احمد الصراف

أسباب الكارثة

شاع خبر قيام جمهورية أنغولا الأفريقية بحظر ممارسة الإسلام، وأثار عواطف الكثيرين، ولكن «داعية» سعودياً فيها نفى صحة الخبر، وذكر أن صورة المسجد المهدم، التي وردت في الخبر، تتعلق بمخالفة بناء. ولكنه عاد وأكد أن بعض المساجد أُغلقت بحجة تنظيم المعتقدات، وأن من تسبب في إغلاقها قد عوقب. وورد في «الحياة» اللندنية أن مساجد عدة أغلقت في أنغولا للشك في ارتباطها بالإرهاب! ويذكر أن عدد مسلمي أنغولا يقل عن %1 من سكانها، البالغ عددهم 15 مليوناً!
ما حدث في أنغولا يحدث الآن ما يماثله في جمهورية افريقيا الوسطى، التي تبلغ نسبة المسلمين فيها %20 من أصل 4 ملايين نسمة، حيث يتعرّضون لتصفية عرقية. وسبق أن تكرر سيناريو التصفية قبلها في بورما، مع مسلمي «الروهنغا»، ومع مسلمي تايلند، فقد أُحرقت بيوتهم ومُنعوا من التجارة والعمل. كما يتعرض مسلمو الصين منذ فترة لتضييق وقهر سياسي مستمرين. كما أن مسلمي الفلبين يواجهون المصير ذاته منذ سنوات، ولا ننسى مقابل ذلك، التصفيات التي تتعرض لها أقليات غير مسلمة في أندونيسيا ونيجيريا وباكستان والعراق ومصر ولبنان وسوريا ومالي، وتشاد وغيرها، على أيدي المسلمين، وما يحدث لهم من تقتيل وسلب وتهجير وتصفية عرقية، وكأنهم لم يكونوا يوماً أهلاً وأصدقاء وشركاء! والسؤال: ما الذي حدث ودفع الأمور الى هذه المستويات الخطيرة في كل هذه الدول، وبعد قرون من التعايش السلمي؟ ما الذي اختلف، وما سبب كل هذا العنف؟ الجواب بسيط بقدر ما هو معقّد، حيث نعتقد أن السببين الأساسيين، ضمن أسباب كثيرة أخرى، يكمنان أولاً في التشدد الإسلامي لدى البعض، الذي تبعه تشدد مقابل من بعض المسيحيين والهندوس والبوذيين وغيرهم! وهذا التشدد رعته جهات خليجية، وبقية القصة معروفة! كما أن هذه الاعتداءات ما كانت لتحدث لولا دخول عنصر «دخيل» على تلك المجتمعات، التي عاشت لقرون في سلام تام. فقد أجّج هذا الدخيل، المتمثل في الداعية، الذي يُعرف بالمبشر لدى المسيحيين، أجّج نفوس من أُرسل «لهدايتهم» من مسلمي أفريقيا وجنوب شرق آسيا، وأقنعوهم بمظلوميتهم في أوطانهم، وأن عليهم المطالبة بـ«حقوقهم»، ولو بالعنف، وكانت تلك البداية! وبالتالي، فإن ما يحدث الآن، وسيحدث مستقبلا، من قتل وتصفية لمئات آلاف المسلمين في تلك الدول، وغير المسلمين في دول الإسلام، يعود الى التطرف الديني لبعض الدعاة! فهؤلاء هم الذين جيّشتهم جهات حكومية، ولا تزال، والذين سبق أن أدلجتهم الجمعيات المسماة بالخيرية، ولا تزال، وأرسلتهم بعدها لـ«هداية» مسلمي تلك الدول وتخريب بيوتهم تالياً!

