احمد الصراف

المتنبي والحب والفخر

تبين من المقالين اللذين كتبتهما عن أشعار للمتنبي، وموسيقى نواف الغريبة، مدى عطش الناس للفن الجميل، فالعقول كالقلوب بحاجة الى أن تروى باستمرار.
يقول المتنبي:
فافترقنا حولاً فلما التقينا
كان تسليمه عليّ وداعا
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
ولكن من يبصر جفونك يعشق
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما عجبي موت المحبين في الهوى
ولكن بقاء العاشقين عجيب
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
عيناك. نازلتا القلوب فكلها
إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتل.
وإني لأهوى النوم في غير حينـه
لعل لـقـاء فـي الـمـنـام يـكون
لولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشـق
ولـكن عـزيـز العاشقين ذلـيل
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الــحـب إلا للحبيب الأول
إذا مـا رأت عـيـني جـمالـك مـقـبلاً
وحـقـك يـا روحي سـكرت بـلا شرب
أحـبك حُـبـين حـب الهوى
وحــبــاً لأنــك أهـل لذاكا
قفي ودعيـنا قبل وشك التفـرق
فمـا أنا مـن يـحـيا إلى حـيـن نـلـتقي
ضممـتـك حتى قلت نـاري قد انطفت
فلـم تـطـفَ نـيـراني وزيـد وقودها
فقلت: كما شاءت وشاء لها الهوى
قـتـيلـك قـالـت: أيــهـم، فـهم كـثر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهــوى
وزرتـك حـتى قـيـل لـيـس لـه صـبـرا
و إن حكمت جـارت علي بحكمهــا
ولـكـن ذلـك الـجور أشـهى من العـدل
قـتل الـورد نـفسه حـسداً منك
وألـقى دمـاه في وجـنــتــيــك
اعـتـيادي على غـيـابـك صـعــب
واعـتـيـادي على حـضورك أصعـب
قد تـسربـت في مـسامـات جـلــدي
مـثـلـمـا قـطرة الـنـدى تـتـسـرب
ويقول المتنبي في الكرامة:
غثاثة عيشي ان تغث كرامتي
وليس بغث ان تغث المآكل
وفي الفخر يقول:
وانا لمن قوم كأن نفوسهم
بها انفا ان تسكن اللحم والعظم
ثم ينشد مادحا نفسه:
أيُّ مكان أرتقي
اي عظيم أتقي
فكل ما خلق الـ
له وما لم يخلق.
محتقر في همتي
كشعرة في مفرقي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حكايات فؤاد

