احمد الصراف

أين كان هذا الرجل منذ نصف قرن؟

عندما قالوا لهتلر إن البابا غاضب لأن قواته اجتاحت بولندا، في بداية الحرب العالمية الثانية، ضحك، وقال ساخراً: ما عدد الدبابات التي يمتلكها البابا؟ وقد كانت تلك بداية سلسلة أخطاء الفوهرر القاتلة!
يعتبر بابا الفاتيكان أقوى شخصية دينية، فأتباعه يزيد عددهم بكثير على المليار كاثوليكي، كما أن تأثيره اليوم عليهم لا يمكن نفيه. وقد جاء البابا الحالي في ظروف دقيقة، بعد تنحي البابا السابق عن منصبه، في سابقة نادرة، وكان وصوله للفاتيكان، كما توقع الكثيرون، حدثاً تاريخياً، وإعلاناً بالتغيير. فرغم ما يتصف به البابا فرنسيس من تواضع جم، فإنه قوي الشخصية، وقد شرع مبكراً في إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، ليس فقط من الداخل والخارج، بل وفيما ترسخ في النفوس على مدى ألفي عام من غرائب المعتقدات والآراء. ويعتقد البعض بأن تصريحاته المثيرة الأخيرة، وموقفه من المثليين جنسياً، وغيرها من القضايا الحساسة، التي قد لا يكون ما وصلنا من تصريحاته مطابقاً تماماً لما قال، تنبئ بموقف واتجاه إصلاحي لم يحدث للكنيسة منذ قرون عدة. فقد صرّح بأنه من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة يمكن أن نكتسب فهماً جديداً لبعض العقائد! وهذا ما لم يجرؤ، أو يرغب، أي بابا في قوله. كما تقدّم البابا فرنسيس خطوة أخرى وقال إن الكنيسة «الكاثوليكية» لم تعد تعتقد في جحيم يعاني فيه الناس، فهذا الفكر يتعارض مع الحب اللامتناهي للإله.
فالله، حسب المفهوم الكنسي، ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية، والله لا يسعى إلى الإدانة، وإنما فقط إلى الاحتضان، وإن الكنيسة الكاثوليكية تنظر إلى الجحيم كموضوع أدبي، كما في قصة آدم وحواء. وبالتالي، فالجحيم مجرد كناية عن الروح المعزولة، التي ستتحد في نهاية المطاف، على غرار بقية النفوس، في محبة الله!
وقد هزت تصريحات البابا الكثيرين، وصدموا من قوله إن الكنيسة كانت تاريخياً قاسية تجاه الحقائق التي تعتبرها خاطئة من الناحية الأخلاقية أو تدخل في باب الخطيئة، ولأننا لسنا قضاة، فإن هذا يجب أن يدفعنا لأن نكون أكثر تسامحاً، وألا ندين أطفالنا، أو رعايانا. وقال إن الكنيسة الكاثوليكية كبيرة بما يكفي لتسع المثليين جنسياً، وللمؤيدين للحياة ومؤيدي الإجهاض، والمحافظين والليبراليين، وحتى الشيوعيين، فالجميع موضع ترحيب، فنحن، حسب قوله، جميعاً نحب ونعبد الإله نفسه!
والآن، هل لدى واحد من كبار «علمائنا» الشجاعة «الأدبية» لأن يرد على تحية البابا بمثلها؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

