قصة كالخيال ولا يمكن أن تحدث إلا في الدول المتخلفة، كالكويت. فقد جاءها رجل من خارجها، كمئات الآلاف غيره، وتزوج كويتية ورزق منها بطفل. عرف الطفل الحياة مبكرا أن استغلال الدين هو الطريق الأقصر للنجاح، فسلكه، بعد أن اطال لحيته وتخلص من عقاله وارتدى شماغا أحمر وقصر جلبابه (دشداشته)، وحفظ بضع سور وأحاديث لزوم الشغل! وخلال فترة قصيرة نجح في الحصول على جنسية الدولة، التي عجز مئات آلاف المهندسين والأطباء والخبراء في الحصول عليها، وحدث ذلك على الرغم من تواضع علمه، وصدور حكم عليه بقتل مريض نتيجة الضرب المبرح، لإخراج الجن منه. وما ان اشتهر كداعية وإمام مسجد حتى فتحت أبواب وسائل الإعلام أمامه، فأصبح بين يوم وليلة ملء السمع والبصر من خلال زواياه الصحافية وبرامجه التلفزيونية، وأخذت الدول تستضيفه، وكأنه نجم نزل من السماء وانهالت عليه التبرعات والمساعدات والمخصصات، واصبح يستقبل كرؤساء الدول في زياراته الخارجية، واليوتيوب شاهد على كل ذلك. نعم، فقط في دول التخلف يستطيع المتخصص في إخراج الجن من الأجساد الوصول الى هذه المرتبة العالية.. سريعا. وفجأة قررت جهة ما اسدال الستار على هذه الأسطورة، الفارغة من الداخل والخارج، ليس لما اقترفت يداه، ولا بسبب سجله الإجرامي أو سيرته غير العطرة، بل لتطاوله على من أنعموا عليه بإساءته لهم ولسمعة وطن طالما احتضنه وآواه ومنحه جنسيته! ولكن الحق ليس عليه ولا يلام على طيشه، بل الحق على من «رزه» وكبّره ورعاه، وبالتالي يجب ألا ينتهي ملفه قبل أن نعرف من الذي سعى وتوسط له، ومن الذي رعاه ومنحه شرف المواطنة، على الرغم من سجله الإجرامي، وهو الذي لم يكن يمتلك يوما فلسا أحمر! الغريب في الأمر أن عددا كبيرا من «النشطاء» السياسيين وعددا اقل بكثير من جماعته «السابقين» اشادوا بخدماته و«جليل أعماله»، وفضل غالبية الدعاة الصمت لكي لا تصل شفرة الحلاقة نفسها الى ذقونهم! وهنا أتمنى أن يدلني أحد على خدمات «البلبل» الجليلة التي قدمها لوطنه غير الخراب وإفساد عقول الشباب ودفعهم الى المشاركة في حروب المنطقة العبثية، لكي ينتهي بهم قتلى أو مشردين على الحدود أو سجناء معتقلات لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية، ليختار هو بعد ذلك الجلوس بين أبنائه لينعم وإياهم بما كسبت يداه من مال ملطخ بدماء الأبرياء الذين غرر بهم! • ملاحظة: قصة هذا الرجل بينت صحة كل ما كنا، ولا نزال، ننادي به من خطورة السماح باستخدام الدين كوسيلة تحقيق نجاح وثراء، وخطورة إعطاء من يستخدمونه هالة أو أهمية اكثر مما يستحقون! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
التصنيف: احمد الصراف - كلام الناس
إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]
التناقض في المواقف
