احمد الصراف

القوي المستنير

لا ينكر إلا جاهل أن أوضاع معظم الدول الإسلامية مأساوية، والدليل اعتمادها الكلي على الغير في «كل احتياجاتها» وتخلفها في كل ميدان! ومن دون قيام حركة إصلاح جذرية لا يمكن لهذه الأمة ان تنهض، ولهذه الشعوب أن تتقدم، ولصعوبة أو استحالة حدوث ذلك، فمن الأجدى بالتالي التصدي للقضايا – الصغيرة منها أولا – ومحاولة إصلاح الأمر أو جزء منه، وهذا ما دأبنا على القيام به عبر مئات المقالات! علما بأن عملية الإصلاح لا يمكن الاعتماد فيها على قدرة «رجل الدين» أو رغبته، فمن مصلحة أغلبهم بقاء الأوضاع على حالها، وبالتالي ليس غريبا القول ان تخلف أي أمة يقاس بقوة المتحذلقين وكثرة رجال الدين فيها، وقلة فلاسفتها ومفكريها!
يقوم المسلمون كل عام بنحر مئات آلاف الأضاحي مع نهاية موسم الحج، في تقليد ديني معروف. وكانت المسألة محمولة لما للشعيرة من دور اجتماعي مهم، ولضآلة أعداد الحجاج! ولكن الأمر تغير كثيرا في السنوات الخمسين الأخيرة، بعد أن أصبحت عملية التضحية ليست فقط مكلفة، بل وغير ذات معنى! فمن المستحيل مثلا نحر مليون «أضحية» في يوم واحد، والاستفادة من لحومها ومنتجاتها بطريقة اقتصادية! والمسألة لا تقتصر – فقط – على الخسارة المادية الكبيرة، على الرغم من أهميتها، بل تشمل أمورا أكثر خطورة وتعقيدا، وتتعلق بنشر الغش وتجذيره في المجتمع، بعد أن أصبح تسمين الأضاحي بطرق متعددة من إطعامها كميات كبيرة من الملح، لإجبارها على شرب الماء، لكي تمتلئ أمعاؤها ويزيد وزنها، أو تعليقها لفترات طويلة من رقابها بطريقة غير إنسانية، ليتراجع اللحم والشحم لمنطقة الظهر فتبدو سمينة، وغير ذلك من طرق وحشية، كليّ آذانها بقسوة مفرطة! ولو قمنا بزيارة أي مسلخ في يوم النحر لوجدنا أن العملية تؤدى بطريقة أقرب للوحشية منها لأي شيء آخر، فلا وقت لدى القصابين، بسبب الضغط الهائل عليهم، ورغبتهم في تحقيق أعلى عائد، للقيام بأي من متطلبات الذبح من تسمية أو انتظار نفوقها، بل يمسك بالخروف من رأسه ويجز عنقه بضربة سريعة ويرفسه بعيداً ليتلوى من الألم قبل أن يفارق الحياة! وواضح أن العملية برمتها روتينية ووحشية ولا علاقة لها برمزية المناسبة! وهنا ندعو المشككين، والمصرين على استمرار أداء هذه الشعيرة بالطريقة نفسها عاما بعد آخر، الى زيارة أي مسلخ، لكي يروا كيف تتم عملية الذبح، وأنا على يقين بأنهم سيغيرون من مواقفهم! وبحوزتنا فيلم فيديو يبين وحشية العملية وعدميتها!
إن وقف مثل هذه الممارسات الضارة، ماديا وأخلاقيا، التي ربما لا يستفيد منها غير مربي الماشية في استراليا ونيوزيلندا، أمر يتطلب قيام مسؤول كبير ومستنير، كخادم الحرمين، بالأمر بوقف العملية وتحويلها الى طقس رمزي، بحيث تقوم كل دولة بنحر خروف واحد، نيابة عن بقية مسلميها، وتوجيه مبالغ الأضاحي لمشروعات تعليمية وصحية، نحن في أمس الحاجة اليها، ووقف كل هذه الوحشية والغش وتضييع الثروات من دون طائل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

