احمد الصراف

سلوا كؤوس الطلا

“>

«سلوا كؤوسَ الطلا هل لامسَتْ فاها
واستخبروا الراحَ هل مسَّتْ ثناياها
باتت على الروض تسقيني بصافيةٍ
لا للسلاف ولا للورد ريّاها
ما ضرَّ لو جعلت كأسي مراشفها
ولو سقتني بصافٍ من حميّاها
هيفاء كالبان يلتفُّ النسيمُ بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها
حديثها السحر إلا أنه نغمٌ
جرتْ على فم داودٍ فغنّاها
حمامةُ الأيك. مَنْ بالشجو طارحها
ومَنْ وراء الدجى بالشوق ناجاها
ألقَت إلى الليل جيداً نافراً ورمت
إليه أذنا وحارت فيه عيناها
وعادها الشوق للأحباب فانبعثت
تبكي وتهتفُ أحياناً بشكواها
ياجارةَ الأيك. أيّامُ الهوى ذهبتْ
كالحلم آهاً لأيّام الهوى آها»
ونعيد البيت الأخير، لجماله:
«ياجارةَ الأيك. أيّامُ الهوى ذهبتْ
كالحلم آهاً لأيّام الهوى آها».
ولهذه القصيدة، التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، قصة لفت نظري إليها الصديق فيصل المناعي، فبحثت ووجدت التالي: كان الشاعر أحمد شوقي من المعجبين بصوت المطرب محمد عبدالوهاب، وكان يخصص له أجمل قصائده ليغنيها، وبالتالي لم يجرؤ أي من منافسيه في حقل الطرب على الاقتراب من الشاعر الكبير، ومنهم أم كلثوم. لكن حب شوقي للفن دفعه يوما إلى استضافة أم كلثوم في «كرمة ابن هاني»، ووافقت على دعوته مسرورة، فقد أتتها فرصة اللقاء بأمير الشعراء، وهناك غنت وأبدعت، وطرب لها شوقي وقام من مجلسه وحياها، وقدّم لها كأسا من الطلا، أو الخمر! وهنا تصرفت أم كلثوم بلباقة كبيرة، حيث رفعت الكأس، ومست بها شفتيها من دون أن ترتشف شيئا، فقد كانت لا تشرب الخمر، وقد أُعجب شوقي بتصرّفها ولباقتها، فضلا عن إعجابه بغنائها. وفي اليوم التالي جاء لبيت السيدة أم كلثوم من يحمل رسالة من شوقي، فظنت أن بها مكافأة مالية منه لغنائها، ولكنها وجدت بداخلها قصيدة صاغها الشاعر فيها في الليلة ذاتها. ويقال إن هدية شوقي بقيت لديها لسنوات قبل أن تقرر في عام 1936، وبعد 4 سنوات من وفاة من نظمها، أن تغنيها، وهكذا وضع لها رياض السنباطي لحنا سيبقى خالداً.
وللعلم فإن أمير شعراء العربية أحمد شوقي وُلد لأب شركسي وأم يونانية، وربّته جدته لأمه، التي كانت تعمل وصيفة في بلاط الخديوي إسماعيل. ونقل عن شوقي قوله إن والده أخبره أن أصولهم «كردية».
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

