احمد الصراف

«الطراوة» والندى.. وقلوب الجُفاة

«في وسط عينيك السوداوين، وبين خصلات شعرك الفاحم بنى الحزن منزلا لي. إن سواد عينيك يشبه سواد ليلي، وسواد شعرك كسواد شفتي. وعندما لا تكونين بجواري فإن دموعي تنساب كالسيل الذي يهدم كل وجود، ولكن عندما تكونين بقربي فإن وحدتي تذهب أدراج الرياح، وتستطيع عيناي الدامعتان النوم هانئتين. لقد خرج الربيع من بين يدي، وازدهرت براعم «وردة الثلج» في قلبي، وأنا جالس في غرفتي أحترق شوقا لك يا «وردة الثلج» المتفتحة بالحياة. آه، ماذا أقول عن شبابي الضائع وصوتي المكتوم؟!».
هذا مقطع من أغنية «وردة الثلج» للمطرب الإيراني آبادانا كوروش، وقامت فرح بترجمته بتصرف. ويمكن الاستماع الى الأغنية على الرابط التالي:
 http://www.youtube.com/watch?v=w1MGn_AV3Go

* * *
أجرى تركي الدخيل مقدم البرنامج التلفزيوني الناجح «إضاءات» في قناة العربية، لقاء معنا قبل أيام، شعرت بعد الانتهاء من تصويره بأنني أخذت من المقابلة ومن المقدم أكثر مما أعطيت، هذا إن كنت أعطيت شيئا!
أخذت أفكر، وأنا في طريق العودة إلى الفندق في دبي، في أننا جميعا تقريبا، ننتمي الى أمة قلقة ومهمومة بالكثير من الأوهام، وتسود بيننا روح الكآبة بشكل واضح، ولا مكان أو وقت لدينا للفرح أو الضحك، ولا نتجرأ حتى في الحديث علنا عن تبادل القبل او تقبل فكرة الحب الجميلة أو العاطفة الجياشة أو تلاقي العيون وتلامس الأيدي، دع عنك فكرة العناق والرقص على أنغام جميلة تحملك الى ما فوق السحاب بطبقات وتجعلك تشعر بإنسانيتك ووجودك الفريد وأن لك دوراً وموقعا في هذه الحياة يتجاوزان بمراحل ما يحاول ذلك الفكر المغالي في تزمته، او تعاسته، ان يضعك فيه او يقنعك به! فنحن إما في حالة بكاء ونحيب موسمية في ذكرى دينية أو عائلية ما، وإما أننا في حالة تجهم وجدية مستمرة وأبدية داخل بيوتنا ومكاتبنا وخارجها، وكأن الفرح معيب والضحك عار. ونحاول دائما التغطية على ضحكنا وفرحنا، بحيث لو تركنا مكانا ما، بعد فاصل قصير من السعادة، نستحلف بعضنا البعض «بالستر» عما سمعنا أو واجهنا وبطلب الرحمة للجميع بسبب قهقهة او نكتة مليحة!! فالتجهم، الذي ربما بدأ تصنعا، قبل قرون، أصبح السمة الغالبة للمسلم بشكل عام ومرادفا للتقوى، ودليلا على الالتزام الديني. حتى طريقة «تعاملنا» مع العزاء الذي عادة ما يكون ليومين او ثلاثة لدى البعض، تدعو للرثاء بسبب صرامتها وخلوها من أي عاطفة او رقة، وتصبح مأساة لدى البعض الآخر، وهم الغالبية، حيث يستمر العزاء لستة أيام ليصل الى ذروته في اليوم السابع، ليمتد الى ذكرى الأربعين، وليتكرر الطقس الحزين ذاته بعد عام من الوفاة! وتتخلل كل ذلك مجموعة طقوس حزينة ومتعبة اجتماعيا وأسريا وماديا، بحيث يصبح هم وعبء القيام بها، في أحيان كثيرة، أكبر من هم الوفاة نفسها!
ولو تمعنا في حياة بقية شعوب العالم، حتى الفقيرة والمسحوقة منها، لوجدنا ان الحال لديهم مختلفة تماما، وان لا حاجة لخيال واسع لتصور ان نظرتهم للحياة تختلف تماما عن نظرتنا.
ففي تلك المجتمعات، ومن دون استثناء، يعتبر الضحك والمرح والاستمتاع بالحياة أشياء جميلة، كما ان الأجمل منها هو الحب، بكل أنواعه العذرية وغير ذلك. وان هناك بالفعل أمورا رائعة في الحياة تجعل الواحد يرى الفراشات الملونة في الصحارى القاحلة ويتخيل قطرات الندى على أوراق الأشجار في عز صيف خليجي حار، ولا يرفع حاجبيه عجبا أو صوته استنكارا ان رأى حبيبين يتبادلان القبل، أو عشاقا يتهادون في مشيتهم وعيونهم وأيديهم متشابكة بسبب جمال اللحظة وروعة الموقف.
قد يكون البعض منا على حق بسبب عقيدته أو منطقه وموقفه من الحياة والموت، ولكن لا يمكن لأحد ان يقنعني بان السياحة والاستمتاع برؤية روائع مدن الأرض جريمة أخلاقية، او ان التواجد في الأوبرا خلاعة بذيئة، او ان حضور مسرحية او مشاهدة فيلم سينمائي رائع فتنة، او زيارة متحف أو معرض صور أو رؤية تماثيل فنية امر محرم، او ان الذهاب الى مدينة ملاهٍ أمر سيئ، او ان التزلج على الجليد والتزحلق على الماء والمشاركة في الرقصات الفولكلورية وتسلق الجبال وممارسة الرياضة وحضور المسابقات وركوب الخيل والاستماع الى الموسيقى في الهواء الطلق والاسترخاء «نصف عار» تحت الشمس الدافئة في المناطق الباردة والتمتع بالطبيعة، وتجميع الفراشات ومراقبة الطيور ورسمها وتصويرها واستكشاف مصبات الأنهار وموارد المياه، وارتياد الصحارى والغابات وتعلم لغات الشعوب الأخرى ورقصاتها، والرقص في «الكرنالات» وحضور المهرجانات والاحتفال بعيدي الاستقلال والتحرير.. وغيرها الكثير من الأمور التي تعتبر لدى البعض محرمة ومفسدة أو مكرهة أو غير مستحبة أو مضيعة للوقت! فوجودنا على هذا الكوكب أمر سعيد ورائع بحد ذاته، ويستوجب هذا الوجود منا ان نحتفل به ونتعامل معه بما يستحق من اهتمام، وبعيدا عن وجوه المغالين منا من اصحاب القلوب الجافة التي لا تود التعرف الى «الطراوة»، على الاقل علنا، والتي لا تعرف حقيقة جمال الندى على ورقة شجرة في بيت حبيب في صباح صيف حار!

