احمد الصراف

مدرس جدول الضرب

إن التقدم الهائل الذي وصلت له البشرية اليوم لم يظهر جزافا، وإنما جاء نتيجة تراكمات من التجارب والخبرات والنظريات والأبحاث، التي شارك في تحقيقها مجموعة كبيرة من العلماء، جلّهم من الغرب، من دون أن نبخس علماء الشرق حقهم، ولو أن تخلف الشرق الحالي محى كامل ما كان له من مجد سابق، ويأتي على رأس هؤلاء العلماء اسحق نيوتن وغاليليو، مايكل فراداي وليوناردو دافنشي وستيفن هوكنز وسقراط وغاندي وتوماس جيفرسون وآينشتاين وتوماس اديسون وشارلز داروين ومدام كوري وابن سينا وميكيافيلي والفارابي وكوبرنيكوس وسيغموند فرويد وآلاف غيرهم. وقد وضع هؤلاء أفكارهم وآراءهم في أمهات الكتب، التي بيعت منها ملايين النسخ، ولا تزال غالبيتها، ومنذ مئات السنين، مقروءة ومتداولة، وعدم سماع البعض بها لم يقلل يوما من أهميتها وتأثيرها على العلم والعالم في كل الأزمان. ومن هذه الكتب التي أجمعت جهات علمية عدة على أهميتها كتاب «المبادئ» لاسحق نيوين، الذي يُعتبر نواة الطفرة العلمية التي نعيشها في كل مجال، بحيث لم يترك الكثير لغيره ليقوله. كما يعتبر كتاب «أصل الأنواع» الذي أصبح منذ صدوره، ولا يزال حتى اللحظة، مثار جدل، حتى ان الكنائس الغربية، ومنذ عام 1859 ترفض محتواه، فما بالك بموقف الجهات الدينية الأخرى! ويعتقد البعض أن كتاب داروين يتعادل في أهميته مع كتاب نيوتن. وهناك كتاب «النظرية النسبية» لألبرت آينشتاين، الذي لو كان كويتيا لما تجاوز دوره تدريس جدول الضرب. فقد أحدث كتابه ثورة علمية وحتى إنسانية ذات أهمية بالغة. وهناك كذلك كتاب الأمير لميكيافيلي، الذي صدر قبل 500 عام، والذي تأثر به كل قائد يقرأ، أو لديه مستشار ينصح! ولا يزال تأثير الكتاب ساريا، وسيبقى كذلك للأبد. ويتشارك كتابا «ثروة الأمم» لآدم سميث، و«رأس المال» لكارل ماركس في أهميتهما وتأثيرهما غير المحدود على شعوب الكرة الأرضية قاطبة! كما يعتبر كتاب «تفسير الأحلام» لسيغموند فرويد، واضع أسس علم النفس الحديث، سفرا لا غنى عنه لمعرفة أسرار النفس البشرية. لا أهدف هنا لجلد الذات، والبكاء على الأطلال، أو التحسر على زمن مضى «كنا» فيه، بحد السيف، شيئا ما في التاريخ، ولكن لأتساءل: لماذا لا يوجد لأمثال هؤلاء العباقرة الأفذاذ وآثارهم وأعمالهم وجود فعال في مناهجنا؟ ولماذا لا تطلق اسماء البعض منهم على شوارعنا؟ ولماذا اخترنا بدلا من ذلك «تخليد» اسم سياسي فاسد أو لحام سابق أو راعي غنم، مع الاحترام لمهنهم وشخوصهم؟ ألا يعتبر هذا جحودا وإنكارا لكل ما قدمه عباقرة العالم للبشرية جمعاء، ونحن منهم، من خير وجهد عظيم؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