نحن والسويد.. تحليل لمرتبة الفساد

“>

نشر الزميل علي سعد الموسى في «الوطن أون لاين» السعودية مقالا طريفا سبق أن كتبنا ما يماثله في عدة مناسبات، ولكن ليس بمثل هذه الطرافة، حيث يقول: ما بين ترتيب بلد مثل السويد وبين موقعنا في قائمة الدورية تكمن مسافة التربية التي تتلقاها الشعوب المختلفة، وتؤثر في تصديها للظواهر والممارسات السيئة والخاطئة. فالسويد تتصدّر قائمة النزاهة والشفافية، بينما سأحتفظ بترتيبنا (السعودية)، لأنه لا يصح أن يصبح وثيقة في مقال مكتوب، ولكن في المقابل كيف وصل المجتمع السويدي إلى صدارة التصنيف، وكيف تربعنا بامتياز في مكان قصي من الصفحة الثالثة، رغم أن الأدبيات التي يتلقاها الشعبان المتناظران، نظرياً على الأقل، يجب أن تؤدي إلى النقيض، فالمجتمع السويدي لا يستمع إلى مائة ألف خطبة جمعة في الأسبوع، وكلها تحث على مخافة الله وتقواه. كما لا يوجد في السويد نصف مليون مسجد للصلاة التي لا تتوقف عن النهي عن الفحشاء والمنكر. ولا توجد في السويد وزارات أوقاف وشؤون دينية، ولا يعمل فيها ثلاثون ألف داعية، يقيمون في العام الواحد مليوني منشط دعوي هدفها حض المجتمع على الصلاح والنزاهة! ولا يوجد في السويد مخيم أو معسكر توعوي دعوي مثلما لا يوجد فيها عشر كليات للشريعة التي تضم الآلاف من الدعاة ومن طلبة العلم الذين يقرأون على هذا المجتمع عقاب الآخرة، ويحذرونه ليلا ونهارا من أكل المال الحرام، ومن مغبة هضم حقوق الخلق بالباطل. ولا يوجد في فضاء السويد 47 قناة فضائية دينية تبث ليلا ونهارا تعاليم ديننا التي تحرم الربا حتى وإن تكن حبة من خردل! ولا يدرس الطالب السويدي عشرين حصة في الأسبوع من كتاب الله وسنّة نبيه، التي لم تترك فضيلة واحدة أو سيئة من دبيب النمل إلا ووضعت لها منهاجاً في الترغيب والترهيب. ولا يقرأ المجتمع السويدي هذا القرآن العظيم، الذي لو أنزل على جبل لتشقق من خشية الله، فيما نحن نقرؤه تلاوة وتفسيراً وتجويداً بهذه الكثافة ونحمله أمانة فلم نتشقق، وهذا من طلب المستحيل، ولكن لم نرتفع في ترتيب الفساد سطراً واحداً من الصفحة الثالثة، حيث موقعنا في ترتيب المجتمعات والأمم.
وسؤالي: أنا لا أسأل عن السويدي لو أنه أيضاً استمع إلى كل ما نستمع إليه، وأين سيكون، ولكن سؤالي أين سنذهب لو أننا، مع وضعنا المخيف، لم نستمع أيضاً إلى كل هذه التعليمات السماوية الخالدة؟ – انتهى! –
ولا حاجة هنا للتنويه بأن من السهل جدا رفع اسم السعودية، ووضع اسم الكويت مكانه، دون ان يطرأ على المقال أي خلل، فقد أصيب مسؤولو التربية في دولتنا بحالة من الرهاب العصبي من المتاجرين بالدين، بعد أن نجح هؤلاء في فرض «بضاعتهم» على مناهج جميع المدارس، علما بأن العملية لا تحتاج إلى عبقرية لنعرف بان التركيز على اية مادة دراسية، بمثل ما يحدث الآن من تركيز على المواد الدينية من شأنه إحداث خلل عقلي رهيب ينتج عنه تخلف لا يمكن تجنبه. وهنا لا نهاجم تدريس الدين بقدر معارضتنا التركيز الشديد على مادة معينة، حتى لو كانت علمية بحتة، فلو قامت وزارة التربية والتعليم لدينا بإلغاء كل الدروس الدينية والترفيهية والفنية، واستبدلتها بمواد علمية لما كان حالنا أفضل، إن لم يكن أسوأ، فالعبرة بما يحتاجه الطلبة من مواد متنوعة تشمل كل أنشطة الحياة، وليس بالتركيز على مادة معينة وتجاهل ما عداها.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

خاتون وسمية والمرور

“>
فهم بعضهم انتقادنا للواء عبد الفتاح العلي، وكيل المرور، بعدم اتفاقنا على كل ما يقوم به من جهود لمحاربة التسيب المروري في الدولة، والعكس هو الصحيح؛ فاعتراضنا انصب على فحوى تصريحاته فقط، التي لو خفّف منها وركز على عمله لأنتج أكثر وناله نقد اقل. ففي تصريح صحفي أدلى به أخيرا، في معرض تبريره لأسباب ازدحام الطرقات بالمركبات في أوقات الذرورة، قال إن شوارع الكويت مصممة لكي تستوعب 800 ألف مركبة في اي وقت، في حين يبلغ فيه عدد المركبات المسجلة لدى إدارة المرور ضعف هذا الرقم، ولهذا يحدث الازدحام! وهذا تصريح يفتقد الدقة والمسؤولية طبعا، فلا يمكن ان تكون كل مركبات الكويت في الشارع في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار، لكي تضيق بها الشوارع! فهناك نسب عالمية يمكن الاستفادة منها فيما يتعلق بالسيارات التي يمكن أن تتواجد في الشارع في اي لحظة، وفي الذروة!، و«قد» يكون الرقم في الكويت بحدود 500 ألف مركبة مثلا، وهو اقل بكثير من القدرة الاستيعابية للطرقات، وبالتالي فإن نسب المقارنة التي ذكرها اللواء العلي غير صحيحة، ويجب عليه التخلي عنها لإقناعنا بسبب المشكلة. فكثيرون في الكويت يمتلكون اكثر من سيارة، ويستحيل عليهم قيادة أكثر من واحدة في وقت واحد. وآخرون يمتلكون سيارات ولا يتواجدون في الكويت طوال الوقت، كما يستعين غيرهم بمن يقوم بتوصيلهم بدلا من استخدام سيارتهم، وآخرون يتجنبون القيادة في ساعات الذروة. وبالتالي ربما يكون من الأفضل استخدام رقم حاملي رخص القيادة، بدلا من عدد المركبات، وخصم ما نسبة %15 إلى %20 من الرقم، ومقارنته بالقدرة الاستيعابية للطرقات في الكويت!
***
• ورد اسم خاتون وسمية في زاوية «شيء من الماضي» في القبس قبل ايام، في إشارة إلى الطبيبة الأميركية ماري اليسوت التي جاءت الكويت مع الارسالية الأميركية عام 1934، وغادرتها بعد ثلاثين عاما من العمل المخلص إلى البحرين! وقد ذكرني التنويه بحادثة طريفة وقعت قبل عشرين عاما، وسبق أن تطرقت إليها في مقال سابق، تتعلق بالدكتورة وزملائها، وذلك عندما أعلن رجل أعمال، بعد التحرير مباشرة، عن نيته افتتاح مستشفى بتقنية أميركية، وإطلاق اسماء أطباء وطبيبات مستشفى الارسالية الأميركية على أجنحته، تقديرا لدورهم الإنساني مع بداية القرن العشرين، وعرفانا للدور الأميركي الحيوي في تحرير الكويت بعدها بثمانين عاما، وقام المستثمر بنشر إعلانات ملونة في مختلف الصحف، وهنا طلبت منه المطبوعة الناطقة باسم جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، نشر الإعلان نفسه لديها، واشترطت عليه عمل بروفة لصور الطبيبات، ومنهن خاتون وسمية، وتغطية رؤوسهن بايشاربات، لأن المجلة «الوقورة» لا تنشر فيها صور سيدات بشعر مكشوف! رفض المستثمر هذا «الدجل»، وأصر على بقاء الصور كما هي، وخاصة أن صاحباتها وورن التراب منذ عقود! بعد شد وجذب تم الاتفاق على الاكتفاء بذكر أسماء الطبيبات في الإعلان تحت مربعات فارغة من الصور! وهذا هو «حد يوش»، أو مستوى تفكير، هذه الجماعات التي تسعى لحكم الدول العربية والإسلامية، وكأن ما نعانيه من مصائب وتخلف يمكن القضاء عليه بوضع ايشارب على صورة سيدة ماتت قبل نصف قرن!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

