احمد الصراف

نهاد رزق.. جارة القمر

هذا هو الاسم الأصلي للفنانة الكبيرة «فيروز»، التي ستبلغ الثمانين خلال عام تقريبا! ولدت فيروز لأسرة فقيرة في منطقة «زقاق البلاط» ببيروت، لأب سرياني، تركي الأصل وأم مارونية، وبدأت عملها الفني في اربعينات القرن الماضي. وكانت أولى أغانيها المسجلة باللهجة المصرية، وهي «يا حمام يا مروح»، من ألحان حليم الرومي، والد الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي، وبالمناسبة هو الذي عرّفها، عندما كان مديرا للإذاعة اللبنانية، على عاصي الرحباني الذي تزوجها لاحقا واطلقها في سماء الفن مع أخيه منصور. أحدث ثلاثي الرحابنة، ومن بعدهم ابنها زياد، شبه انقلاب في الموسيقى العربية بتميز اغانيهم بكلماتها والحانها، وقصر مدتها وقوة معانيها، على عكس ما كان سائدا في حينه. كما شاركوا في تقديم عشرات الأوبريتات المسرحية والأفلام السينمائية، لمختلف المواضيع الناقدة للأوضاع السياسية والاجتماعية، ممجدة البطولة وحياة الضيعة والحب بأنواعه. وبالرغم من طغيان ألحان الرحابنة على أغانيها، فإن كثيرين لحنوا لها كذلك. كما غنت أشعار ميخائيل نعيمة وسعيد عقل، وبالرغم من ان فيروز شاركت في الغناء في مناسبات وطنية عديدة، بحضور ملوك ورؤساء. وبالرغم من تأثير زوجها، الذي توفي عنها عام 1986، وأخيه على أعمالها، فإن ابنها زياد نجح في أن يضع لها ألحانا أكثر تميزا وذات بعد فلسفي.
غنت فيروز لوطنها لبنان ولفلسطين والأردن وكندا، وأدت أغانيها في دمشق وفلسطين والبحرين والكويت والإمارات وقطر والأردن وسوريا ومصر والمغرب والجزائر واليونان وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وهولندا والمكسيك والبرازيل والارجنتين واستراليا وولايات أميركية عدة. وبالرغم من ادعاء البعض أن عدد أغانيها بلغ 3000 فإن الحقيقة انها لم تبلغ الألف، ولا يقلل هذا من قيمتها وجمال ما قدمت.كما أنها غنت للكنيسة تراتيل دينية رائعة. وتكاد فيروز أن تنفرد بين المغنين العرب الكبار برفضها الغناء لأي شخصية سياسية، كملك او رئيس، وكان موقفها هذا سببا لغضب نظام «عبدالناصر» منها، ومنع بث أغانيها لفترة طويلة من الإذاعة والتلفزيون المصري.
وتصدح فيروز في احدى أغانيها، التي يملأ عبق لبنان رئتي عند سماعها وهي تغني: «نحنا والقمر جيران بيته خلف تلالنا بيطلع من قبالنا يسمع الألحان.
نحنا والقمر جيران عارف مواعيدنا وتارك بقرميدنا أجمل الألوان
وياما سهرنا معه بليل الهنا مع النهدات
وياما على مطلعه شرحنا الهوى غوى حكايات
نحنا والقمر جيران لما طل وزارنا ع قناطر دارنا رشرش المرجان».

