تقوم وزارة الشؤون، ومنذ عشرين عاما على الأقل، بإصدار تعليمات مشددة للجمعيات والمبرات المسماة بالخيرية، تحذرها من مغبة مخالفة تعليمات الوزارة في ما يتعلق بطريقة جمع التبرعات، عدم جمعها بغير استخدام إيصالات تحمل أختام الوزارة، وتنذرها من مغبة العودة للمخالفات، وتهديدها بالإغلاق وبتجميد حسابات الجمعيات الأم، إن خالفت الأفرع، وعدم التهاون مع المخالفات، وأنه لن تكون هناك استثناءات أو مجاملة لأي جمعية! بالرغم من كل هذه التحذيرات فان غالبية الجمعيات والمبرات، حتى صدور القرار الأخير المتعلق بإغلاق بضعة أفرع تابعة لجمعيتي الإصلاح (الإخوان)، وجمعية التراث (السلف)، كانت منغمسة بجمع التبرعات بطريقة غير قانونية، وفي مخالفة صريحة للتعليمات، عيني عينك، ومنذ سنوات عدة. والوزارة بدورها منغمسة، سنة بعد أخرى، بالكشف عن المخالفات وإرسال الإنذار تلو الآخر، لينتهي موسم القطاف وينسى الجميع كل ما تعلق بالمخالفات، ولتبدأ دورة جديدة في موسم القطاف التالي. ويبدو أن عشرات آلاف المخالفات التي ارتكبتها الجمعيات سيتم نسيانها، ونحن مقبلون على نهاية شهر رمضان، وسيغلق ملفها حتى موسم القطاف التالي، بعد شهرين عندما يحل عيد الاضحى. ما تغير هذا العام هو حجم الهجوم غير المتوقع الذي تعرضت له الحكومة، خاصة من أطراف كانت تعتقد أنهم في «جيبها الخلفي»، كالإخوان وبعض النشطاء والدعاة الدينيين، وبالتالي دفعها خوفها على وضعها لأن تحرك «آلياتها»، ولأول مرة منذ اكثر من ثلاثين عاما، وتقوم بقرص شحمات أذن من تجرأوا على تحديها. ما نتمناه هو أن تستمر الدولة في فرض القانون، وليس الاحتفاظ بالمخالفات واستخدامها عندما يتطلب الأمر ذلك. ما ينطبق ويسري على الجمعيات الدينية يسري على من حصلوا على الجنسية الكويتية بطرق غير قانونية. فهؤلاء معروفون للحكومة، وتقرير ثامر الجابر، حصر غالبيتهم. وبالرغم من المبررات التي قدمتها الحكومة لسحبها حق المواطنة من البعض، وهو قرار نقف معه بكل قوة، فانه كان قرارا كيديا وربما وموجها لأطراف معينة، وليس قرارا «استراتيجيا» تتطلبه المرحلة الحالية، وما تتعرض له الجبهة الداخلية من خطر. فهناك عشرات آلاف المواطنين الذين يدور شك ليس فقط حول الطرق غير القانونية التي حصلوا بها على الجنسية، وبل وحتى لمدى ولائهم للكويت. وبما أن العدد كبير جدا، فإن اختيار أشخاص معينين، تعتقد الحكومة أنهم أساءوا لها، وترك البقية أمر لا يجوز. فكيف سمحت الحكومة مثلا لشخص يحصل على الجنسية الكويتية وينتخب نائبا في البرلمان ويشارك في التشريع، وهي تعلم بحقيقة وضعه؟ وما هو مصير القوانين التي شارك في التصويت عليها؟ كما أن هناك من هو أخطر ممن سبق، ان ارتكبوا أعمال قتل أدينوا عليها باحكام سجن، ولهم أنشطة سياسية مريبة ومخالفة لمصالح الوطن، وأسماؤهم معروفة. وبالتالي من الضروري أن تسير عجلة العدالة في طريقها ويحاسب كل من تثبت عليه تهمة التزوير، وألا يتم الاكتفاء بمعرفة أسماء هؤلاء والسكوت عنهم إلى أن تحين فرصة استخدام التهم ضدهم، وكأن الحكومة بهذا تضع الرصاصة في جيبها لحين وقت اطلاقها، فهذا ابتزاز ممجوج، وهي يجب أن تكون أرفع من ذلك! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
التصنيف: احمد الصراف - كلام الناس
إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]
الجسد المريض والأطراف المتآكلة
يواجه العالم أجمع، والعرب على وجه الخصوص، ما تتعرض له غزة وشعبها من قتل وتشريد وتنكيل وغزو وعدوان إسرائيلي شرس، يواجهونه ببرود غريب. ويعتقد البعض انه «برود» متوقع! وسببه يعود أساسا لسئم هؤلاء من القضية الفلسطينية واصحابها. وسئموا من تكرار شعارات وخطب العودة منذ 1948. وسئموا من رفض الفلسطينيين للمبادرة والخطة تلو الأخرى ومن ثم القبول بها، ولكن بعد فوات الأوان. وسئموا من الاختلاف الفلسطيني الفلسطيني، الذي برر، حتى ما قبل عام أو اثنين، وما قبلهما بقليل وكثير، أن يرمي كل فريق المناوئين له من المنتمين للفصيل أو الفريق الآخر من على أسطح المباني، ليلقوا حتفهم. وسئموا، بعد أن عرفوا عدد القتلى الفلسطينيين على ايدي اخوتهم الفلسطينيين واشقائهم العرب أكبر بكثير من الذين قتلهم الإسرائيليون. وسئم الكثير من تكرار القول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يبقى صراعا بين الطرفين وليس صراعا عربيا إسرائيليا! فقد كان العرب مصدر تعجيز وإحباط للفلسطينيين منذ البداية، وتشتتهم كان بسبب جذب كل طرف عربي مقتدي، مالا أو سلاحا، لطرف فلسطيني او أكثر لجانبه.
