احمد الصراف

مؤسسة الزواج

مرت قبل ايام الذكرى الأربعون لزواجي وشريكة حياتي، كنت خلال تلك الفترة وما أزال سعيدا، ولا اعتقد ان امرأة كانت ستسعدني اكثر منها، مع الاعتذار لسوسو وسعاد ونوال ومنى وأمل وجورجيت وسارة وووو!، ولكن هذه السعادة والرضا لا تعنيان أن مؤسسة الزواج محصنة من الانتقاد والسخرية، بل هي في الحقيقة هدف كبير للكوميديين والكتّاب وواضعي سيناريوهات الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية. فليست هناك علاقة بشرية أكثر تعقيداً وجلباً للسعادة والاضطراب في الوقت نفسه كالزواج. فكما أن الزواج مصدر إلهام وسعادة وإبداع ونجاح، فهو كذلك مصدر حزن وبكاء وخلافات ومحاكم وإحباط وكآبة. وكان الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي يقول انه ينصح كل الرجال، وفي جميع الأحوال، بالزواج، فإن نجح فسيكون سعيدا، وإن فشل فسيصبح فيلسوفا!
ويقول الكوميدي الأميركي جيري ساينفلد Jerry Seinfeld ان الفرق بين البقاء أعزب أو متزوجا هو نوع من أنواع الحكومة أو الحكم. فالأعزب هو كالدكتاتور، يتحكم منفردا في كل شيء، فهو يصدر الأوامر لنفسه بالبقاء مستيقظا أمام التلفزيون أو النوم على الكنبة، او الاستيقاظ ساعة يشاء، دون أن يكون لأحد الحق في نقض قراراته. أما عندما يتزوج فإنه يصبح جزءا من منظومة اتخاذ قرارات كبيرة. كما يصبح من الضروري عقد مجموعة من الاجتماعات وتشكيل لجان قبل اتخاذ أي قرار، هذا إن نجح الزواج! ولما يؤلم في قضايا الطلاق ان الرجل يتم «خلعه أو عزله» من منصبه كرئيس، من دون ان يكون رئيسا أصلا.
وتقول طرفة عن الزواج ان رجلا اصطحب أعز اصدقائه لبيته لتناول طعام العشاء معه. وما ان دخل البيت، وأغلق الباب خلفه وصاح بأعلى صوته ليخبر زوجته بوصوله وصديقه للعشاء، حتى سمع اللعنات تصدر من غرفة النوم، ولتخرج منها قائلة: هذه مزحة ثقيلة، فشعري يحتاج إلى الغسل والتنشيف، كما أنني لم أبدأ حتى بوضع المكياج، والمطبخ في حاجة للتنظيف، ووضع غرفة الجلوس يرثى له، وما أزال ارتدي البيجامة، وبالتالي لن أكترث، وأنا في هذه الحالة المزرية، لتحضير العشاء لك ولصديقك هذه الليلة، فلماذا، بحق السماء، احضرته معك؟
فرد الزوج ببرود قائلا: لا تكترثي يا عزيزتي، فالحقيقة انه يفكر في الزواج فوعدت أن أريه عرضا حيا لما يعنيه ذلك!