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا والتاكسي وهواك

انتقدنا في مقال تسمية المرور بعض سيارات الأجرة بالجوالة، وكأن هناك أجرة ثابتة، وتبين من مكالمة من صديق و«قائد مرور سابق» أن المقصود بالجوالة هو مقارنتها بالأجرة الثابتة، أي تلك التي تقف في مواقف مخصصة، كتاكسي المطار، فهذه لا تتجول باحثة عن «زبون»، بعكس الجوالة التي لا تقف في مكان محدد بل تستمر في التجوال باحثة عن الراكب! ومع الاحترام لتفسيره، إلا أن التسمية لا تزال غير سليمة، فالتاكسي الجوال أيضا، حسب أنظمة المرور، غير مسموح له بالتجول في الشوارع دون توقف، بل عليه البقاء في مواقف الشركة التابع لها، بانتظار اتصال من راكب أو عميل ليتم نقله للعنوان المطلوب، وبالتالي يجب البحث عن تسمية أكثر ملاءمة من التاكسي الجوال!
مشكلة سيارات الأجرة لا تقتصر على التسمية بل أساسا على وضعها البائس، الذي يدفع الكثيرين لعدم استخدامها. وقد حاول عدد من كبار قياديي المرور السابقين تعديل أوضاعها، ولكن كبار المسؤولين، ونتيجة لتدخلات مشرعين، آثروا مصلحة بضع عشرات من سائقي التاكسي الكويتيين، على مصلحة وسمعة وطن بكامله. فتجربة تاكسي المطار خير مثال على الوضع «الكسيف» الذي يعانيه الكثيرون، هذا غير تعرضهم للاستغلال وسوء المعاملة. فقد تزايدت الشكوى اخيرا من الاستغلال، سواء في المطار أو خارجه، نتيجة عدم وجود عدادات! والمؤسف أن رفض مبدأ تركيب عداد لسيارات الأجرة جاء نتيجة تدخل من «جهات ذات مصلحة»، فغيابها يسهل فرض رسوم نقل فاحشة، خصوصا إن كان المسافر «غربيا وغريبا!»، كما أن «البيك»، أو السائق الكويتي، قد يكون الوحيد في العالم الذي غالبا ما يرفض حمل حقيبة المسافر، وبالذات من ضعيفي الحال، ووضعها في صندوق سيارته الخلفي، بل غالبا ما يطلب من المسافر أن يضعها بنفسه في الصندوق! كما أن تشغيل المكيف صيفا عادة ما يكون مقابل أجر إضافي، وهذا ليس تعميما، ولكن المثل يقول «الشر يعم والخير يخص!».
نضع هذه الملاحظات برسم السيد وكيل المرور، اللواء عبدالفتاح العلي، متمنين أن يتحلى بالشجاعة، التي نعتقد أنها لا تنقصه، ويسعى جاهدا لتنظيم هذا المرفق الحيوي وجعل خدمة التاكسي مشرفة بحيث تستحق الاستعانة بها من قبل رافضي الوضع الحالي. كما أن وجود نظام سيارات أجرة نظيفة ومعقولة الأجر ومتوافرة سيساهم حتما في التخفيف من أزمة المرور، فوقتها لن يتردد الكثيرون، وأنا أحدهم، في الاستعانة بها لقضاء حاجاته.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لكي لا تتكرر المأساة

يبلغ عدد عواصم العالم المائتين تقريباً، وحدها الكويت تنفرد بعاصمتها الخالية تماما تقريبا من مواطنيها، فبخلاف مجمع الصوابر، الذي تم أو سيتم إخلاؤه قريبا وهدمه، لا يوجد حضور حقيقي للمواطنين في العاصمة! وكان من الممكن لمجمع الصوابر أن يكون نواة إعادة إسكان عدد أكبر من المواطنين في العاصمة، بعد زيادة مساحتها، وملء ما بها من فراغات مخجلة، إلا أن المشروع فشل بسبب التقاعس الحكومي من جهة، ونقص القوانين الحامية لشاغلي شقق هذا المجمع التعيس من جهة ثانية، وستتكرر مأساة الصوابر، المجمع الذي ترك لمصيره على مدى أربعين عاما دون زراعة ولا حدائق ولا صيانة ولا إدارة ولا حماية، ستتكرر مع مجمعات أخرى قام من بناها ببيع وحداتها للراغبين فيها من دون أن تكون للملاك الجدد للشقق فكرة عن الطريقة التي سيدار بها المجمع، خاصة بعد قيام مالكها الأصلي ببيعها أو وفاته. وتصبح المسألة مربكة حقا مع التزايد الذي نراه في اتجاه المواطنين لامتلاك شقق سكنية في عمارات شاهقة في أجزاء متفرقة من الدولة، في ظل طول قوائم انتظار البيوت الحكومية، ولكن جميع هؤلاء لا يتمتعون بحماية كافية فيما يتعلق بحقوقهم ومسؤولياتهم، أو عن كيفية إدارة المجمع وصيانته، أو التأمين عليه.
إن زيادة مثل هذه المشاريع السكنية بحاجة لتدخل حكومي سريع لتنظيم عملية تملك وإدارة الشقق في العمارات المشاع، إن من ناحية حقوق الملاك أو التزاماتهم تجاه بعضهم البعض، كل حسب نسبة ملكيته، وغير ذلك، هذا غير توضيح لمن يمكن اللجوء في حال وجود خلاف. ففي مجمع الصوابر مثلا كان الوضع يشبه {حارة كل من ايدو الوه».
لقد تكلفت الدولة عشرات الملايين لبناء مجمع الصوابر، وستتكلف أكثر لتعويض سكانه، هذا غير تحمل تكاليف هدمه. ولو قارنا وضعه بمجمع لؤلؤة المرزوق مثلا، الذي بني قبل مجمع الصوابر بسنوات قليلة، مع الفارق في الملكية، لوجدنا أنه لا يزال صالحا للسكن، ولسنوات طويلة قادمة، وارتفع ثمنه عشرات المرات، وكل ذلك لأن صيانته لم تتوقف يوما.
إن حقوق المئات من مالكي الشقق السكنية، الذين هم بازدياد يوميا، في ظل شح البيوت الحكومية، ستضيع، وسيدخلون في متاهات وخلافات مع بقية الملاك واصحاب المشروع، ولن يكون امام هؤلاء حينها غير اللجوء للحكومة لتحل «شرباكتهم»، وبالتالي من الضروري قيام الفتوى والتشريع بتحضير ما يلزم من قوانين تتعلق بكيفية إدارة وصيانة الأملاك الأهلية المشاع، بحيث تحفظ حقوق كل مالك. علما بأن تحضير مثل هذا القانون لا يحتاج لجهد كبير، فهو مطبق منذ مئات السنين في الكثير من دول العالم، ولا يتطلب الأمر غير الاستعانة بأحدها وإجراء ما يلزم من تعديلات عليه، وعملها هذا لا يعفي مشرعينا، المنشغلين هذه الأيام إما بمساءلة الحكومة، بجنون، أو الوقوف معها بجنون أكثر، لا يعفيهم من مسؤولية الاستعجال في اقتراح وإقرار هذا القانون الحيوي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الزوجة.. ورأي البعيجان!

