احمد الصراف

عش دبابير الشوارع

لقي مقال كتبته قبل فترة عن أسماء الشوارع، ما لم يلقَ غيره من اهتمام، قدحا ومدحا، وكان بعنوان «بسطة الخضار والقطامي». ذكرت فيه الفوضى العارمة في تسميات الشوارع، حيث حظي بعض ممن لا يستحقون بشوارع لم يحلموا يوما بالمرور فيها، فكيف بوضع أسمائهم عليها، أو في من اعتقد أنه سيكرّم بعد مماته بإطلاق اسمه على طريق واسع أو شارع، كما تبين من الردود الشفهية والكتابية حدة التباين والاستقطاب في المجتمع، التي طالت كل الفئات وأثارت عصبياتهم الدفينة، وكان الاتفاق الوحيد بينهم هو عدم رضائهم جميعا عن التسميات بمجملها، قديمة وجديدة، أو حتى ما سيتمخض عنه فأر جبل البلدية. فمن مرحّ.ب بتسمية شارع باسم فلان، ومن رافض للتسمية نفسها، واقتراح غيرها. حتى الشاعر «بن لعبون» لم يسلم من النقد بسبب تسمية شارع صغير باسمه في النزهة، وسعدت لأنني لست مسؤولا عن تسمية الشوارع، لكان غضب الجميع قد نزل على رأسي، الخالي من الشعر!
سبب المشكلة، كما اتضح لي، وكما أخبرني صاحب قرار سابق، إن صح كلامه، أن الحكومة أصرّت، منذ سنوات خمس تقريبا، على ألا تضع أي معايير، مكتوبة أو حتى شفهية، تتعلق بالطريقة الواجب اتباعها في اختيار أسماء الشوارع والطرق. كما رفضت تصنيف الأسماء لفئات مثلا، أي مَن يحصل على ماذا، على الرغم من أن الجميع موتى! بل كل ما فعلته الحكومة هو الإيعاز للمسؤولين ولأعضاء المجلس البلدي بما يشبه النص التالي: «روحوا يا مجلس بلدي وقرروا واختاروا واختلفوا بين بعضكم مع بعض، كأعضاء، واختلفوا مع وزير البلدية، وبعدين هاتوا لنا مقترحاتكم، وبعدها نحن نقرر!».
الطريف في الردود على المقال أن الغالبية أرادت معرفة الاسم «الحقيقي» لصاحب «بسطة الخضرة»! وكنت سأجد رداً على تساؤلاتهم لو لم يقرنوها باتفاقهم معي على أن هناك المئات من الذين أُطلقت أسماؤهم على الشوارع ممن تنطبق عليهم مواصفات «صاحب البسطة»، والاختلاف فقط في الحروف الأولى للأسماء، فما الفرق بين «س. م. ك» و «ك. م. س»؟
أنا شخصياً، على اعتبار أنني مواطن كويتي، ولي صيتي وسمعتي وجاهي وثروتي، وكتاباتي التي استمرت لعشرين عاما، وستستمر لعشرين عاما أخرى، وبالوتيرة نفسها، وأيضا من دون مقابل مادي، أعلن هنا تنازلي عن «حقي الطبيعي» في إطلاق اسمي على أي شارع وطريق وسكة! وهكذا أرحت الحكومة من «حنة أهلي»، بعد مماتي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطائفية.. والطوفان

