احمد الصراف

الكرة والريشة

لم تعرف البشرية عالماً أثر، ولا يزال، وسيستمر يؤثر إيجاباًَ في البشر لقرون طويلة قادمة، كالعالم الإنكليزي إسحاق نيوتن!
ولد نيوتن عام 1642، ونشر كتابه القيم «برينسيبيا» في 1687 بتشجيع ودعم مالي من إدموند هالي. وسطر فيه قوانين كونية مهمة تتعلق بالحركة، ولم يستطع أحد أن يعدل عليها حتى اليوم. وكان أول من برهن على أن الحركة الأرضية وحركة الأجرام السماوية تُحكم من قبل قوانين طبيعية، كما قام عام 1668 بصنع أول تلسكوب عاكس باستخدام المرايا بدلا من العدسات. وبين عامي 1664و1666 اكتشف نيوتن الجاذبية وقانون الجذب العام، من خلال ما يروى عن التفاحة التي سقطت فوق رأسه ودفعته للتفكير عن سبب سقطوها للأسفل وليس للأعلى؟ وهنا ظهر الإلهام الذي قاده إلى حقيقة الجاذبية التي توجد في كل الأجسام وتجذب الأخرى إليها بقوة، وكيف أن هناك قوة جذب متبادلة بين الشمس والكواكب، تجعل الكواكب تدور حول الشمس في مدارات بيضاوية، وعلى أن أي جسمين كرويين في الوجود يجذب كل منهما الآخر بقوة جذب تتناسب طردا مع حاصل ضرب كتلة الجسمين، وعكسيا مع مربع المسافة بينهما. ومن أعظم فوائد قانون الجذب العام هو تأثيره في الكشف على كواكب عدة.
ويصف العالم إرنست بلوخ اعجاز نيوتن بالقول: إن من الصعب أن نكوّ.ن فكرة عن جرأة نيوتن عندما فسَّر الأجرام السماوية المُثقلة بكل ضروب الخرافة بقوانين آلية خالصة، وكيف أن تفسيره الأرضي هذا فتح ثغرة هائلة في فكرة السماء. وبعد 300 عام على نظرية نيوتن في الجاذبية، التي تقول: إننا لو رمينا ريشة وكرة من المعدن من على سطح مرتفع في مكان مفرغ من الهواء، فإنهما ستصلان الى الأرض باللحظة نفسها! قال ذلك من دون أن تكون لديه التقنية العملية لإثبات كلامه. وقد قامت مؤسسة علمية في أميركا مؤخرا بتجربة تلك النظرية في أكبر غرفة مفرغة من الهواء في العالم، وكانت النتيجة كما توقع نيوتن. ويمكن مشاهدة التجربة من خلال الرابط التالي http://youtu.be/E43-CfukEgs .
والآن علينا أن نتساءل، كيف عرف ذلك الرجل العظيم، قبل 300 عام ما يصعب علينا تخيله اليوم، دع عنك الإيمان به؟ وكيف يرفض الكثيرون الحقائق العلمية التي توصل اليها علماء الغرب، بحجة أنها مخالفة لنص هنا أو قول هناك؟ هل لأن عقولهم المتواضعة لا تقبلها أو تصدقها، وبالتالي هي غير صحية أو دقيقة بالمطلق؟ وماذا نقول في حجم الكون حولنا، وما توصل له العلماء من خلال تلسكوب هابل، الذي تم تركيزه قبل سنة على نقطة في الفضاء، وبعد اربعة اشهر ظهرت النتيجة، وإذ نحن أمام أبعد صورة رآها إنسان للكون تقع بعيدة عنا بـ13 مليار سنة ضوئية، ومجرة واحدة منها تحتوي على ثمانية أضعاف النجوم التي في مجرتنا، وكل مجرة تحتوي على تريليون نجمة؟
كل هذا يجب أن يدفعنا لأن ننفتح أكثر على العلم والعالم، وأن نرفض الانغلاق، ونرفض البالي من أفكارنا، ففي العالم الرحب الكثير مما يدهش ويفيد، حتى لو اختلفت عن قديم مسلماتنا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

بلغ الخراب الزبى..