أحمد الصراف

احمد الصراف

قطار الحياة

التقيت به في مطار، فوجدت الحزن بادياً عليه. جلسنا بانتظار رحلتينا. لم أتطفل عليه وتركته لحاله، فالحديث سيجرنا إلى سبب حزنه. بعد نكتة وأخرى انفرجت أساريره، وقال إنه يشكرني لأنني أنسيته، ولو للحظات، أنه مريض بمرض مميت، وأنه اكتشف، في لحظة صدق مع النفس، أنه لم يستمتع بحياته كما يجب بالرغم من ثرائه وصغر سنه النسبي. فقلت له إننا جميعاً نصبح في لحظة من حياتنا حكماء في الحياة، غالباً بعد فوات الأوان، وعندما نكون أقرب إلى الموت منا للحياة! ولكنه أسعد من غيره، فلديه المال الذي سيسهل له العلاج، وأن السرطان علاجه أصبح سهلاً، وأنها مرحلة وستمر بالرغم من صعوبتها، كما مر الملايين من أمثاله بها. وقلت له إن الحياة رحلة في قطار دائم الحركة والتوقف، يترجل شخص ويصعد غيره، ويتغير مساره أحياناً وينعطف ويذهب بعيداً. وكأي وسيلة نقل يتعرض الإنسان والحياة والقطار إلى حادث أو عارض ما. فنحن نركبه يوم نولد ويدفع الوالدان ثمن تذكرتنا، ويترجل منه من تعبوا في تربيتنا بعد بلوغ محطتهم النهائية ليركب غيرهم من مواليد جدد، وهكذا. وبالتالي، فإن القطار يتوقف ولكن للحظة فقط، ولكنه دائماً يعود إلى السير، وما علينا نحن ركابه غير الاستمتاع برفقة من هم معنا فيه من أبناء وأحفاد وأهل وأحبة وأصدقاء، فلا أحد سيترك القطار قبل غيره، وليست هناك رحلة أخرى مماثلة، ومن الضروري أن نخلق علاقة طيبة مع من معنا، وننسى أحقادنا ونسامح من أساء إلينا، فلا أحد يعرف متى ستنتهي تلك العلاقة، وكل علاقة.
وفي السياق نفسه، سأل أحدهم حكيماً عما يعنيه الحب، وما تعنيه الحياة، فقال له: اذهب إلى حديقة زهور عباد الشمس واقطف أطول زهرة فيها وعد بها، شريطة ألا تطرق الطريق نفسه مرة أخرى. ذهب الرجل وعاد بعد فترة خالي اليدينَ! فسأله الحكيم عما جرى فقال إنه رأى زهرة طويلة، ولكنه تركها لزهرة أطول وأطول، واستمر في سيره يبحث عن الأطول حتى انتهى الحال إلى منطقة ليس بها غير زهور قصيرة، وبما أنه ليس بإمكانه العودة، وقطف زهرة طويلة، فبالتالي خرج من الحديقة وليس بيده شيء. فقال له الحكيم هذا هو الحب! عد الآن إلى الحديقة ثانية واقطف أجمل زهرة فيها، ومتى ما فعلت ذلك لا تستطيع قطف غيرها. عاد الرجل بعد لحظات وهو يحمل زهرة، فسأله الحكيم هل هي الأجمل؟ فرد هذا: لا، ولكني تعلمت الدرس وقطفت أول زهرة جميلة رأيتها، ولم أعبأ بالبحث عن أجمل منها. فقال الحكيم: هذا هو الزواج.
ملاحظة:
ما الذي يعنيه قيام المرور بتحرير 30 الف مخالفة في يوم واحد، وهذا يحصل فقط في الأنظمة الأكثر تسيبا؟ انه يعني أن الصغير يقلد مخالفات الكبير، ولا عقاب!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أسرار ماليزية

تعتبر ماليزيا وتركيا المثالين الشاذين في عالم إسلامي يعج بالتخلف. تدين ماليزيا في نهضتها الى عاملين: علمانيتها ونشاط العنصر الصيني فيها، وهذا ما دفع قائدها السابق مهاتير محمد الى استغلال العاملين لمصلحة وطنه.
وفي منتدى الفكر والحضارة، الذي انعقد في كوالالمبور مؤخرا، الذي ترأس مهاتير إحدى جلساته، التي كان موضوعها «الدولة المدنية.. رؤية إسلامية»، عاد الرجل الى سابق اتزانه، وبدت علمانيته في ابهى صورها، عندما بيّن خلاصة تجربته، وإدراكه الواضح لمكامن الخلل والعطب في التجربة العربية، أن ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، والحرب الأهلية ضربتها في العمق، وكان لزاما على كل مكونات المجتمع الدخول في حوار وتقديم تنازلات متبادلة، لكي تستقر البلاد وتبدأ التنمية. وقال ان ذلك أتاح له تحويلها الى دولة صناعية قادرة على المنافسة. وانه ركز جهوده وطاقات وطنه للقضاء على الفقر والبطالة والجوع والجهل، لأن الانشغال بالايديولوجيا الدينية، ومحاولة الهيمنة على المجتمع، وفرض اجندات ثقافية وفكرية عليه لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع، فمع الفقر لا يمكن أن تطلب من الناس بناء الوعي ونشر الثقافة. وقال ان المسلمين صرفوا أوقاتا وجهودا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية. وقال ان قيادة المجتمعات المسلمة والدفع بها إلى الأمام ينبغي ألا يخضعا الى هيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ. فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت للفتاوى ولبعض الاجتهادات الفقهية، التي لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ، أُصيبت بالتخلف والجهل، فالعديد من الفقهاء حرموا على الناس استخدام التلفزيون والمذياع وركوب الدراجات.. الخ. مما أثر سلبا في المجتمع، وخفض من نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب، بل ان بعض الكتابات حرمت الانشغال بهذه العلوم. وأكد مهاتير أن حركة المجتمع لابد أن تكون جريئة وقوية، وعلى الجميع أن يُدرك أن فتاوى وآراء بعض النخب الدينية ليست ديناً، فنحن نُقدّس النص القرآني، ولكن من الخطأ تقديس أقوال المفسرين واعتبارها واجباً. وأضاف: اننا كمسلمين قسمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرقاً يقتل بعضنا بعضاً، فأصبحت طاقتنا مُهدرة بسبب ثقافة الثأر والانتقام، التي يحرص المتعصبون على نشرها عبر كل الوسائل وبحماس زائد، ثم بعد كل ذلك نطلب الرحمة وان يستوطن السلام والاستقرار أرضنا!
هذا ملخص آراء واحد من أهم القادة المسلمين في التاريخ الحديث، التي قام الزميل ياسر الغرباوي بترجمتها. فهل لدينا آذان صاغية لنسمع من نجح في جمع الهندوسي والبوذي واللاديني والمسلم، وخلق منهم مجتمعاً صناعياً وتجارياً متقدماً رفيعاً بأخلاقه؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الصهيونية العربية

يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي لدفع الكنيست القادم للموافقة على قانون مثير للجدل يهدف لجعل إسرائيل دولة قومية يهودية. وهذا، بنظر الكثير من المراقبين الغربيين، سيؤثر في وضعها كدولة ديموقراطية، ويضعها في مصاف الدول «الخرطي» التي تضطهد الأقليات. فالقانون الجديد مثلا سيفقد اللغة العربية، التي يتحدث بها %20 من الإسرائيليين، مكانتها التاريخية كلغة رسمية. كما سيضع قيودا صعبة على تنقل المنتمين للأقليات، وتحديد أماكن سكنهم. كما سيكون للقانون الشرعي اليهودي أفضلية على غيره من القوانين الشرعية. وقد دانت الكثير من وسائل الإعلام الغربية والمعلقين مشروع القرار، واعتبروه يصب في اتجاه المزيد من عزلة إسرائيل عن المجتمع الدولي. كما انضم بعض المعلقين العرب لهؤلاء غير مدركين ربما، ان العديد من الدول العربية والإسلامية تطبق ما يماثل القانون منذ سنوات. فالأقلية الأمازيغية، بكل تراثها وتقاليدها ولغتها تعامل بطريقة سيئة في جميع دول شمال افريقيا تقريبا. كما يعاني العلويون والأكراد في تركيا مضايقات كثيرة، ويمنع القانون التركي تدريس الكردية. كما عانى الأرمن، الذين ستمر الذكرى المئوية للمذبحة الرهيبة التي تعرضوا لها على يد الأتراك، بعد بضعة اشهر، يعانون الشيء ذاته. ونال أكراد العراق الكثير من الأذى على يد كل دكتاتور حكم العراق، قبل أن ينالوا الحكم الذاتي. والشيء ذاته يسري على إيران التي تتعرض تقريبا جميع أقلياتها للتمييز والمضايقة، سواء كانوا عربا من شيعة الجنوب أو من سنة مناطقها الأخرى. ويكفي ان الدستور الإيراني يحرم على أي مواطن غير شيعي أن يصبح رئيسا للجمهورية في دولة غالبية شعبها شيعة!
كما يتعرض الشيعة والأقليات الأخرى للمضايقة والمعاملة غير العادلة في مصر ومختلف دول الخليج وغيرها، والقائمة طويلة. وبالتالي قبل ان نتهم إسرائيل بممارسة التمييز والاضطهاد ضد أقلياتها، وهي الدولة التي لم نترك سيئة دون إلصاقها بها، فإن علينا النظر للأحوال السيئة للأقليات في دولنا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما نقترب من «داعش»