من الواضح أن هناك مشكلة طائفية في كثير من الدول العربية والإسلامية، ومصدر ذلك يعود بصورة أساسية لغموض النصوص الدينية من جهة، ولجهل أطراف الصراع بمصالحهم، ومن جهة أخرى لوجود مصلحة للحكومات والأنظمة الحاكمة في بقاء الخلاف والاختلاف قائما، لتسهل السيطرة على شعوبها، ولكي تلعب دور الحكم، أو الأب، إن تطلب الأمر ذلك.
بدأ الإصلاح الديني في أوروبا على يد القس المجدد مارتن لوثر، وكان الحدث الأبرز في تاريخ أوروبا في القرن السادس عشر، وعصر النهضة بالتالي. وتعتبر إصلاحاته، أو ثورته، الحدث الذي شكل – بنظر الكثير من المؤرخين – هوية أوروبا الحديثة، وذلك عندما نجحت تلك الثورة في القضاء على التسلط الكنسي، الأمر الذي فجر النزعات القومية لدى كبريات الدول الأوروبية بعد أن كانت مسحوقة في ظل الكنيسة المتسلطة، عندما كانت دول مثل فرنسا والمانيا وإنكلترا تصبغ نفسها بصبغتها الدينية وليس بصبغتها القومية، وكان الدين هوية، وبالتالي من لم يكن مسيحيا كان معرّضا بصورة تلقائية للاضطهاد، وهذا لم يقتصر على غير المسيحيين، بل امتد حتى للمسيحيين المنتمين لغير الكاثوليكية، أو كل من اتهم بالزندقة. وقد قضى موتا عشرات الآلاف على يد «جنود الله» البابويين، بحجج واهية، وخاصة في مذبحة «سانت بارثلميو» الشهيرة. وقد دفعت كل هذه الأحداث الرهيبة بمارتن لوثر، القس الألماني، ليعلن معارضته الشديدة لتصرفات البابا، التي غالبا ما تكون – حسب وصفه – مدفوعة برغبات انتقام شخصية. وقد أدى موقفه الى إيقاظ الشعوب الأوروبية من سباتها، بعد أن كشف لوثر حياة البذخ التي يعيشها رجال الإكليروس وفسادهم، وما كانوا يستولون عليه من أموال الفقراء ببيعهم «صكوك الغفران» التي ستدخلهم الجنة، والتي تشبهها في أيامنا هذه مفاتيح الجنة التي وجدت معلقة في رقاب كثير من الجنود الذين ماتوا في الحروب المذهبية في المنطقة، أو الأحلام والأماني التي «باعوها» للانتحاريين، لدفعهم الى قتل انفسهم للفوز بالجنة وبالحور العين! ففي القرون الوسطى كانت الجنة تشترى بصك، فأصبحت الآن تشترى بحزام ناسف!
ومن اقوى ما قاله لوثر، مخاطبا الألمان انهم بغير حاجة لرجال الدين لفهم الكتاب المقدس، وانهم وهبوا العقول لكي يشغلوها لا لكي يلغوها، وان المؤمن علاقته مباشرة بربه وليس بحاجة لمن يفسر له الدين. ثم ضرب لوثر ضربته، كاسرا احتكار الكنيسة لشرح الكتاب المقدس، من خلال قيامه بترجمته للالمانية، بعد أن كانت نسخه لا تكتب بغير اللاتينية، التي لم يكن يفهمها أحد غير رجال الكنيسة! وهذا فتح آفاق معرفة الدين، من غير وسيط كنسي، امام المواطن العادي، وبالتالي تضاءلت أهمية رجل الدين. وقد كرس التاريخ مارتن لوثر تاليا كأبرز مصلح ديني وكأب روحي للغة الألمانية الحديثة.
ما نحن بحاجة ماسة له في مجتمعاتنا هو زيادة الوعي، وحصر خلافاتنا المذهبية ضمن أضيق الحدود، وهذا لا يمكن الوصول اليه بغير «تحييد» دور رجل الدين، وحصره في المعاملات الرسمية. فالواقع أن اي تقارب مذهبي ليس في مصلحة غالبية رجال الدين المتكسبين من اختلافات المجتمع المذهبية أو الدينية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

