احمد الصراف

الصحافة والحياة

الصحافة مهنة متعبة، ولكنها بالقدر نفسه جاذبة لمن يبحث عن الإثارة ومعرفة الخبر قبل غيره! وهي بالتالي مهنة لا يهدأ من يعمل بها، لأن أحداث الحياة متغيرة مستمرة متسارعة في كل ساعات اليوم، ويكون بال الصحافي المحترف مشغولا بالخبر حتى عندما يكون في إجازة عن العمل! وفي السابق كانت رائحة حبر المطبعة وورق الطباعة ودخان سجائر المحررين، وصوت مكابس الطبع هو الذي يعطي الصحافة نكهتها التقليدية، ولكن كل ذلك تغير وأصبح صف الحروف وترتيب الصفحات وتدقيق المواد المحررة من إرث الماضي، بعد أن دخلت اليها التكنولوجيا وبرامج الكمبيوتر، فأصبح نشر الخبر أكثر سرعة، والمطابع أقل صوتا، والتوزيع أكثر كفاءة، والحروف أكثر جمالا، والمادة أكثر متعة، وحدها المهنة نفسها بقيت بمشاكلها الإنسانية. وقد ساهمت التكنولوجيا في زيادة كفاءة التوزيع وتقليل التكاليف، بعد أن أصبحت كل مدينة كبيرة تطبع طبعتها من العدد نفسه في اللحظة نفسها، التي تردها عن طريق الإنترنت من مركز التحرير الرئيسي، ولكن كلفة التوزيع لا تزال تلتهم نسبة كبيرة من ثمن أية جريدة يومية، وتزيد أحيانا على %35!
تعتبر كتابة مانشيت الصفحة الأولى فناً قائماً بذاته، وأحياناً يتغير من طبعة لأخرى، للعدد نفسه، خاصة عندما تتسارع الأحداث المهمة، وتتغير الظروف. كما أن نفسية القارئ تؤثر كثيرا فيما يتم التركيز عليه. وهناك نكتة في هذا السياق عن صحافي كان يسير في حديقة في مدينة نيويورك، عندما شاهد كلباً شرساً يهم بالاعتداء على طفلة صغيرة، وكيف تدخل رجل شجاع وأنقذ الطفلة في اللحظة الأخيرة من موت محقق، ولكنه تعرّض لجروح خطيرة استلزمت نقله الى المستشفى. وهناك لحق به الصحافي وأخذ له بضعة صور، وقال له إن صورته ستكون على الصفحة الأولى من عدد الغد، مع مانشيت: نيويوركي شجاع ينقذ طفلة من أنياب كلب مشرد! فقال له هذا إنه ليس من نيويورك، فقال الصحافي إنه سيغير المانشيت إلى: أميركي شجاع وبطل ينقذ طفلة من موت محقق! فقال هذا إنه ليس بأميركي، فسأله الصحافي عن جنسيته، فرد هذا بأنه باكستاني! وفي اليوم التالي: كان المانشيت: باكستاني إرهابي يفتك بكلب في حديقة بنيويورك.
ملاحظة: أعلن مدير لجنة زكاة الشامية والشويخ، عن مشروع طباعة القرآن باللغة الهولندية. وحث أهل الخير على الإسراع والمساهمة في هذا المشروع الخيري! ونحن هنا نتساءل: أين الجمعية من قضايا ومشاكل واحتياجات «البدون»؟ أين هي من مشاكل التعليم والصحة وعدم قدرة الكثير من الفقراء في الحصول على أدوية باهظة الثمن؟ وهل الموضوع الأهم والأكثر استعجالاً في حياتنا اليوم هو ترجمة القرآن للغة لا يتحدث بها أكثر من 15 مليون شخص؟ 