مكتبة الأب سروج

ينقل عن أحد المؤرخين قوله: إن أردت أن تلغي شعباً ما، فابدأ أولاً بشلّ ذاكرته، ثم إلغاء كتبه وثقافته وتاريخه. ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان، وينساه العالم!
وبصفتي قارئا نهما، ومحبا للكتاب منذ صغري، فإنني لم أجد اصدق من هذا القول في وصف أهمية القراءات المتنوعة. ولا أعتقد أن هناك طريقة أو سبيلا أفضل لاكتساب المعرفة أفضل من القراءة، بعد أن أصبح معنى الكتاب ضيقاً، حيث تطالع الشعوب وتتعرف على العلوم والأفكارالجديدة من خلال وسائل عديدة، منها الكتاب. وقياسا على ذلك فليس هناك أفضل طريقة لاكتساب الجهل، أو المحافظة عليه، من هجر القراءة، والاكتفاء بنص أو أكثر، وكفى الله المؤمنين القتال، وربما شر القراءة! وأيضا قياساً على ذلك لو قارنا ما يطالعه الإنسان العربي سنوياً، من كتب ودراسات وصحف ونشرات وسماع محاضرات، وبحث عن المفيد من المعارف على الإنترنت، لوجدنا رقما يدعو للخجل، في الوقت الذي نرى فيه شعوبا يعتقد غالبيتنا بـ «دونيتها»، دع عنك الدول الغربية، تقرأ أضعاف ما نقرأ، وتتقدمنا بأميال من المعرفة والتكنولوجيا والاعتماد على النفس، من دون سخافة «أنا كوري، أنا تايلندي»، وأفتخر!
أكتب هذه المقدمة الخلدونية قبل الدخول في موضوع المقال المتعلق بقيام بعض الرعاع، ومن الذين لا يمكن أن يعول المرء عليهم في تقديم أية خدمة «إنسانية» لمجتمعهم، بحرق مكتبة «السائح» التاريخية في طرابلس، لبنان لصاحبها، القس، أو الأب «إبراهيم السروج»، لشكهم في أنه كتب أو روج لمقالات مسيئة للرموز الإسلامية، أو ربما أحرقت المكتبة لأي أسباب أخرى! فالمعنى هنا هو رمزية الفعل. فقيام البعض بحرق مكتبة يملكها رجل دين مسيحي مسالم وكبير في السن، ولم يعرف عنه غير المحبة والدعوة للسلام والوئام، لم يكن عملاً أخرق واعتباطياً، من وجهة نظرهم على الأقل، بل وقصد به تحقيق أهداف عدة. ومهما كانت أسباب هؤلاء، إلا ان سعي بعض المغالين للتخلص من رموز المعرفة في مجتمعاتنا أمر لا يمكن نكرانه، وهي هنا «دار الكتب». فهذا المكان، بمنظور من قاموا بحرق تلك المكتبة، هي دار نشر الشر والكفر. وبالتالي فإن من أحرق المكتبة هدف لتحقيق عدة أمور، وعلينا، كأفراد أن نفعل ما بإمكاننا فعله، لوقف هذا التهجير والتخريب، أيا كان.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الجهل والخراب والحل

استدعى وزير الأشغال مجموعة من أصحاب الشركات المعنية بأعمال الطرق، ووجه اللوم الشديد لهم لسوء أحوال الطرق السريعة، وما تعرّضت له طبقتها العليا من تآكل، وتزايد نسبة تطاير الحجارة منها، مما أدى الى إتلاف زجاج ومقدمات آلاف السيارات. ويقال إنه هددهم بالإحالة للنيابة، ووضع أسمائهم على قائمة الوزارة السوداء! وهذا، إن صح، كلام لا معنى له، وتهديد غريب يدل إما على عدم معرفة الوزير بطريقة ترسية المناقصات وتنفيذها والإشراف عليها، أو أنه يعلم كل ذلك، ولكن يود أن يبين لمن هو أعلى منه حزمه وصرامته. أو ربما لذر الرماد في العيون، وإسكات الاحتجاجات!
مشكلة الأشغال، أو سوء حال الطرق، أو سوء مصنعية تنفيذ أي مشروع حكومي، لا تتعلق بشركات المقاولات، بقدر ما تتعلق بأمور أخرى، أكثر أهمية كطريقة ترسية المناقصات، وطريقة الرقابة على تنفيذها، وما يتبع ذلك من تسلّم المشروع من الشركة المنفذة، وما يتعلق بفترة الصيانة، وما يحدث بعد انتهائها! فخلال كل هذه المراحل تقع المسؤولية كاملة على الأجهزة الحكومية. فهناك جهات تقوم بترسية المناقصة على أقل الأسعار، وتبدأ المشكلة عندما تكون الكلفة المقدرة للمشروع أعلى بكثير من سعر المناقصة. كما تقع المسؤولية على الجهة التي اعتمدت المشروع أو المواد، من دون أن تتأكد من أن ما اعتمدته قد تم تطبيقه، أو تسليمه بالفعل، كما تقع المسؤولية على الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع، مكتب استشاري أو موظف حكومي، كما تقع أضخم المسؤوليات على الجهات التي تتسلم المشروع، بعد الانتهاء من تنفيذه، التي عادة ما تغض النظر عن كل عيوبه، مقابل تسلّم «المقسوم»! من البعض وهناك مسؤولية فترة الصيانة، وتخلي الجهة الحكومية عن «محجوز الضمان»، بسهولة! ومن بعد كل هؤلاء تأتي مسؤولية المقاول، أو المورّد، الذي يسعى لتحقيق أقصى الأرباح لنفسه. وبالتالي فإن الأمر كله يتعلق بضعف قدرات، أو قلة خبرة، أو خراب ذمم الكثير من المسؤولين عن مراحل تنفيذ أي مناقصة. وقد حذرت شخصيا أكثر من مسؤول من خطورة ترسية عدة مناقصات محددة على شركات معينة، بسبب الفارق الكبير بين كلفتها الحقيقية وما التزم المقاول به، ولكن لم يكترث أحد لتحذيراتي، ولما ذكرته وبيّنته من حقائق، إما بسبب عجزهم عن فعل شيء، أو لكونهم جزءاً من الخراب! كما عملت في السبعينات، وحتى ما قبل الغزو الصدامي الحقير، في المقاولات، وكانت لي تجارب مريرة مع جهاز إشراف وزارة الأشغال، الذي كان بعض أفراده يدفعونني دفعا لأن أخالف، وقد كرهت منذ يومها ذلك النشاط وتركته غير آسف عليه، بالرغم من نجاحي فيه!
إن مشكلة سوء مصنعية الطرق، وبقية الأعمال الحكومية، ناتجة عن أسلوب ترسية المناقصات، وخراب ذمم أغلب الجهات الرقابية، وانتشار الفساد الإداري في الجهاز الحكومي، وغياب الحساب والعقاب! وحيث إن المشاكل معروفة، فإن حلولها معروفة أيضا، والعلاج موجود، ولكن حتما «لا أحد» يود اتخاذ قرار الإصلاح، فـ«المصلحة العليا» تتطلب بقاء الحال على ما هي عليه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