• ملاحظة:
أعلنت وزارة الأوقاف الكويتية أخيرا عن إقامة دورة إعداد دعاة، وأن مدة الدورة سنتان، يتقاضى خلالها «المتدرب الداعية» 2300 دولار شهرياً.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مانديلا وناصر

«.. عندما هممت بالخروج من بوابة السجن إلى الحرية، شعرت بأنني إن لم أترك ورائي ما بنفسي من مرارة، وما بقلبي من حقد، فإنني سأبقى سجينا إلى الأبد».. نيلسون مانديلا.
***
وصلتني رسالة تويتر حاول فيها مرسلها تأبين الرئيس الجنوب أفريقي، (مانديلا)، ومقارنته بعبدالناصر، وهذا ظلم للرجلين. فقد بقي مانديلا في الحكم 5 سنوات فقط، وسلم بعدها الرئاسة لغيره طوعا. وترك الحكم بعد أن وضع الأسس القانونية للقضاء على كل أشكال الحقد والكراهية بين شعبه الأفريقي وحكامه البيض السابقين، وأنهى كل مرارات القتل والتشريد والتعذيب والإهانة البشعة التي تعرضت لها الأغلبية نتيجة سياسات الفصل العنصري، من خلال محاكمات التسوية بين الضحايا والجلادين. وكان اللقاء الرمزي الذي جمعه والمدعي العام الذي حكم عليه بالسجن 27 عاما، قمة في الإنسانية ومثالا يحتذى في التسامح والغفران. وأعتقد أن جنازته، كرئيس سابق، ستكون حدثا تاريخيا غير مسبوق، كما ستبقى ذكراه للأبد كرمز لقوة الشخصية، ونكران الذات ونظافة السيرة. ويسود الاعتقاد أنه ترك الحكم والحياة، من دون أعداء!
في الجانب الآخر، وصل الرئيس ناصر للحكم مع بداية 1956، بعد التخلص من محمد نجيب، والقضاء على بقية أعدائه من عسكريين ومدنيين. وقدم لمصر، في فترة قصيرة، ما كانت بحاجة له من عزة وكرامة. كما نجح، سياسيا فقط، في جعل مصر مستقلة، وذات مكانة افريقية وعربية عالية، ولكنه مات تاركا وراءه كماً هائلا من الأعداء، داخليا وخارجيا، وكانت خطيئته الكبرى، وهو الذي امتلك شعبية عارمة قلّ نظيرها بين زعماء العالم، إصراره على التمسك بالحكم، ورفض الديموقراطية، والدخول في تجارب سياسية فاشلة الواحدة تلو الأخرى، والاستعانة بالأجهزة السرية لتثبيت سلطته، ورفضه النظر في قصص الفساد، التي كانت تطال كبار رفاقه في الحكم، من «الضباط الأحرار». ولو آمن عبدالناصر، وهو في قمة شعبيته، بالديموقراطية وأرادها اسلوب حكم لما تخلى المصريون عنه، ولانتخب رئيسا المرة تلو الأخرى إلى أن «تطلع روحه»! ولكنه فضل الدكتاتورية، وخلق الأعداء والانتقام منهم، وملء السجون بهم! ولو كانت مصر الستينات دولة ديموقراطية لما عرفت السادات ولا مبارك، ولا عرف العرب السلال وقاسم وعارف وصدام والقذافي وعشرات الدكتاتوريين الآخرين! ولكن ربما يكون «تراث» هذه الأمة أن تميل غالبيتها نحو حامل السيف أو البندقية، وليس نحو حامل البطاقة الانتخابية والديموقراطية!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

«بكرا بيجي نيسان»

تأثرت – كغيري – بوالدي، وربما اجمل ما أعطاني إياه حبه للبنان وفيروز. وأول مرة أخذني فيها للبنان كان في صيف عام 1956، وأسكنني في بيت أسرة صديق له، وربما كان بيت المرحوم محمد البدر، في بحمدون الضيعة! وكنت أخرج من ذلك البيت كل صباح، مع صوت القطار الذي كان يمر بالقرب منا، وأتجول في الحقول الصغيرة القريبة ألتقط الفواكه وأسمع شدو الطيور، وأملأ رئتي برائحة الصنوبر، وأقطف الزهور، غير شاعر بتغلغل حب ذلك البلد في نفسي مع كل خطوة أخطوها، ونسمة أستنشقها، بعيدا عن لظى الكويت وغبارها، ومن يومها أصبحت ولبنان شيئاً واحداً، ولا أذكر أنني تغيبت عنه، أو غاب عن خاطري يوماً!
لبنان يعني لي الكثير، ولكن فيروز اصبحت تعني لي أخيراً أشياء أكثر، بعد أن خرب لبنان الذي خبرته وعرفته لما يقرب من ستين عاماً! فصوت فيروز – وأغانيها القديمة بالذات – يعيدني في لمحة الى أيامي ولياليّ فيها، وذكريات طفولتي في دروب ضيعها، وشيطنتي في أزقة مدنها، وضحكاتي مع شبابها، ونظراتي لورد بلكوناتها، ولقهوة «أم حنا الغنوجة» وحلوياتها، وإغواءات صباياها! ولا أعتقد أن هناك أغنية تذكرني بكل ذلك، والحنين للبنان، كأغنية فيروز «بكرا بيجي نيسان»، التي تقول فيها:
بكرا بيجي نيسان يسألنا
وبيرش وردو عا منازلنا
منخبرو شو صار
منسمعو الأشعار
يللي كنت فيها تغازلنا
بكرا بيجي نيسان يغوينا
ويموج زهورو بروابينا
منحكيلو عالي كان…
منسمعو الألحان يللي كنت فيها تناجينا
ناطرين تلوح يا حلو
وتبوح وتسمع شكاويك للوردات
ناطرين نضيع، عالدرب وتشيع
عن هوانا بهالدنيي حكايات
بكرا بيجي نيسان يسعدنا
وعاتلال أحلامو يبعدنا
منتيه شردانين عا دروب مخضرين
وأرض الهوى والحب موعدنا