السرقات الدينية والأمية

“>

في سابقة فريدة من نوعها قام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بإحالة عشرات من موظفي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى النيابة العامة بتهم تتعلق بارتكابهم مخالفات مالية وإدارية جسيمة! وندرة الحالة لا علاقة لها بقلة ما يرتكب في هذه الوزارة الدينية والقلعة الحصينة من مخالفات وسرقات، بل بعملية الإحالة نفسها، فهي السابقة، علما بأن الوزير ربما قام بذلك لعدم وجود حل آخر أمامه لمعالجة الفضيحة، بعد ان وجد ان الوضع لا يمكن السكوت عنه، كالعادة، بإجراء تنقلات هنا وإعفاءات هناك! ولكن قراره يشكر عليه في جميع الأحوال.
إن حالة الإحالة إلى النيابة في هذه الوزارة الدينية التي يفترض أن العاملين فيها هم من اكثر موظفي الدولة التزاما بالدين وتمتعا بالنزاهة والأمانة، حتى أنهم رفضوا أن تعمل بينهم من ليست محجبة، دع عنك من هو ليس من حزبهم الديني أو طائفتهم، تعني أنهم بشر مثلهم مثل غيرهم، ولم يجعلهم حرصهم المبالغ فيه، في مجمع الوزارات مثلا، على أداء الواجبات الدينية، أكثر أمانة من غيرهم. كما أن رفضهم لعمل غير المحجبات فيها لم يساهم في رفع المستوى الخلقي لموظفي الوزارة، فالشخص الذي يرغب في إنقاص وزنه مثلا يحاول جاهدا الابتعاد عن منظر الأغذية «الشهية»، بسبب ضعف إرادته! فالرفض منبعه الخوف، وليس الفضيلة!
وفي السياق نفسه أثيرت في السعودية، وفي غيرها من دولنا، وبالذات على وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير من أخبار اختفاء الملايين من مبالغ التبرعات التي دفعها الغافلون للجهاد في سوريا. وأنها اختفت مع اختفاء من كان وراء جمعها. كما أن الكثير من التبرعات العينية التي جمعتها أكثر من جهة لم تصل للمحتاجين لها. وكشف موسى الغنامي، وهو رجل دين سعودي معروف، النقاب عن السرقات من تبرعات جمعت باسم إغاثة الشعب السوري. وأورد اسم «جمعية س…»، واسم أمينها «الشيخ سعد. ش».كما ذكر أسماء من شهدوا على أمانة أمين الجمعية ونزاهته، غير الأمين، ومن هؤلاء «دعاة كبار»، ولا أدري كبار في ماذا! ومنهم الداعية «م. ع»! وأن هؤلاء شاركوا في تزكية الجمعية، وشاركوا، بعد الفضيحة، في التكتم عليها.
وبالرغم من أن الشيخ الغنامي ذكر الأسماء صراحة في موقعه على تويتر فان أحدا لم يجرؤ على الرد عليه. وهاتان الحادثتان، وغيرهما الكثير، تؤكدان ما سبق ان ذكرناه من أن الجرعة الزائدة من التدين لا تعني نزاهة اكثر وامانة اقوى، فالأمانة والخلق الحسن بحاجة لمنطق، والمنطق لا يأتي بغير تفكير وتعليم وثقافة!
* * *
• ملاحظة: أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التابعة للأمم المتحدة، أن عدد الأميين في المنطقة العربية قد فاق 97 مليونا، وهي نسبة تعادل أكثر من %27 من تعداد السكان العرب! وأن هناك تخوفا من عدم وجود تقدم حقيقي بالنسبة لمحو الأمية فيها! وبالرغم من هذه المؤشرات المخيفة، والمشاكل الرهيبة، فاننا نجد شبابنا يفضل الهرب منها للجهاد في «همجستان» والعراق وسوريا، حيث تتاح لهم الفرصة ليحاربوا ويقتلوا ويسجنوا ويعذبوا وبعدها يُقتلوا، ولتتسبب أفعالهم، في نهاية المطاف، في زيادة جهلنا وأميتنا وتخلفنا!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

