يوجد في العالم اليوم سبعة آلاف لغة حية تقريبا، وليس من المتوقع غياب أي منها، بعد أن استقرت ادوات الحفظ والكتابة والطباعة، بحيث أصبح من الصعب اختفاء لغة ما، خاصة بعد أن دونت الكتب والقواميس والمناهج الدراسية والقوانين بها. وعلى الرغم من ثراء اللغة الإنكليزية الظاهر، إن بعدد كلماتها أو تعابيرها، إلا أن من الصعب إيجاد أداة قياس متفق عليها يمكن استخدامها لمعرفة عدد كلمات أي لغة مقارنة بغيرها، فكلمة «كتب» العربية مثلا، أو spring الإنكليزية يمكن ان يكون لها أكثر من معنى، فهل ستدون في القاموس ككلمة أم كعدة كلمات؟ وبالتالي سيبقى السؤال عن أي اللغات أكثر أو أغنى بعدد كلماتها من دون جواب. من جهة أخرى تعتبر لغة المندرين في الصين أكثر لغة يتحدث بها أصحابها الأصليون، وهذا لا يسري على الإنكليزية، الأكثر انتشارا في العالم منها، ولكن كلغة ثانية، فأعداد المتحدثين باللغة الإنكليزية كلغة أُم قلة، مقارنة بالمندرين. كما توجد في غالبية دول العالم أكثر من لغة رسمية، وتعتبر جمهورية بابوا نيوغينيز الاستوائية الأكثر غنى بعدد لغاتها، حيث يوجد فيها 820 لغة حية. ويعتقد ان الإنسان عرف اللغة قبل مئة الف عام فقط، وأن اقدم اللغات المدونة هي السومرية والهيروغليفية. اما اقدم لغة مكتوبة ولا تزال قيد الاستخدام، فهي المندرين الصينية. وفي الوقت الذي يمكن أن نقول، وإن بتحفظ شديد، إن كلمات اللغة الإنكليزية تبلغ 250 ألف كلمة، فإن عدد كلمات لغة شعب سورينام، في أميركا الجنوبية، لا يزيد على 340 كلمة. أما اغنى لغة بعدد الحروف، فهي لغة خامر الكمبودية، التي تحتوي على 74 حرفا، مقارنة بالعربية بحروفها الـ28. وهناك لغات حية لا تزيد حروفها على 12، وهي بالتالي محدودة بعدد نغمات أو اصوات كلماتها، بسبب تكرار استخدام الأحرف نفسها في الجملة الواحدة. كما تعتبر لغة بوتسوانا الأفريقية الأكثر غنى بعدد الأصوات فيها. أما في مجال الترجمة، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو النص الذي ترجم لاكبر عدد من اللغات، ومع هذا لا تعترف جميع الدول العربية والإسلامية بكثير من المواد الحيوية في هذه الوثيقة العالمية المهمة، والأسباب معروفة، وبعدها نتساءل عن سبب كوننا المصدر الأكبر للإرهاب في العالم! ومعروف أن تعلم أكثر من لغة له مهارات خاصة لدى الفرد، ولكننا غالبا ما يمكننا اكتساب هذه المهارات بالمثابرة والتدريب، ومخالطة من يتحدثون باللغة التي نود تعلمها. وأثبتت الابحاث الطبية ان الطفل الذي يتحدث بأكثر من لغة يكبر، وهو أكثر ثقة بالنفس، وبمقدوره التحول من أداء عمل ما لآخر بسهولة ويسر، مقارنة بالطفل الذي لا يتحدث إلا بلغة واحدة. كما أن تعلم لغات عدة يؤخر من إصابة الإنسان بالخرف أو النسيان. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
التصنيف: احمد الصراف - كلام الناس
إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]
صديقنا القديم.. وزيرنا الجديد
أستطيع القول، مع الاحترام لقلة فقط من وزراء التربية السابقين، ان تعيين الأستاذ الأكاديمي بدر العيسى وزيرا جديدا للتربية، والتربية أولا، ولا يهم بعدها إن كان وزيرا للتعليم العالي أم لا، جاء في الوقت المناسب، وفي ظروف صعبة جدا تمر بها الكويت، أمنيا وأخلاقيا وتربويا! بدر العيسى هو ابن مدارس الكويت وتربى وربي في أروقتها سنين طويلة، وكون فكرة من خلال أنشطته الأكاديمية وعضويته في لجان الجامعة وجمعياتها، ليس عن التعليم العالي فقط، بل وعما يأتي للتعليم العالي من مصائب من المراحل السابقة. وبالتالي نعتقد أن مهمة السيد الوزير الجديد هي الأصعب في تاريخ وزارة التربية، والأكثر دقة وحساسية، ولا أبالغ إن قلت أن مستقبل