أحمد الصراف

احمد الصراف

.. البصمة الوراثية والاحتيال الأسري

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

تعتبر البصمة الوراثية الطريقة الأكثر دقة في معرفة نسب أي شخص، وأهم تقدم حققه العلم في مجال البحث الجنائي ومحاربة الجريمة. وكل ما يتطلبه الأمر لمعرفة نسب أو هوية اي شخص، حيا كان أو ميتا، هو الحصول على قطرة من دمه أو عرقه، او لعابه او سائله المنوي، أو حتى شعرة من رأسه. وقد عرف العالم البصمة الوراثية عام 1985، عندما توصل العالم البريطاني د. آليك جيفريز إلى أن تتابعات كل إنسان مميّزة، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالات التوائم المتماثلة فقط، بل إن احتمال تشابه بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في التريليون، مما يجعل التشابه مستحيلاً، لأن سكان الأرض لا يتعدون 7 مليارات اصلا. وهي أفضل من بصمة الأصابع التي يمكن مسحها، فبصمة الدناDNA يستحيل مسحها، فهي تنتقل بمجرد المصافحة.
وبعد 30 عاما من اكتشاف د.آليك للبصمة لا تزال الجهات المعنية في الكويت في حيرة من أمرها في كيفية تطبيقها، وظهر ذلك جليا في الندوة التي أقيمت في 28 الشهر الماضي، لمناقشة «البصمة الوراثية وقضايا النسب»، والتي ذكر فيها أحد المتحدثين أن الكويت رفضت اعتمادها لأن تطبيقها قد يؤدي الى «كشف الأسرار»، وهو يعني هنا أن من ادعوا أنهم ابناء أو آباء البعض الآخر أناس مزورون، وكذبة ويجب بالتالي توفير الحماية لهم، والستر عليهم!! كما تطرق مشارك آخر لمأزق قانوني وشرعي وأخلاقي آخر وذلك عندما تتضارب الأحكام القضائية، بتأكيد نسب شخص أو مولود لشخص آخر، مع ما أثبتته الفحوصات المختبرية، باستخدام تقنية البصمة الوراثية، بعدم صحة ذلك الحكم. كما أن هناك قاعدة شرعية تفيد بأن ثمرة اي علاقة جنسية تكون في نسبة المولود للأب فقط، وليس للأم التي انجبته، وبالتالي تصبح لدينا إشكالية متى ما أثبت فحص البصمة الوراثية أن الأب شخص آخر! كما تطرق المحاضرون، وهم من القانونيين والأكاديميين والجنائيين، الى حالات وأمثلة متعددة أخرى يحدث فيها تضارب بين المعمول به شرعا، والظاهر علما، ولكنهم أنهوا ندوتهم تلك دون التوصل الى قرار، فأمر البت في هذا الموضوع خارج عن إرادتهم، ولا أدري أصلا سبب عقدهم لتلك الندوة! وبالتالي على الدكتور آليك واكتشافه الانتظار لثلاثين أو مائة سنة أخرى، يكون فيها كل من كذب في نسبه وانتمائه قد مات، ليصبح بإمكاننا بعدها اعتماد هذه الطريقة العلمية، التي «ماتخرش الميه»، في تحديد هوية اي فرد، حي أو ميت، أو نسبه!