أحمد الصراف

احمد الصراف

صالح كامل والقسيس

«.. للأسف، مجتمعاتنا اليوم ابعد ما تكون عن القيم الاخلاقية.. فأكثر عشر دول فسادا في العالم دول اسلامية، واكثر عشر دول فقرا في العالم دول اسلامية، واكثر عشر دول جهلا في العالم دول اسلامية. موضوعنا اليوم يتعلق بالقيم، كيف ندعي اننا مسلمون ونحن لا نصدق في مواعيدنا؟ يحز في النفس انه عندما يعطيك الانسان الغربي ميعادا يسألك اذا كان الميعاد «اسلاميا» ولا «غرينتشيا»!! اصبحنا مهزلة لاننا اذا وعدنا لا نأتي في الميعاد، واذا تحدثنا لا نصدق في الحديث، وهذه آية من آيات المنافق، ومع ذلك ندعي اننا مسلمون، واننا نرتاد المساجد واننا ننام ملء جفوننا لاننا قمنا بواجبنا نحو الله.. نحن نعيش في مجتمعات مليئة بالكذب.. وانا عملت في 43 دولة اسلامية، وفي 43 دولة اسلامية لم اجد للاسف دولة سليمة من الفساد. وتحكى نوادر عن الفساد، يعني تلاقي مدير ملتحي متدين ويصلي الفروض في المسجد ويواعدك على انك تجيبله الرشوة قبل الساعة كذا ولما تجيله متأخرا يتخاصم معاك، ويقول لك يا اخي انت ضيعت علي صلاة العشاء، يقول ذلك وهو ينتظر الرشوة التي سماها هدية، الى هذه الدرجة بلغنا من السوء. وهناك موظفون يضعون لوحة على مكاتبهم مكتوب عليها آية قرآنية: «ادفع بالتي هي احسن»، ودرج مكتبهم مفتوح لقبول الرشوة ولا توقيع على المعاملة من غيرها!!».
جاء الكلام العامي اعلاه على لسان رجل الاعمال السعودي المعروف صالح كامل على قناة «اقرأ» الدينية، ويبدو ان مقدم البرنامج ورئيس المحطة، فوجىء بكلام الشيخ كامل، وبالتالي قام باعادة بعض ما قاله بعد ان اضاف عليه!! ويمكن مشاهدة الحديث على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=171R9llim9Q
ولكي نخفف من حجم مشكلة عدم الالتزام بالمواعيد لدينا، دعونا نورد القصة التالية من «العالم الآخر» بعنوان «عشاء حفل التقاعد»:
قرر رئيس احدى بلديات ايرلندا تكريم قسيس البلدة بمناسبة تقاعده بعد 25 سنة من الخدمة، وقام بدعوة سياسي معروف لالقاء خطبة حفل عشاء التكريم، لسبب ما تأخر وصول السياسي فقرر القسيس القاء كلمة قصيرة بالمناسبة بانتظار وصول الضيف فقال: «عندما تسلمت مسؤولية الابرشية قبل 25 عاما تكوّن لدي انطباع مرعب عن نوعية الرعية التي سأكون مسؤولا عنها، وقد تكوّن الانطباع من واقع أول اعتراف سمعته، فقد اخبرني المعترف انه سرق جهاز تلفزيون من محل في القرية، وكذب في شهادة للشرطة، وسبق ان سرق مالا من والديه، كما اتهم باختلاس أموال من عمله، وكان الاتهام صحيحا، وكانت له علاقة غرامية بزوجة رئيسه في العمل، وسبق ان خان زوجته عدة مرات، وانه مدمن مخدرات، وسبق ان اعتدى على اخته بالتبني وحملت منه، وأجبرها على اجهاض نفسها (!!) صدمني ذلك الاعتراف، والطريقة التي قيل بها، وكأن ليس في العالم أية قيم أو أخلاق، وشعرت ان الدنيا قد اسودت في عيني وأنني اخطأت في اختيار الوظيفة المناسبة، ولكن مع مرور الوقت تبين خطأي وان الناس في غالبيتهم طيبون وشرفاء، وقد نجحت على مدى السنوات الـ25 الماضية في تكوين علاقات طيبة مع الجميع وسعدت حقا بعملي..»، وهنا أعلن عن وصول موكب السياسي، الذي ما ان ترجل من سيارته تأسف لتأخره، وتوجه من فوره الى المنصة للبدء بمراسم الحفل فقال: «مساء الخير جميعا اعتذر لتأخري لن أنسى أبدا أول يوم وصل فيه راعي أبرشيتنا إلى هذه المدينة قبل 25 عاما، فقد كان لي الشرف بأن أكون أول المعترفين لديه!!».
وهنا نجد اننا يجب ان نفعل المستحيل لكي لا نصل الى مواعيدنا متأخرين، شرقا كنا أم غربا!!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سنسفيل جدود الغرب وأبو قتادة