رئيسهم ورئيسنا

تعتبر النرويج واحدة من أكثر دول العالم تقدما، وتشبه الكويت في قلة مواردها الطبيعية، وثرائها النفطي، وكان من المفترض أن نتعلم منها، وهي التي لم تتردد في التعلم من تجربتنا الرائدة في استثمار الفوائض المالية، وليس في هذا مبالغة، ولكننا نجحنا بجدارة في ان نخيب آمالها فينا وفي انفسنا. ومناسبة الحديث عن النرويج يتعلق أولا بما قام به مؤخرا رئيس وزرائها، عندما قام بالتخفي كسائق تاكسي، للاطلاع عن كثب على آراء المواطنين فيما يقوم به! ولكن ما الذي سيطلع عليه ويعرفه «سمو» رئيس وزراء الكويت، لو حاول تقليد زميله النرويجي، والتخفي في صورة ضابط أمن، وزار اي مركز حدودي أو ميناء بحري أو جوي، أو مخفر في منطقة ليست بالبعيدة؟ لا شك أنه سيجد العجب، فبإمكاني القول ان لا أحد تقريبا ممن سيلتقي بهم يقوم بمهمته بطريقة سليمة. ولو زار المطار لصدم من الطريقة التي يقوم بها جهاز الأمن بمهمته، فالكل غالباً منشغل تماما إما باللعب بهاتفه الأكثر ذكاء منه، أو ترك الحقائب تمر دون مراقبة محتوياتها، أو قابع في زاوية يدخن سيجارته في مكان ممنوع.
أما ان قام سموه بالتخفي في صورة مخلص معاملات في الموانئ أو الشؤون أو الهجرة، فلا أعتقد أنه سينام ليلتها مطمئنا على أحوال «الرعية» في دولته الريعية! وهكذا الحال في كل مناحي الدولة ودوائرها وهيئاتها، دون حصر الأمر بجهات كأسلمة القوانين أو وسطية الأوقاف!
ومناسبة هذا الكلام ايضا ما قام به الشيخ محمد بن راشد، فور اكتشافه لخرير مياه الأمطار لسقف معرض دبي الجوي، من إحالة لجميع القائمين على تنفيذ المشروع من مكتب هندسي ومقاولين ومشرفين إلى النيابة العامة، ووقف جميع أنشطتهم، وتجميد اموالهم المنقولة وغير المنقولة، إلى حين انتهاء التحقيق!
ولو طبق سمو رئيسنا هذا الأمر في الكويت، لكان في ذلك حل سريع لمشكلة المرور، حيث ستخلو الشوارع من عشرات الآلاف الذين سيودعون السجون نتيجة ما تسببوا فيه من خراب سابق وحالي في جميع مشاريع الحكومة تقريبا، والأمثلة أمامنا، وهي أكثر من أن تحصى. وربما، أكرر ربما، يعود سبب الإهمال لدينا لقلة رواتب العاملين في الحكومة، ومطلوب بالتالي زيادتها بنسبة %50 أخرى، لكي… تتعدل الأمور!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

