احمد الصراف

كلام كاكو

يقول عالم الفيزياء الاميركي ميشو كاكو Mishio Kaku إن من الصعب حصر ما قدمه علم الفيزياء للبشرية، فالتلفزيون والراديو والليزر وألواح الترانزستور والكمبيوتر والانترنت والشبكة العنكبوتية والرادار والميكروويف واجهزة الام آر. آي. والسي. تي. سي الطبية وأشعة اكس وغيرها، بحيث يمكن تتبع جذور كل شيء تقريبا تقع عليه العين في المكتب او المصنع او البيت أو في المستشفى ونسبته للفيزياء. ويقول كاكو إن علم الفيزياء ضروري لمعرفة المستقبل، فقبل ظهور اسحاق نيوتن وقبله غاليليو كنا غارقين في بحور من الخرافات والأوهام، وكان كل شيء يبدو غريبا وغامضا. وكان سؤال نيوتن المتعلق بما أن التفاحة تسقط من الشجرة فلم لا يسقط القمر، مفتاحا لفك الكثير من أسرار الأرض والكون، والجواب جاء ليفك جهلا استمر لآلاف السنين! وقال كاكو إن الانقلاب الحقيقي في العلم الحديث بدأ مع زيارة الثري البريطاني ادموند هيلي لعالم الفيزياء والرياضيات نيوتن (1643 – 1727) في مكتبه بجامعة كيمبردج، وسؤاله عن سبب عدم وضع نظرياته في كتاب، فأخبره نيوتن بضعف حالته المادية وأن الأمر مكلف، فعرض هيلي تمويل جهود الكتابة والنشر. وهكذا تعرف العالم على كتاب المبادئ Principia، أعظم كتاب علمي في تاريخ البشرية على الاطلاق، والذي يُعتبر النواة الاولى للطفرة العلمية الفيزيائية والرياضية التي اعتمد عليها سائر العلماء والفيزيائيين والرياضيين فى جميع اكتشافاتهم واختراعاتهم العلمية الى يومنا هذا. وقد وضع الكتاب باللغة اللاتينية في حينه لتجنب جدال رجال الدين حوله، لأن التفسيرات العلمية التي وضعها عن حركة الكون وتحليل الظواهر الميكانيكية الطبيعية، وقواعد فيزياء الكون وتفسير القوى وراء حركة النجوم والكواكب، والتي مهدت تاليا لاختراع الطائرات النفاثة وانتاج الصواريخ والمدافع والأسلحة الحربية المختلفة وبناء ناطحات السحاب وغيرها الكثير، كان يمكن أن تسبب له الكثير من المشاكل، مع رجال الدين بالذات، لأن مواد كتابه تعارضت تماما مع قناعات الجهلة يومها، وربما الى يومنا هذا… في مناطقنا!
وقد وصف عالم فرنسي شهير نيوتن بأنه كان محظوظاً مرتين، الأولى لامتلاكه قدرة هائلة على اكتشاف أساس الكون فيزيائيا، والثانية أنه لا يُمكن أن يكون له منافس أبداً، فليس هناك كون آخر يمكن اكتشافه وتفسير حركته!
محاضرة البروفيسور كاكو شيقة ويمكن الاطلاع عليها من خلال الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=0NbBjNiw4tk 

أحمد الصراف

احمد الصراف

أيام النور.. أيام الظلام

وصلت بعثة الإرسالية الأميركية، التبشيرية، إلى الكويت عام 1911، وكان على رأسها القس كالفرلي. وبعدها بعام التحقت به زوجته، الدكتورة اليانور، حيث عاشا في الكويت قرابة 20 عاماً، مارست خلالها اليانور دورها كطبيبة نسائية في مستشفى الارسالية، ونجحت في تخفيف آلام آلاف النساء، وإنقاذ حياة الكثيرات غيرهن، وربما تكون اليانور أول طبيبة ممارسة في تاريخ الجزيرة العربية.
عادت أسرة كالفرلي لوطنها عام 1932، حيث دفعت اليانور كتاباً عن تجربتها كطبيبة في الكويت القديمة، وقد أوردت الصديقة رباب خاجة مقطعا منه على موقعها الإلكتروني، تعلق بما أوردته اليانور عن أحد احتفالاتهم في الكويت بعيد الكريسماس، وما كانت تضفيه المناسبة من سعادة على أسرتها الصغيرة، خاصة عندما يأتي الأصدقاء محملين بالهدايا لوضعها تحت شجرة الميلاد. وتصف، بشكل مسهب، وصول حاكم الكويت وقتها، الشيخ أحمد الجابر، والد سمو الأمير الحالي، بسيارته الليموزين إلى مكان الاحتفال مع حرسه، وتصف ما كان يرتديه من ملابس قشيبة تليق بمقامه وبالمناسبة، وكيف استقبلوا سموه بحفاوة بالغة، وما غمرهم به من فيض محبته عندما قدم لهم التهنئة بالعيد قائلا، وسط دهشة الجميع، «ميري كريسماس»!
وتصف كيف عبق المكان برائحة الطيب الذي جلبه الشيخ الكبير معه، وكيف اجتمعوا حول شجرة الميلاد بأضوائها الجميلة، ليستمعوا لأغاني العيد المجيد، وكيف انتهت المراسم الدينية البسيطة بعدها، من دون أن يشعر الضيوف غير المسلمين، بأنهم خالفوا عقيدتهم بحضوره المناسبة، فهم يؤمنون بمعجزة ميلاد المسيح من أمه مريم العذراء. ثم تستطرد اليانور في وصف الطريقة التي قدمت فيها إحدى بناتها هدية لضيف الشرف الكبير، سمو الشيخ أحمد، التي كانت عبارة عن علبه من «حلو التين»، وكيف ان سموه وضع يده في جيبه وأخرج علبة قدمها لها، وكيف حبس الجميع أنفاسهم أثناء قيام الفتاة بفتح العلبة لمعرفة ما قدمه الشيخ لها، وتبين أن العلبة احتوت على مائة من حبات اللؤلؤ الثمينة!