تنتشر في بعض المجتمعات الخليجية ظواهر غربية لا تمت الى الإنسانية ولا الى الحضارة ولا حتى الى العدالة بصلة، كعادة نشر إعلانات مدفوعة الأجر لجمع المال من العامة، أو غالبا من المنتمين لتجمع قبلي او عائلي ما لغرض دفع دية شخص قام بقتل شخص آخر، متعمدا أو عن غير قصد، بحيث يحصل أهل المغدور على المبلغ الذي قاموا بتحديده مقابل العفو عن المجرم المذنب ليذهب لحال سبيله. وعلى الرغم مما يعتقده البعض من أن مثل هذه العادات تتصف بالإنسانية وتبين مدى تعاضد أو تآخي مجتمع ما، وأن كل فرد فيه سند للآخر، إلا انه من الصعب تجاهل الجانب المظلم من الموضوع، فهذه التصرفات غالبا ما تشجع البعض على ارتكاب اشد الجرائم واكثرها فظاعة، وهم شبه متيقنين بأن أحدا أو جهة ما ستتدخل لمصلحتهم وتجمع «ديتهم» ودفعها لأهل المغدور والعفو عنه، كما تشجع مثل هذه الممارسات البغيضة اهل المغدور على المبالغة في طلباتهم المالية كلما ارتفعت مكانة المجرم أو القاتل المالية والاجتماعية. طبعا ليس بإمكان كل مذنب مدان توقع تدخل الآخرين لمصلحته، خاصة إن كان غير منتم لتجمع عائلي أو قبلي كبير. وبالتالي فإن هذا النظام يحابي الأغنياء وكبار القوم ويبخس حق الفقراء، ولا يعني ذلك تأييدنا لمثل هذا التصرف. والدية تكون عادة مبلغا ماليا كبيرا يدفع لأهل الضحية لشراء العفو عمن اجرم بحق ابنهم، ونادرا ابنتهم! وهذا كما أعتقد، يخالف النص الديني الذي يطالب بتوقيع القصاص على المذنب. كما أنه من الصعب وصف شعور من يلتقي بمن قام بارتكاب جريمة قتل شخص آخر عمدا، وتصور أنه نجا من العقاب لأن جهة ما دفعت ديته، او النظر لوجه من طالب بالدية وقبوله المال ثمنا لدم ابنه أو أخته أو اخيه!
إن مثل هذه التصرفات تجعلنا، وإن بطريقة غير مباشرة، أقرب الى داعش منه لمن هو ضدها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تطورهم وجمودنا العقائدي