هذا ليس مقالا عن أو ضد مسؤول بعينه، وزيرا كان أم وكيلا، بل هو عن وضد طريقة إدارة مؤسسات الدولة ككل، بعد أن تآكل النظام الإداري واصبح انهيار كامل منظومة القيم، التي كانت تحكمه وتحكم تصرفاته وتصرفات موظفي الدولة، وحتى تصرفاتنا كمواطنين عاديين، على مدى العقود القليلة الماضية، أمرا محتما، وبالتالي أصبحنا أكثر قربا لمستوى الدول الفاشلة. فليس هناك وزارة أو إدارة أو هيئة أو مصلحة أو مركز أو جهة في الدولة لم ينخرها سوس الفساد، أو يسودها الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية، ويغزو التسيب كل زواياها. ان ما يحدث من إهمال واضح وتعمد فاضح في محاسبة المخطئ والمسيء وحتى المجرم، والعجز عن مكافأة المخلصين، على قلتهم وتضاؤل أعدادهم، أمر محزن جدا. وبالتالي لا أمل في اي علاج سياسي او اقتصادي أو تعليمي قريب في ظل غياب الرغبة والرؤية، بعد أن خرجت الأمور عن سيطرة الجهة المعنية والمهيمنة على كل أنشطة الدولة وامورها، وتأكيدا على ذلك اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد قبل أيام للاطلاع على نتائج الدراسة الشاملة التي قام بها البنك الدولي لدفع مسيرة التنمية والإصلاح في الكويت، وما توصلت اليه من تشخيص للمشاكل والمعوقات التي تعترض المسيرة، وكيف أُهدرت فرص عديدة، وما تسبب فيه ذلك من اهتزاز الثقة بالحكومة وتعثر عملية التنمية وإضعاف الاقتصاد ككل! ولكن ما يعرفه كل الاعضاء في مجلس الوزراء، وغيرهم، أن هذا الكلام تكرر في تقارير عشرات اللجان السابقة وفي مقالات ومحاضرات خبراء ماليين واقتصاديين وسياسيين، ولكن جميعها انتهت لسلال القمامة، دون ان يكلف أحد نفسه عناء قراءة حتى عناوينها، دع عنك فهمها أو استيعابها! والغريب أن برنامج البنك الدولي نفسه المتعلق بما يتطلب الأمر القيام لإنجاز الإصلاحات المنشودة، كان تكرارا لما قاله قبل 20 عاما تقريبا!
إن الوضع خطر ومؤلم ومؤسف، وما تبقى من قلة مخلصة في طريقها للاضمحلال،أو الانضمام لجيش الفاسدين والمخربين أو لطابور غير المكترثين! ولا نود هنا زيادة شعور القارئ بالبؤس واليأس من وضعنا العام، ولكن من المهم أن نذكر أنه حتى أقل الناس تعليما أو إدراكا، شعر بعد قراءة آلاف المقالات الهادفة، على مدى ثلاثين عاما على الأقل، أن هناك خللا في آلية العمل الحكومي، ومع هذا لم تؤثر آلاف المقالات تلك في طريقة إدارة الدولة من قبل الحكومة، وبالتالي من حقنا أن نتساءل عن جدوى كل هذا النقد وكل هذه النصائح، وكل هذه المطالبات بإصلاح الوضع أو حل هذه أو تلك المشكلة، إن كان المعني بالأمر غير قادر على الإصلاح، او غير مكترث، أو غالبا غير قارئ لما يكتب؟!
وعليه سنقوم فيما تبقى لنا من «عمر كتابي» بتقليل التطرق في كتاباتنا مستقبلا للأوضاع المحلية أو نقدها، بعد أن توصلنا لقناعة بأننا إن كتبنا أو سكتنا فالأمر سيان. وللعلم فقد كتبت هذا المقال قبل شهر تقريبا، واجلت نشره، لعل وعسى، ولكني لم أجد غير الأسى. حسافة عليك يا كويت!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الإرهاب وسمعة الكويت