أقامت جمعية إنسانية – أبعد ما تكون عن حقوق المرأة – ندوة قبل ايام تعلق موضوعها باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25 نوفمبر من كل عام) وكان عنوانها «كيف نحقق للمرأة الأمان؟»، ووجهت المحاضرات دعوة للرجال، الذين ندر وجودهم في الندوة، لإقرار كل حقوق المرأة ومناهضة جميع اشكال التمييز ضدها! ودعون «الجهات المختصة»، الى وقف ممارسة أي عنف ضد المرأة، مع العلم أن هذه الجهات هي أصلا وراء تكريس هذا النوع من العنف! وأكدت المحاضرات أن المرأة تشكل نصف المجتمع، وعلى الجميع احترامها، وهذا ما لم نكن نعلم به! وكان أفضل ما قيل في الندوة، وأكثره إيلاما، ما جاء على لسان رئيسة برنامج المرأة والتنمية الاجتماعية التابع للأمم المتحدة، سحر الشوا، من ارتفاع قضايا الاعتداء والعنف ضد المرأة في الكويت، وفقا لاحصائيات رسمية صادرة من قبل «العدل»، حيث وصلت الى 345 قضية عام 2000 وارتفعت إلى 443 عام 2009! وهذه فقط أرقام النساء اللاتي تبرعن بتقديم شكاوى رسمية ضد من اعتدى عليهن، أما الغالبية العظمى فمن المؤكد أنهن فضلن البقاء صامتات، خوفاً من فضيحة أكبر وعقاب أشد! وقالت الشوا إن اكثر القضايا المسجلة هي هتك العرض والخطف والمواقعة بالإكراه او التهديد مع الضرب بمكان محسوس. وطبعاً انتهى المؤتمر بكلام عام، كما بدأ، من دون أن يتوقع أحد أن يتمخض عنه شيء، طالما بقيت المناهج الدراسية مكرسة لممارسة العنف ضد المرأة، وطالما كانت القوانين الحالية قاصرة عن حماية حقوقها.
وبعيدا عن قضايا العنف، يقول صديقنا البعيجان إن المرأة الكويتية بالذات أصبحت تعيش تحت هاجس الخوف من أن يتزوج زوجها عليها! بعد أن تبين أخيرا، عند توزيع تركات أشخاص متوفين، ظهور زوجات لهم لم يكن أحد يعرف بوجودهن. وقال إن ذلك شكل صدمة كبيرة للكثيرات. ويقول صديقنا «البعيجان» إنه طالما أن هناك لدى البنوك الكويتية «مركز مخاطر» يمكن لأي بنك الاستعانة به لمعرفة حجم مديونية أو قروض اي عميل، لدى أي بنك، قبل منح هذا العميل أي قرض جديد، فإنه يجب بالتالي إيجاد «مركز مخاطر» مماثل يمكن للتي تود الاقدام على الزواج اللجوء اليه لمعرفة ماضي وحاضر من يود التقدم للاقتران بها. وكما يمكن للزوجة مراجعته، متى شاءت، للتأكد من أن زوجها (الفحل) لم يتزوج عليها!
وعلى الرغم من معقولية ووجاهة اقتراح الصديق، فان تطبيقه، كما يعرف هو جيدا، أمر ليس بالهيّن، فالزواج الإسلامي الصحيح لا يتطلب تسجيلاً لدى أي جهة كانت، وما يجري الآن من توثيق لعقود الزواج ما هو إلا بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبئس القرار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الهروب الكبير

