احمد الصراف

تنبؤات ونستون وأقواله

يعتبر ونستون تشرشل أعظم شخصية سياسية بريطانية في القرن العشرين، وصاحب سجل حافل بالمواقف والتناقضات والصراعات.
ولد السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل، الذي ينحدر من أسرة ارستقراطية، والذي رفض لقب لورد، ليستمر عضوا في مجلس العموم، ولا ينتقل الى مجلس اللوردات الأقل صلاحية، ولد عام 1874 وتوفي عن تسعين عاما. صعد نجمه عندما اصبح إبان الحرب العالمية الثانية رئيسا للوزراء، لتنتهي رئاسته مع انتهاء الحرب، بعد أن رفض الناخب البريطاني التجديد له ولحزبه. وقد أبلى أحسن البلاء في منصبه بمواقفه وقراراته التاريخية، ونجاحه في إقناع الرئيس الأميركي روزفلت بدعمه في حربه بكل قوة، قبل أن تدخل أميركا الحرب بصورة مباشرة بعد كارثة «بيرل هاربر».
أمضى تشرشل سنوات حياته الأولى ضابطا. كما عمل مؤرخا وكاتبا ورساما، وهو رئيس الوزراء الوحيد في العالم الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب. وخدم تشرشل في الجيش البريطاني في مستعمرتي الهند والسودان، حيث كون غالبية أفكاره السلبية عن العرب والمسلمين، وشارك في حرب البوير بجنوب أفريقيا، واشتهر كمراسل حربي. كما ألف تشرشل كتبا عدة أورد فيها خلاصة تجاربه، ورؤاه وحروبه.
أعظم مواقف تشرشل التاريخية رفضه الاستسلام أمام آلة الحرب الألمانية الشرسة، بعد أن وجدت بريطانيا نفسها وحيدة امامها، وأثارت خطبه حماس البريطانيين، فصمدوا وانتصروا. وعندما توفي تشرشل عام 1965 أقيمت له جنازة لم يعرف التاريخ لها مثيلا، وما زالت سيرته، كمحارب وسياسي استعماري، تحظى باهتمام الكثير من المؤرخين.
من أقوال تشرشل الشهيرة، التي لا تزال متداولة، قوله: إن سر الحقيقة ليس أن نفعل ما نحب، بل ان نحب ما نفعل. وقال: أسير الحرب هو رجل يحاول قتلك، ولكنه عاجز عن القيام بذلك، ثم يأتي ويطلب منك ألا تقتله! وقال في وصف ديموقراطية بلاده: إذا ما طرق باب بيتي في الصباح الباكر طارق ولم يكن لدي شك بأنه بائع الحليب، فأنا أعيش في بلد ديموقراطي.. (ولكن هذا تغير الآن كثيرا يا سيد ونستون). ويقول: إن التاريخ سيكون لطيفا معي، فأنا أنوي كتابته. ونقل عنه قوله: المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى فرصة في كل صعوبة. وقال أيضا: الذكي من لا يرتكب كل الأخطاء بنفسه، بل يترك فرصة لغيره لارتكابها. وقال عن المدخن الشره، وكان يدمن تدخين السيجار، إنه يشبه ذلك الذي يقرأ كثيرا عن أخطار التدخين، ثم يأتي يوم يقرر فيه التوقف عن.. القراءة.
كتب تشرشل قبل 115 عاما نصا عن الإسلام والمسلمين، لو كنا درسناه في مدارسنا في حينه، أو حتى بعدها بنصف قرن، لما وصلت الحال بنا الى ما نحن عليه الآن من ضعف وهوان.. ولكن متى كنا شعوبا تقرأ؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا والمطارات (2/2)

