احمد الصراف

عشنا وعاشت حكومتنا

في منتصف الستينات قام مواطن معروف وابن شخصية كبيرة بنشر إعلان طالب فيه من يرغب في معرفة هدية «الأب لابنه البار»، بمراجعة الصفحة كذا من الجريدة الرسمية. وبمراجعتها تبين صدور حكم بيع مفروشات بيت المواطن سداداً لدين للأب على والده…البار! ولمعرفة هدية الحكومة لأبنائها المواطنين البررة يرجى قراءة المقال حتى النهاية. تقدّم موظفو وزارة العدل بعريضة لوزيرهم يطالبونه فيها بالموافقة على قيامهم بالعمل مساء، وفي أوقات إضافية، ومن دون مقابل، لإنهاء كل معاملات المواطنين المتأخرة منذ شهور، وذلك قبل حلول عطلة العيد. كما قام ضباط المرور بتقديم تصورهم لحل مشكلة المرور للوزير، ونال التصور موافقته، وسنرى بعد العيد كيف ستنتهي مشكلة المرور خلال ساعات. كما قام موظفو وزارة التربية بالطلب من وزيرهم، الذي خيّب أملنا فيه، وطلع مثله مثل من سبقه ومن سيلحقه، بإعطائهم الضوء الأخضر لتنظيف المناهج الدراسية من كل المواد المسيئة لأتباع الديانات الأخرى، وخلال فترة قصيرة. كما قام موظفو الإسكان بالطلب من أسرهم السماح لهم للتفرغ الكامل لفترة أسبوعين، لوضع خطة يتم بها الانتهاء نهائياً من مشكلة تكدس طلبات الإسكان. وتكرر الأمر ذاته في وزارة الصحة ووزارة الأشغال التي ستحقق كل مشاريعها الإنشائية النسب المطلوب إنجازها، وربما النجاح في إنجاز طريق الجهراء ومستشفى الرازي الجديد قبل موعدهما، وحتى مباني جامعة الشدادية سينتهي العمل بها قبل عام 2025 بسنة على الأقل. أما وزارة الأوقاف، فقد طلب كل الدعاة والمؤذنين والمشرفين على أنشطتها، الفاضية والمليانة، من المسؤول الذي لا يزال في منصبه بالرغم من كل ما كتب وقيل عن فساد البعض في وزارته، الموافقة لهم في المساعدة على تنظيف الوزارة من الفساد الذي عشش فيها، وتنازلهم عن كل «مستحقاتهم» التي لم يكونوا يستحقونها، وتعويض ذلك بالعمل الإضافي، من دون مقابل. أما وزارة التخطيط، فقد تعهدت بإنجاز كل الإحصائيات والبيانات المطلوبة منها قبل موعدها بأسبوع، وهي التي كانت تتأخر بها لأكثر من سنة. أما الموانئ، وبعد مغادرة مديرها العتيد لكرسيه فيها، فقد تعهد موظفوها لوزير المواصلات بإيصال الليل بالنهار لإنهاء كل شكاوى شركات الملاحة والمستوريدن، وإثبات أنهم ليسوا بحاجة إلى مدير جديد. أما البلدية، فإنها ستنجح، وللمرة الأولى في تاريخها، في الخروج بتقارير نظيفة من كل أجهزة المحاسبة والمراقبة، وحتى من جمعية الشفافية، التي لا يعرف أحد من الذي يديرها حالياً، بعد أن سلخ الفساد أوضاعها الداخلية. وتعهد موظفو البلدية والتجارة بالامتناع لمدة شهر عن استخدام مقولة: راجعنا باكر! وهكذا الحال مع بقية أجهزة الدولة ومؤسساتها. ومن منطلق رغبة الحكومة في مكافأة موظفيها على كل هذا التعاون والتفاني في إنجاز كل المعاملات المتأخرة، فقد قررت الضرب بقرار «الخدمة المدنية» عرض الحائط، وتمديد عطلة عيد الأضحى لتصبح تسعة أيام! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