احمد الصراف

محاولة لفهم مكيافيللي

كتب الزميل محمد وقيع الله في أحد المواقع مقالا تعلق بالنظرة السلبية لشخص ومفهوم مكيافيللي، حاول فيه إثبات أنه لم يكن مكيافيلياً، على النحو الذي تفهم به الكلمة اليوم! ففي كتابه «الأمير»، البالغ التأثير، وضع مادة شيقة تبحر بالقارئ في خضم التاريخ وتستخرج دروساً بليغة منه، وتسهل فهم السياسة، وإدراك أسرار صناعة قراراتها، ولكنه كتاب قلما حظي بقراء جادين، فمعظم دارسي الفلسفة والسياسة يكتفون بقراءة مكيافيللي في سياقه التاريخي، الذي تضعه فيه ملخصات كتب الفلسفة والعلوم السياسية، أما عامة المثقفين فقد اكتفوا بفهم المعنى الاصطلاحي المشتق من اسمه، والجاري مثلاً بين الناس، لوصف بعض أنماط السلوك الانتهازي النفعي. ويقول وقيع الله إن مكيافيللي كان مثاليا يهدف إلى تمثل وتحقيق مبادئ وقيم وأهداف الناس القومية العليا، ويروم خيرهم. وصحيح أنه برر استخدام كثير من الفظائع، بل ودعا وحرض على ارتكابها، ولكن ذلك التبرير والتحريض لم يكونا مبذولين لكل من يريد، ولا لكل من يتذرع بكل وسيلة للوصول لأي غاية، وإنما يبذل ذلك فقط للحاكم القوي الهادف لتحقيق منافع عظمى لوطنه، مثل تحقيق الاستقرار وبناء الوحدة الوطنية وتوطيد أسس التنمية والعمران. أما الحاكم الضعيف العاجز، فلا يبيح له ارتكاب أي أخطاء ولا الجنوح لأي تعد أو إرهاب. ويقول عنه إنه كان وطنيا ويغلبه الحرص على مصالح أمته ويؤرقه النظر إلى تناحر الوحدات الأساسية الخمس في وطنه، وهي نابلي، روما، البندقية، فلورنسا وميلانو، ويحزن لما يشاهده من احتراب وتآكل بينها. في حين كانت الدول الأخرى كفرنسا وألمانيا تشهد آيات التوحيد والاستقرار والازدهار. وقد دفعه ذلك لتقصي أسباب حيازة الدول للوحدة والقوة، وكان مدخله لذلك فلسفة التاريخ، وهكذا دلف إلى جماعة من المؤرخين الغابرين، واغتذى من تأملاتهم، ودوّن خلاصاتها في كتابه، الذي يقول عنه إنه درس فيه موضوع القوة، بأقصى ما يستطيع من العناية والاتقان.
وفكرة البعث الإيطالي، أو بعث الدول المتناحرة والمندحرة، وتوحيدها، هو جوهر ما اعتنى به، وهنا فقط أباح للحاكم استخدام وسائل شائنة، ولكنه لم يقل مطلقاً إن «الغاية تبرر الوسيلة» كما ينسب إليه. ولم يبح للحاكم أن يستخدم أي وسيلة حتى في سبيل تلك الغاية الأسمى، بل قام بالمقابل بالنصح، بقوة وصراحة، بعدم استخدام بعض الوسائل مهما تكن الغايات المرجوة من ورائها، بل أوصى الحاكم مثلاً بألا يطمع في مصادرة ممتلكات مواطنيه، لأن ذلك وإن كان في مصلحته، فإنه ليس في مصلحة الدولة. وينقل عنه قوله إن الإنسان أسرع إلى أن يغفر مقتل والده منه إلى الصفح عمن يصادر ميراثه عنه! وأن الحاكم الفطن قد يقتل ولكنه لا ينهب. وإن القتل لتوفير الأمن ولرعاية أملاك الناس وأرواحهم، وليس لغرض البطش.