تعاني المجتمعات المسيحية، وخصوصا في أوروبا وأميركا، منذ فترة من عزوف الرجال عن العمل فيها كقساوسة وكهنة، أو في الأعمال المساعدة. كما تتعرض الكنيسة لضغوط المنظمات النسائية والجهات المؤيدة لها، لإعطاء المرأة دورا كهنوتيا مماثلا للرجل، وهو ما يخالف النص الديني. وقد قامت الكثير من الكنائس، بمبادرة منها، بالسماح للمرأة بتولي كل الوظائف الكنسية من دون انتظار موافقة الجهات الأعلى، ومنها كنائس أنجليكانية، التي قامت في سبعينات القرن الماضي بالسماح للنساء بأن يصبحن كهنة وشمامسة وحتى أساقفة. وقد أدى ذلك في حينه لاعتراض بقية الكنائس المحافظة على ذلك، وهذا ما دفع «سينود» كنيسة إنكلترا، وهي الجهة المختصة بالأمور القانونية لكنيسة مؤثرة، لأخذ موقف من الاختلاف، والموافقة رسميا، واعتبارا من العام المقبل، على أحقية تولي المرأة العمل الكنسي. وقد بيّن قرار السنودس قدرة الكنيسة المسيحية، ولأي جهة انتمت، على التأقلم مع الزمن والأحداث، علما بان كنائس أخرى قامت بما يماثل ذلك، والتخلي عن أمور من صميم العقيدة، وذلك من أجل الاستمرار في البقاء، والاستمرار في جلب الاتباع.
ما نود قوله هنا ان التغيير اصبح مستحقا وحتميا، والجمود قاتلا، والأفكار والمعتقدات ليست استثناء، فإن لم نتأقلم ولم نتغير فستطحننا آلة الحضارة وتجعلنا كعصف مأكول مذموم، ونستمر في الزحف في ذيل قائمة الأمم. فكل من قاوم التغيير وأصر على رأيه وسابق مواقفه كان الفشل رفيقه، فهناك شركات كبرى، تلفظ آخر أنفاسها، بعد أن رفضت التغيير، فما كان صالحا بالأمس قد لا يكون مقبولا اليوم. وحتى الذين يقاومون التغيير بحجة أو بأخرى، لو نظروا الى حياتهم وطريقة معيشتهم وتصرفاتهم لوجدوا أنهم تغيروا بشكل جذري حتى في آرائهم ومواقفهم من كل شيء تقريبا.
وبالتالي من الضروري مراجعة قضايا معطلة، كضرورة إعادة النظر في الحق الذي «يتمتع» به الرجل في غالبية الدول الإسلامية في الزواج والطلاق من أي عدد شاء واشتهى من النساء! فهذا «الحق» يحتاج لأن يكون مقيدا، كما سبق ان فعلت تونس وقبلها تركيا! وبالتالي لم يكن غريبا تصدي مصلحين كبار، من أمثال مصطفى كمال والحبيب بورقيبة وغيرهما، للموضوع ومنع تعدد الزوجات. كما قامت دول أخرى بتقييد حق الزواج بثانية باشتراط موافقة الأولى. وتحاول اليوم جهات من أمثال «أنصار الشريعة» السلفية، في تونس، الدفع بإباحة تعدد الزوجات فيها، والقضاء على المكتسبات التاريخية للمرأة. كما أثار مشروع، طرح قبل سنوات قليلة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية في مصر، يتضمن تقييد تعدد الزوجات، جدلا ساخنا بين الفقهاء والقانونيين، كما أيد مشروع القانون حينها عدد لا بأس به من رجال الأزهر الكبار، بحجة أن ليس هناك ما يسمى بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أصلا، إنما التعدد الذي أباحته الشريعة هو تعدد في أمهات اليتامى فقط. ويذكر أن قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي يعود لعام 1920 ولم تطرأ عليه، على مدى مئة عام تقريبا، غير تعديلات طفيفة جدا.
هذا ليس مقالا لنقد وضع معين والمطالبة بتغييره، بقدر ما هو نداء لتشغيل العقل والحث على التساؤل.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«داعش» صغير وصدام أصغر

في لقاء مع رئيس وزراء أردني سابق، قال إن في عقل كل مسلم هناك «داعش» صغير، وهو هنا يتكلم بالطبع عن نفسه ومن يعرف، ولكنه لم يفتر، فكلامه صحيح، والدليل على ذلك أن كل ما اقترفه تنظيم «الدولة الإسلامية» في قرى ومدن سوريا والعراق من جرائم رهيبة وافعال وحشية لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها، لم نجد لها ما يقابلها من استنكار قوي واشمئزاز، او حتى إدانة من غالبية مسلمي العالم، بل سيزيد تأييد هؤلاء لهم مع الوقت ومع كل نصر يحققه التنظيم. كما نجد في الوقت نفسه أن الشريحة الأكثر تأثيرا في هذا المجال، وهم رجال الدين في الشرق والغرب، ولأي مذهب انتموا، كانوا الأكثر صمتا تجاه افعال داعش، وليس أدل على ذلك الموقف المائع لحكومة رجال الدين في إيران ودول «دينية تقليدية» أخرى من داعش وافعاله.
ومن جانب آخر، يقول الزميل العراقي قاسم صالح إن شعوب المجتمعات التي يحكمها دكتاتور عادة ما تنقسم لثلاث فئات فيما يتعلق بتعاملهم مع النظام: أولئك الذين يعتبرون السلطة شريرة، ويفضلون الابتعاد عنها. وهناك من يعارضها ويسعى للإطاحة بها، وهناك أخيرا فئة المنافقين الذين يظهرون للسلطة عكس ما يخفون، يتوددون لها طمعا في سلطة أو مال أو جاه، أو دفعا لشرّ يتوقعونه. ومن هذا الفريق ظهر اشخاص طمعوا في المناصب والثروات، واتقنوا لعبة النفاق بجعل الدكتاتور شخصية كارزمية استثنائية، وأخطر هؤلاء يعتبرون المنافقين الصحافيين وأصحاب القنوات الفضائية والاذاعية والممثلين. كما كان الشعراء وكتاب الروايات الأكثر نفاقا وتأثيرا في مجتمعاتهم. ولكن جميع هؤلاء عادة ما تتغير مواقفهم مع موت الدكتاتور، وهذا ما نجده في العالم أجمع، ولكن لسبب يتعلق بالتربية والتنشئة في مجتمعاتنا، فإن السواد الأعظم من المسلمين، والعرب بالذات، يستمر هيامهم بالدكتاتور حتى بعد موته. وليس غريبا بالتالي ما نراه من توق الكثيرين لإعادة إحياء نظام الخلافة، والاعتقاد بأن خلاص المسلمين يكمن في بعثها، غير مدركين ما سيشكله وجودها من كارثة سياسية ما بعدها كارثة إن تحققت!
وبالتالي ليس الامرغريبا ان نجد، وبخاصة ممن يدعون علو كعبهم في الفن والشعر والثقافة والسياسة، انهم في غالبيتهم لا يزالون على ولههم بجذام صدام، وان عفن «دكتاتوريته» لا يزال يعشش في فجوات عقولهم، وبالتالي هناك صدام صغير، يزاحم الداعشي الصغير في عقل كل عربي تقريبا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

