ما تتعرض له غزة جريمة، وخاصة أن وقودها الأبرياء الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب العبثية، التي لا يبدو أن لها نهاية. ولكني في حيرة من الموقف من حركة حماس التي تدير القطاع منذ عشر سنوات تقريبا بيد من حديد، فكيف يمكن أن اقبل خطفها لشبان إسرائيليين ثلاثة، ونكران ذلك، ثم الاعتراف بأنها قتلتهم، وهي التي كان بوسعها مقايضتهم بالكثير؟ وكيف يمكن أن أقبل قيامها، منذ أن استولت على القطاع، بإعدام عشرات الفلسطينيين، بين الفترة والأخرى، من دون محاكمة، حتى ولو صورية، بحجة أنهم خونة؟ وكيف يمكن أن اقتنع أن الخونة قد انتهوا بإعدام 18فلسطينياً في يوم واحد؟ فهل تساءل أحد عن السبب في وجود كل هذا العدد الكبير من «الخونة» في القطاع، على افتراض صحة الاتهام؟ وما الذي تتوقعه حماس، والحرب العبثية بينها وبين إسرائيل تلقي في كل مرة بمئات الأيتام الذين قتلت تلك الحروب آباءهم ومعيليهم، واصبحوا عاجزين عن كسب لقمة العيش بطريقة شريفة؟ فهل الخائن من لم يجد لقمة عيش، أم من تسبب في قتل والده وامه واخيه ورماه، من دون بيت ولا عمل ولا طعام، في الشارع، ثم يأتي بعدها ويتهمه بالخيانة ويقوم بإعدامه من دون محاكمة؟ المفارقة المؤلمة كانت في تزامن العدوان الإسرائيلي على غزة، أو بالأحرى عدوان حماس عليها، مع عدوان «داعش» البربري على مسيحيي وايزيديي الموصل وسنجار. فقد عرى الموقف من الجريمتين «أقفية» الكثيرين من المتشدقين بالليبرالية والإنسانية، دعك من غيرهم، وهي ليست المرة الأولى. فقد وقف غالبية هؤلاء مع مأساة أهالي غزة، التي بدأت مع عملية الاختطاف، ولكن مأساة مسيحيي العراق وايزيدييه، الأشد وطأة والأقسى نتائج وغير المبررة تماما، لم تلق من هؤلاء أي إدانة فعالة تذكر، وكأن الإنسان الفلسطيني هو غير الإنسان العراقي! وبالتالي طالت معلقاتنا، وكثرت مانشيتات صحفنا، في الحديث عن المجازر الإسرائيلية في حق أهالي غزة، ولكنها سكتت، أو اكتفت بالتلميح إلى مجازر أكثر فظاعة والأقسى في التاريخ الحديث، وهي التي تعرضت لها الأقليات في العراق. أعلم جيدا انني لا استطيع ان أكون إنسانا، وبمستوى الحدث تجاه ما يحدث في غزة، إن عجزت أن أكون إنسانا بالدرجة نفسها مع ما حدث لمسيحيي العراق وايزيدييه. فالقتلة مجرمون في غزة، كما هم مجرمون في العراق، ولكن هل الأخيرون حقا مجرمون؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
التصنيف: احمد الصراف - كلام الناس
إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]
البعبع الإيراني ومذكرات العدساني 3/3
الغرض من المقالين السابقين التعرض لما كتبه الأكاديمي المغربي أحمد موسى في مجلة كلية الآداب، بجامعة شعيب الدكالي في المغرب، وبأسلوب رائع نقتطع منه الفقرات التالية، ونضع النص الكامل، والطويل، لما كتب بتصرف من يطلبه منا، حيث يقول: لا شك أن شهرة الشاعر الإيراني سعدي الشيرازي في العالم أمر لا يختلف عليه، فقد عُرف منذ قرون لدى الغربيين، والفرنسيين بالذات، بالمفكر الحكيم والشاعر الإنساني الذي ترك بصمات كبيرة على الأدب والفكر. وهذه الشهرة التي نالها لم تكن وليدة الحالة الإبداعية والموهبة الشعرية فحسب، بل نتيجة شخصيته الكبيرة التي توالدت عبر جهد كبير وترحال طويل وعناء متواصل من أجل الكشف والاستنتاج والكدح الإنساني. فهو أديب ومفكر ملتزم وإنسان مرهف الحس وشاعر كسّر طوق الحصار المذهبي والقومي واللغوي، فأنشد للإنسانية جمعاء وناجاها بهمومها وأحزانها! والسؤال هو: لماذا لم اسمع أنا، ومئات الآلاف غيري، من جيلي ومن بعدي بهذا الشاعر؟ وما الذي استفدناه من التعتيم على النتاج الفكري والثقافي لدولة مثل إيران بكل ما كان لها من تأثير هائل في لغتنا العربية والثقافة والتاريخ العربي؟ أليس مؤسفا أن نرى هذا التجهيل المتعمد، والذي لا يخدم غير اصحاب النفوس الضعيفة، ولا نستطيع فعل شيء ازاءه. وما الذي يمكن أن نستفيده من التعتيم على وضع الطرف الآخر، حتى لو كان من ألد أعدائنا؟ أليس من المنطقي دراسة الطرف الآخر، وبالذات لو كان عدوا أو يشكل وضعه خطرا علينا؟ ألم نفاجأ جميعا في حرب 1967 بمدى قوة إسرائيل عسكريا وتقدمها علميا علينا جميعا، وخواء كل ادعاءاتنا؟ فهل تعلمنا من تلك التجربة المؤلمة شيئا؟ الأسئلة كثيرة والأجوبة شحيحة والجهل مستمر؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
البعبع الإيراني ومذكرات العدساني 2/3
وهكذا تأسس أول مجلس تشريعي في الكويت في 29 يونيو 1938، وكانت المآخد عليه اقتصاره، انتخابا وترشيحا، على فئة قليلة، ومن التجار غالبا، حيث بلغ المرشحون 20 شخصا تقريباً، والناخبون 320 شخصا، ويقال ان العدد بلغ 500. ويكفي للدلالة على أهمية مجلس 1938 الذي اختير الشيخ عبدالله السالم رئيسا له، دوره في اقتناع الشيخ عبد الله السالم، بعد سنوات قليلة من توليه الحكم، بضرورة تبني هذا النظام بصورة سلمية، وهكذا ولد النظام النيابي الحالي. كان لكبار قادة الشيعة موقف من مجلس 1938، مماثل لموقفهم من مجلس 1921، حيث اختاروا الوقوف بجانب الحاكم، مع شخصيات عربية وسنية أخرى. ولم يرض ذلك، إضافة لما قيل عن سعيهم للحصول على حماية المقيم البريطاني في الكويت أثناء حرب الجهراء، لم يرض المناوئين لهم! ولكن من المهم هنا توضيح أنه لم يكن من السهل في تلك الفترة تحديد المواطن من غيره، في غياب أي تعريف لمن هو المواطن، وغياب الجهة الراعية لهذه المسألة، فقد صدر أول قانون يتعلق بتحديد الكويتي من غيره بعد 21 سنة من تلك الأحداث، اي عام 1959. وبالتالي من الإنصاف القول ان فئة محددة من قاطني الكويت في تلك الفترة، الذين تأثرت مصالحهم التجارية، بسبب سوء الإدارة الحكومية، طالبوا الحاكم بضرورة مشاركته في بعض من صلاحياته، ورأى آخرون عدم جدوى ذلك، وكان من ضمن هؤلاء غالبية قادة أو ممثلي الأقلية الشيعية حينها. ثم جاء الاستقلال عن بريطانيا، إبان حكم الشيخ عبد الله السالم، وجاءت الديموقراطية، وانتخب أول مجلس نيابي «حقيقي» في تاريخ الكويت عام 1963، ولكن بالرغم من أن النفوس صفت، تقريبا، مما علق بها من تجربة مجلسي 1921 و1938، وتناسى الناس مواقف مختلف الأطراف من تينك التجربتين، فإن ذلك «التناسي» لم يشمل الشيعة، وبالذات الذين تعود أصولهم الى إيران. حيث كان للإدارات الحكومية المتتالية، أو من شغلوا المناصب التعليمية والثقافية فيها، مواقف حادة منهم، انعكست بالتالي على العلاقة مع إيران، وهناك مسؤولون تغاضوا عن تلك المواقف من منطلق «فرق تسد». وهكذا أصبحت معرفة أو تدريس اي شيء يتعلق بالثقافة الإيرانية، من منطق عرقي أو مذهبي، أمرا غير مرغوب فيه. ونتجت عن هذا النأي او الجهل بالآخر هوة بين البلدين لم تستطع مختلف التصريحات والزيارات السياسية ردمها. ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية لتعمق من تجذير الحذر من إيران، التي كانت، حسب اعتقادي، أقل عدوانية وشكا في نظرتها الينا من نظرتنا اليها. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
البعبع الإيراني ومذكرات العدساني (3/1)