التعليم في الكويت للسنوات العشر المقبلة سيعتمد على ما سيتخذه من إجراءات طال انتظارها، والتي فشل كل من سبقه في اتخاذها، أو لم يرغب في اتخاذها، أو منع من اتخاذها، وهذه الأكثر احتمالا. مشكلة وزارة التربية تكمن في شقين خطيرين لا يمكن حلهما بسهولة لارتباطهما بالوقت المتاح للوزير، وللطريقة التي تدار بها أمور التربية والتعليم في الكويت منذ اربعين عاما تقريبا. المشكلة الأولى هي المناهج المهلهلة، المترهلة وربما العنصرية، والمشكلة الثانية الأكثر إلحاحا هي عقلية أغلب الهيئة التدريسية التي «سهل» (بضم السين) للأحزاب الدينية المتخلفة السيطرة عليها! وأستطيع أن أؤكد هنا أن هناك اليوم مدرسين كويتيين يقوم زملاؤهم، وحتى نظار مدارسهم، بالطلب منهم حث تلامذتهم على الانضمام لصفوف المقاتلين في سوريا كما تردد، وهذا حدث ويحدث مع مدرسي مواد فنية وعلمية، فما بالك بمدرسي المواد الأخرى، الأكثر خطورة على عقلية الطالب! وبالتالي فإن دور المدرس في توجيه التلاميذ وتشكيل عقلياتهم، لا يقل خطورة عن فساد أو انحراف المواد التي تدرس لهم. وعليه، فإن نصيحتنا للسيد الوزير الجديد، إن سمح لنا بذلك، هو تجنب المطب الذي وقع فيه كل من سبقه، وهو الغرق في الروتين اليومي للوزارة، ونقل فلان وتثبيت علان، فأغلب طاقم مكتبه محترف في تكديس ملفات مئات القضايا العالقة أمامه منذ يوم عمله الأول، وجميعها قضايا عاجلة ومهمة وتحتاج الى التفاته منه، هذا غير مشاكل الجامعة وإدارتها المتعبة! ولكن ليس هناك حقا ما هو أخطر ولا أهم من موضوعي المعلمين والمناهج، وليس هناك من يعرف ما تعنيه هاتان المشكلتان مثل الوزير الجديد. وبالتالي نتمنى عليه ألا يخرج من الوزارة دون أن تحقق إصلاحا جذريا مع هاتين المعضلتين، أو مع احداهما على الأقل، وأن يتجنب أخطاء من سبقه. ومن المؤكد أنه لو تفرغ، في الستة أشهر القادمة لمهمة المناهج والمدرس لسجل التاريخ الوطني الكويتي له ذلك إلى الأبد. ومن المؤكد أيضا أن كل شيء آخر يمكن أن ينتظر لبعض الوقت، فالحياة أولويات. وإن لم يستطع فعل شيء بخصوص هاتين المشكلتين، أو منع من القيام بالتصدي لهما، فليس أمامه، من واقع معرفتنا بشخصيته، غير الاستقالة، بشرف! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
الأمين الأمين والقوي
لا يمكنني الادعاء بأنني اعرف المهندس القدير علي اليوحة، أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بما يكفي للحكم عليه، ولكن بإمكاني، كمتابع لأعمال وأنشطة وإنجازات المجلس الوطني، منذ ان استلم أمانته العامة، أن اقول بكل إخلاص انه حقق الكثير، وهذا كاف لمعرفة حقيقة الرجل، وما يمثله من قيم خلقية ومعرفية وانفتاح. فخلال السنوات الاربع الماضية، وعلى الرغم من تواضع ميزانية المجلس الوطني، مقارنة بجهات أقل أهمية وحيوية منه بكثير، والتي يذهب جلها للرواتب والمكافآت، حقق المجلس الوطني نقلة كبيرة في عمله، إن من ناحية عدد ونوعية الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها بصفة مستمرة، والتي بلغت، حسبما اخبرني صديق، المئات سنوياً، بالإضافة لدعمه لأنشطة دار الآثار الاسلامية الغنية والمتعددة، هذا غير إشراف المجلس المباشر على عدة مهرجانات ثقافية وفنية كل عام، أو بتعدد مشاريع المجلس المستقبلية. فقد أعلمتني صديقة عزيزة بأن استراتيجية المجلس للسنوات الخمس القادمة طموحة جدا، وتتطلب بقاء من وضعها على رأس عمله لتنفيذها، ليس من واقع التحدي، بل لضمان تنفيذ الخطة حسب رؤى من وضعها، خاصة أن تقارير أكثر من جهة رقابية بينت تطور وتحسن أداء المجلس وقلة مخالفاته، والتزامه باللوائح والانظمة المتبعة، ومنها تقارير ديوان الخدمة المدنية وديوان