القتل المجنون

“>
ما أول شيء يتبادر لذهنك عندما تسمع من يتلفظ بكلمات نابية ووقحة؟ ستصفه غالبا بعدم التهذيب، وقلة الأدب! وبماذا تصف من يقوم بعمل إجرامي، لغرض في نفسه أو للحصول على مال أو للانتقام الشخصي؟ ربما ستصفه بالمجرم وتستنكر فعلته وتشمئز من تصرفه. وقد تصف الاثنين وغيرهما بقلة الإحساس أو التربية! والتربية ترتبط بالتعليم بشكل وثيق، فلا تعليم بغير وجود تربية في صلب مقرراته، وليس هذا وضع مناهج اي دولة عربية، حتى تلك التي تسمى وزارة التعليم فيها بوزارة التربية، فما يدرس في مدارسنا لا يمت حتما للخلق والتربية بصلة كبيرة.
ولكن عندما تقوم جماعة مسلحة، إن في سوريا أو باكستان أو أفغانستان أو في العراق، كما حدث فيه قبل يومين عندما قتل 18 شخصا واصيب 12 آخرون من عائلة شيعية واحدة في هجوم متوحش على منزلهم في مدينة اللطيفية وإحراق المنزل بعد ذلك، هنا تصبح المسألة شيئا آخر، فهو ليس قلة أدب ولا وحشية ولا إجراما، بل شيء آخر مختلف تماما اقرب للجنون والانهيار الكامل لكل القيم منه لأي شيء آخر! ربما كان هدف هؤلاء القتلة السفاحين إشعال حرب طائفية، وهذه كان يمكن القيام بها بغير قتل أطفال رضع وهم في أحضان امهاتهم، بل بقتل رجال بالغين من الطائفة نفسها، وتفجير دور عبادتهم مثلا، رغم عدم إقرارنا بأي من هذه الأساليب الوحشية الحقيرة! ولكن أن يقتل ويجرح 30 فردا وتحرق جثث القتلى منهم، لبشر من الوطن واللغة والدين نفسها هنا يصبح الأمر خارج المألوف بكثير، فهؤلاء القتلة المجرمون يعلمون جيدا أن ليس بإمكانهم، ولا بإمكان اي قوة أخرى، مهما كبرت، قتل 15 مليونا من طائفة محددة، ليصفى الجو لأتباع طائفتهم. كما يعلمون أن هذا الفعل قد يرتد عليهم وعلى اهاليهم في رد فعل قد يكون أكثر إجراما ودموية، ومع هذا قاموا بافعالهم بدم بارد، او بغير دم أصلا، لأنهم مرضى لا يعبأون، وهم مرضى لأن مقررات مدارسهم، وتكيات مشايخهم، وفتاوى رجال دينهم أجبرتهم على مضغ وبلع ما لا طاقة لهم به من المواد والتعاليم الدينية، بأضعاف ما تتحمله عقولهم، فتحولوا إلى آلات قتل مجنونة لا تعرف كيف تفرق بين الصالح والطالح من الأمور!
لقد نادينا على مدى عشرين عاما بـ«أنسنة» مناهجنا الدراسية وتكثيف المواد العلمية، وإعطاء الموسيقى والشعر والفنون الجميلة الأخرى ما تستحقه من عناية واهتمام، إلا أن ما حدث كان العكس تماما، حيث تم تكثيف تدريس المواد الدينية على حساب كافة المواد الأخرى، حتى العلمية، وكانت المحصلة لذلك ما اصبحنا نراه ونلمسه ونعاني منه من تطرف وإرهاب. ولو كانت مناهج المدارس الحكومية أكثر إنسانية واكثر بعدا عن التعصب لما خسر الوطن المئات من ابنائه الذين ذهبوا ليحاربوا في أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وسوريا، وليلاقي البعض حتفه ويعتقل غيرهم، وذنب هؤلاء وضحاياهم يقع ليس فقط على من وضع مناهجنا المتخلفة، بل ومن وافق عليها، وحتى من سكت عنها، ولا استثني هنا وزير تعليم واحدا منذ ما بعد عهد الشيخ عبدالله الجابر وعبدالعزيز حسين وحتى اليوم.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