مرحلة المراجعة الفكرية

نُقل عن ابن خلدون، عالم الاجتماع العربي، قوله: الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تعتبر تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات! * * * يردد غالبية المسلمين، بوعي تام أو بغير ذلك، أن الإسلام دين سلام، وأن اسم الدين مشتق من السلم والسلام، وأن هناك نصوصاً دينية كثيرة، وروايات وتصرفات وسيرة تدل على ذلك. ولو صح هذا الكلام، وقيل عن قناعة، فهل يكفي ذلك لكي يقتنع العالم غير المسلم، إضافة للمسلم المتشكك، بصحة هذا القول أو الادعاء؟ الجواب طبعاً لا، فالادعاء الشفهي أو حتى الكتابي لا يكفي، مثلما لا يكفي الفرد، ذكرا كان أم أنثى، ادعاء الأمانة أو المعرفة من دون دليل، بل يتطلب الأمر التصرّف مع النفس ومع الآخرين على هذا الأساس، وهذا لا يمكن إثباته إلا بعد فترة تجربة طويلة تتخللها ممارسات إيجابية مستمرة، كتصالح المسلم مع الحداثة وإيمانه التام بحقوق الإنسان، والتعايش مع البشر الآخرين أيا كان جنسهم، لونهم، دينهم أو عقيدتهم وأفكارهم. وبالتالي فإن الإسلام المعاصر مطالَب بالتحرر من الإرث التاريخي القديم مع الاستمرار من دون ضرورة التخلي عن الإيمان، ومن دون أن يعني ذلك تلقائية ربط الدين بالسياسة، فالفصل بينهما يجب أن يكون باتاً وحتمياً. وفي السياق نفسه، يزيد بعض المصلحين في القول بضرورة ربط النصوص الدينية التي تحض على الكراهية والعنف والقتل، ربطها بزمانها، أي بمرحلة الدعوة، حيث لا يمكن التماهي مع العصر، والتعايش مع العالم أجمع بغير وضع القوانين والقواعد الشرعية جانباً، فهي، بالرغم من كونها لا تشكل إلا جزءاً صغيراً ضمن منظومة قوانين أي دولة، إلا أن مفاعيلها وتأثيرها على حياة الفرد كبير وخطر وقوي. إن الإسلام، والمسلمين بالتبعية، يمرون بمرحلة تاريخية مفصلية، فإما مسايرة العصر والخضوع لمنطقه وقواعده الدولية، والتعايش مع الآخر بسلام، وإما الدخول في حرب شرسة مع الجميع، وهي حرب معروفة نتائجها مسبقاً. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

إصلاح الحال من المُحال

بناء على «مؤامرة» حكمت بريطانيا العراق من 1918 إلى 1921، وبمؤامرة تالية أصبح فيصل ملكا عليه، واقتنعت بريطانيا بإنهاء انتدابها في 1922، وبعدها بـ9 سنوات تم اكتشاف البترول، ووقع العراق على اتفاقيات التنقيب مع عدة دول أوروبية. ولكن فيصل توفي، وبفعل مؤامرة جديدة اصبح غازي ملكا وقام بإلغاء الأحزاب وحكم البلاد بقوة السلاح، ثم بفعل مؤامرة قتل غازي عام 1939 في حادث سير غامض، وكان هو أول من زرع بذرة تابعية الكويت للعراق في عقل المواطن العراقي البسيط! تولى ابنه فيصل الحكم وهو صغير، وأصبح خاله، وبمؤامرة بريطانية، وصيا على العرش، ونوري السعيد رئيسا للوزراء، ولكن، بمؤامرة ألمانية مضادة قام رشيد الكيلاني بالانقلاب على نظام الحكم الموالي لبريطانيا، ولكن مؤامرة إنكليزية أفشلت انقلابه. وبمؤامرة من روسيا قام الأكراد بأولى ثوراتهم، التي استمرت من 1945 إلى 1947، قام العراق بعدها بالدخول في اتفاقية أمنية مع بريطانيا وباكستان وإيران، ودخل في اتحاد فدرالي مع الأردن عام 1958، ولكن مؤامرة جديدة أسقطت الحكم الملكي بعدها بأشهر قليلة، وقتل الانقلابيون الملك فيصل وخاله عبدالإله ونوري السعيد والكثيرين غيرهم. وبمؤامرة أصبح عبدالكريم قاسم رئيسا للوزراء، وانسحب العراق من حلف بغداد وفركش اتحاده مع الأردن، وأعلن «ضم» الكويت اليه، بعد استقلالها عن بريطانيا. ولكن حزب البعث، وبمؤامرة جديدة أطاح عبدالكريم قاسم في فبراير 1963، وأصبح عارف رئيساً للعراق، وبعدها قتل بمؤامرة ليصبح اخوه عبدالرحمن رئيسا. وايضا بمؤامرة عاد حزب البعث في 1968 الى الحكم، وخرج منه، وقام بانقلابه الثاني أو الألف، وأصبح البكر رئيسا، ونجح في توقيع اتفاقية «تهدئة»مع الأكراد، ومنحهم حكما ذاتيا، ولكن بفضل مؤامرة خارجية عادت المشاكل في مارس 1974 مع الأكراد، بدعم من إيران. وإثر تقديم العراق بعض التنازلات المتعلقة بالخلاف الحدودي مع إيران والتوقيع على اتفاقية الجزائر سنة 1975، توقفت إيران عن دعم ثورة الأكراد، وتمكن العراق من السيطرة عليهم، إلى حين. وسعى البكر لإنشاء وحدة مع سوريا، ولكن في عام 1979 تآمر صدام عليه وأصبح دكتاتور العراق الجديد، وبمؤامرة قام الخميني بثورته عام 1979 واعترف العراق بالحكم الجديد. مسلسل «المؤامرات الافتراضية» على العراق طويل ومزعج، ونحن نتكلم هنا فقط عن حقبة قصيرة من تاريخ العراق، ولو طبقنا الأمر ذاته على معظم الدول العربية، خلال نصف القرن الماضي، لوصل عدد هذه المؤامرات للآلاف، فكيف لم نتعظ أو نتنبه لها؟ ولماذا لم نحسب حسابها ونحاول تجنبها وأخذ الحيطة منها؟ وبالتالي فالخطر ليس في تآمر الآخرين علينا، بل في غبائنا وقلة حيلتنا وهوان وضعنا. من هنا يمكن القول إن نجاح داعش، حتى الآن، لا يعود لمؤامرة بقدر ما يعود لضعف معظم كياناتنا السياسية، وهزال ثقافاتنا وانعدام الحرية والديموقراطية في أغلب أوطاننا. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