النوستالجيا المصرية

النوستالجيا Nostalgia أو الحنين للماضي شعور يكتنف أفئدة الكثيرين، وخاصة كبار السن الذين لا ينفكون عن مقارنة الأمس بسوء الحاضر. فأغاني أم كلثوم افضل من أليسا، وأفلام فؤاد المهندس أروع من مسرحيات عادل إمام. كما أن العلاقة بين الآباء وأبنائهم، بنظرهم، كان يتخللها احترام كبير، أما اليوم فأسلوب التعامل مختلف، ويعتقدون أن الأصول التي كانت تتبع في العلاقات الاجتماعية حل محلها البعد والجفاء وقلة الإيتيكيت، وليس مستبعدا طبعا أن آباء نفس هؤلاء «النوستالجيين» كانت لديهم نفس شكاوى أبنائهم الآن، فكل جيل يحن للذي قبله، والكل يتحسر على الماضي، وكيف كانت الدنيا بخير وأمان، غير مدركين أن لكل جيل اسلوبه وطريقة تصرفه المختلفة عن غيره، وخاصة في المجتمعات العصرية الأكثر ديناميكية وتحركا وتأثرا بغيرها.
ويتحسر البعض، إن في مقالاتهم او أحاديثهم، على الحياة التي مضت! فأهل العراق وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها يتحسرون على الماضي، ويتوقون لسابق ايامهم، يوم كانوا ينعمون برغد العيش والأمان والاحترام، وكيف اختفى كل ذلك بين يوم وليلة، لتصبح مجتمعاتهم بلا نظام، ودولهم بلا احترام، وشوارعهم بلا قانون، وقضاؤهم بلا هيبة، ولتحل العصابات محل قوى الأمن، والميليشيات محل الجيش، ولينتشر المفسدون ورجال العصابات المسلحة، ويكثر النهب والسلب دون عقاب. كما نجد أن البعض، خاصة من كبار السن، يحنون للعهود الملكية، ويقارنون سابق اوضاعها بأوضاع مجتمعاتهم اليوم، وكيف اصبحوا يفتقدون الذوق والجمال، دون إدراك أن التحسر على الماضي والحنين له هما سمة سائدة في كل المجتمعات، ولكنهما أكثر حدة في المتخلفة منها، التي لا تؤمن لا بالتخطيط ولا بحساب المستقبل ولا بتوازن الدخل مع متطلبات المعيشة. فسبب الحنين للماضي يكمن غالبا في أن الحياة كانت أكثر سهولة في الماضي، والوظائف أكثر توافرا، والأسواق أكثر قربا، والمسافات أقل بعدا، والأفواه التي تتطلب الطعام يوميا أقل عددا. كما زادت الحاجة للكساء والمسكن والمدرسة، مع تناقص في الموارد إن نتيجة إجهاد المصانع والأراضي الزراعية، أو ما تعانيه أنظمة هذه الدول من فساد وتخلف، وهي المجتمعات نفسها التي ترفض مجرد الحديث في موضوع تحديد النسل، دع عنك تطبيقه. فعدد سكان كوريا ومصر مثلا واقتصادهما كان متقاربا في الخمسينات، بل كان الاقتصاد المصري أكثر تقدما. ولم يتطلب الأمر غير نصف قرن لتنقلب المعادلة، وتصبح كوريا الأكثر تقدما بكثير، بدخل قومي يزيد على 1305 مليارات دولار، مقارنة بدخل مصر البالغ أقل من 300 مليار، والسبب أن الأولى آمنت بالعلم وبتحديد النسل، وكفرت الثانية بهما. ومن الطرائف التي انتشرت في لبنان مؤخرا أن متسولة تقدمت تطلب مساعدة، قائلة ان لديها سبعة اطفال، وهنا فتحت سيدة حقيبة يدها وناولتها لفافة فنظرت لها المتسولة مستفسرة عما هي، فقالت لها السيدة ان فيها وسيلة لمنع الحمل، وأن مشكلتها ليست الفقر بقدر ما هي في تحديد النسل، فكلما زاد السكان زادت الأفواه، والحاجة للطعام والدواء والكساء والتعليم والمسكن وغير ذلك الكثير. ولكن على الرغم من وضوح مثل هذا الأمر، وكل هذا الخراب والدمار والتخلف، فإننا لا نزال نصر على تحريم تحديد النسل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما ينقلب الوضع

