق مالية، كأسهم وسندات. كما اصبحت الأسهم الأكثر قيمة والأعلى دخلا، تلك التي لا تمتلك شركاتها أي أصول محسوسة كالأراضي والسلع، بل شركات ورقية كالالكترونية أوالاتصالات وبرامج الكمبيوتر، وأصبح بيل غيتس، على سبيل المثال، مثال الغنى والثراء والكرم، وهو الذي لا يملك ربما عقارا غير بيته الذي يسكن فيه.
كما يمكن وصف القرن بأنه قرن المرأة لما حققت فيه من طفرات غير مسبوقة عبر نيلها كامل حقوقها كإنسانة لا تقل عن الرجل، إن لم تكن أفضل منه. ومن المحزن أن نجد أن وضعها في دولنا، وحتى في القرن 21، ليس سيئا فقط بل أصبح يميل في العقود الأخيرة للتردي عن بقية نساء الأرض، وما أصبح عليه وضع المرأة في افغانستان وإيران ومصروليبيا وتونس وغيرها خير مثال!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نوبل لوجيهة وزميلاتها

تعتبر وجيهة الحويدر أنشط كاتبة حقوقية سعودية في مجال حقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة السعودية خصوصاً، وهي تعمل، حسب آخر المعلومات المتوافرة، في شركة أرامكو. وبسبب انشطتها منعت عام 2003 من الكتابة في الصحف، وفي 2006 اُعت.قلت إثر رفعها لافتة تطالب بحقوق المرأة على جسر الملك فهد، الذي يربط بين السعودية والبحرين، وأفرج عنها بعد أن تعهدت بعدم تكرار الفعل. وفي السنة نفسها استدعتها المباحث وحققت معها ووقعتها على تعهد خطي آخر، بعد القيام بأي نشاطات ميدانية أو إلكترونية حقوقية، ومنعت حينها من السفر لفترة. ومنذ عام 2004، ووجيهة تقوم بكتابة مقال شبه اسبوعي، كما أن مقالاتها نشرت في عدة مواقع، ومنها موقع «الحوار المتمدن»، وغالبية مقالاتها دارت حول حقوق المرأة السعودية ودورها في الحياة.
ومن واقع متابعتي، اعتقد أن الوقت لن يطول لكي نسمع بترشيح السعودية وجيهة الحويدر لجائزة نوبل للسلام! قد يطول الأمر قليلا، ولكني اشعر بانه مقبل لا محالة! فما تقوم به هذه السيدة، وزميلاتها، من نضال منذ سنوات لحصول بنات جنسها على حقوقهن، مستخدمة الوسائل السلمية وقلمها السيال، يجب ألا يستهان به ولا نمر به غير عابئين. وبالرغم من أن وجيهة مكروهة من قبل طبقة معينة في وطنها فإنها تنال تشجيعا وإعجابا أكبر وأكثر إخلاصا من غيرهم من مواطنيها، وعملها يشرف وطنها حتما، وحربها المستمرة ضد الظلام والتمييز الجنسي والتطرّف الديني المبالغ به يستحق الإشادة، من دون تحفظ!
تقول عنها الزميلة اللبنانية جمانة حداد انها غير محبوبة في وطنها، لأنها تستخدم قلمها لتفضح، وتهاجم، وتنتقد، في منطقة تعوّدت شراء الأقلام، وأدمنت التملق والمديح الكاذب! كيف لها أن تحبّها، وهي ترفع رأسها عالياً، في ثقافة النعامات التي تدفن رؤوسها في رمال الصحراء وتنكر الواقع والحداثة والحرية؟ ويقولون انها غير محبوبة لأنها لا تستطيع أن تربّي ذقناً توحي بتديّنها، ولا تُسكرها رائحة النفط، ولا يُسكنها الخوف. ولا تحبّها، لأنها تخافها، وخوفها تسبب في أن يصدر بحقها قبل ايام حكما، شملها والناشطة الأخرى فوزية العيوني، بالسجن لمدة 10 أشهر، ومنعهما من مغادرة البلاد لعامين، بتهمة «تخبيب» سيدة كندية! وكلمة تخبيب تعني «إفساد امرأة أخرى بأن تزيّن لها كراهية زوجها»!
نتمنى لنضال وجيهة والسعوديات التوفيق، وأن تتبوأ المرأة في السعودية المكانة التي تستحقها، والأمل وطيد في جهود الملك عبدالله.

أحمد الصراف