خذونا للإنسانية قبل فوات الأوان

دعا الزميل السعودي حمزة السالم، في مقاله على الصفحة الأخيرة من «الجزيرة» السعودية، دعا المسؤولين للتخلي عن الوهابية، لأن الدعوة الوهابية قد وصلت إلى مرحلة متأخرة من المرض، فهي أشبه ما تكون في العناية المركزة من دون علاج. كما أنها موضع اتهام بسبب ما ينسب إليها من تطرف الحركات الدينية. وقال إن مدرسة الرأي والدين السياسي ليس لها جذور تقيها من العواصف والانتكاسات، فهي مرتبطة بالأشخاص والحوادث المتغيّرة، فهي كنبتة البرسيم تنمو سريعاً وتزول سريعاً. وطالب الكاتب قادة دولته بمواجهة الواقع لكي لا تفاجئهم الحقيقة المؤلمة، فالدعوة الوهابية أصبحت اليوم عبئا، وتخلفت تخلفا شديدا، بعد أن كانت مصدر قوة، كما تجاوزها التطوُّر الإنساني الهائل الذي حدث في العقود الماضية، وأن الإطالة في عمر الدولة القائم على تناقض الجسد والروح، قد خلق مشاكل داخلية عويصة في فكر وتركيبة المجتمع الإداري والاقتصادي والسياسي، لا تُحل إلاّ بالتخلّي عن الروح، وهي الدعوة النجدية. والتخلّي عن الدعوة النجدية مطلب كثير من السعوديين السلفيين، فضلاً عن غيرهم. انتهي النقل. لست بحمزة السالم، ولا القبس بالجزيرة، ولا الكويت هي السعودية، ولكن مقال الزميل، الأول من نوعه في الصحافة السعودية، ما كان ليرى النور لو لم يكن هناك قبول من الجهات المعنية، وإن كانت السعودية قد بدأت ترسل الإشارة تلو الأخرى بما يفيد تململ معظم قيادتها من سابق تحالفاتها، فما الذي دفعنا نحن، الأحوج للاعتدال، لأن نسير عكس تيار العقل والمنطق؟ ولماذا تقوم حكومتنا، بالترخيص، في هذا الوقت بالذات، لثلاث جمعيات (دينية راديكالية)، غامضة الأهداف؟ فهل نحن حقا في حاجة لأنشطتها، وهي التي ستدار غالبا من اصحاب عقليات ربما عفا عليها الزمن وتجاوزها التاريخ، وأصبحت خارج سياق الأحداث المتسارعة التي تعيشها المنطقة. ويحدث ذلك في الوقت الذي تقبع فيه عشرات طلبات تأسيس جمعيات عصرية نحن في أمس الحاجة لها، في أدراج قريبة من سلال الزبالة! لقد أصاب زلزال التطرف الديني دول العالم اجمع، والسبب هو جمعياتنا ومناهج مدارسنا وسياساتنا، فالكويت، كانت وربما لا تزال، مقارنة بحجمها، بسبب بعض مواطنيها، الأكثر نشاطا في رفده بالمقاتلين، وبالتالي لم يكن غريبا قيام الولايات المتحدة بإدراج عدد من مواطنينا في قوائم الإرهابيين! وإن الإرهاب لا يمكن القضاء عليه أو إسكاته بسلاح سحب الجنسية ولا بالمال ولا بتوزيع الجواخير والقسائم الزراعية، ولا برحلات العلاج المجانية وغيرها من المنح والعطايا الحكومية، بل باستراتيجية واضحة المعالم وبعد نظر، وبغير ذلك فإننا سنستيقظ يوما، متأخرين، ونجد أن القطار الوحيد الذي كان من الممكن أن ينقلنا لعالم الحضارة والرقي والتقدم، وقبل ذلك للإنسانية، قد غادرنا.. إلى الأبد! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