عتق رقبة

لم تُحرّم أي من المذاهب الإسلامية، أو «علمائها» الرقَّ علانية، فقد امتلك المسلمون طوالَ تاريخهم – من مجاهدين أو أثرياء – بشراً بصورة عبد أو أَمَة، ومن أي جنس أو لون كان! وقد كان شراء البشر وبيعهم، أمراً مقبولا به طوال التاريخ الإسلامي، واستمر العمل بهذا النظام اللانساني في منطقتنا حتى وقت قريب، ولا يزال مستمراً في دول عدة، وقد كان لبريطانيا «العظمى»، وليس لغيرها، قصب السبق في محاربة الرق عالمياً، ولولا جهودها المبكرة لكان الرق لا يزال سائداً في أجزاء كثيرة من عالمنا. وأتذكر جديا، عندما كنت أعمل في أحد المصارف في ستينات القرن الماضي، أن بعض زملائي في البنك، من غير الكويتيين، كانوا يأتون إلي، وأمارات الدهشة بادية عليهم، بشيكات صادرة لمصلحة: فلان «تابع» فلان الفلاني! وكانوا يتساءلون عن معنى «تابع»! ويُبدون استغرابهم لوجود بشر أرقاء! وبالتالي، كان الرق معمولا به في الجزيرة العربية حتى فترة متأخرة من الستينات.
وقد نشرت القارئة رباب خاجة، على موقعها، وثيقة نادرة تعلقت بعقد بيع جارية مقابل بضعة ريالات سعودية، مما يعني أن الأمر كان يتم علانية، وطبقاً لأعراف وقواعد ثابتة. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية دعت إلى عتق العبيد في حالات معينة، فإن الوضع بمجمله كان مأساوياً، حيث كان العبيد يُعامَلون بقسوة شديدة، وربما كان ذلك وراء قيامهم بثورة الزنج عام 869، التي قمعها العباسيون بعد 14 عاماً.
وعلى الرغم مما يعتقده البعض من أن الرق يرتبط مباشرة بلون البشرة، فإنه ومن منطلق الشريعة، لم يكن مبنياً على عرق أو لون، فقد كانت غالبية الجواري – مثلاً – من البيض. وكانت  تجارة الرقيق عند العرب نشيطة، خاصة في مناطق شمال أفريقيا وشرقها، ولكن هذا النشاط تضاءل مع نهاية القرن الــ 19 مع اشتداد ضغوط بريطانيا، وتالياً فرنسا، ولكن لا تزال هناك دول تمارَس فيها العبودية، في الوقت الحاضر، مثل تشاد والنيجر ومالي والسودان، وموريتانيا، كما ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن كثيرين مارسوا تجارة الرقيق خلال حروب البوسنة وكوسوفو وأفغانستان وهايتي وكولومبيا، وبروندي. والسبب وراء استمرار الوضع أن نسبة كبيرة من المستفيدين منه، كانوا إما تجارا واما سياسيين، وبعضهم برروا الأمر بموقف الشريعة المتساهل منه.

[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

إلا الكولاجين

لأسباب دينية بحتة، لا يتناول المسلمون لحم الخنزير، وقبلهم بألف سنة تقريباً حرمت الشريعة الموسوية اليهود من تناوله، أو حتى الاقتراب منه. كما لا يتناوله آخرون لدواعٍ إما عقائدية أو لكونهم نباتيين، ومن «أصدقاء الطبيعة أو الحيوان»! وعلى الرغم من شعبية الخنزير في الفلكلور الغربي، فإن اسمه يستخدم لإهانة الآخر والسخرية منه. وللخنزير شعبية هائلة في المجتمعات غير الإسلامية الكثيفة السكان، لرخصه وسهولة تربيته واكتنازه باللحم وكثرة نسله، كما أنه مصدر لا غنى عنه للبروتين، ويُستفاد من جلده وعظامه وشعره في أغراض أخرى! واكتشفت مؤخرا أنه ربما يكون الحيوان الوحيد الذي لا يرمى أو يضيع منه شيء، فالخنزير الذي يبلغ وزنه 100 كلغ مثلاً يحتوي على 3 كلغ جلداً، 54 كلغ لحماً، وأعضاؤه الداخلية يبلغ وزنها 14 كلغ تقريباً، ودمه 5 كلغ، وشحمه 5.5 كلغ، وأظلافه وبقية اعضائه 6.5 كلغ. وكل جزء فيه يُستفاد منه في استخدامات متعددة، ففي أي حمام خاص، أو في حمامات الفنادق الفخمة وصالونات التجميل نجد أن جميع المواد المستخدمة من صابون وشامبو وكونديشينر وكريمات ومواد تجميل ومعاجين أسنان وغيرها الكثير، تحتوي على مواد مستخلصة من شحوم ولحوم الخنزير. كما يُستخدم شعره في أنواع عديدة من عجائن الخبز والكعك. وتضاف مواد منه للزبدة قليلة الدسم. كما أن كل أنواع كيكات الجبنة والتريماسو تحتوي على جيلاتين مستخلص من الخنزير. كما له استخدامات مهمة جدا وعديدة في عمليات القلب، وفي صناعة مكابح القطارات وفي لصق حبات الرمل بورق الصنفرة، وفي فلاتر السجائر، ويضاف إلى مختلف أنواع المشروبات، كالبيرة والنبيذ وعصائر الفواكه. كما يستخدم في صناعة بعض أنواع رصاص البنادق، وله استخدامات كبيرة في صناعة الطلاء وفراشي الدهان وصقل التماثيل «الصينية»، ولا ننسى بالطبع أن المواد المستخلصة من الخنزير تشكّل العامل الأهم في حقن التخلّص من التجاعيد وعمليات التجميل، أو الكولاجين. وبالتالي من الصعب تخيّل حياة البشر اليوم، وبالذات في الدول التي تعتمد على «الرزق» السهل، والتي لا تمتلك أية مقومات صناعة نصف متقدمة، من دونه، فلا قدرة لها على أن تحمي نفسها من استخدامات المنتجات المحرّمة دينياً، وبالتالي ليس أمامها غير خيارين: إما أن تقوم بتطوير صناعات لا تحتوي على مواد «مخنزرة»، وهذا يتطلب الانتظار لـ300 سنة من العمل الجاد! أو التغاضي عن الأمر، والإقرار بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات، خاصة إن كان بين المحظورات مادة الكولاجين collagen، التي تخفي حقنها تجاعيد السنين الحاكية.