وجهة نظر الشيخ محمد

ورد في أواخر ابريل في القبس، على لسان الشيخ محمد سالم الصباح، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق، الذي أكنّ له تقديرا خاصا، ان الخلافات بين دول مجلس التعاون، في ظل وجود ملفات خطيرة مثل خلل التركيبة السكانية، تمثل تهديدا لوجودها. وأن لا حل أمامها بغير التضامن. وقال في مؤتمر «الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون» إن هذه الدول تواجه «رغبات» قوى إقليمية في أن تكون راعية وحامية لطائفة معينة، واعتبارها من رعاياها، بغض النظر عن انتماءاتها الوطنية! وهو هنا يشير الى إيران ورغبتها في بسط «حمايتها» على شيعة دول المجلس. وحذر الشيخ في كلمته من أن ثمة درسا يجب ان نستخلصه (أو يستخلصه شيعة الخليج) من الحرب العالمية الثانية، وهو أن الاحتماء بالأجنبي والاستقواء به، والبحث عن قوى خارجية لدعم موقف محلي هو خطر ونتائجه كارثية، ويشكل تحديا!
كلام الأكاديمي المعروف الشيخ محمد الصباح واقعي ومنطقي، وهو موجه لكل الأطراف داخل منظومة دول مجلس التعاون، وبالذات لأقلياتها! ولكن السؤال: ما الذي يدفع مواطني اي دولة لأن يستقووا بقوى خارجية، أو يطلبوا حمايتها؟ والجواب: جهتان، جهة ترغب في كسب سياسي أو انتخابي، من خلال الاستقواء بالقوى الكبرى، وهذا ما نجده متبعا في أكثر من دولة صغيرة تعتمد في وجودها على قوى خارجية أقوى منها ولها تأثيرها السياسي أو الاقتصادي عليها، كوضع لبنان وغيره. والجهة الأخرى الباحثة عن حماية خارجية لها لشعورها بالغبن في أوطانها، وأن حقوقها منقوصة، ولا تعامل بعدالة، وبالتالي تكون أكثر ميلا من غيرها الى الانحراف، او حتى لخيانة أوطانها التي لم تعاملها كالآخرين. وبالتالي لكي تضمن اية دولة ولاء مواطنيها لها، وعدم لجوئهم للاحتماء أو الاستقواء بالقوى الخارجية، فإن عليها معاملة الجميع على القدر نفسه من المساواة، وأن تعطي الجميع الحقوق نفسها وتفرض عليهم الالتزامات نفسها، وسؤالنا، الذي يتطلب قدرا من الشجاعة من السيد النائب السابق لرئيس الوزراء، الشيخ محمد الصباح، والذي لا نعتقد أنها تنقصه ابدا: هل يعامل جميع مواطني دول مجلس التعاون، والكويت بالذات، بالقدر نفسه من المساواة والعدالة؟
يقول المثل الإنكليزي: It takes two to Tango أي أن رقصة التانغو يتطلب أداؤها وجود اثنين، أو بمعنى آخر فإن الخيانة تتطلب جهتين، الدولة الراغبة في بسط الحماية، والمواطن الذي يشعر بالغبن! وفهمكم كاف!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لا خصوصية بعد اليوم

في عالم اليوم، عالم الإنترنت والأقمار الاصطناعية، عالم أحلام الحرية والمخابرات والإرهاب وتبييض الأموال، والعصابات والطغاة المتشبثين بالحكم، لا توجد في الحقيقة خصوصية شخصية أو عامة، وكل ما يردده الجهلة من وجود خصوصية لمنطقة أو شخص أو مجتمع لا يزيد عن كونه هراء في هراء، فلكي تكون لك خصوصيتك فليس أمامك غير أن تنعزل عن العالم كليا، لا هاتف لا إنترنت لا تلفزيون حتى ولا خروج من البيت، وربما الانتقال للسكن في خيمة في وسط الصحراء، حيث لا أعمدة تحمل كاميرات مراقبة ولا أجهزة تنصت، ولا ارتباطات ولا علاقات بأفراد أو دول، الأهم من ذلك لا شيء لديك يستحق المراقبة والملاحقة، حينها فقط «ستحل» أجهزة التنصت والمراقبة عن ظهرك!
قمت قبل فترة باستبدال هاتفي النقال، وفوجئت بأن مئات الرسائل والصور، بكل خصوصيتها، والتي سبق أن وردتني على الإنترنت، هاتفيا أو على جهاز الكمبيوتر، من فايبر أو واتس آب أو انستغرام أو فيسبوك وغيرها من صور ورسائل نصية او افلام، لا تزال مخزنة في ذلك الهاتف اللعين، بالرغم من أنها ليست في صندوق البريد، وتطلب الأمر بالتالي قضائي ساعات وأنا ازيل تلك الصور والرسائل واحدة واحدة، وحتى الآن، لست على ثقة بأنني تخلصت من كل شيء، فمن الصعوبة بمكان إزالة كل شيء، بشكل مطلق، من «فضاء الإنترنت». والإزالة صالحة لتلك اللحظة فقط، فتخزين المشطوب سيبدأ بعدها مباشرة وهكذا!
ليس هذا مهما بالنسبة لي شخصيا، فليس لدي اسرار أخاف أن تنكشف، ولكني أكتب لمن يعتقد أن مجرد شطب صورة أو رسالة من الهاتف الذكي أو الكمبيوتر يعني أنها محيت تماما، فالحقيقة غير ذلك، وهواتفنا ذكية لأن جهلنا بكيفية استخدامها ومعرفة مدى خطورتها يجعلنا غير أذكياء، فول ستوب!