أكو عزم وإلا ما كو؟

في عام 1864، قال كارل ماركس: إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما، فانظر إلى وضع المرأة فيه! وبعدها بـ150 عاماً جاء المصري أبو إسحاق الحويني ليقول: المرأة الحرة والمتعلمة سبب هزيمة الأمة. *** على ضوء مشاركة الكويت المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، صرّح وزير الخارجية بأن هناك «بلورة» لتصور استراتيجي للقضاء على داعش، لما يمثله من خطر على أمن واستقرار المنطقة ككل! وهذا كلام قوي ويصدر للمرة الأولى بهذا الوضوح من نائب رئيس وزراء كويتي. ولكن الوزير ربما يعرف أن القضاء على داعش، إن تم ذلك، لا يعني أبداً أن خطر الإرهاب قد زال، فهناك الآلاف، أو الملايين، الذين يحلمون بما يحلم به أبو بكر البغدادي، وما سبق أن ذكرناه من تقاعس «كل» القيادات الدينية «الفاعلة» في جميع الدول الإسلامية عن إدانة أفعال داعش لم يكن دقيقاً، فقد تبين من تصريحات أطلقها عدد كبير من تلك «القيادات» تأييدها لأفعال داعش، ومعارضتها القوية لخطط التحالف الدولي الجديد للقضاء عليه، ومن هؤلاء رجال دين في الكويت، من أمثال البعض من رابطة «علماء الدين في الخليج» وسياسيون سابقون. كما دخل على الخط «الداعية الإخوانجي» يوسف القرضاوي: رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي لم ينطق بكلمة احتجاج واحدة على قرار بطرد سبعة من «زملائه» الإخوان من قطر. فقد عارض القرضاوي قيادة أميركا لقوات التحالف الجديد، وسبق أن عارض هو وتنظيم الإخوان العالمي تحرير الكويت من قبل أميركا، فهل يريد مثلاً من الصومال أو جيبوتي أن تقود الحملة العسكرية على داعش؟ نعود ونقول إن أفكار داعش تعشش بيننا، وعشها يكبر منذ أربعين عاماً تقريباً، أمام سمع وبصر حكوماتنا الرشيدة، وبرضاها وفي أحيان كثيرة بدعمها، فكيف تأتي الحكومة اليوم وتحارب التنظيم نفسه في الخارج وتنساه في الداخل؟ وماذا يعني حصول قائمة الإخوان والسلف في آخر انتخابات طلبة بجامعة الكويت على أعلى الأصوات، بعد كل ما صرف على الوسطية والخرطية؟ وبناء عليه، فإن مهمة وزير الخارجية لا تنتهي حتماً بالتضامن مع الدول العربية والغربية في القضاء على داعش في الخارج، بل وبالضغط على الحكومة، ووزارة التربية بالذات، لتنظيف المناهج الدراسية في الداخل من كل ما يمت إلى فكر الإخوان والسلف بصلة، وهذه مهمة ليست بالصعبة ولا بالمستحيلة، متى ما توافرت الإرادة، وصدق العزم. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