لماذا نمارس الحب؟

المعرفة هي الطريق لبيان مدى جهلنا، فكلما زدنا معرفة زاد جهلنا! أقول هذا بالرغم من أنني أتعلم كل يوم أشياء وأشياء، ولكن عملية التعلم هذه تشبه فتح باب معرفي، ولكن كل باب معرفة أفتحه يفضي بي إلى باب أو أبواب لمعارف أخرى، وكلما فتحت باباً لمعرفة ما وراءه، وجدت الجواب مع أبواب أخرى تفضي إلى معلومات لم أكن أعرفها أو أعلم بوجودها، وهذه حقيقة وليست كلاماً يقال من منطلق التواضع. فمثلاً عندما تعلمت كيفية استخدام الكمبيوتر شعرت بأنني غطيت جهلاً لدي، ولكني لم أعلم وقتها أن تلك المعرفة هي التي ستفضح المزيد من جهلي. فعالم الكمبيوتر، كجهاز صلب وبرامج استخدام وآلات بحث سرعان ما بيّنت لي أنني كنت أعيش في جهل مطبق عما كان يدور حولي ويعرفه غيري، وبالتالي كان عليّ تعلم هذه الأمور الجديدة بغية سد ثغرات الجهل لدي، ولكن كل معلومة بطبيعة الحال تؤدي إلى غيرها، وهكذا أصبحت منذ عشر سنوات أدور في حلقة جميلة، وليس جهنمية، من الشعور بالجهل ثم التغلب عليه بالشعور بجهل أكبر في السعي للإحاطة بأكبر قدر من المعرفة، وهذا لا يمكن أن ينتهي وسيستمر إلى ساعة فنائي!
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالاً قبل أيام تعلق بالإجابة عن سؤال: لماذا نمارس الجنس؟ وكنت أعتقد بأنه سؤال سهل. وسؤال آخر عن كيفية ممارسته بطريقة أفضل؟ لم أعط الموضوع أهمية تذكر، قائلاً لنفسي بأنني بعد هذه السنين والتجارب، لست بحاجة إلى قراءة ما كتبته فتاة صحافية في هذا المجال، فمعارفي تقول إننا نمارس الجنس للمتعة ولحفظ النوع أو لإيجاد من يحفظ اسم العائلة أو يرث ما نتركه من مجد وثراء، وربما لسبب أو لسببين آخرين لا أتذكرهما، ولكن الفضول المعرفي دفعني للعودة إلى المقال، فوجدت أن دراستين علميتين بينتا أموراً لم أكن أعرفها، منها أن البشر يمارسون الجنس لــ237 سبباً(!) وأن الأزواج الذين يمارسون الجنس بطريقة مستمرة دون ضغوط وبإيجابية، هم عادة أكثر سعادة من غيرهم. ومعرفة سبب سعي كل شريك إلى ممارسة الجنس في الأيام الأولى من العلاقة له أهمية وتأثير كبير على العلاقة المستقبلية بين الطرفين. فالبشر يمارسون الجنس لأسباب كثيرة، منها التخلص من الضغوط وإرضاء الطرف الآخر، ولأسباب روحية وعلاجية عدة، وللتقارب مع الزوج أو الزوجة، وللشعور بالقرب من الإله، أو للانتقام من الشريك الآخر بإقامة علاقة مع غيره، أو لاتقاء شره، أو لامتصاص غضبه، وهذه أسباب مهمة جداً في حياة الكثيرين، ولكننا عادة لا نكترث لها ولا نلتفت إلا لما يخصنا ويقع ضمن حدود معارفنا. كما بيّنت لي الدراسة مدى عمق الفروق الثقافية بين المجتمعات الشرقية، بكل أنواعها، وبين الغربية، ففي الثانية للمرأة كيان وكلمة فيما يعنيه الجنس، وتطالب بحقها فيه. ولكن نجد أن حاجات المرأة ومتطلباتها الجنسية في المجتمعات الأكثر تحفظاً لا تلقى الأهمية نفسها، وبالتالي لا يعني الجنس للشرقية ما يعنيه للغربية، والتي تعتبره علماً يدرس، والإخفاق في الحصول على ما وعدت نفسها به أو ما توقعه لا يمنعها من مراجعة المختصين من أطباء ومعالجين نفسيين.
لمزيد من القراءة في هذا الموضوع الحيوي يمكن البحث في غوغل تحت The Real Reason Couples Have Sex أو النقر على الموقع التالي:
http://online.wsj.com/news/articles/SB1000142405270 2303902404579149542886151358

أحمد الصراف

احمد الصراف

وما أدراك ما «البي بي سي»

تعتبر إذاعة البي بي سي BBC الأكثر قوة وانتشارا في العالم، بتعدد ما تبثه من لغات وبتاريخها وخبراتها الطويلة.. وحياديتها النسبية، مقارنة بغيرها، الأمر الذي ساهم في تعزيز وضعها، علما بأنها تكلف دافع الضرائب البريطاني ما يقارب المليار دولار سنويا! وقد تأسست الإذاعة البريطانية عام 1922، اي قبل 91 عاما، واختار لها مؤسسوها منذ اليوم الأول عدم الربحية، لإبعادها عن تأثير المعلن واستقلاليتها! وكانت حتى عام 1973 الإذاعة الوحيدة في بريطانيا، ولكن ما واجهته من منافسة قوية من محطات إذاعية غير قانونية ناطقة بالإنكليزية، تبث من السواحل القريبة، والتي أُسكتت تاليا، دفع الحكومة الى السماح للمحطات التجارية بالعمل بصورة قانونية، وبحرية مطلقة في الأراضي البريطانية. وقد مدت «البي بي سي» خدماتها الى خارج بريطانيا بالإنكليزية عام 1932، ثم تبعتها بالبث بلغات حية اخرى بلغت 27 لغة تغطي العالم أجمع، ومنها العربية التي بدأت عام 1936 في فلسطين في مسعى لشرح والدفاع عن وجهة نظر الحكومة البريطانية، وكرد فعل على ما كانت تبثه وقتها محطة إذاعة إيطالية من دعاية مناهضة لبريطانيا. وقد نقل مقر الإذاعة العربية إلى جزيرة قبرص، بعدها قبل فتح مكتب في القاهرة.
استمع شخصيا إلى «البي بي سي» منذ أربعين عاما، وأعتبرها واحدة من افضل مصادر الأخبار، ولم يتضح لي شخصيا انها كانت في مناسبات كثيرة غير حيادية بتعمد. كما أنني مدين لها بالفضل، فما ذكرته من خبر قيام صدام بإرسال عمر غني، السفير العراقي السابق في الكويت، والذي كانت بيني وبينه، اثناء فترة خدمته في الكويت، عداوة شديدة، دفعني خبرها الى مغادرة الكويت في بداية فترة الاحتلال الصدامي، وربما ساهم ذلك في إنقاذ حياتي، او على الأقل غير مسارها للأفضل!
ولو قارنا بين مواضيع «البي بي سي» العربية، مقارنة بما تبثه قناتها الإنكليزية، للاحظنا بسهولة مدى الفارق بين «منطق» المحطتين، فقد وجدت النسخة العربية نفسها (ربما) مجبرة للنزول بمستواها الى مستوى عقل الإنسان العربي العادي، أما النسخة الإنكليزية فواضح أن مستوى ما تقوم ببثه ونشره يتناسب والمستوى المعرفي، العالي نسبيا، لمستمعيها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