تكرر سيناريو هروب الكثير من المطلوبين، أو المساجين، من البلاد وخروجهم عبر الحدود الرسمية، البرية والجوية، وبجوازات سفرهم أو بهويات شخصية، بالرغم من وجود أحكام قضائية بحقهم تمنع مغادرتهم، كما تكرر هروب مساجين من قلعة السجن المركزي، أو هروبهم من حراسهم عند اقتيادهم من وإلى المحاكم أو المستشفيات، وما كان بالإمكان وقوع مثل هذه الحوادث الأمنية الخطيرة، لولا تلقي هؤلاء مساعدة، أو «غض نظر»، من بعض رجال أمن، إن بسبب نخوة قبلية أو ميل طائفي! كما تكرر تهريب مواد ممنوعة إلى داخل السجون، كالملابس التي ارتداها آخر من تمكن من الهرب من المركزي. إضافة طبعا لتهريب المخدرات إلى داخل السجن، أو قيام بعض المساجين بإدارة عملية بيعها من الداخل، ومن خلال هواتف نقالة ممنوع استخدامها أصلا! والسؤال هنا لا يتعلق بالكيفية التي تم فيها ارتكاب مثل هذه الجرائم المخلة بأمن البلاد ومصلحتها العليا، والمسيئة لهيبة وسمعة الأجهزة الأمنية فحسب، بل بالوضع العام غير المريح. فهناك شعور طاغ يكتنف أفئدة أعداد متزايدة من المواطنين بأننا مقبلون على سنوات «خراب»، وأن الوضع الأمني والأخلاقي في تدهور مستمر، وأن من صادها عشى عياله، وبالتالي من ليس بإمكانه الإثراء من مناقصة أو عقد توريد أو رشوة من معاملة في الداخلية أو الشؤون، أو فحص العمالة، فعليه إيجاد وسيلة أخرى للإثراء، فثروة الوطن اصبحت بالنسبة للبعض كالماء والعشب في الصحراء، إن لم ترو نفسك منها وتطعم خرافك، فإن الماء سرعان ما سيتبخر والعشب سيجف حتما! كما أن التساهل، وهذا هو الانطباع العام، في تعامل بعض القيادات الأمنية العليا مع مرتكبي هذه الجرائم، دفع الكثيرين لخوض غمار المخالفات والإثراء السريع منها، فإن تم القبض عليهم بالجرم المشهود، فهناك دائما من سيتدخل ويتوسط لهم، وسينتهي الأمر غالبا بلا شيء! ولو نظرنا للقضية التي أثيرت اخيرا عن قيام قيادي أمني في وزارة الداخلية بتزوير أو تمرير أكثر من 2000 معاملة إقامة، لعلمنا حجم الضغوط التي يتعرض لها الشرفاء في جهاز الداخلية في البقاء خارج منظومة الفساد!
ملاحظة: طلبت مني صديقة أن أتفاءل، وأن انشر الخير، وأكتب عن الجوانب المضيئة في حياتنا، وأن ابتعد عن السلبيات، فلا تزال هناك أشياء كثيرة، ومواهب رائعة تستحق الكتابة عنها والإشادة بها، وهي أحق بأن تلقى العناية من الجوانب السلبية.. كلامها صحيح طبعا، ولكن؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الآن.. أو لا أبداً!