قد يمر وقت طويل قبل أن ترسو مناقصة المطار الجديد على جهةٍ ما، وينتهى بناؤه، الذي يشبه أحد تصاميم «فيكتوريا سيكرتس». أثناء ذلك سنعاني لسنوات عدة من سوء خدمات المطار الحالي، الذي يتطلب قراراً حكومياً فعّالاً لتحسين وضعه المهترئ، وبغير ذلك ستسوء الخدمة فيه أكثر!
وقد اكتشفت خلال سفري المتكرر أن بعض مطارات العالم تُخض.ع القادمين من مطارات محددة، ومنها الكويت، للتفتيش، حتى لو كانوا في طريقهم الى دول أخرى «ترانزيت»، ولا يخضع لذلك القادمون من مطارات دول تحترم نفسها، وبالسؤال تبين علمهم بسوء الإجراءات الأمنية في مطار الكويت! فهل يرضى وزير ووكيل الداخلية المحترمان بهذه السمعة السيئة لوطنهما؟! وإن كان الجواب بــ «لا»، فما هما فاعلان؟!
ليس غريباً القول ان مطار دبي هو الأفضل في العالم، إن من ناحية التصميم، المرافق، التسهيلات، أو الإجراءات الأمنية.. وغير ذلك. كما تتبع فيه أنظمة أمنية سهلة لا تتبع في أي مطار آخر في العالم. ويمكن القول ـــ أيضاً ـــ ان مطار الكويت هو الأسوأ في المنطقة، مقارنة بغيره، وحتى من تلك التي بُنيت بأموال كويتية. وعلى الرغم من اعتراض الكثيرين على وضع مطارنا وإدارته، ورد الإدارة على منتقديها بوضع المسؤولية على عاتق قانون المناقصات الذي يلزمها باستخدام الأرخص، خدمة أو مادة، فإن هناك لبساً في هذا الموضوع!
فما ذكرته إدارة المطار ذكره آخرون أيضا في معرض انتقادهم لسوء مصنعية الكثير من المشاريع والخدمات، واضعين المسؤولية على أسلوب الترسية المتبع، وهو أقل الأسعار. ولكننا نشعر بأن الأمر لا يتعلق بهذه الجزئية بقدر تعلقه بفساد معظم الذمم السائد! فالقانون يشترط غالبا الترسية على أقل الأسعار على افتراض أن المناقصين متساوون في الأهلية والقوة المالية، وأنهم قاموا بدراسة شروط ومواصفات المناقصة، والمطلوب تنفيذه، وأن أسعارهم ستتفاوت، تبعا لخبراتهم، وبالتالي من المنطقي ترسية المناقصة على الأكثر دراية وخبرة بالمشروع المطلوب تنفيذه او المواد او الخدمة المطلوب توريدها، من خلال اختيار السعر الأقل. ولكن المشكلة تبدأ غالبا بعد الترسية، وليس للسعر دخل هنا.
فلو كانت الدولة جادة وتحاسب المسيء والفاسد، لكان الخراب في إنجاز المشاريع أو توريد السلع والخدمات في حده الأدنى. فمن واقع معرفتي التي تمتد لأربعين سنة في هذا المجال، فإن مواصفات المواد والخدمات والمشاريع التي تتطلبها الدولة هي الفُضلى عالمياً. ما يحدث غالبا أن قلة فقط ممن يفوزون بمناقصة ما يتقيّدون بالمواصفات. وهنا يلعب خراب الذمم دوره، إن كان مراقبا للمشروع أو أمينا للمخزن! «فالخش والدس، ودهان السير هو السائد»! إذاً، المشكلة أخلاقية، ولا علاقة لموضوع أقل الأسعار بسوء الإنجاز. فحتى لو رست المناقصة على أعلى سعر، فإن بعض المورّدين او المقاولين سيقدمون مادة أرخص، بشراء ذمة المراقب أو أمين المخزن! الحل موجود، ولكن القرار مغيب!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا والمطارات (1ــ 2)

اكتشفت أن جواز سفري، الذي صدر قبل 3 سنوات، يحمل أكثر من 300 ختم خروج ودخول، هذا غير الدول التي لا تضع أختام خروج! أكتب ذلك لدعم ادعائي بمعرفة الكثير من مطارات العالم، وبالتالي لم أفاجأ لقيام جهة دولية تعنى بالسفر، بتصنيف مطار «بنازير بوتو» في العاصمة الباكستانية، كأسوأ مطار في العالم، يليه مطار الملك عبدالعزيز في جدة. وتم التصنيف بناء على عدة أمور حيوية، كحالة قاعات المسافرين، وطريقة التعامل معهم، ووضع الحمامات، وغير ذلك. ويجمع المطارات العشرة الأسوأ في العالم ضخامتها، كمطار نيويورك وفرانكفورت، أو أنها تقع في دول متخلفة. وبالتالي أعتقد شخصيا أن مطار الكويت كان من المفترض أن يكون بينها، ولكن يبدو أن الجهة المصنفة لم تضعنا في اعتبارها! علما بان مطارنا كان يجب أن يكون الأفضل، فلا ينقصنا شيء، فالخبرات موجودة والإمكانات متوفرة، والأموال غب الطلب، ولكن الإرادة غائبة والحزم نائم والمحاسبة في إجازة، وبالتالي سادت الفوضى وعم التسيب كل أنشطة الدولة، ومن ضمنها المطار.
والحقيقة أن القائمين على المطار لا يلامون بقدر ما تلام الحكومة على هذا التسيب والخراب السائد في كل مرفق، من دون استثناء! ففي رحلتي الأخيرة من الكويت لفرانكفورت، تبين أن الطائرة التي ستقلنا ستتأخر عن موعدها سبع ساعات، وبجهد تمكنا من الحصول على مقاعد على طائرة أخرى تقلع بعدها بساعة. المبكي أن الإعلان عن إقلاع الطائرة المتأخرة استمر، واستمرت معه مطالبة المسافرين عليها، وهم غير موجودين اصلا، بالتوجه الى بوابة المغادرة، وتكرر «النداء الأخير» خمس مرات، ولا أدري ل.مَ يسمى بالأخير! وعندما سألنا مدير محطة عن ذلك، قال انه شيء يتكرر حدوثه، لخلل في التواصل، وأن هناك «مصائب» أكبر!
ولاحظنا في الرحلة نفسها، ونحن نخضع للتفتيش قبل صعود الطائرة، أن الأشياء الممنوع حملها تصادر من المسافرين وتوضع في صندوق بلاستيكي مكسور من كل جوانبه وبعيد عن أعين الأمن، وبالتالي يمكن لمن صودر منه شيء أخذه من صندوق المواد المصادرة المفتوح، دون أن ينتبه أحد! وقد أعلمت وكيل الداخلية بذلك، ووعد بعمل اللازم! وهذا يبين أن مسؤول أمن المطار فاشل في عمله، فأمن المطار وصل الحضيض، فإضافة إلى التسيب في إدارة أجهزة الأشعة والانشغال بالهاتف النقال، فهناك تسيب آخر يتعلق بفتح البوابات المؤدية الى مبنى المطار عند وصول الركاب القادمين، وحدث معي لأكثر من 3 مرات أن وصلت طائرتنا ووجدنا البوابة الزجاجية مغلقة!.. وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