المحاسبة. كما صدر قرار بتطوير وتعديل الهيكل التنظيمي للمجلس، ووضع هيكل تنظيمي لمكتبة الكويت الوطنية، وهو الهيكل الذي افتقدته لسنوات طويلة. ويكفي إدارة المجلس الوطني فخرا أنها نجحت، وبعد نصف قرن تقريبا من الجمود في إيجاد مسرح محترم، مع افتتاح مسرح السالمية بطاقته الاستيعابية البالغة 800 كرسي، وهو أول مسرح تبنيه الدولة منذ 45 عاما! وجار العمل حالياً على إعداد وثائق مناقصة تنفيذ مشروع مركز الأحمدي الثقافي في المهبولة، الذي سيحتوي على مسارح عدة، منها ما هو مخصص للموسيقى، وقاعه لانشطة الاطفال وغيرها. يبقى من مشاريع المجلس الحالية مشروعان حضاريان ومهمان، الأول مشروع مجمع المتاحف، الذي جار تنفيذه على أرض مدرسة عبدالله السالم في شارع بغداد، والذي سيحتوي على متحف للتاريخ الطبيعي، وآخر للعلوم، وثالث للتراث الإسلامي، إضافة لورش للتدريب والمسرح. والمشروع الحضاري الآخر، والجاري تشيده في ساحة العلم، هو دار الأوبرا، الذي سيكون مفخرة للكويت، وقد يكون افتتاحه بداية خروج الكويت وشعبها من نفق التخلف والظلام الذي وضعتنا فيه الأحزاب الدينية المتطرفة، بالتعاون السيئ مع بعض مسؤولينا. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
عزيزتي زيبا
لفت صديق عربي أميركي نظري، صباح الجمعة، إلى مقال الزميلة زيبا رفيق، الذي ردّت فيه على مقال لي عن شاعر الهند، باكستان لاحقا، محمد إقبال، وذكرت فيه: أن «التطرف الليبرالي ليس أقل من التطرف الديني»! وهنا سأرد عليها، ليس احتراماً لما كتبت، ولا لما تضمنه مقالها من كلمات إطراء تُشكر عليها، ولكن أيضاً لتوضيح أمور غير دقيقة أوردتها، ولبيان ما لم يُتح لي ذكره في مقالي السابق. أولاً يا عزيزتي، لقد ظلمت نفسك وظلمتني بمحاولة وضعي، بما كتبت من كلمات «متطرفة» بنظرك، في كفة، وكل ما ارتكبه التطرف الديني من جرائم غاصت، ولا تزال تغوص الأمة العربية والإسلامية في وحولها المختلطة بالكثير من الدموع والدماء والأشلاء البشرية المبعثرة، في كفة واحدة! وغريب أن تأتي امرأة، وهي الهدف الأكبر لظلم الجماعات الدينية المتطرفة، لتساويني، بما كتبت من كلمات، لم أعتقد أنها متطرفة، مع هؤلاء الوحوش الذين سبّوا أخواتها، وألبسوهن شر اللباس، وأطعموهن الذلّ والهوان، وحرموهن من نسائم الحرية والإنسانية! أليس من الظلم يا عزيزتي، أو تلميذتي، كما أحببت أن تصفي نفسك، أن تضعيني، بكل ما بذلت طوال عقود عدة من الصراع مع التيارات المتخلفة للدفاع عن حقوق المرأة، أن تضعيني في كفة واحدة معهم، وتصبح بضع كلمات لم تعجبك «جريمة ارتكبتها ضد البشرية»، حسب وصفك؟ ما علينا، فلك أن تعتقدي بما تشائين. ولنعد إلى ما تضمّنه مقالك من «هفوات». فقد ذكرت. أن مقالي نُشر بتاريخ 2014/8/27، والصحيح أنه نشر يوم 21 أكتوبر. وذكرت أنني ألصقتُ كل السلبيات بشعب، ونسبت كل الإيجابيات لشعب آخر! وهذا ما لم يحصل، ونص المقال موجود على الموقع التالي www.kalamanas.com، فمن أين أتيت بهذا.. يا عزيزتي؟ ثم وصفت. عدم اطلاعي على حقيقة لغة الأورد بـ«المصيبة الكبرى»، وأنني سردت معلومات تاريخية لم أكلّ.ف نفسي عناء البحث عن صحتها، وأن الصحيح، حسب رأيك، أن الهندية لغة قديمة، أما الأوردو فلغة جديدة بدأت مع قدوم الأتراك والأفغان والعرب والفرس إلى شمال الهند، ونشأت الأوردو من تخالطهم! وهذا كلام أقل ما يقال عنه أنه غير صحيح أبدا(!) فالأوردو، كما ذكرت في مقالي السابق، هي اللغة الهندية نفسها، وليست لغة جديدة، ولكنها تأثرت بالفارسية والعربية، وبدرجة أقل بالتركية، وانتشرت في شمال القارة، وكتبت في مرحلة تالية بالأحرف العربية بتأثير فارسي إسلامي، كما حدث مع اللغة البهلوية الإيرانية. وبالتالي