أحمد الصراف
[email protected] 

احمد الصراف

هل من منقذ؟

يبدو وكأن العالمين العربي والإسلامي أصيبا بجنون سفك الدماء والتخريب، نتيجة التعصب الديني والغلو المؤذي للنفس وللغير، بشكل أصبح فيه المسلم يشكل خطراً على نفسه وعلى الغير أينما وجد! فالمطارات تتحسب له والمخابرات تراقبه والجيوش تلاحقه والعيون تتابعه، يحدث ذلك وشعوب العالم، كما يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: لا هم لها غير ثقافة التنمية، وشعوبنا لا هم لها غير ثقافة الموت والتدمير! فما يحدث الآن وقبلها في سوريا والعراق وباكستان ونيجيريا وكينيا والصومال ومالي وتشاد ومصر وغيرها، من احداث عنف وتدمير شبه يومية تملأ القلب رعبا والنفس حزنا والفكر انشغالا وحسرة، لا يمكن تصور مدى سوء تبعاتها علينا جميعا لسنين طويلة مقبلة، شئنا أم أبينا! فلمَ كل هذا الموت وكل هذه الدماء والخسائر المادية الهائلة والتدمير المستمر لمستقبل اجيال كاملة، وهدم البنى التحتية، وتعريض أمن المواطن والوطن لليتم والفقر والمرض، والإصرار على القتل على الهوية السياسية والدينية والمذهبية؟ وهو أمر لم يحدث ما يماثله في التاريخ الحديث بمثل هذا التوسع والتنوع! فلم يسبق أن تورط كل هذا العدد الكبير من الدول، في وقت واحد، في صراع دموي ديني داخلي، حصد وما زال يحصد أرواح الملايين من دون هدف، غير اختلاف على تفسير هنا وحديث هناك، وفتوى بين هذه وتلك! ومن المؤسف أن نلاحظ أن العالم أجمع توقف عن الضحك علينا، واصبح يشعر الآن بالشماتة وربما الرثاء، بعد أن اصبح المسلمون بحاجة الى علاج نفسي، فلا أحد قادر على فهم سبب كل هذا الجنون، وهذه الرغبة التي اصبحت تكتنف صدور الكثيرين منهم لتدمير النفس وتدمير الغير، اينما كانوا ومن كانوا!
لقد اصبحنا جميعا، بسبب التعصب الديني، وكأننا صم بكم، غير قادرين على فعل ما نراه أمامنا من جنون، وفقدت غالبيتنا بصيرتها، وأصبح بعضنا أعداء بعض حتى لو كانوا من اقرب المقربين لنا. 
وجوابا على عنوان المقال، فإننا نقولها بملء الفم: لا، لا يوجد منقذ، ولا حتى عدد كاف من أطباء النفس لعلاج مئات ملايين المخبولين منا!
يقول القارئ بسام مسعود: لقد هربت جموع المسلمين من أوطانهم وإلى الغرب، فرارا من البطالة والظلم والاضطهاد! ويسعون الآن جاهدين الى تغيير مجتمعاتهم الجديدة، وجعلها مشابهة لتلك التي تركوها وراءهم. ونسوا أنهم بعملهم هذا يقضون على آخر امل بوجود ملجأ آمن يمكن اللجوء اليه مستقبلا، إن رغبوا في الفرار من ظلم واضطهاد مجتمعاتهم «الغربية» الحالية، لما هو أفضل منها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كيف السبيل إلى رضاك