لسبب أو لآخر استوطن البعض الكويت منذ قرون، وكانت لهم ملاذا ومصدر رزق. وعلى الرغم مما يقوله بعض «الأكاديميين»، وهواة كتابة التاريخ، من أن تاريخ الكويت الحديث يعود لأكثر من 300 سنة، فإن من الأدق القول إن وجود الكويت، ككيان حقيقي، لم يبدأ إلا منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً بقليل. والسبب أن العبرة ليست بعدد من سكن أي أرض أو من اتخذها مكاناً لإقامته، بل بمدى أهمية ذلك المكان وعلاقته بالكيانات الأخرى المحيطة به، أو اعترافهم به، أو على الأقل إقرارهم بوجوده ومدى قدرته على عقد الاتفاقيات «الدولية»، من نوع أو آخر، واستقرار الحكم فيه. وكل هذا ما لم يتوافر للكيان الكويتي إلا في أواخر القرن الثامن عشر، واستقرار وتوطيد وضعه مع بداية القرن العشرين. وبالتالي يمكن القول إن هجرة غالبية مكونات الشعب الكويتي بدأت قبل 150 عاما تقريبا، وتسارعت هذه الهجرة مع استقرار الدولة في ذروة عهد الشيخ مبارك الصباح (1840 – 1915). وقد هاجر سكان الكويت اليها من خمس مناطق رئيسية: هضبة نجد، بادية الجزيرة العربية، السواحل الجنوبية الشرقية من فارس (إيران)، القرى والسواحل الشرقية من الجزيرة العربية (الأحساء والقطيف) وأخيراً العراق، بما فيها مدينة الزبير. كما قدم اليها آخرون، وإن بأعداد أقل، من البحرين والإمارات وقطر وتركيا. كما حصل على حق حمل جنسيتها تاليا، وان بنسبة صغيرة، من تعود اصولهم الى فلسطين ومصر والأردن ولبنان، من مسلمين ومسيحيين. وجاء شيعة الكويت في غالبيتهم من ثلاث مناطق: السواحل والمدن الجنوبية من إيران (بر فارس)، الأحساء، ومن العراق ونسبة أقل بكثير من البحرين. بدا التوجس، او التحسس من وضع الشيعة في الكويت، وبالذات الذين تعود أصولهم لإيران والأحساء مع التجربة الديموقراطية البدائية في عام 1921. فبعد وفاة الشيخ سالم المبارك الصباح في 1921، أدركت الطبقة التجارية أن استمرار سياسة الحكم المنفرد ستؤدي إلى خسارتهم للأموال والأرواح، وبالتالي قاموا بإبلاغ الحاكم بأن يكون لهم دور وكلمة في شؤون البلد (مذكرات خالد العدساني). وهكذا جاء مجلس 1921، والذي تعين فيه على الحاكم استشارة اثني عشر شخصا يمثلون وجوه وتجار الكويت وأصحاب الرأي، ستة من منطقة الشرق ومن يماثلهم من منطقة القبلة، وجميعهم جاءوا إلى المجلس عن طريق الاختيار وليس الانتخاب. ولكن سرعان ما كثر الشجار بينهم، مما دعا الحاكم الى حل المجلس بعد شهرين. ثم جاء عام 1938، واشتدت مطالبة «الأطراف الوطنية»، وغالبيتهم من البيوتات التجارية، بضرورة مشاركة الحاكم في الحكم، وتنظيف الإدارة الحكومية من البطانة الفاسدة (مذكرات العدساني). وقد تعاطفت شخصيات مؤثرة داخل أسرة الحكم مع مطالب هؤلاء، وبالتالي كان لا بد من الإنصات إليهم. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
هل في الأمر كارثة أخلاقية وأمنية؟
“>بحكم الواقع والمنطق لا اتفق مع النائب «المخضرم» صالح عاشور في أي من توجهاته أو طروحاته. ولا أعتقد ان ممارسته، خاصة في السنوات القليلة الأخيرة، خلت من اللغط الشديد، ولكن أجد نفسي مضطرا للإشادة بسؤاله البرلماني لوزير الداخلية، نائب رئيس مجلس الوزراء، المتعلق بشكوكه فيما يتعلق بالآلية أو الأسس التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في منح الجنسية الكويتية لما يقارب 200 ألف كويتي، على مدى 24 عاما. فسؤاله وجيه ومستحق، على افتراض أن النائب لا يبتغي من ورائه غير المصلحة العامة.