شعوب لا تقرأ.. شعوب لا تفهم!

كنا في الكويت، وقبل سنوات لا تزيد على الخمسين بكثير، نصاب بهلع كلما أظلمت الدنيا علينا في وضح النهار نتيجة اختفاء الشمس فجأة، خصوصاً عندما يسرع أصحاب المحال وأرباب الحرف إلى إغلاق محالهم والهرولة نحو بيوتهم، وإقفال المدارس لأبوابها، وخلو الشوارع من المارة، فقد كان كسوف الشمس يعني المجهول، وأن مصيبة ستقع، ومؤشراً على دنو يوم القيامة، وبالتالي كانت الدعوات تتعالى والصلوات تقام لفك الشر وإزالة الغمة! ولكن مع الوقت، وزيادة نسبة المتعلمين، أصبح الناس يعتادون تدريجياً على ظاهرة الكسوف، وأنها ليست أكثر من ظاهرة كونية معروفة السبب، وهو لا يعدو أن يكون غير توسط القمر بين منطقة معينة من الأرض والشمس، بحيث تحجبها عنا، فيسود الظلام للحظات في تلك النقطة وليس في غيرها، وتطور الأمر وزال الخوف، بحيث أصبح الكثيرون يسافرون لمسافات طويلة ليحظوا برؤية هذه الظاهرة، ساعة حدوثها، بشكل أفضل وتسجيل لحظاتها على أدق آلات التصوير، بعد أن كان آباؤهم، وربما هم، يتوجسون شراً منها في الماضي!
تذكرت تلك الأيام عندما قرأت إعلاناً قبل أيام عن نية بعض الجهات في الكويت إقامة «صلاة استسقاء» بغية الإسراع في نزول المطر الذي طال انتظاره وتأخر عن موعده. وماء المطر كان وما زال مهماً في مناطق كثيرة من العالم، ولكن هناك كذلك مناطق أخرى لا تعرف المطر أبداً، أو يندر هبوطها فيه، ومع هذا لا تشكو من شيء، ولكن توقف نزول المطر لفترة طويلة يعتبر، لدى مجتمعات كثيرة، من الأمور الخطيرة التي يجب التحسب لها. فتوقفه يعني جفاف المراعي وشح مياه الآبار، وهبوط مستوى الأنهار، وهلاك الماشية، وبالتالي لم يكن أمام مجتمعات كثيرة، في مواسم الجفاف، غير الدعاء والصلاة ابتغاء نزول المطر، ومن هنا لم تكن الدعوة لإقامة صلاة استسقاء بغريبة، حتى تلك التي أقيمت في الكويت قبل أيام، فقد نزل الغيث بعدها بأقل من 24 ساعة!
ولكن، لو سألنا بعض من لبوا دعوة إقامة صلاة الاستسقاء تلك إن كانوا من قراء الصحف أو متتبعي الأرصاد الجوية، لوجدنا أن غالبيتهم لا علاقة لهم لا بهذه ولا بتلك، وبالتالي لم يقرؤوا النشرات الجوية ليوم السبت التي توقعت، بكل وضوح، هطول المطر يوم الأحد! وهذا يعني أن ما تحتاج إليه شعوبنا، ضمن أمور كثيرة أخرى، هو أن تقرأ أكثر وتجادل أقل! وغالباً، لا يعلم هؤلاء أن دولاً عدة كروسيا وأميركا والصين، تقوم اليوم بالتحكم في الأمطار في أكثر من مناسبة، ومنها أيام الاحتفالات الكبرى، بحيث تتخلص من السحب الممطرة، قبلها بيوم ليبقى جو الاحتفال.. من غير مطر!