انتشرت قبل الهجوم الأميركي على نظام صدام نكتة عن جامع قمامة كان الناس يرونه، وهو يسير في الشارع، شابكا يديه خلف ظهره، وهو يتمتم: شي يلمهن، شي يلمهن! وتعني: كيف يمكن جمعها! وعندما سئل عما يقصد، قال إذا سقط صدام فمن الذين سيجمعون صوره؟ تذكرت تلك النكتة وانا اتخيل حجم اللوحات والملصقات المنددة بأميركا، الشيطان الأكبر، والمطالبة بهلاكها، التي تنتشر في طهران والمدن والقرى الإيرانية، والتي ستصبح قريبا، وبعد التقارب مع أميركا، غير ذات معنى، وستزال، ليس فقط لعدم مناسبتها للمرحلة المقبلة، ولكن أيضا لسخف منطقها، فعندما تصيح الجماهير، للمرة التريليون: «مرك ب أمركيا»، ولا نجد لتلك الأدعية من صدى، بل نرى أن «المرك»، أو الموت، قد لحق بأفراد الشعب الإيراني الذي يموت في وطنه ببطء، ويموت مهاجرا ويموت هاربا من جنة الملالي، فما الداعي لكل ذلك الغلو في الكراهية التي لم تجلب إلا الخراب للغالبية الفقيرة، من دون ان يكون للدعوات التي يتم ترديدها في كل خطبة وصلاة ودعاء أي استجابة؟ المربك هنا ليس موقف الدولة الإيرانية التي تعرف مصالحها جيدا، والتي لا تقل وصولية عن حكومات غيرها، بل موقف الجهات المتعاطفة مع إيران، التي انكشف ظهرها، فلا هي قادرة على الاستمرار في «كراهيتها» لأميركا، ولا هي قادرة على مخالفتها ولية نعمتها، فبقدر ما سيكون للعلاقات الجديدة بين البلدين من إيجابيات عليهما ستكون لها، وبالقدر نفسه، مضار على حلفاء إيران فقط، فأميركا لن تضحي بإسرائيل لا من أجل عيون إيران ولا غيرها.
والآن، ما هو تعليق من وقفوا مع إيران، أو بشكل أكثر دقة، مع النظام الديني فيها، على مدى 34 عاما؟ وهل سيقومون بتبديل مواقفهم تبعا لذلك؟ وماذا عن الذين «دوشونا» بآرائهم القائلة بصحة وصواب كل ما كان يصدر عن القيادة الإيراينة؟ هل سيتبدلون معها أم سيبقون على سابق مواقفهم؟ ألا تكفي هذه التجربة لكي تثبت للعاقل والجاهل أن الولاء لأي نظام، خلاف نظام الوطن، أمر لا جدوى منه في النهاية؟ وكيف يمكن تبرير وقوف جهة مع نظام جائر وغير عادل بحق شعبه، على حساب نظام الوطن، فقط لأن ايديولوجية دينية أو سياسية تتطلب ذلك؟
ملاحظة: قد ينقض المرشد الأعلى، علي خامنئي، كل ما بناه الرئيس الإيراني الجديد، روحاني، وينقلب عليه، فخيوط الحكم لا تزال جميعها بيده.