يقول النائب إنه عندما وقع الغزو الصدامي للكويت كان تعداد الكويتيين 650 ألف نسمة. وبحسب الدراسات فإن أعلى نسبة زيادة سكان في العالم تتراوح بين 2 إلى %3، وإذا تم احتساب نسبة %2.5 كمتوسط لزيادة السكان في الكويت، فهذا يعني أن أعدادهم ازدادت سنويا بما يقارب الـ 16.250 ألفا، وبعد مرور 24 سنة على التحرير يفترض أن عددهم يجب ان يقارب المليون و40 ألفا، ولكن الواقع أن عدد الكويتيين يبلغ اليوم مليونا و350 ألف نسمة، مما يعني أن هناك أكثر من 300 ألف تم تجنيسهم منذ التحرير وحتى الآن!
ولو افترضنا أن 60 ألفا منحوا الجنسية تحت بند زوجات الكويتيين، وما يقارب الـ40 ألفا تم تجنيسهم تحت بند أبناء الكويتيات وغير محددي الجنسية والخدمات الجليلة، فهذا يعني أن 200 ألف شخص تقريباً تم تجنيسهم بواسطة الحكومة، بطريقة او بأخرى، لسبب أو لآخر!
سؤال النائب مثير ومقلق، ونتمنى ألا يكون وراءه مصلحة أو غرض شخصي، كما اعتدنا من غالبية النواب طوال عقود، وألا يموت بالسكتة القلبية بمجرد تحقيق مطالب النائب! فمعروف أن عملية التجنيس يتطلب الأمر نشرها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة. فنشر 200 ألف اسم في الجريدة الرسمية، على مدى 24 عاما، يعني أن عدد المجنسين الجدد الذين كان يجب نشر أسمائهم في الجريدة الرسمية كل اسبوع يبلغ أكثر من 300 اسم، ولا أعتقد أنني شخصيا، أو من سألتهم، اطلع يوما على مثل هذا الكم الكبير من الأسماء اسبوعا وراء آخر على مدى 600 اسبوع. وبالتالي إن صحت حساباتي، وصح ما ذكرته اعلاه، وصحت نية النائب، فإن في الأمر قد تكون كارثة أمنية وأخلاقية، وقبل ذلك دستورية.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
سلطة الخلافة وتاريخ المنطقة
حكم الإنكليز والفرنسيون منطقتنا، بعد انهيار العثمانيين، وحتى ما قبل سنوات قليلة. وقسمت المنطقة طبقا لاتفاقية «سايكس بيكو». ثم نالت كل دولة استقلالها، ولكنها بقيت على حالها من التشرذم والتخلف، من دون استثناءات. وسبق حكم الإنكليز والفرنسيين للمنطقة حكم العثمانيين لها، الذي استمر من بداية القرن الرابع عشر وحتى بداية القرن العشرين، وقبل هاتين الفترتين كانت هناك فترة فوضى عارمة تبعت انهيار الدولة العباسية عام 1258، وذلك عندما اقدم هولاكو على نهب وحرق بغداد وقتل الكثير من سكانها، بمن فيهم الخليفة العباسي وأبناؤه، لينتقل من بقي منهم إلى القاهرة، حيث أقيمت الخلافة مجدداً عام 1261، وبحلول هذا الوقت كان الخليفة قد أصبح مجرد رمز ديني، أما في الواقع فإن سلاطين المماليك المصريين كانوا هم الحكّام الفعليين للدولة. واستمرت الدولة العباسية قائمة حتى 1519، عندما اجتاحت الجيوش العثمانية بلاد الشام ومصر وفتحت مدنها، فتنازل آخر الخلفاء عن لقبه لسلطان آل عثمان، سليم الأول، وأصبح هؤلاء خلفاء المسلمين. وقبل الدولة العباسية كانت الدولة الأموية، التي بدأت عام 662 وانتهت في 750. وسبقتها طبعا دول، او دولة الخلافة الراشدة، التي كان نفوذها مقتصرا على بقعة جغرافية محدودة. ومنذ انهيار آخر خلافة، وإلى ما بعد مرحلة الاستعمار الحديث، وحتى هذه اللحظة، وأحلام تسنم سدة الخلافة راودت الكثيرين، ومنهم القاضي تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير الفلسطيني، والملك فاروق، وحسن البنا، مؤسس حركة الإخوان الإرهابية، وربما المهدي في السودان، لتنتهي الحال بنا لنسمع بأبوبكر البغدادي، خليفة القرن الحادي والعشرين. والسبب