جيش مخرِّبين.. لا مدرسين

ورد في القبس على لسان مصدر أمني رفيع، أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بعملية غسل أدمغة أحداث، ويزيّنون لهم الانخراط في العمليات الحربية مع جهات إرهابية، بحجة الجهاد. وقال المصدر ان تلك المواقع تخضع حاليا لرقابة صارمة، وسيتم إغلاق بعضها، ومحاسبة القائمين عليها. واضاف ان الأحداث الذين يتأثرون بالأفكار «الداعشية» يتوجهون إلى العراق وسوريا عبر أكثر من محطة، وقد تكون البحرين وجهتهم أولاً ثم تركيا، فسوريا، او يذهبون اليها عن طريق دبي وغيرها.
وقد أخبرنا مدرس كويتي يعمل في احدى المناطق النائية بأنه يتعرّض، وزملاء له، ومنذ فترة لضغوط شديدة من مدرسين آخرين، ومن ناظر المدرسة بالذات، لكي يقوموا بحثّ طلبتهم على الانخراط في الأعمال الجهادية، وتزيين ذلك الجهاد في أعينهم، وإعطاء المنظمات الإرهابية صفات ومهام تتعلق بدورها في محاربة أعداء الأمة. ويقول المدرس ان المواد التي يدرّ.سونها غالبا فنية أو علمية، ولا تتضمن ما يمكن استخدامه لمناقشة أفكار دينية من خلالها، وهذا يجعل مهمتهم صعبة، على افتراض اقتناعهم بعملية التحريض أصلا، مقارنة بمهام مدرّ.سي المواد الدينية والاجتماعية، وحتى التاريخية والجغرافية. وذكر بأنهم يتعرضون لإرهاب واضح في حال تقاعسهم عن الاستجابة لطلبات الإدارة، علما بان غالبية النظار لهم نفوذ قوي في الوزارة وصلات بجمعية المعلمين، التي تعتبر من المعاقل الرئيسية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
وهنا نشيد بأول تصريح صدر عن وزير التربية الجديد، الذي ذكر فيه بأنه سيولي مسألة المناهج الأهمية القصوى، ونقول له ان هذا عمل عظيم، إن نجح في تحقيقه، وسيسجل له التاريخ ذلك، ولكن يجب ألا ينسى، وهو حتما مدرك لذلك، بأننا حتى لو استعنَّا بمناهج سنغافورة والسويد، التي كنت في زيارتها قبل ايام، فهي لن تعني شيئا، على الرغم من أن هذا أفضل ما يمكن إعطاؤه للتلميذ في مدارس الكويت، فإنها لا تعني الكثير طالما بقي المدرس المسيّس والمتخلف والخطر في منصبه التربوي، خاصة أن غالبية طاقم التدريس في الكويت، حسبما تبينه انتخابات جمعية المعلمين منذ ثلاثة عقود، هو من هذه الفئة التي يتطلب الأمر الطلب منها بالتقاعد مبكرا، والبقاء في البيت، فضرر وجودهم أكثر بكثير من السير في عملية التدريس من غيرهم، حتى ولو تطلب ذلك تدريس مواد أقل في الأعوام الدراسية المقبلة، إلى أن يتم سد النقص بمن هو أكثر كفاءة وأقل تسييساً منهم. كما نطالب معالي وزير التربية بالتعميم على كل مدرّسي الوزارة بضرورة إبلاغ شخصية محددة في مكتبه في حال تعرضهم لأي ضغوط، تتعلق بتخريب عقليات تلامذتهم، فالموضوع خطير ولا يجوز التساهل فيه أكثر من ذلك، فالتردد «الحكومي» غير المسؤول طوال العقود القليلة الماضية أنتح لنا جيشاً من المخرّبين، وليس المدرسين، وفي كل المراحل الدراسية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

العالم وين والأوقاف وين؟!