أحمد الصراف

احمد الصراف

جرائم الكهنة والخمس

انتقدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية، الفاتيكان، الصرح الكاثوليكي الأكبر، والذي يتأثر به أكثر من مليار مسيحي، لدوره المخجل في حماية الكهنة والتغطية على جرائم اعتداءاتهم الجنسية على الأطفال، العاملين معهم أو الموجودين في كنفهم، وكيف أن هذه الحماية جعلت من قضية الاعتداءات أمرا روتينيا، وزادت من اتساع نطاقها لتشمل دول العالم أجمع، وليصبح ضحاياها بعشرات الآلاف. كما طالبت اللجنة البابا فرانسس شخصيا بالتدخل وتخليص الكنيسة من رجال الدين المتورطين بمثل هذه الجرائم، أو الذين حامت الشكوك حولهم. كما انتقدت اللجنة رفض الفاتيكان الافصاح عن اسماء الكهنة المدانين، أو حتى الكشف عن خططها المستقبلية المتعلقة بالقضاء على مثل هذه الجرائم، أو حتى الحد منها. ويحدث ذلك بعد اتساع نطاق المتورطين في مثل هذه الجرائم، وقدمها التاريخي، وكأنها إرث لا يمكن التخلص منه!
ما يهمنا تأكيده هنا أن أي سلطة دينية كانت أو مدنية مطلقة لا يمكنها مقاومة إغراءات الانحراف، فهذا من طبائع الأمور. فكل سلطة مطلقة هي فاسدة ومفسدة حكما، متى ما غابت الرقابة عنها. كما تبين هذه الحادثة، غير المسبوقة، والتي أجبرت المنظمة الدولية لتوجيه النقد لصرح ديني هو الأكبر في العالم، ان كل سابق اتهاماتنا لها بعدم الحيادية لم تكن دقيقة دائما، وخاصة ما تعلق منها بانتهاكات الكثير من دولنا، إن لم يكن كلها، لحقوق الإنسان فيها. كما بين انتقاد المنظمة للفاتيكان أن المؤسسة الدينية ناد مغلق على اصحابه، وثوب السرية، النابع من القدسية، الذي تسعى جاهدة للتستر وراءه، يجب ألا يمنع اي جهة من توجيه النقد لها ومراقبة أنشطتها ومتابعتها، فهي لا تمثل إلا نفسها، وليسوا وكلاء الله على الأرض!
نعم هناك خراب أخلاقي كبير في العديد من المؤسسات الدينية غير الإسلامية، ولكن مجال النقد الكبير المتاح سيعدل في نهاية الأمر من أوضاعها، أو على الأقل يقلل ما بها من فساد إداري واخلاقي ومالي، ولكن هل تسمح المؤسسات المماثلة لدينا بمثل هذا النقد؟ وهل ثمة من يقبل الإقرار بفساد المؤسسات الدينية لدينا، وانحراف القائمين عليها، أو السؤال عن موازنة الأزهر مثلا، أو التساؤل عن مصير ما يجمع باسم «الخمس»، والذي ربما لا يعرف غالبية من يجمع باسمهم، إلى أي جيب ينتهي؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحجاب والدستور التونسي

“>نشرت جامعة ميتشيغن الأميركية استطلاعا للرأي شمل 7 دول إسلامية، تعلق بطريقة ارتداء النساء لملابسهن، وعرضت خلال الاستطلاع 6 نماذج مختلفة من الحجاب، وطُلب من المشاركين اختيار النموذج الذي يفضلونه. وجاء الاستطلاع في إطار بحث موسع عن العلاقات بين الجنسين والسياسة والتسامح الديني في تلك الدول. وتبين منه أن كل مجتمع يفضل نوعا مختلفا من الحجاب، منها ما يغطي رأس المرأة كاملا، أو يغطي جسدها بكامله، أو يظهر العينين فقط، أو لا يغطي الشعر، وهكذا. وركز الاستطلاع على تونس تحديدا، ولكنه أدرج نتائجه عن البلدان الأخرى. وتضمن التقرير أبحاثا أجريت عن وجهات نظر هذه المجتمعات حيال بعض الموضوعات الساخنة، كالعلاقات بين الجنسين والسياسة والتسامح الديني. وفي ما يخص الحجاب طرح السؤال التالي، مصحوبا بصور الحجابات: أي امرأة من هؤلاء النسوة ترتدي ثوبا مناسبا للتجول في الأماكن العامة؟ وتبين أن معظم من شارك وقع اختيارهم على النموذج الرابع للمرأة التي تغطي شعرها وأذنيها وتكشف وجهها، ولكن السعوديين فضّلوا في معظمهم النموذج الثاني للمرأة التي ترتدي نقابا لا يكشف إلا عن العينين. وطبقا للاستطلاع نفسه، فإن النتائج كانت مطابقة لتقاليد ارتداء الحجاب في تلك الدول. فلبنان مثلا تروج سلطاته الإسلامية الدينية، للحجاب الذي يغطي كامل الرأس عدا الوجه، بينما أغلب المشاركين في الاستطلاع من هذا البلد كانوا يفضلون نموذج المرأة التي لا تغطي شعرها. وكان التونسيون الشعب الأكثر تشجيعا للمرأة على ارتداء ما تشاء من الملابس، مقارنة بتركيا (%52) ولبنان (%49) والسعودية (%47) والعراق (%24) وباكستان (%22) ومصر (%14)، الأمر البالغ الأهمية في ذلك الاستطلاع ونتائجه هو ارتباطه بتوجهات ورؤى مواطني تلك الدول حيال قضايا الحرية والقيم الليبرالية. ففي لبنان وتونس وتركيا، حيث السكان أكثر انفتاحا من البلدان الأربعة الأخرى، نجد أن النموذج المفضل للمرأة هو النموذج الأقل تحفظا، وبالتالي أكثر انفتاحا وإنتاجا وإبداعا أيضا، وهذا يعني أن درجة المرونة تجاه ما ترتديه المرأة يعكس بصورة تلقائية تقدم الدولة وتحضر المجتمع. ولم يكن غريبا بالتالي أن يكون شعب تونس، كما كان تاريخيا، الأفضل بين الدول العربية في تعامله مع المرأة، وأن تتوج ثورة «الربيع العربي» التي بدأت فيها بالدستور التونسي الجديد الذي صدر أخيرا، والذي أكد مدنية الدولة، واستقلال القضاء فيها، وهذا ما لم ينص عليه دستور أي دولة عربية أو إسلامية، وربما تكون الدولة الأخرى تركيا.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الفكر الديني.. والملكية الفكرية!