يقول الصديق فؤاد، تعليقاً على فيلم وثائقي أرسلته اليه: إن ما أصبح التطور العلمي قادراً عليه يفوق قدراتنا على فهمه، فكيف بالعمل به أو منافسته؟! فقد اصبح بالإمكان قطع الشفرات الوراثية عن طريق الإنترنت عن بعد، وتركيبها معاً، أو أخذ جينات حبّار وزرعها في كائنات أخرى لصناعة الشفائف القزحية، أو عن إمكانية إنتاج خميرة تحول السكر لديزل لاستخدامه وقود سيارات، أو صنع بكتيريا إيكولاي تشع في الظلام باستعارة جينات قنديل البحر، أو المقدرة على حقن خلايا معينة في الدماغ بمادة من خلايا الطحالب لجعلها حساسة للضوء، هذا غير ما توصل إليه العلم من قدرة على تفكيك وإعادة تركيب وبرمجة الأحياء كيفما يشاء الإنسان! ويستطرد قائلا إن التطورات التي تحدث في المجال الطبي، وهو ميدان عمله، متسارعة ومخيفة حتى للعلماء أنفسهم، وقد تم التوصل الى وسيلة جديدة في مجال معالجة الأورام الخبيثة، بأن جعلها متاحة للجميع تقريبا، بعد أن كانت مقتصرة على مراكز علاج محدودة، بسبب كلفتها العالية، فقد تم تخفيض كلفة صناعة جهاز العلاج الإشعاعي، الذي يتميز بقدرته على استهداف الخلايا السرطانية – فقط – من دون أن يؤذي الخلايا السليمة، من 450 مليون دولار للجهاز الواحد، إلى 15 مليون دولار فقط. ويقول كذلك إن التطور الطبي المذهل الآخر كان في إنتاج قلب صناعي قادر على ضخ الدم في الشرايين بواسطة توربينات ضخ تعمل بشكل متواصل وغير متقطع، كما هي الحال في القلب الطبيعي، وهذا التقطع أو الخفقان هو الذي نسميه بنبض الإنسان. كما أن القلب الصناعي لا صوت له ولا نبض، ومع هذا تتعدى كفاءته عمل القلب العادي بأكثر من %30!
يسكت فؤاد قليلاً ويتنهد، ثم يستطرد قائلا إن رجل دين في الأردن توصل إلى فتوى أخيرا، مفادها أن المرأة – ويقصد هنا السورية – لها أن تصبح أمة للرجل الذي يوافق على إيوائها وإطعامها! وأنه توصل لفتواه تلك بعد دراسات مستفيضة في أمهات الكتب الدينية!
وينهي فؤاد حكاياته عن «العلوم في بلادنا»، مقارنة بغيرنا، بقصة قيام إدارة جامعة عربية بدعوة كامل هيئة التدريس في كلية الهندسة لرحلة بالطائرة فوق العاصمة!
وقبل غلق الأبواب قيل لهم إن الطائرة قديمة، وإن طلاب كلية «العلوم الهندسية» قاموا بإصلاحها! هنا هرع الجميع نحو باب الطائرة يريدون الخروج منها والنجاة بأنفسهم، ولكن أحد الأساتذة، الذي كان يشغل كرسيا في الصف الأمامي، رفض الخروج من الطائرة، وعندما سأله أحدهم عن سبب ثقته الكبيرة بما قام به طلبته، أجاب بثقة: إنهم تلاميذي. فسأله آخر: هل أنت واثق بأنك درستهم جيدا؟
رد في هدوء: لا، ولكني على يقين بأن هذه الطائرة لن تطير، هذا إذا اشتغلت أصلا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حركة المحامي العسعوسي

قام المحامي المميز بسام العسعوسي برفع دعوى قضائية، طالب فيها بحل «جمعية الإصلاح الاجتماعي»، ذراع حركة الإخوان المسلمين المحلية، التابعة للتنظيم العالمي. وبرر مطالبته بأن الجمعية خالفت النظام الأساسي لقانون إنشائها، وخرجت عن الأهداف المقررة لها، وجمعت التبرعات تحت مسمى الزكاة، وقانون إنشائها لا يسمح لها بذلك. كما أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات النيابية الأخيرة، قبل إجرائها. كما سبق أن أصدرت الجمعية بيانات عن الأوضاع داخل وخارج البلاد، وبيان حول تطورات الوضع في سوريا، وآخر عن الأحداث في مصر، وما وقع في جمهورية مالي، وغيرها الكثير. وقال المحامي العسعوسي ان الحكومة سبق أن حلت نادي الاستقلال، وأقالت مجلس إدارة الجمعية الثقافية، لتدخلهما في الشأن السياسي، فل.مَ تستثني جمعية الإصلاح، وهي أكثر نشاطا منهما وتدخلا في الشأن السياسي، من هذا الإجراء؟ وهذا تساؤل مشروع جدا من المحامي العسعوسي!
وفي مقابلة تلفزيونية بثت قبل ايام قليلة، ذكر الكاتب المصري محمد حسنين هيكل أن تنظيم الإخوان قد رصد مبلغ 10 ملايين جنيه استرليني لملاحقة مسؤولين مصريين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وان محاميهم ذهبوا لإنكلترا وللمحكمة الدولية لمقاضاة السياسيين المصريين، ولكن المحكمة اعتذرت عن نظر القضية، لأن مصر لم توقع على الاتفاقية الدولية الخاصة بإنشائها. واضاف هيكل أن استثمارات الإخوان في منطقة الخليج فقط تتراوح بين 10 إلى 12 مليار دولار، وانهم نجحوا في «ظروف تاريخية خاصة» في جمعها!
ولو صح كلام هيكل، وهو أقرب للصحة منه الى أي شيء آخر، وبما أن الكويت تعتبر أكبر مراكز الإخوان في الخليج، فهذا يبين مدى ما تشكله قوة الإخوان من خطورة على نظام البلد السياسي، ولديهم كل هذه الأموال الكافية لتمويل اي حركة أو نشاط معاد، هذا غير ما نجحوا في إنشائه من تنظيم سري محكم في سريته، وقواعد وخلايا، وهم الذين لم يخفوا يوما تطلعاتهم للوصول للسلطة، وكانوا في فترة أصحاب أكبر كتلة برلمانية، كما أن قادتهم يتصدرون المعارضة السياسية الحالية.
إن حكومة الكويت، التي بذلت المليارات لمساعدة النظام الجديد في مصر على التخلص من نظام حكم الإخوان المسلمين، حري بها الالتفات لما يجري في الكويت، وما قد يضمره «الإخوان» من شر، وبالتالي من الحكمة التفكير جديا في حظر أنشطتهم قبل ان يستفحل شرهم أكثر، ويصبح من المستحيل التخلص منهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تهنئة المسيحي لا المسلم