تنفرد الكويت بوجود نوعيات من الرجال فيها أصلب من الحجر، وأندر من العنقاء والخل الوفي، يبقون في مناصبهم سنة بعد أخرى، بالرغم من تغير الحال وتقلب الأحوال، وأحد هؤلاء مسؤول كبير في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. فبالرغم من كم الفضائح المالية والإدارية التي ابتليت بها الوزارة، وما تبع ذلك من إحالة عشرات موظفيها إلى النيابة العامة للتحقيق معهم فيما اتهموا به، وبالرغم من الظروف المأساوية التي تمر بها المنطقة بسبب داعش وغيرها، ومع وجود كل هذا الفكر المتطرف، فإن هذه الشخصية اختارت «الهروب إلى الأمام» من كل المشاكل التي تحيط بالوزارة، والقيام بشيء تنتفع به ويشغلها بعد تقاعدها. وهكذا قامت الوزارة بتأسيس هيئة عالمية إسلامية تعنى بضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء (هكذا)! وتعين تلك الشخصية رئيسا لمجلس إدارتها، وقامت، ربما بإيعاز منها، باختيار عاصمة أوروبية جميلة لتكون مقرا للهيئة! وقيل ان الهيئة ستكون مؤسسة علمية «إبداعية» لحماية الدعوة إلى الله من الانحرافات الفكرية أو الغلو والتطرف. كما ستكون غير ربحية! ولكن يبدو أن الوزارة تناست أن هذا ما قيل بالضبط عندما تم تدشين «مركز الوسطية»، الذي تأسس قبل سنوات، وصرفت الدولة عليه عشرات ملايين الدنانير، بعد أن عينت له أميناً عاماً من السودان، ومن الإخوان! ولكن المركز ومعظم القائمين عليه فشلوا في كل شيء، وازداد تطرف الشباب في فترة عمله القصيرة، وبالتالي كان من الضروري التفكير في مشروع هلامي آخر مدر أكثر للمال، علما بأن مصير هذه الهيئة لن يكون بأفضل من مصير مركز الوسطية، كما أنها ستحصل حتما على مبالغ طائلة من الحكومة الكويتية، وربما الحكومات الخليجية الأخرى، لدفع إيجار مقرها في بروكسل (لماذا ليس الطائف أو بريدة أو حولي؟)، هذا غير رواتب جيش موظفيها، الذين سيكونون جميعا من حزب الإخوان المسلمين. كما قالت الوزارة ان هذه الهيئة لن تكون جهة رقابية، بل ستتخصص في وضع المعايير الدعوية وتوجيه المؤسسات الراغبة في اعتماد المنهج والأساليب، وبأنها ستكون «خطوة استراتيجية» وتطورا ايجابيا، لضمان تجديد الخطاب الديني وفق معايير شرعية سليمة، بعيدا عن الغلو والتطرف أو الإهمال والتسيب، ولضمان مواكبة المتغيرات العصرية والتحديات الجديدة التي تواجه الدعوة الإسلامية في شتى أنحاء المعمورة! (هل فهمتم شيئا؟).
الطريف، أو ربما المحزن، أن تحت مثل هذه الكليشيهات والتعبيرات المبهمة، التي كثيرا ما تكررت مع مختلف مشاريع وزارة الأوقاف، سيتم صرف أموال طائلة على «ما ميش»، لتكون النهاية خسارة مالية كبيرة وهدر وقت ثمين في عمل لا طائل من ورائه. وبالتالي فإن المشروع ليس نقلة نوعية ولا تطورا منهجيا عميقا في تطوير الأداء، ولن يكون تجديدا للخطاب الديني، خاصة من بروكسل، حيث طيب المقام، بل سينتهي الأمر كله بهيئة فاشلة أخرى تنضم الى قافلة طويلة من اللجان والهيئات الفاقدة للهوية والهدف!
فيا وزير العدل والأوقاف الجديد الرجاء أن تتكرم على الكويت وعلينا، ووقف مثل هذا المشروع الوهمي، ومنع هدر الأموال، فظروف الكويت والمنطقة متجهة عكس تيار الهيئة والمشرفين عليها، ويكفي لرفضها أن من أسسّها عيّن نفسه رئيسا لمجلس إدارتها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أفكار داعشية