معصومة وحميد

ليس هناك أجمل من الانتماء لوطن والعيش آمناً وبكرامة في كنفه! ولا يعرف حقيقة هذا المذاق، وما يعنيه ذلك من أمان وراحة نفسية، إلا أولئك الذين فقدوا وطنهم، غيلة وغدراً، أو ربما جهلاً! والوطن، كالصحة، لا نعرف قيمته إلا بعد فقده، وما يفعله الكثيرون بأوطانهم اليوم، إن باسم الدين أو الطائفة أو العرق أو القبيلة، أو في سبيل المال، لا يمكن أن يغتفر، وهم لا يعلمون بأن الأمور ستنقلب يوماً عليهم، أو على الأقل على أبنائهم، يومها سيعرفون أن لا معنى لثروة أو عقيدة أو مذهب أو قبيلة إن فقد الوطن، فإن ولى ولت الكرامة معه، وكل شعور بالأمن والأمان!
ولكن حتى الوطن يصبح أحياناً طعمه مراً في الحلق، وتصبح محبته معاناة يومية، وهذا ما رأيته وأراه في عيون الكثير من أصدقائي العراقيين واللبنانيين والسوريين الذين يرون أوطانهم تذوب أمامهم، وجذوة العافية تذوي فيها، ومرابع الصبا تحترق، وهم عاجزون تماماً عن فعل شيء، فقوى الجشع والسطوة المستفيدة من الخراب أقوى منهم ومن مشاعرهم، وأشد شراسة من دعواتهم وصلواتهم وتمنياتهم، وحتى من ما قد يكون بين أيديهم من قوة ومال!
ولقد شعرت شخصياً، عدة مرات، بطعم الوطن المر، ولكن وتيرة ذلك الشعور أصبحت أكثر تسارعاً، مع تسارع انزلاق وطني لمهاوي الصراع الطائفي والفساد الإداري والسياسي، التي سبقتنا إليها دول أخرى «شقيقة». فالأحقاد أصبحت تملأ نفوس الكثيرين، وأصبح عدد من هم على استعداد لبيع وطنهم، وقبض ثمن ذلك رشوة مالية أو مادية، في تزايد مستمر! كما أصبح الجهلة هم الذين يصنعون «الرموز» وبعضهم من يمثل الأمة، وأصبح هؤلاء، وغيرهم من المنحرفين طائفياً وقبلياً، هم متصدرو المجالس واللقاءات، وأصبح وطن الإخاء والعدالة ضحية أطماع هؤلاء.
نعم لقد شعرت بطعم الوطن المر عندما اختار البعض من ابنائه أن يمثلهم السيد «عبدالحميد دشتي»، في مجلس الأمة. وشعرت بنفس الطعم المر وأنا أرى خذلان نفس الفئة لكفاءة مثل السيدة «معصومة المبارك»، وإنكارهم عليها شرف تمثيلهم! وشعرت بتلك المرارة وأنا أتخيل سماع صوتها وهي تخاطب ناخبي منطقتها: «أنتم لا تستحقوني».
نعم، طعم الوطن أصبح مراً بوتيرة متزايدة مع ما اصبحنا نراه من عجز الحكومة، التي تمتلك كل ادوات القوة والتنفيذ، عن وقف هذا التدهور والانزلاق نحو الهاوية!
فهل هناك وضع أسوأ من هذا؟ نعم هناك، وهو ما سيأتي من بلاء!
***
• ملاحظة: ورد في مقال أمس أن الشيخ خزعل كان صديقاً للشيخ أحمد الجابر، والصحيح أنه كان صديقاً لجده الشيخ مبارك الصباح، وسبق أن كتبنا عن علاقتهما الوثيقة. فمعذرة على هذا السهو.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم قُتِل العاملان.. عمداً!