من لغو الكلام وصفها بلغة جديدة، والدليل على ذلك أن أفراد شعبي الهند وباكستان يتكلم بعضهم مع بعض بطلاقة، من دون أن يكلف أحدهم نفسه تعلم لغة الآخر، ولكن عند الكتابة يختلف المسار. ولسبب ما يعتقد البعض أن الأوردو جاءت مع الغزو المغولي للهند، وهذا أيضا غير صحيح، فلغة بلاط المغول كانت الفارسية، وعندما استعمر البريطانيون الهند فرضوا التحدّث بالهندية، مع حق البعض في كتابة الأوردو بالأحرف الفارسية (العربية). كما أن تسمية الأوردو جديدة فقد استخدمها لأول مرة الشاعر غلام حمداني مشافي عام 1780، وكانت قبلها بقرون تسمى بالهندية Hindi. أما عن سؤالك الأخير، المتعلق بمن تسبَّب في قتل وتشريد ملايين الهنود عند انفصال الهند، فردي أن الجواب مستحيل، فالخطأ شمل الجميع، ولكن خطيئة إقبال، الشاعر المرهف الحس، كانت الأكبر. وربما نعرف اليوم أن الهند كانت المستفيد الأكبر من انفصال مئات ملايين المسلمين عنها! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
اليوم اليوم.. وليس غداً
لن أندم على أي شخص دخل حياتي، ورحل. فالمخلص اسعدني والسيئ منحني التجربة والاسوأ كان درسا لي، أما الأفضل «فقد أسعدني» ولن يتركني! (غاندي). *** دعانا صديق، انا وزوجتي، لتناول الغداء مع أسرته واخوته في الشاليه الذي اختاره ليكون بيته الدائم، بعيدا عن ضوضاء المدينة. أعجبني اختياره لأفضل مكان في الشاليه ليكون غرفة نومه وصالة جلوسه ومعيشته الشخصية، وترك الجانب الخلفي من الشاليه، الأقل فخامة، لضيوفه. ولم يسؤني ذلك، بل اثنيت على اختياره، فنحن غالبا ما نختار أفضل أجزاء البيت للضيوف ونحصر أنفسنا في زوايا ضيقة من البيت لا تتميز لا بمنظر ولا بأثاث جميل، وذلك لرغبتنا في التأثير على ضيوفنا وإبهارهم وإكرامهم بما يليق، وهذا جيد ولكن يجب ألا ننسى، في خضم كل ذلك، أنفسنا، فهم طارئون ونحن الأصل، فالبيت لمالكه وليس لضيوفه، وبالتالي من الغباء مثلا شراء أفضل أطقم تقديم الطعام وحفظها في الخزانة لحين قدوم ضيف لكي تستخدم لساعة مثلا وليعود الطقم الجميل ليحتل مكانه على رف الخزائن بانتظار ضيف آخر، قد لا يأتي ابدا، ونغادر الحياة والطقم على وضعه، او «حطة ايدك»! وبالقدر بنفسه من السذاجة، فإن الكثيرين يختارون أفضل المفروشات وأغلاها ثمنا ليضعوها في صالة الاستقبال الرئيسية، ولا تستخدم إلا عندما يزور البيت ضيف ما، وغالبا ما تبقى هذه المفروشات مغطاة، خوفا من أن تتلف. ونقوم في الوقت نفسه باختيار مفروشات عادية لغرف المعيشة بحجة أنها لاستعمالنا الشخصي. وهكذا نرى أننا نشتري أشياء كثيرة ونحتفظ بها ليوم أو مناسبة جميلة ونغادر هذه الدنيا والمناسبة.. لم يحن أوانها. وعليه يجب أن نعرف جيدا، أن كل يوم في حياتنا هو جميل وخاص ومميز، ويستحق أن نعيشه بكل ما لدينا من طاقة وعنفوان، وأن نستخدم افضل ما لدينا، فلا ضيف في هذه الدنيا أفضل منا، فالمخدة الأفضل هي مخدتنا، وأجمل شبشب وأدفأ لحاف لنا قبل غيرنا، ولا يعني ذلك أن نكون أنانيين بل عمليين، فاللحاف الجميل الذي لا نود استخدامه إلا عندما يأتينا ضيف «جميل»، قد لا يأتي أوانه ابدا، من الأفضل أن نعطيه لمن يحتاجه، فالعطاء سعادة لا توصف. فلو نظر كل منا لخزانة ملابسه، وخاصة السيدات، لوجدنا أننا نحتفظ مثلا ببنطلونات من مقاسات متعددة، ونرفض التخلص منها أو إعطاءها لمن يستحقها بحجة أن يوما ما سينقص وزننا وسنتمكن من ارتدائها. ولو كنا نعرف متى ستنتهي حياتنا هل كنا سنبقي أفضل الأشياء لأفضل الأيام أم سنحرص على استخدامها قبل فوات الأوان؟ ولو كنا نعرف تاريخ نهاية حياتنا هل كنا سنغادرها بعداواتنا نفسها، أم كنا سننهيها فورا؟ وبالتالي لماذا لا نستمتع بكل دقيقة من حياتنا اليوم، ولا نؤجل السعادة للمستقبل، ولو كان غدا، فاليوم أو اللحظة هذه فقط هي المضمونة، أما بعدها.. فلا أمان! الملك حسين، ملك الأردن الراحل، كان ابن ملك وحفيد ملك ويتقن عدة مهارات، وصديقا لملوك ورؤساء دول، وكان يمون على خزائن عدة دول خليجية، وكانت له في واشنطن، والغرب عامة، معزة ونفوذ. كما كان يعرف كل طبيب بارع، ولكن عندما مرض، وهو في مقتبل الستينات من العمر، لم تنفعه ثروته ولا صداقاته ولا معارفه ولا علاقاته، فهل نتعظ؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
جريمة التصوير.. والرجل الأحمر
سبق أن صدرت فتاوى من معظم كبار «علماء» العالم الإسلامي، تحرم تصوير الإنسان بأي صورة كانت، تمثالا، لوحة، صورة فوتوغرافية، أو فيلما. وعندما قررت مجموعة من الفنانين ورجال الأعمال إنتاج فيلم «الرسالة»، اضطروا لطلب موافقة رجل دين «كفيف» على ذلك، وذهبوا بالفعل لمقابلته وأخذ «بركته»! حدث كل ذلك قبل فترة ليست بالبعيدة، ولكن صنوف الدهر ومجريات الزمان أجبرت هؤلاء الحواة نفسهم، أو الدعاة الى تغيير نظرتهم وتبديل مفاهيمهم، والقول ان التصوير ليس حراما ولا يؤدي بصاحبه الى النار، وحدث ذلك بعد أن اكتشف هؤلاء الدعاة كيف حقق من اختلف معهم في حرمة التصوير الملايين من خلال مقابلات صحافية وتلفزيونية، والمشاركة في تقديم البرامج في القنوات الفضائية «السخية»، وكيف روجوا كتبهم، وفي أكثر المواضيع سطحية و«إثارة»! وهكذا انهارت، بين عصرية وعشاها، جبال فتاوى منع التصوير أمام ضغوط خراطيم مياه البترودولار، كما انهار خط بارليف، وقبلها خط دفاع ماجينو الفرنسي الشهير أمام جيوش مصر وألمانيا! ولكن الخاسر الأكبر كان كل أولئك الذين صدقوا تلك الفتاوى في حينها، وحرقوا جميع صورهم العائلية الحميمة، واتلفوا ذكريات صباهم التي لا يمكن استرجاعها أو تعويضها، وفعلوا ذلك خوفا من عقاب السماء، ثم تبين تاليا أنهم كانوا من الخاسرين! وغني عن القول ان هذا النهي، والنهي المضاد، تكرر مع عشرات القضايا والمسائل الأخرى، وتكرر معها «ضحك» او تغرير بعض رجال دين بعقول مواطنيهم، الذين قبلوا منهم «أي كلام» من دون تفكير. ولا ننسى هنا التطرق للفتوى المضحكة التي سبق أن اصدرها أحد اقوى المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر، بعد الإطاحة بنظام مبارك، الذي كاد أن ينجح في الانتخابات، لولا الكشف في آخر لحظة عن كذبه في مستندات ترشحه، وهي الفتوى التي حرم فيها تناول مرطب شهير بحجة أن اسمه هو اختصار لجملة «ادفع كل سنت لتحمي إسرائيل»، غير مدرك أن تاريخ تسمية ذلك المرطب سابق لتأسيس إسرائيل بنصف قرن تقريبا! ولكنه تنازل عن فتواه بعدها، بعد قبض المقسوم! والطريف أيضا في الموضوع الابتكار الجديد المتعلق بإشارة مرور راقصة وموسيقية، حيث قامت شركة أوروبية بإنتاج إشارة عبور مشاة تبين رجلا يرقص على أنغام موسيقية، عندما تكون إشارة العبور حمراء، وتتوقف الموسيقى ومعها الرقص، عندما يصبح اللون أخضر، ويسمح بعبور الشارع. والغرض هنا هو تسلية المشاة، وهم بانتظار ظهور الإشارة الخضراء، واشغالهم عن العبور الخاطئ. وأكاد اجزم بأن هذه الفكرة الذكية ستلقى معارضة شديدة من بعض الدعاة لدينا، بحجة أنها تحتوي على موسيقى ورجل راقص، وهذه وتلك حرام! وبالتالي ما على من يرغب في تسويق مثل هذه الإشارات في دولنا إلا إغراء من «في بالي وبالك»، ليصبح شريكا معه، وبقليل من «دهن السير» لغيرهم، سيجد سوقا رائجة لهذا الابتكار، وقد ينجح في إصدار فتوى مضادة تجيز المصلحة العامة فيها استخدام هذه الإشارة. هكذا تتم الصفقات التجارية في الدول المتخلفة! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
خطيئة محمد إقبال!