أؤمن بقوة أن «داعش»، أو استمرارها كقوة، ليست صنيعة أي نظام محلي أو عالمي. كما أؤمن بانها عندما ولدت لم يقل أحد انها صنيعة أميركية صهيونية، فما قامت به من إرهاب في معلولا وغيرها لم يختلف عما قامت به مع سكان الموصل ومع الإيزيدين وغيرهم تاليا، بل كانت الاتهامات تلاحقها وتتغير مع تغير مراكزها وساحات قتالها. ولكن ما الفرق بين من التحقوا بالدعوات الدينية سابقا، وبين ثوار «بوكوحرام» وشباب الصومال وجند داعش والنصرة وغيرهم؟ لا فرق تقريبا. فما يجمع بينهم هو الحرمان من الإمساك بيد فتاة، دع عنك معاشرتها. والفراغ العاطفي والشعور باليأس من المستقبل، والامل الكبير بأن شيئا ما سيتغير ان هم اتبعوا هذا الطريق وتركوا غيره. قد تكون الأزمنة والظروف مختلفة، ولكن بالتمعن في تصرفات وآمال وأحلام شباب الحركات الإرهابية في هذه الأيام، نجد ان جميعهم تقريبا كانوا في لحظة ما من دون مستقبل، وعاطلين عن العمل وضائعين، وربما مدمني مخدرات سابقين وتائبين أو مهتدين جدد، ومحرومين من الجنس، ورافضين لقيم مجتمعاتهم، وخاصة مسلمي أوروبا. وما يجعل غالبيتهم مستميتين في صراعهم هو شعورهم بأن لا أمل لهم تقريبا في العودة لبيئتهم السابقة، بعد أن قطعوا أواصرهم معها، خاصة أن غالبيتهم لا مستقبل مشرقاً تركوه وراءهم، ولا أسرة تنتظر عودتهم، وأمامهم حلم الفوز بالنساء إن انتصروا، وبالحور إن ماتوا. كما أنهم بعنفهم و«استماتتهم» في حروبهم يرفضون قيم مجتمعاتنا، وأن علينا أن نقبل بقيمهم وطريقة حياتهم، وأن قوانيننا المدنية لا تنطبق عليهم، وبالتالي من العبث الحديث بالمنطق مع هؤلاء أو مناقشتهم من منطلقات إنسانية، فالنصوص الدينية، حسب فهمهم، قد شكلت أفكارهم وغسلت عقولهم، واصبحوا لا يعرفون غير العمل بما فهموه منها. فشعور اليأس الذي كان يسكن أضلع هؤلاء، والأمل بالتغيير الذي يسيطر عليهم الآن أعمى بصائرهم عن رؤية أي شيء آخر غير تحقيق حلم الدولة الإسلامية، التي ستفتح روما وتستعيد الأندلس كما يحلمون.
وما يجعل الأمر أكثر تعقيدا أن خصوم أو أعداء هذه الفرق لا يعرفون الكثير عنهم، أو عما يدور في رؤوسهم، كما أنهم، وفي غمرة انتصاراتهم المتتالية غير قابلين للشراء، ولا يجرؤ حاليا أحد من محللي الغرب وعقوله أو صحافته على الالتقاء بهم، ومعرفة ما يدور في عقولهم. وبالتالي فإن الانتصار على «داعش»، بعيدا عن نظريات المؤامرة، لا يمكن أن يكون من خلال إرسال بضع طائرات حربية تدك مواقعهم وتنهيهم كليا، كما يطالب بعض المحللين السذج، فالحل صعب ومكلف وسيطول، وستسيل خلاله دماء بريئة وغير بريئة كثيرة، قبل أن ينتهوا، مؤقتا!
لقد انفقت أميركا، وعدد كبير من حلفائها، مليارات الدولارات، وضحت بآلاف الأرواح من جنودها، وبكل ما امتلكت من تقنيات ومخابرات في سبيل القضاء على بضعة آلاف من طالبان، ولكنها لم تنجح بعد أكثر من 12 عاما! فالقضاء على الإرهاب عملية معقدة، ولا يمكن تصور تحقيق نجاح كامل فيها من دون توفير وظائف لملايين العاطلين عن العمل، والقضاء على الطائفية والقبلية والفساد المجتمعي والحكومي، وتحولنا لأنظمة حكم مدنية، وبغير ذلك فإن «داعش»، وغيرها من منظمات إرهابية، ستستمر إلى الأبد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشعراوي.. وقوة «الإخوان»