قام قبل فترة داعية سعودي مشهور، وله في الرياض قصور، بسرقة أدبية فاحشة، تمثلت في نقل كامل محتويات كتاب مؤلفة سعودية ونسبته الكتاب لنفسه. وقد قامت المتضررة في حينه برفع دعوى عليه، وصدر حكم تعويض لمصلحتها وسحب كتاب الداعية، الذي ساهم في إرسال آلاف الشباب للموت في مهمات «جهاد»، ولكن بعد أن حقق الملايين من وراء بيع كتابه المسروق، وسبق أن كتبنا عن هذه السرقة في حينه.
ويبدو أن المسألة قد راقت لرجل الدين «العالم!»، حيث قام قبل فترة قصيرة بالتعدي على حقوق ملكية فكرية ثانية، تمثلت في نقل نصوص كاملة، حرفيا، من كتاب «صور من حياة الصحابة»، ونسبتها الى نفسه، وقراءة تلك النصوص، وكأنها له، من خلال برنامج تلفزيوني من إعداد وتقديم «عالم حرامي»! وبسبب جهل العامة بأفعال هذا الشيخ فقد لقي برنامجه نجاحا وحقق مكاسب كبيرة له، من خلال ما يبث من خلاله من إعلانات عن معاجين أسنان وبامبرز… محرمة!
وقد تساءل الزميل السعودي فهد الحربي عن سبب لجوء هؤلاء «الدعاة» الى سرقة إنتاج غيرهم ونسبته الى أنفسهم، وهم اصلا في غير حاجة الى مال أكثر مما لديهم، كما أن السرقات مكشوفة جدا. وقال ان السبب، في نظره، يعود إلى أن هذا العالم المدعي لا يرى في النقل الأدبي أي مشكلة، فهو من مدرسة تعودت على النقل الحرفي، ولا تشترط الفهم والاستنتاج والإضافة. كما أنه يمثل تيار خصخصة الدعوة الذي يعتمد على نجومية الشيخ أكثر من علمه الغزير، فالناس يقبلون على الاسم اللامع أكثر من المحتوى، هذا غير أن الخصخصة تعتمد دائما على تنويع المنتجات للمستهلكين بغرض زيادة الأرباح، لذلك تحول الشيخ إلى ماكينة هادرة تنتج البرامج التلفزيونية والإذاعية والكتب والندوات والمحاضرات، وكل هذا الجهد الجبار يصعب أن يقوم به رجل واحد، لذلك لا بد من الاستعانة بفريق من المساعدين لزيادة خطوط الإنتاج! ولأن الوقت من ذهب، بل من ملايين الريالات، فإن المكائن تعمل بأقصى طاقتها، فلا يصبح هناك فرصة للتمويه من خلال إضافة سطر أو سطرين، بل يتم النقل حرفيا من دون أدنى حاجة الى ذكر المصدر، وهكذا غرق العلم والفكر في بحر السوق الاستهلاكية!
وهكذا نرى أن غالبية إنتاج هؤلاء الدعاة لا يخرج عن نقل ما ورد ذكره على لسان أو كتب غيرهم، واجترار المواضيع والقضايا والقصص نفسها سنة بعد أخرى، وقرناً بعد آخر. فالمهم الربح المادي الدنيوي، وليس من اين تم النقل، خاصة أن الفكر الديني لا يؤمن، أو حتى يعرف معنى الملكية الفكرية، وليس لها عقاب في كتبهم.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