واشاح جزء كبير من العرب، اكثر من اي مرة سابقة، بوجوههم عما يجري في غزة، لأنهم بكل بساطة يتعرضون هم أنفسهم في ديارهم للقتل والتشريد، كما يتعرض الفلسطينيون في غزة للقتل والتشريد، فمصر لا تزال تلعق جراحها، والعراق لا يزال ينزف، ولا من مسعف أو صديق، وسوريا تقطعت أوصالها وليبيا تصارع لوقف موت مؤسساتها، واليمن لا يزال سعيدا، طالما يجد أهله ما يمضغوه من قات ينسيهم مشاكل جيشهم وصراعه الدامي مع القاعدة والحوثيين، فما الذي تبقى؟ قطر وجيبوتي وجزر القمر مثلا؟
نعم غزة تئن وتتألم وتصرخ وتنزف ويموت أهلها بالعشرات يوميا، ولا من مجيب لنداءاتهم غير فريق يجمع البطانيات هنا، وآخر يرسل السمنة والطحين هناك. الكل مشغول عما يجري في غزة لأن التخلف الذي كنا نحذر منه منذ عقود وصل العظم ونخر فيه، واصبح الجسد العربي المريض عاجزا عن تقديم يد المساعدة لأي من أطرافه المتقطعة. لقد قال السيد نصرالله عام 2006 انه لو كان يعلم بأن رد فعل الإسرائيليين على خطف ميليشياته لعدد من الجنود الإسرائيليين كان سيكون بكل ذلك العنف، لفكر كثيرا قبل الإقدام على خطوته. واليوم يقول أهل غزة، ربما صمتا، الشيء ذاته. فنحن لا نود التصديق أو الإيمان بان صراعنا مع إسرائيل ليس دينيا ولا تاريخيا ولا تجاريا بل هو صراع حضاري، وعليه ستستمر إسرائيل في ضربنا المرة تلو الأخرى من دون ان يكون لنا حول لرد عدوانها ولا القوة للرد عليه طالما أننا بكل هذا التخلف.
أحمد الصراف
الحرف العربي والغربي
“>”>عندما قام القائد التركي الفذ أتاتورك، وتعني أبو الأتراك، في ثلاثينات القرن الماضي بإلغاء الأحرف العربية من الكتابة التركية، وأحل اللاتينية بدلا منها، ثارت ثائرة بعض المتشددين وتخوفوا من أن هذا سيؤدي مع الوقت لأن ينسى الأتراك هويتهم الدينية، ويضعف من قدرتهم على قراءة القرآن، وغير ذلك من المحاذير. ولكن تبين، وبعد أكثر من ثمانين عاما، أن شيئا من ذلك لم يحدث، فلغة القرآن العربية كانت غريبة عليهم عندما كانوا يكتبون لغتهم بالأحرف العربية، وبقيت كذلك بعد تغيير تلك الأحرف، ولكن العقيدة في نفوسهم بقيت بالقوة نفسها، والدليل أن الأتراك، ومنذ 11 عاما وهم يختارون حكومة يديرها رئيس اكبر حزب ديني إسلامي فيها. وبالتالي أثبتت التجربة وغيرها أن مطالبة الكثيرين، ونحن منهم وأقلهم علما، بضرورة تطوير اللغة العربية، وإدخال تعديلات جذرية عليها، لتكون أكثر مواءمة مع العصر، مطالبة جديرة بالتفكير. كما نعتقد أنه حتى مع تغيير حروفها من العربية إلى اللاتينية فلن يغير هذا ما في النفوس، في ما يتعلق بالدين، والدليل الأقوى من المثال التركي يكمن في حقيقة أن %80 من مسلمي العالم ليسوا بعرب، ولا يكتبون لغتهم بأحرف عربية، ومع ذلك لم يؤثر هذا في حقيقة زيادة إصرارهم، ومنذ أكثر من الف عام، على التمسك بدينهم أو معرفتهم بكتبهم المقدسة.