يقول عالم الأحياء رتشارد داوكنز إن من أكثر الأمور إثارة للاهتمام ليس وجود خالق، بل وجود كل هذا العدد من المؤمنين. فهناك أكثر من 10000 دين، وأتباع كل منها يعتقدون بأنهم على حق، ويبدو أن كره هؤلاء بعضهم بعضاً هو جزء من الإيمان. وقبل 500 عام تقريبا قام مارتن لوثر، وهو من أكبر المصلحين الكنسيين، بوصف اليهود بأنهم «عائلة من الأفاعي». وطوال قرون كنّ المسيحيون عداءً شديدًا لليهود، وأدت تلك الكراهية فى نهاية الأمر لمذابح الهولوكوست. وفي 1947 لقي أكثر من مليون شخص حتفهم، وغالبيتهم، ذبحاً، عندما قسمت الهند لدولة للهندوس، وأخرى للمسلمين. شاع اسم «إقبال» في باكستان، ليس لدور صاحبه محمد إقبال كمفكّر وشاعر، بل غالبا لدوره في تحقيق انفصال بلاده عن الهند. ولد إقبال في سيالكوت بولاية البنجاب عام 1877، وانحدر من أسرة كانت تدين بالهندوسية، ولكن أجداده اعتنقوا الإسلام في عهد السلطان زين العابدين عام 1473. بفضل وضع اسرته المميز تمكّن إقبال من تعلم الفارسية والعربية في صغره، إلى جانب اللغة الأوردية، والأوردية هي اللغة الهندية نفسها، ولكنها تكتب بالأحرف العربية والفارسية، بينما الهندية تكتب بالأحرف السنسكريتية. وبينما نجد الأوردية متأثرة بالعربية وألفاظ القرآن الكريم، نجد الهندية متأثرة أكثر بالإنكليزية. ارسل إقبال إلى أوروبا للدراسة، وحصل على الدكتوراه من جامعة ميونخ، ولكن شغفه بالأدب، واهتمامه بأحداث بلاده السياسية في ذروة الصراع الهندوسي المسلم، أبعداه عن مجال دراسته، حيث أصبح من كبار المنادين بانفصال مسلمي الهند في دولة مستقلة، وهو الذي اقترح لها اسم باكستان، أي الأرض الطاهرة (!!). لم يطل العمر بإقبال، حيث توفي عن 60 عاما في 1938 بعد أن اشتهر شاعراً وملهماً لفكرة الانفصال. وعلى الرغم من أنه يوصف بالمفكر، فإن اللقب كبير عليه، فقد كان سياسيا، ومحاميا ضليعا، ولكن تأييده لفكرة تقسيم الهند لدولتين، التي أصبحت ثلاثاً بعدها، لم تتسم بالحصافة، فقد تبين تاليا أن الانفصال تسبب في قتل الملايين وتشريد الأكثر، ولا تزال شبه القارة الهندية تشكو من ذلك القرار الأهوج والعنصري، برأيي. غنت أم كلثوم من شعر إقبال «حديث الروح»، وهي جزء من قصيدة «شكوى وجواب شكوى»، التي نشرت في ديوان صلصلة الجرس، ونقلها للعربية من الأوردية، الشاعر الصاوي شعلان، علما أن غالبية اشعار إقبال، إن لم تكن كلها، كتبت بالفارسية، إلا قصيدتي شكوى (1909) وقصيدة جواب شكوى (1913)، والتي كتبت بالأوردية، التي يعتبرها بعض الباحثين بين روائع الأدب العالمي، وسبق أن أثارت لغطا كبيرا بين مواطني الشاعر في حينه. يقول في بعض أبياتها: حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عنـاء. هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر الفضـاء ومعدنه ترابي ولكن جرت في لفظه لغة السماء. لقد فاضت دموع العشق مني حديثاً كان علوي النداء. فحلّق في رُبَى الأفلاك حتى أهاج العالم الأعلى بكائـي. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
حكومة التان تان
تقول الأستاذة اللبنانية إلهام حلو إن للتربية، وعلى الصغار بالذات، تأثيراً رهيباً! تقول ذلك من واقع تجربتها العملية الطويلة. وان شركة أمازون مثلا قررت أن يسبق عرض كل حلقة من حلقات الرسوم المتحركة، كـ«توم وجيري»، تنبيه يفيد بأن ما في الحلقة من مفاهيم وعبر تعبّر عن أحكام مسبقة، قد تكون عرقية إثنية خاصة بالمجتمع الأميركي، وان على من لا يرغب من الوالدين في تعريض اطفالهم لمثل تلك المفاهيم منعهم من مشاهدة الحلقة. وقد اضيف هذا التحذير بعد شكوى الممثلة الأميركية، من أصل أفريقي، ووبي غولدبرغ من الصورة السيئة التي تظهر فيها صاحبة البيت «السوداء» في الصور المتحركة. هذا غير بقية مشاهد حلقات هذه المسلسلات من أمور لا تقرها قوانين أميركا نفسها، دع عنك بقية دول العالم المتحضر. ما يسري على «توم وجيري» يسري على غيرها، كحلقات «تان تان» المصورة، التي تتضمن أمورا عنصرية بإظهارها أهل الكونغو وكأنهم أغبياء، وكيف أن «تان تان» الأبيض هو المتحضر