وافق مجلس اللوردات البريطاني بصورة مفاجئة على قرار الحكومة المتعلق بترحيل عدد من المساندين للارهاب للدول التي سبق وان قدموا منها او حملوا جنسياتها، وسبق ان اصدرت محاكم ادنى درجة قرارات تمنع ترحيل هؤلاء المتهمين بالتعاون مع الارهابيين الى الدول التي سبق ان قدموا منها، كما عارضت جمعيات مدنية عدة قرار الترحيل بحجة مخالفته لحقوق الانسان، وخوفا من تعرض هؤلاء للتعذيب في اوطانهم السابقة، وعلى الرغم من ان القرار عام ولم يحدد اشخاصا محددين فان من المعروف ان «الداعية» ابو قتادة، الفلسطيني المنشأ، الاردني الجنسية، الكثيف اللحية، الضخم الجثة، القصير الرداء، هو المعني بالحكم اكثر من غيره، فقد سبق له ان هرب من وطنه واحتضنته بريطانيا ومنحته حق اللجوء وتزوج من انكليزية، وربما انجب منها، ولكنه ما ان استقوى حتى قرر البصق، والقيام بأفعال اخرى، في الاناء الذي قدم فيه الطعام له، وذلك بالعمل ضد مصالح الدولة التي رعته وربته عندما كان ذليلا وعاجزا وفقيرا، ولكن ما ان اشتد ساعده لم يتورع عن العمل ضد مصالحها و«المشاركة» في وصفها بــ «المرحاض»، الذي لا يصلح لغير قضاء الحاجة! وقد اشتهر «ابو قتادة» بلقب «سفير بن لادن»، بسبب شدة مؤازرته لذلك الارهابي، وقد صرح قبل ايام من صدور قرار ترحيله «المبارك»، الذي اعاد الكرامة لرجل الامن البريطاني، وهي التي مرغها شذاذ الآفاق والمخربون هؤلاء، صرح بأن ترحيله وآخرين جزائريين في مثل وضعه، الى الدول التي سبق وان قدموا منها، سيعرضهم للتعذيب! ولا ادري ما هي مبررات خوفه، فمن لم يفعل ما يسيء لوطنه يجب الا يخاف العقاب، مع حفظ حقوق سمعة المخابرات العربية السيئة! الا ان ادعاءه بأنه خائف جدا من قرار ترحيله بسبب امكانية تعرضه للتعذيب في وطنه، ذكرتني بقصة النسر والحمار الرمزية، وذلك عندما اساءا التصرف المرة تلو الاخرى مع مضيفة الطائرة التي كانت تقلهما وحيوانات اخرى! وهنا لم يجد الكابتن مفرا من اصدار الامر بالقائهما خارج الطائرة، فاحتج الحمار بصوت عال على «القرار» بحجة انه سيتعذب قبل ان يدق عنقه ان رمي خارج الطائرة لانه لا يعرف الطيران، فقال له صاحبه النسر: يا حمار، اذا كنت لا تعرف كيف تطير، فلماذا اذا أسأت التصرف المرة تلو الاخرى مع المضيفة؟
من سخرية القدر ان أمام «ابو قتادة» وصحبه فرصة وقف العمل بقرار الطرد عن طريق اللجوء للمحكمة العليا للاتحاد الاوروبي، وهي اعلى سلطة قضائية في دول الاتحاد، والمثير للشفقة او السخرية ان هؤلاء الشذاذ الذين عاثوا في غالبية الدول الاوروبية فسادا وتخريبا لكفرها وسوء نظمها وقوانينها «الوضعية»، غير السماوية، قد اكتشفوا ان هذه النظم والقوانين هي الوحيدة التي يمكن ان تحميهم من ظلم انظمة دولهم السابقة المؤمنة، وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال هؤلاء والجهلة منا يسبون الغرب ويلعنون سنسفيل جدوده بسبب كفر نظمه وعلمانية قوانينه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تزلج حدس وجريمة حماس