***
بعد هذه الحادثة الجميلة بنصف قرن، وإثر خلاف واختلاف على أمور هامشية، قامت وزارة الداخلية بالطلب من فنادق الكويت كافة ضرورة حصولها على موافقتها وموافقة وزارة الإعلام في حال رغبتهم الاتفاق مع أي كان لإقامة حفل غنائي أو حتى لعزف بيانو لساعة في ردهة الفندق. وحددت صلاحية التصريحين بشهر واحد فقط، مما يعني أن على الفندق المعني مراجعة الجهتين 24 مرة في العام، لتنفيذ عقد عازف واحد، وهكذا مع غيره وغيره! ولهذا يندر أن نجد من يقوم بالعزف على اية آلة في اي من ردهات فنادق الكويت! الطريف، أو الخبيث، في الموضوع أن ذلك الترخيص الشهري السخيف يصبح شيئا آخر في شهر ديسمبر، حيث ينتهي مفعوله في الــ23 منه، ولا يجدد إلا اليوم الثاني من السنة الجديدة، وسبب ذلك معروف، وهو نكاية بالمسيحيين بحرمانهم من سماع نغمة موسيقية واحدة في أي صالة خلال فترتي الكريسماس ورأس السنة!
فهل هناك يا معالي وزيري الداخلية والإعلام لؤم وخبث أكثر من ذلك؟ أوَلا يحتاج الأمر لالتفاتة كريمة منكما، وإلغاء هذا القرار، الذي لا يعرف أحد متى وكيف صدر، والمسيء جدا لسمعتنا، كدولة وكمواطنين؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الدين والعلم والأخلاق

بينت دراسة قامت بها «جامعة كاليفورنيا، سانتاباربرا» أن الأشخاص الأكثر ميلا للعلوم، او المشتغلين بها، يتمتعون، بشكل عام، بحس أخلاقي أكثر من غيرهم من غير المهتمين بالمواد العلمية المنطقية، أو أولئك الأكثر تدينا! وقالت ان العلوم تحث، وإن بطريقة غير مباشرة، على التمسك بالأخلاق أكثر مما يحث الدين، كما كان ولا يزال يعتقد الكثيرون! وبالرغم من أن هناك ما يثبت صحة هذه النظرية فان البعض الآخر لا يتفق معها، أو يختلف على أسبابها! فالإنسان، وفق الدراسة التي تخص أفراد وطريقة تفكير المجتمع الأميركي أكثر من غيره، بحاجة مثلا للتفكير بطريقة منطقية لكي يصبح مواطنا صالحا، وذا خلق، ويتجنب مخالفة القانون. ولكن شروط التفكير المنطقي لا تتوافر بالضرورة لدى الجميع! ففي الوقت الذي نجد فيه أن المتدين عادة ما يتبع نوازعه المتأثرة غالبا بتعاليمه الدينية، ويتصرف على أساسها، حتى لو تطلب الأمر اقتراف أسوأ الجرائم، نجد في الجانب الآخر أن المهتم أو المنشغل أكثر بالعلوم يميل أكثر لأن يتصرف بطريقة اقرب للمنطق، وبعيدا عن سابق موروثاته، وبالتالي نجده مدفوعا للتصرف بأمانة أعلى أو خلق أفضل! فهو مثلا على غير استعداد للسرقة ليس لأنها مخالفة للتعاليم الدينية، بل لأنها غير مقبولة اجتماعيا وتضر به وبغيره، ويعتبر تصرفه هذا نابعاً من منطق محدد، وليس لأن التعاليم تنادي بعدم السرقة! فهذه التعاليم قد لا «تمانع» مثلا قيام الفرد بسرقة الكفرة وأتباع الديانات الأخرى! وهنا نرى أن الأكثر تدينا، عندما لا يقدم على تصرف غير مقبول فإنه يضع عادة عوامل مختلفة في حسابه. فهو لا يسرق لأن السرقة منافية للدين، ولكنه لن يكون بكل ذلك الالتزام ان تعلق الأمر بسرقة مال يخص عدواً، هنا قد تصبح السرقة أمرا مشروعا بالنسبة له. كما أنه يتصرف غالبا طبقا لمؤشر الثواب والعقاب، وليس لأن المنطق أو الحكم السليم يقولان ذلك، فالذي لا يقتل لأن القتل جريمة رهيبة، يختلف عن ذلك الذي لا يقتل لأن السماء تمنع ذلك! كما أن الميل للإيمان بالغيبيات يقلل من قوة المنطق لدى الشخص المتدين، وبالتالي تجعل أحكامه اقل منطقية بعكس الشخص الآخر الأكثر ميلا للعلوم الرياضية وغيرها من علوم!
كما نجد بين المتدينين من يتمتع بأعلى درجات الخلق، التي لا يمكن أن يحيد عنها إلا إذا تطلبت العقيدة منه ذلك، ولا نجد الأمر ذلك بالحدة نفسها بين المهتمين أكثر بالعلوم، فالعقيدة غالبا ما تبرر للبشر الطيبين القيام باكثر الأفعال شناعة، خاصة إن كانت قناعتهم تلك مشيئة الرب.
الموضوع مثير، وطالما كان مصدر قلق لي منذ سني المراهقة، وبالتالي بحاجة لدراسة معمقة أكثر مما يمكن ذكره، او التطرق له ضمن عمود محدود الحجم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصتي مع السفير الهندي المشبوه