كتبت الصديقة إلهام الحلو تقول إننا لا يمكن أن نطلب من المضطهَد أن ينفعل ويستنكر اضطهاداً يتعرّض له آخرون، إن كان هو متبلّد المشاعر، بعد الخضوع الطويل للعنف والظلم. فشعوبنا تمرّ على المجازر والتصفيات والإذلال والإهانات، وتعبرها وكأنها أمور عادية من يوميّات لا تستحق أي ردّ فعل، أو حتى الاستنكار، وإن حصل الاستنكار فإنه يبقى «موسميّاً» وسريعاً، من باب «رفع العتب»، لا هو صادق ولا بجدي، ولا يستدعي أي معالجة. وبالتالي فإن العربي المسلم، وغير المسلم أيضاً، المقهور والمصادرة حقوقه وحريّاته وكرامته، لا يجد في الظلم، سواء تعرّض له هو أو غيره، أمراً غريباً! ألم تباد قرى كردية في زمن صدام؟ فماذا فعل بقية العراقيين؟ ألم تُطحَن مدينة حماة أكثر من مرة؟ فماذا فعل غالبية السوريين؟ وتقول الصديقة الأخرى وفاء سلطان إن إجازتها لم تنته. كما كانت تريد، فعويل النساء في غزّة قضَّ مضجعها، وزاد من غيظها على أمة منكوبة في عقلها وضميرها وأخلاقها. فحماس، باختصار شديد، إفراز ديني لا يرقى إلى مستوى حكومة بإمكانها أن تواجه مسؤولياتها تجاه شعبها بحكمة! وانها لا تقول ذلك دفاعا عن «اسرائيل»، علما بأن تاريخهم لم يعرف قائدا عسكريا يهوديا واحدا، أما المسلمون إن لم يجدوا عدوّاً يقاتلونه، صنعوا من أنفسهم ذلك العدو! وتتساءل: هل تستطيع أمة تقنع رجالها منذ نعومة أظافرهم بأن «يَقتل أو يُقتل» كي يكسبوا الآخرة؟ هل تستطيع أن تعلمهم في الوقت نفسه أن يؤمنوا بالحياة كقيمة وأن يقدّروا تلك القيمة؟ فبالرغم من أن ما يردها من رسائل تتضمن أسئلة عن قضايا مصيرية شتى، كرأيها في ما يحصل في غزة، فإنه لا أحد سألها مرة عن رأيها في ربع مليون جزائري قُتلوا على أيدي أبناء جلدتهم بأبشع الطرق الهمجية، وكيف كانت النساء العربيات المسلمات يتعرّضن للاغتصاب من قبل الجماعات الإسلامية على أصوات التكبير، فلماذا يسألونها الآن عن رأيها في أحداث غزة؟! وعندما قتل أكثر من 20 ألف مواطن سوري، بسبب أفعال الإخوان المسلمين، وردود فعل السلطات السورية عليهم، لم يتفضّل قارئ مسلم واحد بسؤالها عن رأيها حيال تلك الجرائم! وعندما حدثت التفجيرات في فنادق الأردن، وقتلت بشراً يحتفلون بعرس، فإن قارئا مسلما واحدا لم يحاول معرفة رأيها! وعندما هاجم إرهابيون قرية الكشح المصرية وقتلوا 21 فلاحاً قبطياً، لم تحرك الحكومة المصرية ساكناً ولم يسألها مسلم عن رأيها بتلك المجزرة. وعندما دفن صدّام حسين أكثر من 300 ألف عراقي أحياء، ناهيك عن الذين حرقهم بالسموم الكيماوية، لم يتجرّأ مسلم واحد على سؤالها، أو احتج الباقون على أفعال رئيسهم! وعندما قتلت حماس، قبل أشهر قليلة، أحد عشر شخصا من عائلة واحدة بحجة أنهم ينتمون إلى فتح، لم تتلقَّ سؤالاً من قارئ يشكّ في أخلاقية تلك الجريمة! وبالتالي تبين أنه لا قيمة للحياة عندنا، فنحن نولول على ضحايا غزة، ليس من منطلق الحزن، أو احتراماً لأرواح الضحايا، وإنّما من منطق استنكارنا فقط لهوية القاتل! فلو كان القاتل «حماس» أو «فتح» أو أي مسؤول مسلم، لكان الأمر لدى أيّ مسلم عاديّاً للغاية! وهذا صحيح، فنحن مثلا لا نتردد في انتقاد أوضاع دولنا، ولكن نشعر بالضيق إن فعل الآخرون ذلك! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
أشياء صديقي العشرة
“>يقول صديقي انه يعتقد، ومن واقع قراءاته وما عرفه من حكيم، أن هناك عشرة أشياء في الحياة لا يمكن شراؤها بالمال، مثل التصرف الحسن والأخلاق والاحترام والشخصية القوية والثقة والمصداقية واللباقة والحس السليم، وأخيرا الحب!