حاول المتشددون، لا بل استماتوا لمنع احتفالنا بعيدي الاستقلال والتحرير بحجة التضامن مع اخوان مسلمي «حماس»! وان من غير المستساغ الاحتفال واهالي غزة الذين من لم يمت منهم اصبح يتلحف السماء وهو جائع، وان الفرح والسعادة والغبطة والابتسامة ليست من الدين، ولا تمت الى عاداتنا ولا الى تقاليدنا بصلة، وكأن الكويت سبق ان احتلت واستقلت وحررت عشرات المرات من قبل، واصبح عرفا تجاهل اعيادها، فلم الاحتفال بها الآن؟! ولكن هؤلاء المتزمتين «الهيبوكرتس» لم يترددوا في الوقت نفسه عن اقامة احتفالاتهم الصاخبة بمناسبة انتصار حماس الوهمي في غزة والرقص والتدبيك على الطريقة الفلسطينية، وكأن جراح غزة قد التأمت ومعاناتها قد انتهت!
وقرر هؤلاء، وفور سماعهم بقرار الحكومة اقامة احتفالات «هلا فبراير» قرروا، بذكائهم التآمري المعروف، خطف المناسبة لمصلحتهم، ولو بـ «الفرهود» حيث فرضوا انفسهم على لجان الاحتفال واعلنوا، من خلال حملة صحفية كبيرة خصت بها جريدة محددة تقريبا، عن اقامة «حفل كبير» تحت عناوين دينية وهمية عديدة بأن «ثلة» من رجال الدين «المختلطي» الجنسية من امثال نبيل العوضي ومحمود المصري ومحمد حسان ومشاري العفاسي ومحمد حسين يعقوب وسليمان الحبيلان ويعقوب عبد المحسن ومحمد العوضي سيقومون بالقاء الخطب فيها على مدى ايام! والطريف، او المثير للضحك فعلا، ان الاعلان ذكر ان الحفل سيقام في صالة التزلج على الجليد، وهو المكان نفسه الذي طالما وصفه هؤلاء الملتحون بانه «وكر للفساد في البلاد»!
كما ورد في تلك الاعلانات المكلفة، والغريبة التمويل، أن جوائز ومفاجآت تنتظر جمهور المهرجان، ولم يرد هنا ايضا مصدر التمويل، خصوصا ان الحضور مجاني، واعلن ان شعار مهرجان هؤلاء سيكون احلى حياة.. خلونا نعيشها! ولو نظرت الى وجوه من سيحيي تلك الليالي لوجدت ان لا علاقة لهذا بذلك! فكيف اصبح فجأة الاحتفال بـ «هلا فبراير» حلالا زلالا؟ ومن الذي يقف وراء مثل هؤلاء؟ وكيف سمحت الحكومة لهم بخطف مناسبة سعيدة، كالاحتفال بالتحرير، وتحويلها الى مهرجان سياسي ديني بحت؟ وهل سيكتفون في السنة المقبلة بالقدر نفسه من المال والوقت اللذين اعطيا لهم، ام سيستولون على نسبة وقدر اكبر من انشطة الاحتفالات بحيث يصبح الامر بكامله في حضنهم؟

***
* ملاحظة: قامت «حدس» الجناح السياسي لـ«الاصلاح الاجتماعي» الفرع المحلي للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين، بصرف مبالغ طائلة على اعلانات سياسية تهدف لتبرئة ساحة حماس من تهمة الوقوف بجانب صدام خلال غزوه للكويت، ولا ادري ما مبرر هذه الحملة؟ هل هو بسبب بدء تدفق الملايين الى جيوب قادة الطرفين، ام لتأكيد انتمائهم لتنظيم دولي واحد، ام لاعتقادهم بان عشرين عاما تكفي لكي ينسى الكويتيون مواقف حماس المخزية؟
لو كانت حدس صادقة في تبرئة حماس لفعلت ذلك بعد التحرير مباشرة وليس بعد مرور 19 عاما!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجاري صبحان وآلام الرقبة

تبلغ موازنة الدولة 19 مليار دينار، أو 65 مليار دولار، وتصرف بشكل أساسي على الرواتب والدفاع والصحة و…التعليم. ولو نظرنا الى عدد موظفي الدولة المناط بهم أمر الاهتمام بصحة المواطنين والمقيمين لوجدنا ان ما يصرف على السلامة والعلاج من خلال وزارتي الصحة والبلدية، وأعمال وزارة الأشغال المرتبطة بسلامة المواطن والمقيم وصحتهما، يبلغ مئات ملايين الدنانير من دون مبالغة. ولو دققنا أكثر لوجدنا أن نسبة كبيرة مما يتناوله المواطن من طعام تنتج في مصانع محلية، وأن نصيب الأسد في إنتاج هذه المواد يأتي من منطقة صبحان الصناعية، وان هذه المنطقة وبالرغم من الـ 65 مليارا التي تصرفها الدولة سنويا، وكل ما تدعيه الحكومة من اهتمامها بصحة المواطن وسلامة عقله وبدنه، وكل نشرات ودعوات التوعية الصحية، بالرغم من كل ذلك، تعتبر منطقة «صبحان» الصناعية الغذائية غير ملائمة أو مهيأة حتى الآن لصناعة الأغذية، بالرغم من مرور 40 عاما على إنشائها، لأنها وببساطة ومن دون خجل تفتقد في جزء كبير منها لأبسط أنظمة المجاري والصرف الصحي، كما ان الجزء الذي توافرت فيه مؤخرا فقط أنظمة المجاري لم يتم ربطها بالمصانع بسبب… «عدم وجود ميزانية»!! وهذا يعني ان بعض مصانع المنطقة التي تتخصص في إنتاج المواد الغذائية لا تزال تقوم بصرف فضلاتها الصناعية والبشرية في جور صحية خاصة بها، والكثير منها يفتقد لأبسط متطلبات البيئة، كما ان الروائح الصادرة من بعضها تملأ يوميا أنوف العاملين فيها، يحدث هذا في دولة تدعي الرخاء والثراء وندعي العيش فيها، وتخصص حكومتها ومجلسها بكل عباقرته المهمومين بالظواهر السلبية، مئات ملايين الدنانير على الصحة والسلامة العقلية؟
نترك التعليق وهز الرأس أسفا، نتركه لكم، بعد أن غزت الآلام رقبتنا يوم أمس بسبب حركة لاإرادية مفاجئة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