قام طلاب من جامعة الكويت، تابعون لحزب الإخوان المسلمين، الفرع المحلي لتنظيم الإخوان العالمي، بإيقاف فعالية غنائية في الجامعة، بحجة حرمة استخدام آلات موسيقية، علما بأن الفقرة الفنية موافق عليها ضمن أنشطة أسبوع «أنا إنسان» في الجامعة! وفي السياق نفسه، طلب غيرهم، ومن الحزب نفسه، من إدارة الجامعة منع طالبات من السفر في رحلة ثقافية لمركز الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لعدم وجود «محرم» معهن! ورضخت الجامعة لمطالبهم. وربما سيقوم زميل بالإشادة بـ«منجزات» هؤلاء الطلبة في مقال له، فهذه هي الانتصارات الوهمية الوحيدة التي برع فيها الإخوان في الثمانين سنة الماضية! ومن الطبيعي هنا الاستنتاج أن إدارة الجامعة التعبانة ما كان بإمكانها الوقوف في وجه بضعة طلبة، لو لم تكن تشعر بأن معظم مفاصل الدولة الأخرى هي بيد كبارهم، ومن الممكن أن يقلبوا الدنيا عليها! ومن الطبيعي كذلك الافتراض أن الحكومة الرشيدة عاجزة عن التصدي لما حدث، بسبب قوة الإخوان وتغلغلهم، أو أنها راضية بأفعالهم. وكان من الممكن القبول بذلك طالما أن هذا قرارها! ولكن في كلتا الحالتين يعتبر تصرفها مستغربا ومتعارضا مع ما قامت به تجاه مصر في الفترة الأخيرة، فقد وضعت الكويت كل «ثقلها» السياسي والمالي خلف السيسي، ودعمت انقلابه، أو ثورته، على الإخوان، الذين كانوا سيحولون مصر لعزبة خاصة بهم. وبذلت الكويت الكثير في سبيل ذلك، مما يعني أنها كانت ضد الإخوان بطريقة صارمة وواضحة لا لبس فيها، ولم تتدخل في الشأن المصري لولا شعورها بما كان يمثله استمرارهم في الحكم من خطر عليها بالذات، وعلى مستقبل مصر والمنطقة برمتها! فإن كان الوضع هكذا، وهو حتما كذلك، فما سبب سكوتها عن إخوان الكويت وهم الممولون الرئيسيون لإخوان مصر، وقوتهم المالية والسياسية الخطيرة هنا لا تقل عما كانت عليه في مصر. فأصابع وأيادي وخراطيم الإخوان المالية والسياسية امتدت، على مدى اربعين عاما تقريبا، وطالت كل مرفق ومفصل في الدولة، ويبدو هذا واضحا من شبكة ممتلكاتهم من المؤسسات المالية والجمعيات والمبرات، إضافة إلى سيطرة محازبيهم على أهم مناصب الدولة وأكثرها خطورة.
وإن كانت الكويت قد دفعت المليارات لمصر لكي تمكنها من التخلص من الإخوان، فلم لا تصرف أقل من ذلك بكثير للتخلص منهم هنا؟ علما بأنهم الآن المعارضون الأساسيون للسلطة؟.