ذكرنا في مقال سابق أن الخلل الرهيب في أنظمة الأمن في مطار الكويت، وحتما في بقية المنافذ، يثير القلق حقا، وبالتالي لم يكن مستغربا قيام دول عدة اعتبار القادمين من الكويت، ولأي جنسية انتموا، خطرين والتعامل معهم على هذا الأساس، وهذا ما لا يحدث مع القادمين من مطارات تتبع أنظمة تدقيق اكثر صرامة. وقد لمست هذا الفرق في مرات كثيرة. كما حدث معي عشرات المرات، ومع الآلاف غيري، مخاطبة رجل الأمن في مطارنا للمغادرين بـ «تفضل يا حجي»، على الرغم من كل ما يصدره جهاز كشف المعادن من اصوات، من دون ان يكلف نفسه، كسلا أو استحياء، القيام بواجبه في التفتيش اليدوي على المسافر، وهو عندما يطالبنا بالمرور من دون تفتيش يعتقد بأنه يتكرم علينا، غير مدرك، كما حاولت أن أشرح للبعض منهم، أنه يعرض حياتي وحياة غيري وسمعة الكويت لخطر كبير! فقد أبدو أنا، كرجل كبير في السن، شخصا آمنا، ولكني في الحقيقة قادر على القيام بعمل إرهابي مخيف لو شئت ذلك!
في جانب آخر، أعلنت بلجيكا في الأسبوع الماضي أنها قررت منع الداعية الكويتي طارق سويدان، المعروف بانتمائه لحزب الإخوان المسلمين الكويتي التابع للتنظيم الدولي، من زيارة بروكسل، معتبرة إياه شخصا غير مرغوب فيه بسبب تصريحاته «المعادية للسامية»، ولكونه يمثل «خطرا على الامن العام». وجاء في بيان صادر عن وزير الداخلية البلجيكي أنه أعطى التعليمات لاتخاذ كل الاجراءات اللازمة لمنع دخول السويدان الى الاراضي البلجيكية والاقامة فيها. وأن السويدان استخدم تعابير معادية للسامية غير مقبولة، خاصة خلال الحرب الاسرائيلية على غزة في الصيف الماضي التي أثارت ضجة في بلجيكا، وهي الحرب التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء. ونقل عن صحيفة لوسوار البلجيكية ان السويدان كتب خلال تلك الفترة على صفحته على فيسبوك النص التالي: أنا اكره ابناء صهيون وسنعمل على زرع هذا الحقد في نفوس ابنائنا حتى يظهر جيل جديد يمحوهم عن وجه الارض! وربط بعض المراقبين قرار المنع بسبب ما تحدثه تصريحات السويدان المتطرفة في نفوس الجهلة والمغرر بهم من تأثير سيئ، خاصة بعد وقوع عدة حوادث إرهابية في بلجيكا مؤخرا على يد متشددين إسلاميين.
وسبق أن كتبنا عن تصريحات السويدان المؤججة للنفوس الضعيفة، والتي طالب فيها حماس، التي لا تتسم تصرفات معظم قادتها بأي إحساس بالمسؤولية، الاستمرار في إطلاق صواريخها العبثية على المدن الإسرائيلية. وقال ذلك من وثير مجلسه، غير عابئ بما تسببت فيه تلك الحرب من دمار هائل اصاب القطاع، وشل الحياة فيه، وتسبب تعنت معظم قادة حماس من الإخوان المسلمين في إزهاق أرواح الآلاف، هذا غير عشرات آلاف المصابين، والنتيجة أن القطاع لا يزال يعاني الكثير، ولم يستفد، على الرغم من عظيم خسائره، شيئا من تطرف قادته، ومن أجج عواطفهم بالحماسي من الشعارات، كالسويدان وغيره! علما بأنني شاهدت السويدان يسافر على أفضل درجات السفر داخل أوروبا، غير عابئ ربما بأنين من تسبب في زيادة مصائبهم.
إن تشويه السمعة الذي تتعرض له الكويت، إن بسبب سوء الإجراءات الأمنية في منافذها الجوية والبرية والبحرية، أو بسبب مواقف البعض المتطرفة ضد الدول الأخرى هي مسؤولية وزيري الداخلية والخارجية اللذين عليهما وقف مثل هذه التصرفات والأعمال المضرة بسمعة الدولة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تذكروا زيداً.. ونسوا عبيداً

أعتقد أن موضوع الآلية التي تتم بها تسمية الشوارع والطرقات نالت أكثر مما تستحق من اهتمام، ومن عشرات الكتّاب على مدى سنوات. وبالرغم من وجاهة كل ما كتب وقيل عن عشوائية الطريقة المتبعة، فإن الجهة المعنية لم تلتفت إلى الاعتراضات، بل واعتبرتها وكأنها من أعمال السيادة التي لا علاقة لمن كتب عن الموضوع بها. والأمر ذاته ينطبق على تسميات المناطق السكنية والأحياء الجديدة. وبالتالي لم أفاجأ من كم التخبّط الذي تعيشه لجان، أو لجنة تسمية الشوارع وعشوائية عملها، المضحكة أحياناً، عندما قرأت ما ورد في مقابلة أجراها الزميل جاسم عباس مع رجل الأعمال المخضرم عبدالعزيز أحمد البحر، (أبو عدنان)، أحد مؤسسي جمعية الخريجين، وأول رئيس مجلس إدارة للبنك التجاري، وواحد من أوائل الخريجين، والذي سبق أن تولى عدة مناصب مرموقة، قبل أن يختار التقاعد، من أنه قام بتقديم طلب لكي يتم إطلاق اسم والده على أحد الشوارع، وهذا ما تم بالفعل. وهنا نتساءل: كيف نسيت الجهات المعنية إطلاق اسم شخصية بمكانة المرحوم أحمد البحر، الذي كان أصلا عضواً سابقاً في المجلس البلدي، المسؤول عن تسمية الشوارع ربما، وقبلها في مجلس الأوقاف والمعارف! ألا يعني تجاهل إطلاق اسمه على شارع، وفي الوقت نفسه، تسمية مختلف الشوارع والطرق بأسماء شخصيات غير معروفة، بوجود خلل شديد في آلية التسمية؟ ولماذا لا نجد شوارع بأسماء سيدات كويتيات خدمن الكويت في مجالات عديدة، وكانت لهن بصماتهن البارزة في مسيرة تحرر المرأة من جهل الماضي؟ ونتساءل هنا عن سبب عدم إطلاق أسماء شخصيات علمية عالمية، كان لها الفضل على العالم، وعلى الشعب الكويتي، في التخلص من أمراض كانت تفتك بالملايين سنوياً، على بعض من شوارعنا؟ ولماذا يحظى جنرال رئيس مثل عبدالسلام عارف بشرف إطلاق اسمه على شارع في الكويت (ربما ألغيت التسمية مؤخراً) ولا تحظى به شخصية كويتية كبيرة أو عالمية مرموقة؟ ومن هو «مروان»، هكذا «حاف»، الذي أطلق اسمه على شارع طويل عريض؟
نضع هذه التساؤلات بتصرّف سمو رئيس الحكومة، راجين منه إعادة النظر في تشكيل هذه اللجنة البائسة، إن وُجدت، ووضع معايير واضحة يمكن السير عليها مستقبلاً في عملية تسمية الشوارع والمناطق والطرق السريعة، أقول ذلك وشعور ما يكتنفني بأن بقاء الوضع الحالي ربما يخدم حاجة معينة، فهو طريقة أخرى، كتوزيع الجواخير، ربما لشراء الولاء.
• ملاحظة: ربما تكون وزارة الداخلية، بجهود مدير العلاقات العامة والتوجيه المعنوي فيها، العميد عادل الحشاش، الاستثناء النادر في الرد على كل ما يرد في الصحافة من انتقادات للوزارة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