حركة كمال اتاتورك الثورية في طريقة كتابة التركية دفعت في حينها بعض المستنيرين العرب الذين سئموا من تخلف مجتمعاتهم وبعدهم عن الدول المتحضرة، للدعوة إلى أن تحذو الدول العربية حذو تركيا، ومطالبتهم بكتابة العربية بالأحرف اللاتينية، لأن ذلك سيجعلها أقرب لتراث وعلوم اللغات الأوروبية والأميركية، ويفتح لها خزائن العلوم المدونة بتلك اللغات، وسيساهم ذلك أيضا في تطوير الفكر العربي وتقدم الدول العربية، خصوصاً أن اللغة العربية، كما ذكرنا، تفتقد عدة أحرف عالمية. كما ان الكتابة بالأحرف اللاتينية ستقضي تماما على معضلة التشكيل والنطق السليم، وهي معضلة يشكوا منها %99 من الناطقين بالعربية. وشئنا أم ابينا فإن العصر هو عصر الحرف اللاتيني، فبغيره لا يمكن لأي فرد أن يتنقل في العالم بسهولة ويعرف الإشارات والإرشادات، أو يحصل على تصاريح الزيارة، أو يتعامل بالبطاقات الائتمانية أو يعرف القواعد العالمية ويتعامل مع المصارف الأجنبية أو يستخدم الإنترنت، إذا لم يكن ملما بدرجة أو بأخرى باللغة الإنكليزية، فهي لغة الحضارة والعصر الحديث.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
اخرجوا أيها المسيحيون من أوطاننا
اخرجوا يا مسيحيي دمشق ويبرود ومعلولا من أوطاننا، واخرجوا يا مسيحيي الموصل ونينوى وبغداد من بلداننا، واخرجوا يا مسيحيي لبنان من جبالنا وودياننا، واخرجوا يا مسيحيي فلسطين والجزيرة من شواطئنا وترابنا، اخرجوا جميعا من تحت جلودنا، اخرجوا جميعا فنحن نبغضكم، ولا نريدكم بيننا، اخرجوا فقد سئمنا التقدم والحضارة والانفتاح والتسامح والمحبة والإخاء والتعايش والعفو! اخرجوا لنتفرغ لقتل بعضنا بعضا، اخرجوا فأنتم لستم منا ولا نحن منكم، اخرجوا فقد سئمنا كونكم الأصل في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، اخرجوا لكي لا نستحي منكم عندما تتلاقى اعيننا بأعينكم المتسائلة عما جرى؟ اخرجوا واتركونا مع مصائبنا، فلكم من يرحب بكم، وسنبقى هنا، بعيدين عنكم وعن ادعاءاتكم ومواهبكم وكفاءاتكم وعلمكم وخبراتكم، اخرجوا واتركونا مع التعصب والبغضاء والكراهية، اخرجوا فقد فاض بنا تحمل ما ادعيتموه من حضارة، فبخروجكم سنتفرغ لإنهائها، ومسح آثارها، وتكسير ما تركه أجدادكم من أوثان ومسخ وآثار من حجر وشعر ونثر وأدب، اخرجوا فلا العراق ولا مصر ولا سوريا ولا الكويت ولا فلسطين ولا الأردن ولا الشمال الافريقي العطر النظر بحاجة لكم ولا لمن سكن بيننا قبلكم من غجر ويهود وحجر، اذهبوا واخرجوا وخذوا معكم الرحمة، فنحن بعد النصرة وداعش والقاعدة وبقية عصابات الإخوان وآخر منتجاتهم لسنا بحاجة للرحمة ولا للتعاطف، فالدم سيسيل والعنف سينتشر والقلوب ستتقطع والأكباد ستؤكل، والألسنة ستخلع والرقاب ستفك والركب ستنهار، وسنعود للطب القديم والمعالجة بالأعشاب وقراءة القديم من الكتب والضرب في الرمل على الشاطئ بحثا عن الحظ.