أحمد الصراف

احمد الصراف

شط العرب وهذا مو إنصاف منك

لا يوجد من هم في جيلي، وقبلي قليلا، من رواد البصرة، في عزها، من لا يعرف فندق وكازينو شط العرب، فقد كان «المكان»! عادت بي الذكريات لذلك المكان عندما ارسل لي صديق عزيز صورة إعلان يعود تاريخه لمارس 1954، اي قبل 60 عاما، يتضمن دعوة لحضور حفل «بالو» ساهر، ولا اعرف معنى «بالو»! وأن الحفل سيكون في يومه الأول للرجال فقط، وفي يومه الثاني للرجال حتى منتصف الليل، وللنساء بعدها حتى الرابعة فجرا! وأن الحفل سيتضمن رقصا غربيا وعرض أزياء باريسية تقوم به ملكات جمال العالم وجمال النرويج وجمال حوض البحر الأبيض، وجمال باريس. كما سيتضمن عزفا موسيقيا من قبل اوركسترا «ماريو أريكوني»، مع المغنية ربن ديديا، وأن سعر بطاقة الدخول ديناران، والعشاء 600 فلس والشاي 150 فلسا والمشروب 200 فلس! وقد أعادني الإعلان لذكريات قديمة، وقمت دون أن أشعر، أدندن بكلمات بأجمل اغنية عراقية سمعتها، وهي «هذا مو انصاف منك»، والتي اعتقد ان من وضع كلماتها هو الشاعر العراقي ضاري إبراهيم، وهي من ألحان الفنان الكبير صالح عزرا الشهير بصالح الكويتي، الذي ظلمه مجتمعه البغدادي، الذي رحل له من الكويت مع اسرته، عندما أجبرته أحداث «الفرهود» الجائر التي حصلت في بعض مناطق العراق، على الهرب بجلده إلى إسرائيل، وكان ذلك في بداية الخمسينات، لتفقد المنطقة فنانا كبيرا. ويذكر أن أغنية «هذا مو إنصاف منك» قد شدا بها الكثيرون، ومنهم يوسف عمر وبيدر البصري، وربما عزيز علي، وبلقيس فالح وغيرهم، ولكن البداية كانت مع المطربة سليمة مراد، التي سماها «الباشا» نوري السعيد، في لحظة تجلي، بسليمة باشا، التي سبق وان غنت كذلك «قلبك صخر جلمود» وغيرها. تقول كلمات أغنيتها الشهيرة: هذا مو انصاف منك غيبتك هالقد تطول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ ألف حيف وألف وسفه مثلك يخون ويه ولفه لا تظن قليبي يشفى والالم منه يزول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ قلبي خليته يتجوى بنار هجرانك تلوى هذي مو منك مروة لا ولا منك أصول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ واني في العادل بسرعة والوصل عني تمنعه هذا جم دوبات توسعه وغيرى عن الحاضر ينول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ اين ذهب العراق الذي كنا نعرف ونحب؟ لقد خربه الطغاة وسفاكو الدماء واجهز عليه المتخلفون، ولن تقوم له قائمة، فنحن نعيش في عصر لا يمكن أن تنهض فيه أمة سبق وأن تخلفت عن ركب العصر.

احمد الصراف

نحن والقرود الخمسة

سبق أن تطرقت لتجربة عالم من خمسة قرود، وأعود للكتابة عنها مرة أخرى، لعلاقتها بتفسير الكثير من الأحداث التي نعيشها، والسبب وراء كل هذا الجنون حولنا!
وضع عالم خمسة قرود في قفص، وعلّق موزاً من سقفه، ووضع سلّماً في وسط القفص، وما ان قام أكبرهم بمحاولة تسلّق السلّم للوصول إلى الموز، حتى قام برش بقية القردة بماء بارد جداً! بعد فترة حاول قرد آخر الوصول إلى الموز فتكرر رش البقية بالماء البارد، وعندما حاول ثالث القيام بالأمر ذاته رش العالم البقية بالماء البارد، وهنا تولّد لديهم شعور بأن أي محاولة للوصول إلى الموز تعني عقاب الآخرين، وما ان حاول القرد الرابع تسلّق السلّم للوصول إلى الموز حتى منعه الآخرون وضربوه! وبقي الموز في مكانه! قام العالم بعدها باستبدال احد القردة بآخر جديد، فقام هذا من فوره بمحاولة تسلّق السلّم للوصول إلى الموز، فمنعته القردة من ذلك وأوسعته ضربا! قبل المسكين بمصيره دون أن يعرف السبب، بعدها قام العالم بإخراج قرد قديم وأدخل آخر جديدا مكانه، فقام هذا بمحاولة تسلّق السلّم، وهنا قام القرد الأول الجديد، بمشاركة الثلاثة الآخرين في إنزال القرد الجديد الثاني ومنعه من الوصول إلى الموز، علما بأنه لم يكن حاضرا عملية رش البقية بالماء البارد، ولكنه افترض أن صعود السلّم أمر مضرّ، فشارك في الضرب! ثم قام العالم باستبدال قرد ثالث قديم بثالث جديد، وحاول هذا بدوره الوصول إلى الموز، فقام البقية، وبينهم الاثنان الجديدان والجاهلان بقصة الرش، بمهمة ضرب القرد الثالث الجديد ومنعه من الوصول إلى الموز، وذات الشيء حدث مع القرد الخامس الجديد الذي حل محل الخامس الاخير، بحيث اصبحت القردة جميعها جاهلة بتجربة الرش، ولكنها أصبحت، وكأنها توارثت عادات ما قبلها، مقتنعة بترك الموز في مكانه، ولم تشغل بالها بمعرفة السبب، وأصبحت تتصرف كما تصرف من كان قبلها، وفعلت ما فعله الأولون! وهكذا تتم عملية خلق أمة تقوم بأداء أمور دون أن تعرف السبب وراءها!
ولا ننسى هنا تجربة حقيقية أخرى عن سيدة أميركية وضعت قطعة لحم (روستو) في الفرن بعد أن قصّت أطرافها، فسألها زوجها عن السبب، فقالت إنها تقوم بما كانت تقوم به أمها، ولعدم اقتناع الزوج بما قالت قام بالاتصال بأمها لسؤالها عن سبب قص أطراف الروستو فقالت إن أمها، أي جدة زوجته، كانت تفعل ذلك! فاتصل بالجدة لسؤالها، فقالت إنها كانت تقوم بذلك لأن فرنها كان صغيرا، ولم يكن يسع قطعة الروستو دون قص أطرافها!
وهكذا نرث جميعا عادات وتقاليد ونتبعها دون سؤال عن الحكمة من ورائها! وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير ما يجري في سوريا والعراق وغيرهما، فغالبية الأطراف تقتل بعضها بعضا لأسباب لم يكونوا أصلا طرفا فيها، ولا يعلمون خلفياتها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

