احمد الصراف

اسمي اسمي!

للأسماء مدلولات اجتماعية غاية في الأهمية والطرافة احيانا، كما يقول الزميل عبدالخالق حسين، ولم تطلق غالبا الأسماء على أصحابها جزافا. وقد تطرق عالم الاجتماع العراقي علي الوردي الى هذه الظاهرة في أحد كتبه، وتكلم بشكل أساسي عن عادات إطلاق الأسماء في منطقة جنوب العراق، حيث نجد تنوعا واختلافا كبيرين في أسماء الأفراد، من كلا الجنسين، وبين أي جيلين. فقد أصبح لــ «خريط وجلوب ومشحوت» أبناء يحملون أسماء، مثل: قيس وعدنان واستبرق وجميل.. الخ، وهذا تغير اجتماعي واضح. وعلى الرغم من أن لا أحد منا اختار اسمه، إلا أن ظروف ولادته قد تكون أثرت في تسميته، فقد أخبرني المرحوم سليمان الصبيحي أن جده اطلق اسم «حمسه» على والدته، لأنه كان يقوم «بحمس القهوة» عندما جاءه خبر ولادتها! كما نجد أن هناك من اطلق على ابنه اسم الاسبوع أو الشهر الذي ولد فيه، واحيانا اسم المدينة التي جاء فيها للحياة، فباريس هيلتون حملت بها والدتها، عندما كان أبواها يقضيان شهر العسل في باريس، وبالذات في شقه الصديق صباح! كما أن الكثيرين، خاصة في جنوب العراق والريف المصري يطلقون على ابنائهم، الذكور بالذات، تسميات غريبة جدا عن محيطهم، واحيانا لأشياء لها دلالات مقرفة، ويستغرب البعض ذلك، ولكن العجب يختفي عندما نعرف أن إطلاق التسمية المستهجنة جاء بسبب الرغبة في المحافظة على حياة المولود، فتنذر الأم بأن تسمي ابنها «زفت» – مثلا – إن عاش ولم يلق حتف من سبقه من إخوة، ولكي تبعد العين عنه تطلق عليه تسمية غريبة جدا، لكي يبقى على قيد الحياة ولا يموت صغيرا، كما حدث مع من سبقه.
للاسماء تأثير ما في فرص أو حظوظ أي شخص في الحصول على وظيفة او عند الرغبة في الاقتران، بزوج أو زوجة! فالاسم يبقى مع الشخص ما عاش، فمن التي تقبل الاقتران مثلا بمن أطلق عليه أهله اسم «قطاع النعل»، وهو اسم حقيقي، وكان يخص أحد عملاء البنك الذي كنت أعمل فيه قبل نصف قرن؟! كما أن الاسم المميز يصعب تذكره، ولكنه متى ما حفظ لا يسهل نسيانه، واصحاب الأسماء المميزة يكونون عادة أكثر تميزا مقارنة بأقرانهم من الذين يحملون أسماء مخجلة أو مضحكة أو كلاسيكية، أو لها أكثر من معنى، احدها قبيح! ولا أدري، لماذا يصر البعض على إطلاق أسماء ذكور على بنات أو العكس؟! فمكرم هو اسم رجل غالبا، ولكن هناك من تسمى بمكرم. كما أن صباح اسم مشترك، خاصة في بلاد الشام مع أسماء نهاد وجمال. كما تميل جماعات معينة لإطلاق اسماء رنانة ولها بريق وصدى ثراء وغنى على ابنائها، كفيروز أو جواهر أو جوهر وياقوت وزمرد وزمردة ولؤلؤة أو لولوة ومرجان وغير ذلك من المعادن الثمينة!
والاسم هو صدى بيئة الشخص، فكلما قست الحياة قست معاني الأسماء، والعكس صحيح طبعا! ومن المعروف ان اسم محمد هو أكثر اسم مستخدم في العالم. وعلى الرغم من أن غالبية شعوب الأرض تكتب أسماءها بوضع الاسم الأول ثم اسم الأب وبعده العائلة، إلا أن شعوباً أخرى كالكوريتين والصين، والدول الأخرى التابعة لها ثقافيا، كسنغافورة وتايوان وغيرهما، فإنها تضع اسم العائلة أولا ثم يتبع باسم الشخص نفسه! وتتميز مصر بعادة إطلاق اسم الاب على الابن، كما في حال المشير المصري علي علي عامر! ويميل الفلسطينيون لوضع اسم محمد أمام اي اسم آخر، فالمعروف باسم مروان هو غالبا محمد مروان، ونجد أن جميل اسمه في الجواز محمد جميل، وهكذا. وكل اسم وأنتم بخير.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

حلاوة بالسمّ!