عام 1967، بعد هزيمة 5 يونيو، ثارت ضجة كبيرة على تصريح محمد متولي الشعراوي الذي ذكر فيه أنه صلّى ركعتين شكراً على هزيمة مصر. وكانت للشعراوي مكانة لدى السادات وبعده مبارك، فقد كان يساهم في تلهية العامة، وربما ساهمت أجهزة المخابرات في خلق اسطورته. وكتب عنه إبراهيم عيسى في كتابه «أفكار مُهدّ.دة بالقتل؛ من الشعراوي إلى سلمان رشدي»، يقول: «لم أرَ شيخا يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم كالشعراوي». وفي كتاب «الشعراوي الذي لا نعرفه»، لسعد ابوالعينين، الذي صدر قبل وفاة الشعراوي، ورد فى صفحة 69 أن «الإخوان» أنشؤوا سنة 1936 «الجهاز السري» لتأديب واغتيال أعداء الإسلام والدعوة، الذين هم بالضرورة أعداء الجماعة التي تمثل الإسلام، واختار حسن البنا بنفسه عبد الرحمن السندي ليتولى رئاسة هذا الجهاز. ويقول الشعراوي إنه حضر بنفسه واقعة شاهد فيها عبد الرحمن السندي الرجل القوي في التنظيم، الذي يهابه حسن البنا نفسه، كيف دفع السندي، حسن البنا وكاد يسقطه أرضاً من شدة الدفعة!
وفي الكتاب نفسه، يثني الشعراوي على فكر حسن البنا، «ما يؤكد تعاطفه مع الجماعة».
وأكتب هنا ليس فقط للرد على الذين ادعوا، بكتاباتهم الباهتة، أن حركة الإخوان كانت ولا تزال سلمية، وهو أمر سبق أن تطرقنا اليه، بل أيضا للرد على ما ورد على لسان وزير إعلام سابق وصديق عزيز، في صحيفة محلية، من أن حركة «الإخوان المسلمين» (في الكويت) منذ تأسيسها في الخمسينات هي الأكثر نضجا بعلاقاتها مع الجميع، فهي لا تكفر ولا تتخذ من العنف وسيلة، ورؤاها لم تتلوث! لنرد ونقول بعدم صحة عدم تلوثها، فيكفي موقفها المشين من قضية تحرير وطنها المحتل، ووقوفها مع التنظيم العالمي ضد قيام قوت التحالف بتحريرها من شر صدام!
أما مسألة أن إخوان الكويت لم يلجؤوا الى العنف، فهذا صحيح، والسبب ليس لأنهم مسالمون، بل لأنهم حصلوا على كل ما أردوا وأكثر بالسلم، فلمَ اللجوء الى العنف تاليا؟ كما أن بدايات الحركة كانت مع مجموعة من تجار الكويت، والتجارة والعنف لا يتفقان، فتحقيق الربح يحتاج مهادنة الجميع وطلب خاطرهم، لاستمرار انتفاعهم، وبالتالي لم يكن غريبا تنامي الثروات الشخصية لكل من طال انتماؤه لحركة الإخوان في الكويت، والأمثلة أمامنا أكثر من أن تحصى. أما قضية أنهم لم يكفروا أحدا، فهذا كان صحيحا في مرحلة ما، أي قبل ثلاثين عاما تقريبا، ولكن الوضع اختلف بعد ان كبر حجم الجماعة وزاد عدد المنتمين اليها والى فكرها، وصعوبة إسكاتهم جميعا بالمال، وبالتالي لجأ هؤلاء الى الدعوة الى العنف لخلق كيانات خاصة بهم، وهكذا رأينا كيف أصبح تكفير كل من اختلف معهم أمراً شائعاً.
وما نراه اليوم من عنف في المنطقة هو نتيجة مباشرة لدعوات هؤلاء.
والخلاصة أن حركة الإخوان عسكرية شريرة وتآمرية تهدف الى الوصول الى الحكم في الدول التي تتواجد فيها، ومتى ما وصلت، فإنها لن تسلمه لأي جهة أخرى بغير العنف.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا كيرلس

أكتب لكم من عالمي الخاص. ولدت مصريا وأحببت وطني على الرغم من كل علله ومشاكله، ولم افكر يوما بهجره. أحببت وطني منذ يوم عمادتي في كنيسة القرية. أحببت مصر كما هي منذ أن تخلل بخور الكنيسة وصوت المؤذن الآتي من خارجها شرايني، وأنا طفل صغير. أحببت احترام كاردينال كنيستنا، وتسابق الشمامسة للاحتفاء به، كما أحببت منظر تجمع رجال الأزهر في مساجد القاهرة، التي انتقلت اليها مع أسرتي. أحببت دقات أجراس الكنائس في الكريسماس بنفس قدر حبي لصوت دفوف الموالد ورمضان. أحببت النيل بعظمته ووقاره، كما احببت الترع في قريتي التي كانت مياهها تبللنا وتبلل كل ما كان يتعلق من رقابنا من صلبان وأهلة. أحببت مصر، ورفضت كل دعوات امي لأن التحق بمصنع أبي الكبير، واخترت أن تكون العسكرية طريق حياتي، لكي أدافع عن تراب وطني المقدس.
وفي يوم لا أعرف لونه وقعنا في كمين، وأنهت طلقة واحدة حياتي إلى الأبد، ولقي عدد من رفاقي مصيري نفسه، ولم أكن حينها قد تجاوزت الخامسة والعشرين من عمري.. القصير؟
خفف من حزني على موتي ذلك الشعور بالفخر والاعتزاز الذي ملأني وأنا أراقب، من فتحات نعشي، رئيس جمهورية بلادي وقائد جيشي وجمع مدني وعسكري غفير جاءوا لتوديعي، ونظرت، والعزة تملأني، لوجوه رفاقي، والزهو يملأني، فلم أجد ما يماثلها على وجوههم، بل وجدت دموعا في عين هذا وحزنا على وجه ذلك، وثالث يشيح بوجهه عني، ربما خجلا من أن تلتقي أعيننا، والرابع نظر لي بحيرة وبصمت ولم ينطق بشيء، أما الخامس فقد أومأ لي برأسه، طالبا مني النظر للجهة الأخرى، وهالني ما رأيت! مجموعة من اصحاب الذقون الطويلة والجلابيب القصيرة تحمل لافتة مدون عليها: «لا شهادة لمن مات على ارض المعركة على غير الإسلام». قشعريرة قوية سرت في جسدي، وتساءلت ما هذا؟ وفي الجهة المقابلة وجدت جمعا آخر من خريجي الأزهر يحملون لافتة تقول: كل من مات دفاعا عن وطنه فهو شهيد، ولو لم يكن مسلما. ولوحة ثالثة يحملها من يشبهون الإخوان بسحناتهم وزبائبهم وجباههم الخشنة، كتب عليها: «المشرك مصيره النار، بعد موته»، وأعرف ما يعنيه ذلك، فقد كان زملائي في المدرسة ينادونني، تحببا، بالمشرك. وفجأة ارتفع صوت شجار قوي بين مجموعتين، الأولى للمشاركة في توديعنا، والأخرى لتعطيل تلك المشاركة، وخرجت السيوف والخناجر من أغمادها، وبدأ القتال بين من يقول «شهيد»! وتلك التي تصيح قائلة: «مش شهيد»! وسالت دماء الفريقين وطارت أطراف البعض، وتقطعت رقاب البعض الآخر!
كل هذا هزني من الأعماق، فما الذي يجري لهؤلاء؟ ولم هذا التقاتل؟ سأوارى التراب بعد لحظات وهؤلاء الأغبياء المتعصبون مختلفون على هويتي، أنا «كيرلس فاضل حبيب»! كم أنا حزين لما حدث لوطني ولأبناء وطني!