كتبت سعاد لتقول، معاتبة، إنها لاحظت في السنوات الأخيرة تكرار تهنئتي المسيحيين بعيد الكريسماس، وأني انسى تماما تهنئة المسلمين بأعيادهم؛ وأن علي أن اكون منصفا، ولا أفرق بين أتباع دين وآخر، إن كنت ادعي الليبرالية، أو شيئا من هذا القبيل! وهنا لا انكر ما قالته، ولكن المقارنة بين مسلمي الشرق ومسيحييه مقارنة غير سليمة، فلكي نقارن يجب أن تكون عوامل المقارنة لدى الطرفين متساوية، أو على الأقل متقاربة!
أكتب مقالاتي باللغة العربية، وفي صحيفة محلية، شبه إقليمية، وتقرأ عالميا على الإنترنت، وأعيش في محيط إسلامي مترامي الأطراف، وبالتالي لا أخاطب في تهنئتي مسيحيي العالم الغربي، المتمكنين والآمنين الأقوياء، بقدر ما أخاطب مسيحيي محيطي الذين يعيشون في خلجان صغيرة منه، والذين عرفتهم هذه الأرض منذ ألفي عام، والذين كانوا دوما مصدر نور وإلهام لكثيرين منا، فأنا أكتب لهؤلاء مهنئا لأشعرهم بأن هناك من يفكر بهم، ويتمنى لهم الخير؛ أكتب لهم لأطمئنهم وأحثهم ليبقوا بيننا، بعد أن أنهك الخوف غالبيتهم، إن لم يكن كلهم، نتيجة تآكل أعدادهم بالهجرة، وهؤلاء هم المحظوظون، أو سيئو الحظ الذين حصدهم التعصب وعصف سفاكو الدماء بحياتهم، وشرد الأوغاد أبناءهم، وخرب السفلة بيوتهم وحرقوا كنائسهم وسرقوا وفجروا متاجرهم، فقط لأنهم مسيحيون!
أكتب لمن بقي من هؤلاء بيننا، حيا، مهنئا، فهم بحاجة لسماع صوت المحبة والعقل فينا؛ أما المسلمون، بمحيطهم الكبير، فإنهم في غنى عن تهنئة مني أو من غيري، علما بأن هناك عشرات الآلاف الذين يقومون كل عام بهذه المهمة.
وإن اصررت يا سيدتي على أن اقوم بتهنئة المسلمين بأعيادهم، فعن أية أعياد تتكلمين؟ كيف تصبح أعيادنا أياما سعيدة، إن كنا في الأضحى والفطر، وقبلهما وبعدهما، ننحر رقاب بعضنا بعضا بالسكاكين، نفجر في الأضحى مسجدا في بيشاور، وفي الفطر نفجر حسينية في بغداد، ونقتل عشرات المصلين في هذا المزار ونسفك أرواح غيرهم في مبنى أو مجمع، من دون أي إحساس بالإنسانية؟
نعم، المسلم ليس بحاجة في محيطي لأن أهنئه بأعياده، المبكية، بقدر ما المسيحي القلق بحاجة لتلك التهنئة! وإلى أن تنقشع الغمة، إن انقشعت، فإننا سنستمر في إرسال رسائل المحبة للإخوة والأخوات المسيحيين، متمنين للجميع عاما أقل ألما ودما ودموعا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لا تقرأ هذا المقال عن «مو»!