يغادرنا بعد أيام سعادة ساتيش مهتا، سفير الهند العظيمة، بعد انتهاء مهمته، الذي نتمنى على حكومته أن تعين مكانه من في مستواه المهني والخلقي، فقد كان السفير مهتا أفضل سفير هندي عرفته الكويت منذ سنوات طويلة، فإليه يعود الفضل في تجذير علاقة الكويت بالهند وتجميلها، من خلال الكثير من الأعمال الرائعة التي قام بها. وبهذه المناسبة لا أجد بأسا من إعادة صياغة مقال كتبته قبل سنوات عن حادثة طريفة تعرضت لها، عندما دعيت، وما يقارب الثلاثين دبلوماسيا، لحفل عشاء أقامه الصديق محمد ميرشنت، عندما وجدت نفسي في زاوية مع سفير الهند، الذي بادرني بالسؤال عن نشاطي التجاري، ربما لأنه وجدني المواطن الوحيد في ذلك الجمع، وغير الدبلوماسي أيضا، بخلاف المضيف! قلت له بأنني كنت دائما اتوق للقاء من يشغل منصبه الرفيع لسؤاله عن السبب في هذا الاختلاف الكبير بين شعبي الهند وباكستان، بالرغم من أنهما عاشا في وطن واحد لآلاف السنين؟ وقبل أن استمع لإجابته، بادرته قائلا بأنه يسعدني كذلك أن أبين له بأن علاقتي بالهنود تعود لأكثر من نصف قرن عندما أحضر لي والدي مدرسا هنديا لتعليمي الإنكليزية، ولكني لم استفد منه كثيرا بسبب انشغالي بمباراة الكرة التي كانت تقام، في وقت الدرس نفسه في الساحة المقابلة لبيتنا. ولكني تعلمت الإنكليزية اكثر من الموظف الهندي الذي كان يعمل لدى والدي في حينها. وعندما بلغت الثامنة عشرة تقريبا، قررت ترك الدراسة والعمل في أحد المصارف، وهناك وجدت نفسي وسط عشرات الموظفين الهنود، وانني، يا سعادة السفير، والكلام لا يزال لي، تعلمت الكثير منهم، وتحسنت لغتي الإنكليزية نتيجة مخالطتي المستمرة لهم، كما نتج عن ذلك زيادة مهاراتي الوظيفية، وبالتالي تدرجت في عملي بشكل سريع بفضلهم. وبالرغم من أنني أصبحت خلال سنوات قليلة رئيسا لرؤساء من كانوا يوما رؤسائي، إلا انني، والحق يقال يا سعادة السفير، لم اجد من أحد منهم بغضا أو حسدا. كما قمت يا سيدي قبل 25 سنة بتأسيس شركة مع ثلاثة هنود ينتمون لديانات متعددة، ونجحت الشركة بفضل إخلاصهم، ولم يحدث أن أحدا من موظفي أو عمال الشركة خان الأمانة أو بدر منهم ما يسيء، طوال هذه السنوات. وسردت للسفير تفاصيل كثيرة وختمت كلامي قائلا: وهكذا ترى أن علاقتي بالهنود تمتد لأكثر من نصف قرن، كنت خلالها دائم الثقة بهم وبقدراتهم، وهذا ما لم أكن اشعر به مع ابناء عمومتهم من الباكستانيين! وذكرت له تجاربي المريرة مع بعض هؤلاء، وسوء سمعتهم، بشكل عام، وكيف ان مخالفاتهم، التي حل اليوم البنغال محلهم في ارتكابها، كانت دائما مصدر إزعاج لسلطات الأمن. كما أن جرائمهم المالية على مستوى العالم كانت أكثر من معروفة، وخاصة حادثة إفلاس بنك bcci، التي تسببت إدارته الباكستانية في خسارة أبوظبي لأكثر من 10 مليارات دولار، غير خسائر أطراف أخرى كثيرة. وسألته عن السبب في هذا الاختلاف الشاسع بين «أخلاق» الشعبين بشكل عام؟ وقبل ان يجيب رن جرس الباب وأعلن المضيف عن وصول سفير الهند! فنظرت لمحدثي وسألته عمن يكون، فقال ببرود تام بأنه سفير باكستان!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تقرير البكاء واللطم