أحمد الصراف

احمد الصراف

لا شك أننا شعوب مريضة

كتبت لي قارئة تلومني، وبحدة، على أسلوبي الجاف في توجيه النقد، للحكومة وللغير، في مقالاتي! وطالبتني، بحزم، أن أكون اكثر حكمة في المخاطبة، وأن أخذ بيد المخالفين وأدلهم على الطريق الصواب! والحقيقة أنني وجدتها على حق! ولكن تبين لي أن أسلوبها في مخاطبتي و«إرشادي» لم يقل في جفائه عن الأسلوب الذي تطالبني بالتخلي عنه.
أكتب هذا المقال لسببين، أولا: من وحي حادثة الاعتداء البشعة التي تعرض لها قبل ايام موظف أجنبي في العراق لرفضه تعليق شعارات دينية على مبنى يعمل فيه، وكاد أن يقتل لمجرد «تهمة»، فلا تحقيق ولا محاكمة ولا قضاء! وثانيا للتعقيب على التعليقات التي وردتني على ما سبق وكتبته قبل أيام عن حاجتنا لعدم الخجل من مراجعة الأطباء النفسيين! فلا شك أن الكثيرين منا، ولا استثني نفسي، لديهم مشاكل نفسية عميقة وبحاجة الى استشارة طبية، ولكن ما يمنع المراجعة، او حتى الاعتراف بوجود حاجة لها، ذلك الانطباع الذي تكون لدى الكثيرين من أن من يراجع طبيبا نفسيا فهو مجنون! وبالتالي نجد الكثيرين الذين لديهم عجز أو شعور بالنقص أو فوبيا من الظلام أو الأماكن المغلقة أو تسلق السلالم او لرؤية صرصار او فأر، يترددون كثيرا في الإقرار بحاجتهم للعلاج! ومقابل القول الذي يفيد بأن الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه إلا المرضى، هناك قول آخر نصه: إن المريض نفسيا يراه الآخرون كذلك، ولكنه لا يرى نفسه! فلو عاد أي دكتاتور مختل، كصدام أو مبارك أو القذافي أو بن علي، لحكم دولهم لما اختلف أسلوب حكمهم عن السابق، دون أن يدرك من بقي منهم على قيد الحياة، أن ما أصاب شعوبهم من كوارث بعدهم يعود سببه لطريقة حكمهم! وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإننا اصبحنا نرى أعدادا متزايدة من شعوب هؤلاء الزعماء يحنون لعهودهم، رافضين الاعتراف بأن ما يعيشه العراق أو تعانيه سوريا أو تشكو منه ليبيا وغيرها اليوم يعود سببه لعقود طويلة من القمع والاضطهاد والفشل في تحويل الدولة الدكتاتورية لدولة مدنية ديموقراطية!
ويقال، لو كان الكرم شائعا بين قوم حاتم الطائي وفي زمنه، وحتى من بعده، لما كان هناك سبب لضرب المثل بكرمه! ولو كانت الديموقراطية أمرا مسلما به بيننا لما كان هناك سبب لضرب المثل بديموقراطية الرئيس السوداني، «سوار الذهب»، الذي سلم الحكم طوعا لقيادة مدنية منتخبة، وذهب لبيته لينام آمنا! ولو لم نكن مرضى نفسيين، في غالبيتنا، لما كنا بمثل هذه الدكتاتورية، التي يعود سببها أساسا للأنا المتضخمة فينا، كوننا خير أمة، ولما كانت حوادث الشجار التي تقع في اسواقنا، بمثل هذا الكم، ولا لكل تلك الأسباب التافهة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