فقلت له انه وحكيمه مخطئان، فقد تغير الزمن وتغيرت مفاهيم كثيرة في الحياة، وأصبح ما يرتديه المشاهير هو الموضة، ولو كان أسمالا بالية، كما نرى في بناطيل الجينز الممزقة. كما أن لوسائل الإعلام سطوتها في تغيير الكثير من المفاهيم الراسخة وجعلها منبوذة أو محبوبة، إن من خلال رسائلها الموجهة لأغراض معينة أو من خلال سيل الإعلانات التجارية التي خلقت ورسخت أنماط معيشة تختلف كثيرا عما كنا نعرف. ولو جلس قوم في حضرة دكتاتور واسع الثراء، يطلب الشيء فيكون، يسجن ويعفو، ويحكم بالموت والصلب، ويثري من يشاء بالملايين، فما الذي سيكون عليه رد فعل من هم حوله ان صدر عن ذلك الزعيم تصرف سيئ أو غبي؟ هل سيعترضون أم انهم سيغضون النظر، وكأن شيئا لم يكن؟ وهل لو «تريع» صاحبنا «أو تجشأ» بصوت عال ومقرف سيبدي الذين حوله امتعاضهم من تصرفه أم سيتصرفون، وكأنهم لم يسمعوا شيئا، وربما سيضحك بعضهم بهبل ويتجشؤون مثله؟ وهل هناك حقا من سيهتم بمدى مصداقية اثرياء مثل بل غيتس أو وارن بوفيت أو كارلوس سليم أو لباقتهم أو حسهم السليم، خاصة ان كانوا من العاملين معهم؟ ولو كنا في حضرة ممثلة مثل انجلينا جولي، فهل سنكترث حقا بعدم إلمامها بإتيكيت تناول الطعام؟ لا طبعا، بل سنكتفي بان نكون معها! فغالبية البشر، إن لم يكن جميعهم، سيتجاوزون مثل هذه الأمور لباقة، أدبا أو خوفا من الأذى، أو تجنبا لجرح مشاعر الآخر. وبالتالي من كل ذلك نجد أن الحب هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن شراؤه بكل ذهب الدنيا.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
داعش والمناهج
“>الدولة المسماة بالإسلامية في العراق والشام ليست المحاولة الأولى، ولن تكون حتما الأخيرة في مسلسل إقامة خلافة تهيمن على كل مسلمي العالم، أو العرب على الأقل. وهذه المحاولات لم تأت من فراغ، بل هي تحقيق لتنبؤات ونصوص دينية تبشر بقيام الخلافة يوما، ومن مات دون أن يبايع فقد مات موتة جاهلية، والبيعة لا تكون إلا للخليفة. ولو نظرنا لمناهج مئات آلاف المدارس، وفي أي دولة إسلامية كنت، لوجدناها تزخر بالمواد المتعلقة بالخلافة وتاريخها وضرورة قيامها. كما تدور في الوقت نفسه، ومنذ عقود عدة، مناقشات صاخبة في اروقة «كليات» الشريعة عن شكل دولة الخلافة وشروط قيامها وطريقة إدارتها، وبالتالي من السذاجة القول إن قيام دولة داعش كان مفاجئا للبعض!
لست معنيا هنا بمن يقف وراء هذه الدولة، وإن كانت صنيعة صهيونية إمبريالية تمولها «السي آي أيه»، أو «الكي جي بي»، أو حتى مخابرات جيبوتي، فهذا لن يغير من حقيقة أن الجهل الذي زرعناه في مناهجنا على مدى نصف قرن نحن الآن بصدد حصاد ثماره. فإن كانت داعش حركة نقية تنطلق من ذات القائمين عليها، أو كانت صنيعة دولة ما، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن هناك عشرات آلاف الشباب الجاهزين للقتال في صفوفها، واضعاف اضعافهم الذين لن يبخلوا بالمال في سبيل نجاحها في تطبيق منهاجها، كما يعتقدون!
وبالتالي على حكومات الدول العربية إما «مسايرة» داعش، والسير في ركابها، وبالتالي الاندماج الطوعي فيها، أو أن تباشر فورا بتعديل مناهج المدارس وإغلاق كليات الشريعة، فهي بدعة وتقليد لنظام تدريس اللاهوت، والعمل على جعل تدريس مادة الدين كعقيدة دينية، وليس كأداة لتكفير الآخر، وبث الرعب في النفوس، وتحضير الأمة ليوم الخلاص العظيم.