التعليم والأخلاق

يقول الباحث سيار الجميل ان العراق كان يقوم في عشرينات القرن الماضي بتدريس كتاب الأخلاق Ethics، وبعد انقلاب 1958 تغير موضوعه ليصبح «التربية الوطنية»، ثم جاء البعثيون للحكم فحولوه الى «التربية القومية»، وفي عهد صدام أصبح الكتاب يعرف بـ«تقرير المؤتمر القطري»! وليس هناك، حسب علمي، من يعرف شيئا عن تسلسل أو تاريخ تدريس مواد التربية الوطنية في مدارس الكويت، ولكن سبق أن درست شيئا من هذه المواضيع، وانها الآن اختفت تماما، بعد أن جاء الإخوان المسلمون والسلف ومعظمهم قضوا على كل تسامح ووطنية ومحبة للآخر، لتحل محلها، وبجرعات كبيرة، كتب المواد الدينية. وقد جربت سؤال الكثيرين من ابناء أقاربي، ممن تعلموا في المدارس الحكومية، فلم أجد لديهم ذلك الإلمام الديني الواضح بما درسوه. وبالتالي حرمناهم من الاستفادة من المعارف العالمية المهمة، ولم نوفق في الوقت نفسه في أن نجعلهم كما نريد، بل مجرد أشباه متعلمين، وقلة متطرفة على استعداد للقضاء على أرواحها وأرواح الغير فور سماع نداء ما للجهاد!
تقول صديقة ذات خبرة في التربية، سبق أن طلبت رأيها في مناهج التربية الدينية، انها وجدت في الكثير منها تكرارا مملا. وأن كتب التربية الإسلامية تنقسم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة إلى كتب عقيدة وعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية والفقه والتهذيب، ويضاف اليها في المرحلة المتوسطة الثقافة الإسلامية (مقارنة بكتابي الدين والقرآن اللذين كانا يدرسان لنا مرتين او ثلاثاً في الأسبوع، في ايامنا)! وتقول انها على الرغم من عدم إشارة تلك الكتب الى وجود مذاهب متعددة في الإسلام، فإنها لا تدعو في الوقت نفسه الى نبذ الطائفية. كما أنها جميعها مستمدة من مصادر مذهب واحد. كما أن غالبية هذه الكتب تطرح مفاهيم لا تخرج عن شعارات عامة وكلام سردي لا يجمعه رابط واضح، ولا يتعامل مع السلوك العملي في الحياة والتعاملات اليومية. فمثلا تدعو الى الصدق والامانة والكرم، لكنها تبقى مفاهيم لا تعني الكثير للطفل بغير طرح أمثلة واضحة. كما أن هناك فهماً بأن هذه الفضائل تقتصر علينا، ولا تنطبق بالضرورة على الآخرين. فتقول مثلا ان المسلم ذو إرادة إيجابية، ولكن ماذا عن الآخر الذي اطعمنا وكسانا؟ أو أن الشباب المتمسك بدينه وأخلاقه سيبني عزة الأمة الإسلامية. وماذا عن عزة البشرية؟ كما تدعو الكتب الى مجالسة المحبين لله والصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم. ولكن ماذا عن مجالسة العلماء والفلاسفة؟ لا شيء طبعا، بل يفضل البعد عنهم. ثم تقرأ بأن الإسلام يجيب عن جميع التساؤلات التي تدور في النفس البشرية، وأنه الأكثر عناية بالإنسان. وهذه جميعها والكثير منها كلمات منمقة لها تأثير لحظي، ولكن عدم سرد مواقف أو أمثلة معها يجعلها تتلاشى من الذاكرة، واختلافها مع الواقع اليومي للطفل. وبالتالي ليس غريبا خلو الكتب المدرسية، والدينية بالذات، من مفاهيم عالمية مهمة تتعلق بحب واحترام العمل وإتقانه والالتزام به، وتقبل الآخر، والحث على التفكير وحب تلقي العلم، وغيرها من المفاهيم العالمية. بل هناك تناقض واضح مع مواد دينية أخرى. والخلاصة أن الموضوع خطير ويتطلب نفضة شاملة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حرية المعتقد وهنري فورد