أحمد الصراف

 

احمد الصراف

لا تبكي يا أمي

«عزيزتي شوليح، علمت اليوم أنه قد جاء دوري لمواجهة القصاص. لقد وصلت للصفحة الأخيرة من كتاب حياتي، ولكني لم أحظَ بفرصة تقبيل يدك ويد أبي. لقد سمح العالم لي أن أعيش 19 عاماً، ثم جاءت تلك الليلة المشؤومة، التي ربما كان يجب أن أقتل فيها ويلقى جسدي في ركن قصي. وكانت الشرطة ستعرض جثتي عليك للتعرف إليها، وكنت ستعلمين بأنه تم اغتصابي وقتلي، وإن القاتل لن يستدل عليه، لأن لا حول لنا ولا قوة. ومن ثم كنت ستقضين حياتك في معاناة وعار مما ارتكبت. لقد علمت.ني يا أمي، يا أعزّ أم، أن أحدنا يأتي إلى هذا العالم لاكتساب الخبرات. وتعلمت منك أن علينا أحياناً القتال. وان علينا أن نثابر، لكي نخلق قيمة لنا، حتى لو كان ذلك يعني الموت. وعلمتني أنه عندما أذهب إلى المدرسة ينبغي أن أكون متعالية على النزاعات والشكاوى. وعندما تم تقديمي للمحاكمة، بدوت وكأنني قاتلة بدم بارد ومجرمة بلا رحمة لأنني لم أذرف الدموع ولم أتسوّل العطف، حتى أنني لم أبك، فقد كنت واثقة من حقي ومن القانون. ولكن واجهتني تهمة عدم المبالاة، وكم كنت ساذجة بتوقعي العدالة من القضاة! أمي، لا تبكي على ما ستسمعينه، ففي اليوم الأول الذي قامت الشرطة بإيذائي بسبب أظافري فهمت أن الجمال ليس أمراً مرغوباً فيه هنا، لا جمال المنظر ولا جمال الأفكار ولا الرغبات ولا العيون، ولا حتى الكتابة، وبالتالي غيرت من أفكاري، وأنت لست مسؤولة عن ذلك. كلماتي لا تنتهي، وسأعطي هذه الرسالة لشخص ما لتوصيلها لك، إن أعدمت في غيابك. كما تركت لك الكثير بخط يدي للذكرى. وهنا أريد أن أطلب منك قبل موتي، وعليك أن تقومي به من اجلي بكل ما تملكين من قوة، فهو الشيء الوحيد الذي أريده منك ومن هذا العالم. أريد يا أمي الطيبة ألا تدعي أعضائي تدفن تحت التراب، ولا أن تتحول عيوني الجميلة وقلبي الشاب إلى غبار، وأن تتوسلي، بعد شنقي، لكي يتم أخذ قلبي وكليتي وبقية أعضائي والتبرع بها لمن يحتاجها، كهدية. ولا أريد أن يعرف المتلقي اسمي، أو أن يشتري لي باقة ورد، أو حتى يقوم بالدعاء لي. أنا أقول لك من أعماق قلبي إنني لا أريد أن يكون لي قبر لتأتي إليه وتحزني وتعاني. أنا لا أريدك أن تقومي بارتداء الملابس السوداء حدادا علي، بل أن تبذلي قصارى جهدك لنسيان أيامي الصعبة، وان تمنحيني للريح لتأخذني بعيداً. العالم لم يحبنا يا أمي، وأنا الآن استسلم لذلك واحتضن الموت، لأنني في محكمة الله سوف أقوم باتهام المفتشين وقضاة المحكمة الذين آذوني في يقظتي ومنامي. في العالم الآخر، إنه أنا وأنت من سيوجه التهم لهؤلاء، وسننتظر لنرى ما يريده الله.. أنا أحبك يا أمي». كان هذا نص رسالة ريحانة جباري، مصممة الديكور الشابة، التي قامت بقتل رجل مخابرات إيراني في شقته عندما رافقته لوضع تصميم لها. كانت في الـ19 من عمرها، وقضت في السجن سبع سنوات، قبل أن تعدم شنقا في الأسبوع الماضي، وهي في الـ26 من عمرها، بعد أن رفض النظام جميع توسلات رؤساء الدول وعشرات الجهات الدولية المطالبة بوقف تنفيذ الحكم فيها. ثم نأتي بعدها ونتساءل، بهبل، عن مصدر كل هذا العنف الذي يلف كل مجتمعاتنا! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com