ارحلوا يا مسيحيينا وخذوا معكم كل آثار وجثامين جبران جبران وسركون بولص وبدوي الجبل وأنستاس الكرملي ويوسف الصائغ وسعدي المالح وابناء تقلا واليازجي والبستاني والأخطل الصغير. كما خذوا معكم جامعاتكم ومستشفياتكم واغلقوا إرسالياتكم، وحتى ميخائيل نعيمة لسنا بحاجة له ولا تنسوا مي زيادة وابناء معلوف وصروف وابناء غالي وزيدان والخازن وبسترس وثابت والسكاكيني، فهؤلاء جميعا ليسوا منا ولسنا منهم.
نعم ارتحلوا عنا فإننا نريد العودة إلى صحارينا، فقد اشتقنا إلى سيوفنا واتربتنا ودوابنا، ولسنا بحاجة لكم ولا لحضارتكم ولا لمساهماتكم اللغوية والشعرية، فلدينا ما يغنينا عنكم من جماعات وقتلة وسفاكي دماء.
اغربوا ايها المسيحيون عنا بثقافتكم، فقد استبدلنا بها ثقافة حفر القبور!
أحمد الصراف
موسوعة المستيري والإخوان
قررت في بداية رمضان التفرغ للبحث في تاريخ حركة الإخوان المسلمين، التي قام بتأسيسها حسن البنا، ولو أن بعض المؤرخين يشككون في ذلك. وكان غرضي الإحاطة، قدر الإمكان، بأهداف التنظيم وما اتبع من وسائل، على مدى ثلاثة أرباع القرن، للوصول لما وصل إليه من تغلغل في مختلف المجتمعات الغربية والعربية، وبالذات الخليجية. وكيف كونوا امبراطوريتهم المالية والاستثمارية، والتي حولت الكثير من أعضاء التنظيم شبه المعدمين إلى أصحاب ثروات طائلة، وسياسيين كبار. ثم تذكرت، وأنا غارق بين عشرات المجلدات والمراجع والمقالات السابقة التي كتبتها أو كتبها غيري عن تاريخ حركة الإخوان المسلمين الإجرامية، الجهد الهائل الذي بذله المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المستيري في وضع الموسوعة اليهودية التي تعلقت بكل جوانب التاريخ العبراني، اليهودي، فى العالم القديم، وتاريخ الجماعات اليهودية على امتداد العالم، وتعدادهم وأماكن تواجدهم، وهياكلهم التنظيمية، وعلاقاتهم بالمجتمعات التي تواجدوا، ويتواجدون فيها، وما تعرضوا له، خلال تاريخهم الطويل الممتد لآلاف السنين، من كراهية واضطهاد وتشريد، إضافة إلى التطرق لفرقهم وكتبهم الدينية، وطقوسهم وشعائرهم وقياداتهم التاريخية، وأزماتهم مع مختلف الأنظمة الحاكمة، والدور التخريبي الذي كان لهم في أكثر من بلد ومجتمع! تذكرت ما بذله المستيري من جهد، على مدى ربع قرن، وبمساعدة فعالة من جهود عشرات المساعدين، وتبين لي، وأنا في خضم كل هذا البحر من المعلومات، ليس فقط مدى التشابه بين الحركتين، الصهيونية والإخوانية، وما استفادته الثانية من الأولى، وكيف نجحت في تحقيق نصف حلمها، من خلال اتباع الوسائل الصهيونية نفسها، في إيجاد دولتهم المزعومة، وهو الحلم الذي جر على العرب والمسلمين، طوال السنوات الخمسين الماضية، ويلات ومصائب وانقلابات عسكرية واغتيالات سياسية ومؤامرات لا تعد ولا تحصى، تبين لي أن الموضوع يحتاج الى عمل موسوعي لست بقادر عليه في وضعي الحالي، ويحتاج الى تفرغ كامل لسنوات طوال لا أعتقد انني سأعيشها، خصوصا ان الأخطبوط المالي للإخوان لم يكتف بالاستحواذ على آلاف المشاريع في الدول الخليجية وفي عشرات الدول الأوروبية والغربية، بل وقام بتسجيل تلك الاستثمارات باسماء شركات «أوف شور» او من المنتمين لها، ويصعب على فرد مثلي تتبع مصادر اموالهم، خصوصا أن عددا من كبار زعماء الإخوان، في الكويت على الأقل، يمتلكون حصصا مؤثرة في عدد كبير من الشركات التجارية والمصارف المسماة بالإسلامية، والمشاريع الاستثمارية الضخمة، وليس هناك خط يفصل بين ملكياتهم الخاصة وأموال التنظيم. كما أن أموال التنظيم المحلي والعالمي، التي تقدر بأكثر من 15 مليار دولار، تدر على من يديرها ارباحا طائلة. كما أن ما شجعني اكثر على وقف مشروع البحث في تاريخ الإخوان المظلم، وجرائم بعض أعضائه، ما صرحت به اخيرا وزيرة الشؤون، عن عدم وجود نية لدى الحكومة، لحل جمعيتهم، الذراع المحلية لحركة الإخوان المسلمين التابعة للتنظيم العالمي، بالرغم من كل ما عليها من مآخذ.