لعملاق صناعة السيارات الأميركي هنري فورد جملة تهكمية شهيرة، قالها ردا على إلحاح زبائنه في الحصول على سيارات بألوان غير اللون الأسود، الذي تدهن به كل سياراته، حيث ذكر: بإمكان أي عميل الحصول على سيارة باللون الذي يرغبه، طالما كان ذلك اللون هو الأسود! أقول ذلك تعليقا على ما تتضمنه غالبية دساتير الدول العربية المتخلفة، وجميعها متخلفة، من نصوص تكفل حرية المعتقد، وهذا أمر غير صحيح، فلا دولة منها تطبق ذلك، وكان عليها أن تجعل النص: «حرية المعتقد مكفولة طالما كانت ضمن الإسلام»!
في مقال لبريان ويتكر، Brian Whitacker، المحرر السابق في «الغارديان» البريطانية، عن حرية المعتقد في الدول العربية، ذكر ان انعدام هذه الحرية جعل منها أرضا خصبة لأفكار داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، مشيرا الى ما سبق أن تعرض له كويتي تحول الى المسيحية.
كما أشار ويتكر الى الصومالي محمد حاجي، الذي اتبع المسيحية عام 2000، وما حصل مؤخرا مع السودانية مريم إبراهيم، وكيف أن الأخيرين حكم عليهما بالاعدام، وحالت الضغوط الدولية دون تنفيذ الحكم بحقهما، مقابل خروجهما من أوطانهما. ويقول ويتكر ان الإكراه في الدين (بعكس الآية الكريمة التي تنص على ألا إكراه في الدين) والتمييز الديني حاضران على كل المستويات الرسمية والشعبية في أغلب الدول العربية، وليس فقط على مستوى الجماعات المتطرفة أو الإرهابية. ويقول ان هذا يتناقض تماما مع تضامن غالبية الدول العربية، التي تمنع حرية المعتقد، ضد تنظيم داعش، ومحاربته، على الرغم من أن الأرضية واحدة والفكر واحد بين الطرفين، فلا فرق بين داعش التي تمارس ايديولوجية الأقصاء والتمييز الديني، وغالبية الدول العربية التي تحاربها، والتي تقوم بالشيء ذاته!
كما أن رفض غالبية الدول العربية والإسلامية التوقيع، دون تحفظ، على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نابع من تناقض مبادئ الإعلان الأساسية مع سياسات هذه الدول، وأفكار مواطنيها في ما يتعلق بحرية المعتقد وحقوق المرأة، وغيرها من الأمور الحيوية والخلافية الكبرى. كما أن أنظمة عربية عدة، من التي جاءت عن غير طريق الانتخابات، تستخدم هذا التمييز كغطاء لشرعيتها.
وأشار ويتكر إلى أن «الفكر الداعشي» وقطع الرؤوس عثرا على أرضية خصبة في بلاد العرب، بسبب وجود عقلية التمييز الديني، التي سجلت حضوراً لافتاً على المستوى الشعبي، وكذلك على مستوى معظم الحكومات العربية، وهو الأمر الذي يجعل من تأييد العرب للحرب على داعش متناقضاً نوعاً ما في بعض الدول وواضحا في غيرها. كما شدد على أن مقاومة الفكر المتطرف هو الحل للقضاء على داعش، أو غيرها من الجماعات المتطرفة التي قد ترث عرشها في المستقبل.
ويتطابق كلام ويتكر مع ما سبق أن طالبنا به، من أن الحرب على داعش ليست عسكرية ولا أيديولوجية فقط، بل وسياسية بالقدر نفسه، فطالما أن هناك انظمة قمعية وجائرة فإن رفد أي حركة دينية بالمقاتلين سيستمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