عندما كنت في بيروت في بداية السبعينات، وتصادف مروري في صباح ربيعي جميل بحشد من المارة والسيارات التي أغلقت الطريق، وكان الجميع ينظرون الى شخص يقف على حافة بلكونة في الطابق الرابع من فندق رخيص، مهدداً برمي نفسه، منتحرا! وكعادتي، لم أقف، غيّرت اتّجاهي، وذهبت لحال سبيلي. وفي اليوم التالي كان خبر انتحار ذلك المسكين على صدر صفحات الصحف، فقد كان لبنان أقل انشغالا وقتها بأخبار القتل والتفجير، وحادثة انتحار كتلك كانت تأخذ حيزها من الاهتمام. تبين أن الرجل، الذي نفّذ تهديده ولقي حتفه، كان «تاجر شنطة»، قبطي مصري، اضطربت احواله المالية فلم يجد بداً من التخلّص من حياته. الطريف، او المحزن في الموضوع، أنه لم يكن جادا في محاولته، فقد وقف على طرف الشرفة لأكثر من 4 ساعات، قامت خلالها الشرطة بإرسال رجل دين قبطي ليقنعه بالتخلي عن محاولته، لأنها ضد العقيدة، ولكنه لم ينصت اليه! وعندما أرسلوا إحدى فتيات الليل لتبين له مباهج الحياة وما سيفقده إن انتحر، كان مصير محاولتها كمصير محاولة الكاهن، واستمر في كتابة الرسائل لزوجته وأبنائه، والقائها على المارة، طالبا منهم إيصالها الى سفارة بلاده. ولكن بعد فترة تعب «الحضور الكريم» من الانتظار، وأرادوا نهاية للمسرحية، فتعالت أصواتهم مطالبة الرجل إما بالانتحار واما الانسحاب، وصدرت منهم شتائم ووصفوه بالجبان، ويبدو أن المسألة «كبرت برأسه» فرمى نفسه ليتحطم على اسفلت الطريق! وعبر مانشيت «النهار» في اليوم التالي أصدق تصوير لما حدث، حيث وصفت مأساة الرجل بقولها: «لقد انتحروه، ولم ينتحر»! فان يقف ذلك الرجل لأربع ساعات على طرف الشرفة دليل على تشبثه بالحياة، ولو لم يستفزه المارة، لربما تعب من الوقوف، وعاد الى غرفته!
تذكرت تلك القصة عندما قرأت خبر وفاة اثنين من العمال تحت انقاض بيت الشيخ خزعل بن مرداو، شيخ المحمرة، وصديق عمر الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي بنى قصره بجانب قصر صديقه، حيث مات العاملان وهما يحاولان ترميم مبنى القصر المتهالك! المشكلة أن ذلك المبنى القديم، أو ما تبقى منه، كان معرّضا للانهيار التام، وكان الدخول له مشروع انتحار، فقد تأخر ترميمه لنصف قرن، على الأقل! وبالتالي، فإن العاملين المسكينين، على الأرجح، لم يموتا تحت الأنقاض، بل قُتلا.
ويبدو واضحا أن ما حصل للعاملين وللقصر، من ترك الأمور لكي تتفاقم، تشبه – تماما – قضية «البدون» التي تركت لأربعين عاما من دون حل حتى تفاقمت واصبحت صعبة الحل جدا. وتأجيل الحلول سياسة حكومية معروفة منذ سنوات طويلة! فلو اتخذت الحكومة قرارها في ستينات القرن الماضي، وحلت مسألة «البدون»، لما وصلت الحال بنا وبهم الى هذا الوضع المأساوي. ولو رمم قصر الشيخ في الوقت المناسب لما مات العاملان تحت أنقاضه، ولو كان لدى مسؤولينا الرؤية الواضحة، لأزالوا المبنى من أساساته وأعادوا بناءه بطريقة صحيحة، في موقعه وبتصميمه نفسيهما، وجعلوه متحفا جديرا بالارتياد، كما حصل مع مبنى المستشفى الأميركاني!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كلم الناس .. فضيلة الاعتذار