الحرث الجماعي في بحر الجهل

تظهر مختلف مؤشرات الفساد والنزاهة والشفافية في دول العالم «كافة» بأن الدول الأقل تديناً، كالدول الاسكندنافية مثلا، التي تبلغ فيها نسبة من لا يرتادون الكنائس أكثر من %80 هي التي تتصدّر، سنة بعد أخرى، قوائم النزاهة الحكومية والاستقامة الوظيفية، والالتزام بدفع الضرائب، والحرص على المال العالم. ونجد العكس تماماً في بعض الدول الأكثر تمسكاً بالمظاهر الدينية، حيث نجد فيها أنظمة قضائية بعضها مرتشية، وتحايلاً متجذراً في التهرب من الضرائب، وفساداً أخلاقياً يتمثل في النسب العالية من التحرش الجنسي، والاعتداء على النساء والأطفال جسدياً وجنسياً، وسوء طبقة السياسيين فيها وخراب حكوماتها، وبالرغم من ذلك لا تتورع وسائل إعلام هذه الدول أو المجتمعات عن إلقاء مسؤولية الفساد والخراب الأخلاقي على نقص التدين! ولو ألقينا نظرة، ولو غير ثاقبة، على وضع مجموعة عشوائية من دول العالم، لوجدنا مدى دقة هذه الملاحظة، فحتى بين الدول الأوروبية المتقدمة، الأقل فساداً، نجد أن الأكثر تديناً بينها، كأسبانيا واليونان مثلاً، هي الأكثر فساداً في محيطها، والعكس صحيح! وبالتالي، فإن ما تحتاجه دولة مثل الكويت، التي عاثت الأحزاب الدينية تخريباً في عقول ناشئتها على مدى جيل كامل، هو تمدين مناهجها الدراسية من خلال التركيز بقوة على المواد الأخلاقية والإنسانية، الأمر المعدوم حالياً، وضرورة تحرير وسائل الإعلام من قبضة الأحزاب الدينية، والسماح للمسرح وبقية الفنون بالقيام بدورها التثقيفي والتنويري، وهو الدور الذي لم ينجح وزير الشباب والإعلام حتى الآن في القيام به، وبغير ذلك فإن التطرف سيستمر والخراب الأخلاقي سيتجذر أكثر. وإن لم يتم تلاحق الأمر سريعا، فلن يكون بالإمكان معالجة الوضع أبدا، وستصبح الكويت، مع تناقص دخلها، الريعي أصلاً، وزيادة التزاماتها المالية، أرضاً أكثر خصوبة لتطرف ديني سيأكل ما تبقى من يابس قليل. لقد طالبت قبل عشر سنوات تقريباً بأنسنة فهمنا للدين من خلال تعديل المناهج الدراسية، وكان ذلك في أول لقاء لي في قناة الجزيرة (الاتجاه المعاكس)، وكدت أفقد حياتي بسبب تلك المطالبة العاقلة، ولا أزال أنادي بهذا، فليس هناك حل غير ذلك، فكل ادعاءاتنا بأننا أفضل الخلق وأحسن الناس فهماً، لم تفدنا بشيء، بل ألبت العالم علينا، وسيدت الجاهل فينا. فهل وصلت الرسالة بعد كل الأحداث الخطيرة التي مرت بها الكويت وجاراتها، أم أن حكومتنا لا تزال تحرث في البحر، ونحن معها؟ * * * ملاحظة: نقلت القبس عن صحيفة «الرأي» الأردنية أن قيادات من إخوان مصر التقت برئيس «داعش»، أبو بكر البغدادي، وطلبوا مساعدته في مصر! وبالرغم من مرور أكثر من شهر على خبر الرأي لم يصدر عن إخوان مصر، أو وكلائهم في الكويت، أي نفي للخبر. فأين الحقيقة؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