في طموح كل هؤلاء للوصول للخلافة هو هلامية هيكلها، الذي يختزل كل السلطات في يد الخليفة، كما هو حاصل الآن في إيران الخمينية. وبالتالي فإن كل ما يدعونه عن عدالة دولتهم لا معنى له على أرض الواقع، فما نقاسيه الآن يعود في جزء كبير منه لما لحق بنا من تخلف، وبالتالي فإن ما ينادي به أنصار الشريعة في ليبيا وتونس وسوريا ومصر، وتنظيم «داعش» بالعراق والشام، ومنظمة أبو سياف بالفلبين، والشباب الإسلامي بالصومال، والجماعة المقاتلة في ليبيا، وحركة الجهاديين الباكستانية ومثيلتها عسكر طيبة، وتنظيم القاعدة في المغرب العربي والجزائر واليمن، وعُصبة الأنصار في كردستان، وبوكو حرام بالنيجر ونيجيريا، والجماعة الإسلامية المسلحة، وحركة الجهاد الإسلامي في بنغلادش، وأوزبكستان، وتنظيم الإخوان المسلمين بكل أجنحته، والجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، وحزب الله وعصائب أهل الحق وحماس، وفيلق بدر، وعصابات الشباب في الصومال، لا تعدو أن تكون لغوا، ولن ينتج عنها في نهاية الأمر غير الخراب. ولن ينتج عنه في نهاية الأمر شيء. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
سلطة الخلافة المطلقة
يقول الزميل السعودي أحمد عدنان: «..كلما أراد مستبد تشريع استبداده، أو أراد مجرم تبييض صحيفته، أو رغب مختل في فرض جنونه، نادى لنفسه بالخلافة، أو أعلن تطبيق الشريعة، وآخر هؤلاء أبو بكر البغدادي»! كلام الزميل صحيح، والسبب يعود إلى قلة القيود، أو انعدامها، في طريقة الحكم بموجب نظام الخلافة، فالسلطة مطلقة ولا تحدها حدود، وهذا ما رأيناه في نظام حكم المرشد في إيران، وما رغب الإخوان المسلمون، المغرمون بتطبيق نظام الخلافة، في رؤيته، وهم على رأس السلطة. ولكن الداعين لعودة نظام الخلافة يتناسون عمدا ان ما كان يصلح لما قبل ألف أو الفي عام لا يصلح بتاتا لعصرنا هذا، بكل ما فيه من تعقيدات والتزامات دولية وارتباطات اقليمية، لا يمكن القفز عليها من دون الدخول في حروب وصراعات دامية وخسائر ستنتهي بفناء الطرف الأضعف. يعود الزميل ليقول «إن حكم الخلفاء الراشدين لم يصمد لأكثر من ثلاثين سنة، رغم انهم كانوا أفضل العرب والمسلمين صلاحا وخلقا، ومع ذلك اغتيل ثلاثة خلفاء من أصل أربعة»! (انتهى الاقتباس والتعليق). ولو حدث واغتالت جهة ما الخليفة العراقي المزعوم، فمن الذي سيحل محله؟ ألن يكون اقوى أعوانه بأسا وقدرة على سفك دماء رفاقه وإخوته في الحركة والحكم؟ وهل هذا هو النظام الذي يطالب الإخوان المسلمون، منذ أكثر من ثمانين عاما، بتطبيقه؟ ألم تخرج حركات داعش والنصرة والقاعدة وكتائب الزفت والقطران والبؤس والخراب من تحت عباءة الإخوان؟ لقد بذلت شعوب كثيرة أرواح الملايين للتخلص من حكم الفرد، ونأتي اليوم لنطالب بعودة الدكتاتورية، وفي أكثر تطبيقاتها ظلامية وظلما، فالحاكم الجديد هو لا يأتي ليحكم بموجب منافيست شيوعي أو فاشي، ولا على أساس مبادئ اشتراكية، بل سيأتي ليحكم باسم الله باعتقاده، وحسب تفسيره، فمن الذي سيجرؤ حينها على أن يقول له انه على خطأ؟ إن المشكلة لا تكمن في إيجاد الحاكم، ولو كان مستبدا وعادلا، فهناك الكثير من أمثال هؤلاء، ولكن الاستبداد العادل لا يكفي أحيانا كثيرة لإدارة شركة تجارية، أو مدرسة، فما بالك بحكم دولة معقدة، وأين النص الديني الذي ينادي بفصل السلطات، أو إجراءات محاكمة الرئيس، أو الخليفة إن أخطأ او خان وطنه، او ما يجب اتباعه في حال اصابته بالخرف أو العجز التام؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