اعتقد أن اللهجة الكويتية تأثرت، بشكل أساسي، بلغتين ولهجتين أخريين. فاللغتان هما الفارسية والهندية، أما اللهجتان فهما النجدية والعراقية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، وأسباب هذا التأثير تعود للهجرات، من وإلى تلك المناطق، وللأصول وللجوار. وتأثر الكويت ليس استثناء، فالكثير من الدول، وبالذات الصغيرة، تأثرت بجيرانها وبغيرها الأكبر، أو الأكثر نفوذا منها، بدرجة او بأخرى. وهناك طبعا تأثر نتيجة عوامل ثقافية، كتأثير اللغة الإنكليزية على اللهجة الكويتية التي تتضمن عشرات الكلمات ذات الأصول الإنكليزية التي ربما اندثرت، أو في طريقها للاندثار، كالسكان، اي مقود السيارة أو المركب، التي اشتقت منها تسمية السكوني. وهناك كلمتا «فص وسكن»، وتعنيان فيرست وسكند، أو الأول والثاني، في إشارة لأضواء السيارة الأمامية. وكذلك «باكلايت»، أو اضواء السيارة الخلفية.
وفي مداخلة طريفة لأستاذ عراقي متخصص في اللغات القديمة، ذكر أن كلمة «مو»، التي تستخدم في العراق بكثرة، وأقل من ذلك في الكويت، هي في الحقيقة من بقايا التراث اللغوي السومري، وهي اداة الجملة الفعلية السومرية التي تبتدئ بها اي جملة، اذ لا يمكن لجملة سومرية ان تتكون وفيها فعل الا باستخدام بادئه هي MU. ويقول الباحث ان السومرية اختفت، ولكن بقيت منها «مو» فقط.
ويستعمل العراقيون، والكويتيون أيضا، وإن بدرجة اقل، كلمة «مو» في مواقع عدة: فهناك: مو- النافية، فعند سؤال شخص عما إذا كان قد قام بفعل ما، فالإجابة بالنفي تكون: «لا، مو آنه، أو آني». وهناك: مو – الناهية. وتعني لا، «مو تشغّل السيارة، تره أكسر راسك». وهناك: مو – الاستفهامية، بمعنى أليس كذلك؟ «هذا المنظر جميل، مو؟». وهناك: مو – السببية، بمعنى لأن. فعندما يسأل شخص شخصا آخر عن سبب عدم جلبه للخبز من المخبز مثلا، فإن الإجابة تأتي «مو المخبز معزّل، أو غير مفتوح». وهناك: مو – التوبيخية، مثل: «مو ك.تلك لا تروح بره…». وغيرها من استعمالات. وأخيرا: مو قلت لكم في العنوان: لا تقرأوا هذا المقال؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أبو شكري الكبير