أحمد الصراف

احمد الصراف

هل سنتقدم يوماً؟

يقول نجيب صعب إن «إدغار شويري، الفيزيائي في جامعة برينستون الأميركية، تساءل كيف يمكن للعرب أن يصيروا شركاء كاملين ومتساوين مع أولئك الذين يرسمون اقتصاد العالم وأمنه ومستقبله، اذا بقوا مجرد مستهلكين للعلوم والتكنولوجيا؟ وردّ على الذين يتبجحون بالمساهمات الكبيرة التي قدمتها الحضارات العربية القديمة للعلوم الفيزيائية والأحيائية والرياضيات والفلك، ان ذلك يعود الى تاريخ قديم، وانه منذ القرن 12وهيمنة الفكر المناهض للعلم والعقل، حيث بدأ الإرث العربي العلمي بالانهيار، حتى صار وضعه محزناً، وأصبح العرب يقدرون المنجمين أكثر من علماء الفلك مثلا، الذين لا يعرفهم أحد على الرغم من منجزاتهم، ولكنهم يؤمنون بالمشعوذين وبالمنجمين أمثال حايك والشارني وقباني وليلى عبداللطيف، الذين يبيعونهم الأمنيات والأوهام، أكثر من اهتمامهم بعلم فلك حقيقي».
ويقول صعب ايضا إن الحقائق موجعة، ففي خلال 20 عاما صدرت 370 براءة اختراع لباحثين عرب مقابل 16 ألف براءة اختراع لكوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها عُشر عدد سكان العالم العربي، في حين تجاوز عدد الهواتف المحمولة في العالم العربي 400 مليون، لا يتجاوز عدد الذين يقرأون كتاباً واحداً في السنة، عدا الكتب المدرسية، %5 من العرب. وقد كتب الشاعر يوسف الخال بحسرة وألم منذ 50 عاماً «أن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون»! فوفق تقرير التنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، يبلغ معدل قراءة الكتب 6 دقائق سنوياً، في مقابل 200 ساعة في الغرب. وفي حين يقرأ كل 20 عربياً كتاباً واحداً في السنة، يبلغ معدل قراءة الأميركي 11كتاباً والبريطاني 7 كتب، والقراءة من الإنترنت مقاسة في عالمنا، حيث أن أرقام تنزيل الكتب عبره مخجلة جدا، ولو ألقينا نظرة على النقاشات العربية، عبر المدونات ووسائل التواصل الإجتماعي، لاكتشفنا ضحالتها! فأين العرب من عصر يحكمه العلم؟ ماذا فعلوا لمجابهة تحديات تأمين المياه العذبة وإنتاج الغذاء والطاقة المتجددة؟ ولماذا لايزالون يمارسون استيراد التكنولوجيات والآلات، مع الفنيين لتشغيلها وصيانتها. وإذا كان ممكناً استيراد البطاطا، فلا يمكن استيراد العلم، لأن هذا لا يؤدي إلا إلى تعميم البلادة الفكرية والعقم العقلي. كما أن تعلُّم كتابة لائحة العقاقير لا يكفي لصناعة طبيب، فلقب «دكتور» لا يصنع عالماً. ذلك أن العلم الذي لا يساهم في دفع البشرية إلى الأمام هو علم لا ينفع، ويتساوى في ذلك مع الجهل الذي لا يضرّ. ويكشف العدد الأخير من مجلة البيئة والتنمية فضيحة كيف استحصل آلاف العرب على شهادات مزيفة من جامعات وهمية، تمنح لقب دكتور لقاء مبالغ بسيطة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أينا أكثر أمانة؟