كتب بيتر أورزاك Peter Orszac مقالاً في «بلومبرغ» ذكر فيه، نقلا عن الرئيس الأميركي روزفلت قوله: إن أفضل جائزة يمكن أن تمنحنا إياها الحياة هي الفرصة في أن نجد عملا نقوم بأدائه بصلابة، ويستحق أمر القيام به! وقد أثبتت التجارب الحديثة أنه كان على حق في قوله، ربما أكثر مما أعتقد. فأفضل جوائز الحياة هي القيام بعمل ما، فهذا يطيل في الأعمار! فوفقا لمفهومنا العام أن التقاعد هو وقت أخذ الراحة من العمل المستمر لكي نعتني بأنفسنا أكثر بعد حياة عملية مستمرة، ولكن ماذا لو تبين لنا أن العمل هو ما سيفيد صحتنا، وليس التخلي عنه بالتقاعد؟ فقد بينت دراسة لــ Jennifer Montez من جامعة هارفرد، وزميلة لها من جامعة وايومنغ، عن سبب التسارع الأخير في اتساع الهوة في العمر المتوقع للمتعلمين عاليا، والأقل تعليما في الولايات المتحدة، حيث لوحظ مثلا أن المتعلمات من النساء، واللاتي لم ينقطعن عن أداء وظيفة أو مهنة ما، كان متوسط أعمارهن أطول بكثير من الأقل تعليما، واللاتي حصلن على وظائف لفترة اقل، أو فضلن التقاعد المبكر والبقاء في البيت! كما تبين من الدراسة أن السبب لم يكن له علاقة بقلة عافية أو تدهور صحة الأقل تعليما، بل كان العامل المرجح في الغالب هو استمرار المتعلمة أكثر في العمل لفترة أطول. كما بينت دراسة أخرى في معهد الشؤون الاقتصادية في بريطانيا المساوئ الصحية للتقاعد المبكر، ودور التقاعد في الإصابة بالكآبة، وأن التأثير السلبي كان يتزايد مع تمضية فترة أطول في التقاعد. كما بينت دراسة نشرت عام 2008 في National Bureau of Economic أن التقاعد يزيد من صعوبات الحركة والأنشطة اليومية بنسبة %5 – %16 كما أن للتوقف عن العمل وتقليل التواصل الاجتماعي تأثيرات سلبية في القدرات العقلية. وعلى الرغم من وجود دراسات معاكسة تقول بفوائد التقاعد، إلا أن هناك شبه إجماع على أن توقف المخ عن أداء الوظائف الصعبة المصاحبة عادة لعمل جاد له تأثير سلبي، وبالتالي فالاعتقاد السائد والخاطئ، أن فوزنا بـ«يانصيب» كبير مثلا سيتيح الفرصة لنا لقضاء ما تبقى من حياتنا على شاطئ بحر جميل في جزيرة أجمل، وأن هذا سيطيل من أعمارنا، بدلا من اللهث وراء عمل مضنٍ. وبالتالي فما يدعيه البعض من أن عمله سيقضي عليه قد يكون العكس أكثر صحة، بالتالي فإن ما سعى إليه بعض متخلفي مجالس الأمة، وباستماتة واضحة، في حث النساء العاملات إلى العودة لبيوتهن، من خلال إقرار نظام تقاعد مبكر، سيقضي عليهن في نهاية الأمر، ولن يطيل أعمارهن! كما أن هدف هؤلاء المشرعين واضح، فبقاء المرأة في بيتها «أستر» لها، ولو كان في ذلك تأثيرات سلبية عدة عليها! فيا نساء العالمين العربي والإسلامي، والكويت بالذات، يكفينا وإياكن تخلفا باختيار البقاء في البيت من دون عمل، بل عليكن واجب أداء اي وظيفة أو عمل تجاري، ولو كان بسيطاً، وإشغال أذهانكن بالتفكير في الحلول العملية أو التجارية للمصاعب التي تواجهكن يوميا، وعدم الالتفات الى دعوات التقاعد المبكر، فحلاوة مكافآت البقاء في البيت تحتوي على سمّ فتّاك، وبالتالي عليكن اختيار المرشح أو المرشحة التي أو الذي يسعى لرفع مستوياتكم، وليست التي أو الذي يسعى لإبقائكن في البيت.. من دون عمل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حازم المزوّر.. وسرّاق الكيبل!