شارك في الاستفتاء يا مؤمن

كعادة «جماعتنا ومتخلفينا» في تخريب كل اختراع واكتشاف، والتلذذ باستخدام الجانب السيئ منه، ولا نستثني «الغير» من مثل ذلك بالطبع، فقد دخل الكثير من الاطراف المريضة على الانترنت، إما للاثراء‍ غير المشروع من وسيلة الاتصال السريعة المعرفة هذه، وإما لنشر آراء متطرفة او فاسدة، او من اجل التخريب ليس الا، وهذا اساء إلى الانترنت، وجعل منه في احيان كثيرة وسيلة نصب واحتيال وتضليل وفساد، فعلى سبيل المثال انتشرت قبل سنوات على الانترنت رسالة تفيد بان شركة «مايكروسوفت» او ربما شركة اخرى معها، ستدفعان دولارا اميركيا واحدا لاحد المستشفيات الاميركية المتخصصة في علاج السرطان من اجل انقاذ حياة فتاة صغيرة مصابة بالسرطان في حال قيام مستلم الرسالة باعادة ارسالها الى طرف او اطراف اخرى، وكلما زاد عدد هؤلاء اسرع ذلك في توفير المال اللازم لعلاج الطفلة! وقد وردتني تلك الرسالة من اكثر من طرف، وكانت في كل مرة تتضمن الكثير من الاسماء والعناوين. وفجأة، وبمثل ما بدأت السلسلة انقطعت، بعد ان اكتفى من ارسلها في جمع ربما مئات آلاف عناوين المشتركين في خدمة الانترنت، وباعها لشركة اعلانات مثلا، او لوكالة نصب نيجيرية، او حتى لوكالة مخابرات ما، وتبين متأخرا ان الامر لم يكن اكثر من خدعة رخيصة‍‍!
كما وردتني قبل ايام رسالة «حزينة» تتضمن صورة طفلين مفقودين واسميهما الكاملين، وعنوان والدتهما، مع نداء استغاثة لمساعدتها في العثور عليهما، وطلب مرسلها اعادة ارسال الرسالة الى اكبر عدد ممكن من الاصحاب والاهل لعل وعسى ان يساعد نشرها في استدلال الام الثكلى على فلذتي كبدها! قمت بناء على نصيحة صديقتنا السيدة «خلف» بالاتصال بعنوان الام وطلبت منها الاتصال بي على الفور لان بامكاني مساعدتها في العثور على ابنيها، ولكنها لم تتصل على الرغم من قيامي باعادة ارسال الرسالة لاكثر من مرة، مع تضمينها ارقام هواتفي وعناويني الاخرى، ومنها تبين ان الامر لم يكن اكثر من خدعة رخيصة اخرى لجمع اكبر عدد من العناوين البريدية.
كما انتشرت على الانترنت صورة «وثائقية» عن كشف اثري مهم في الجزيرة العربية لهياكل بشرية يزيد أطوال اصحابها على المترين بكثير، وورد في الرسالة انها لقوم عاد وثمود! مع ايراد آيات قرآنية تحت الصور لاعطائها بعدا دينيا معينا! وتبين بعد الفحص السريع ان صور الهياكل البشرية مفبركة!
كما ان هناك رسالة اخرى تتضمن صورا لمدينة «ارم» ذات العماد، التي ورد ذكرها في القرآن، وان آثارها اكتشفت حديثا، وتبين مباني قديمة باعمدة عالية وتماثيل منحوتة في الصخر.
وتضمنت الرسالة، كالعادة آيات قرآنية وادعية خاصة! ولكن بتكبير الصور والتدقيق في تفاصيلها يتبين واضحا انها لمعابد هندوسية في مدينة هندية اثرية!
وفي محاولة لنشر العداء غير المبرر للغرب، من خلال التأكيد على تآمرهم ضدنا، قام بعض المرضى النفسيين بتوزيع رسالة على الانترنت مفادها ان هولندا تفكر جديا في منع طباعة القرآن الكريم وتداوله فيها، وان على المسلمين وقف ذلك من خلال المشاركة في استفتاء على الانترنت في الموقع التالي www.stand.nl/index.php ومن ثم التصويت بالضغط على مربع أحمر، والذي يعني عدم موافقة المشارك على منع طباعة القرآن في هولندا! وتضمنت الرسالة نداء عاطفيا، حيث قالت: «.. يا جماعة الخير يا أنصار كتاب الله وسنة رسوله، انشروا رسالة النصرة التالية لكتاب الله، وما عليك سوى فتح الموقع التالي، وهو باللغة الهولندية، والضغط على كلمة «اونينس oneens» في المربع الأحمر، والتي تعني «غير موافق» وذلك تأييدا لحملتنا المضادة لمنع طبع القرآن في هولندا، نكرر، ما عليك الا الضغط على المربع الأحمر لرفض الوقف، واعادة ارسال الرسالة الى كل من تعرف، وهذا فرض ديني عليك، ولك الثواب، ولكي تثبتوا لأعداء الدين انكم تغارون على اسلامكم اكثر مما يظنون، فالقرآن سيمنع في هولندا، والمسلمون يرفعون شكوى والحكومة تصدر تصويتا في احد مواقع الانترنت، وللأسف النتيجة حتى الان 30 لعدم منع الطباعة، و70 لمنع الطبع، فلا تخذل كتاب الله وصوت يا مسلم»… وحيث ان الموقع باللغة الهولندية فان الكثيرين لم يتعبوا أنفسهم بالتحقيق في حقيقة الاستفتاء، وقام «مؤمنون» بالمشاركة المكثفة فيه وفقما طلب منهم! ولكن القارئ «ن. الكندري» شك في الأمر فقام بالبحث في النت فتبين له ان الموضوع كذب في كذب، ولا أساس للادعاء بكامله. وقد قمت من طرفي بالاتصال بالسفارة الهولندية لمساعدتي في ترجمة مضمون الموقع اعلاه فتبين انه يخص استفتاء ما لا علاقة له بطبع أو عدم طبع القرآن لديهم، وألا شيء من هذا القبيل تم أو يتم تداوله في هولندا على الاطلاق، وعلى أي مستوى كان!
ولكن هدف من أرسل تلك الرسالة الالكترونية عن طريق الانترنت قد تحقق، ونجح من خلالها في تشويه صورة واحدة من اكثر الدول الأوروبية المتقدمة حباً وتسامحا مع الأجانب واتباع الديانات الأخرى.
***
• ملاحظة: لفت القارئ «فهد ب.» نظرنا الى ان الزميل عادل القصار كان من أشد المتحمسين لمشروع الوسطية في الدين والاعتدال في الفكر، وكان حتى يوم واحد من آخر مقال له يدعو إلى الوسطية ويتمسك بالاعتدال، فكيف انقلب 180 درجة وأصبح فجأة مؤيداً لأفكار عبدالله النفيسي التي طالب من خلالها بقتل كل من يهاجم حماس، وأن يقوم فدائي باسل برش مادة الانثراكس على أم‍يركا ليقتل 330 ألفاً من سكانها؟
نتمنى ردا سريعا من الزميل المعتدل والوسطي، والا يربط الأمر بتوقف الدعم من مركز الوسطية وسفر الحاج عصام البشير الى وطنه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حسن حظنا بعادل القصار