“>تعتبر مجلة الريدرز دايجست، أو المختار بالعربية، المجلة الأميركية العائلية الأقدم والأكثر انتشارا في العالم، حيث صدرت لأول مرة عام 1922 وتطبع بـ21 لغة في 70 دولة، وتوزع أكثر من عشرة ملايين نسخة شهريا. كما تصدر طبعات منها بطريقة بريل والديجيتال وبالصوت، وتطبع منها نسخ بحروف كبيرة. وقد قامت هذه المجلة بإجراء تجربة فريدة وطريفة في الوقت نفسه، في عدد من عواصم العالم، حيث قامت برمي 192 محفظة جيب بداخل كل واحدة مبلغ 50 دولارا ورقم هاتف صاحبها وصورة عائلية، وذلك في أماكن متفرقة من 16 عاصمة، وكانت النتيجة غريبة جدا، فقد تبين أن سكان العاصمة الفنلندية، هلسنكي، الأكثر أمانة في العالم، وهنا طبعا الأمور نسبية، وليست بالمطلق! فقد قام 11 من اصل 12 شخصا، ممن وجدوا المحفظة، بالمبادرة من فورهم بالاتصال بصاحبها وإعادتها له. واحتلت العاصمة البرتغالية القاع! ولكن المفاجأة كانت في احتلال مومبي المدينة الهندية الأكبر والأكثر سكانا، وربما الأكثر فقرا في العالم، المرتبة الثانية، فقد أعاد 9 من أصل 12 ممن وجدوا المحفظة لأصاحبها. وبسؤال عدد منهم عن السر وراء أمانتهم، وكانوا في غالبيتهم من الهندوس متوسطي الحال، ذكرت فيشالي ماسكار بأنها تعلم أولادها دائما أن يتصرفوا بأمانة وهذا ما تعلمته من والديها، وبالتالي من الطبيعي ألا تتصرف عكس ذلك. وقال سيران كوبان، وهو مدرس تحت التدريب، انه وصل للمحفظة في اللحظة نفسها مع صبي، وأنه أصر على اخذها لعدم ثقته بالصبي، الذي وعد بإعادتها لأصحابها. وقال ان السبب في أمانته أن الآخرين يعاملونه بثقة وهو يقابلهم بالمثل، وعليه أن يكون أمينا ليكون جديرا بثقة الاخرين به. وقال عبد بن سالم، انه أعاد المحفظة بعد أن وجد بداخلها صورة أم وابنها، وليس هناك، بنظره، ما هو أهم من مثل هذه الصورة لصاحب المحفظة. 
وبين التحقيق أن بودابست، عاصمة هنغاريا جاءت ثالثا ونيويورك رابعا، حيث أعاد 8 المحفظة من أصل 12، وموسكو وامستردام 7 وبرلين ولوبليانا 6 من أصل 12 ولندن ووارسو 5 من 12، وبوخارست وريو دي جانيرو 4 وزيورخ السويسرية 4 محافظ، وبراغ 3 ومدريد 3، واحتلت لشبونة، عاصمة البرتغال، المرتبة الأخيرة بمحفظة واحدة!
والآن يا ترى ما عدد المحافظ التي ستعاد لأصحابها لو أجريت هذه التجارب في دولنا؟! وتقديري أن الرقم لن يكون غريبا وعجيبا، بل سنكون في الوسط أو ربما اقل قليلا، فلا يزال فينا خير، ولكن الرقم حتما لن يتناسب وحجم الجرعة الدينية التي نتناولها كل يوم مقارنة بما يسمعه سكان اي مدينة أخرى في العالم من أذان ومواعظ من خلال مايكروفونات كل يوم داعية الى الأمانة والصدق!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

قراءات متفرقة

كانوا أربعة أصدقاء، وكانوا في السنة الجامعية الأولى، وكانوا يشتركون في طباع وهوايات متقاربة، حتى درجاتهم الدراسية كانت قريبة من بعضها. وكانوا أكثر طلاب الصف تميزاً. وقبل امتحان نهاية السنة بيومين، ومن منطلق ثقتهم بقدراتهم، قرروا قضاء عطلة نهاية الأسبوع على أحد الشواطئ بدلاً من قضاء الوقت في المذاكرة. سهرهم فوّت عليهم فرصة العودة في صباح اليوم التالي، ولم يتمكنوا من أداء الامتحان في موعده! ذهبوا إلى أستاذ المادة وشرحوا الأمر له، بعد أن اتفقوا على أن سبب تأخرهم هو تعرض دولاب سيارتهم للعطل! ونظراً لسمعتهم الجيدة وسابق درجاتهم المميزة، وافق هذا على أن يعيد الامتحان لهم! وفي يوم الامتحان قال لهم إنهم سيؤدون الامتحان في غرف منفصلة عن بعضهم بعضا. وعندما بدأ الاختبار وجدوا أن الإجابة عن السؤال الأول سهلة جداً، وكانت العلامة عليه 5 درجات فقط، ولكنهم فوجئوا بنص السؤال الثاني والأخير، وعليه 95 درجة، حيث كان: أي إطار في السيارة تعرض للعطل؟
***
عندما عجز عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين عن شرح نظرية النسبية لمجموعة من زواره، قام بوضعها في قالب أكثر بساطة، حيث قال إن كل شيء في الحياة نسبي، فلو جلسنا مع من نحب لفترة ساعة لهالنا مرور الوقت بسرعة! ولكن لو طلب منا الجلوس على سطح ساخن جداً للحظة فقط لشعرنا بأن الدقيقة أطول من ساعة! تذكرت هذه النظرية وأنا أقرأ نصاً يقول إننا عندما نقوم من النوم في السادسة صباحاً مثلاً، ونقرر أن الوقت ما زال مبكراً، وأن بالإمكان أخذ غفوة لخمس دقائق، فإننا غالباً ما نصحو ونجد أن الساعة قد جاوزت السابعة بكثير! ولو كنا في العمل، وقررنا في الساعة 1.30 ظهراً مثلاً، وبعد إصابتنا بالملل من بطء مرور الوقت، أن نأخذ غفوة لخمس دقائق، فإننا غالباً ما نصحو ونجد أن الوقت قد أصبح الواحدة و31 دقيقة فقط!
وأخيراً، عندما نسمع من أحد رأياً بأن المال أهم شيء في الحياة، فمن المتوقع أن هذا الشخص على استعداد لأن يفعل «أي شيء» ليحصل عليه!
وقد تعلمت، أخيراً، فقط أن الجدال مع أحمق ينتج عنه عادة أحمقان!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأنظمة المنهكة