حذرنا وحذر غيرنا أكثر لمسألة تأويل النصوص الدينية وربط بعضها بالاكتشافات والاختراعات الحديثة، والادعاء بأننا عرفناها قبل من اكتشفها بألف سنة او أكثر! وخطورة ذلك تكمن في أن من الممكن جدا أن تتغير هذه الاكتشافات أو النظريات، او يظهر عكسها، حينها ما الذي سيقوله هؤلاء المؤولون؟
سبب هذا الاستعجال في نسبة أمور علمية لنصوص دينية يتعلق بحماسة البعض المفرطة لأفكاره، وهي الحماسة نفسها التي تسود الكثير من تصرفاتنا، والتي دفعت نوابا في برلمان الكويت مثلا للمطالبة بمنح لاعب كرة قدم، حقق هدفا في مرمى فريق آخر، تصادف انه العراق وليس الإمارات، منحه شرف الحصول على جنسية الكويت! ولكن سرعان ما خسر فريق ذلك اللاعب في مباراته التالية، وكانت هزيمته فادحة ومخزية، وربما كان لذلك اللاعب دور في وقوع تلك الفضيحة الهزيمة، وإن بصورة غير مباشرة، والآن هل سيحاول النواب من مقدمي اقتراح التجنيس الاستمرار في طلبهم؟!
والسؤال الأهم من ذلك: كيف يمثل الكويت، في مباراة دولية من لا يحمل جنسيتها؟
كما أن طبول من يدّعون التدين ويسعون لهداية الناس، وبالقوة غالبا، لم تتوقف وزماميرهم لم تصمت ومقالاتهم وخطبهم لم تتوقف في الثناء كلما اعتزلت فنانة الفن وتحجبت، حيث حدث الأمر ذاته قبل عشر سنوات تقريبا مع الممثلة «موناليزا»، التي لم تكتف بأداء العمرة واعتزال الفن وارتداء الحجاب، بل قررت التخلي عن مسيحيتها، حيث وجد هؤلاء الدعاة في هذه الفتاة الغرة والمتواضعة الفهم صيدا سمينا، فدفعوا لظهورها المتكرر على القنوات الدينية لشرح سبب تخليها عن عقيدتها، وفكرتها عن الحجاب وفضائله وفوائده، وكيف أن الدين يفرضه. والآن، وفي خطوة مفاجئة قررت الست «موناليزا»، التي أصبح اسمها بعد إسلامها واعتزالها «منى» والتي بدأت مشوارها الفني مع محمد هنيدي في فيلمي «همام في امستردام» و«عمر 2000» وبعدها في «اصحاب ولا بيزنس»، وغيرها من مسرحيات ومسلسلات، التخلي عن حجابها والعودة للتمثيل بعد اعتزالها الطويل!
والآن ما الذي سيقوله الذين سبق ان طبلوا عندما أسلمت «موناليزا» وزمروا عندما تحجبت واعتزلت الفن؟ هل سيقومون بلعنها أم بلحس كلامهم؟ وهل سيعتبرون أن عودتها للتمثيل وخلعها الحجاب هزيمة لأفكارهم، مثلما اعتبروا اعتزالها وتحجبها نصرا لها؟ وهل ستقوم القنوات التلفزيونية والمطبوعات التي استغلت اعتزالها وتحجبها لمصلحة «سياساتهم الدينية» بمقابلتها الآن وسؤالها عن سبب عودتها عن آرائها في الحجاب والاعتزال، أم سيتجاهلونها رغبة في تغطية خيبتهم؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