القارئ الكريم د. محمد المنيع، الذي سبق أن استعنت برده في كتابة توضيحي على ما سبق أن نسبته من أبيات شعرية للمتنبي، عاد وكتب الرد التالي، على مقالي الأخير عن المتنبي: الأخ احمد. تحية طيبة: من وعد أوفى، ومن قال صدق، وأحسن الاماكن أجملها، وخير المراكز أعلاها، وأحسن القول أصدقه، ويعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، وانت بك كل ما كتبت أعلاه!
لقد قرأت مقالك «مقال الاعتذار» الجميل والطريف في القبس، وقربني اكثر اليك والى القبس، كما العهد الصادق، والوعد الوفي. وهذه أبيات من شعري كتبتها لك، الأولى بالفصحى، والثانية بالعامية، تقديرا وعرفانا:
واني على ما وعدت للوعد وافيا
اقول كما قال الصادق الجزل
تعلمت الوفى لما قلت واعدا
وكيف لا وأخلاقنا تجمع الشمل
***
ليت الطريق اللي يوصلني لك يدلك
والله لأفرشه بورد وزهر وكل ما يسرك
وليت عيني ما تشوف في البشر غيرك
حتى لو راح النظر في خيالي اشوفك
فشكرا لك كما قال الشاعر أبو عيينة بن محمد بن أبي عتبة المهلبي، (والذي لم اسمع به في حياتي):
لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة
أوفى من الشكر عند الله في الثمن
أخلصتها لكم مـن قلبي مهذبة
حذواً على مثل ما أوليتم من حسن
د. محمد المنيع

***
أنشر هذا الرد اللطيف، دون تغيير في محتواه، ليس لغرض شخصي، بل لكي أدلل على ما للاعتراف من أهمية ووقع طيب في النفوس. فقد كان بإمكاني تجاهل عشرات الردود التي وردتني، معاتبة محتجة، وحتى شاتمة، تاركا الأمر لضعف الذاكرة البشرية، خاصة أن أغلبية القراء «استمتعوا» بذلك الخليط من أبيات الشعر، من دون الاهتمام بحقيقة هوية قائلها. وهو وضع يشبه استمتاعهم بكلمات أغنية جميلة دون الاكتراث، غالبا، لمعرفة اسم من صاغ كلماتها!
الأمر الطريف أيضا أن د. محمد المنيع طبيب استشاري، وغريب في مجتمعاتنا اهتمام شخص «علمي»، بالمواضيع الأدبية، وانغماسه في الشعر وحفظ الكثير منه!
نعود الى موضوع الاعتذار ونقول إنها فضيلة نفتقدها في مجتمعاتنا، ولم أكن أفضل من غيري في التعامل معها، ولكني «دربت» نفسي في السنوات الأخيرة على الاعتذار، متى ما بدر مني ما يسيء لشخص أو وضع ما، وقد أراحني ذلك كثيرا، وجنبني زعل البعض!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الدامة والعبيدي