ينتابني حزن وكمد شديدان كلما اطلعت على أي من تقارير المنظمات الدولية، ذات السمعة الجديدة، عن الكويت، فقد أصبحت على قناعة بأنها لا تحمل خبراً حسناً عن أداء حكومة وطني، والتي تعتبر بمقياسي الخاص أسهل وطن يمكن إدارته، على مستوى العالم أجمع! ولكن النتائج التي ظهرت في التقرير الأخير لـ«التنافسية العالمي» لعامي 2014/2013 تجاوزت أكثر توقعاتي سوداوية، علماً بأن من ساهموا في وضع التقرير معروفون بنزاهتهم وحياديتهم، ومنهم مواطنون كويتيون. شمل التقرير 148 دولة واعتمد على أن 1 يعني المركز الأول، وهكذا، ففي معيار «الهدر في الإنفاق الحكومي»، جاءت قطر 1، والكويت 102. وفي معيار «جودة التعليم الأساسي» جاءت قطر 11، والسعودية 59، والكويت 93. وفي معيار «جودة نظام التعليم العالي» جاءت قطر 4، الإمارات 15، والسعودية 39، والكويت 106! وفي جودة التعليم العالي في العلوم والرياضيات، جاءت قطر 6، الإمارات 19، والسعودية 64، والكويت 99. وفي معيار «جودة التعليم العالي في الإدارة» حصلت قطر على المرتبة 8، والإمارات 28، والسعودية 64، والكويت 92. وفي معيار «مدى تدريب العاملين»، قطر 5، الإمارات 13، السعودية 57، الكويت 94! وفي معيار «فعالية سياسة منع الاحتكار»: قطر 2، الإمارات 7، السعودية 21، الكويت 119. وفي معيار «عدد إجراءات بدء نشاط تجاري»: عُمان 30، الإمارات 47، قطر 88، السعودية 104، الكويت 129! وفي معيار قدرة البلد على الحفاظ على المواهب: قطر 1، الإمارات 6، السعودية 18، الكويت 66. وقدرة البلد على جذب المواهب: جاءت قطر 3، الإمارات 7، الكويت 45. وفي توافر الخدمات المالية: قطر 14، والبحرين 19، الإمارات 25، الكويت 75. وفي معيار الخدمات المالية غير مُكلفة، قطر 3، الإمارات 24، السعودية 26، والكويت 55. ومعيار سهولة الحصول على قروض جاءت قطر في المركز الأول، والإمارات 3، وعُمان 6، والبحرين 7، والكويت 75. وفي معيار توافر أحدث التكنولوجيا الإمارات 8، قطر 20، البحرين 26، السعودية 33، والكويت 64. وفي معيار الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التقنية: الإمارات 2، قطر 4، السعودية 8، البحرين 10، عُمان 48، الكويت 144. وفي معيار جودة مؤسسات البحث العلمي: قطر 12، الإمارات 34، السعودية 39، عُمان 71، الكويت 110، والبحرين 114. أما معيار القدرة على الابتكار، فقد جاءت قطر في المرتبة 17، والإمارات 39، والكويت 136.
ويستمر النزيف أو الخجل ليشمل عشرات المعايير الأخرى من تعاون الجامعات – الشركات في البحث والتطوير، إلى اقتناء الحكومة لمنتجات تقنية متطورة، إلى معيار توافر المُهندسين والعلميين، مروراً بحماية الملكية الفكرية، ومعيار براءات الاختراع، حتى نصل إلى معيار الدفعات غير المُنتظمة والرشى، وعبء الأنظمة الحكومية، حيث نجد الكويت دائماً وأبداً في مرتبة متدنية مقارنة بجميع «الشقيقات الخليجيات»، ولا تأتي بعدها في المرتبة غير دول بائسة سيئة الحظ لها ألف عذر وعذر في تخلفها، فما هو عذرنا؟
لمزيد من البكاء واللطم، يمكن الاطلاع على نص التقرير بالنقر على الرابط التالي:
http://www3.weforum.org/docs/WEF_GlobalCompetitivenessReport_2013-14.pdf
***
ملاحظة: لم يرد اسم «دبي» في التقرير ليس لتخلف مؤشراتها، فالعكس هو الصحيح، بل لكونها جزءاً من دولة الإمارات، وليست دولة بحد ذاتها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