أحمد الصراف

احمد الصراف

العائلة النووية وأبناؤها

يعود استخدام تعبير أو وصف «العائلة النووية»
The nuclear family للربع الأول من القرن الماضي، ويقصد به الأسرة المكونة من أب وام، وابناء يتحدرون من صلبهم المشترك، وهي الحالة السائدة في العالم أجمع، باعتبارها الوضع الأكثر مثالية.
تقابل العائلة النووية النموذجية أوضاع أخرى أقل انتشاراً، وهي العائلة ذات الأب فقط أو الأم مع أبناء أي طرف منهما، إن نتيجة زواج سابق أو وفاة أحد الوالدين. وهناك العائلة التي يتزوج فيها الرجل بأكثر من زوجة، أو تكون للزوجين، المرأة أو الرجل، أو لأحدهما، ابناء من زواج سابق. ولبعض علماء الاجتماع آراء أخرى فيما يتعلق بتحديد ما «العائلة النووية». ويعتقد أن للكنيسة والحكومات الأوتوقراطية في القرن السابع عشر دوراً في ترسيخ مفهوم العائلة النووية. كما ساعدت الثورة الصناعية والرأسمالية الحديثة في تقوية مفهوم العائلة النووية باعتبارها الأكثر فائدة للاقتصاد، وللتضامن الاجتماعي.
والحديث عن العائلة يجرنا للحديث عن الأبناء، حيث أصبح الكثيرون يبدون قلقا متزايدا على مصير أبنائهم، مع تزايد مخاطر الحياة وزيادة التحديات أمامهم. ولكن من الأفضل ألا نقلق كثيرا على ابنائنا، لكي لا يستحوذ ذلك القلق علينا ويتعبنا، فدورنا كوالدين هو أن نحب أبناءنا ونعتني بصحتهم النفسية والجسدية والعقلية من دون أن نفني انفسنا بهم.
كما يجب ألا نتوقع الكثير من ابنائنا، وأنا شخصيا أؤمن بذلك، وسيقرأ ابنائي هذا الكلام. فعلينا تربيتهم بأفضل ما يمكن ونستوعب، وأن نبين لهم ما يعنيه الإنسان الصالح بالتصرف وليس بالكلام فقط. وبالتالي من الخطأ، عندما نكبر، أن نغضب لعدم وجودهم بجانبنا لكي يعتنوا بنا، أو أن نصف غيابهم عنا بالجحود، فالحقيقة أنه لم يكن بيننا يوما اتفاق مكتوب أو ضمني ينص على قيام طرف بالاعتناء بالطرف الآخر وهو صغير، ليقوم هذا بالاعتناء بالطرف الأول في كبره، فمثل هذه المحبة والعناية لا تأتي عنوة، فليس أثقل على القلب من أن يجد الواحد منا ابنه او ابنته تقف في كبره بجانبه لترعاه ويعلم يقينا أنها مجبرة، وليس لأنها تحب القيام بذلك من تلقاء نفسها. ولو كان الوالدان يحبان أبناءهما بالفعل، ومن دون غرض، كما يدعي الجميع تقريبا، لما توقعا مقابل محبتهما شيئا! كما عليهما تقدير ظروف ابنائهم، فهم أيضا لهم حياتهم والتزاماتهم الوظيفية والاجتماعية التي تدفعهم للبعد عنا.
كما أنني شخصيا أؤمن بأن علينا كوالدين واجب الاعتناء ماديا، وفق إمكاناتنا، بأبنائنا، ونحن على قيد الحياة ومعاملتهم بصورة متساوية، بصرف النظر عن الجنس أو العمر، ومحاولة توزيع ما لدينا من ثروات عليهم قبل أن نغادر الحياة، وذلك لكي يستمتعوا بما كسبنا ونحن أحياء معهم، وهم في عز شبابهم، وليس بعد أن نموت ويكبروا هم، فليس هناك ما هو أكثر مدعاة للحسرة من الشعور بأن الابناء ينتظرون موت الآباء ليستمتعوا بثرواتهم. وقد قمت شخصيا بتوريث ابنائي الكثير، وجار العمل بما تبقى، مع تقدمي في العمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

كرتون موز.. مع «مشمش»!