عود إلى معلولا

y>زار صديقي فهد معلولا، مسقط رأسه قبل سنوات، وكانت حينها تحتفل بـ«عيد الصليب»، وكان الجميع، من بشر وكنائس واديرة، مسلمين ومسيحيين، سعداء بالمناسبة، وبزوار المكان من حجاج وفضوليين وسياح عابرين، وكان الوقت جميلا، فصيف معلولا رائع في سبتمبر. ويقول فهد إن معلولا التي تركها جده وأبوه قبل نصف قرن وهاجروا إلى العاصمة، لا تزال أرضها تضم رفات أسرته التي يعود تاريخها لقرون، وأنهم لم يتوقفوا يوما عن زيارتها وقضاء بضعة أسابيع فيها كل عام. ولا تنفرد معلولا فقط بدور عبادتها العريقة، واديرتها وكنائسها التاريخية، ولا بلغتها الفريدة التي يتكلم بها المسلمون والمسيحيون، والتي يعود تاريخها إلى ما قبل المسيح، والتي أخذ منها الممثل الاسترالي (ميل جبسون) لغة فيلمه التاريخي عن المسيح، بل ولما اكتسبته آثارها التاريخية، كدير مار سركيس الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 1600 سنة، من أهمية عالمية أيضا. كما أن هناك دير «مار تقلا» الذي ترعى زواره، منذ عقود، مجموعة من الراهبات. هذه المعلولا بآثارها وتاريخها الذي يمتد لثلاثة آلاف سنة، وكل جميل ومسالم فيها، دخلها أخيرا، للمرة الثانية، مقاتلو «جبهة النصرة» المختلطو الأعراق والجنسيات، فقتلوا من وجدوه أمامهم من سكانها، وشردوا البقية، ولم يبق فيها إلا الذين لم يستطيعوا الخروج لسبب أو آخر، بعد أن اصبحت أديرتها وكنائسها، وحتى مساجدها وآثارها التاريخية مستباحة، حتى مطارنتها وكهنتها لم يسلموا من الخطف والاغتيال. كما تعرضت أغلى مقدساتها للهدم، وما بقي منها تدنس بأحذية المقاتلين القذرة، وكان بإمكان أولئك الجهلة، وبما يدعونه من اتباع وتطبيق للعقد العمري، تحقيق الكثير من خلال الحفاظ على تراث معلولا الإنساني، ولكن هل يعرف هؤلاء حقا ما تعنيه كلمتا «تراث وإنساني»؟ فهم أتوا للتخريب والكسر والحرق لكل ما يمت للتاريخ والحضارة والإنسانية بصلة، غير مكترثين لتوسلات كبار الكنيسة وبابا الفاتيكان ومناشدات اليونيسكو، وقضوا على كل جميل فيها. ويقول فهد انه يود بالفعل أن يعرف ما جناه أو يجنيه هؤلاء الإرهابيون من أعمالهم هذه؟ وهل ستنتهي مشاكلنا بحرق دور عبادة المسيحيين في هذه الدولة أو تلك؟ وهل سيشفي هذا غليلهم؟ وماذا جنى الدين، اي دين، من القضاء على سكان قرية مسالمة لم يعرف عنهم يوما أنهم أجرموا بحق أحد، ولا تمثل مدينتهم أية اهمية استراتيجية، غير كونها رمزا لدين ربما لا يودون له وجودا بينهم!

ملاحظة: بدأت فرق تفتيش وكالة الطاقة الدولية بتفكيك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران! وبذلك ضاعت مليارات الدولارات التي صرفت على هذا المشروع، من قوت الشعب الإيراني. ولا يزال المسؤول في منصبه!

أحمد الصراف

[email protected]

www.kalamanas.com

احمد الصراف

أغسطس فبراير.. والصين!