كاد حازم أبوإسماعيل، وهو واحد من كبار سلف مصر، أن يصبح رئيساً للجمهورية، بعد ثورة 25 يناير، لولا أن كشفت جهات مناوئة له تزويره في إقرار جنسية والدته الأميركية! وعلى الرغم من ثبوت تهمة التزوير عليه، فإن حكومة «الإخونجي» مرسي اختارت التغاضي عن التهمة الخطيرة، إرضاء لحلفائهم السلف، في حينها. ولكن ما ان عاد الوعي للجزء المغيّب من الشعب المصري، وقرروا التخلّص ممن جاء ليصلح حالهم فخربها، وحزبه التعيس أكثر، حتى قرر المحامي العام في النظام الجديد حبس المرشح الرئاسي السابق أبوإسماعيل، رئيس حزب «الراية» السلفي، لفترات متفاوتة على ذمة اتهامات بالتزوير في إقرار رسمي، الذي سبق أن قدمه للجنة الانتخابات الرئاسية، والذي أثبت فيه، خلافاً للحقيقة، عدم حمل والدته لأي جنسية أجنبية أخرى. كما اتُّهم وآخرون بالتحريض على القتل والشروع فيه في محيط جامعة القاهرة وميدان النهضة، وتهديد الأمن والسلم العامين، والتحريض على «البلطجة» وتأليف عصابة لمقاومة السلطات وترويع السكان. كما قام ممثل النيابة بمواجهته بمستندات رسمية من الحكومة الأميركية تبين حمل والدته لجنسية أميركية!
وحازم أبوإسماعيل هذا هو نفسه الذي كتبنا عنه مرات وحذّرنا من ألاعيبه عندما حرم في «فتاواه»، يوم كان يلبس الجبة والعمة على التلفزيون، قبل أن يخلعهما ليرتدي البدلة وربطة العنق، لزوم الترشح لرئاسة مصر، حرم تناول «البيبسي»، بحجة أن الاسم يمثل الحروف الأولى من كلمات «ادفع كل بنس لدولة إسرائيل»! وقلنا إن شركة البيبسي ظهرت للوجود قبل إعلان إسرائيل بنصف قرن تقريبا، وأن ادعاءه هذا خير دليل على خواء فكره ومن يشبهه! كما أن أبوإسماعيل هذا، بأتباعه المستعدين للموت في سبيله، هو عنوان السلفي المزيّف، وهو بالطبع ليس حالة شاذة، فالمتاجرون بعواطف الجماهير الدينية كثر، وأكثر من هَمّ الكويت وأحوالها الصعبة على قلب المحبّ لها! فقد سبقه العشرات من الذين أطالوا لحاهم وحفظوا بضعة سطور، وكوّنوا ثروات من أموال السذّج، والمغرر بهم، ولكنه يمثل بحق قمة التزييف والخداع، فقد كاد يصبح رئيساً لأكبر دولة عربية، بالتزوير المتعمَّد! ولا ننسى هنا قرار الشؤون الأخير في الكويت (جريدة الجريدة 16يوليو)، الذي سحبت بموجبه إشهار مبرتي وليد الطبطبائي ونبيل العوضي، بسبب تكرار استخدامهما سندات قبض مخالفة لقوانين جمع التبرعات، ومخالفاتهما السنوية المتكررة، وتجاهلهما لكل التقارير والتوصيات الحكومية!
كما أن هناك الكثيرين ممن ربوا لحاهم وأرخوا أغطية رؤوسهم وسرقوا نتاج فكر غيرهم، ونسبوه لأنفسهم. كما شاركوا أمثالهم في جمع التبرعات باسم دعم «الثورة السورية» ولاجئيها، ولكنهم بدلا من ذلك دعموا أرصدتهم في المصارف الأوروبية!
* * *
• ملاحظة: مساحة الكويت 18 ألف كيلو متر فقط، أكثر من %90 غير مأهول! ومع هذا استطاع مجرمون سرقة كيبل منطقة مشرف، مما تسبب في انقطاع الكهرباء عن أجزاء كبيرة منها! فهل هناك مؤشر خراب وانحدار أخلاقي، وليس أمنياً فقط، أكثر وضوحاً وخطورة من هذا؟! وهل نستبعد يوماً إقدام الأشخاص أنفسهم على سرقة أثاث مجلس الوزراء؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأخلاق الكهربائية المطاطة

أثار تصريح لوزير الكهرباء اهتمامي، عندما ذكر أن للوزارة في ذمة الشركات والمواطنين 300 مليون دينار، وهذا يعادل 300 مليار، لو كان الأمر يتعلق بأميركا، وذلك عن فواتير استهلاك كهرباء غير مدفوعة. وقال ان اجهزة الوزارة (وهي خربة أصلا) تمكنت من تحصيل 128مليون دينار من فنادق ومحطات غسيل ومجمعات تجارية وغيرها، وأنها باشرت بملاحقة كبار قياديي الدولة، قبل مطالبة بقية المواطنين، لتحصيل الباقي. وقد تناقض تصريحه مع منظر اكتظاظ المساجد بالمصلين، الذي قد يكون في ظاهره دليل على مدى عمق الإيمان، ولكنه يدل من جانب الى أمور غير طيبة! فحتما هناك بين هؤلاء من هو مدين للدولة بثمن استهلاكه للكهرباء على مدى عشرين سنة أو اكثر، ولكن لا أحد يود أن يلتفت لديون الدولة عليه، وكأنها أموال سائبة! ومؤسف أن نلاحظ أنه على الرغم من الكم الرهيب للفتاوى التي صدرت، من عشرات المشايخ، كبيرهم وصغيرهم، فإن لا أحد منهم صدر منه تحريم لأكل المال العام، وربما كان العكس هو الصحيح. فقد رأينا في أكثر من مناسبة كيف غض كبارهم في الكويت بصرهم عن سرقات مال عام ضخمة، حدثت قبل وأثناء وبعد احتلال وتحرير الكويت، وكانت بعضها غير مسبوقة في ضخامتها، بحجة أنه ليس في الأمر حرمة واضحة، فلكل مسلم نصيبه من بيت المال، ومن أخذ او هبش من مال الدولة كأنه هبش من «بيت مال المسلمين»!
وقد انتشر على اليوتيوب رابط يبين قيام أحد مفتشي وزارة الكهرباء بالكشف عن سرقة تيار كهربائي لمطعم معروف، يقع في ميناء «….»، حيث قام اصحاب ترخيص المطعم بمد كيبل كهرباء له دون ترخيص! والغريب في هذا الخبر ليس السرقة بحد ذاتها، التي تتكرر كل يوم، بل في الجهة السارقة وطريقة السرقة، حيث تبين أن أصحاب المطعم قاموا، مع سبق الاصرار، بتركيب صندوق كهرباء وهمي لا يحتوي على شيء، لكي يبعدوا النظر، وعندما فتح الصندوق وجد خاليا! كما أن الترخيص وملكية المطعم يعودان للجهة المنوط بها تحصيل أموال الدولة، وهي «نقابة العاملين في وزارة الكهرباء»، الذين يتحملون مسؤولية إيصال تيار كهربائي مسروق من مال الدولة لمطعمهم! ومعنى ذلك أيضا أن بعض الموظفين قد ساهموا ليس فقط في سرقة أموال الدولة، بل في التقاعس عن تحصيل فواتير الكهرباء، وتراكمها، معتقدين أنه كلما كبر المبلغ على المواطنين والمقيمين وطال تقادمه، كلما زاد احتمال قيام «المعازيب» بإلغاء هذه المبالغ عن «كاهل» الشعب، المسرف والكسول! وهذا ما طالب به أكثر من نائب سابق! للمزيد، يمكن الرجوع للرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=JX8RpMHTmZM&feature=youtu.be
أو البحث في اليوتيوب عن: «فضيحة نقابة العاملين في الكهرباء»!