السير مع فيليب

“>
قررت وأم طارق، وصديقنا فيليب السفر إلى ماربيا للالتحاق بمعهد صحي رياضي بغية التخلص مما تراكم لدينا، على مدى سنين من أوزان زائدة، وذلك استعدادا لحفل كبير نزمع القيام به. ظروف خاصة دفعت أم طارق للاعتذار عن مصاحبتنا، ربما من بينها رشاقتها، مقارنة بوضعينا، فانطلقت وفيليب للمعهد الذي وقع الاختيار عليه، بين عدة معاهد صحية، وهناك تبين لنا أننا سنكون كالمساجين بين اسواره، كما أن شروط المعهد تتطلب خضوعنا لجلسات علاج نفسية مع «طبيب نفسيكي» أو Shrink بمعدل جلستين إلى 3 اسبوعيا، لمساعدتنا في معرفة سبب «سمنتنا المفرطة»، وتحضيرنا «نفسيكيا» لعدم العودة لها بعد فقدها! كما أن المبلغ المطلوب منا دفعه للمعهد، إضافة إلى ضرورة اعترافنا باختلالنا عقليا، سد نفوسنا من الإقدام على التجربة، وفتح شهيتنا اكثر للطعام، وكل هذا دفعنا لأن نسأل انفسنا قائلين: إن تخفيض الوزن بحاجة لإرادة قوية للامتناع عن عادات تناول طعام وكسل اعتاد عليها طوال عقود من الزمن، فإن كانت تلك الإرادة موجودة لدينا فما الفرق بين المكوث داخل «أسوار» المعهد الصحي أو في الخارج؟ وهل نحن بحاجة فعلا لكل هذه المعاناة وهذا الصرف؟ ولم لا نعتمد على أنفسنا؟ وهكذا كان، حيث قمنا بترتيب امورنا على السكن منفصلين، وخارج محيط الفنادق، لكي لا نشجع بعضنا بعضا على الأكل أو الضعف أمام خدمة الغرف. كما قمنا بشراء كميات بسيطة من الأطعمة ذات السعرات الحرارية المنخفضة، وتعاهدنا على أن نأكل القليل ونمارس الرياضة أكثر… وبدأت رحلة التحدي مع النفس ورفض المشهيات والمغريات من أطعمة و… مشروبات! ولم يكن الأمر سهلا في البداية، ولكن بعد اليوم الثالث اصبح السير يوميا لمسافة تزيد على العشرين كيلومترا أمرا عاديا، ونجحنا مع نهاية الأسبوع في قطع مسافة تزيد قليلا على الثلاثين كلم في يوم واحد، وإن على فترات متقطعة! ولكن المتاعب سرعان ما بدأت بظهور التهابات ما بين أصابع القدمين تبعها تشقق الكعبين، وآخرها «أبو زليغه»، وبالتالي تكررت زياراتنا للصيدلية القريبة! وبعد معاناة وصبر وتعب تبين لنا أن مسألة التخلص من الشحوم التي تراكمت على منطقة الوسط، وما أدراك ما الوسط، على مدى نصف قرن، عملية ليست هينة، ودونها الجبال الرواسي، وأن السير لعشرين أو لاربعين كيلومترا في اليوم لا تعني شيئا للجسم، الذي يقوم في هذه الحالة بتحويل الشحوم لعضلات، فالجسم يرفض أن يفقد وزنه، إن لم تحرمه مما اعتاد على تلقيه من كمية طعام. وهكذا دخلنا في مرحلة حرمان أكثر وعرق اكثر وتعب أكثر وأكثر! وفي النهاية، وبعد معارك شرسة مع النفس، وقطع مئات الكيلومترات سيرا، أصبحنا نشعر بأننا أفضل صحيا، واقل وزنا، وأفضل نوما وأقوى عزيمة على الاستمرار في ممارسة الرياضة. ووصلنا لقمة صغيرة غير عالية، ولقناعة بأن «التزحلق» عنها سهل متى ما تناسينا ما تعاهدنا عليه من ضبط النفس، وهنا مكمن الصعوبة والتحدي الحقيقي. ننهي المقال بالقول ان ممارسة الرياضة اكثر من مهمة لاي شخص وفي اي سن، والأهم من ذلك مراقبة ما نضع في جوفنا من طعام، كما وكيفا!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