“> 2 أغسطس غزت قوات صدام الكويت واحتلت الوطن وعاثت فيه تخريبا وقتلا، كان في غالبيته عبثاً، ولكن لم يطل أمد الاحتلال، فقد اضطر الطاغية الأهوج الى أن يسحب قواته بعد سبعة اشهر، وتكون تلك بداية انهياره وفنائه وابنيه العاقين! وكان لافتا للنظر خلال تلك الأشهر العجاف، عجز صدام التام عن إيجاد من يتعاون معه من كويتيين، في محاولة لإعطاء احتلاله شيئا من الشرعية، أو لتأكيد ادعائه بأنه دخل الكويت لإنقاذ شعبها من «طغيان» أسرة الصباح. ويمكن القول – مجازاً – إنها ربما كانت المرة الأولى في التاريخ التي لم يجد فيها محتل فردا واحدا على استعداد للتعاون معه ضد حكومته الشرعية. وربما كان هذا الاحتلال فريدا من نوعه، حيث فاق عدد قوات الاحتلال عدد من تبقى من مواطنين في تلك الدولة حينها! وقد كان لرفض الكويتيين التعاون، وصمودهم وتضحياتهم، ضمن امور كثيرة اخرى، دور في الإسراع في تحرير وطنهم!
كان ذلك قبل 24 عاما تقريبا، وعيد التحرير في 26 فبراير يقترب سريعا، ولكن الكويت 26 فبراير 1991 غيرها اليوم بكثير.
* * *
بنى الصينيون سورهم العظيم قبل ميلاد المسيح بمائتي عام، ليحميهم من الغزاة، وكان صرحا هندسيا رائعا، امتد على أكثر من 20 الف كيلو متر من الاسوار والموانع الطبيعية، ولا يزال يشهد على عظمة ذلك الشعب. وقد نجحت مناعته في صد غزاة الشمال على مدى أعوام طويلة، فقد كان تسلق علوه الشاهق أو إحداث ثغرة فيه أمراً بالغ الصعوبة. ولكن سرعان ما تراخت قبضة الدولة الداخلية، وزاد الفساد، وانتشرت الرشى، بحيث أصبح لكل شيء ثمن، وهنا استغل أعداء الصين ثغرة خراب الذمم وانتصروا على السور ليس بتسلقه أو هدمه بالمدافع الحديثة او بتفجيره بالديناميت، بل بدفع رشوة لرئيس حرس إحدى بوابات السور، ففتحها لهم، وهذا يشبه وضع البعض في الكويت الذين يركّ.بون أفضل الأقفال لأبواب بيوتهم، ولكنهم يسيئون معاملة خدمهم.
ولو نظرنا الى الكويت، وقارنا أخلاق وأحوال شعبها اليوم بما كانت عليه في 2 أغسطس 1990 لوجدنا بوناً شاسعا، على الرغم من قصر الفترة وزيادة الثراء، وقلة المشاكل الحقيقية! وسبب ذلك يعود الى غياب وتآكل العناصر التي كانت توحد مكونات الشعب، بعد أن سمحت الحكومة، ربما متعمدة أحيانا، بأن تفرق تلك المكونات ليسهل لها الحكم والتحكم، ولكن نفَس مثل هذه السياسات قصير، وقد دفع الجميع ثمنها غاليا، فقد اصبحنا شعوبا متفرقة داخل الشعب الواحد، واصبحنا نفتخر ونتباهى بانتماءاتنا الطائفية والقبلية، وأصبح الحضري والقبلي، السارق وصاحب السوابق، أفضل من غيره، إن عرف كيف يدغدغ العصبيات ويخاطب الغرائز. والمؤسف أن الوقت قد تأخر، وأصبح الخراب متأصّ.لا ومتجذّ.را بشكل عميق، ولا أمل في أي إصلاح حقيقي قريب.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