أحمد الصراف
من يكلم من؟!
“>من الأفضل أن أسير منفردا، عن أن أكون مع جموع غفيرة تسير في الاتجاه الخاطئ!
***
نصح وزير الإعلام والشباب، نصح الشباب، بما يشبه التحذير، بقراءة ما يحدث في دول الجوار. وقال ذلك في سعيه لحثهم على الامتناع عن التظاهر والتجمع! وهذا جميل، ولكن لماذا لا يقوم معاليه، أو سعادته، وزملاؤه الوزراء وتاليا رئيس الحكومة بقراءة ما حدث في دول كثيرة في العالم، بما في ذلك دول الجوار، بدلا من الاكتفاء بمخاطبة الشباب؟ فمن الصعب جدا تجاهل أو التقليل من أهمية وخطورة الأسباب التي دفعت الامور لحالة الهيجان والغضب التي سادت شوارع الكويت مؤخرا، والتي لا تعود أسبابها إلى حبس النائب السابق مسلم البراك، بل لحالة التسيب وعدم الحزم في تطبيق القوانين، ورفض الاقتصاص ومحاسبة المفسدين وسراق المال العام! فعملية حبس النائب السابق لم تكن إلا القشة التي اشعلت نيران تلك العاصفة. ولو كانت الحكومة، أو السلطة جادة في محاسبة المفسدين لما كان هناك صوت مسلم، ولا غيره مرتفعا، ولا حتى كان هناك مسلم أو غيره، فهذا الرجل، بما كسبه ويكسبه من زخم سياسي لا يعود حتما لعدالة ما يطالب به، بل لما وفرته الحكومة، له ولغيره، من أسباب الخراب، هذا غير تردي أدائها، وانتشار الفساد السياسي الذي سمح بالتغاضي حتى عن شراء ذمم بعض نواب المجلس ومشرعي الأمة بملايين الدنانير المسروقة من المال العام، فأي فضيحة أو مصيبة اكبر من هذه؟
وبالتالي، نعتقد أن تحذير معالي وزير الشباب يجب ان يتجه لشخصه ولشخص زملائه، ورئيس الحكومة، قبل اتجاهه للحراك الشعبي الذي لسنا من مؤيديه حتما، ولكننا نتفهم الكثير من دوافعه، ولسنا بغافلين عن السيرة المشبوهة للبعض ممن يقفون وراء هذا الحراك. كما لا يفوتنا هنا التذكير بأن وزير الشباب لم يفعل شيئا للشباب، منذ ان تولى منصبه وأصبح وزيرا لهم. فحالة السئم التي يعيشونها، والفراغ الذي يعانونه، واليأس من اصلاح الأوضاع في تزايد مستمر، وليس في الأفق أي خطط لجعل حياتهم أكثر إشراقة وأكثر إبداعا، فالحكومة كما لو كانت ضد كل إبداع شبابي أو ثقافي، في غمرة انشغالها بكل ما يضيق الخلق ويسد النفس.
نعم الكويت ليست سوريا ولا العراق ولا اليمن أو ليبيا، ولكننا لسنا بعيدين عن أن نكون من السائرين نحو نفقها المظلم نفسه! وقد تكون أحوالنا اليوم، كما يقول البعض، في خير ونعمة، ولكن هذا الخير وتلك النعمة كانا يوما ما موجودين في مصر والعراق وسوريا وليبيا وحتى اليمن، ولكن بفضل السياسات الفاشلة، والنهج الديكتاتوري في تلك البلدان، فقدت تلك النعمة واضاعت تلك الرفاهية وغاب الخير من حياتها، فهل نتعظ ونعرف كيف نخاطب انفسنا ونعدل أوضاعنا قبل ان نخاطب الآخرين وننصحهم، ونطالبهم بضبط النفس.
ملاحظة: يقول الحكيم الإنكليزي: إنني لم اقتل إنسانا من قبل، ولكني قرأت، بسعادة بالغة، كثيرا من كلمات الرثاء.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
أتاتورك الأول ومحمد السادس
كتب الراحل عبدالله القصيمي قبل نصف قرن: كل الأمم عرضت تاريخها إلى النقد إلا بني يعرب. كل الأمم نزعت القداسة عن تراثها إلا بني يعرب. كل الأمم تتطلع إلى مستقبل يقطع مع مساوئ ماضيها إلا بني يعرب، فهم يرون مستقبلهم في عودة الماضي. كل الأمم ترى أن الدين لله والوطن للجميع إلا بني يعرب. كل الأمم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين إلا بني يعرب. كل الأمم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المرأة إلا بني يعرب، يؤسسون ثقافة القبور وغسل الموتى وتغليف المرأة.