خدم ومعازيب

أظهر الشعب الياباني، خلال الكارثة النووية والبيئية التي ضربت بلادهم قبل سنوات قليلة، تضامنا اجتماعيا وتراحما فريدا من نوعه، وهو تصرف ليس ببعيد عن أخلاقيات شعب صنع المعجزات في مجالات عدة، ونجح في خلق أمة تنافس أكبر الدول الصناعية، وتصبح فوق ذلك قدوة لغيرها. وساعدها ثراؤها المادي والثقافي في التصرف بمنتهى الانسانية أثناء فترات الكوارث، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه مع شعوب كثيرة أخرى، أقل حظا منها.
تقول الصديقة «مارتين»، زوجة سفير هولندا في مانيلا، إنها عاشت تجربة العاصفة الهائلة التي ضربت الفلبين، ورأت مدى ما خلفته من دمار، وقالت إن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الخسائر البشرية والمادية، بل في هاجس الخوف الدائم الذي يعيشه سكان آلاف الجزر الفلبينية عن موعد العاصفة التالية! فغالبية تلك الجزر تقع في ممر مئات العواصف العاتية، التي تأتي من الشرق، وبالتالي ستستمر ويلات هذه المنطقة الى الأبد. ويقول الصديق بنجامين إنه شعر بتأثر عميق، ليس فقط لما أصاب تلك المنطقة من كوارث، بل للتصرف الإنساني الذي بدر من اثنتين من العاملات معه، من سكان تلك المنطقة المنكوبة، فقد قام، وكل فرد من أسرته، بما يمليه عليهم الواجب في تقديم المساعدة لهما لإرسالها لأهاليهما، ولكنه عرف، مصادفة، أن المبالغ التي دفعوها لهما قد تم توزيعها على أهالي القرية التي تنتميان إليها، ولم يقتصر صرفها على عائلتيهما. وقال إنه لم يكن ليصدق لو لم يتصل به صديق مشترك ليخبره بمثل ما حصل معه مع خدمه. وختم اتصاله بالقول إن هؤلاء الذين نعتبرهم في قاع المجتمع، ونعاملهم وكأنهم أدنى مستوى منا، قد تصرّفوا بطريقة أكثر انسانية من الكثيرين! وطلب مني البحث في الموضوع، وهذا ما قمت به بالفعل وسؤال من يعملن لدي عن مدى استعدادهن لمشاركة آخرين، من أقرباء وجيران، في مبالغ المساعدات، فقلن بأنهن غالبا ما سيطلبن من أهاليهن مشاركة الآخرين بما جمعن من أموال ومساعدات عينية! وطبعا هذه ليست قاعدة، وإن كانت، فلها استثناءاتها! ولكن الجميل أن يصدر مثل هذا التصرف، أو ما يقاربه، ممن لا نهتم عادة بمشاعرهم، فهم في عيوننا خدم ونحن سادة، أو «معازيب»! ولكن هل حقا، كما ندّعي، نمتلك رحمة وكرماً أكثر منهم، كوننا أفضل الخلق؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

علاج سرقات التبرعات

ورد في القبس أن مسؤولين في الشؤون عقدوا اجتماعا مع السفارة الأميركية لمناقشة موضوع جمع التبرعات لسوريا، وأن الاجتماع جاء بعد اكتشاف مخالفات تخص عملية الجمع ووجود «دخلاء» من غير المنتمين لجمعية أو مبرة، ممن جمعوا أموالا ولا أحد يعرف أين ذهبت تلك الأموال! وهنا لا أعتقد أن السفارة الأميركية معنية بوجود دخلاء على العمل الخيري بقدر اهتمامها بموضوع لمن ترسل تلك الأموال، وهذا ما لم يرد ذكره في الخبر. أما وجود دخلاء في العمل الخيري من عدمه فلم يكن يوما سببا في مخالفات الجمعيات والمبرات، فغالبية تلك السرقات أو المخالفات حدثت من قبل جهات معروفة لها، وصاحبها استغلال سيىء لأموال التبرعات التي لا صاحب لها، وسجلات الوزارة تمتلئ بقصص النصب والاحتيال من قبل منتمين لتلك الجمعيات ومحاسبين فيها وشاغلي كبار المناصب فيها. كما يعيش بيننا الكثيرون ممن يطلق عليهم اسم قادة حزبيين، وهم معروفون بانتماءاتهم الدينية، ومنهم كتاب ودعاة، ممن سمنت لحوم أكتافهم من استغلالهم الطويل للدين وأمواله في الإثراء غير المشروع، من خلال عقود حكومية ضخمة، التي ما كانوا ليحصلوا عليها لو لم يكونوا «حزبيين دينيين! ولا ننسى هنا الإشارة للخلاف الشهير الذي دب بين رفاق الأمس من السلف على أموال شركتهم الاستثمارية، والتي أكدت للمرة الألف أن «تعاونهم» لم يكن لخير الجماعة والدين، أو طلبا للثواب بقدر ما كان لجمع مال الدنيا والاستمتاع بمتاعها. وكذلك القضية التي قام فيها الراعي باقتطاع مبالغ كبيرة لنفسه منها، لكونه من «القائمين عليها» لا تزال في بداياتها، وأخبارها ستزكم الأنوف قريبا! وطبعا هناك عشرات المشاريع التي بدأت وانتهت، أو لا تزال أطلالها قائمة، كمشروع آخر كان «الإخاء الديني» غطاء له، ولكن فساد الوسائل التي اتبعت في إنجاز ما تم من المشروع أضاع أموال الكثيرين من الذين وضعوا ثقتهم في المشرفين على المشروع، الذي كان يغص بالمخالفات منذ يومه الأول!
إن العمل الخيري الحقيقي لا غني عنه، ولكنه بحاجة الى غربلة كاملة، وأساس علته تكمن في «حق» من يقوم بجمع التبرعات في استقطاع نسبة %20 مما يجمع لنفسه، إضافة لضعف أجهزة الرقابة عليه، والتي يجب أن تتصف بجدية وحرفية كبيرة، من هيئة رقابة أهلية أو مختلطة مستقلة، وليس ترك أمر مراقبة جمع مئات الملايين بيد إدارة ضعيفة في وزارة كثيرة المسؤوليات.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سؤال التريليون دولار