نحن وآباؤنا الأولون

“>
عندما نمرض فإن ايمان الغالبية بقوة العلم والطب الحديثين لا يتزعزع، ونمتلئ أملا بأن من يشرفون على علاجنا، وخاصة ان كانوا غربيين، لديهم ما يكفي من المعرفة والمهارة لتحقيق الشفاء لنا من خلال معارفهم، ونضع كامل ثقتنا بهم، ونسلمهم اجسادنا ليقطعوا ويوصلوا بها كما يشاؤون من دون احتجاج او تذمر. كما نركب طائراتهم وقطاراتهم السريعة من دون خوف تقريبا، وكلنا ثقة بان العلم الحديث جعلها أكثر امانا من الخيل والجمال. وأحيانا تضطرنا الظروف لوضع ايدينا وحتى رقابنا أو كامل أجسادنا داخل أجهزة مخيفة، ونحن على ثقة بأن من صممها، جعلها آمنة بما يكفي. ولكن الغريب أنه عندما يحدثنا هؤلاء انفسهم، الذين وقفوا وراء كل هذه العلوم والاختراعات، التي طالما آمنّا بقدراتها، ويبدأون بالتحدث بما يخالف البعض من أفكارنا، فاننا سرعان ما تصيبنا حالة من الهياج، ويتقمصنا «الانكار» ونرفض ما يقولونه، ولو كان مدعوما بالعلم! وسبب ذلك أننا لا نرحب بمن يكلمنا فيما يخالف ما تعارفنا عليه، او التطرق للمسكوت عنه.
يقول العلم، وهو العلم نفسه الذي قبلنا بأن ينقلنا من خلال جسم معدني طائر على ارتفاع أكثر من 40 الف قدم، وبسرعة تقارب سرعة الصوت، يقول في بحث حديث بأن كل ذكر يمكن تتبع أصوله لذكر محدد، هو الأصل، ويمكن تتبع الأنثى بحيث نصل لأول امرأة على هذا الكوكب، وأن وجود الانسان الأول، الذي هو على شاكلتنا الحالية تماما، يعود لـ 135 ألف عام فقط. وورد في البحث الذي نشر قبل ايام في journal Science، ومن واقع أكثر التحليلات دقة لكروموسوم الانسان، عن وجود فارق زمني فصل بين وجود الرجل ووجود المرأة، وانهما لم يتواجدا في المكان نفسه، دع عنك تزاوجهما! وبالتالي يعتقد انه لم يعرف أحدهما بوجود الآخر، الا بعد فترة. ويؤمن العلماء الباحثون في اصل الانسان أن الرجل العصري، الذي سبقه بشر مختلفون عنه في الهيئة والمعرفة، ترك أفريقيا قبل 60 الفاً الى 200 ألف سنة. وأن الأنثى تركتها من مكان مختلف. وورد في البحث أن خلية الانسان تحتوي على 46 كروموسوما، كما هو معرف، وأن كروموسوم Y في الرجل، تم توارثه من جيل لآخر من دون تغيير، يمكن تتبعه حتى الأب الأول. اما في حالة الأنثى فانه يمكن تتبع جذورها من خلال الـ«دي ان أي» DNA، الذي تنفرد به لوجوده في البويضة، والذي تقوم المرأة فقط بتمريره من جيل لآخر، والطاقة المحفوظة داخل هذا الـ«دي ان أي» هي التي توصلنا للأم الأولى لجميع اناث البشرية!
البحث شيق ومكثف ويتضمن الكثير من التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن اختصارها في هذا الحيز الضيق، ويمكن قراءة المزيد عنه بالنقر على الرابط التالي:
http://www.ancient-origins.net/news-evolution-human-origins/genetic-adam-eve-study-links-all-men-man-who-lived-135000-years-ago
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