كل الشعوب تلد أجيالا جديدة إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا.. إلخ.
أصدر ملك المغرب أمرا منع بموجبه أئمة المساجد وخطباءها، وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط ديني أو سياسي، أو اتخاذ مواقف سياسية أو حتى نقابية، ومنعهم من القيام بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، لأن تدخلهم في هذه الأمور سيخلّ بالطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء الواجب في الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين. كما منعهم من مزاولة أي نشاط مدر للمال في القطاع الحكومي أو الخاص، إلا بترخيص من الحكومة، مع استثناء الأعمال العلمية والفكرية والإبداعية، شريطة ألا تتعارض مع طبيعة مهامهم كرجال دين.
ولو نظرنا إلى حالنا في الكويت لرأينا أن الكثير من رجال الدين، وأئمة مساجد ودعاة ومتعصبين، أصبحوا نوابا في البرلمان والمجلس البلدي، وحتى وزراء، وحقق الكثير منهم، ومنهم صاحب «كبت أمه»، ثروات كبيرة، كما حقق ويحقق عدد من رجال الدين مبالغ كبيرة من مساهماتهم في «اللجان الشرعية» أو التبريرية، وكل هذا يمكن تجاوزه لولا الدور الشرير الذي لعبه الكثيرون منهم في إثارة مشاعر أتباعهم ضد الآخرين، واللعب على الخلافات الدينية والمذهبية والاستفادة منها. ولن نتجنى لو قلنا إن الكم الأكبر من مشاكلنا السياسية ومن خلافاتنا السياسية كانت نتيجة الجهل وعدم معرفة الآخر، وهذا ينطبق على غالبية رجال الدين، ولأي مذهب انتموا.
وقد قام الزعيم التركي الكبير مصطفى كمال أتاتورك في ثلاثينات القرن الماضي، بفرض استخدام الأحرف اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلا من الأحرف العربية، التي اعتاد الأتراك العثمانيون على استخدامها على مدى 600 عام، ونحن في الكويت لا نستطيع حتى اليوم تغيير حرف في المناهج المدرسية السيئة التي خرجت لنا، على مدى السنوات العشرين او الثلاثين الماضية، أسوأ مستوى تعليمي يمكن تخيله في دولة بدأت علمانية وانتهت دينية تقريبا، دون أن يشعر أحد بالتغيير أو التبديل.
أحمد الصراف
خليفة القنوع
“>امتلك خليفة وأدار باقتدار شركة ناجحة مع شريك عربي، وبعد استقرار أعمال الشركة ورسوخ اقدامها، شعر بأن الوقت قد حان ليرتاح على طريقته، وهنا سافر إلى اميركا، واختار ولاية جميلة، اشترى فيها فندقا متوسط الحجم، يقع على منظر خليج خلاب، وشغل لنفسه الطابق الأخير منه، مستفيدا من خدمات الفندق في التنظيف والطعام وكي الملابس وغيرها.