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

أنا والخميني

وصلتني على التويتر صورة قديمة للسيد روح الله الخميني (1902/1989)، وهو يتوضأ استعدادا للصلاة. وذكر تحت الصورة أنها التقطت على الحدود الكويتية أثناء انتظاره موافقة سلطاتها على الدخول قادما من العراق! وقد أعادتني الصورة لأكثر من 40 عاماً إلى الوراء، عندما قمت، من دون ان ادري أو أرغب، بدور هامشي في محاولة السيد الخميني دخول الكويت، وطلب الإقامة فيها.
بدأ صراع الخميني مع نظام بلاده الملكي الفاسد مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي عهد الشاه رضا. واستمر الصراع مع الابن محمد رضا، الذي وعد شعبه بإصلاحات دستورية ومحاربة الفساد، إلا أنه لم يفعل ما يكفي لإرضاء القوى الدينية. وقد بذل الشاه جهودا كبيرة لتحجيم الخميني، ولكنه فشل، واضطر عام 1963 لسجنه لعدة أشهر، بعد أن ألقى هذا خطاباً هاجم فيه النظام وأميركا وإسرائيل، ولكن أفرج عنه تحت ضغطٍ جماهيري، ليعود الخميني ويطلب من رجال الدين ترك التقية والكشف عن مواقفهم، وعدم مهادنة النظام، فاعتقل ثانية ونفي إلى تركيا، لينتقل عام 1965 للعيش في العراق. وبقي من دون نشاط لبضع سنين، إلى أن وصل البعث وصدام للحكم، فالتقت مصالح أو عداء الاثنين للشاه، فبدأ الخميني نشاطه مرة أخرى وبزخم ودعم كبيرين. ولكن التسويات السياسية بين البلدين تاليا دفعت صدام للضغط على الخميني لوقف نشاطه السياسي، ولكن الخميني رفض، فطلب منه مغادرة العراق، فاختار الذهاب إلى الكويت، وهنا بدأت علاقتي غير المباشرة بالخميني، فقد اتصل بي قبلها بيومين محمد ابن المرحوم رئيس غلوم أشكناني، وطلب مني استخدام الخط الدولي في بيتنا للاتصال بهاتف في العراق، والسؤال عن موعد وصول السيد، وكان الجواب الذي تلقيته بأن علينا الانتظار قليلا. اتصلت ثانية، وفق طلب محمد، فأخبرونا بأن السيد غادر وفي طريقه للكويت، واستمر الاتصال بعدها كل ساعة تقريبا، وعندما تأخر وصوله اتصلت للمرة العاشرة، فكان الجواب مقلقا بأن اخباره قد انقطعت عن أهله في النجف. وبعد عشر مكالمات دولية أخرى، تبين أن السلطات في الكويت رفضت استقبال السيد الذي عاد ادراجه! وهنا فقط سألت من هو السيد؟ فقيل لي بأنه الخميني، المعارض الكبير لنظام الشاه، وأن الكويت رفضت استقباله لعدم التورط في صراع الكبار، وفرضت عليه شروطا لم يقبلها فرفض وعاد إلى العراق ليبقى فيها بضع سنين قبل أن يغادرها في اكتوبر 1978 إلى باريس، ليبدأ منها ثورة «الكاسيت» التي أطاحت في نهاية الأمر بنظام الشاه الفاسد في فبراير 1979!
لقد فكرت، بعد نجاح الثورة الإيرانية، في إرسال فاتورة بالمكالمات الدولية التي أجريتها للعراق إلى سفارة إيران في الكويت، لكي تعوضني عما دفعت! الطريف، أو المحزن، في الأمر أن السيد الخميني صرح وهو في باريس لغالبية تلفزيونات صحف أوروبا، وهو يرى نظام الشاه يتهاوى، أنه سيعود ليؤسس جمهورية إسلامية ديموقراطية، وأنه لن يتدخل في إدارتها، بل سيكتفي بالتوجيه! وأن الجميع، حتى الشيوعيين، سيكون لهم الحق في التعبير عن آرائهم! وأن الصحافة ستكون «حرة»! وسيكون لكل فرد حق التعبير عن آرائه وعقائده، وأنه لن يفرض آراءه على الشعب. ورجال الدين لن يحكموا، فوظيفتهم شيء آخر! وأنه يؤمن بان الضغط والقمع لن يكونا سببا للتنمية والتطور!
والآن، ألا تذكرنا تلك الوعود بوعود الإخوان، ومحمد مرسي، ومحمد بديع، قبل تسلمهم الحكم؟ لا أدري لماذا يصر بعضهم على تكرار الأجزاء السخيفة من التاريخ، وببلادة، المرة تلو الأخرى!
للاطلاع على الصورة يمكن الضغط على الرابط التالي:
https://twitter.com/najla_alhomaizi/status/343168465030492162/photo/1 