قد يكون من حسن، او سوء حظنا، وربما حظ الزميل عادل القصار، اننا لاسباب عديدة لا «ننجح» دائما في قراءة كل ما يكتب، وربما لو فعلنا ذلك لكنا الآن غير ما نحن عليه، من نواح كثيرة!
كتبت قبل ايام مقالا انتقدت فيه بشدة السيد عبدالله النفيسي بمناسبة ما ورد على لسانه في ندوة عامة عن الكيفية التي يمكن بها لـ «فدائي باسل» منتم إلى القاعدة او إلى غيرها، القيام بتهريب بضعة ارطال من مادة الانثراكس السامة والقائها على تجمع سكاني في اميركا وقتل 330 ألفا منهم! وقد تجنبت نشر كل ما ذكره النفيسي في تلك الندوة لاسباب خاصة. وعلى الرغم من خطورة التحريض الذي ورد على لسان ذلك المحاضر، ونبرة التشفي التي كانت تطغى على صوته، فإن الزميل القصار لم يتردد في تأييد دعوة النفيسي، واصفا اياه بالتالي: «.. ان الانظمة (الحاكمة) تنزعج منه لما يحمله من كاريزما عالية في التنظير الاستراتيجي والتحليل المعلوماتي والتعبئة الجماهيرية..»! وأعترف بأن هذه اول مرة اقرأ فيها تعبير «كاريزما» عالية في التنظير، فهل اصبحت كلمة كاريزما، ع‍لى يد الزميل، تعني «معرفة» او قدرة مثلا، لا ادري؟ علما بان الكويت، وفي احلك ساعات تاريخها الحديث، لم يسبق لها ان رأت في شخص المعني بالوصف تلك «الكاريزما العالية في التنظير والتحليل المعلوماتي والتعبئة الجماهيرية»(!!)
ويستمر الزميل القصار في كيل المديح للسيد النفيسي ويصف دعوته التحريضية المتمثلة بإلقاء مسلم «فدائي وباسل» مادة الانثراكس على البيت الابيض، بساكنه الجديد الذي لم نعرف خيره من شره حتى الآن، ومن ثم قيام ذلك الباسل برفع عقيرته بالدعاء بألف الصلاة والسلام على حبيب الله محمد، يصفها بانها ذلك النوع من «التحريض الايجابي والمشرف الذي يشكر عليه»(!!)، فإذا كان هذا رأي القصار وهو يتلقى العلاج في مستشفيات اميركا، فما الذي كان سيقوله في اميركا، وفي وصف تلك الدعوة الارهابية لو كان يرقد في احد مستشفيات طهران او السودان مثلا؟
نعود إلى شريط السيد النفيسي ونقول ان النقطة الخطيرة الثانية التي تطرق إليها تتعلق بطلبه الواضح بضرورة قيام «اطراف ما» بقتل، اكرر بقتل الكتاب الصحفيين كافة الذين كتبوا ضد حماس وضد المقاومة! وهذا في نظره أمر، ويجب أن يتم فورا من دون محاكمة أو سؤال حتى! وللعلم يا عادل فإن دعوة النفيسي تعني قتل نصف زملائك في «القبس»، غير بقية الكتاب في الصحف الاخرى! فهل تعتقد حقا انك كنت بكامل وعيك عندما أيدت هذا المطلب الخطير الموثق، بالصوت والصورة، الذي لا نعرف لماذا لم تتحرك السلطات للنظر فيه!؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أحلام هيفاء السقاف

«شبعنا اضطهادا وخوفا وذلا، نقول لأعرابكم: ألف كلا، فلسنا متاعا لكم قانعات، ولسنا لأمثالكم ساجدات. عصور الجواري طوتها السنون، فهل نحن في شرعكم جاريات؟ إلى الخلف عودوا كما تشتهون، فلسنا لأغلالكم عائدات!»