السياسة في الدول المتقدمة ليست هواية، بل مهنة، وليس للصدفة دائما مكان فيها. وسياسة المحاصصة المتبعة هي التي تخلق سياسيي «الصدفة»، الذين تنحصر مهمتهم في إرضاء الكتل البرلمانية، وأطراف المجتمع السياسي والقبلي والطائفي المؤثرة! ولكن على الرغم من السهولة النسبية في مثل هذه الاختيارات، إلا أن النتيجة لا يمكن أن تشكل فريقا متجانسا أو قوة «إدارية» تذكر! وقد أدى استمرار اتباعها الى عزوف واضح من الجادين والمخلصين، ومن أصحاب الخبرة والكفاءة، عن قبول المنصب الوزاري، وهذه ظاهرة تنفرد بها الكويت، بين الدول المتخلفة في العالم، وحتى المتقدمة التي يكون اختيار الوزراء عادة فيها يتم لمهنيتهم أو لخبراتهم كسياسيين. فالتوزير في الغرب عملية جادة، والاختيار جزء من خطة حكومية، ووجود الوزير الكفء عامل حازم في تحقيق تلك الخطة! هذا العزوف عن المشاركة ربما صعب مهمة رئيس الوزراء في اختيار فريق مميز، ولكنه يعلم أن العزوف سببه غياب الرؤية، وانعدام الانسجام، والأهم من ذلك المركزية الشديدة في اتخاذ القرار داخل الحكومة. كما أن قصر عمر أي وزارة، الذي أصبح بحدود السنة تقريبا، لا يشجع الكفاءات، إن قبلت بالتكليف، على القيام بأي حركة إصلاحية طويلة الأمد، خوفا من ألا يبقى في الوزارة بما يكفي، ليأتي من بعده وزير آخر وينسف كل عمله، فتذهب جهوده سدى، وما حدث مع الوزير الحجرف، وما بدأ به من حركة إصلاحية لن تستمر ربما مع الوزير الجديد، الذي سيكون تحت نفس هاجس عدم البقاء طويلا في منصبه!
يقول صديق إن مركزية اتخاذ القرار تسببت، طوال 40 عاما، في تراكم المشاكل المستعصية، ومثال على ذلك مأساة «عديمي الجنسية» الذين لم تبت السلطة، في وضعهم لأكثر من ثلاثة عقود، وعندما اصبح عددهم بمئات الآلاف، تم تشكل لجنة بعد أخرى لمعالجة أوضاعهم! وأخبرني صديق آخر أنه قرأ القصة الرمزية التالية، وطلب مني تكرار نشرها: ذهب رجل إلى سرداب البيت الذي لم تطأه قدماه منذ سنوات، فوجد أجهزة إلكترونية قديمة، ومجموعه ألعاب، كانت في وقته مصدر تسلية له وإخواته واصدقائه، مثل كرات البلور، او التيلة، وقطع خشبية للعبة «الدامة»، وبضع «دوامات» مع خيوط تدويرها. وقال إنه حمل تلك الألعاب لأولاده وشرح لهم ما كانت تعنيه بالنسبة إليه، وطريقة استخدامها، ودعاهم الى ترك ما بأيديهم من أجهزة حديثة، ومشاركته في اللعب، ولكنهم نظروا إليه من دون أن يقولوا كلمة، وعادوا لهواتفهم الذكية والآيباد واللاب توب. ويقول الصديق إنه شعر وقتها وكأنه رئيس وزراء، وان ما بيديه من ألعاب هم أعضاء الوزارة الجديدة، واولاده هم الشعب!
ونختم المقال بتكرار تساؤل الزميل وليد الجاسم، في الوطن: إن كان د. العبيدي مميزا في وزارة سابقة، فل.مَ قام الرئيس بإعفائه وقتها من منصبه كوزير للصحة؟ وإن كان العبيدي سيئا فل.مَ قام الرئيس نفسه بتكليفه ثانية بوزارة الصحة؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