طلب أئمة

من المعروف في أغلب، او كل الديانات، أن مهمة رجل الدين تحظى باحترام. وهي وظيفة سهلة غالبا، ولا تتطلب من شاغلها غالبا غير ذاكرة جيدة وإخلاصا في خدمة المجتمع أو الرعية التي تتبعه. ويسري الأمر ذاته على من يقومون بالأعمال المساعدة في دور العبادة، حيث لا يتطلب الكثير منهم، ذهنيا أو جسديا، وأيضا لهم مكانتهم في المجتمع. وعلى الرغم من كل ذلك، فإننا نجد عزوفا عن تولي مثل هذه الوظائف، إما بسبب ما طرأت من تغيرات مجتمعية، والهجر المتزايد لدور العبادة، واما لما تعطيه الوظائف الأخرى من مغريات دنيوية وجاذبية. ولهذا نجد أن كنائس كثيرة مثلا غيرت سابق قناعاتها وانظمتها التي سارت عليها لقرون طويلة لكي تعيد الرعية اليها. كما سمحت غيرها (الكاثوليكية) بحق الزواج والطلاق لراعي الكنيسة، أثناء فترة خدمته. كما قامت غيرها بالسماح للمرأة بممارسة العمل الكنسي، وتقديم عظة الأحد، بسبب عزوف الرجال عن الانخراط في السلك الكهنوتي. ولا يمكن هنا تجاهل تأثير الفكر العلماني على هذا التناقص الذي يشهده التأثير الكنسي على أفراد المجتمع، وملاحظة أنه كلما زاد تقدم المجتمع، وزاد عدد المتعلمين فيه، كما هي الحال في الدول الإسكندنافية، قل عدد مرتادي الكنائس، والعكس صحيح بالطبع.
الوضع في الدول الإسلامية والعربية، الخليجية بالذات، مختلف، فمجتمعاتنا متدينة بدرجة كبيرة، حسب الظاهر على الأقل، كما أن هناك حركة محمومة لبناء مساجد لتغطية الطلب عليها. كما تقوم فئات محددة بالتعبد بحماس أكبر من ذي قبل، مما يظهرنا كشعوب غارقة في ممارسة التدين. ولكن اللافت للنظر عزوف حتى خريجي المعاهد الدينية عن العمل في المساجد كأئمة او مؤذنين، مما اضطر وزارة الأوقاف، الإخوانية، سنة بعد أخرى ومنذ أكثر من نصف قرن، لجلب أئمة ومؤذنين من الخارج، وكأنهم أصحاب تخصصات نادرة لا تتوافر في دولنا. واستمرار هذه الظواهر أمر مقلق حقا، ودليل على فشل نظم التعليم في مجتمعاتنا، ودليل أيضا على عدم الحاجة الى وجود معاهد أو مدارس دينية طالما أن خريجيها لن يعملوا في نهاية الأمر في مجال تخصصهم!
كما بينت المراجعة الأولية لكتب بعض المراحل الدراسية أن أي تعديل او تطوير للمناهج لن يجدي نفعا، بخلاف أن هذا التعديل والتطوير سيستغرق أعواما طويلة، وقد يأتي مسؤول آخر ليوقفها، أو يلغيها في سلال القمامة. وبالتالي لا يتطلب الأمر هنا اختراع العجلة، بل الاستعانة بما هو متوافر، كمناهج الدول المتقدمة مثل فنلندا وسنغافوره وغيرهما، وإجراء تعديلات طفيفة عليها لتلائم بيئتنا! وبغير ذلك سندور، كالثيران، في حلقة مفرغة دون أن نصل لأي هدف او نحقق شيئا للأجيال القادمة، التي يشغلني كثيرا ما ينتظرها من مستقبل مظلم، في ظل إدارة مؤسساتنا الرشيدة!
• ملاحظة:
لست ضد تجنيس اي كفاءة، وأتعاطف بقوة مع البدون، ولكن ليس كل من حقق هدفا كرويا يمنح الجنسية! فما الذي سنقوم به، إن تسبب مستقبلا الشخص نفسه في خسارة مباراة، هل سنسحب الجنسية منه؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

إشكالية الكاتب وسيرته

لست أفضل من غيري حتما، وربما ليس هناك داع لذكر هذا الأمر، ولكن موضوع وسياق المقال تطلب ذلك، وهذا يتعلق بحساسيتي المفرطة فيما يكتبه البعض وعلاقته بحياتهم الخاصة، وربط ما يقومون بكتابته بتاريخهم السياسي أو العملي، وإن بشكل عام، وبمجمل تصرفاتهم، حيث يصعب علي شخصيا قبول أي عمل إبداعي، خاصة إن كان كتابيا وهادفا، إن كانت سيرة ومواقف الكاتب، السياسية مثلا، متناقضة مع مجمل ما ينادي به. ولدينا عدد لا بأس به من الكتاب في العالم العربي، الذين عندما نقرأ لهم نشعر بالسرور لوجود أمثالهم بيننا، ولكن ما أن نقترب منهم أكثر أو نقرأ سيرهم الذاتية حتى يتلاشى ذلك الاعجاب ليحل الألم والخيبة محله.
قد يقول قائل ان لنا ما يكتبه المبدع وما يسطره قلم الناقد، او ما يدلي به المحلل السياسي، أو ما يخرجه النحات أو يؤلفه الموسيقي أو ينتجه الفنان السينمائي، أو يشدو به الشاعر، وبالتالي لا شأن لنا بحياته الخاصة وما يؤمن به أو يحتفظ به من آراء، وهذا قد يكون صحيحا مع جميع المبدعين إلا فئة الكتاب والمحللين السياسيين، فمن الصعب الشعور بالارتياح عند قراءة مقال لهؤلاء يتضمن مدحاً لشخص أو نقداً لآخر من دون أن ينتابنا شعور بالارتياب، حتى لو كان مدحه او ذمه صحيحين، فعلامات الاستفهام سرعان ما تتقافز أمام أعيننا مثيرة عشرات الأسئلة عن صحة التحليل، المدح أو الهجوم، والغرض الخفي وراءه، وهل يكتب لأن جهة ما طلبت منه ذلك لقاء مقابل ما؟
الأمثلة على التناقض بين سيرة الكاتب وما يكتب أكثر من أن تحصى، وقد يكون احدها حالة شاعر العامية المصري المعروف أحمد فؤاد نجم، الذي لم تشفع له، بنظري المتواضع، كل اشعاره السياسية، في تبرير موقفه من الدكتاتور الحقير صدام حسين، الذي مدحه وشد من أزره في أكثر من موقع. ولا أدري حقيقة سبب ولع نسبة كبيرة من شعوبنا بأمثال صدام، وإلى درجة الوله! ربما بسبب الطريقة التي تربى بها هؤلاء، وما عانوه في صغرهم من ظلم، فاصبحت شخصية الدكتاتور ما يودون أن يكونوا عليها لينتقموا من كل من أساء اليهم.
كما أن هناك كاتبة ووزيرة إعلام لم تتردد في الوقوف يوما إلى جانب صدام والإشادة به، وربما لا تزال معجبة به. ولكن هل موقفي هذا ينسجم مع إنسانيتي؟ وهل أنا محصن أكثر من غيري ضد مختلف المغريات؟ وهل كتاباتي مجردة من كل غرض شخصي؟ اسئلة عديدة تتصارع داخلي ولست بقادر على الإجابة عنها بصدق، فالإجابة ليست سهلة، والمشاعر المختلطة في داخلي تتجاذبني ذات اليمين وذات الشمال، وحتى ذات الشرق وذات الغرب. فمن كان منكم بلا خطيئة فليرجم الخطائين بحجر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