قصة خلطي، في مقال سابق، بين الخلال والكنار، ذكرتني بقصة طريفة أخرى، سبق أن تطرقت إليها في هذه الزاوية، ولا تضر إعادة ذكرها لطرافتها، ولدلالاتها الاجتماعية والسياسية العميقة، التي تبين كيف كانت، ولا تزال تدار، الأمور في أوطاننا، وقد أخبرتني بها الصديقة روينا إسحاق، التي كانت تعمل مساعدة تنفيذية لصديق كان يعمل في بنك الخليج، وكان ذلك في الثمانينات، وهي تعيش الآن منعمة في وطنها الغربي الجديد.
تقول روينا – نقلاً عن قريب لها كان يعمل سائق أجرة، وكان معروفاً بمهارته وإخلاصه في عمله – إن أحد محافظي العراق، في عهد صدام وبقية اللئام، اتصل بمحافظ، (قائمقام) آخر، وقال له إنه سيرسل إليه «كرتون» موز مع مشمش. كلّف المحافظ قريب السيدة روينا بتوصيل الهدية. وصل السائق إلى بيت المحافظ، وكان الوقت عصر يوم خميس. فتح له المحافظ الباب بنفسه، وسأله عما يريد فسلّمه هذا «كرتون» الموز، فسأله إن كان هناك شيء آخر، فنفى السائق ذلك. وهنا طلب منه الانتظار، ودخل بيته واتصل بالمخفر، وما هي إلا لحظات حتى حضرت سيارة شرطة اقتادت السائق الاشوري إلى الاعتقال من دون كلمة من أي طرف.
بعدها بعشرة أيام تقريباً اتصل المحافظ الأول بالثاني لأمر ما، وسأله، في سياق الحديث، إن كان استمتع بالموز، فشكره الثاني عليه، ولكنه أردف قائلاً إن الهدية وصلت ناقصة، حيث سرق السائق «البواق» كرتون المشمش، ولم يسلمه إلا الموز! فانفجر المحافظ الأول ضاحكاً، وقال إن «سوء فهم» قد حصل، وإنه لم يرسل إليه مشمشاً، بل كان يقصد أنه سيرسل له كرتون موز مع السائق.. أما «مشمش»، فهذا كان اسمه، وكان شهيراً به!
كان من الممكن أن يبقى مشمش المسكين في سجنه حتى اليوم، من دون أن يعرف لا هو ولا أحد غيره سبب سجنه، لولا تلك المكالمة التي تسببت في إطلاق سراحه.
ذكرتني هذه الطرفة بأخرى تتعلّق بزوجة دكتاتور عراقي – وما أكثرهم! – سمعت بمدرس لغة إنكليزية مميز، فطلبت من زوجها أن يفصله من عمله، ويلحقه بالقصر الرئاسي لتدريسها وأبنائها اللغة الإنكليزية! وهنا اتصل الدكتاتور بسكرتيره وقال له بلهجة آمرة: «ابحثوا عن مدرس اللغة الإنكليزية فلان، وافصلوه من عمله، وأحضروه لي»!
بعدها بأيام ذكّرت الزوجة الدكتاتور بأن المدرس لم يصل، فقام هذا بالاتصال، غاضباً، بسكرتيره وصاح به: وين هذا المدرس؟ فرد هذا قائلاً، بكل ثقة: لا تدير بالك يا سيدي، لقد وجدناه، وقمنا بالواجب، واعترف بأنه جاسوس، وتم إعدامه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأمم والفحم