أحمد الصراف

احمد الصراف

البطر بعد الجوع

تقوم السلطات الجمركية، بين الفترة والأخرى، بإتلاف كميات كبيرة من المشروبات الروحية المصادرة، وكان آخرها قبل أيام، وتم بث شريط إتلافها على وسائل التواصل، وبيّن كيف كان العمال يرمون كراتينها من حاويات كبيرة ومرتفعة وعلى الأرض الإسفلتية، بطريقة بدائية تجعل كلفة جمعها مرة أخرى وتكسيرها عالية دون سبب منطقي!
والسؤال هنا، لو كانت الكويت دولة فقيرة جدا، ولا تمتلك أي ثروات تكفي لإطعام نفسها، وكانت قوانينها صارمة وتمنع تناول أو تداول المشروبات الروحية، فهل كانت حقا ستقوم بإتلاف ما تقوم بمصادرته من مشروبات روحية؟ ألم تكن وقتها ستفكر بطريقة اكثر رشدا، وتتصرف بها بالبيع لأحد أسواق المنطقة الحرة في المطارات، وما أكثرها، التي تبيح بيع مثل هذه المواد، ومن ثم صرف عائد البيع لتحسين مستوى المجاري لدينا، مثلا؟ ولماذا يكون موقفنا مختلفا ونحن فقراء عن موقفنا ونحن أغنياء، والمبدأ واحد؟
ولو كنا بالكاد نجد ما نأكل، هل كنا سنضحي بكل هذه الرؤوس من الأغنام في كل عام، والتخلص من غالبيتها بالدفن؟ ألم نكن سنفكر حينها بتحويل هذا الطقس الديني لعملية رمزية، بحيث تتم التضحية برأس خروف واحد في كل دولة في العالم، نيابة عن كل حجاجها، وجمع مبالغ تلك الخراف، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، وصرفها على عشرات المشاريع المفيدة والمطلوبة، ولو ضاع نصف ما سيجمع، فهل أفضل من دفن المال تحت الرمال سنة وراء أخرى وعقدا بعد آخر وقرنا بعد سابقه؟
المؤلم هنا أن نرى أن الثراء الذي هبط علينا قبل نصف قرن من أموال النفط لعب دورا معاكسا في حياتنا، فبدلا من ان يكون عاملا في تحسين مستوى معيشتنا، وتمكيننا من توفير أعلى درجات التعليم لنا ولأبنائنا، ويشجعنا على الانفتاح أكثر على الآخرين، فإن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد حولنا تلك الثروة لثلاجات وسيارات وهواتف نقالة، وانغلقنا على أنفسنا، متباهين، كالطواويس بما نملك من ثراء، لا يد ولا رجل لنا فيه، وزادنا الثراء النقدي تعصباً، وكرهاً للآخر «الطامع فينا»، وإصراراً على التباهي بأننا خير الأمم، ونحن في الواقع، وبالكاد نجر أذيال التخلف والخيبة في المؤخرة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