العزيز المريض

ما الذي تشعر به عندما تجد نفسك واقفا أمام فراش عزيز كريم، وتراه شبه غائب عن الوعي، يشكو من المرض، وليس بإمكانك فعل شيء، ولا من يقدم له العلاج، بعد أن تقاعس الأطباء واختفت الأدوية؟ ويزداد حزنك مع استفحال المرض، واضمحلال جسد العزيز، واستمرار غياب من يسمع شكواك! لا شك انه موقف مؤلم، وخاصة عندما يكون ذلك العزيز وطنا كالكويت التي أعطتنا كل شيء، فرددنا لها المعروف بنتف ريشها وكسر اقدامها وقلع عينيها وخلع اكتافها ونهش لحمها، لنبيعها بثمن بخس! لا أدري كيف يمكن أن تتحول نسبة كبيرة ومتزايدة من كبار مسؤولي الدولة وصغارهم، وبعض مشرعينا ومتنفذينا، الذين كانوا، حتى الأمس القريب، مثال الأمانة والطيبة والصدق وعفة اليد واللسان، لمجموعة من الراشين والمرتشين؟ وكيف أصبحت الكويت، ونقصد هنا شعبها، على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا، منافسين شعوب الهند ومصر والفلبين وبنغلادش ولبنان ونيجيريا وبقية «الأرطة» على المكانة؟ وكيف أصبحت دول قليلة الإمكانات، كثيرة المسؤوليات كالأردن وناميبيا وغانا، أفضل منا، وأقل فسادا؟ وهل هناك كارثة أخلاقية أكبر من هذه؟ وما المستوى الذي سننحدر له عندما تحزم حكومتنا «الرشيدة» أمرها وترسي ما تخطط لتنفيذه من مشاريع بمليارات الدولارات؟ وقتها كيف سنرد على تساؤلات من تبقى بيننا من أصحاب الضمائر الحية والشرفاء عن كيفية التصرف حيال هذا الوضع؟ ومتى ستنهار مقاومتهم، ويلحقون بركب الفسدة والمفسدين؟ وما سبب سكوت أغلب «الكبار» عن كل قصص الفساد، في الوقت الذي ربما يعرف رواد ديوانيات كثيرة ومسؤولو ديوان المحاسبة، وجميع أصحاب المكاتب الاستشارية وأعضاء لجان المناقصات، أسماء من يقف وراء تلك القصص؟ فإن عرف هؤلاء فإن الجهة المعنية أكثر من غيرها بالأمر تعرف أيضا، فلم لا تقوم بفعل شيء؟ ماذا ينقص الكويت لتكون أفضل من غيرها؟ ولماذا أصبح من الصعب أن نجد اليوم مواطنا نظيفا يقبل بترسية عقد توريد أو توقيع مقاولة، أو الإشراف على تنفيذ هذا العقد أو ذلك المشروع، أو تمرير تلك المعاملة أو تأخير إنجازها، دون أن يفكر بمد يده ليقبض من هنا وهناك؟ هل المواطنون فقراء؟ هل يفتقدون الدواء لأمهاتهم، والمدارس لأبنائهم؟ أم أنهم بحاجة لمياه وكهرباء؟
الجواب طبعا «لا» كبيرة جدا، فالسبب لا يعود، كما هي الحال في الدول الفاسدة، للفقر والبيروقراطية المتخلفة وغياب الحريات وفقدان ضروريات الحياة، بل لأن الصغير أصبح يقتدي بالكبير، والكبير بمن هو أكبر منه، وهناك دائما من يرشي ومن يرتشي، فلا عقاب ولا حساب، بحيث اصبحت غالبية مرافق الدولة، المتصلة بالجمهور، أو التي لها ميزانيات كبيرة، كالبلدية والاشغال والصحة والتربية وأقسام الداخلية والشؤون والبيئة والإطفاء والإسكان والموانئ، مراتع فساد شهيرة!
فهل من علاج؟ لا أعتقد، فقد فات الوقت وأصبح المريض في حالة احتضار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