والعصري. كما أن كتب الدول التي لا تزال تتمسك بنوع أو آخر من الشيوعية أو الاشتراكية تظهر الجميع بمستوى اجتماعي واحد، وبرداء أو زي أزرق أو أحمر مماثل، وهذه الصورة عن «الآخر المختلف» تستقر، مع الوقت، في أدمغة الصغار وتتسرب لخلايا أدمغتهم، من دون أن يشعروا أو يشعر ذووهم بما لها من تأثير سيئ، يصعب مع الوقت مسحه أو التخلص منه بسهولة. (انتهى الاقتباس). ولو نظرنا الى مناهج مدارسنا، وما تتضمنه من رسائل عن الآخر، لما وجدناها تختلف كثيرا عن رسائل «تان تان» أو «توم وجيري» السلبية، وإن بصورة أكثر عنصرية واكثر تطرفا. فلا يوجد في أي من هذه المناهج مثلا ذكر أن لهذه الدولة أو تلك فضل في اكتشاف دواء أو غذاء أو مادة مهمة ما، كما لا يوجد فيها ما يعني أن كل ما نرتديه أو نأكله أو نستخدمه هو في الحقيقة من صنع وإنتاج وتعب الغير، أو أن علينا أن نغير من أنفسنا ونصبح شعوبا منتجة، وليس عالة على العالم. بل ما نجده هو التركيز الشديد على «فضلنا» على العالم، وصحة جميع مواقفنا، وسلامة رسالتنا، والتركيز، وإن بطريقة غير مباشرة، على أن بإمكاننا الحصول على ما نريد بفضل نعم الله علينا بما نملك من ثروة وثراء لا ينضبان، والذي سخر لكي نشتري من الغير (الغرب) ما نريد، ولكي ندفع رواتب من يقوم على خدمتنا! والغريب، أو ربما من الطبيعي، أن ايا من مناهج مدارسنا لم تتطرق كذلك للطريقة الخاطئة التي نحيا بها، ولا لاسلوب الإسراف المتبع في كل بيت، وضرورة ترشيد إنفاقنا. فمن وضع المناهج، أو راجعها وأقرها كان يعيش في عالم آخر، وبالتالي كان الهبوط الكبير الأخير في أسعار النفط مفاجئا للكثيرين، وكأن لا أحد حذر من وقوع هذا الأمر يوما. إن الوضع خطير والطوفان قادم، ورفع الدعم عن المواد الأولية والبترول سيخلق نقمة، ولو عالجنا الأمر قبل سنوات بالرفع التدريجي سنة بعد أخرى لما حصل ما سيحصل من رفض واحتجاج، ولكن «وين اللي يفهم؟» مثل هذه الأمور، وهم الذين أنفقوا الملايين على شراء أصوات واقلام عشرات المرتزقة، ليأتوا اليوم ويسحبوا بساط الجنسية من تحتهم؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
المؤامرة على النرويج
تقع النرويج أو Norge ضمن الدول الاسكندنافية، ولم تتضرر كثيرا نتيجة الحرب العالمية الثانية، إضافة لموقعها النائي نسبيا، بل وشهد اقتصادها رواجا بعد الحرب بفضل أسطول شحنها الضخم. وبالرغم من فقر النرويج النسبي فإن وضعها تغير في السبعينات مع اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي فيها، وتعد اليوم ثالث أغنى بلد في العالم من حيث القيمة النقدية، وثاني أكبر مصدر للثروة السمكية، بعد الصين ويتمتع مواطنوها بنموذج رعاية وتأمين صحي عالمي ونظام تعليم متقدم، وجهاز حكومي يخلو من الفساد. وضع النرويج يطرح السؤال عن سبب عدم طمع البلدان الاستعمارية الكبيرة بها، فهي غنية وجميلة وصغيرة، وبها ثروات طبيعية هائلة، فمساحتها تبلغ 400 الف كيلومتر تقريبا، وعدد سكانها بالكاد يتجاوز خمسة ملايين؟ فلم تركتها الدول الاستعمارية لحالها واتجهت لدول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا لتحتلها، والنرويج أقرب منها بكثير؟ ولماذا لم تتآمر عليها الإمبرياليات العالمية، وتسلبها ثرواتها وتبيعها أسلح «خردة»، كما نجحت معنا، وبقيت النرويج دولة مستقلة؟ أسباب ذلك لا تعود فقط لقوة شكيمة مواطنيها، وتمتعهم بنظام ديموقراطي وحرية تعبير وتنقل وحرية اعتناق أي عقيدة يشاؤون، بل لأنها أيضا احترمت نفسها، وقضت على البطالة فيها واحترمت مواطنيها، وهذه جميعها دفعت بقية دول العالم لاحترام سيادتها واستقلالها. كما أنها، بالرغم من صغر عدد سكانها فإنها كانت دائما تمتلك جيشا قويا واحتياطيا عسكريا مميزا، ولم تعاد في تاريخها الحديث أي دولة. ما نود قوله هنا، هو كما قال الشاعر المتنبي (!) «من يهن يسهل الهوان عليه»، فمن دولنا دول كثيرة قبلت بالهوان وقبلت بالمذلة وقبلت بالتبعية، وبالتالي لم يكن صعبا استعمارها واستغلال ثرواتها، وعليه فإن اتجاه الاستعمار لدولنا، وليس لدول كالنرويج، لم يكن فقط