إقبال وجولياني والجواز

اشتكت الزميلة إقبال الأحمد من أن ملامح جواز سفرها الذي لم تمر 5 سنوات على صدوره، انمحت، وأصبح لا يحمل اسم الدولة ولا شعارها، ويصعب على من يطلع عليه معرفته من أول نظرة. وأقول للزميلة إنني تعرضت لموقف طريف في مطار اسطنبول، وفي يوم نشر مقالها نفسه، حيث أخذ رجل الأمن يقلب جواز سفري من جهة لأخرى لمعرفة هويته، وعندما عجز عن ذلك، وربما كان جديداً في عمله، سألني عن جنسيتي، فذكرتها له، فطلب مني أن أضع ملصقاً على الجواز يبين اسم الدولة! علماً بأن جوازي جديد، مقارنة بجواز الزميلة إقبال!
عندما أصبح رودولف جولياني عمدة لمدينة نيويورك (1994 – 2001) أكبر مدن العالم، قام فور تعيينه بالإعلان عن نيته إعطاء اهتمام كبير للجرائم الصغيرة Petty crimes، وقال إنه ليس معنيا في المرحلة الأولى بحروب رجال المافيا، أو متابعة جرائم القتل، أو بذل جهد أكثر مما هو مطلوب لملاحقة تجار المخدرات، بل سيركز جل جهوده على ملاحقة من يبصقون في الشوارع، ويرمون القاذورات فيها، وأولئك الذين يخالفون أنظمة المرور، حتى البسيط منها، والقبض على من يقومون بتشويه جدران المباني وعربات القطارات برسوماتهم القبيحة، وكلماتهم البذيئة، فمقترفو الجرائم الصغيرة هؤلاء هم مجرمو المستقبل الكبار، وعندما ينتهي من هؤلاء سيقوم بملاحقة عتاة المجرمين، وبالفعل حدثت المعجرة، وأصبحت نيويورك اليوم، التي كانت الأسوأ أمنيا بين المدن الكبرى، من أفضلها وأكثرها نظافة! وبالتالي لو قام وزير الداخلية الكويتي، في حينه، بمحاسبة «المدير» الذي فاجأ الجميع قبل 3 أو4 سنوات بالإعلان عن انتهاء مخزون الدولة من جوازات السفر، بسبب خطأ في توقيت الطلب! ولو تمت محاسبة ومعاقبة من سرب هاتفا لسجين، ولو تم طرد أي رجل أمن يستهتر في أداء مهامه الأمنية والوظيفية، من دون الالتفات لتدخلات «قبيلته ونوابه»، لما تجرأ اليوم زملاء لهم على تزوير عشرات آلاف أذون الزيارة غير القانونية وتحقيق الملايين من ورائها. ولو عوقب من وافق على الطباعة السيئة لجواز السفر الحالي، لما أقدم زميل أو زملاء له على سرقة أكثر من 1200 كرتون من المشروبات الروحية، أو هذا ما أشيع، من مخازن وزارة الداخلية، التي يفترض أنها قلاع محصنة! ولكن يبدو أننا نكتب ونتحلطم ونشتكي، والخراب مستمر، وفي تزايد!

أحمد الصراف
[email protected] 

احمد الصراف

المحافظ الذي لم يحافظ

“>أبدى الكثيرون إعجابهم بالشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، عندما أقدم على الاستقالة من منصبه المرموق كمحافظ للبنك المركزي. ودلت استقالته وقتها على تمسك الرجل بموقفه الواضح من الكثير من القرارات الحكومية، واعتراضه على جملة من القرارات الحكومية المالية، خصوصاً ما تعلّق منها بالهدر الرهيب في بند زيادات الرواتب التي افتقرت الى الحصافة، والتي سيدفع الجميع، حتى الذين زيدت رواتبهم، ثمنها لاحقاً في تضخم فاحش، وغلاء في كل مجال.
ولكن هذا الإعجاب تلاشى عندما قبل الشيخ سالم بتعيينه في حكومة سبق أن رفض قرارات رئيسها، وقبل منصب وزير المالية، وهي الجهة التي سبق أن اشتكى من سوء قراراتها؟ ولكن البعض الآخر استبشر خيراً بقبوله التكليف، وأنه ربما عيّن أو جاء ليصلح ما سبق أن اشتكى منه، أو ما كان عاجزاً عن إصلاحه، عندما كان يأتمر بأمر وزير المالية، وأن البلاد ستشهد لجماً قوياً للصرف غير المبرر في عهده.
ولكن الرجل فاجأنا، أو ربما خيّب آمالنا، عندما قضى جل وقته في وزارة المالية، التي تهيمن على جميع الأجهزة المالية والاقتصادية، ولم يتمكن من القيام بأي إصلاح يذكر.
ثم جاء التعديل الوزاري الأخير، ولم تبدر من الشيخ سالم أي مبادرة تشير إلى اعتكافه، سوى خبر مقتضب عن اعتذاره عن المنصب لأسباب صحية(!) وهنا أيضاً، كان مفاجئاً، كبقية المفاجآت الأخرى التي زخرت بها الحكومة الأخيرة، خلو التشكيل الوزاري من اسمه! ثم جاءت الصدمة عندما أجرى الشيخ، والوزير السابق، سالم الصباح، مقابلة صحفية حذّر فيها من المخاطر الاقتصادية المتوقعة، في حال استمرار انفلات الصرف الحكومي غير الطبيعي، والهدر المالي المتسارع والذي سيتسبب حتماً في خلخلة وضع الدولة المالي في المستقبل القريب، وما سيؤدي اليه من عجز كبير. وطالب بترشيد الدعم وقصره على المستحقين الحقيقيين، وإيقاف الإنفاق عند مستوياته الحالية. وقال إن العجز المتراكم في الفترة من 2016 وإلى 2030 سيصل إلى مائة مليار دينار تقريباً! وتضمنت المقابلة تحذيرات كثيرة أخرى.
والسؤال هنا، لماذا لم يشترط، قبل دخوله الوزارة، أن تكون مهمته إصلاح ما يعتقد باعوجاجه؟ ولماذا لم تبدر منه أي مبادرة إصلاحية، وهو أهم وزير في الوزارة؟ وما الذي فعله «معاليه» أثناء توليه الوزارة المختصة بموازنة الدولة وصحتها المالية؟ ولماذا قبل تولي المنصب أساساً، وهو العالم بعجز من يتولاه عن فعل شيء بوجود «حكومة ظل»؟ ولماذا لم يستقل من الوزارة، وهو الذي امتلك ما يكفي من قوة الشخصية والإرادة للاستقالة من منصب محافظ البنك المركزي، عندما اكتشف عجزه التام؟
نحن هنا لسنا بصدد مهاجمة الرجل، فربما كانت له «أسبابه» الخاصة، بل لنبين مدى العجز الذي وصلنا إليه. فإذا كانت مشاكلنا وقضايانا المالية، الأكثر سهولة في الحل، بمثل هذا السوء، فما هو وضع القضايا الأكثر صعوبة؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