حول الحكومة وقوّتها

لا خلاف على أن وزارة الاوقاف و«الشؤون الإسلامية» تشكو من تسيب وخراب وفساد إداري ومالي غير معقول. ولا ادري لماذا تطلب الأمر تكليف وزير الداخلية بالذات، وهو الأبعد إداريا و«فنيا»، عن شؤون الاوقاف وشجونها، مقارنة ببقية زملائه، لتولي مهمة تنظيفها، وربما السبب يعود إلى كون الوزير من الشيوخ، وهم الوحيدون، كما يبدو، القادرون على القيام بما عجز من سبقهم عن القيام به، فقد سبقه الى الوزارة، في السنوات القليلة الماضية، أكثر من عشرة وزراء، دخلوها جميعا وخرجوا منها بسكوت من دون أن يهشوا أو ينشوا، وحده الوكيل العتيد والعتيق بقي صامدا وصامتا، حتى بعد حادثة حريق 11 من سياراته أمام منزله! ولا ادري لماذا لم يستقل من منصبه حتى الآن بالرغم من كل ما تعرضت له أنشطة الوزارة من اتهامات جارحة ومن سوء استغلال وخراب وتسيب من البعض فيها. خمسون عاما وهذه الوزارة غائبة عن كل رقابة أو محاسبة، ولم يحاول أحد الالتفات لما كان يجري فيها من خراب بالرغم من عشرات الأصوات المحذرة مما كان ولا يزال يجري في أروقتها من خلافات بين بعض كبارها، ليس على تطوير أدائها، بل لاختلافهم على ما كان يرصد من أموال على أنشطتها الفارغة المعنى من وسطية وطرفية ودعاة وغيرهم، والتي لا يمكن مراقبتها بشكل دقيق، وكل مال سايب معرض للسرقة، فكيف لو استمر التسيب لنصف قرن؟ فمشاريع كـ«السراج» ومراكز الوسطية وافرعها، ومراكز التحفيظ وجوائزها، ومراكز الدراسات ومكاتبها، والتي تحولت مع الوقت لمشاريع لا يجوز الاقتراب منها، أكلت من أرصدة الوزارة الكثير، واستفاد المئات من انشطتها، وهم ربما في بيوتهم قابعون، ولم يرف جفن مسؤول عن كل هذا الخراب حتى أتى الوزير الحالي ليرفع الغطاء ولتنكشف الفضائح الواحدة بعد الأخرى. ومؤسف أن يتم تحويل قياديين كبار في مختلف ادارات الوزارة، ذات الأنشطة الدينية البحتة، للنيابة العامة، بعد اكتشاف الكم الكبير من التجاوزات عليهم، ومؤسف أكثر عودة الوزير الحالي، في تعامله مع أنشطة الوزارة، والتصريح بأنه سيشدد على تفعيل دور مركز الوسطية في توعية الشباب وإبعادهم عن التعصب! ولعلم معاليه، فإن تقبل الآخر ونبذ الفكر المتطرف، يخالفان مبادئ الوزارة وعملها أصلا، وثبت فشلهما الذريع في التصدي لعملية الوسطية، فنشر الوسطية عملية سياسية تربوية وتعليمية، وليست دينية، وبالتالي نشر الوسطية ليس من مهام الوزارة ولن يكون! ما جرى في الأوقاف ليس دليلا فقط على خراب غالبية من عمل بها، بل على فشل الأداء الحكومي ككل! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

جرائم القردة والخنازير

“>منذ 14 مايو 1948، وإسرائيل تحقق النصر تلو الآخر علينا في مختلف الميادين حتى أسلحتها أصبح العالم يتسابق لشرائها. أما جامعاتها، فحدث ولا حرج فليس هناك بين الألف جامعة عربية ما يمكن اعتباره قريباً منها. وليس من الغريب أننا عشنا، كشعوب، في الصحراء لآلاف السنين، ولكن تطلب الأمر قدوم بضعة يهود أوروبيين لينجحوا في استزراع الصحراء وتحويلها إلى جنة، وليصبحوا الأكثر خبرة في العالم في هذا المجال. أما نحن فإننا، وعلى مدى 66 عاماً إما تجاهلنا وجودهم، ولم نتعلم منهم بالتالي شيئاً، أو وقفنا مشدوهين من سرعة تقدمهم، ورقي تصرفاتهم، وانكبابهم على التعليم والتطوير في كل ميدان من دون أن نقوم بفعل شيء غير فتح أفواهنا استغراباً!
نعم، إسرائيل سبقتنا في كل مجال وميدان وحقل، وشعبها أكثر انضباطاً وتنظيماً، والأمور هنا نسبية، وخطأنا الكبير هو فشلنا، على مدى كل هذه السنوات، في أن نتعلم منها حتى «فضيلة» الوقوف في الطابور. حتى مطار اللبنانيين الذين يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم في كل شيء، فما بالك بحال بقية العرب، يحتاج اجتياز حاجز جوازاته وحواجزه الأمنية الأخرى إلى وقت طويل جداً بسبب افتقار المشرفين عليه لحس النظام. وبسبب كل ذلك، لم يكن مصادفة انتصار إسرائيل الساحق علينا في كل حروبها، وآخرها حربي 2006 مع حزب الله و2014 مع حزب حماس! والغريب أننا في كل حرب، خصوصاً تلك التي ندعي فيها انتصاراً كنا نخسر المزيد من الأراضي وثقتنا بأنفسنا!
لم تنتصر إسرائيل في حربها علينا في ميدان المعركة فقط، بل وفي كل ميدان، ووضع غزة خير مثال.
ولا أدري، لماذا يصر الكثيرون، ولست منهم، على وصف إسرائيل بالدولة المسخ والعدو؟! فكونها دولة مسخ أو غير ذلك جوابه مذكور أعلاه. أما كونها دولة عدو، فمن الواضح، من واقع تعريف العدو، وهو الذي يسعى لتوقيع أقصى ما يمكن من ضرر في الجانب الآخر المعادي، أننا أعداء أنفسنا، فملايين العرب المسلمين قتلوا بيد مسلمين عرب منذ أن تأسست إسرائيل، وفي معارك وصراعات لا علاقة لإسرائيل بها ولم تكن، حسب المعطيات، سبباً فيها!
فكم هو عدد ضحايا الانقلابات المتكررة في سوريا والعراق واليمن؟ ومعظم عدد ضحايا عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وحزب البعث وصدام في العراق، وكل من جاء بعدهم من تجار طائفية ومصاصي دماء؟ وكم قتل في معارك السودان، ودارفور والانفصال؟ وكم قتل في حروب اليمن والصومال الحزين وفي لبنان والجزائر وانقلابات وثورات تونس وليبيا ومصر واحتلال الكويت، وغيرها، وكل تلك المعارك العبثية وجرائم الاغتيال الفردية والجماعية التي يصعب حصرها، هذا غير آلاف المصلين الذين لقوا حتفهم، وهم يؤدون الصلاة، في المساجد بأسلحة هذا العربي أو تلك العربية؟ هذا غير من أحرقوا أو دفنوا أحياء أو ضربوا بالنابالم والأسلحة الكيماوية والغازات السامة، وكنا بعد كل مذبحة ومأساة نجتمع لكي نلعن أعداءنا من المشركين وأحفاد القردة والخنازير الضالين؟!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