أحمد الصراف

احمد الصراف

لن نسمح للطغيان بأن يخدعنا

عنوان المقال مقتبس من آخر سطر في مقال كتبه الشاعر المصري أحمد حجازي، قال فيه: حين يظن بعض المتحدثين في السياسة أن الإخوان المسلمين خصوم سياسيون يقعون في خطأ قاتل، فالخصومة لا تكون إلا بين أطراف تقف على أرض مشتركة، واختار كل طرف طريقاً منها يراه أقرب إلى الغاية وأوفى بالمطالب والحاجات التي يجتهد السياسيون في تحقيقها، ونحن نرى أن الإخوان لا يقفون على الأرض التي نقف عليها. نحن نقف على أرض الوطن، والإخوان يقفون معلقين بين الأرض والسماء، لا يطولون هذه ولا تحملهم تلك، لأنهم يتقافزون بين الجمهورية والخلافة، بين القرن العاشر والقرن العشرين يسألهم السائل: من أنتم؟ فيجيبه حسن البنا: نحن دعوة سلفية وطريقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية! هكذا يخلطون بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، فيضيعونها جميعاً، ولهذا لا نستطيع أن نعدهم خصوماً، وهم من جانبهم لا يعدون أنفسهم خصوماً سياسيين، ولا يتحدثون إلينا بهذه الصفة. والإخوان لا يعتبرون أنفسهم طرفاً سياسياً ضمن الأطراف الأخرى، فهم لا يمثلون مصالح محددة، ولا ينتمون لفكر سياسي محدد، فليسوا يميناً وليسوا يساراً وليسوا وسطاً. لا هم ليبراليون يراهنون على الحرية، التي تحفظ لكل من الفرد والجماعة حقوقه ومطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا هم اشتراكيون يراهنون على الدور الذي تؤديه الدولة في تنمية الاقتصاد وتوزيع الثروة. والإخوان ليسوا حزباً سياسياً بالمعنى المفهوم المتعارف عليه في الفكر السياسي، وهو أن الحزب جماعة من الناس تعتنق فكرة سياسية تتمثل في برنامج يسعى أعضاؤه للحصول على تأييد الجماهير له، ومساعدتهم في الوصول إلى السلطة لتحقيقه على نحو ما نرى في الدول الديموقراطية، وإنما هم جماعة دينية تفهم الإسلام بطريقتها الخاصة، فتخرجه من العصر الذي نعيش فيه، وتنظر إليه بعيداً عنه، أي بعيداً عنا وعما يحيط بنا من ظروف وما يلح علينا من مطالب، وتضيف للدين تفسيرات واجتهادات وتحصره في مجال واحد محدود من مجالاته، وهو تطبيق الشريعة التي لا نحتاج دائماً في تطبيقها لدولة، لأنها تعاليم دينية وقيم يؤمن بها المسلم، ويلتزمها بالصورة التي يطمئن لها قلبه، قبل أن تكون قوانين صارمة، ومن يعتبر الفائدة، التي يحصل عليها من المصارف، ربا عليه ألا يحصل عليها، فضلاً عن أن القوانين المصرية المعمول بها لا تناقض الشريعة، ولا تختلف عنها إلا فيما يتصل ببعض العقوبات التي يجب أن ننظر إليها، باعتبارها شأناً من شؤون الدنيا التي يحق لنا أن نجتهد فيها، كما كان يحق للمسلمين الأوائل أن يجتهدوا، وهذا ما ترفضه جماعة الإخوان، وما لا تستطيع أن تقوم به، لأنها لا ترى الدين إلا نصوصاً تفهمها بحرفها خارج الزمان وخارج المكان، ثم تعود إليهما لتطبق فيهما ما فهمته خارجهما.
أنهم لا يخاصموننا في السياسة وحدها، بل يخاصموننا في كل شيء، ويرفعون السلاح هم وحلفاؤهم في وجهنا وفي وجه كل ما حققناه منذ خرجنا من القرن الثامن عشر وأنشأنا الدولة الوطنية، واستعدنا حقنا في حمل السلاح والدفاع عن أنفسنا، وانفصلنا عن السلطنة العثمانية، وحصلنا على الاستقلال، ورفعنا شعار الدين لله والوطن للجميع.. الإخوان المسلمون خصوم لكل هذه المبادئ التي آمنا بها وهذه المكاسب التي حققناها، خصوم للدولة الوطنية، وللنظام الديموقراطي، والدستور، والتفكير الحر، وحرية المرأة، وحقوق الإنسان، وباختصار خصوم للعصر الحديث.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«تمبلتون» وعلبة الفول