المزيد من المدنية.. والأقل من الدينية
سبق أن نقلنا عن المفكر العراقي علي الوردي قوله إن المسلمين، والعرب بالذات، لو خيروا بين الدولة الدينية والدولة العلمانية لما تردد غالبيتهم في اختيار الدولة الدينية، وليذهبوا بعدها ليعيشوا في الدولة العلمانية المدنية. ولو كانت البحرين مثلا، والأمثلة كثيرة، دولة علمانية، لما وقعت فيها اي أحداث طائفية، أو على الأقل لما نحت الى منحاها الخطير. والأمر ينطبق، وإن بدرجات أقل او أكثر، على إيران وسوريا وغيرهما. والعلمانية ليست نظاما لدولة كافرة، بل هي الضمان للجميع للعيش بمساواة وسلام تحت ظل القانون، والعبرة في الدول الغربية التي نادرا ما وقعت فيها، في العصر الحديث أحداث مذهبية خطيرة، مع استثناءات قليلة كايرلندا، وقضيتها سياسية أساسا، وتتعلق برغبة كاثوليك ايرلندا الشمالية في الاستقلال ببلادهم، وطرد الإنكليز البروتستانت منها. وحتى لو نجح هؤلاء في مسعاهم، واستقلوا ببلادهم لما ترددوا في جعلها علمانية، حسب النمط السائد في الغرب. إن فكرة حيادية الحكومة وعدم اصطفافها مع فئة ضد أخرى كانت من الممكن أن تكون المنقذ للعراق ووضعه على جادة التقدم، ولكن شيعة العراق، أو الفئة التي تولت الحكم منها، بعد سقوط صدام، لم تصدق أنها أصبحت في القيادة ففعلت بغيرها ما فعله صدام بها، علما بأن الدور السياسي المتواضع للمكون الشيعي في العراق كان، تاريخيا، بخيار الشيعة أنفسهم، أو بإيعاز من قيادتهم الدينية، ولم ينتبهوا لضرورة الانخراط في «اللعبة السياسية» إلا بعد فوات الأوان. بدأت الكويت عصرها الحديث مع حركة التنوير التي قادها الشيخ عبدالله السالم في بداية ستينات القرن الماضي. ويمكن القول ان شخصية «الشيخ» العلمانية، المدركة جيدا لمتطلبات العصر، كانت أبعد ما تكون عن التقليدية أو القبلية، بل كانت سابقة لعصرها، وبالتالي يمكن اعتبارها، من دون تردد، الشخصية السياسية الأهم في تاريخ المنطقة، والأكثر تأثيرا في محيطها. ولم يكن ليصل لهذه المكانة لولا عميق إيمانه بالدولة المدنية، التي يمكن حتى لشديدي الإيمان والمتدينين وغيرهم العيش فيها بسلام وأمان تحت مظلة قانون عادل وواحد، يكون للجميع فيه حق أداء شعائرهم بحرية، ويستتبع ذلك نيلهم لحقوقهم السياسية كاملة، في ظل دستور لا يخفى نفسه العلماني. وقد بدأت مشاكل الكويت السياسية منذ أن قررت الحكومات المتعاقبة التخلي عن علمانيتها في سبيل إرضاء بعض الفئات المتشددة من المجتمع، وبدأ العد التنازلي، الذي أوصلنا لوضعنا السيئ الحالي، والذي كانت بداياته في مجموعة القوانين والأنظمة التي نزعت عن الدستور طابعه المدني العلماني، وما تميز به من تقدمية، وجيرت الصلاحيات بكاملها تقريبا للحكومة التي قامت بدورها بالتنازل عن جزء منها للجهات التي رأت أنها الأكثر ولاء لها، ألا وهي الجهات الدينية، التي كانت في وقت ما الأقوى سياسيا على الساحة والأكثر ثراء وتغلغلا في مفاصل الدولة. وهكذا رأينا سلسلة قرارات المنع والتحريم التي حولت الكويت خلال أربعين عاما الى دولة دينية لفئة واحدة، الأمر الذي دفع الفئة أو الفئات الأخرى، الأصغر والأكثر ضعفا، الى أن تتقوقع بدورها، وتميل أكثر للتطرف، رافضة الدولة المدنية. وبالتالي فإن الخلاص في العلمانية، وليس في المزيد من السلطات للدولة الدينية. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
أنا وهاتفي والعذاب..!