عزيزي السفير خالد الجار الله

أثناء الاحتلال الصدامي الأسود للكويت، ومع كل اليأس الذي كان يشعر به مواطنو الدولة والمقيمون فيها، والخوف الذي شل كل نشاط، وتضارب الأنباء عن مصير الكويت والكويتيين، قام ثلاثة دبلوماسيين مميزين، وبدافع وطني بحت، بوضع القلق واليأس جانباً، والسعي لأن تبقى صورة وطنهم حية في الأذهان، وضياع حقهم في العيش بكرامة وحرية، ورغبة منهم في تخليصها من براثن طاغية لا يعرف شيئا عن الإنسانية، قاموا بالسعي الى التقارب العملي بين الكويت وإيطاليا، ولأجل ذلك أسسوا، مع مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين الإيطاليين، جمعية صداقة وتوأمة بين مدينة الكويت «المحتلة» ومدينة فلورنسا العريقة في إيطاليا، وهذه سابقة عالمية. ونجحت جهود الدبلوماسيين الثلاثة، على الرغم من المعارضة الشديدة التي لقيها المقترح من أعضاء المجلس البلدي في فلورنسا ومن أعضاء الحزب الشيوعي، الذي كان منذ البداية معارضاً لفكرة التدخل العسكري لتحرير الكويت. وعلى الرغم من كل الصعوبات، وبجهود عمدة فلورانس، ورئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلى المدينة نفسها، وبجهود السفير (المتقاعد حاليا) احمد غيث، وسفيرنا حاليا في طهران، ماجد الظفيري، وسفيرنا الحالي في السنغال محمد خلف، تم تمرير القرار وقبول المجلس لتوأمة مدينة الكويت المحتلة وواحدة من أعرق المدن الإيطالية واكثرها شهرة. وتقديراً لجهود ودور رئيس الجمعية وأعضائها في إبقاء اسم الكويت عاليا أثناء الاحتلال، قام صاحب السمو الأمير الراحل، جابر الأحمد، بعد التحرير بفترة قصيرة، بإرسال طائرة خاصة، لاستضافتهم في الكويت وتقديم الشكر لهم. قامت تلك الجمعية بعدة أنشطة فعالة، منها عرض مقتنيات دار الآثار الإسلامية في إيطاليا، ومنح بعض الشخصيات الرفيعة أوسمة خاصة. كما رعت الجمعية إصدار كتاب «الكويت في زمن الآلام»، الذي قام بوضعه رئيس الجمعية، وأشرف على إصداره، وهو عبارة عن الرسائل المتضامنة مع الكويت من قبل أطفال المدارس الابتدائية والمتوسطة. المهم في هذا الموضوع أن الكويت، ومنذ التحرير وحتى الآن، تقوم بتغطية إيجار مقرها، علما بأن العاملين في الجمعية متطوعون، ولدى الجمعيات مقتنيات وأنشطة ووجودها مهم من الناحية الدبلوماسية، ولكن سفيرنا الحالي في إيطاليا، وفق ما قيل لي، قام بوقف المعونة عن الجمعية بشكل مفاجئ، من دون إمهال رئيسها فترة لتدبير أمره. وبالتالي أصبح مصير الجمعية، بعد 23 سنة في مهب الريح. لقد كان لهذه الجمعية دور كبير وأنشطة عدة لا يسع المجال لذكرها، وبالتالي نتمنى على الأخ وكيل وزارة الخارجية التدخل لمعرفة حقيقة دوافع قرار سفيرنا في إيطاليا، وسبب قطع المعونة عن جمعية، كان لها دور كبير عندما كنا بحاجة إليها، وعندما أصبحنا في أمان قررنا التخلص منها بطريقة غير لائقة. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