معذرة يا معلولا

معلولا مدينة سورية تقع على بعد 50 كلم من دمشق، ومرتفعة 1500 متر عن سطح البحر، واسمها بالسريانية، التي لا يزال أهاليها يتحدثون بها، يعني «المكان العالي»، وتكثر فيها معالم مسيحية مقدسة وقديمة مهمة يعود تاريخها لأكثر من الف عام، وغيرها لأكثر من ثلاثة آلاف. كما أن مسيحيي ومسلمي المدينة ما زالوا يتكلمون الآرامية، السريانية، التي يُعتقد أنها اللغة التي تحدث بها المسيح، عليه السلام. وتنفرد معلولا بمعالمها التاريخية، وأهمها الاديرة والكنائس والممرات الصخرية وآثار مسيحية قديمة، منها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة منحوتة في الصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا البطريركي. كما تتميز بيوت البلدة بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتصبح سطوح المنازل اروقة ومعابر لما فوقها من بيوت مشكّلة طابعا متميزا. يضم دير مار تقلا رفات القديسة تقلا ابنة أحد الامراء السلوقيين وتلميذة القديس بولس. وتعيش اليوم في الدير رهبنة نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه الذين يأتون إليه من كل صوب ومن أنحاء العالم كافة للتبرك وللزيارة. وإذا أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة شاهد القلالي (اي غرف الانفراد المحفورة في الصخر) التي كانت خلوات للرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل والتقشف والزهد، مما يدل على أن معلولا كانت مدينة رهبانية مقدسة ترتفع منها الصلوات والتضرعات ليلاً نهارا.
هذه هي معلولا، واحدة من أقدم مدن العالم واكثرها سلاما وبعدا عن امراض المدنية وشرورها، والتي عاش أهلوها، المنتمون لمختلف الأديان والطوائف، في سلام على مر العصور، ثم جاء المرضى النفسيون من جراد الصحوة والنصرة المسلحين حتى اسنانهم، جاؤوا بقنابلهم ومتفجراتهم ورشاشاتهم وكل ما بقلوبهم من حقد، واحتلوها وأهانوا حرماتها، في عمل وحشي لا يمكن تبريره بأي حال، فهذه البلدة لم تعتد على أحد، وليست قاعدة عسكرية ولا معقلا علويا ولا منصة إطلاق صواريخ، وكل ذنبها انها مسالمة وغير مسلحة وغالبية سكانها من المسيحيين! وهذه تهمة، بنظر من اعتدى عليهم، يستحق صاحبها عليها القتل!
نعم ما جرى في معلولا، التي أهدت العالم رياضيين مميزين وكتابا وادباء ورجال أعمال وإداريين كبارا، أمر لا يمكن تبريره، وإن كان بالإمكان فهم دوافعه الحقيرة، فسيدة المدن بأقدميتها ستستمر وستغفر لكتائب الشواذ ما اقترفوه بحقها من غير سبب ولا جرم اقترفته! فما جرى بها يصب في مسلسل «التطهير» الديني، ومحاولة تهجير مسيحيي سوريا والعراق ومصر ولبنان وغيرها، وحرماننا من ملح ارضنا، ليخلو الجو لشذاذ الآفاق من متخلفي الحركات الدينية المتطرفة، ليطعمونا الذل والتخلف، على طريقتهم!
* * *
• ملاحظة: خسر الطب الجراحي، مؤقتاً، الاستشاري يوسف العوضي، وربحته إدارة العلاج في الخارج، مديراً جديداً ونزيهاً، نتمنى للدكتور العوضي التوفيق في عمله الجديد.. والصعب!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
<