عشاء الظلام

تأثرت كثيرا بنص ورد على الإنترنت منسوب لألوين منيسز من سنغافورة، يقول فيه انه دعي لحضور حفل عشاء في جمعية للمكفوفين، وأنه قَب.لها بعد تردد. وهناك وجد 40 مدعوا آخر. بدأ البرنامج بعرض فيلم يتعلق بأنشطة الجمعية وكيفية التعامل مع المكفوف، وكيف يعيش هؤلاء حياتهم. ثم قالت المشرفة ان الجميع سيقضي الساعتين التاليتين في ظلام دامس، وأن العشاء، المكون من خمسة أطباق، سيتم تناوله في صالة طعام مظلمة تماما، وان من سيقوم بالأخذ بأيدينا لأماكن جلوسنا وخدمتنا طوال ذلك الوقت، وتلبية كل احتياجاتنا، سيكونون جميعا من المكفوفين. أطفئت الأنوار، وأخبرتنا المشرفة بأن علينا أن نتخيل، ونحن نجلس على طاولة الطعام، أن الصحن الموجود أمامنا يمثل ساعة، وأن عند علامة رقم الساعة 3 توجد ملعقة، وعلى الجانب الآخر من الساعة، حيث الرقم 9 هناك شوكة، وعند الساعة 12 هناك ملعقة صغيرة، وعند الساعة 2 كأس ماء فارغة، وعند الساعة 6 توجد محرمة ورق. وقيل لنا ان هناك إبريقين سيمرران علينا، الإبريق ذو الجدار الأملس يحتوي على ماء، والآخر ذو الجدار الخشن يحتوي على عصير برتقال. وعندما نحدد اختيارنا، نقوم بسكب الماء أو العصير في الكأس الموضوعة عند الساعة 2، ولكي لا يفيض علينا وضع اصبع السبابة بداخله لنتلمس مستوى السائل.
بالرغم من أننا أجبنا جميعا بنعم، على سؤال المشرفة المتعلق بفهمنا لتعليماتها، إلا أن الارتباك سرعان ما طغى على تصرفات الجميع، واصبح كل واحد يسأل الآخر عن مكان الملعقة أو الشوكة. ويقول منيسز انهم امضوا ساعة ونصف الساعة من المتعة الحقيقية في صالة لا يمكن للواحد فيها من رؤية شيء حتى إصبعه، وان الجميع تناول طعاما لا يعرف لونه ولا شكله ولا مما يتكون حقيقة. ويقول ان المتطوعين المكفوفين قاموا بمهمة الإمساك بأيديهم وإجلاسهم على مقاعدهم بطريقة مميزة، من دون الاصطدام بشيء. كما قاموا بتقديم وجبة العشاء بطريقة دقيقة، ومن دون الوقوع في أي خطأ. وقال منيسز ان شعورا غريبا اكتنف الأربعين مشاركا، وهم يجربون قيام مكفوفين بإرشادهم والتحكم في تحركاتهم وخدمتهم على الطاولة، بدلا من أن يحدث العكس. وينهي منيسز تجربته بالقول ان المشرفة سألتهم، بعد انتهاء العشاء، إن كان الجميع قد تناول الأطباق الخمسة، حسب رغبته، أجاب الجميع بنعم، وعندما أشعلت الأنوار، تبين أن الدموع كانت تملأ مآقي الجميع، تقريبا، وهم يرون المكفوفين الثلاثة، الذين قاموا بذلك العمل الدقيق، يقفون أمامهم، ولم يكن بإمكان أحد غيرهم القيام به في ذلك الظلام الدامس!
وأعتقد شخصيا أن حياة الكفيف هي الأصعب من بين أقرانه ذوي الاحتياجات الخاصة، والأكثر مدعاة للألم، ومع هذا لا تعطيها مجتمعاتنا ما تستحق من اهمية، مقارنة مثلا بالعناية التي يلقاها السائل والمحروم وابن السبيل. والغريب في البشر أن من يصاب بزكام، او يتعرض لحادث مروري سخيف على استعداد لتخريب حياة كل من حوله، من دون أن يدرك كم هو سعيد، لأنه لا يشكو من متاعب بصرية أو غيرها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