ليس هناك مثال أفضل من مصر، وقبلها إيران، لما يمكن أن يتسبب به الحكم الديني من خراب، ليس فقط لافتقاد قيادته التقليدية لعلوم ومبادئ الحكم وأصوله وألاعيبه، بل وأيضا لما يحمله الحكم الديني من عوامل ضعف في أساس بنيته، هذا غير ميله الشديد لتفضيل من ينتمون لعقيدته على غيرهم، ولو كانت مصلحة الدولة العليا في مصلحة الأخيرين! وقد رأينا ذلك في مصر عندما فصل أو اقال الرئيس «الإخواني» محمد مرسي جميع الكفاءات الإدارية وعين بدلا عنهم من ينتمي للإخوان المسلمين، بصرف النظر عن كفاءتهم. كما رأينا، قبل أكثر من 30 عاما، كيف أصر الزعيم الإيراني «الخميني» على تضمين الدستور الإيراني مادة لا تسمح لغير المسلم الشيعي الاثنى عشري تولي منصب رئاسة الجمهورية، في دولة يدين اكثر من %70 من شعبها بالمذهب نفسه! وهذا يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان، ويتعارض مع تجارب دول أقل أهمية وتعقيدا من إيران، كالسنغال، ذات الأغلبية المسلمة الطاغية، التي لم يتردد شعبها في اختيار المسيحي ليبولد سنغور، ليكون رئيسا للجمهورية لأكثر من دورة، لكفاءته وليس لديانته أو مذهبه!
تعتبر إيران من الدول النادرة في العالم، إضافة للولايات المتحدة ودولة أو اثنتين أخريين، التي تمتلك كل شيء تقريبا. فلديها فائض كبير من المياه، ومساحتها كبيرة، واشتهر شعبها بمثابرته وجلده على العمل والانتاجية. كما لدى إيران مخزون نفطي هائل فوق ما تمتلكه من غاز ومعادن ثمينة أخرى. وأرضها خصبة، وطبيعتها رائعة، وصحاريها غنية بثرواتها الطبيعية وجبالها شاهقة ودرجات حرارتها متعددة، وتنمو فيها افضل أنواع الفواكه والنباتات، وتشتهر بالفستق والزعفران والرز واللوز، المر منه بالذات، والذي يصدر كامل محصوله منذ أكثر من نصف قرن إلى إيطاليا ليصنع منه شراب «الأمريتو» الشهير، ولم يمنع طبعا «تدين» قيادة طهران من استمرار تصديرها للوز بالرغم من علمها بما يستخدم فيه. وكان لإيران شأن تاريخي وحضور دولي، ولكن بعد 34 عاما من «الثورة المباركة» أصبحت إيران، بقيادتها الدينية المتزمتة مصدر قلق ليس لجيرانها والمجتمع الدولي بل وايضا للشعب الإيراني نفسه، والذي طالما اشتهر بعلمائه «الحقيقيين» وأطبائه الحاذقين ومهندسيه العالميين، ولكن كل ذلك اختفى مع اختفاء تنوع الدولة الثقافي والاثني، بعد أن تولى الإمام الخميني الحكم عام 1979، ونجاحه في بث عدم الاطمئنان في قلوب كل الليبراليين والزرادشتيين والأرمن واليهود والبهائيين، وحتى المسلمين السنة، فهرب وهاجر أفضل هؤلاء وغيرهم من الإيرانيين التواقين لحب الحياة والحرية، والمعارضين التاريخيين للحكم الديني، إلى خارج إيران حاملين معهم عقولهم وخبراتهم، تاركين وراءهم كل قبيح! وقد رأينا، من خلال وصول، أو شبه تعيين، أحمدي نجاد ومحمد مرسي النوعية المتواضعة الإمكانات التي تصل عادة للحكم في الأنظمة الدينية، وإلا كيف يمكن أن نصدق أن الشعبين، الإيراني والمصري، بملايينهم المائة والخمسين، لم يجدوا بينهم أفضل من مرسي ونجاد، ليحكماهم، بكل ما مثلاه من فراغ في المعرفة والحنكة، وهما ليسا إلا نتاج حكم ديني متخلف؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