كان خليفة يحن بين الوقت والآخر لوطنه واهله، فيعود لهم لفترة قصيرة، ولكن مع الوقت أصبح اقل شوقا لهم وأكثر تعلقا بأصدقاء طفولته الذين يأنس بهم، والذين لم تدفعه ظروف الغربة لنسيانهم وتعويضهم بأصدقاء أميركيين أو غيرهم، ولهذا كان يقوم بين الفترة والأخرى بدعوة البعض منهم، حيث يقيم، وغالبا ما كان يتكفل بتغطية كامل مصاريف حلهم وترحالهم. وفي أحد ايام الصيف الحارة والمغبرة في الكويت، تلقى جمع من اصدقائه دعوة جماعية للانضمام له في منتجعه، فلبوا الدعوة من دون تردد، وغادروا الكويت في طائرة واحدة، وما ان استقروا في سكنه الوثير حتى بادره أحدهم بالقول: يا خليفة، لقد أطلت المكوث في أميركا كثيرا، الا تنوي العودة لوطنك واهلك؟ فرد قائلا بأنه سعيد حيث هو، بعيدا عن اخبار الوطن و«المغثة»، وهو يشعر أنه أدى واجبه، وليس لأحد فضل عليه، وصحبه وأهله دائمو الزيارة له! فقال هذا: ولكن ماذا عن «حلالك»؟ اي أموالك وشركاتك، فقال ان كل شيء بخير ويعمل جيدا، وهنا بادره صديقه بمفاجأة لم يتوقعها، حيث قال له ان شريكه، الوافد العربي، يسرقه، وأن الكثيرين في الكويت يعلمون بأمره، فحياة البذخ التي يعيشها لا يمكن تفسيرها. وهنا نظر خليفة لصديقه، دون أن تتحرك عضلة في وجهه، وسأله بهدوء: هل أنت متأكد من ذلك؟ فرد صديقه بأنه متأكد وان ابنه، الذي يعمل مفتشا في جهة حكومية، أخبره بذلك! فأعاد السؤال عليه، إن كان على ثقة بأن اتهامه صحيح، فرد هذا بهزات قوية من رأسه، تكهرب الجو وسكت الجميع مبهورين من قيام أحدهم باتهام شريك مضيفهم بالسرقة، وكيف انه غافل بما يجري وراءه، هذا غير ما يعنيه ذلك من عدم اكتراث وقلة حرص على ماله. وهنا رفع خليفة سماعة الهاتف، وهو يقول بصوت حازم: سأريكم ما أنا فاعل به. أدار القرص على رقم شريكه في الكويت، وبعد لحظات جاء صوته على الطرف الآخر مُرحبا، وبعد السؤال وكلمات المجاملة، قال المضيف لشريكه: يا «أبو فلان» حوّل لحسابي في بنك أوف اميركا 250 الف دولار اليوم، شكرا مع السلامة!
وهنا بهت الجميع من الطريقة التي انهى بها خليفة المكالمة دون عتاب أو اتهام، أو حتى تلميح! فنظر لهم قائلا، وهم فاغرو الأفواه، انا هنا اعيش في مكان كالجنة وحولي كل ما احب واشتهي وارغب، والطقس جميل والرفقة رائعة والكدر معدوم، وشريكي يعمل ويعاني ويكد في درجة حرارة تقارب الستين والغبار من حوله والكدر بداخله، فمن الذي يسرق الآخر، هل هو الذي يسرق مالي، على افتراض أن الاتهام صحيح، أم انا الذي أسرق صحته وعافيته ووقته، لكي يمول راحتي ومتعتي؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
حلم جهاد
ورد في مقال للكاتب الأردني جهاد علاونة، الحوار المتمدن 6/4، أنه طالما حلم بوجود مستوطنة أو قرية تكون فيها بيوت ذات أبواب مشرعة يسكنها طالبو السماح والغفران، يسكنها طالبو السلام مع الآخرين، سواء أكانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين، وغيرهم. وتمنى في مقاله أن يرى كل هؤلاء جيراناً متحابين، عاشقين للسلام والغفران، متمنين أن يعم ذلك العالم كله، فلا أسوار عالية ولا أسلاك شائكة، ولا تدقيق هويات، ولا تحديد بصمات. وتساءل في مقاله: أين هم أولئك الذين يطلبون المحبة من الله ومن الناس؟ أين هم الودعاءُ والرحماءُ الذين يحبون أن يرحمهم الله؟ أين هي تلك البيوت المفتوحة أبوابها وأسقفها لأشعة الشمس؟ أين هي القلوب التي ترق لكلمة السلام؟ أين هي العيون التي تدمع لسماع تحية السلام؟ أين هم الباحثون عن الغفران والمحبة والتسامح؟ أين هم الناشطون في عملية السلام؟ لماذا لا يبنون لنا بيوتا يكون اسمها: بيوت الباحثين عن السلام؟ أين هي تلك البيوت التي تباركها أنشطة السلام؟ لماذا نبني مساجد للعبادة لا يذكر فيها اسم المحبة والسلام؟ لماذا لا ننفق الملايين لنبني قرى صغيرة يسكنها اليهود والمسلمون جنبا إلى جنب كجيران متحابين، يتوقون لسماع كلمة المحبة والسلام العالمي. نحن بحاجة الى أن نجرب، أن نعيش سوية في قرية واحدة أو حارة واحدة، نخاف على بعضنا، وتهفو قلوبنا إلى قلوب بعض، نحزن لحزن بعضنا بعضا، ونبكي لبكائهم ونتألم من أجلهم بعضنا.
ولكن الكاتب تناسى أن من بيدهم فعل ذلك سيكونون اكبر الخاسرين من مشروعه، فرجال الدين والسياسة تكمن فائدتهم، وتقوى شوكتهم، ويشتد الطلب عليهم بوجود الاختلافات بين المجتمعات والدول والشعوب والأمم. فشركات الإعلان العالمية مثلا ستبذل المستحيل لكي لا تتحد جهود كل شركات صنع السجائر أو منتجي المشروبات الروحية أو الغازية، فاتحاد هؤلاء وغيرهم من أصحاب العلامات العالمية يعني خسارة عملاء كبار، ففائدتهم الكبرى وقوتهم العظمى تكمنان في اختلافهم وليس في اتحادهم.