.. التاكسي والمجمع

تنفرد الكويت عن بقية دول العالم بوجود نوعين من سيارات التاكسي فيها، تاكسي جوال، كغيرها من دول العالم، وآخر ثابت لا يحرك، وهذا جار اختراعه! ومع التحول السريع في العولمة، واقتراب العالم لأن يصبح قرية صغيرة، بصبغة وثقافة أنجلوسكسونية، نتيجة ريادة دولها في ميادين العلوم والاختراعات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت شعوب العالم بغالبيتها، نتيجة لذلك، تستخدم كلمات متشابهة في محادثاتها، وحتى في كتاباتها، مثل «واتس أب»، موبايل، سوفت وير، و«باس ويرد» ومايك، وقبلها كاميرا وفيلم ولابتوب وكمبيوتر وتلفون وسينما وباكيت وكرتون وتيب، ومئات غيرها مثل بقشيش وأرجيلة وأوكي OK وتاكسي! والكلمة الأخيرة هذه «منع» مرور الكويت كتابتها على سيارات الأجرة، والسبب لا علاقة له بأصل الكلمة الاجنبي، بل لأن صاحب عقل «خاص» اكتشف أن عاملا جويا، كالهواء والمطر، قد يؤثر في الاحرف ويخرجها من معناها، وبالتالي صدر الأمر باستبدال تاكسي بـ«أجرة جوالة»! ولا بأس طبعا في ذلك، ولكن لماذا أجرة جوالة؟ فهل هناك سيارة أجرة ثابتة مثلا؟ وطالما استطاع عبقري المرور منع استخدام كلمة تاكسي، فهل بامكانه تكملة «معروفه» وتعريب بقية الكلمات التي فشل مجمع اللغة في القاهرة في الاقتراب منها، بعد ان توقفت اجتماعاته مع توقف انفاس الثقافة في مصر! وبمناسبة الحديث عن هذا المجمع الذي ربما كان المفكر طه حسين وراء فكرته، نتيجة تأثره بالأكاديمية الفرنسية، التي تأسست قبلها بـ 300 عام تقريبا، والتي طالما اعطت الفرنسية طعمها الفريد، فقد تأسس المجمع العربي عام 1932، ونص مرسوم انشائه «الملكي» على أن يكون نصف أعضائه مصريين، ونصفهم عرباً ومستشرقين، الا أنني أشك في أن هذا القرار أو الرأي كان محل ترحيب، ولا أعتقد أنه طبق كاملا. كما أن الخلافات التي لم تتوقف يوما بين الدول العربية، دفعت الكثير منها، «جكارة، وعنادا»، وليس حبا في اللغة، لانشاء «مجمعها» الخاص بها، كما فعلت تونس والجزائر والعراق ولبنان والأردن والسودان، اضافة لمكتب تنسيق التعريب في المغرب، ومعهد اللغة العربية في اليمن، وحتى ماليزيا دخلت على الخط وأنشأت أكاديمية للغة العربية!
وعليك تخيل، ليس فقط حال ووضع الترجمة والتعريب في البلاد العربية، في ظل كل هذا التضاد والتناحر والاختلاف، بل وحال اللغة نفسها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أحلام الملالي وحيرتهم

لا تبعد إيران عنا بالطائرة أكثر من نصف الساعة، ومع هذا لم أزرها إلا مرة واحدة، مضطرا، وعلى مدى أكثر من نصف قرن (51 عاما)، على الرغم من وجود أهل وأحبة فيها، وذهبت لتحصيل مبلغ لي بذمة مصرف لم يكن بإمكانه سداد قيمة اعتماد مستندي صادر عنه لمصلحتي بالدولار بسبب شح سيولة الدولة من العملة الأجنبية! كان ذلك قبل 25 عاما، فكيف بوضعها قبل الاتفاقية الأخيرة، مع كل ما تواجهه من صعوبات في بيع منتجاتها من نفط وسجاد واطعمة، وشراء ما هي بأمس الحاجة إليه من أغذية وقطع غيار لمختلف المعدات والمركبات والطائرات، هذا غير الأدوية والأمصال وغيرها الكثير؟!
ولو توافرت لإيران قيادة مدنية مستنيرة، بعد إسقاط الشاه، كما كان يتمنى الكثيرون من الذين شاركوا الخميني في الإطاحة بنظام الشاه، أمثال مهدي بازركان وابوالحسن بني صدر وغيرهما من كبار وطنيي إيران، الذين قاسوا الأمرين تحت الحكم الامبراطوري، لكانت إيران اليوم على الأقل «تركيا ثانية»، علما بأنها تمتلك ما لا تمتلكه تركيا من قدرات وثروات نفطية ومعدنية هائلة!
وقد بينت الاتفاقية التي توصلت إليها القوى الكبرى مع إيران، أن أسلوب الحصار والضغط الاقتصادي اكثر فعالية من الحروب المدمرة. كما أثبتت فشل أي قيادة دينية، وأن هدفها الوحيد هو استمرار بقائها في الحكم. كما أثبتت خطأ تحدي المجتمع الدولي بقرار فردي من قائد أو مرشد، دون ان يكون للشعب دور حقيقي في كل ما ابتلي به من ويلات، هذا غير تضييع عشرات مليارات الدولارات على مشاريع خرافية التكلفة، بغية تحقيق أحلام شوفينية بامتلاك اسلحة نووية تزيد المنطقة توترا وتطرفا! وبينت الاتفاقية كذلك خواء كل ما ادعاه «كبار» الاستراتيجيين والمحللين السياسيين عن الثعلب الإيراني المراوغ، والمفاوض الداهية وكيف أنهم يمتلكون نفسا طويلا، وأنهم، كما وصفهم عبدالله النفيسي يوما، سادة لعبة الشطرنج ومن اخترعها، وبالتالي يعرفون جيدا كيف يحركون أحجارهم، وأين يضعون اقدامهم! ثم تبين أن كل هذا كلام فارغ لا معنى له وإن إيران ليست أفضل من اي دولة متخلفة أخرى، وإن هم قيادتها الدينية، التي قضت على كل أحلام شعب حي وجميل، ينحصر في البقاء في السلطة، وأن هذا البقاء مرهون باستمرار إشعالها للنزاعات والقضايا المذهبية الخلافية، سواء كان ذلك في سوريا أو اليمن أو لبنان او في نيجيريا أو غيرها! والمؤسف بعد كل ذلك أن لا أحد يود أن يفهم أن الحل لكل مشاكل إيران وغيرها من الدول «المتدينة شكلا» هو في العلمانية، وليس هناك من حل آخر!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الزوجة ورأي البعيجان