نبوءة الأستاذ جاد والمتنبي

هذا المقال يتعلق بما نسبت، في مقال سابق، من أبيات شعر للمتنبي، واكتشف الكثير من القراء خطأ ما ذكرت، وكتبوا واتصلوا، كتابيا وهاتفيا، يلفتون نظري الى ما ارتكبت من «خطيئة»! وقد أعادني الموضوع لواقعة طريفة حدثت قبل أكثر من نصف قرن، عندما كنت في المرحلة المتوسطة. كان مدرس العربية، الأستاذ جاد، دائم التجهم، وقد حذرني مرارا من أنني سأسقط في مادته إن بقيت مصرا على عدم حفظ بيت شعر واحد من المقرر، وأن الاكتفاء بعلاماتي الممتازة في الإملاء والإنشاء ليس كافيا. ومن منطلق محبته لي، لأنني كنت أحرر مجلة الحائط، وأساعده في عمله في المكتبة، فقد غششني وأخبرني بأن امتحان اليوم التالي في الشعر سيكون في قصيدة للشاعر امرئ القيس، التي يقول فيها واصفا فرسه: مكر مفر مقبل مدبر معا.. إلخ! سهرت الليل، وحفظت أبياتها القليلة، وفي صباح اليوم التالي وقفت لألقي القصيدة، ولكن صياح الطلبة ارتفع مطالبين المدرس بإعفائي من الإلقاء، لأنني لا أحفظ الشعر! كبرت في رأسي، وجلست مدعيا عدم الحفظ، لكي لا «أفشل» زملائي! وهنا نظر لي الأستاذ جاد بأسف، وقال: الله يخرب بيتك! أنت حتاكلها في يوم على دماغك من الشعر! وبعد 50 عاما تحققت نبوءة الأستاذ جاد، و«خربتها» بجدارة في مقال «المتنبي.. الحب والفخر»، الذي كان يجب أن يكون عنوانه «أجمل أشعار العرب»، وبدلا من ذلك نسبت الأبيات جميعها لأبي الطيب. وبالرغم من تبرع اصدقاء وقراء للفت نظري الى نسبة هذا البيت أو غيره لهذا الشاعر أو لغيره، فإن الأستاذ محمد المنيع كان الوحيد الذي بذل جهدا في البحث عن قائل كل بيته ورد في المقال، وكانت الحصيلة، على ذمته، كالتالي: أغرك مني ان حبك قاتلي، هي من معلقة لامرئ القيس. وما عجبي موت المحبين في الهوى، لعروة بن حزام. ولو كان قلبي معي ما اخترت غيركم، لعنترة بن شداد. فيا ليت هذا الحب يعشق مرة، لقيس بن الملوح. واني لأهوى النوم في غير حينه، لقيس لبنى. ونقل فؤادك حيث شئت من الهوى. لأبي تمام. واذا ما رأت عيني جمالك مقبلا، للشاب الظريف. وأحبك حبين حب الهوى، لرابعة العدوية. وقفي ودعينا قبل وشك التفرق، لصفي الدين الحلي. وضممتك حتى قلت ناري قد انطفت، لقيس بن الملوح. فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى، لأبي فراس الحمداني. وان حكمت جارت عليّ بحكمها، لأحمد بن محمد بن عبدربه. وقتل الورد نفسه حسدا منك، لبشارة الخوري. وأخيرا: اعتيادي على غيابك صعب، وقد تسربت في مسامات جلدي، البيتان لنزار قباني.
الأمر الطريف الآخر أن الخطأ في ذلك المقال كلفني ساعة في كتابة هذا المقال، وساعة تقريبا للرد على عشرات رسائل الإنترنت والمكالمات الهاتفية، كلفتني في النهاية، وأنا خارج الكويت، أكثر من 25 ديناراً!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التوطين والعجز الدائم

تعتبر الكويت، مقارنة بلبنان، أكثر غنى «نقديا»، وأكثر قابلية للتطور، وأقل فساداً، أو هكذا يفترض، ولكن «مواطنين كويتيين» يبذلون جهوداً جبارة للحاق بلبنان، لنصبح أكثر فساداً! وبالرغم من ذلك فلبنان سبقنا بـ20 عاماً على الأقل في موضوع إلكتروني مهم وهو المتعلق بطريق سداد فواتير الهواتف النقالة والثابتة والكهرباء ورسوم البلدية وبقية الضرائب عن طريق المصارف! ولك أن تتخيل الوفر الذي حققته الحكومة والشعب اللبناني نتيجة هذه الطريقة العصرية، وما تتكلفه في المقابل الحكومة والمواطن في الكويت في دفع هذه الفواتير! وكان من الممكن ألا ينشغل وزير الكهرباء الحالي بتحصيل مئات ملايين الدنانير التي تراكمت للدولة بذمة مجموعة كبيرة من الشركات والافراد، لو كان لدينا ما يسمى بنظام «التوطين» اللبناني، والذي بمقتضاه يمكن تفويض البنك بدفع مستحقات الدولة. وكان من المفترض أن تتكفل بهذا الأمر ما عرف بـ «الحكومة الإلكترونية»، ولكن لأنها خائبة فقد فشلت في عملها، وربح منها من ربح، وانتهت إلى لا شيء، ولا يزال هناك من يحلم بجعل الكويت مركزاً مالياً عالمياً، أو قاعدة لطريق الحرير، ونحن لم ننجح في جعلها حتى قاعدة لصناعة أكياس الخيش! وللعلم، فإن فواتير الهواتف النقالة والثابتة والكهرباء وحدها تكلف المواطن والدولة، دون مبالغة، الملايين سنويا، لسدادها فقط، نتيجة ما يضيع من وقت وجهد المواطن وموظف الدولة في التنقل وفي الأعمال الإدارية، وعد النقود وتحصيل الشيكات وما يعنيه ذلك من استهلاك السيارة واستهلاك الطريق والوقود، والتورط في زحمة الشوارع، وتضييع وقت الآخرين، ويتكرر كل ذلك شهرا وراء آخر، ولا أحد في الحكومة الرشيدة يود فعل شيء لجعل الأمر إلكترونيا، لا شيء غير تعيين وزير جديد لينشغل بما انشغل به غيره، من تغيير الوكيل، وتدوير الوكلاء المساعدين، والاختلاف مع المديرين، وتبديل أثاث مكتبه وتعيين أقربائه فيه، والتدخل في ما لا يعنيه من أمور فنية، ثم استقالة الحكومة، لينتهي عهده بـ….. لا شيء! ليتكرر الأمر ذاته مع الوزير التالي!
ملاحظة.. سربت جهة حكومية مستقلة، قابلة للخصخصة، تقريراً طبياً يعود لعام 2002، قرر فيه المجلس الطبي العام أن حالة موظف في تلك الجهة «تندرج» تحت مفهوم العاجز «الدائم» عن الكسب بنسبة «تزيد» على %50، عند انتهاء خدمته! الشخص نفسه، عين بعدها بـ 11 عاما، مع زيادة عجزه، عين وزيرا على الجهة الحكومية نفسها التي أعفي منها، وصار اللي صار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نحن الإسلام.. هكذا يقول الإخوان