أقول ذلك وأنا على ثقة بأن دولة الخلافة الجديدة في الموصل إلى انهيار وفشل حتمي، وستكون نهايتها من داخلها أو على يد التنظيمات الدينية الأخرى المخالفة لها، والمشكلة هي في الثمن، المادي والمعنوي، الذي سيدفع لإنهاء هذا الوضع الشاذ. فكما هو معروف ليس هناك اتفاق بين رجال دين هذه التنظيمات الداعية لإقامة الخلافة، والتي تعود جميعها لحركة الإخوان، على تعريف محدد لما تعنيه الدولة الإسلامية، ولا على حدودها، ولا على موقفها من مواضع الشورى والاتفاقيات الدولية والعلاقة مع الدول العظمى وإسرائيل وإيران والعراق وغيرها، وهكذا، وما يعنيه ذلك من أن الدولة الجديدة عليها إما أن تتلون وتتغير وتهادن، وبالتالي تفقد كل ما يجعلها حركة «نقية» في عيون مناصريها، أو أن تبقى دون تغيير وتقضي ايامها في حرب مع كل من يعاديها.
المهم هنا أن السكوت عن هذه الدولة المسخ الجديدة يعني أن موقف الحكومات الإسلامية منها سيكون محل تساؤل.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
نعم.. نحن «داعش»!
“>لم أتوقف يوما عن التحذير من قدوم «داعش»، أو ما يماثلها، فعلت ذلك لعشرين عاما، وطالبت بحظر الجمعيات المسماة بالخيرية، وبتعديل المناهج وإسكات المتطرفين من الدعاة، وبمراقبة مدارس التحفيظ وتجريم من يحارب في الخارج وغير ذلك، ولكن لم يستمع أو يلتفت أحد الى ما كتبت، فقد كانت الأمة بكاملها، إلا بضعة مستنيرين، ضد ما كتبت، او على الأقل على غير اتفاق مع «مبالغاتي»، فالدعاة لا يريدون غير الخير للمسلمين، وماذا عن غيرهم؟ وبالتالي استمرت الحكومة، ومعها الشعب المغلوب على أمره، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، بالتغاضي عن حقيقة خطورة الحركات الدينية على النسيج الاجتماعي وعلى أمن الوطن ككل. ولم تكتف الحكومة بذلك، بل استمرت في غض النظر عن كل مخالفات الجمعيات في جمع الأموال. وبالتالي يحق لنا القول إن من خلق «داعش» ليست المخابرات الغربية، بل سذاجة الأمة وجهل معظم حكوماتها، فمجرمو «داعش»، بعيدا عن قضية المؤامرة، يتصرفون وفقا لفهمهم للدين، الذي كان ضمن ما درس لهم في مدارسنا على مدى عقود، والذي لم يكن يسمى إرهابا، والدليل أنه، حتى اقل القوى الدينية السياسية تطرفا، لم تستنكر أفعال «داعش» من منطلق عدم صحتها، بل من طريقتها وتوقيتها.
وكتب الزميل سعد بن طفلة، وهو ما سبق أن رددناه على مدى عقدين، قائلا: إن «داعش» تعلمت في مدارسنا وصلّت في مساجدنا، واستمعت لإعلامنا، وتسمّرت أمام فضائياتنا، وأنصتت لمنابرنا، ونهلت من كتبنا، وأصغت لمراجعنا، وأطاعوا أمراءهم بيننا، واتبعوا فتاوى من لدنا. هذه الحقيقة التي لا نستطيع إنكارها، وهي لم تأت من كوكب آخر، ولا هي بخريجة مدارس الغرب الكافر أو الشرق الغابر، وإن كان بعضهم يحمل جنسية كافرة، ولكن تعبئتهم الفكرية والدموية أتت من بعض مشايخنا وأغلب مناهجنا ومناهلنا الدينية السياسية. وجغرافية مناهجنا ترسم لهم خرائط الوهم عن أمة كانت لا تعترف بحدود جغرافية ولا واقعية سياسية، فلماذا نستغرب إزالتهم للحدود وعدم اعترافهم بها؟
لا يهمهم المستقبل ولا يستقرئون خرائطه وتوقعاته بشكل علمي، فلقد اختصر له بعض أصحاب الفتاوى أن تفجير نفسه بالكفار سوف تختزل له المستقبل وتطير به في أحضان الحور. فلماذا نتعجب من معاملتهم للمسيحيين وفرض الجزية عليهم؟ أوليس هذا قانون البعض؟ وهل هناك بين وسطيينا من ينكر ما قاموا بفعله ضد مسيحيي الموصل من حيث المبدأ؟ أم أنهم ينكرون ذلك من حيث التوقيت؟
ان «داعش» هي إعلان إفلاسنا كفكر وساسة ومثقفين ورجال دين وإعلام ومناهج ومدارس وتعليم، هي إعلان شهادة وفاة كل محاولات إقامة الدولة المدنية العصرية التي يختلط فيها الدين مع السياسة، هي الدليل القاطع على أننا سنراوح في مكاننا ولن نلحق بالأمم ما دمنا نعلم أطفالنا في المدارس الغيبيات والطبيعيات في آن واحد، لنخلق جيلا منفصم الشخصية معزولا عن الواقع ومبهورا بتقدم الأمم.