عرفت الكويت إبراهيم دبدوب، الشهير بأبو شكري، عام 1961، عندما التحق بالبنك الوطني، بعد انهاء دراسته، موظفا في سكرتارية مجلس الإدارة. أمانته ومثابرته اثناء عمله أكسبتاه احترام أعضاء المجلس، وكان جلهم من كبار الاقتصاديين. وقد عاصرته وظيفيا قبل ان نلتقي في مناسبات قليلة، فقد عملت بعده بسنوات قليلة في أحد البنوك، وتدرجت معه في مناصب ودوائر البنك، واصبحت في عام 1980، في منصب يعادل المنصب الذي شغله في السنة نفسها، ولكني تركت البنك سنتها، ليستمر هو لأكثر من ثلاثين عاما أخرى مع البنك، تقلد فيها أرفع المناصب، وحقق لمساهمي البنك ما لم يكن بالإمكان تحقيقه من دونه، قبل أن يطلب، أو بالأحرى يصر أخيرا، على التقاعد، مع استمرار عمله كمستشار.
لقد كنت مصرفيا صغيرا، وأصبحت رئيس قسم ومديرا، واستقلت لأعود إلى البنك نفسه، بعدها بسنوات قليلة، عضوا في مجلس الإدارة، وخلال تلك الفترة عاصرت، كما عاصر غيري في البنوك الأخرى، العشرات من كبار المديرين العامين، وغالبيتهم أوروبيون او أميركيون، رافق الفشل والخسارة والاضطراب الوظيفي عمل كل واحد منهم تقريبا، وفقدوا الواحد تلو الآخر وظائفهم، وحده إبراهيم دبدوب والبنك الوطني ظلا على علاقتهما المتينة، على مدى عقود اربعة، تمكن فيها أبو شكري، باستقامته، من إيصال البنك إلى المرتبة التي يتبوأها الآن في مصاف المصارف العالمية، ورفع علم الكويت خفاقا في أكثر من مناسبة، محققا المليارات للمساهمين، وليحتل البنك الريادة المصرفية العربية والعالمية سنة بعد اخرى في مسيرة نجاح متواصلة. ولا ننسى جهوده، ومجلس الإدارة، في حصول البنك على أعلى التصنيفات المصرفية من قبل أكبر الوكالات العالمية. كما لا ننسى له قيادته للبنك خلال أزمة المناخ، وخلال فترة الغزو الصدامي الأحمق، وكيف نجح في تجنيب البنك التورط في كثير من المديونيات السيئة التي تورطت بها بقية المصارف بدرجة أكبر بكثير.
فضلُ الصديق ابو شكري، الذي اعرفه بالكاد، على البنك الوطني، والاقتصاد الكويتي لا يمكن إنكاره، وأمانة الرجل واستقامته في عمله لا شك فيهما، ولو كنت في موقع من ينصح مدير عام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، لاقترحت تضمين اسمه ضمن المكرمين، ومنحه إحدى جوائز المؤسسة المرموقة، فأبو شكري يستحق أكثر من ذلك.
ميري كريسماس، وكل عام وأنت بخير يا عزيزي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أشغال وأعياد

تشكو الدولة، من ضمن ما تشكو من أمراض وأورام، من عجز وزارة الأشغال شبه التام، عن تنفيذ كل ما هو مطلوب منها من مشاريع حيوية، إن بسبب طول الدورة المستندية أو تعدد جهات الرقابة. ولا تزال إدارات حكومية عدة تقبع في مكاتبها نفسها منذ نصف قرن. وتأخير إقرار الكثير من المشاريع الحيوية يتناقض أحياناً مع ما نراه من استعجال في تنفيذ غير المستعجل منها.
ومن جهة اخرى، تقوم جميع دول العالم تقريبا، بالاهتمام بقدماء المحاربين فيها، وتكريم شهدائهم، وإقامة النصب التذكارية التي تخلد أعمالهم، وحتى الجندي المجهول لم يحرم من نصب تذكاري يخلد أعمال مئات الآلاف منهم، الذين سقطوا في ميادين مختلف المعارك، دفاعا عن مبدأ، أو وطن.
كما تهتم كل دول العالم تقريبا بالعناية بأسر شهدائها وتكريم أهاليهم، ومنها الكويت التي قامت فور تطهيرها من الاحتلال الصدامي، بتعيين شخصية رفيعة لترؤس لجنة الأسرى والشهداء، وهذا أقل ما ينبغي القيام به اتجاههم. وقد مررت قبل أيام أمام مبنى ضخم في منطقة أرض المعارض، قد تتجاوز تكلفته عدة ملايين من الدنانير، يخص أبناء الشهداء. وبالرغم من تقديرنا العميق للدور الكبير الذي قام به شهداء الوطن، وما كان لبطولات الكثيرين منهم من دور في تكاتف دول العالم «الحر» معنا، ومساعدتنا في التخلص من حكم صدام الحقير، فان المنطق يقول ان أصغر ابن شهيد قد تجاوز اليوم سن الرشد بسنوات، وبالتالي من العدل جدا التعامل معهم على هذا الأساس. وإن كان من الضروري، لأسباب خاصة، استمرار تقديم المساعدات المادية لهم، بعد أن اصبحوا في سن العمل، فإن هذا يمكن القيام به بسهولة من خلال الإدارة المختصة في وزارة الشؤون، حينها ينتفي الغرض من إقامة مبنى بهذه الضخامة والكلفة لأسر الشهداء، مع ما قد يتسبب فيه وجود مثل هذا المبنى الضخم من احتمال تعقد معاملات ابناء الشهداء وأسرهم! فهذا المبنى الذي سيحتاج مستقبلا لمدير عام، أو موظف بدرجة وزير أو وكيل وزارة، سيتطلب جيشا صغيرا من المساعدين والموظفين والسعاة لمساعدته في صرف مكافأة أو رواتب أسر الشهداء، وما يعنيه ذلك من تطلب كل معاملة لعشرات التواقيع والأختام، وكتابكم وكتابنا! هذا غير ما يعطيه المبنى من انطباع غير مريح بأننا نتوقع غزوا آخر، وبالتالي علينا إنشاء جهاز دائم لأبناء الشهداء ليهتم بمن سيأتي منهم مستقبلا! وأعتقد أننا ربما نكون الدولة الوحيدة التي لأسر الشهداء، وبعد 24 عاما، مبنى خاص بهم!
هذه وجهة نظر، ونتمنى على الجهة المعنية توضيح ما قد يكون خفي علينا.