أنفقت مؤسسة تمبلتون، وهي جهة تهتم بترويج الدين المسيحي على مذهب محدد، أكثر من خمسة ملايين دولار، بإشراف د. هيربرت بينسون طبيب القلب في مركز «مايند ان بودي» في مدينة بوسطن، لإثبات فعالية الدعاء في شفاء المرضى. وقد أجريت التجربة على 1802 مريض في ستة مستشفيات، خضعوا جميعاً لعملية الشريان التاجي، حيث تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، قام المشرفون على البرنامج بتلاوة الأدعية على الذين أجريت لهم عمليات الشريان، ولكن دون أن يعلموا بأن هناك من يدعو لهم بالشفاء، ثم راقبوا النتائج بعدها لغرض المقارنة. أما المجموعة الثانية، فلم تتلق أي أدعية، ولم يتم أعلام أي من مرضاها بشيء عن التجربة. أما المجموعة الثالثة، فقد تلقت الأدعية وتم إعلام كل فرد فيهم بها. ولغرض الحيادية، فقد تليت الأدعية في تجمعات من ثلاث كنائس تقع في ثلاث مدن أميركية تتبع ولايات متباعدة ومختلفة. كما حرص الدعاة على الدعوة بشفاء المرضى بالاسم وليس بشكل عام، وكان الدعاء في جميع الكنائس الثلاث يتضمن جملة محددة لا تزيد ولا تنقص. ثم بدأت المقارنة والتي تبين منها عدم وجود أي تقدم في صحة من تلقوا الدعاء بالاسم، أو الذين علموا بوجود من يدعون لهم، أو من تلقوا الدعاء ولم يعرفوا به، أي تساوى أفراد المجموعات الثلاث في النتيجة النهائية! ولكن المفاجأة كانت في أن أولئك المرضى الذين عرفوا بأن أحداً ما يقوم بالدعاء لهم بالشفاء العاجل وبالاسم، في كنائس مختلفة، حصلت لهم مضاعفات غير متوقعة، فعلمهم بالدعاء زاد من آمالهم في الشفاء، وعندما لم يحصل ذلك، لأن العلاج يحتاج إلى وقت، أصيبوا بإجهاد نفسي نتيجة القلق عن حقيقة حالتهم الصحية، وأنها لو لم تكن سيئة، لما دعا لهم أحد بالشفاء في دور العبادة.
والدعاء بحد ذاته له تأثير سلبي على الداعي والمدعو لمصلحته، فمن قام بالدعاء أعتقد بأنه أدى ما عليه من واجب إلى الطرف الآخر، وانتهت مهمته، وما عليه القيام بشيء أكثر فعالية، خصوصاً أن الدعاء غير مكلف أصلاً، ولا يأخذ عادة وقتاً طويلاً، كما أن من يتلقى الدعاء ويسمعه لن يقوم بشيء لتحسين حالته، بل ينتظر نتائج إيجابية أكثر من الآخرين الذين في مثل حالته، ولم يقم أحد بالدعاء لهم، وإن لم يحدث ما كان يتوقعه، كما في مثال حالة المستشفيات الثلاثة، فإنه يصاب بالإحباط وتنتكس صحته!
* * *
• ملاحظة: أجمل تعليق على المغالطة التي تقول إنه كان يجب ترك الإخوان ليكملوا فترة حكم السنوات الأربع ما قاله مواطن مصري منه أنه لو اشترى علبة فول مكتوباً عليها «صالحة لمدة 4 سنوات»، وبعد فتحها وجدها معفنة، فما المطلوب منه القيام به؟ وأجاب على سؤاله، بطريقته الخاصة قائلاً: يعني أتنيل على عين أهلي وآكلها وألا أرميها بالزبالة؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرميحي.. و«الإخوان»