(من مقال لـ«هيفاء السقاف»)

***
وقفت الدراجة النارية، التي كانت تستقل رجلين ملتحيين، في احد شوارع «كابول» بمحاذاة فتاتين في عمر الورد، وكان الوقت صباحا وشديد البرودة، وسألهما احد الرجلين عن وجهتهما، فما ان اجابتا بأنهما في طريقهما الى المدرسة، حتى اخرج احدهما من جيبه لعبة على شكل مسدس بلاستيكي وصاح «الله أكبر» ورشّ الفتاتين بزخات من سائل شفاف من المسدس، ومع تعالي صراخ الفتاتين، ولّيا هاربين، فقد كان السائل الشفاف «ماء نار» تكوي الجلد!
ترقد المسكينتان (شفيقة وسكينة) الآن في احد مستشفيات كابول، حيث تتلقيان علاجا على يد اطباء اميركيين، وذكر مصدر في المستشفى بأن الشقيقتين سيسمح لهما بالخروج خلال اسابيع قليلة، بعد اجراء جراحات تجميل لهما، وان كبراهما فقدت بصرها الى الابد!
تكرر وقوع مثل هذه الجريمة في شوارع مقاطعات افغانية عدة، وبالذات في المناطق التي تقع تحت سيطرة عصابات «طالبان». كما جرى تفجير مبان عدة لمدارس مخصصة للبنات، ومنع، تحت التهديد بالقتل، اصحاب مدارس اخرى من فتح ابوابها، وكل ذلك بغية وقف الحركة النشطة لتعليم الاناث التي تسارعت مع دحر قوات طالبان التي كان منع تعليم البنات اولى مهماتها فور سيطرتها على افغانستان قبل سنوات عشر تقريبا، بحجة ان تعليمهن مخالف للشرع الاسلامي. ومن الواضح ان بقاء البنات من غير تعليم يسهل عملية سيطرة الرجل «المتدين» عليهن مستقبلا، ومعاملتهن كالجواري. واكاد اجزم ان غالبية الكتّاب، سواء في «القبس» او غيرها، من المنتمين للتيارات الاسلامية، لم يعيروا اخبار هذه الاعتداءات في افغانستان وبعض مقاطعات باكستان المحاذية لها اية اهمية، هذا اذا لم يكن البعض منهم يؤيدها علنا او سرا. ومن المستبعد ان نقرأ نقدا لمثل هذه الجرائم في اي من الزوايا والتكيات الصحفية لهؤلاء، خصوصا المغالين منهم في تدينهم، فنقد حركة طالبان، بالرغم من كل جرائمها في حق شعب افغانستان والبشرية، امر مستبعد بعرف هؤلاء، وهنا يكمن الفرق بين روحية المتدين ونظرته إلى الآخرين، ونظرة المثقف الملتزم الدفاع عن القضايا الانسانية، ولا ندّعي شرف الانتماء إليه بالضرورة!
نعود إلى مقدمة المقال وكلمات السيدة هيفاء السقاف، التي تقطر حزنا، بالرغم من لهجة التحدي التي تغلف كل حرف فيها، ونتمنى حقا لو انها تمثل ولو جزءا من الواقع المرير الذي تعيشه المرأة المسلمة في الخليج وباكستان وافغانستان وايران.
وفي مقابلة اجرتها اذاعة الـ«بي بي سي» مع الحائزة جائزة نوبل للسلام السيدة شيرين عبادي، الايرانية الجنسية، بمناسبة مرور 30 عاما على «الثورة الاسلامية» في وطنها، ذكرت أن قادة الثورة قاموا في الاشهر الخمسة التي تلت نجاحها بإلغاء كل المكتسبات التي حصلت عليها المرأة اثناء حكم الشاه، حتى قبل صدور دستور البلاد وانتخاب رئيس للجمهورية الوليدة حديثا، وانها شخصيا عُزلت من منصب القضاء الذي كانت تتولاه في ذلك الوقت، على الرغم من تأييدها للثورة، بحجة انها امرأة، ولا يجوز، بعرف آيات الله، لبنات جنسها تولي منصب القضاء (!!) وقالت إن جميع القوانين المساندة للمرأة، كالحضانة والنفقة وتقييد حق الزواج بأكثر من واحدة وغيرها الكثير، أُلغيت بأوامر شفهية من «الولي الفقيه»، من دون سند قانوني، او حتى انساني، ولا يزال الحظر ساريا!
كنت اتمنى يا عزيزتي الرائعة هيفاء ان اشاركك احلامك، ولكن الواقع المؤلم والمر والمأساوي الذي تعيشه المرأة في منطقتنا لا يسمح لي حتى بمجرد الحلم… فاعذريني!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأصول الفارسية والعمالة الغربية