أقامت جمعية إنسانية، أبعد ما تكون عن حقوق المرأة، ندوة قبل ايام تعلق موضوعها باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25 نوفمبر من كل عام) وكان عنوانها «كيف نحقق للمرأة الأمان»؟ ووجهت المحاضرات دعوة للرجال، الذين ندر وجودهم في الندوة، لإقرار كل حقوق المرأة ومناهضة جميع اشكال التمييز ضدها! ودعون «الجهات المختصة»، لوقف ممارسة أي عنف ضد المرأة، مع العلم أن هذه الجهات هي أصلا وراء تكريس هذا النوع من العنف! وأكدت المحاضرات أن المرأة تشكل نصف المجتمع، وعلى الجميع احترامها، وهذا ما لم نكن نعلم به! وكان أفضل ما قيل في الندوة، وأكثره إيلاما، ما جاء على لسان رئيسة برنامج المرأة والتنمية الاجتماعية التابع للأمم المتحدة، سحر الشوا، من ارتفاع قضايا الاعتداء والعنف على المرأة في الكويت، وفقا لاحصاءات رسمية صادرة من قبل العدل، حيث وصلت إلى 345 قضية عام 2000، وارتفعت إلى 443 عام 2009! وهذه أرقام النساء اللواتي تبرعن بتقديم شكاوى رسمية ضد من اعتدى عليهن فقط، أما الغالبية العظمى فمن المؤكد أنهن فضلن البقاء صامتات، خوفا من فضيحة أكبر وعقاب اشد! وقالت الشوا إن اكثر القضايا المسجلة هي هتك العرض والخطف والمواقعة بالإكراه او التهديد مع الضرب المحسوس. وطبعا انتهى المؤتمر بكلام عام، كما بدأ، من دون أن يتوقع أحد أن يتمخض عنه شيء، طالما بقيت المناهج الدراسية مكرسة لممارسة العنف ضد المرأة، وطالما كانت القوانين الحالية قاصرة عن حماية حقوقها.
وبعيدا عن قضايا العنف، يقول صديقنا البعيجان، إن المرأة الكويتية بالذات أصبحت تعيش تحت هاجس الخوف من أن يتزوج زوجها عليها! بعد أن تبين أخيرا، عند توزيع تركات أشخاص متوفين، ظهور زوجات لهم لم يكن أحد يعرف بوجودهن. وقال إن ذلك شكل صدمة كبيرة لكثيرات. ويقول صديقنا البعيجان إنه ما دام لدى البنوك الكويتية «مركز مخاطر» يمكن لأي بنك الاستعانة به لمعرفة حجم مديونية أو قروض اي عميل، لدى أي بنك، قبل منح هذا العميل أي قرض جديد، فإنه يجب بالتالي إيجاد «مركز مخاطر» مماثل يمكن للتي تود الاقدام على الزواج اللجوء إليه لمعرفة ماضي وحاضر من يود التقدم للاقتران بها. وكما يمكن للزوجة مراجعته، متى شاءت، للتأكد من أن زوجها، الفحل، لم يتزوج عليها!
وعلى الرغم من معقولية ووجاهة اقتراح الصديق، فإن تطبيقه، كما يعرف هو جيدا، أمر ليس بالهين، فالزواج الإسلامي الصحيح لا يتطلب تسجيلا لدى أي جهة كانت، وما يجري الآن من توثيق لعقود الزواج ما هو إلا بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبئس القرار!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