باختصار، نحن جميعا «داعش»، نحن الذين خلقناها وصنعناها وربيناها وعلمناها وجندناها وشحناها وعبأناها ثم وقفنا حيارى أمام أهوالها التي صنعناها بأيدينا!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
«داعش» والفكر الأصولي
“>بعيداً عن كلمات الإدانة والتكفير والشتم، يجب أن نعترف بأن كل ما يشاع ويقال ويكتب ويصرح به من أن حركة أو دولة أو إمارة داعش لا تمثل الإسلام الأصولي، وبعيدة عنه، كلام مرسل وغير صحيح. فمن منطلق تاريخي تمثل داعش المنهج الأصولي إلى حد كبير. والأصولية، بكل أدبياتها، هي المنبع الذي تنهل منه داعش، وغيرها من الحركات الدينية الراديكالية، كالإخوان والنصرة والقاعدة، أفكارها، والطريف أن هذه الأفكار بالذات هي سبب تفرقها في المقام الأول، بسبب تعدد تأويلات نصوصها تبعا لتغير مزاج وخلفية الأطراف المتنفذة في هذه التنظيمات، وخلفياتهم الدينية والتعليمية، ومصالحهم الشخصية وارتباطاتهم الدولية.
فالعنف الذي يمارسه قادة «داعش»، والإرهاب الذي يسبقهم قبل فتح أي مدينة، والمتمثل في حرق كل شيء وقتل حتى الحيوانات، لإلقاء الرعب في النفوس، هو من صميم الفكر المتطرف. كما أن تخيير مسيحيي المناطق التي تسيطر عليها «داعش» وغيرها في سوريا والعراق بين دفع الجزية أو التحول للدين ليس بدعة ولا هو بالأمر الجديد، وليس جريمة، كما يصف الأمر بعض «الاعتذاريين»، فهو أيضا من نتاج المنهج الأصولي، وليس فيه أي تعارض مع تعاليمهم. ولا يجوز هنا التعلل بأن الزمن قد تغير، فإن قبلنا بذلك فعلينا بنسف كل شيء له علاقة بالمنهج القديم.
والدليل على صحة تصرفات «داعش»، من منطلقات دينية بحتة، أن أياً من التنظيمات بغطاء ديني لم تقم بإدانة أي من أعمالها وتصرفاتها بشكل واضح وصريح، والاختلاف، إن وجد بينها وبين «داعش»، فهو في «التكتيك والتوقيت»، وليس في صحة التصرف. أو قد يكون التنديد، إن صح وصدر، من منطلق الخوف أكثر من اعتراضها من سوء التصرف أو التطبيق.