احمد الصراف

الإخوان والكوكلوكس كلان

“>عندما ننظر لشعار الإخوان المسلمين، بسيفيه المشهرين وكلمة «وأعدوا» المأخوذة من آية قرآنية تدعو لمحاربة «أعداء الله» بكل وسيلة، ومنها السيف، نعلم تماما أن كل ما يدعيه هؤلاء من سلمية حركتهم أمر مشكوك فيه، ويتناقض وصلب عقيدتهم. ومن هذا المنطلق من الخطر إشراكهم مباشرة، أو حتى إشراك من يميل لأفكارهم، في مهمة صياغة دستور مصر الجديد. وما ينطبق على الإخوان ينطبق على غيرهم من الغربان، الذين قد يكونون أقل تنظيما وعددا، ولكنهم حتما أكثر تخلفا! يقول الزميل المصري كمال غبريال بما معناه أننا إن أردنا دستوراً ينقلنا من التخلف إلى حضارة العصر، فربما علينا أن نوكل كتابته لأمة أخرى تعيش الحاضر وقيمه، فصياغة دستور بواسطة القوى والتيارات السياسية الحالية، وفي غياب رؤى مستقبلية واضحة وحداثية بحق، يجعل الصياغة تحصيلا حاصلا، ولن ينتج إلا دستور عاجز عن نقل مصر حضارياً، وإلى واقع عالمي عجزت طوال عقود وربما قرون عن الانتماء له، بل وناصبته العداء، باعتبار الحضارة المعاصرة تهدد بسلب هويتنا، ولا تتناسب مع خصوصيتنا، تلك التي نراها فريدة، مما يستدعي الحرص عليها، بأكثر من حرصنا على حاضرنا وعلى مستقبل أولادنا وأحفادنا. ويقول ان من الضروري تنحية أي تأثير لرجال الدين، بكل تياراتهم، على عملية صياغة الدستور لكي لا يجهض أهم ما تحقق في 30 يونيو، وهو السعي نحو تأسيس دولة علمانية، فما قد يعجز هؤلاء المتعصبون عن تحقيقه بخناجرهم ومتفجراتهم، يمكن أن يحققوه بتواجدهم ضمن لجنة الصياغة، حتى لو كان فردا واحدا. فبدون «الفرز» و«التطهير» يتحول الوطن لساحة من النفايات تسعى فيها العقارب والثعابين. ألم تطارد إيطاليا المافيا، وتطارد أميركا كوكلوكس كلان، كما يطارد العالم كله الآن تنظيم «القاعدة»، فلماذا يحرم على الشعب المصري وحده تطهير صفوفه بدعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها سموم قاتلة؟ ويقول الزميل ان العالم الغربي أضر بقضية الحداثة في مصر أبلغ الضرر، فرغم أياديه البيضاء على الإنسانية بعامة، وعلى الدول المتخلفة كمصر، فإن شيوع أيديولوجية العروبة والإسلام السياسي، بما جلبا من نظرية المؤامرة، شاع تصور شيطنة الغرب، وكان أمل المستنيرين في المنطقة مجيء فجر الحقيقة، لتتجه بالشعوب نحو قبلة الحضارة الغربية الإنسانية، مخلفة وراءها مستنقعات التخلف، أما وقد اختارت إدارات العالم الغربي تقمص دور الشيطان في مواجهة الشعب المصري، فلا حيلة لنا نحن دعاة الحداثة إلا أن نرفع راية الاستسلام، مؤقتاً على الأقل، وأن نحارب الإرهاب وحدنا متحدين إرادة السادة القابعين في سائر العواصم الغربية. وبمشاركة فصائل الإسلام السياسي في العملية السياسية، نتجه للوضع السابق نفسه، وهو وضع «اللاحسم»، لتبقى مصر تتأرجح مكانها دونما قدرة على التقدم للأمام، أو التقهقر لغياهب عصور التخلف. ومشاركة المتخلفين مرفوضة حتى لو تعهدوا بالتزام الديموقراطية والمواطنة، فهذا قول غير معقول، وهم لن يتخلوا عن أفكارهم الجهادية ابدا! ومن يقل غير ذلك فهو يخدع نفسه قبل أن يحاول خداع أو تضليل غيره. فالخلاف يتعلق بوظيفة الدولة، فالقوى المدنية ترى أنه عليها تنظيم العلاقات بين المواطنين، أما الدولة الدينية فترى أن الدولة عليها الاهتمام بكل شيء من آداب دخول المرحاض إلى اشتراطات دخول الجنة! تلك هي المشكلة وليس مجرد الخلاف حول الديموقراطية وتبادل السلطة وما شابه.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

«كوداك» والكويت

“>
أسس جورج إيستمان شركة كوداك في ولاية نيويورك عام 1888، وهي الفترة التي تقارب بدايات الكويت ككيان شبه مستقل! وكما ارتبط اسم الكويت بالنفط، عرف العالم التصوير الفوتوغرافي من «كوداك»، التي بلغ نجاحها أوجه خلال كامل القرن العشرين، عندما بلغت حصتها %89 من السوق الأميركية فقط في مجال أفلام التصوير والتحميض والطبع وغيرها من صناعة مختلف أنواع الكاميرات والأفلام الحساسة. وبدأت متاعب «كوداك» مع بداية انخفاض مبيعاتها وبطئها التقني في التحول للديجتال، أو النظام الرقمي أو الإلكتروني، وغيرها من التطورات الأخرى ككاميرات الهواتف النقالة، ودفعها عجزها عن التطوير وتنويع دخلها، وفشلها في مواكبة متطلبات السوق والتخلص من فائض العمالة ونفقاتها الهائلة، لأن تطلب من الحكومة في عام 2012، وبعد 124 سنة من تأسيسها، حمايتها من دائنيها! واضطرت مؤخرا لبيع حقوق مجموعة من اختراعاتها بمبلغ 525 مليون دولار لمجموعة من الشركات، وهذا زاد من ضعفها. وقد تستمر «كوداك» كشركة، ولكن لا يمكن أن تعود لسابق وضعها، فقد تآكلت أصولها وأصبحت عاجزة عن مواكبة متطلبات العصر!
ولو نظرنا لوضع الكويت الاقتصادي، التي تعتمد في الحصول على كل احتياجاتها، من ماء وغذاء وكساء، على مورد واحد قابل للفناء، لوجدنا أن وضعها يشبه وضع «كوداك». فالعجز عن تطوير الدولة وتحديثها، والاعتماد الكلي على التقنيات القديمة، والفشل في استثمار الفوائض النقدية بصورة سليمة، ستكون له عواقب وخيمة، ويجب تلافي ذلك والتعلم من دروس كوداك ونوكيا وغيرهما من قصص الاعتماد على مورد واحد!
• • •
• تقول القارئة «م» إنها ترى يوميا عمال النظافة وهم يجمعون القمامة من أمام بيتها وبيوت الآخرين، ويكنسون الشوارع، وعلامات الإرهاق بادية على وجوههم المتعبة وظهورهم المحنية من ظلم الزمن، فهم محرومون من كل شيء تقريبا، وفي الوقت نفسه يروننا ونحن نرتدي أفخر الثياب ونقود أفضل المركبات، ونتناول أحسن الطعام ونتسوّق من أكبر المتاجر، ونتزاور ونضحك ونمتلك كل وسائل الراحة، وننام على أسرّة وثيرة ونجلس على أرائك مريحة ونعيش حياة ترف ورخاء، وأصوات المكيفات تسرّ خواطرنا وهي تبث الهواء المنعش علينا في كل زاوية! وتستطرد «م» قائلة إنها ترى أن نظرات العاملين في الشارع لنا تنمّ، ربما، عن حقد وربما عن كره قاس! فالبعض منا يبخل عليهم حتى بكلمة حلوة، وآخرون لا يفكرون بإعطائهم شيئا من فائض طعامهم، وغيرهم يأكل حتى رواتبهم، وآخرون يلفقون التهم لهم لكي يرحلوهم لبلادهم من دون إعطائهم كامل حقوقهم. وقالت إن منظرهم يذكّرها بقطة كانت تربيها، وأن القطة لم تكن تجرؤ على تخطي عتبة البيت، وفي يوم خرجت من عندهم من دون أن يحس بها أحد، وبعد فترة عادت وهي تئن من آلام الجروح تملأ وجهها، ويبدو أنها دخلت في «صراع» غير متكافئ مع قطط الشارع، التي شفت غليلها منها وانتقمت لنفسها، لأنها كانت دائمة الإطلالة عليها، من وراء شبابيك البيت، ساخرة من شقاء عيشها، ونعيم حياتها! وتتساءل «م»: هل يا ترى لو سنحت الفرصة لهؤلاء العمال لينتقموا منا، مثل ما فعلت قطط الحي بقطتها، سيفعلون ذلك، أم أن «آدميتهم» ستمنعهم من ذلك، خاصة أن أوضاعنا متخلخلة واقتصادنا غير مستقر ولا نعرف ما ينتظر أحفادنا من مستقبل؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