من القلب: ننتهز فرصة حلول أعياد الميلاد المجيدة لنتقدم، بقلوب يملأها الحب والعرفان، لجميع الإخوة المسيحيين بالتهنئة الصادقة والحارة بهذه المناسبة السعيدة، والشكر لكل ما قدموه، وسيقدمونه لنا. كما نعتذر عن نشر إعلان التهنئة في القبس، كما اعتدنا وبعض الاخوة والأخوات عليه في السنوات الأخيرة، وذلك لوجودنا في الخارج. وكل عام والجميع بخير.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تحدثوا عن نسائكم

تضع بعض العقائد الدينية المرأة في مكانة متدنية إنسانيا، مع تفاوت في المكانة بين عقيدة وأخرى! ولكن الجميع تقريبا استطاع، مع الوقت، الإفلات من هذا الإرث بعد ان تبين له، من خلال وقائع وتجارب وحقائق علمية، خطأ هذا الاعتقاد، وأن مسألة إنسانية المرأة، دعك عن أي أمر آخر، أمر مفروغ منه، وبالتالي على الرجل اعتبار المرأة ندا له بقدراتها العقلية والمهنية، وهي ليست فقط زميلة في الإنسانية، بل وشريكة حياة وأم وأخت وخالة وخبيرة وقائدة ومعلمة وفنانة وسياسية ومخترعة ورائدة فضاء، وأيضا المعيلة الوحيدة لمئات ملايين الأسر! وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن المرأة، أو بالأحرى مخها، لا يشكو من أي نقص، مقارنة بمخ الرجل، بل ويمتاز عنه، كما ثبت علميا مؤخرا، بقدرته على القيام بعدة مهام في وقت واحد، وهو ما يعجز عنه غالبية الرجال! فقد بينت صور رنين مغناطيسي mri أجريت لعدد كبير من الشباب من الجنسين، أن تصميم مخ الرجل يناسب تنفيذ مهمة منفردة واحدة، مثل قراءة جريدة أو إيقاف سيارة في موقف ضيق، أو إعداد وجبة طعام، حيث ينجح في ذلك بتميز، ولكنه يفشل عندما يتطلب الأمر منه الانتباه لمهام متعددة في وقت واحد، كالرد على الهاتف، ومراقبة قدر الطبخ وملاحظة طفل! والسبب أن كثرة العقد العصبية في مقدمة ومؤخرة مخ الرجل تعطيه القدرة على فهم المعلومات بسرعة واستخدامها في تنفيذ مهمة معقدة. أما مخ المرأة فإنه أفضل في مهام تحتاج لربط أكثر من أمر للوصول لنتيجة، كتذكر حادثة ما أو وجه شخص مثلا، فعملية التذكر هذه تتطلب من المخ القيام بالعديد من الاتصالات بين أجزائه. وتقول د. راجيني فيرما، من جامعة بنسلفانيا، التي أشرفت على دراسة علمية «بالطبع يوجد لكل قاعدة شواذ، ولكننا اذا قمنا بإعطاء 1000 رجل وامرأة مهمة يتطلب تنفيذها تفكيرا منطقيا وحدسيا، مع تحليل للنتائج بطريقة احصائية، فسوف نجد أن المرأة أقدر من الرجل على القيام بهذه المهام، حيث ان الجزء الأيمن من مخها يرتبط بشكل أفضل بجانبه الأيسر، مقارنة بالرجل، بسبب الترابط بين جميع أجزائه. بينما نجد أن النشاط المكثف للمخيخ عند الرجل يجعله أفضل في تعلم أمر محدد، أو القيام به بصورة افضل. وقالت د. فيرما ان هذه الاختلافات تزداد مع العمر.
وقد يرى البعض أن نتائج هذا البحث لا تنطبق على من يعرفون من نساء، وأنهن بالفعل أقل قدرة من الرجل عقليا! ولكن إن صح ذلك، فهو يعود للطريقة التي تلقت بها المرأة تربيتها، وإقناعها بأنها أقل من الرجل، وبالتالي تصرفت كذلك وصدق من حولها هذا النقص، فالمستوى العقلي للشخص هو في النهاية نتاج ثقافة مجتمع، فالمرأة ليست اقل من الرجل في قدراتها متى ما توافرت لها التربية والبيئة الصحية، والأدلة على ذلك لا تحصى! وبالتالي فإن من يعتقد بأن المرأة ناقصة عقل، فهو يتكلم عما يعرف من بيئته، ولا ينطبق ذلك الاعتقاد بالضرورة على غيرهن.