“>هناك دول متقدمة في العالم تتمتع برخاء اقتصادي وصناعي وبحبوحة في العيش، وهناك شعوب تعيش عكس ذلك. وبالبحث في سبب تقدم هذه وتأخر تلك، تبين أن قدم الدولة وتجذرها التاريخي ليس لهما علاقة بالأمر، فالعراق وسوريا والهند وإيران ومصر دول تسمى بحاضنات الحضارات، ولكنها متخلفة في كل ميدان، والعكس نجده في دول حديثة، لا يعود تاريخ وجودها الى أكثر من ثلاثة أو أربعة قرون، ككندا واستراليا، وحتى إسرائيل.
كما لا يمكن نسبة الفضل في التقدم الى توافر الثروات الطبيعية، من غاز ونفط، ومعادن ثمينة اخرى، حيث نجد أن غالبية الدول النفطية مثلا، أو الغنية بثرواتها الطبيعية، كنيجيريا ودول أفريقية عدة، لا يشكل وجودها شيئا بالنسبة للعالم، بينما دول لا تمتلك نقطة بترول واحدة كاليابان وكوريا وسويسرا، الفقيرة بمواردها الطبيعية، ومع هذا تصنع سويسرا افضل أنواع الشوكولاتة، ولكنها لا تزرع حبة كاكاو واحدة، تصنع كل شيء تقريبا وتصدره للخارج، فسويسرا لديها أفضل أنواع القهوة ولا شجرة قهوة توجد فيها، والأمر نفسه ينطبق على فنلندا وجاراتها الاسكندنافية. وبالتالي فإن قدم الدولة أو وفرة مصادرها الطبيعية لا علاقة لها بتقدم الدولة أو تخلفها، وأهميتها لغيرها، وبالتالي لا بد أن تكون هناك عوامل اخرى تلعب دورا أساسيا في التقدم أو التخلف، ويأتي على رأس هذه العوامل نظم التعليم!
فالكويت، الدولة شبه النموذجية بقلة سكانها وانسجامهم الديني والعرقي، او هكذا يفترض، وشبه انعدام مشاكلها، ووفرة مواردها، لديها مشاكل أخلاقية ووظيفية وصحية وأمنية وغيرها، والتي كان من الممكن ألا تكون بهذه الحدة لو كان فيها نظام تعليمي أفضل. فتقدم الدولة ورقيها يصنعهما شعبها، ولكن هذا الشعب بحاجة لتعليم مميز، كما هو في كوريا واليابان وسنغافورة. والتعليم المميز يعلم المنطق والمنطق يأتي بالأخلاق، والأمم بأخلاقها، والأخلاق بالتربية المنزلية المدرسية، ولا تكتسب من الأقران ولا من الشارع، واحترام القانون يفرضه المنطق، والمنطق يكتسب على مقاعد الدراسة. كما أن حب العمل وأداء الوظيفة بطريقة مخلصة، وانجار المطلوب في وقته، كلها قيم لا يكتسبها شعب من «تاريخه العريق»، أو غنى موارده، بل بالتعليم المستمر والجاد، والشيء ذاته ينطبق على المحافظة على النظام واحترام أثمن ما في حياة أي إنسان وهو الوقت، الذي إن مضى لا يعود، والذي لا قيمة له بالذات لدى الشعوب الضاربة بجذورها في «عمق التاريخ»!
فهل يعرف وزير التربية (والتعليم) الكويتي، وقبل ذلك رئيس الحكومة هذا؟ اشك في ذلك، خاصة بعد طرد فريق خبراء التعليم السنغافوري!
* * *
• ملاحظة:
تردني مكالمات لا اعرف مصدرها، فلا أرد عليها، بسبب وجودي في الخارج منذ 29 أبريل وحتى أوائل الشهر الثامن، فالمعذرة. عند الضرورة يرجى الاستعانة بالرسائل النصية.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