بوش والليموج

تقول الطرفة ان الرئيسين بوش وبلير عقدا مؤتمرا صحافيا تحدثا فيه عن خططهما الحربية ونيتهما شن حرب على الإرهاب والدول المارقة، والقضاء على مئة ألف من العرب، وامرأة إيطالية شقراء! وهنا هبّ الصحافيون جميعا، وهم يتساءلون بصوت واحد: لماذا امرأة إيطالية شقراء؟ فنظر بوش لبلير، وابتسامة شماتة تبدو على وجهه، وقال له: ألم أقل لك إن لا أحد سيهتم بمصير مئة ألف عربي؟
تذكرت تلك الطرفة وأنا أقرأ مختلف الردود والمكالمات التي وردتني، اعتراضا وتعليقا على مقال الاستمتاع بالحياة واستخدام أفضل ما لدينا اليوم وعدم تركها للمقبل من الأيام أو الضيوف، حيث تناسى المتصلون والمعلقون لب المقال وركزوا جميعا تقريبا على آخر فقرة فيه، التي تعلقت بجزء من حياة الملك حسين، وكيف أن كل علاقاته وثراءه ومعارفه لم تشفع له او تنفعه وتنقذه من مرضه المميت! وتعليقا على المقال أخبرني سفير معروف بانه دعي في الثمانينات الى إفطار في بيت سفير لبنان في الجزائر، وفوجئ ليس بترتيب المائدة الجميل، بل بأواني الليموج وفضيات الكريستوفل والكريستال التي قدم الطعام فيها، ولما سأله ان كان يتوقع وصول ضيف مهم، فقال له انه ضيفه المهم، ولو لم يكن معه لما تردد في استخدام الأواني نفسها لنفسه. ويقول الصديق اننا فقدنا في هذه الأيام الذوق الرفيع، وأبسط قواعد وآداب المائدة، وأصبحت المظاهر أو show off هي التي تطغى على تصرفاتنا. ويقول انه عندما اشترى أول سيارة، ومثاله ينطبق علي شخصيا، قام من فوره بتلبيس مقاعدها وارضياتها ببلاستيك رخيص، خوفا من تعرضها للتلف. وعندما قرر بيعها، بعد سنوات عدة، قام بإزالة البلاستيك، لكي تبدو السيارة جديدة، وسلمها للمشتري غير مدرك أنه حرم نفسه من التمتع بأفضل ما فيها وترك للمشتري فرصة التمتع بمقاعد وارضيات جديدة، في سيارة قديمة. ونلاحظ كثيرا في هذه الأيام ان من يشتري سيارة جديدة لا يقوم بإزالة الأغطية البلاستيكية الشفافة التي تغطي مقاعدها، إما لمنع اتساخها واما لكي يبين للآخرين أن المركبة جديدة، غير عالم بأن تعليمات المصنع تتطلب إزالة تلك الأغطية فورا لضررها على الصحة. واعتاد صديق إهدائي، وربما إهداء غيري، مختلف الهدايا الغالية و«المذوقة» ولكن عندما تزور بيته تجد أنه يفتقد الكثير من وسائل المتعة والراحة، وهو بالتالي يفضل ان يبهر الناس بكرمه أو حسن تصرفه، على حساب راحته وراحة أهلة. والشيء ذاته ينطبق على الطعام، فالكثيرون يقومون بتقديم افضل الطعام لضيوفهم، ويبخلون به على أنفسهم واسرهم. وقد سمعت، ومن المؤكد ان غيري سمع الشيء ذاته، من أبناء بعض مضيفيهم، بأنهم يتمنون لو يستمر والدهم في استضافة الآخرين، لأنهم حينها يجدون على المائدة ما لم يعتادوا تناوله بغير وجود ضيوف!
نعود ونقول ان الحياة قصيرة، وان علينا الاستمتاع بكل لحظة قدر المستطاع، ولكن ليس على حساب صحتنا، وطبعا ليس على حساب الآخرين.