كتب الزميل محمد الرميحي مقالاً في «الشرق الأوسط»، تعلق بتاريخ الإخوان المسلمين في الخليج، وذكر أنهم وقعوا ضحية ظروف نشأة منظومتهم بسبب خصامها مع العصر أولاً، وثانياً ربطها للسياسة بالايديولوجية، الأولى متغيرة والثانية جامدة! وهنا نضيف لأسباب فشل «الإخوان» سببين آخرين، وهما: ضعف الخلفيات الثقافية و«الإبداعية» للمنتمين اليها، حيث يغلب الجمود، لا بل التحجر على فكر الكثيرين منهم. كما أن عددا كبيرا ممن انتمى اليهم، خاصة في دول الخليج، لم يكن هدفهم دينيا صرفا بقدر ما كان للاستفادة من قوتهم السياسية في تحقيق النفوذ والثروة، ولو بطرق ملتوية، والأمثلة، على من نجحوا في تحقيق صفقات كبيرة – ومع الحكومات بالذات – كثيرة، وهم يعرفون ذلك جيدا! ويعود الزميل الرميحي ليقول إن الإخوان، في تجلياتهم المختلفة، سرعان ما كانوا يصطدمون بالواقع، ويقدمون الضحايا، ثم يختفون تحت الأرض. ولم تُهيأ لهم قيادات حقيقية تخرجهم من مأزق النشأة والتقوقع. وقال إن إخوان الخليج الأوائل كانوا ثمرة احتكاك المؤسس وجماعته بطليعة من سافر إلى مصر من أبناء الخليج، وعاد هؤلاء إلى أوطانهم مؤسسين فروعا لتلك الحركة السياسية الدينية الاجتماعية (والحقيقة أن هذا لم يحدث إلا مع الكويتيين). ووجدت فروع الخليج أولا ترحيبا لكون المجتمع فيها بطبعه متدينا، وثانيا بسبب الخلاف والخوف لاحقا من عبدالناصر! وقال: في البداية كان لحركة الإخوان قبول من شباب المنطقة ومن سلطاتها التي لم تتبين البعد السياسي للدعوة، كما حرص الضيوف على ألا يثيروا كثيرا من الغبار السياسي حول نشاطهم، فكانوا بمعنى من المعاني موالين، مقارنة بتهديد التيار الناصري والأفكار اليسارية. وقال إن الإخوان وقعوا في «مغبة الضبابية» إبان احتلال العراق للكويت (وهذا برأيي تخفيف شديد للمأزق الذي وجدوا انفسهم فيه)، بعد ان اتخذت قيادتهم الدولية، ومرشدهم، وبعض تنظيماتهم المحلية، موقفا شبه مؤيد لصدام حسين في احتلاله للكويت)‍، وهذا تبسيط آخر لمأزق الإخوان، فالحقيقة أن حماستهم لصدام كانت أكثر من ظاهرة ومشاركتهم القوية في مؤتمر نصرة صدام في العراق ولاهور كانت اكثر من جلية، وهذا ما دعا إخوان الكويت، تحت نقد شعبي مرير، للتنصل من التنظيم الدولي، وهم مستمرون في تنصلهم حتى اليوم! وبعد التطورات الأخيرة في مصر وخروج السلطة من يد الإخوان شعرت فروع الإسلام السياسي الأخرى بالقلق. ومهم هنا ملاحظة ردات فعل إيران وتركيا على ما حدث في مصر، وكلتاهما على اختلاف، ولكنهما متفقتان على إدانة ما حدث، خوفا من ان يعدي شعوبهما. وقال إن قشعريرة يمكن ملاحظتها في صفوفهم وفي ردود فعلهم العصبية على ما حدث في مصر، ومن يراقب وسائل الاتصال الاجتماعي وطريقة تدخلهم في إدانة ما حدث وحتى استخدام ألفاظ غير لائقة وبعضها غيبية في تفسير الحدث المصري، يعرف أنهم مصابون بالقلق الشديد. وقال الرميحي إن الصدام الذي يمكن أن يحدث في مصر، إن تطور إلى عنف، فستخسر الجماعة من ورائه الكثير، وسيثبتون حينها أنهم ليسوا فاقدي المشروع السياسي المعقول لبناء الأوطان فحسب، إنما أيضا سيبين ضعف إيمانهم بالديموقراطية التي تتوق إليها الشعوب في عالم يتجه إلى العولمة. وان فرصتهم قد ضاعت في الحكم ثانية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أفعوان «الإخوان»

أعتقد بأن كل من يناصر حزب الإخوان المسلمين، سواء من خلال فرعهم في الكويت، أو تنظيمهم العالمي، هم إما جهلة أو سذج أو منتفعون كبار منه! فلو حاول أي فرد استعراض تاريخ الجماعة، خلال الثمانين سنة الماضية، لما وجد غير المؤامرات والدماء والفساد المالي والفضائح. فهم لم ينجحوا قط في التعايش طويلاً مع أي جهة منذ أن سمح الإنكليز لهم بتأسيس حزبهم، ثم بالتوسع فيه لاحقاً، ثم اصطدموا بهم. بعدها تقربوا للقصر، وبلغ الحماس بهم للمناداة بفاروق خليفة للمسلمين، ثم انقلبوا عليه وقتلوا اثنين من رؤساء وزرائه، وأحد كبار قضاته، قبل تحالفهم ودخولهم، مرحلياً، مع محمد نجيب وعبدالناصر، ودخولهم مرحلة الانقلابات. ثم جاء حكم السادات، الذي أخرج قادتهم من السجن، فتعاونوا معه فترة وانقلبوا عليه، وكان مصيره الاغتيال. ثم بدأ عهد مبارك، حيث حصلوا في آخر «انتخابات» مزورة في عهده على حصة كبيرة من المقاعد، ولكنهم، كدأبهم للميل الشديد لبسط سيطرتهم وإعلاء كلمتهم وتمكين أنفسهم في كل مجال، قرروا في اللحظة الأخيرة التخلي عن تحالفهم معه واللحاق بركب الثورة الشبابية وخطفها. وبالرغم من أن «الإخوان»، قالوا إنه لا أحد منهم سيترشح لمنصب الرئيس، فإن شهوة الحكم تغلّبت عليهم، فبعد سيطرتهم على مقاليد حكم مصر، خدعوا غيرهم لبضعة أيام بفكرة مشاركة الآخرين، ولكن طبعهم لم يسمح لهم، حيث عادوا إلى فكرة «المغالبة» والانفراد بالحكم لأنفسهم، وهذا ما أثار بقية فئات الشعب عليهم، علماً بأن تاريخهم السياسي كان يتسم دوماً بالفشل بسبب سعيهم للهيمنة، وهذا أمر متوقع، «فمبادئهم» السياسية لا تسمح لهم أصلاً بقبول الممكن أو الحلول الوسط، لعلمهم أن في ذلك نهايتهم.
لقد أعطي الإخوان المسلمون فرصة تولي حكم واحدة من أكبر الدول العربية والإسلامية، وكان بإمكانهم البقاء في الحكم لسنوات طويلة، لو كانوا يؤمنون حقاً بأن للآخرين، ليبراليين ومسيحيين ومعتدلين ومستقلين وحتى شيعة وشيوعيين، حقوقاً في المواطنة والإخاء، ولكنهم فشلوا 360 مرة خلال 360 يوماً من الحكم الغبي. وبالتالي، يجب ألّا تتاح لهم فرصة الحكم مرة أخرى، فإن حصلوا عليها فسيكون وضع مصر أسوأ بكثير من وضع إيران، وأكثر دموية ودكتاتورية منها، وسيحكمون بالبندقية والسجن والنفي، فهم يعلمون جيداً أن ما منوا به من هزيمة لم يكن اندحاراً سياسياً، بل هزيمة فكرية وعقائدية واضحة، وهم لن ينسوا ذلك لكل من وقف ضدهم. ويكفي النظر إلى وجوه وخلفيات كبار «الإخوان» وصغارهم ووسطهم، ومن وقف معهم، ومقارنتها بخلفيات ومواقف وأدوار وتاريخ من وقف ضدهم لتعرف من الذي يقف مع الحق، ومن الذي يقف مع الباطل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تجربة الحجرف مع السلطة