نقلا عن ممدوح المهيني، من واشنطن، بتصرف: زعماؤنا يلاحقون في الحفر وأنابيب مياه المجاري، وأطفالنا يبادون بالغازات، ومفكرونا مجهولون، ومتعصبونا في ازدياد، ويدفعون مزيدا من المراهقين للموت، وعاطلونا يغرقون على الشواطئ الأوروبية، والفوضى تعم دولنا، ومعدلات الفقر في تزايد، والأمل في تناقص، ونظم التعليم متهالكة، وجامعاتنا ميتة، والكل يشتكي من غياب القيم والقانون والتعاون ومن اهتراء الأوضاع، فلم حدث لنا هذا؟ هناك بالتأكيد خلل، وسببه اختيارنا الإجابة عن السؤال الخاطئ! فعندما يقع شعب في أزمة حضارية فإن عليه أن يختار الإجابة عن سؤال من اثنين: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ والإجابة الناقدة ستقوده حتما لإلقاء المسؤولية على الجهة المسؤولة، ليتم تصحيح المسار. والسؤال الثاني هو: من فعل بنا هذا؟ والجواب هنا سيقود الى سلسلة لا تنتهي من التبريرات وأوهام المؤامرة والاضطهاد ووجود أعداء وهميين.
يقول مؤلف كتاب «الحقيقة الليبرالية المركزية»، لورانس هاريسون، ان اليابان طرحت السؤال الأول على نفسها، وانطلقت حضاريا بعدها! أما بلداننا فقد اختارت السؤال الثاني، وما زالت تعاني من التراجع والتفكك، لأنها اختارت محاربة الأعداء والغزاة الذين يسعون لإذلالها وتحطيم مجدها. وهو يدعو في كتبه إلى طرح السؤال الأول فقط، لأنه سيقود الى نقد جذري للثقافة، ويجنب إلقاء اللوم على الآخرين. فالثقافة، بقيمها ومبادئها العميقة، هي المرآة التي تعكس صورة المريض الحقيقية، وهي السبب في دفع شعوب للتقدم وغيرها للتأخر، وتجنب تبرير الخلل، ولكن ما الثقافة التي تدفع أمما إلى الأمام وأخرى إلى الوراء؟ يقول هاريسون ان التعاليم الدينية من أقوى العناصر التي تدفع إلى التقدم إذا ما اتسمت بالعقلانية، ودعت إلى قيم الكد والعمل وجمع الثروة، هذا سبب تقدم الدول البروتستانتية في أوروبا مقارنة بالكاثوليكية، التي قاومت أفكار النجاح الشخصي ودعت الى الاهتمام أكثر بالعالم الآخر، والتقليل من قيمة الحياة والمال. وهناك أيضا تعاليم تدعو الى الخرافة واللاعقلانية وتزرعها بعقول متبعيها، وكلما زادت قوة حب الحياة في هذا العالم، زادت الرغبة في تطويره ودفعه الى الأمام. وهذا عكس ما تفعله الشعوب الأخرى، التي تعلن الاستقالة من الحياة، فتفقد الرغبة في النجاح والتفوق، وبالتالي فالعصر الذهبي للإنسان هو في مستقبله وليس ماضيه، وهذا عكس ما تفكر به الثقافات التي تسكنها فكرة أن الماضي أفضل من الحاضر! كما أن لعامل عدم احترام الحقائق العلمية دوره في انحراف مسار المجتمعات، ويمثل عائقا أمام التحديث. كما تدفع لقيم أخلاقية مثل الثقة والصدق والتعاون دولا كالسويد والنرويج والدانمرك، لتحتل قائمة الدول الأكثر نجاحا، على عكس دول تسيطر عليها أفكار انعدام الثقة والتعاون. كما أن الدول التي تعطي تعليم الجنسين المكانة الأعلى هي الأكثر قدرة على التطور. ففي عام 1905 مثلا كان %90 من أطفال اليابانيين في المدارس، وبدأت حرب السويد ضد الأمية قبل مئات السنين. كما تلعب قيم التسامح والانفتاح في تقدم المجتمعات، كما حدث في عراق العباسيين. وهناك عوامل عدة أخرى، ولكن هل لدينا حكومة «رشيدة» بإمكانها القيام بدورها؟ هذا هو سؤال التريليون دولار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