أحمد الصراف

احمد الصراف

شقة في عاصمة خالية

تعقيباً على مقال مجمع الصوابر، اتصل بي قارئ صديق، ليخبرني بأن المجمع لا يزال مأهولا بسكانه، وأن الحكومة لم تقرر حتى الآن، بصورة نهائية، إخلاءه من سكانه، وتعويضهم، ربما لأن غالبيتهم رفضوا مبلغ التعويض، الذي يقارب المليون دولار، أكرر دولار، لأنه مبلغ ربما لا يكفي لشراء قطعة أرض مناسبة، فكيف ببنائها؟
إن تخبّط حكوماتنا المتتالية، على مدى ثلاثين عاما، وغياب الرؤية عنها، وعجز المؤسسة التشريعية عن القيام بدورها بصورة فعالة لغياب معظم القيادات السياسية فيها، نتج عنه تراكم وتوالد مئات المشاكل لدينا، ومنها مشكلة مجمع الصوابر، لتبقى شوكة في البلعوم، ليس سهلا إخراجها، ويستحيل بلعها!
إن الحكومة الرشيدة أو ما يقارب ذلك، ملزمة بأن تفعل شيئا فيما يتعلق بهذا المجمع، والأمر ليس بهذه الصعوبة، متى ما توافرت النية، فهناك حتما بين من يمتلكون وحداته من لا يودون مغادرته، إن لقربه من مكان عملهم، أو لعدم كفاية ما سيدفع لهم لشراء مأوى محترم بديل، أو لأية اسباب معنوية أو نفسية أخرى. وبالتالي من الأفضل إبقاء المجمع كما هو، بعد إجراء صيانة شاملة وكاملة عليه، وإزالة المخالفات منه، وإحياء حدائقه وتنظيف كراجاته وإدخال نظام أمني إليه، والتأمين على المبنى، وترتيب أمر إنشاء جمعية لملاك وحداته، من خلال عقود تلزم الجميع بالمحافظة على نظافته وجماله وأمنه بشكل مستمر، مع إعطاء ملاكه صكوك ملكية خالية من اية معوقات، بحيث يمكنهم بيعها بسهولة في السوق.
لقد تسبب خبر نية الحكومة تعويض ساكني المجمع بمبالغ كبيرة من المال، وإخلاءه، تسبب في التأثير «سلبا» في أسعار العقار في السوق، حيث ارتفعت كثيرا تحسبا لقيام سكان المجمع، الذين يقدر عددهم بالمئات، بالهجوم على الأراضي الخالية والبيوت المعروضة للبيع. ولو ألغت الحكومة خطة شراء وحدات المجمع وهدمه، فإن أسعار العقارات الفارغة والبيوت، ستنخفض حتما، وسيكون ذلك في مصلحة الغالبية الباحثة عن بيت سكن محترم بسعر معقول. أقترح ذلك بالرغم من أنه في غير مصلحتي، ماديا!
كما على الحكومة أن تبعد سمعها ونظرها عن القلة «المتمصلحة» من كل قرار، وتحزم أمرها، وتقوم باللجوء إلى السكن العمودي، في داخل العاصمة، فهذا سيعيد الحياة لمدينة شبه ميتة، خاصة في الفترة المسائية، ويحل جزءا كبيرا من مشكلة السكن المتفاقمة، كما سيكون تأثيره إيجابيا في دفع الأسر الجديدة للسكن في مبانٍ جميلة وراقية داخل العاصمة. وسأكون أول من يشجع ابناءه على القبول بهذه الشقق، بدلا من انتظار بيت في «بر جول»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الجعة والضرائب