على من تضحكون؟

“>الجميع تقريبا يشكو من تزايد اسعار العقارات، وخاصة بيوت السكن الخاص، التي وصل متوسط أسعارها الى ما يقارب الألف ومائة دينار، أو 4 آلاف دولار للمتر المربع، وفي أرض جلحة جرداء ملحة، لا ماء فيها ولا زرع!
وكثيرون في الوقت نفسه معنيون ومهمومون بالبحث وإيجاد الحلول للنقص الكبير في بيوت السكن لأكثر من مائة ألف طلب، تراكمت على مكاتب الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية، والتي لم تجد الحكومة لها حلا غير تخدير أصحابها بمختلف الوعود، التي يعرف الكل، إلا المعنيين بالأمر، استحالة تنفيذها. فكيف بإمكان الحكومة توزيع 34 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما صرح وزير الإسكان فيها؟ والطريف، او المؤسف، أن الحكومة ووزيرها، وكل عاقل، يعرفون ظروف الكويت وكيف يتم تنفيذ المشاريع، وأن من المستحيل على أي جهاز حكومي بناء هذا العدد الهائل من الوحدات السكنية بهذه الفترة القصيرة.
العقل والمنطق يقولان ان أسعار العقار بارتفاع مستمر، حتى لو انخفضت أو تجمدت لفترة، فمآلها في النهاية الارتفاع، والأسباب بسيطة وهي، في عجالة، كالتالي:
أولا: صغر مساحة الدولة.
ثانيا: البيت لا يعني شيئا بغير الخدمات، وهذه بطيئة، وكلفة توفيرها عالية جدا.
ثالثا: من يمتلكون قطع الأراضي السكنية الكبيرة ليسوا على عجلة للتخلص مما لديهم. فقد أثبتت التجارب أن كل بائع عقار، خاصة إن كان متخما بالمال، سيندم على البيع في نهاية الأمر، فالأرض محدودة والمتوافر نادر والارتفاع في السعر لا مفر منه!
رابعا: استمرار سياسة دعم الحكومة للمواد وغيرها. والملاحظ أن قيمة الأراضي السكنية ومواد البناء ترتفع مع كل دعم يعلن عنه، وبنفس النسبة تقريبا، وهذا يعني أن كل ما سيكسبه المقبل على بناء البيت من دعم حكومي سيدفعه باليد الأخرى لصاحب الأرض أو لتاجر مواد البناء وغيرها من لوازم البيت، يعني تيتي تيتي.
خامسا: سوء مناهج التربية والتعليم التي فشلت في القضاء على ما ترسخ في ذهن المواطن من أن السكن في غير فيلا مستقلة، ولا تقل مساحتها عن 350 مترا مربعا، أمر معيب.
وعليه لا تبدو هناك في الأفق بوادر انفراج في أسعار الأراضي السكنية، أو حتى توقف ارتفاعها، للاسباب أعلاه، خاصة في ضوء عدم قدرة الحكومة على توفير كل ما وعدت به من وحدات سكنية.
والحل بالتالي، كما ورد على لسان أكثر من ناصح منصف، هو في اللجوء الى السكن العمودي، وفي عمارات عالية المواصفات، تقع في مناطق مميزة، وقتها سيتقاتل المواطنون للحصول عليها.
ملاحظة: من سخافات بعض المشرعين استماتتهم في جعل علاوة الأولاد عالية، وأن تشمل سبعة أطفال! وقيامهم في الوقت نفسه بمطالبة «الماما الحكومية» بتوفير السكن الخاص للمواطن، من دون إحساس بأن هذين الطلبين متضادان ومتناقضان! فتشجيع المواطن على الإنجاب يعني ذرية أكثر وطلبات سكن أكبر! فإذا كنا بهذه الحالة السيئة الآن، فما الذي سيصبح عليه الوضع عندما نقر علاوة الأولاد السبعة؟
يبدو أنه لا أحد يدري، ولا أحد يود ان يدري!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

سنغافورة والخصوصية والزبالة

“>تبلغ مساحة سنغافورة 710 كلم2، أكرر 710 كلم2 فقط، ومع هذا يبلغ ناتجها القومي 330 مليار دولار، وهذا يجعل دخل الفرد فيها الأعلى في العالم، واكبر من دخل الفرد في الكويت، التي تبلغ مساحتها 25 ضعف سنغافورة، وتحقق دخلا قدره 270 مليار دولار من مورد طبيعي سهل لم تكتشفه ولم تستخرجه، ولا تعرف حتى كيف تستفيد من عوائده بطريقة حكيمة.
سكان سنغافورة ينقسمون إلى ثلاث اقليات أكبرها الصينية، ولغتهم المندرين، وهم بوذيون، والمسلمون الماليز، ويتحدثون بها، والتاميل، ويدينون بالهندوسية، وتجمعهم جميعا اللغة الإنكليزية، إضافة الى لغاتهم. وليس لسنغافورة أية موارد طبيعية وتشكو من ندرة كل شيء وارضها بالكاد تكفي لإيواء سكانها البالغ عددهم 3.5 ملايين، ومع هذا تتمتع بأرفع مستوى معيشة وباقتصاد قوي وصناعة راسخة ووضع تجاري وملاحي مريح ومربح، وتعتبر الدولة الأنظف في العالم والأندر في الفساد الإداري، والسر وراء كل ذلك إيمان مؤسسها العظيم لي كوان يو، الذي سبق ان سعدت بلقائه وقراءة مذكراته، بالتعليم المميز الذي يمكن أن يخلق شعبا قادرا على تحقيق المستحيل، وهذا بالفعل ما حدث، حيث تعتبر سنغافورة اليوم رائدة في التعليم، خاصة في العلوم الحديثة والرياضيات. وقد قامت الكويت، كما فعلت عشرات الدول الأخرى، والمتقدمة في غالبيتها، بالاستعانة بالخبرات السنغافورية، واستقدمنا فريقا من خبراء التعليم قبل فترة لدراسة الوضع لدينا، وخرج الفريق بمجموعة توصيات تتعلق بضرورة تغيير محتويات المناهج بصورة جذرية، وبشكل جاد. وإعطاء التكنولوجيا دورا أكبر، كأداة ومادة، في النظام التعليمي. والتركيز على تدريس الإنكليزية كلغة ثانية إلى جانب اللغة الأم، والتخلي عن نظام تقييم المعلمين الحالي الذي يمنح الجميع تقريبا درجة الامتياز، عشوائيا. ولكن ما إن اطلع وزير التربية (والتعليم) الكويتي الهمام على هذه التوصيات حتى رفض حتى مجرد التفكير في دراسة إمكانية تطبيقها، مؤكدا أن الدراسات والأهداف يجب أن تنطلق من متخصصين من اهل الكويت لأنهم أدرى بخصوصية المجتمع الكويتي!
وهنا يثير رفض الوزير عدة تساؤلات: إذا كانت للكويت خصوصيتها، وفيها متخصصون من اهلها أعلم من غيرهم بها، فلم لم تتم الاستعانة بهم؟ وأين هم؟ ولماذا لا نطبق الأمر ذاته على الطب مثلا، على قاعدة خصوصية المجتمع الكويتي نفسها ومعرفة أهلها بتلك الخصوصية، ونتوقف عن الاستعانة بالأطباء غير الكويتيين، أو استخدام الأدوية والأجهزة الطبية الغربية واليابانية وحتى الصينية؟
وإذا كانت هذه الخصوصية هي التي تقف في طريق أن نصبح سنغافورة، فلم لا نرميها في سلال الزبالة، أو تحتها، كما اعتدنا؟!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