وهكذا رجال الدين والسياسة فإن عم السلام وانتشرت المحبة فإن دورهم سيقتصر على وظيفتهم الأولى والأصلية، وهي إدارة الدولة أو الدعوة للعبادة، وحل قضايا البشر الاجتماعية والشرعية وحضور زواجهم ومآتمهم، وتنفيذ المشاريع وتحصيل الضرائب وغيرها، وليس اللعب على مشاعر البشر والاستفادة من اختلافاتهم، وبث الخوف من هذه الفئة للحصول على أصوات غيرها، وتأجيج النفوس وشحن العواطف وبث كراهية الآخر، ونشر الضغينة، والتكسب الكبير من الاختلاف بين فئات المجتمع.
أحمد الصراف
داعش.. وأتباع قيم الإخوان
“>في عام 1960 قام المخرج الإيطالي فلييني بإنتاج فيلم La Dolce vita، تمثيل انيتا ايكبرغ ومارشيليو ماستروياني، والذي أصبح اسمه رمزا عالميا عن الاستمتاع بحياة اللهو والملذات. ثم جاءت الصحافية الإيطالية الراحلة أوريانا فيلاتشي بعدها بنصف قرن، والتي كانت تتعاطف مع قضايانا، لتصفنا، وبكل بدقة، وبعد أن كفرت بنا وبقضايانا، بأننا شعوب لا تعرف كيف تستمتع بـ «الدوتشي فيتا، أو الحياة الحلوة».. إلا بين القبور!
فما قامت به عصابات طالبان على مدى عقدين من الزمن وما تقوم به العصابات الإرهابية في مدن باكستان وقرى نيجيريا، وما اقترفته وتقترفه قوى الجهل والتخلف في سوريا والعراق واليمن وغيرها من همج داعش والقاعدة والتي خرجت جميعها من رحم الإخوان السيئ، وتغذت على «مبادئها»، خير دليل على أننا لا نعرف من الحياة شيئا غير القتل والحرق والتدمير، معتقدين أن هذا ما سيوقع الخوف والرعب في قلوب «أعدائنا»، وهذا ما حدث بالفعل، فقد «خاف» العالم منا وابتعد، وتركنا نقتل ونذبح ويجز بعضنا رقاب بعض بكل غباء، ونحرق بيوتنا ونخرب حقولنا وننسف ما تبقى من مصانعنا، ونهجر النخبة من مواطنينا، ونعيث في كل أرض عربية أو مسلمة تطأها اقدامنا فسادا لم يسبق له مثيل.
إن داعش ليست حركة صهيونية ولا طابورا استعماريا خامسا، بل هي منا وفينا، وهم ليسوا مرتزقة، فمن يعمل من أجل المال لا يفجر نفسه بين الآخرين، بل هم في غالبيتهم من «سابق» خيرة شباب هذه الأمة، الذين تركوا «الدولتشي فيتا» وراءهم، وزحفوا للتخلص من أعدائهم من أتباع الطوائف الأخرى، الذين شحن «علماؤهم» رؤوسهم بأنهم الأعداء الحقيقيون وليس إسرائيل أو بريطانيا أو أميركا، بل العدو هو الجار والصديق والصهر، خاصة إن كان يتبع مذهبا مختلفا!
ان داعش هي نتائج مناهجنا ونتاج تربيتنا ونتاج إعلامنا الذي طالما زين لهم القتل وسهل لهم الذبح وتكفير الجميع. فقيم داعش وغيرها مستمدة من أفكار متخلفة، سواء إخوانية أو سلفية، وليس فيها جديد، بل الجديد كان الحدة في التطبيق، وهو أمر كان متوقعا في ظل كل ذلك الشحن الطائفي، فكما خرجت طالبان من تحت عباءة آلاف المدارس الدينية في باكستان وزحف طلابها على بلادهم واحتلوها، بعد أن أوقعوا الرعب في قلوب مواطنيهم، فإن داعش أيضا خرجت من تحت عباءة عشرات آلاف المدارس الدينية، ومراكز التحفيظ، الحكومية والخاصة، التي يسيطر عليها الإخوان وعلماء دين متشددون، المنتشرة في طول وعرض جميع دول المنطقة. فاليوم داعش، وبسكوتنا وعدم فعل شيء جذري في ما يتعلق بمناهجنا، سيكون هناك غدا مئة داعش!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com