يعتبر العامل الياباني الأكثر إنتاجا في العالم، ولكنه كان قليلا ما يطالب بإجازات سنوية، وكونه سلعة جيدة، وخوفا عليه من الإصابة بالإرهاق أو المرض، أجبره رؤساؤه في العقود الأخيرة على التمتع بإجازات عمل أطول، وهكذا اصبحنا نرى السائح الياباني بكثرة في العالم، بعد أن كانوا سلعة نادرة! كنت في عام 1965 مشتركا، كزملاء عمل آخرين، في مجلة ناشيونال جيوغرافيك National Geographic. وفي أحد الأعداد استوقفتني صورة لعامل مصنع ألماني يعمل على آلة ضخمة، وبجانبها وضعت طاولة عليها مختلف علب الهدايا بربطاتها المميزة. ودون تحت الصورة ان ذلك الرجل رفض – في آخر يوم عمل له في المصنع – طلب زملائه الاحتفال بالمناسبة، قائلا إن الوقت الذي يطالبون به هو ملك للمصنع، الذي قضى فيه أربعين عاما. وإن عليهم – إن أرادوا الاحتفال – البقاء لبضع دقائق بعد ساعات العمل. وكان له ما أراد! في عالمنا الأمور مختلفة تماما، فإن كنا مقبلين على إجازة لشهر فإننا نتوقف عن العمل قبلها باسبوع، ولا نعمل شيئا بعد عودتنا من الإجازة بأسبوع، بحجة أو بأخرى. * * * بيّنت دراسة قام بها «بنك اوف أميركا» Bank of America أن %47 من مستخدمي الهواتف الذكية لا يستطيعون ان يقضوا يوماً واحدا من دون هواتفهم، وهذا الرقم يعتبر خطراً، خصوصا مع ازدياد تعلق المستخدمين بهواتفهم الذكية بشكل كبير، وبصورة مبالغ فيها، لدرجة انهم لا يمكنهم الاستغناء عنه، حتى ولو ليوم واحد. وبيّنت الدراسة – أيضاً – أن نسبة عالية لا يمكنها التخلي عن هواتفها لأكثر من ساعة، في حين ان نسبة أعلى (51 %) من مستخدمي الهواتف الذكية يفتحون هواتفهم للتحقق منها مرة واحدة على الاقل كل ساعة، و%35 يفحصون هواتفهم باستمرار، اي بمعدل مرة كل 10 دقائق. وعند سؤال المستطلعين عن الأشياء التي هم على استعداد للتخلي عنها، من «متع الحياة»، في حال سرق شخص هاتفهم الذكي، وقال لهم ان السبيل الوحيد للحصول عليه مرة اخرى هو من خلال التضحية بشيء واحد من متع الحياة، فأتت الاجابات كالآتي %45 قالوا انهم مستعدون للتخلّي عن الكحول. و%34 قالوا انهم مستعدون للتخلي عن الشوكولاتة، و%35 قالوا انهم مستعدون للتخلي عن الجنس. وبيّنت الدراسة أن الكثيرين، من الشباب بالذات، يصنّفون هواتفهم كأهم جزء من حياتهم اليومية. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
سايكس والعقير
“>لم يبق أحد تقريبا من المحللين السياسيين لم يكتب عن نوايا «القوى الكبرى» في تقسيم الدول العربية، وكأن ليس هناك دول أخرى في العالم يتطلب الأمر الاهتمام بتقسيمها غيرنا. والكلام اليوم عن تقسيم العراق، مثلما كان يدور أثناء حرب العراق وإيران، وخلال حرب أميركا في العراق، وهو نفس الذي قيل في «عز» الحرب الأهلية السورية، وعن حتمية تفتيتها لدويلات، ولا أدري لماذا يعتقد البعض أن الغرب يسعى الى تقسيم الدول العربية، فهل نحن حقا بكل هذه المنعة والقوة والاستقلال والسيادة، وعدم الانصياع لطلبات واوامر الغرب، بحيث يتطلب الأمر سعيها الحثيث الى تقسيمنا، ليسهل حكمنا واستغلال ثرواتنا؟