احمد الصراف

فشلنا حيث نجح غيرنا

كانت اليابان حتى ما قبل 150 عاما تقريبا دولة زراعية متخلفة منطوية على نفسها. ثم جاءت فترة «الحكومة المستنيرة»، او الميجي، 1912-1868، وهي التسمية التي اطلقت على الإمبراطور موتسوهيتو، الذي عرف عهده نهاية نظام الشوغون، وتوحيد اليابان تحت حكومة مركزية، لتسرع في حركة الإصلاحات، بعد قيام أحد مستشاري الإمبراطور بترؤس بعثة للتعرف على أسباب تقدم الدول الغربية، وكان ذلك عام 1871، حيث قامت البعثة بتفقد مؤسسات الدول الأوروبية واميركا، والاطلاع على أحدث ما توصلت اليه في عالم التقنية. وفور عودة البعثة بدأت اليابان بجلب آلاف الخبراء والمهندسين من تلك الدولة للمساعدة في تحديث أنظمتها، واعطي البريطانيون مسؤولية تحديث القوات البحرية، والفرنسيون القوات البرية، ووضع الألمان أسس التعليم. وشملت الإصلاحات النظامين، القضائي والسياسي، وتم فرض التعليم الإجباري للجنسين ضمن نظام تعليم مستوحى من المناهج الفرنسية والأميركية. كما جرت أثناء ذلك حركة ترجمة شملت الأعمال الأدبية والفنية العالمية، واصبحت جزءا من المقررات الدراسية. كما قامت اليابان بنقل الفكر الغربي ومداركه، والدفع بالنظام التعليمي إلى الأمام. والطريف أنها، ومعها السويد، كانتا الوحيدتين اللتين اتبعتا، بخلاف بقية مستعمرات بريطانيا الأخرى، نظام المرور على اليسار، وهو النظام الذي تخلت عنه السويد تاليا. وفي فترة سابقة على نهوض اليابان، قام والي مصر المستنير، محمد علي باشا، في عام 1826 بإرسال بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وأرسل معها ثلاثة شيوخ دين، وكان أحدهم رفاعة الطهطاوي، الذي بدأ فور وصوله بتعلم الفرنسية، فضم تاليا للبعثة وتخصص في الترجمة، وأنجز العشرات من الكتب، وعاد بكتابه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريز». وعندما عاد الى مصر قام بالعمل على «تطوير المناهج الدراسية»، وافتتح عام 1835 مدرسة الألسن، وترجم أهم كتب الفلسفة والتاريخ الغربي وجواهر العلوم العالمية. ولكن جهوده ضاعت جميعها مع تولي الخديوي عباس الحكم، فقد أغلق مدرسته وأوقف أعمال الترجمة، بضغط من رجال الدين المتشددين. ثم جاء المجدد الإسلامي الشيخ محمد عبده (1849-1905) الذي يعتبر من دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، وأستاذه الأفغاني، وحاولا القضاء على الجمود الفكري والحضاري، ولكنهما فشلا كما فشل قبلهما رفاعة. فقد نادى الشيخ عبده بتحرر المرأة، ورفض تعدّد الزوجات، ودعا إلى مساواة المرأة بالرجل في حق طلب الطلاق وفي أمور أخرى، وهي المفتي وشيخ الأزهر. كما طالب بتعليم المرأة وتنمية طاقاتها الذهنية لمواجهة مسؤوليتها. ولكن جهوده وئدت في غالبيتها، وتم التخلي عن غالبية إصلاحاته.‏ والآن، وبعد مرور كل هذه السنين، ومع كل المتغيرات الدولية والانقلابات الفكرية في العالم أجمع، نجد أن وضعنا لا يزال كما هو، بل تدهور وضع المرأة أكثر، وأصبحت الأنظمة الدكتاتورية هي السائدة في معظم دولنا، وفشلت كل محاولات السابقين واللاحقين في تطويرها، ولم يكن مستغربا بالتالي أن يظهر «داعش» بيننا، فيما العالم أجمع يتقدم ويتطور، ونحن نتخلف ونتراجع، والسبب يكمن في الأفكار الجامدة التي ترفض التغيير، في الوقت الذي نجحت فيه اليابان، وغيرها، فيما فشلنا فيه، لمرونة نصوصهم، وبالتالي سنستمر غارقين في وحول الخرافات وأسرى قيود الجمود، طالما استمر إصرارنا على عدم التطوير والتغيير، وسيظهر بيننا ألف «داعش» آخر، مستقبلا. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com