أحمد الصراف

احمد الصراف

جنسيتي قمري!

نجحت قوى الأمن اللبناني، في الصيف الماضي، في إلقاء القبض على انتحاريين ـــ سعودي وفرنسي ـــ اعترفا بانتمائها لــ «داعش» وبإقدامهما على تفجير فندق «دو روي» في بيروت، والتخطيط لعملية انتحارية في مطعم الساحة في الضاحية الجنوبية. واعترف الانتحاري الفرنسي بأنه كان سينفذ عملية انتحارية ضدّ «الشيعة» لتلقينهم درساً بسبب قتالهم في سوريا. وخلال التحقيق تبين أن هذا المتهم، فايز يوسف بوشران، هو من مواليد جزر القمر Comoros Island، وأنه كان يتابع على اليوتيوب ما كان يحصل في سوريا من جرائم بحق السنة، وعرف بوجود إشارات بأن يوم القيامة أصبح قريباً، فتكوّنت لديه قناعة بالذهاب الى سوريا للجهاد. واضاف ان شخصا تواصل معه على موقع على الفيسبوك، يتضمن «أموراً جهادية»، وأخبره بأنه في حال رغب في الجهاد فعليه السفر الى سوريا من ألمانيا او اسبانيا الى تركيا، وهناك ينقله شخص الى الرقة للالتحاق بــ «داعش»، وهذا ما حصل معه، ومع آخرين من جنسيات مختلفة.
وفي الرقة، وبعد تلقّ.ي دروس دينية، إضافة إلى الدروس التي تلقاها في فرنسا على يد شيخين شجّعاه على الجهاد، اختار برغبته القيام بعملية انتحارية ضد الشيعة في لبنان، وأنه أُعطي ألف دولار، وخُيّ.ر بين تنفيذ العملية الانتحارية بحزام أو سترة ناسفة.
وبسؤاله عن المنفعة التي كان سيجنيها بقتل نفسه وأبرياء آخرين، قال إنه تم اقناعه بأن هذا هو الطريق الى الجنة ولقاء «الحور»! وقال الانتحاري إنه قرر القيام بالعملية الانتحارية بعد أن سمع من رجل دين في وطنه فضل الشهادة وميزات الانتحاري الذي يدخل الجنة اثر استشهاده.
وهنا نرى ما لهذه الدروس الدينية من سلبية وخطورة على الشباب، وكيف أن من الغباء الشديد، او شدة الذكاء، السماح بهذه الدروس بحجة أنها «أعمال خير وبركة» ويؤجر من يلقيها ومن يستمع إليها.
الطريف ـــ إن كان هناك ما هو طريف في هذا الموضوع ـــ أن جزر القمر التي قدم منها بوشران إلى لبنان، عن طريق فرنسا، التي حصل على جنسيتها، تقع في منطقة نائية في المحيط الهندي، وبعيداً بآلاف الكيلو مترات عن أي دولة عربية، على الرغم من ذلك وصلت إليها «سوسة التطرف»، ربما لأنها عضو في الجامعة العربية، ولو أن لغتها الرسمية السائدة هي الفرنسية، وأقلية تتكلم القمرية والعربية فيها. ولا تزيد مساحة جزرها على 2200 كلم2، وسكانها على 800 ألف نسمة، ويبلغ دخل %50 منهم أقل من دولار ونصف الدولار يومياً.
والطريف أكثر أن حكومتنا، وفي سعيها الى وضع حد لمشكلة عديمي الجنسية، أو «البدون»، الذين يزيد عددهم على مئة ألف، تسعى الى حصولهم على جنسية جزر القمر. وان هذه «المواطنة الاقتصادية» ستمنح هؤلاء حق الحصول على الإقامة المجانية، إضافة إلى سلسلة من المحفزات، مثل: التعليم المجاني والرعاية الصحية، والحق في الوظيفة.
لا أدري مدى إنسانية هذا الإجراء، وهل حقّاً سيضع حدّاً لمشكلة «البدون»، خاصة أن غالبية هؤلاء وُلدوا ونشأوا في الكويت، ويطالبون بالحصول على جنسيتها، لكن السلطات تؤكد أن 34 ألفاً فقط هم الذين يمكن أن يحصلوا على الجنسية، وأن الباقين هم من جنسيات أخرى؟!

أحمد الصراف