متخلِّفون.. حتى في لغة الإشارة!

شاهدت فيلماً هندياً قصيراً يقوم فيه أب بتسليم ابنته البكماء هدية عيد ميلادها، وتبين لها عند فتح العلبة أن بها هاتفاً نقالا! نظرت الفتاة الى أبيها بحزن وكأنها تعاتبه، فكيف لم يفكر في إعاقتها؟! ولكن الأب أعطاها إشارة تعني أنه ليس من أرسل الهدية! ما هي إلا لحظات حتى بدأ ذلك الهاتف الذكي بالاهتزاز، فرفعته الفتاة، ونظرت الى شاشته فإذا بصورة حبيبها، الذي لديه إعاقتها نفسها، يخاطبها بلغة الإشارة ليخبرها بأنه الذي أرسل الهدية، وأن بإمكانهما الآن التحدث مع بعضهما، عن بُعد، عن طريقه! وهذه من «ن.عم» التكنولوجيا علينا!
كنت أظن، قبل مشاهدة هذا الفيلم المؤثر، أن لغة الإشارة عالمية، ولكن تبين من ملاحظة صديق أن صفة عالمية غير دقيقة إلا في بعض الإشارات! فلكل دولة – وربما مجتمع – إشاراته الخاصة التي عادة ما تكون ترجمة لحروف لغة تلك الدولة أو المجتمع، وبالتالي ليس غريبا أن نجد تقدم الدول الغربية في هذا المجال أكثر من غيرها، خاصة تلك الناطقة باللغة الإنكليزية، التي تشترك جميعها تقريبا في لغة إشارة واحدة. كما أن هناك قواميس تترجم الإشارات من لغة الى أخرى، إضافة الى جداول توضيحية لشرح لغة الجسد وبقية إشارات الأيدي.
وبالبحث أكثر، تبين أن تاريخ توثيق لغة الإشارة بدأ عام 1620 في اسبانيا، وذلك عندما نشر جوان بابلو بونيت مقالة تحت عنوان «اختصار الرسائل والفن.ّ لتعليم البكم الكلام»، فاعتبر عمله أول محاولة جادة للتعامل مع علم الأصوات ومعالجة صعوبات النطق. كما أنها أصبحت وسيلةً للتعليم الشفهي.ّ للأطفال الصم.ّ بحركات الأيدي، التي تمثل أشكال الأحرف الأبجدية، لتسهيل التواصل مع الآخرين. ومن خلال أبجديات بونيت، بدأت محاولة لتعليم أطفال صم في مدرسة فرنسية على مهارة استعارة تلك الأحرف وتكييفها، وكانت تلك نواة «دليل الأبجدية الفرنسية للصم.ّ»، الذي نشر في القرن الــ 18 وبقي منذ تاريخه من دون تغيير. ولقد استُخدمت لغة الإشارة الموحّدة في تعليم الصُّم.ّ في إيطاليا وغيرها بعد ذلك.
وتبين من البحث – كذلك – أن مشكلة العرب مع لغة الإشارة ليست ببعيدة عن مشاكل تخلُّفهم في بقية المجالات الأخرى، فهناك قواميس لغة مصرية وأردنية وإماراتية وليبية وتونسية، ولكن على الرغم من تعددها فإن أحد الباحثين في هذا المجال وجد أنها لا تحتوي على ما يكفي من الإشارات، وبينها اختلافات كبيرة، (حتى هنا؟)، ولا ترتقي الى المستوى المطلوب لقلة ما بها من مفاهيم ومحدوديتها، مما يعيق عمليتي التواصل والتخاطب بشكل سلس.

أحمد الصراف