تعتبر عملية الغش الواسعة، في نوعيتها وتوزيعها الجغرافي، التي رافقت الاختبارات المدرسية الأخيرة، والتي تضمنت تسريب الأسئلة من قبل موظفين ومربين ومعلمين كويتيين، مسلمين مؤمنين، وبمشاركة من وافدين، وحتى تزويد الطلبة بالإجابات النموذجية، تعتبر في حكم الجريمة الأخلاقية غير المسبوقة بوقاحتها، وستكون لها تأثيرات وخيمة على كل من شارك بها، خاصة عندما نكشف الكم الكبير والمستوى الإداري الذي شارك في هذه الجريمة الأخلاقية، التي أجبرت الوزير على إحالة عدد من كبار إداريي الوزارة للتقاعد. كما أعلن الوزير الحجرف قبول استقالة الوكيل المساعد للتعليم العام محمد الكندري، ومدير عام منطقة العاصمة التعليمية يسرى العمر، كما قرر إقالة جميع الموجهين العامين للمواد الدراسية الأساسية، وإحالة مدير ثانوية أحمد بن بشر الرومي، التي شهدت تسريبا للاجابات النموذجية لامتحان اللغة العربية للصف الحادي عشر. كما أوقف مديرين مساعدَين، وأقال مشرف الجناح في لجنة الامتحان وملاحظَين اثنين.
واتصف تصرف الوزير السريع بحزم طالما افتقدناه، كما كان شجاعا عندما اعتذر للشعب الكويتي وللمعلمين المتميزين وللطلبة المتفوقين، مما شهده الميدان التربوي من أحداث وصفها بالمؤسفة، قائلا بأنه لن يسمح بتشويه سمعة نظامنا التعليمي واستمرار الشغب في مدارسنا! علما بأن ما حدث لم يكن شغبا بل جريمة أخلاقية، ودليلا على المستوى الهابط للواقع التعليمي في البلاد.
وبالرغم من حجم الكارثة الأخلاقية الكبير، فإن الوزير لم يود، وهذا يمكن تفهمه، التطرق لمن كان السبب وراء هذا الانحدار الأخلاقي في مدارسنا، وكيف أصبحت الكويت في الدرك الـ127 في سلم الدول الفاشلة عالميا في التعليم وغيره، وكيف أن سبب ذلك، لمن لا يعرف أو يعرف وينكر، كما فعل «الأخ» المهندس، يعود لسنوات هيمنة القوى الدينية المسيسة على مقدرات وزارة التربية، بعد أن تحالف معهم رئيس وزراء سابق وسلمهم مقدرات الوزارة التي لم يطالبوا بغيرها! ولا يزال «فلول» الأحزاب الدينية يملؤون أروقة الوزارة، ويمسكون بالكثير من مفاصلها الحساسة، وزيارة واحدة لمكاتبها والنظر الى أشكال من يشغلونها كاف لمعرفة انتماءاتهم. ولا ننسى أن جمعية المعلمين لا تزال ومنذ ثلاثة عقود تئن عظامها من ضغط الإخوان وسيطرتهم على مقدراتها، فالغش الذي نراه الآن هو وليد سنوات سيطرة القوى الدينية المسيسة على التعليم، واسماء أولئك الحزبيين الذين وضعوا المناهج الدراسية معروفة، ويعلم كل ناكر للحقيقة من السلف والإخوان والتلف أن وزراء التربية من حسن الإبراهيم الى أحمد الربعي، مرورا بنورية الصبيح وموضي الحمود، مع الاحترام الشديد لهم، ولسيرهم، لم يكن بمقدورهم الاقتراب من واضعي المناهج، وبالتالي بقي هؤلاء شوكة في حلق كل وزير، سمي بليبرالي، إلى أن غيرت السلطة «جزءا» من فكرتها عن الإخوان في الأشهر القليلة الماضية! ومن قرأ تحقيقات القبس الواسعة والقوية، في مايو الماضي، وعلى مدى أيام، والتي تعلقت بمناهج التربية يعرف جيدا اين بدأ التخريب، وكيف دفعت المناهج غير العملية الكثير من الطلبة لانتهاج الغش سبيلا للنجاح. وبالتالي لا يمكن توقع أي إصلاح حقيقي في التعليم، وغير التعليم، بغير تخلي السلطة عن جميع المنتمين للأحزاب الدينية، فقد تمت تجربة هؤلاء في كل مجال، وكانت النتائج أكثر من كارثية.

أحمد الصراف