السيدة هيل والاجتهاد

“>سكنت في ستينات القرن الماضي في لندن عند السيد والسيدة هيل، وكنت أدفع لهما مقابل المبيت ووجبتي الإفطار والعشاء. وبالرغم من أن المسز هيل كانت وقتها قد تجاوزت الثمانين من العمر، فإنها كانت تتمتع بصحة جيدة، ولم يكن طبخها، كإنكليزية مثالية (وهي ترجمة غير دقيقة لكلمة Typical) سيئاً! وفي يوم عطلة، انتهزت خروج السيدة هيل لشراء حاجيات البيت، وقررت مفاجأتها بتنظيف صالة المعيشة وممرات الشقة! كما قمت بالتخلص من القمامة، ورمي ما تركته من موز أسود على رف المدفأة! عادت المسز هيل بعد ساعة، ونظرت إلى نظافة البيت وانفرجت أساريرها عن ابتسامة مقتضبة، ولكن ما إن وقع نظرها على رف المدفأة ولم تر الموز، حتى اختفت ابتسامتها، فنظرت لي متسائلة، فقلت لها إنه كان أسود وعفناً ويكثر عليه الذباب الصغير، فرميته في كيس الزبالة! فاستنكرت عملي، وقالت بصوت كالزئير، ما كان يجب عليك أن تفعل ذلك، فأنا لم أطلب منك أن تنظف بيتي في غيابي! لقد انتظرت لأسبوعين لكي ينضج ذلك الموز «اللعين»، ليكون بإمكاني الاستمتاع بتناوله من دون «طقم أسناني»!
حينها تذكرت المثل القائل: «ما كل مجتهد، مصيب»!
أكتب بانتظام، ومنذ فترة طويلة، مقالاً يومياً. وكوني ضعيفاً نسبياً في اللغة العربية، خصوصاً في ما يتعلق بقواعد الإملاء والنحو، فإن الكتابة بالنسبة لي ليست بالنزهة أو العمل الذي يمر بلا عناء، فقد كنت طوال حياتي إما مصرفياً، وإما رجل أعمال، ولم تكن لي يوماً علاقة بالأدب أو الصحافة. وبالتالي، ليس غريباً أن تبدر مني أخطاء، والعكس أقرب إلى الصحة! فليس كل مجتهد مصيباً، وبالرغم من عدم ضيقي بما يردني من نقد وعتاب، وحتى سباب، لخطأ ارتكبته في مقال هنا أو هفوة بدرت مني في مقال هناك، فإن القلة ربما لا تريد أن تعترف بأن الطريقة الوحيدة لعدم الوقوع في أي خطأ هو في عدم القيام بأي شيء، وهذا ما لا ننوي، حالياً على الأقل، الإقدام عليه، وبالتالي ستستمر هفواتنا وتتواصل أخطاؤنا، ولا نريد، ممن لديهم الوقت و«المقاقة» من القراء، غير لفت نظرنا إلى أخطائنا وهفواتنا، خصوصاً أننا نشعر بأن ما نقوم به من كتابة يومية لا علاقة له بصياغة أدبية بقدر ما هو قول رأي يمثل وجهة نظر شخصية، أو فكرة تدور في بال كاتبها، أو خاطرة تستحق أن تروى، وقد يكون في ما نكتب الكثير من الدقة أو العكس، فمن الاستحالة، بالنسبة لي على الأقل، أن أكتب 300 مقال سنوياً، وتكون جميعها خالية من السقطات والهفوات، أو «ما تخرش المية»، كما يقول المثل المصري! ونكرر، «ما كل مجتهد مصيب»، خصوصاً أن أغلبية من يكتبون لي منتقدين نادراً ما تخلو ردودهم من سقطات وهفوات لغوية وتاريخية عجيبة، ولكن غالباً ما يمنعني أدبي من الرد عليهم!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com