بوكو حرام

قامت جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتطرفة في نيجيريا، قبل شهر تقريبا باختطاف عدد كبير من الفتيات المراهقات من سكن طلابي، ولا يعرف حتى الآن عددهن بشكل دقيق، ويقال إن عددهن يتراوح بين 170 و230، وأضيف لهن عدد آخر خُطفن قبل أيام قليلة من المنطقة ذاتها في شمال شرق نيجيريا. و«بوكو حرام» تعتبر تعليم الفتيات، أو التعليم على الطريقة الغربية حراما، وهو ما يعتقده المتشددون في الكثير من الدول، ومنها أفغانستان وباكستان والصومال وغيرها.
وبالرغم من خطورة القضية، وما أشيع من أن «بوكو حرام» هرّبت الفتيات إلى الكاميرون وتشاد، حيث عُرضن للبيع في مزاد علني لمصلحة الجماعة الإرهابية، وربما تعرّضن للاغتصاب قبل البيع، أو أُجبرن على الزواج من خاطفيهن، كما نُقل عن مراقبين حضروا حفلات زواج جماعية على حدود نيجيريا مع دول أفريقية مجاورة. ويقال إن ثمن البيع لم يتجاوز في الغالب 25 دولارا للفتاة.
وتقول الكاتبة السعودية هتون الفاسي إن نيجيريا، الغنية بالنفط، وعضو «الأوبك» التي تمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وزراعية لا تقدَّر بثمن، تشكو من الفقر وضعف التنمية والفساد الذي يمتص ثرواتها على اثر فترة استعمارية بريطانية استمرت قرناً من الزمان، حتى عام 1961. وتتزايد حالة الفقر فيها وتضعف التنمية كلما اتجهنا للولايات المسلمة شمالا، والتي تعاني البطالة والفقر بخلاف الجنوب المسيحي. ونظراً لتعامل الحكومة النيجيرية العنيف القريب من الوحشية مع «بوكو حرام» تتفاقم المشكلة وتضعف الثقة في الحكومة. مما جعل الفئات المتطرفة تقرن المسؤولية عن سوء الأحوال المعيشية في ولايات بورنو وما جاورها في الشمال والشمال الشرقي، بملة المستعمر السابق ودينه وكل ما يتصل بالغرب، لاسيما التعليم، الذي يرون أنه مصدر فساد ومصدر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الذي يريدون استبدال التعليم التقليدي الإسلامي به.
والآن هل من المستغرب عدم تجاوب العالم، بما يكفي، مع مشكلة قيام جماعة دينية متطرفة بخطف الفتيات وبيعهن في سوق النخاسة؟ ألا يعود ذلك، ولو في جزء منه، ربما إلى شعور المجتمع الدولي بأن ما قامت به «بوكو حرام» لم يخرج تماما عن سابق تقاليد المنطقة الإسلامية، والتي لم تلق حتى الآن ما يكفي من رفض وتحريم من الجهات الدينية؟ الجواب عند «علمائنا»!.

أحمد الصراف