كيف نحكم ونحكم؟

هناك مخاض دستوري تشهده مصر وتونس وليبيا، وستتبعها سوريا، عاجلا أم آجلا. ويبدو أن جهات تدفع لأن تكون الصبغة الإسلامية هي الغالبة على مواد هذه الدساتير، والسعي لتثبيت ما يشبه المادة الثانية من الدستور الكويتي أو رفعها، كما هو في الدستور التركي، أو تخفيفها، وكما هو في الدستور التونسي القديم، وبالتالي ستتأثر حياة شعوب هذه الدول سلبا أو إيجابا، تبعا لما ينتهي إليه ذلك المخاض، وهذه ضريبة على الشعوب الجاهلة في عمومها، دفعتها إلى أن تعرف أن الفكر الديني لا يقبل بالديموقراطية ولا بالتعددية في مفهومهما الحديث، وبالتالي فلا مناص من القبول بدستور علماني عصري يغطي بعدالته الجميع، فبديل ذلك تطبيق الحدود على الكفرة والمشركين، من مواطنين وغيرهم، وما يتطلبه ذلك من حكم فردي دكتاتوري ديني مطلق لا يسمح فيه لأحد بالاحتجاج ولا حتى بهمس السؤال. والغريب أن لا أحد من الإخوان المسلمين، ولا من مناوئيهم من السلف، على استعداد للاعتراف بوجود تناقض بين الديموقراطية التي يدعون إليها جهرا، ومفهومها وفلسفتها اللذين يتعارضان مع فكرهم! فهذه الجماعات تصرّ على وجود «مرجعية دينية» ذات سلطات واسعة، كما هي الحال في إيران مثلا، علما أن الديموقراطية لا تقبل بوجود أي نوع من المرجعية، فوجودها مناقض لروح الدولة العصرية. ويُذكر أن كلمة دولة لم يرد ذكرها في أي من كتب التراث، وبالتالي ليس غريبا أن الفكر الإسلامي لم يتطرق إلى نظام الحكم الأمثل المطلوب اتباعه، وما وجدناه في التاريخ الإسلامي لم يكن غير أنظمة حكم تتالت على المسلمين منذ اليوم الأول، وحتى انهيار دولة الخلافة العثمانية، كان السيف فيها هو الفيصل والحكم لمن غلب! وعيب مثل هذا النوع من أنظمة الحكم أنها غالباً تنتهي بموت «القائد المرشد» أو فناء سلالته، فلا انتخابات ولا تبادل سلطة ولا رقابة لأعمال الحاكم، ولا شفافية ولا حساب ولا عقاب، ولا آلية تشريع غير كلمة الحاكم أو المرشد الأعلى. ومعروف أن أيا من الخلفاء الراشدين لم يضع نظاما موحّدا لاختيار من يأتي بعده، فقد كانت لكل منهم طريقته في الحكم وظروف عصره، فقد حصر الخليفة عمر الخلافة في قريش، بعد رفع السيف في السقيفة، لتبقى بينهم لأكثر من ستمائة عام. واختار الخليفة أبو بكر أن يعين، كتابة: عمر خليفة من بعده! وقام عمر، وهو يصارع الموت، بتعيين لجنة من ستة من الصحابة ليختاروا من بينهم من يكون خليفته، فاختاروا عثمان، ولكن هذا قُتل قبل أن يختار من يخلفه، فاختارت فئة علي خليفة، فنازعه معاوية في الخلافة، فارتفعت سيوف الطرفين في صفين، وتفرّق المبشرون بالجنة، هذا في طرف وذلك في الطرف الآخر، لتبدأ نار الفتنة الكبرى، التي لا تزال متقدة إلى اليوم، وليبدأ بعدها الحكم الوراثي في الأسر الحاكمة من أموية وعباسية وفاطمية وعثمانية وغيرها!
والسؤال هنا للسادة تجّار الدين في زماننا: أي نظام إسلامي قديم سيتبعونه إن استولوا على السلطة: طريقة أبي بكر أم طريقة عمر أم طريقة عثمان أم طريقة علي، أم من جاء بعدهم من أمويين وعباسيين وغيرهم؟ وحيث إنه لا أحد بإمكانه القول بأفضلية طريقة على أخرى، فإننا نجد أن الحل هو في الديموقراطية الغربية، التي لا يمكن أن تطبَّق بطريقة سليمة بغير علمانية، تتيح للجميع الدرجة نفسها من المساواة أمام القانون، وأي كلام خلاف ذلك يعني استمرار الاقتتال والتخلّف والتشرّد.

أحمد الصراف