التحذير من التخدير

ذكر رئيس جمعية تتبع للتنظيم الدولي للإخوان أنهم قرروا إغلاق لجنتي الدعية والنزهة للزكاة بسبب ضعف الإيرادات! ولكنه تناسى ذلك واكمل تصريحه بأنه من أهداف الجمعية تعزيز التواصل بين افراد المجتمع واحتواء الشباب وتعليمهم العادات والتقاليد الأصيلة! فكيف يتفق سبب الإغلاق مع ما سبق أن ذكره عن ضعف إيرادات الفرعين؟ فهل هدف الجمعية جمع المال أم التواصل مع شباب المنطقة؟ ان سبب الإغلاق الحقيقي سرعان ما ظهر على السطح، وكان بطلب حكومي لا علاقة له بتزايد مخالفات الجمعية، فهذه كانت معروفة وكانت تتكرر عاما بعد آخر، بل بسبب ضغوط وزارة الخزانة الأميركية، والأهم وقوف هذه الجمعيات، المسماة ب«الخيرية»، إلى جانب المعارضة! فبالرغم من كل ما اغدقته الحكومة عليها من نعم ومناصب حكومية فانها لم تتردد في عض اليد التي «أعطتها»، وبالتالي وجدت الحكومة منفذا عليها من خلال أطنان مخالفاتها، فتدخلت وأوقفت بعض انشطتها، وهذه الاجراءات لم تنطلق من واقع تنامي خطر الإخوان والسلف، وضرورة كبح جماحهم، بل لخطئها السياسي بالوقوف مع المعارضة، وبالتالي مؤسف أن تأتي الاجراءات الأخيرة، والخجولة غالبا، من هذا المنطلق وليس من واقع ما تسببت فيه من خراب سياسي وتربوي يصعب جدا إصلاحه. وبالرغم من ان الحكومة قامت حتى الآن بإغلاق أكثر من 30 لجنة «خيرية» تابعة للإخوان والسلف، فان ايا من هذه الأطراف لم تبد أي اعتراض أو احتجاج على تهم التلاعب، وما يعنيه قرار إغلاق جمعية دينية من إهانة وطعن في المصداقية، وسبب السكوت معروف، وهو الخوف على ما تبقى لها، وما لا يزال تحت يدها، من أموال طائلة. ومعروف ان هذه الأموال السهلة الجمع سبق أن دفعت أطرافا عدة لدخول ميدان الجمعيات، ومنها شخصية سياسية متنفذة، وافقت لها الحكومة على ترخيص لجمعية «إنسانية»، ولكنها كرست لجمع التبرعات، وقامت الحكومة مؤخرا بإغلاقها أيضا ليس لمخالفاتها فقط، بل وأيضا في الغالب لعدم رضاها عن رئيسها. والدليل الآخر على أن عدم جدية الحكومة في محاربة التطرف وجمع المال لتمويل أنشطة خارجية، هو موافقتها مؤخرا على ترخيص جمعية لتعزيز القيم، يشرف عليها من يعرف عنهم التطرف الديني، وهذه الجمعية ستكون ربما نواة لجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وبالتالي فإن عملية ضربة على الحافر وضربة على المسمار مستمرة، من دون وجود سياسة واضحة أو نظرة بعيدة، وهذا يعني أن التخبط الحكومي مستمر. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com