بيت هنا وبيت هناك

بيّن بحث طريف أن دول المنطقة التي تستقدم القوى العاملة من الخارج، لحاجتها الماسة لها للقيام بأداء مختلف الأعمال، من صناعية وفنية وخدمية، تفضل الفلبينيين مقارنة بغيرهم. ويبلغ عدد الفلبينيين الذين يعملون خارج وطنهم، أو يقيمون هناك بصورة دائمة، أكثر من 10 ملايين، منتشرين في أكثر من 45 دولة، بينها الهند واندونيسيا، وهما دولتان مصدرتان للعمالة أصلا! وسبب أفضلية الفلبينيين على غيرهم عائد لعوامل عدة، منها دماثة أخلاقهم ومعرفتهم باللغة الإنكليزية، مقارنة بغيرهم، وتوافر مهارات لدى نسبة كبيرة منهم بسبب ما سبق ان تلقوه من تدريب تقني في وطنهم. ويشكل وجود هذا العدد الكبير من العمالة في الخارج ثروة قومية لاقتصاد بلادهم، حيث تبلغ تحويلات الفلبينيين السنوية اكثر من 22 مليار دولار. والطريف أن اليونان، التي تعاني من أكبر ضائقة مالية ضمن الاتحاد الأوروبي، يوجد فيها رسميا 40 ألف فلبيني! كما يعيش ويعمل في الهند اكثر من ألف فلبيني، وفي إيطاليا 250 ألفاً، وفي اليابان 370 ألفاً، وقرابة المليون في أندونيسيا. وفي المكسيك وبعض دول أميركا الجنوبية يعيش ويعمل 250 ألفا، وهناك مليونا فلبيني في دول الشرق الأوسط، و175 ألفا في سنغافورة، وما يقارب ذلك في كوريا! وبالرغم من أن جميع دول العالم تشجع مواطنيها على الاتجاه للعمل في الخارج، إلا أن المصادر المعروفة للقوى العاملة غالبا ما تأتي لمنطقتنا من الهند وبنغلادش وسريلانكا واندونيسيا ونيبال، إضافة إلى الفلبين، وهذه الأخيرة مع الهند توفران شروط عمل افضل لمواطنيهما مقارنة بالدول الأخرى، وتسعيان لدى الحكومات المعنية لحفظ حقوقهما.
ويمكن القول، بشكل عام، ان من يتغرب للعمل في الخارج، وبالذات في وظائف متواضعة، فإنه يهدف لتحقيق أغراض ثلاثة، اولها خلق دخل يعيل به اسرته. توفير مساحة عيش أكبر لعائلته، عندما يتركها ليعيش في الخارج، وتقليل عدد الأفواه التي تطلب طعاما كل يوم، لانتقال مسؤولية الإيواء من أهله لصاحب العمل الجديد. وحيث ان من استخدم هذا الشخص ميسور أكثر منه، فمن الطبيعي الافتراض بأنه سيوفر له مساحة سكن أكبر وطعاما أفضل، ومعيشة أكثر إنسانية ممن كان يحصل عليه في وطنه، ولكن يحدث في أحيان كثيرة عكس ذلك تماما، وبالتالي نسمع بحالات الانتحار التي يقدم عليها عامل أو خادمة، أو إقدام بعضهم على الانتقام، بالقتل وغيره، من مخدوميهم، كما حدث لدينا وفي دول مجاورة، وغالبا نتيجة سوء المعاملة غير الإنسانية التي يتلقاها هؤلاء. وقد نشر خبر في القبس، (9/7) يتعلق بإقدام وافد آسيوي على الانتحار شنقا في الزريبة (الجاخور) التي كان يعمل بها في منطقة الجهراء، وهو لم يتجاوز الـ28 من عمره!! وبالرغم من تكرار وقوع مثل هذه الجرائم الإنسانية، إلا أن ايا من «أساتذة» جامعة الكويت، من الاجتماعيين، لم يحاول يوما دراسة سبب تكرار حالات انتحار هؤلاء، والسبب الذي يدفع إنسان لترك وطنه لضيق معيشته وقلة طعامه، ليأتي لمكان اعتقد أنه سيجد فيه مكانا يخلد فيه للنوم وطعاما يتناوله، واجرا يتقاضاه، فلم يجد غير ظروف تدفعه للتخلص من حياته هربا من عذابه! فما هذا الظلم الذي جعل من حياة عامل بسيط في دولة متخمة بالمكان والطعام والمال، لأن تكون جحيما؟
ومع كل ما يقترفه البعض من جرائم إنسانية بحق هؤلاء يوميا، إلا أن عدد دور العبادة عندنا في ازدياد، ومستوى اخلاقنا يتجه عكس ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أسوأ العادات وأقبح التقاليد

“>
يتجاوز وقت بعض الرحلات الجوية أكثر من عشر ساعات، يجلس المسافر، خلال أغلب وقتها، وحزام الأمان يلف نصف خصره، ساكنا قابلا بوضعه المستكين، ولكن ما ان تلمس إطارات الطائرة الأرض، وقبل ان تبدأ المضيفة بالترحيب بسلامة الوصول، والطلب من المسافرين البقاء في مقاعدهم وإبقاء الأحزمة مربوطة، وعدم تشغيل هواتفهم النقالة، حتى توقف الطائرة تماما، وإطفاء إشارة ربط الأحزمة، حتى تبدأ، وقبل أن تنهي المضيفة كلماتها، بسماع ورؤية من يتصرف عكس تعليماتها تماما، حيث يتعالى صوت فك الأحزمة ويستمر رنين تشغيل الهواتف النقالة، ويرتفع صوت إعلام الأهل والمستقبلين بسلامة الوصول! ويبالغ البعض أكثر ويقوم من مقعده، بعد التخلص من حزام الأمان «غير الضروري» ويبدأ بتنزيل حقائب يده من الخزائن العلوية، ويأخذها لينتقل لكرسي أقرب للباب، أو يقف، (كالأهبل) في ممر الطائرة، وكأنه إن لم يغادرها قبل غيره فقد تكون تلك نهايته! والغريب أن هذه الظاهرة تتزايد في طائراتنا في دولنا، وتكاد تنعدم في طائرات الدول المتقدمة!
تقول بدرية درويش في تعليق لها على هذه الظواهر الطفولية، التي تدل على انعدام النضج، انها لا تعرف حقيقة سبب كل هذا التسابق للخروج من الطائرة، فور هبوطها، فهل يتعلق الأمر بشيء لا تعرفه، أم هي للنجاة بالنفس، قبل انفجار الطائرة مثلا؟ فمن المعروف ان الجميع ستتاح له فرصة مغادرتها، كما قد تكون هناك حافلة لنقل الركاب، هذا غير طابور حاجز الجوازات وضرورة الانتظار أمام سير الحقائب، وكلها تجعل محاولة الخروج من الطائرة قبل الغير مسألة سخيفة جدا وغير ذات معنى، فكل هذا التدافع سيتبعه انتظار في نقطة أو اخرى. وتقول بدرية بأنها سرحت في أفكارها يوما، وهي لا تزال في مقعدها في الطائرة، بانتظار دورها للخروج منها، وفكرت بأننا إذا كنا بكل هذا العجز للقيام بفعل منظم بسيط، وهو الخروج من الطائرة حسب أولوية ترتيب مقاعدنا، فكيف بإمكاننا اللحاق بالأمم المتقدمة والتنافس معها؟ وإن كنا بهذه السرعة في الخروج فلماذا نفشل في مسابقات الجري؟ أليس مطلوبا منا أن نتعلم اولا كيف نقف في الطابور، وأن نتناسى «أنانيتنا» التي قد لا تفيدنا ابدا، قبل أن نتعلم كيف «نسيطر» على الأمم الأخرى؟ ولماذا يشعر بعضهم، أو يعتقد أن الوقوف في الطابور أمر مهين لكرامته؟ خاصة ان الحياة العصرية اصبحت طابورا في طابور، وليس في المسألة أفضلية لمن خرج من الطائرة قبل غيره، بل الجهل بعينه! وخلصت بدرية إلى القول بأننا عندما ننجح في الوقوف في الطابور، وهذا ما تحدانا للقيام به مرة أحد زعماء إسرائيل، فإن بإمكاننا أن نفعل أشياء عظيمة وجميلة أكثر، وحتى ذلك اليوم علينا بقبول الجلوس في المقاعد الخلفية في صالة الأمم المتخلفة! وقد لفتت ملاحظات بدرية نظري لحقيقة ان شعب اميركا مثلا استفاد من تعدد خلفيات وثقافات مكوناته، بأن أخذ من كل مجموعة أفضل ما لديها. أما في الكويت فتعدد الأعراق والثقافات دفعنا، ككويتيين ومقيمين، لأن تأخذ كل مجموعة عرقية أو ثقافية أسوأ ما عند غيرها من عادات وتقاليد قبيحة!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