جيل طيب الأعراق

“>

ربما لم يكرر شعب، كالعرب، ما قاله الشاعر المصري حافظ إبراهيم في بيت شعره، أو ما يشابه ذلك في اللغات الأخرى:
«الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق»!
ولم نكتف بترداد البيت في كل مدرسة ومناسبة، بل سعينا لأن نجعل من المرأة كيانا مسحوقا وشخصية قليلة المعرفة بحرمانها من تنسم الحرية ومن تلقي المعرفة، وبالتالي افقدناها الكرامة عنوة، والنتيجة ما نشاهده اليوم من تخلف ودمار وحرق وقتل وتنكيل على أيدي من ربتهم، أولئك النسوة العاجزات! فالمرأة لم تكن يوما، لدى الغالبية الساحقة من شعوبنا، العربية والإسلامية غير عورة، حتى أن الكثير من الشعوب الإسلامية تطلق عليها «أورت»، المشتقة من العورة! كما أن ما نواجهه يوميا من مظاهر التخلف في كل مجال، وما نراه من حروب أهلية، وما نكتوي به من حرائق طائفية وجرائم إرهابية في العشرات من دولنا ما هو، وإن بطريقة غير مباشرة، إلا نتيجة لسوء إعدادنا للمرأة الأم، وعدم اهتمامنا بحاجاتها الإنسانية وحقوقها البشرية، وغلق الأبواب عليها، ومطالبتها بعد كل ذلك بأن تعد شعبا طيب الأعراق! فلو بحثنا في خلفيات أسر كل هذه الجيوش الصغيرة من الإرهابيين، وآلاف الشباب المستعدين لتفجير أنفسهم في مساجد غيرهم، والموت في سبيل أوهامهم، لما وجدنا غير أسر بأم غائبة أو مغيبة، لا تفقه من الدنيا شيئا بعد أن حرمها الزوج أو الأب أو الأخ من أبسط حقوقها، انسجاما مع خائب مفاهيمهم! وبالتالي ما نراه اليوم هو حصاد التربية الغائبة، والقدوة البائسة ونظم التعليم المتخلفة. فمجتمع يرفض حتى خروج المرأة من البيت، لغير بيت زوجها أو القبر، مجتمع لا يمكن أن يخرج غير الإرهاب والخراب. فأبو قتادة وأبو سلام وأبو حمزة وقادة جبهة النصرة ومن على شاكلتهم هم نتاج التربية الفاشلة، بغياب الأم أو بحضورها، تلك المحرومة من أبسط حقوقها، والعاجزة بالتالي عن أن تعطي لغيرها ما تفتقده.
تسرد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في سيرتها الذاتية «رحلة جبلية رحلة صعبة»، ما عانته، وهي في مقتبل العمر، من ظلم الأب وعجز الأم وقسوة الأخ، وكيف فرضت عليها الإقامة الجبرية، وهي في سن المراهقة، وكيف منعت من الخروج من البيت، وحرمت من المدرسة، أو لقاء أحد واقتصر عملها، وهي بنت العائلة المعروفة، المملوءة أملا وشغفا بالحياة، على خدمة إخوتها الذكور والعمل شبه خادمة في البيت، مجبرة على تناسي أحلامها كإنسانة، وأن هذا الحظر وتلك العزلة حطماها ودفعاها مرات للتفكير في التخلص من حياتها، بعد ان اصبحت تخجل من نفسها وتسير مطأطأة الرأس من الذل، فقد كانت تعامل من ابيها وكأنها غير موجودة، فهو لا يخاطبها بل يطلب من امها أن تطلب من «البنت» أن تفعل كذا وكذا! ولولا أن انتبه لها أخوها الشاعر إبراهيم طوقان ورعاها في مرحلة شبه متأخرة، لما سمع العالم بها، وكل ذلك لأنها تجرأت يوما، وهي مراهقة صغيرة ان تحادث صبيا في مثل عمرها، فكان الشك والحرمان والحبس! حدث هذا في نابلس الفلسطينية في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي، فكيف كان حال غيرها من مدننا وقرانا العربية الغارقة في الظلام منذ قرون وقرون؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