بسبب سوء نوايا الدول الاستعمارية، وطمعها في ثروات الدول الأضعف، بل والأهم من ذلك بسبب تفرق رأي دولنا، وتطاحننا في حروب دينية وقبلية وطائفية، بدأت بـ «داحس» ووصلت لـ «داعش»، وبينها فترة لم تتوقف فيها تلك الحروب الأهلية إلا مع قدوم الاستعمار، لتعود وتشتعل مع مغادرته، ولا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل! وفي مبادرة تدل على مدى احترام النرويج لعقول مواطنيها، ومن منطلق الشفافية المطلقة، قامت، من خلال موقع http://t.co/Jc8W5UUQPy الإلكتروني بوضع عداد يبين، بالثانية، رصيد صندوق أجيالها القادمة، والذي أخذت فكرته من الكويت ومن تجربتها الرائدة مع صندوق الأجيال. ولكن النرويج سرعان ما سبقتنا في الاستفادة من الفكرة، حيث أصبحت تمتلك أكبر احتياطي نقدي في العالم. علما أن إجمالي احتياطيات الصندوق كان في بداية السنة خمسة تريليونات و346 مليار كرونا، وأصبح لحظة كتابة المقال خمسة تريليونات و558 مليارا. نعم قلدتنا النرويج، ولكنها تفوقت علينا، ونحن لا نزال نحاول تعلم كيف نعطي أولوية المرور في الدوار للقادم من اليسار! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
إيبولا وحرق الزرع
يعتبر فيروس إيبولا المنتشر في غرب القارة الأفريقية الأخطر والأكبر، علما بأن العالم عرفه عام 1976، ولكنه استشرى مؤخرا حاصدا أرواح الآلاف في ليبيريا وغينيا وسيراليون، وجميعها تفتقر الى ابسط المستلزمات الطبية في القرى والمناطق النائية منها، مما يجعل السيطرة على انتشار الفيروس أمراً صعباً للغاية. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في جنيف أن إيبولا أصبح «خطراً صحياً عالمياً، فحتى أميركا لم تأمن شره بعد ان وصلها مصاب به. وبالرغم مما يقال عن وجود حرب ضروس بين العالم وهذا المرض، فإن الحقيقة أن الدول الغربية وحدها المعنية بالقضاء عليه، بعد أن تجاوز عدد ضحاياه الـ4000 مؤخرا، هذا غير عشرات آلاف المصابين به. وذكرت منظمة الصحة أن عدد ضحايا هذا الوباء سيصل لأكثر من 20 ألفاً، إن لم تتم السيطرة عليه قبل نهاية الشهر المقبل، علما بأن العالم لا يمتلك حتى الآن علاجا أو مصلا مضادا لهذا الفيروس الخطير. العجيب في الأمر، او ربما الطبيعي، أن الجهات الوحيدة التي تحاول فعل شيء لإيجاد علاج لهذا المرض، أو التي تبرعت للدول المتضررة التي شل الوباء اقتصاداتها وجمد كل شيء فيها، أو الذين قاموا بالتطوع للعمل في مستشفياتها من أطقم طبية وتمريض، هم جميعا من الدول الغربية، والأوروبية بالذات.. وإسرائيل! وهذا لا يعني فقط تقاعس دول كالصين والدول الإسلامية والعربية الغنية عن فعل شيء، بل وحتى بقية دول العالم، وقد يكون الأمر متوقعا منها جميعا تقريبا، فلكل منها حساباتها ومصالحها ومشاكلها الرهيبة، ونظرتها للأمور. ولكن ما هو عذر معظم الدول الإسلامية، والعربية الغنية بالذات، التي تصرف مئات ملايين الدنانير على قنوات فضائية دينية، من مختلف الطوائف، مخربة للنفوس والعقول؟ الجواب طبعاً لا شيء، بل انفردت هذه الدول بالدعاء على تلك الدول التي شاركت وساهمت، وخاطر مواطنوها في القضاء على ذلك الوباء المعدي والخطير، أو على الأقل احتوائه، بـ«استمرار» الدعاء عليهم من على منابر المساجد والقنوات الفضائية الدينية، ومناهج المدارس، داعية الى أن يحرق الله زرعهم، اي الغربيين، وييتم اطفالهم، أي الإسرائيليين، ويرمل نساءهم، أي الدانمركيين المسيحيين، ويجفف آبار مياههم، اي الاستراليين، ويفني نسلهم، اي النيوزيلنديين، وأن وأن..! وهذا ما اعتدنا على سماعه في العقود القليلة الماضية! ولكن ما الذي سيكون عليه موقف هؤلاء الخطباء والدعاة إن وصل ذلك الوباء، او ما يماثله لأوطانهم؟ حينها ما الذي باعتقادهم سيأتي لنجدتنا؟ أليس الغرب بمختبراته واطبائه وممرضيه ومتطوعيه؟ ألا نستحي ونتوقف عن إطلاق مثل هذه الأدعية، ونحن بكل هذا العجز الطبي والعلمي والصناعي؟ ألا تخجل معظم حكوماتنا من ترك هؤلاء الجهلة يطلقون مثل هذه الأدعية؟ الجواب.. لا طبعا! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com