وبالتالي لا معنى للقول ان «داعش» تعمل لهذه الدولة أو تلك المنظمة السرية أو جهاز الموساد، فالحقيقة أن ما تنادي به «داعش» هو ما سبق أن نادت به، وفرضت على مناهج بعض الدول الإسلامية، وعلى مدى عقود طويلة من الزمن. وإن ذهبت «داعش» اليوم فسيكون هناك آخرون ستداعب فكرة تطبيق الدولة الإسلامية مخيلتهم، وسيبذلون جهدا هائلا لأن ترى النور. فالقضاء على «داعش» لا يكون فقط باستخدام السلاح، فهي إلى فناء وزوال حتمي، ولكن يجب أن يصاحب ذلك تغيير في بعض المناهج وتعديل العقليات وتهذيب النفوس وتقبل الآخر وفكرة العيش معه بسلام، فلسنا افضل من غيرنا في شيء، إن لم يكن العكس أقرب للصحة!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
الرسم البياني والوضع الكحياني
“>قامت جهة ما، وقد تكون صحيفة أميركية شهيرة، بوضع رسم بياني احتوى في الجانب العمودي منه على أسماء الجهات التالية: تنظيم القاعدة، مصر، حماس، حزب الله، إيران، العراق، داعش، إسرائيل، السلطة الفلسطينية، تركيا والولايات المتحدة. ووضعت الأطراف والدول نفسها على الاتجاه الأفقي من الرسم، وبيّنت نوعية العلاقة بين كل طرف والأطرف الأخرى، كل منها على حدة، من خلال وجوه ملونة. فالوجه الأصفر يعني أن العلاقة بين أميركا مثلاً وتركيا معقدة وليست على ما يرام. كما أن الوجه الأحمر يعني أن العلاقة بين سوريا وحماس سيئة جداً، والوجه الأخضر يعني أن العلاقة بين مصر والعراق مثلاً جيدة وفي حالة وئام.
وبمحاولة قراءة بعض التقاطعات من الرسم البياني نجد أن أميركا تعادي القاعدة، وتحب مصر، وتكره حزب الله، وتعادي إيران، وتحب العراق وإسرائيل. أما علاقتها بالسلطة الفلسطينية، فمشوبة بالحذر، وسيئة مع سوريا، وحذرة مع تركيا. ولو نظرنا إلى تركيا، لوجدنا أنها تعادي القاعدة ومصر وإيران والعراق وداعش وسوريا، ولكن في وضع ملتبس مع أميركا وإسرائيل وحزب الله، وفي الوقت نفسه تصادق حماس والسلطة الفلسطينية فقط. أما حماس، فإنها لا تعادي القاعدة ولا حزب الله ولا إيران ولا العراق ولا السلطة، ولكنها تصادق تركيا فقط وتعادي مصر وداعش وإسرائيل وسوريا والولايات المتحدة.
وبالتالي، من الواضح أنه ليست هناك صداقات دائمة وواضحة ولا عداوات مستمرة للأبد وواضحة، فالظروف الدولية والمصالح هي التي تقرر في نهاية المطاف من هو الصديق ومن هو العدو. فقد كانت فرنسا وألمانيا، على مدى قرون، عدوين لدودين، وجاء الوقت الذي أصبحت فيه عملتهما واحدة ولا حدود بينهما، وتحكمهما محكمة عليا واحدة وتتقارب قوانينهما يوماً عن يوم.
كل هذا يبين أن العلاقة بين دول الشرق الأوسط والقوى الكبرى مربكة لكل من يحاول تحليل الوضع ومعرفة ما يجري.
وبالتالي، فإن بعض أصدقاء أميركا يدعون أعداءها، وبعض أعدائها يحاربون أعداءها الآخرين، وهي تريد الشر لهؤلاء لأنهم أعداؤها، ولكنها لا تريد الشر لأعداء آخرين لأنهم يعادون من تعادي، وتعال حل وحلل كل هذه الفوازير!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
الإخوان و«عوار الراس»
“>جرت في الأسابيع القليلة الماضية أحداث مرعبة ورهيبة في الموصل والمدن العراقية والسورية الأخرى، وارتكبت جرائم لم تعرف البشرية في العصر الحديث لها مثيلا، وبخاصة أنها ارتكبت ممن كانوا بالأمس فقط أخوة ومواطنين متحابين. وعلى الرغم من كل هذا القتل والتنكيل فان الاتحاد العالمي لما يسمى بـ«علماء المسلمين»، ومقره قطر، وكذلك إتحاد «علماء الدين» في الخليج الذي يرأسه عجيل النشمي، لم يقوما بإصدار ولو بيان إدانة «خجول» لكل هذا التوحش والإجرام! ولو علمنا أن اصول الاتحادين تعود للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، لربما زال العجب.
فهؤلاء الإخوان هم الذين سبق وان ارتكبت فصائلهم قطع الرؤوس وجز الأعناق في الجزائر، لأكثر من مئة ألف مواطن كما تردد في الاعلام، قام بها جزائريون عرب «مسلمون سنة» في حق جزائريين عرب «مسلمين سنة»، فقط بسبب اختلافهم ربما على كلمة أو جملة. وهؤلاء الإخوان هم الذين كانوا وراء نشوء تنظيمات مثل بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال، وقبلها القاعدة، وبعدها النصرة وداعش، وغيرها من تنظيمات إرهابية في مختلف الدول العربية والإسلامية.