وضع عالم اقتصاد أميركي المعادلة التالية لشرح فلسفة الضرائب:
يقوم عشرة اشخاص بتناول البيرة، أو الجعة، في حانة الحي. ويتقاسمون ثمنها بينهم بطريقة دفعهم للضرائب نفسها. وبما ان ثمن ما يتناولونه يوميا يبلغ 100 دولار، فإن أربعة منهم، الأكثر فقرا، لا يدفعون شيئا، والخامس يدفع دولارا، والسادس ثلاثة، والسابع 7 والثامن 12 دولارا والتاسع 18، أما الأغنى فيدفع 59 دولارا من ثمن الفاتورة البالغ 100 دولار. بقي الحال هكذا إلى أن قرر صاحب الحانة منحهم خصما %20 لسدادهم للفاتورة بانتظام، فقرر هؤلاء قسمة المبلغ الجديد بينهم بالمعادلة الضريبية السابقة نفسها، وبالتالي لم يتأثر وضع الأربعة الأول، واستمروا في عدم دفع شيء، أما الخامس، فقد جعله خصم الـ%20 لا يدفع شيئا أيضا. أما السادس فقد اصبح عليه دفع دولارين بدلا من3، والسابع يدفع 5 دولارات بدلا من 7، والثامن 9 بدلا من 12 والتاسع يدفع 14 بدلا من 18، أما الأخير، والأغنى، فعليه دفع 49 دولارا بدلا من 59 دولارا! وهكذا اصبح وضع الجميع أفضل من قبل، كما، مع الأربعة الأول.
ولكنهم اجتمعوا يوما خارج الحانة، واجروا مقارنة بعضهم مع بعض فيما حققوه من توفير نتيجة خصم الـ%20، فاشتكى السادس من أنه لم يحصل على غير دولار سخيف واحد، وقال السابع، إنه وفر دولارا واحدا فقط. وقال الثامن: أنا حصلت على مبلغ ضئيل، وقال التاسع لقد وفرت أنا 4 دولارات فقط، أما أنت، مشيرا للعاشر، فقد حصلت على عشرة دولارات كاملة، أو %50 مما حصلنا عليه جميعا من خصومات! وهنا تعالى صراخهم، وهم يشكون من ضآلة ما حصلوا عليه مقارنة بما حصل عليه العاشر من خصم كبير، وحتى الذين لم يكونوا يدفعون شيئا اصلا شاركوا بالشكوى من أنهم لم ينالوا نصيبهم من الخصم، ورغم اعتراضات العاشر بأنه كان طوال الوقت يدفع أكثر منهم، فإن احتجاجاته لم تلق أذنا صاغية من أحد، وانهالوا عليه ضربا. وفي اليوم التالي تغيب العاشر عن الحانة، فجلس الباقون يحتسون بيرتهم، وعندما جاءت الفاتورة تبين أن ليس لديهم جميعا ما يكفي لدفع ثمن الجعة، فقد كان العاشر يدفع النصف! وهذه هي الطريقة التي يعمل بها نظام الضرائب «العادل»!
وقد ذيل عالم الاقتصاد مقالته القصيرة بالقول إنه من الطبيعي أن يحصل أولئك الذين يدفعون ضرائب أعلى على نسبة خصم أعلى من غيرهم من الضرائب المرتجعة. واضاف أن من فهم فكرته فلا حاجة لشرح أكثر له، ومن لم يفهمها فلا فائدة من الشرح أكثر.
والآن، هل آن أوان فرض الضرائب في الكويت لكي يساهم فرضها في تقويم أخلاق وتصرفات الكثيرين بطريقة فعالة، وترشيد الإنفاق بطريقة أكثر حكمة؟

أحمد الصراف