طارق والسيارات

يعتبر ابننا البكر «طارق» صاحب معرفة واسعة بأنواع السيارات وسنوات صنعها ومميزاتها، ويعرف ذلك بمجرد نظرة سريعة، هذا على الرغم من أنه لا يستطيع القيادة، بسبب ظروفه الصحية. كما تساعده حاسة سمعه القوية على توقع ما ستصاب به أي سيارة لدينا بعطل، قبل معرفتنا بذلك بفترة، وذلك من خلال ما يصدره محركها من اصوات لا تستطيع الأذن العادية سماعها، دع عنك تمييزها.
أكتب هذا المقال لأرضي جزءا من شغفه الكبير بالسيارات، وكدرس بسيط في جزء من تاريخ صنع هذه المركبة التي قلبت حياة البشر رأسا على عقب.
وعلى الرغم من أن أميركا هي من أكبر المنتجين للسيارات في العالم اليوم، فإنها لم تكن اول من اخترعها، فقد كانت المانيا الأولى في هذا المجال. وفي عام 1902 كان كل إنتاج أميركا لا يزيد على 300 مركبة، وكانت بلجيكا تسبقها، كما أنتجت فرنسا في تلك السنة 23 ألف سيارة. ولكن خلال أربع سنوات زاد إنتاج اميركا ليصبح 60 الف سيارة متجاوزة كل إنتاج أوروبا، والفضل يعود إلى زيادة ثراء الأميركيين وتنامي رغبتهم في اقتناء السيارات، لكن ذلك الثراء لم يكن كافيا بل تطلب الأمر استحداث تقنية تسارع في تلبية ذلك الطلب وتقلل من تكلفة الصنع، وهنا برزت عبقرية الصناعي هنري فورد، الذي تدين له أميركا بالكثير، عندما نجح عام 1908 في تقليل كلفة إنتاج فورد موديلT من 4000 دولار إلى 825، وإلى أقل من ذلك بعدها، من خلال ابتكار طريقة «خط الإنتاج»، الذي يتحرك فيها هيكل السيارة من عامل لآخر على سير متحرك، ليقوم كل عامل بأداء عمل نمطي متكرر يتقنه بصورة عالية، مقارنة بالطريقة البطيئة السابقة التي كانت تتمثل في قيام من يود امتلاك مركبة بشراء الشاصي الخاص بها ومن ثم اخذه لمصنع آخر لصنع المحرك والإطارات والراديتور وغير ذلك، ومن ثم تركيب المقاعد والأبواب وغيرها عليها، حسب رغبة المشتري. وكانت كاديلاك سنة 1910 أول سيارة تصنع بتعاون مصنع الشاصي مع مصنع العربات تحت سقف واحد، وهذه الطريقة لا تزال متبعة حتى اليوم في صناعة السيارات الفاخرة. وكان وراء إصرار فورد على جعل كل انتاج مركباته ذات لون واحد وهو الأسود رغبته في إنتاج أكبر عدد من المركبات، وتعدد الألوان كان يعطل ذلك ويزيد من التكلفة.
وعلى الرغم من كل ما تعرضت له سيارات تويوتا من مشاكل في الإنتاج واضطرارها لاستعادة مئات آلاف السيارات بسبب خلل فني أو غيره، فإنها لا تزال الشركة الأكبر إنتاجا في العالم ( 98، 9 ملايين سيارة). وتحاول شركتا جنرال موتورز وفولكس واجن جاهدتين اللحاق بها! أما أكبر دول تنتج السيارات والمركبات في العالم فهي الصين، حيث تنتج 17 مليون سيارة. كما أنتجت دول العالم 88 مليون سيارة عام 2013، نصيبنا منها يقارب اللاشيء تقريبا.

أحمد الصراف