الحوار وسيلة تفاهم بين البشر، وكثير من الصراعات والحروب كان يمكن تجنبها لو توافر الحوار بين طرفي النزاع، فبغيابه يصبح التفاهم صعبا. ولكن يستحيل الحوار إن اعتقد طرف أنه أرقى أو أفضل من الطرف الآخر ماديا، أخلاقيا، عنصريا أو اجتماعيا. ولهذا فشلت جميع محاولات الحوار مع هتلر وصدام وغيره من الدكتاتوريين لاعتقادهم بأنهم أفضل من غيرهم، أو اكثر فهما منهم. كما فشل الحوار، في الغالب دائما، بين المتشددين عقائديا، دينيا وبين المخالفين لهم، لاعتقاد طرف أنه يمثل «الحق»، أو أن إله السماء يقف بجانبه!
نكتب هذه المقدمة تعليقا على مطالبات كثيرين للحكومة المصرية، أو الحكومات العربية الأخرى التي ستنضم اليها، التخلي عن إعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، والبدء بـ«حوار» معها، بغية «هدايتها»، ونزع فتيل الفتنة! وعلى الرغم مما تتضمنه الدعوة من حكمة إلا أن من المستحيل أن يقبل الإخوان بأي حوار قد ينتهي بفنائهم. فكيف يمكن أن يتخلوا عن «إيمانهم» بأنهم حاملو مشعل الحق، وممثلو الإيمان الصحيح، وأن كل من يعاديهم هو معاد للإسلام، ويحق بالتالي الاقتصاص منه بحد السيف. فهل يمكن أن يتخلى الإخوان يوما عن مثل هذه الاعتقادات، أم سيستمرون في طريقهم، لأن القتال كتب عليهم؟
في هذا الصدد يقول الزميل خليل حيدر إن تصريحات «الإخوان» وتصادمهم مع قوى الامن ومع عامة الناس في الشوارع والمحال والاحياء، عمقت الحفرة التي وجدوا أنفسهم فيها بعد 30 يونيو، وغاصوا أكثر في ازمتهم. وبدا من المستغرب أن يكون تحت امرة الإخوان هذا الجيش من القانونيين والدعاة والقادة ثم يمضون في هذه السياسة التي فقدت جدواها تماما وخبا بريق شعاراتها، بعد أن تغيرت الحسابات والموازنات السياسية والشعبية. لقد اساءت الجماعة التي كانت تخطط لحكم مصر 500 سنة، لنفسها، خلال الفترة التي امسك بها د. محمد مرسي بزمام حكم مصر، وغلب على ادائها الارتجال والتسرع وضيق الافق والانانية وحرق المراحل. ويضيف الباحث في شؤون الإخوان، الزميل ثروت الخرباوي، القيادي السابق فيها: إن الذي وضع الإخوان في لائحة الإرهاب، وصنفها ووصمها هو مؤسسها (حسن البنا)، وأكد على هذا القرار سيد قطب، وجعله قابلا للتنفيذ «بديع ومرسي والشاطر وفرقتهم». واضاف بأن الإخوان جماعة إرهابية، لأن مؤسسها بدأ خطواته الأولى في انشائها بوضع شعار المصحف والسيفين مع كلمة «وأعدوا»، شعارا، ولم يكن ذلك اعتباطا، أو مصادفة، بل جاء معبرا عن فكر ومشروع الجماعة! فحسن البنا كان يؤمن بأن الإسلام لا ينتشر الا بالسيف، ولا يواجه خصومه إلا بالسيف!
والآن هل من مجال للحوار مع مثل هؤلاء؟

أحمد الصراف