مقال في الزميلة الجريدة ذكر ان علماء «اتحاد علماء المسلمين»، الإخواني، كانت لهم مصائب عدة، فهم الذين أعلنوا النفير العام إلى سوريا، وشكلوا تكتلاتٍ ضد بلدانهم، ووقعوا بياناتٍ تحريضية لا تحقق أياً من مقاصد الشريعة ولا من مبتغيات النهوض والتقدم والتصحيح. وتسبب ذلك في خروج البعض منهم بعد أن عرفوا أنه اتحاد أيديولوجي يقوم بأعمالٍ سياسية تخريبية تحريضية، ويأمر رئيسه بالقتل كما فعل حين استباح دم القذافي على الهواء مباشرةً، هذا هو المعلن، ولا تسل عن الأوامر الخفية والمخططات السرية.
لقد مرّت المنطقة بأحداثٍ كبيرة كان لرموز الصحوة والإخوان المسلمين الدور السلبي بشأن استقرار المنطقة والخليج، فقد وقفوا ضد الاستعانة بالحلفاء، وأشعلوا فتيل المعارضة والنزاع، وقادوا التظاهرات ضد بلدانهم، ومع كل أزمةٍ يكون لهم الدور الكارثي نفسه على بلدانهم، فهم لا يسالمون ولا يريدون للسلم أن يحل.
والآن ما الذي تنتظره الحكومات الخليجية، او ما تبقى منها، كالكويت لكي تتحرك ضد تنظيم الإخوان المخرب؟ لقد زاد شر هؤلاء وزاد فسادهم وحلت ساعة حل تنظيماتهم، ومصادرة أموالهم ومنعهم من ممارسة اي أنشطة سياسية، فأعمالهم جميعها تخريبية، وهم سبب كل «عوار راسنا».
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
مقتطفات من ما قبل العيد
1 – أعلنت نيذرلاند، أو هولندا، مجازا، الحداد على أرواح ضحايا الطائرة الماليزية التي سقطت في أوكرانيا مؤخرا، ربما بصاروخ روسي، والتي راح ضحيتها ما يقارب الـ300 نفس بريئة. والغريب أنها المرة الأولى التي تعلن فيها نيذرلاند الحداد منذ أكثر من نصف قرن! وهذا يعني أنها منذ عام 1962 وهي تعيش في سلام ومحبة، من دون كوارث بيئية او حربية!
ولكن يا ترى لو ولينا وجوهنا شطر المشرق، وبعيدا عن نيذرلاند وغيرها من دول السعادة والمحبة، واستعرضنا كم المصائب والكوارث التي تعرضت لها بلاد «الشرق أوطاني»، منذ نصف قرن وحتى اليوم، فما الذي سنجده؟
سنجد أننا لو حذونا حذو القرار النيذرلاندي فإن أيامنا كلها ستكون حدادا في حداد، وسوادا في سواد!
2 – يقول الفيلسوف اللاهوتي الدانمركي سورين ليركغور: إنهم يكذبون ويسرقون ويغشون ويقومون بكل عمل فاسد، ولكنهم في خضم كل ذلك يسعون بشغف وراء الله.
تذكرت جملته تلك عندما قادتني قدماي إلى مجمع الوزارات، والذي يوجد ما يماثله في أي من دولنا، فوجدته، قبل عطلة العيد، خاليا من نصف موظفيه تقريبا، والنصف الآخر لا يود أن يعمل في غياب النصف الأول، ومتعللا بالصيام، أو بعدم وجود من يساعده في إنهاء المعاملة. ثم يأتي بعدها التصريح بتعطيل الدولة بكامل مصالحها لتسعة ايام، ليصب الماء البارد جدا على كل خطط التنمية وخطط تحويل الكويت لمركز عالمي مالي!
3 – لوحظ أن جميع جرائم داعش، وكل ما اتخذه الخليفة المعين في دولة الموصل، من قرارات عجيبة وغريبة، لم تلق اية إدانة من اي داعية أو إمام مسجد أو مبرة أو جمعية خيرية او جامع او حسينية في أية دولة إسلامية. والسبب معروف طبعا، فما تفعله داعش هو ما فعله من جاء قبله!