والحقيقة اننا لم نتعب يوما من وصف الاستعمار بشتى النعوت السيئة، وإدانة أفعاله التي ادت الى خلق الكيانات العربية الحالية، او الحدود الدولية المعترف بها، وبالتالي نالت اتفاقية «سايكس بيكو» ومعاهدة «العقير» حظهما من الشتم واللعن، لدورهما في عملية تقسيم الدول العربية، متناسين أن كيانات تلك الدول كانت أصلا متنافرة، ولم تكن يوما موحدة أو معروفة الحدود، فهيمنة السلطة العثمانية عليها مسح عنها هويتها، والجزيرة العربية لم تكن استثناء من ذلك، فقد كانت بمجملها عبارة عن قطاعات مقسمة بين القبائل التي أتاحت لها قوتها، أو ظروف تاريخية معينة، حكم هذه المنطقة أو تلك. ولولا قلم المستر سايكس، وحبر المسيو بيكو، ومسطرة السير بيرسي كوكس، لبقيت الحروب بين حكام هذه الكيانات مشتعلة حتى اليوم.
ومن المعروف أيضا أن معاهدة العقير، التي تم توقيعها في ديسمبر 1922، بين الملك عبدالعزيز بن سعود (سلطان نجد حينها) والوزير صبيح بك، ممثلا عن ملك العراق، وبين السيد جون مور، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ممثلا حاكمها، وتحت إشراف السير بيرسي كوكس، تخللتها مشاحنات وتلاسن وحدة خاصة بين العراق والسعودية، في ما يتعلق بما تشمله حدود كل طرف من أراض جديدة، أو ما يستقطع منها. ودفع طول الخلاف وشدة الجذب السير كوكس الى أن يأخذ قلماً، ويقوم بشكل عشوائي تقريبا بوضع، أو فرض، حدود دول أطراف الاتفاقية، من دون التفات الى احتجاجاتهم، وحتى دموع البعض منهم! ولولا خطوته تلك لكانت ربما، ليس فقط الخلافات، بل الحروب القبلية بينها باقية حتى اليوم.
ومعروف أن اتفاقية سايكس بيكو قد تم توقيعها عام 1916، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام دول الهلال الخصيب، وما حولها، التي كانت تحت سيطرة العثمانيين قبل انهيار دولتهم، وهكذا حصل الفرنسيون على حق حكم سوريا ولبنان، وحولوهما الى جمهوريتين لأن فرنسا جمهورية، وحصل البريطانيون على العراق والخليج، وجعلوها ممالك، ووضعوا فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ومنحوا تركيا، الجمهورية الوليدة، أجزاء من سوريا، وبالتالي كانت الاتفاقية تتعلق باقتسام وحدات مشتتة أصلا، وليس تفتيت وحدة كبيرة واقتسامها، والفرق بين الحالتين كبير.
من كل ذلك نرى أن كل ما نال اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها من شتم وانتقاد لم يكن منصفا، فقد كان لها دورها في تهيئة «كيانات» المنطقة للاستقلال، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي كانت تستعمرهم، وبغير ذلك كانت ستشتعل بين «لوردات وشيوخ وزعامات» تلك الكيانات، حروب لا نهاية لها.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com