ريادة القبس في الجديد

“>
اللغة، كأي كائن، تُولَد وتتطور وتكبر وتشيخ، وأحيانا تموت، وهذا ما أصاب الكثير من اللغات التي اندثرت كالآرامية والنبطية وغيرها. ولو نظرنا للمخطوطات العربية القديمة، وما تبقى من رسائل النبي لملوك فارس والروم، لصعبت علينا قراءتها! والأمر يسري على النصوص القرآنية السابقة للتنقيط، ويمكن القول إن اللغة العربية القديمة لا تشبه لغة اليوم، كما أن اللغة السائدة بين بدو صحراء الجزيرة والعراق تختلف عن العربية السائدة في المدن. ولو راجعنا علم اللغات Philology، لوجدنا أن الروايات تتعدد في ما يتعلق بنشأة العربية، أو أية لغة أخرى، ولكن ليس من الصعب اكتشاف أوجه التشابه بينها وبين لغات سامية أخرى. ويعتبر السويسري فرديناند دي سوسور Ferdinand de Saussure المرجع الأقدم في مجال اللغات، وواضع قواعدها. وبالرغم مما يدّعيه بعضهم من صمود اللغة العربية في وجه التغيير، فإن من المعروف أن كتابة الأحرف العربية وطريقة نطقها قد خضعت لتعديلات عدة على مر العصور، وخضعت في مرحلة ما لعملية تنقيط «ثورية». وقد أدى دخول المزيد من غير العرب في الإسلام ومحاولتهم تعلم العربية وقراءتها لخلق المزيد من غموض اللغة لعدم وجود حركات علة فيها، وكمثال كلمة «كتب» فهي تعني كَتَبَ وكُت.بَ وكُتُب، وكان لأبي الأسود الدؤلي دوره هنا. وجاء بعده من أضاف علامة للتنوين. وزاد أهل المدينة علامة التشديد، فجعلوها قوسين، ووضعوا نقطة الفتحة داخل القوس، وغير ذلك من إضافات. وزاد أهل البصرة السكون، فجعلوه شرطة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه. ثم قام الفراهيدي في العهد العباسي بتغيير رسم الحركات، ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام. كما نشأت بعض علامات اللغة العربية بسبب اختلاف قراءة القرآن بين نطق لهجة أهل مكة، حيث وجد القرآن، والعربية التقليدية، وتلك العلامات تتضمن التاء المربوطة والألف المقصورة أو الياء المهمَلة (ى) وغيرها. كما يفرق بعض الفقهاء بين الهمزة والألف، وهم يعتبرون عدد الحروف 29 حرفاً وليس 28! من كل ذلك نجد أن تطور العربية لم يتوقف يوما. ومع دخولنا العولمة واستخدامنا مئات الكلمات غير العربية، التي أصبحت جزءا من ثقافتنا ولغتنا اليومية، وبما أن الكثير من هذه الكلمات التي نستخدمها بكثافة، خاصة أسماء المدن والأشخاص تتضمن حروفاً لا توجد في لغتنا، فإن هذا يدفع الكثيرين لنطق تلك الكلمات بطريقة غير دقيقة، ومضحكة أحيانا. كما أن عدم وجود حرف صحيح يمكن به كتابة اسم مدينة كـ Agra الهندية مثلا، فإننا نجد بعضهم يكتبها «أجرا» وآخرون «أكرا» وغيرهم «أغرا»، وهكذا، وجميعها لا تعطي اللفظ الصحيح، وبالتالي يتطلب الأمر إدخال بضعة حروف على المطبعة العربية، لكي يمكن كتابة مثل هذه الكلمات بطريقة سليمة، وهذا سيزيد من ثقافتنا ومن فهم الآخرين لما نريد قوله! وهنا نطالب القبس، بما عُرف عنها من ريادة، أخذ زمام المبادرة، والبدء باستخدام بعض الحروف الجديدة خاصة مثل: الـ«پ» والـ«گ» والـ«» والـ«چ». علما بأن بعض صحف لبنان وشمال أفريقيا تستخدمها في مقالاتها. كما أن مطابع القبس مزوَّدة بها، فقد استخدمتها في كتاب القبس الأخير «80 يوماً حول العالم»! للإشارة لبعض الأسماء والمدن.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com