4 – قام أحد الممثلين بتسجيل وتصوير نفسه، وهو يقوم بمصافحة شخص ملتح معلنا تحوله للمذهب السني. وهذه أول مرة أعرف فيها أن التحول من مذهب لآخر يتطلب الإشهار، كانتقال لاعب كرة قدم من فريق لآخر مقابل مبلغ من المال.
ألم يكتشف هذا «المطفوق» حتى الآن أن اللي فينا كافينا؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
<
مسيحيو الشرق.. ثانية
يمكنني الادعاء، بفخر أو بغير ذلك، بأن المقال الذي كتبته بعنوان «ايها المسيحيون اخرجوا من أوطاننا» (7/22) أصبح من أكثر المقالات التي عرفت مثل ذلك الانتشار في تاريخ القبس الذي يمتد لأكثر من 42 عاما! وسبب ذلك الانتشار يعود في جزء صغير منه لموضوع وطريقة صياغة المقال، ولكن الجزء الأكبر يعود لتوقيت النشر والوباء الذي نشره «داعش» في المنطقة، وما تعرض له مسيحيوالموصل، وربما العراق تاليا، على يد هذه العصابة من إهانة وتعذيب وتشريد وتهجيروقتل. كما أن فضل الانتشار يعود الى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من انتقال المقال من قارة لأخرى، خلال ثوان، أمرا يسيرا. والدليل على انتشار المقال أن موقعي الشخصي www.kalamanas.com حظي بأكثر من عشرة آلاف زيارة في يومين، هذا غير مئات رسائل الإيميل والواتس أب والمكالمات الهاتفية التي وردتني. اضافة الى ما تلقته ادارة التحرير من اتصالات من داخل الكويت وخارجها.
وبالرغم من مشاعر النشوة التي غمرتني في البداية على تلك النتيجة، إلا أنني سرعان ما شعرت بغصة، خاصة بعد أن قرأت التعليقات التي وردت على المقال، سواء على صفحة القبس على الإنترنت، أو على الموقع الشخصي، وهذا ما لا أقوم به عادة. فقد تبين منها مقدار تعطش المسيحيين لسماع كلمة حلوة من الطرف الآخر، ولو أنني لا أعتبر نفسي طرفا أصلا! كما بينت ردودهم مدى قلقهم على أوضاعهم وحياتهم ومستقبلهم ضمن هذا المحيط الكبير من المخالفين لهم دينيا، والذين يمكن أن ينقلبوا، بين ليلة وضحاها، إلى أعداء شرسين بعد ان كانوا اخوة متحابين لقرون وقرون، والأمثلة أكثر من أن تحصى، فقد حدث ذلك في السودان وسوريا والعراق ومصر وتونس وميانمار ونيجيريا ولبنان وغيرها الكثير.
والظاهرة الغريبة الأخرى كانت في تعدد الجهات التي وجهت لي سؤالا محددا عما يجب عليها القيام به، في حال وصول وباء داعش إلى أراضيها، وعما إذا كنت أنصحهم بالبقاء والصمود، أو الرحيل إلى حيث الأمان؟ علما بأن هناك دولا عدة ستستقبلهم بكل ترحاب. والحقيقة أنني بذلت جهدا في عدم إعطاء جواب محدد، فالسؤال صعب جدا، وليس بمقدور أي شخص الإجابة عليه من دون الشعور بكبر المسؤولية!
نعم.. مسيحيو بلداننا، وملح أرضها، بحاجة لمن يقف معهم ويطمئنهم، ليس لأنهم ضعفاء، وليس لأنهم بحاجة للعون، بل لوضوح حقوقهم الإنسانية والمعيشية والقانونية، وصيانة للتنوع الذي أعطى بعض بلداننا حضارتها وتقدمها، فهم، والحق يقال، من كانوا اصحاب الأرض، فكيف يأتي اليوم غريب عنهم وعن أرضهم، ويطلب منهم دفع الجزية أو تضرب أعناقهم؟
نعم الإنسانية والمنطق والعقل جميعها تطالبنا بالوقوف مع المسيحي العربي، والمسيحي الأرمني والسرياني والآشوري والكلداني، فهم مواطنون لهم حقوق كاملة، قبل ان يكونوا أهلا وأحبة، فهل لدينا الشجاعة لأن نقف معهم؟! أحمد الصراف