شيماماندا وتيد

قد تستقر في الذاكرة البشرية أمور معينة على غير صورتها الحقيقية، وتصبح نوعا من المسلمات تتوارثها الأجيال، جيلا في إثر جيل، لتصبح مع التقادم وتعاقب الأزمنة والعصور، نوعا من التراث الإنساني الذي لا يقبل له الإنسان تبديلا ولا تحويلا. (الزميل صالح الشايجي)
تيد TED اختصار للكلمات الإنكليزية: تكنولوجيا، تسلية وتصميم، وهو اسم برنامج يشاهده سنويا على الإنترنت مليار مشاهد، ولا أعتقد أن حصتنا من ذلك تذكر! تتلخص فكرة برنامج «تيد»، الذي اوجده ريتشارد ورمان عام 1984، في أن هناك أفكارا لدى البعض تستحق أن يعرفها الغير، وبالتالي كان لا بد من الاستماع لها وتسجيلها ونشرها، وهكذا قام المشرفون على هذا البرنامج غير الربحي بدعوة عشرات الآلاف، وقلة منهم من عالمنا لإلقاء محاضرات، وتسجيلها وبثها بمختلف الوسائل، ويمكن الاطلاع على ثروة ثقافية وعلمية من محاضرات تيد التي لا يزيد وقت أي حلقة منها على 18دقيقة، من خلال موقعهم على الإنترنت، وسبق أن شارك فيها زعماء وسياسيون كبار من أمثال الرئيس بيل كلينتون والكاتب مالكولم كودويل وآل غور، وعدد من حملة نوبل. كما شاركت الشيخة القطرية مياسة في حلقة منها مؤخرا، إضافة الى سيدات عربيات غير مسموح لهن بقيادة «العربيات»!
ومن محاضرات تيد الجميلة تلك التي القتها القاصة النيجيرية شيماماندا أديشي، التي كانت بعنوان «خطورة القصة المنفردة»، والتي تحدثت فيها عما تحمله الغالبية منا من انطباعات خاطئة عن شعب أو فرد! فنحن في الخليج مثلا لا نعرف عن الهنود والفلبينيين والبنغال والباكستانيين والسريلانكيين، وحتى الإيرانيين غير أنهم ليسوا عربا، وقدموا الى بلادنا للعمل في مهن متدنية، وبالتالي نحن أفضل منهم. وهذا ما يحدث مع أمم أخرى، وحتى الأوروبية المتقدمة، فهي لا ترى في أفريقيا مثلا غير أسود وقرود ومناظر طبيعية وفقر وحروب وأوبئة ولغات بدائية مضحكة، وشعوب متوحشة تعيش على أطراف الغابات، وتفضل البقاء طوال اليوم نصف عارية. وهذا تسطيح وأبعد ما يكون عن الحقيقة في الحالتين، فهذه الشعوب التي نسخر منها تمتلك إمكانات، وقدمت للتراث البشري ما لا يمكن حصره. وتقول شماماندا إن شخصيات قصصها التي كانت تكتبها، وهي صغيرة، كانت دائما ذات عيون زرقاء وبشرة بيضاء، فهي صفات ابطال الروايات، الإنكليزية غالبا، التي كانت تقرأها، وبالتالي لم تكن تتخيل، قبل ان تطلع على روايات كتاب افريقيين، أنه من الممكن أن تكون شخصيات أي رواية من أصحاب البشرة الداكنة وبعيون سوداء! وتقول إنها كانت تعتقد أن اسرة الخادم الذي كان يعمل لديهم فقيرة ولا تتقن شيئا، لأن والدتها كانت تصفهم بذلك، ولكنها فوجئت، عندما زارت قريتهم، بامتلاكهم لما لم تكن تتصور وجوده لديهم، إضافة الى قدرتهم على صنع اشياء كانت هي واسرتها عاجزة عن صنعها. وملخص رسالتها أن علينا أن نفتح أذهاننا، ونعرف هويات الغير الحقيقية، ولا نكتفي بالصورة النمطية التي نحملها عن شعب معين، أو نكتفي بقراءة «رواية واحدة» فالعالم وافر بالثراء، ولكل شعب جانبه الرائع والجميل.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com