فوارق حضارية مؤلمة

“>
شنسوكي هاشيدا مراسل صحافي ياباني شارك في تغطية معارك الفلوجة بين الجيش الأميركي ومسلحيين عراقيين عام 2004، التقى أثناء عمله بالصبي محمد هيثم (9 سنوات)، والذي سبق أن أصيب بشظية اخترقت إحدى عينيه، وعرضته للإصابة بالعمى، إن لم يعالج! تأثر هاشيدا بحالته ووعد بمساعدته. عاد هاشيدا إلى وطنه في إجازة قصيرة، وهناك نجح في إقناع بعض الجهات للتبرع بنقل محمد هيثم إلى اليابان لتلقي العلاج، وهكذا عاد إلى العراق ليصطحب هيثم معه، ولكن حظه قاده للوقوع بأيدي مسلحين لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم، فقتلوه ومن كان معه، دون اعتبار لوظيفته كصحافي محايد. وما إن هدأت الأوضاع الأمنية في العراق قليلاً حتى قررت عائلته والحكومة اليابانية الرد على مقتل ابنها المواطن هاشيدا، بطريقتها الخاصة، حيث قامت ببناء مستشفى في الفلوجة لتقديم العلاج لمرضى السرطان من الأطفال! وزودت المستشفى بأفضل المعدات، ووضعته تحت إشراف الأمم المتحدة، ويعمل فيه حالياً 30 طبيباً.
وهكذا أوفت اليابان، وعائلة هاشيدا، بوعدها لمحمد هيثم ووفرت له ولآلاف غيره نعمة العلاج المجاني!
وكتب صديق معلّقاً على الخبر: يا لشقاء هؤلاء اليابانيين! فهم شعب ليس فيه نشامى ولا أسود ولا براكين غضب ولا أخوة هدلة ولا ولد ملحة، وبالتأكيد لا يوجد لديهم قادة ضرورة، ولا سماحات «دام ظلهم»، ولا تيارات، ولا مجالس ثورة، لذلك فهم إنسانيون إلى درجة العبط، ولذا نحن متخلفون وهم متقدمون، وإنسانهم محترم وإنساننا مقهور، ونكره بعضنا بعضاً وهم يبرون حتى بوعود موتاهم، ولديهم حكومة تخدم الشعب ونحن لدينا شعب يخدم الحكومة، ولدينا ثارات الحسين ولديهم ثارات يا هاشيدا!
ويقول سعد، الذي يعمل في ذلك المستشفى، والذي بني على أحدث طراز، إنه حضر احتفال السفارة اليابانية في بغداد بافتتاحه، كما حضر وزير الصحة العراقي. وتم وضع نصبين تذكاريين أمام المستشفى «للشهيد» هاشيدا، وآخر للشعب الياباني. كما ألقى محمد هيثم، الذي يحضر ليصبح طبيباً، كلمة بالمناسبة. وقال سعد إن المجال ضيق جداً لإجراء مقارنة بين الجانب الإنساني للشعب الياباني الذي قتلنا أبناءه من دون أي إحساس، وبيننا، فسيكون ذلك مضيعة للوقت، خصوصاً أننا مشغولون جداً بتحديد اليوم الذي سيبدأ فيه عيد الأضحى المقبل.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com