صواريخ أميركا وصواريخ العبيد

في سبتمبر 1959 وصلت مركبة Luna2 السوفيتية للقمر، مما شكل صدمة للأميركيين، فتعهد الرئيس كنيدي بوضع رجل على ذلك الكوكب خلال عقد واحد، ونجحت اميركا في يوليو 1969 في إيصال آرمسترونغ لسطح القمر! ومنذ 45 سنة و«علماؤنا» يحاولون بشتى الطرق نفي الواقعة، وعندما أعياهم الأمر، أمام سيل البراهين، تبرع عثمان الخميس بشرح «حقيقة» ما حدث قائلا: ان الوصول للسماء لا يمكن أن يتحقق بغير إذن إلهي، وأميركا لم تحصل على الاذن، وبالتالي فإن القمر الذي نزلوا عليه ليس في السماء، بل على مشارفها! أما زميله طلال فاخر، فقد زف للمؤمنين اكتشافه المتعلق بما يحدث للأدعية، بعد أن شعر بأن البعض اصبح يداخله الشك في جدواها، حيث ذكر أن الدعاء عندما يرتفع للسماء فإن أمامه 3 احتمالات: إما أن يتحقق ويحصل الداعي على طلبه. أو يصعد الدعاء، ولكن في طريقه يلتقي ببلاء نازل على الداعي، فيتصارع الدعاء مع البلاء إلى الأبد، واما أن يقبل الدعاء، ولكن حسناته تدفع يوم القيامة للداعي! وفي برنامج تلفزيوني سأل مقدمه يوسف القرضاوي عن رد فعله، لو صحت نظرية داروين، فقال انه عندها سيعيد تفسيره للقرآن! وبز صالح اللحيدان هؤلاء جميعا بتفسيره عن سبب حرمان المرأة من قيادة السيارة، قائلا ان جلوسها خلف المقود لفترة طويلة يتسبب في الضغط على حوضها، وهذا سيضغط على مبايضها ويؤثر بالتالي في الحمل! وقال ان نساء أوروبا، خصوصا الارجنتين وبيرو(!!) ليس لديهم غير طفل أو اثنين، بسبب خلل وظيفي في المبايض، وليس تحديدا للنسل!
اما القارئ في حسينية بوحمد، فيقول ان رهطا من المؤمنين كانوا برفقة أحد الأئمة في قافلة، وعندما حان موعد صلاة الظهر لم يوقف القافلة لأدائها، وما أن بلغوا موقعا آمنا في مساء ذلك اليوم، حتى أمر الشمس لكي تعود ليصلوا الظهر في موعده! وله خطبة أخرى قال فيها ان فلانة عطشت في الصحراء، وكادت أن تموت، فرفعت يديها للسماء داعية فنزل لها من السحاب «سطل» شربت منه، وبقيت 7 سنوات بعدها لا تشرب الماء!
نصوص الأحاديث أعلاه موجودة على موقع اليوتيوب، وبإمكان الجميع الوصول اليها بسهولة، او طلبها منا! وهي تبين أن العالم كان في السابق يضحك على قلة عقلنا، ثم تغير الأمر وأصبح يشعر بالرثاء لنا، أما الآن فقد اصبح يشعر بالخوف من تدهور فهمنا، وتحولنا لأن نصبح خطرا على السلام العالمي! والأخطر من كل ذلك أن لا أحد بإمكانه وقف هذا الدمار العقلي!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com