يحلو لبعض المعقبين او المعلقين على ما اكتب، وخصوصاً في المدونات والمواقع والصحف الالكترونية، الغمز واللمز من قناة اصولي، او مذهبي الديني، وتكرار وصفي بالفارسي العنصري او بالمتخفي بالتقية، او بالصفوي عميل السفارة الايرانية. ويرفعون احيانا «قدري» فيتهمونني بالعمالة لأميركا والغرب. ولو علم هؤلاء حقيقة ما في داخلي وعقلي وفكري لما ترددوا في شق جيوبهم، وربما حتى سراويلهم، كمدا بسبب سوء ظنهم وسقم رأيهم!
لا انكر اصولي الفارسية، وجميل ان ينتمي الواحد منا إلى حضارة رائعة مثل حضارة الفرس، بكل ما قدمته للبشرية والحضارة الانسانية في ميادين الرسم والنحت والشعر والغناء والطرب والبناء والخط والطب والفلسفة والمعمار والطبخ وغير ذلك الكثير، وهنا نتوقف ونضع حدا فاصلا بين التمني والواقع، خصوصاً بعد ان عاث الملالي في تلك الحضارة، وقلبوا الكثير من روائعها إلى حظائر.
ولكن كيف يمكن ادعاء الانتماء إلى حضارة نحن منها على كل هذا البعد والفراق، خصوصاً بعد ان تشرّب الواحد منا، طوال حياته، ثقافة شبه الصحراء هذه بكل حلوها ومرها، واصبح جزءا من هذه الارض، شاء ذلك او ابى، هو او غيره! فالانتماء، بالرغم من سهولته النسبية، امر بالغ التعقيد لمن يحترم نفسه وعقله ويعرف قدراته وحقيقة مشاعره. فكيف يمكن ادعاء الانتماء إلى حضارة لا نعرف لغتها ولا نشعر بما يشعر به اهلها، ولا يهزنا ما يهزها غير اغنية هنا وتنهيدة هناك، مثلهم مثل اي شعب آخر يمتلك الكثير ليعطيه للعالم، ولكن هذا لا يعني ان العالم ينتمي إليهم لمجرد اعجابه بما يقدمونه. وعلى هذا الاساس يمكن القول ان الانتماء ليس جواز سفر او اسما او حتى جنسية او مذهبا او دينا محددا، بل لغة وفهم وتلاحم بيئي وثقافي ومشاعر شتى. وهذه المشاعر التي اشعر بها، ويشعر بها الآخرون بطبيعة الحال، هي التي تجعلني «كويتيا» اكثر بكثير ممن يحاولون الطعن في وطنيتي وانتمائي. فأنا اكثر صدقا واخلاصا لوطني منهم، ولا احتاج إلى شهادة احد هنا. فهؤلاء السفهاء الذين استمرأوا مهاجمة كل من لا ينتمي إليهم، وإلى فكرهم المتخلف، سواء القبلي او الطائفي منه، لديهم عقد نقص هائلة لا يمكن التنفيس عنها الا بمهاجمة من هو افضل منهم. فرائحة تراب هذه الارض وعبق تراثها اللذين تشرّبتهما عروقنا هما اكثر قوة من كل خيال ووصف، وهما الاساس والاصل، ولا يعلو عليهما اي امر آخر، لا العروبة ولا القومية ولا الفارسية ولا اي شيء آخر. ومن فشل في ان يكون مواطنا منتميا، مثل اولئك الذين قبلوا بالمشاركة في مؤامرة دينية في الشيشان او حرب قبلية في افغانستان او حتى مقاومة وطنية في غزة، فليس مؤهلاً اصلا للحكم على مشاعر الآخرين الوطنية! فمن فشل في ان يكون مخلصا لوطنه، يفشل حتما في ان يكون محللا لأي امر صالح آخر، وهذا مصير كل اولئك الفاشلين الذين يعشقون وصف انفسهم، او وصف الآخرين لهم، بــ «المجاهدين». فأسامة بن لادن مجاهد، والملا عمر مجاهد، والزرقاوي مجاهد، ومحمد عطا مجاهد، مع جيش آخر صغير من الكويتيين والسعوديين والجزائريين والمصريين وغيرهم الكثير، وما أكثرهم وما اقل نفعهم لأمتهم واوطانهم واسرهم والبشرية جمعاء! ولو تفحصنا خلفيات جميع، ربما لا احد يستحق الاستثناء، من حارب خارج حدود وطنه، دفاعا عن معتقداته او آرائه او تلبية لنداء شيخه او معلمه، لما وجدنا بينهم مواطنا صالحا واحدا بالمفهوم الانساني المتعارف عليه! فكيف يمكن ان نطلق وصف فدائي او مجاهد مثلا على من ترك وراءه زوجة وابناء رضّعاً ليذهب إلى العراق او أفغانستان ليقاتل، وربما ليقبض عليه ويسجن او يقتل هناك؟ من الذي سيطعم زوجته وابناءه من بعده؟ ومن سيربي ويعلم ايتامه ويوقف جريان عجلة التخلف المتمثلة في الجهل والفقر والمرض؟ وهل الموت في سبيل العقيدة سينقذ اطفال هؤلاء «المجاهدين» من كل امراض المجتمع؟ ألم تنجح الكثير من قوى العالم من صليبيين واتراك عثمانيين وفرنسيين وبريطانيين واسرائيليين وغيرهم في التحكم بمقدرات شعوب المنطقة على مدى اكثر من الف عام لا لشيء الا بسبب تخلف شعوبها وقلة حيلتها الناتجة عن جهلها؟ فمن الذي سيوقف انهيار مجتمعاتنا ان فشلنا في ان نصبح حتى نصف مواطنين صالحين؟ اسئلة عديدة ستبقى لعقود من دون جواب، لأن من يمتلك الاجابة لا يود الادلاء بها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشيخ «عبدالله» وعصا موسى

كان الزمان أواخر ستينات القرن الماضي. كنا صبية صغارا نعيش في الحي نفسه، نلعب كرة القدم معا نذهب إلى البحر القريب معا، وندرس في المدرسة الحكومية نفسها. كنا نتساوى جميعا في قدراتنا وأحلامنا وطموحاتنا، إلا «عبدالله»، فقد كان أكثرنا بساطة وتواضعا في فهمه ومقدرته على الاستيعاب، وبالتالي لم تكن له أي أحلام أو طموحات، أو حتى أمل في السفر إلى الخارج للتعلم في جامعات الغرب، فقد كان يخاف الغربة ويكره التغيير. كما كان لا يشاركنا اللعب كثيرا ولا يحب التنافس والتناحر الطفولي، وأكثر ميلا للصمت والانزواء والبقاء في المؤخرة، وهكذا عاش طيلة سني معرفتنا به.
سنوات قليلة مرت ووجدنا أنفسنا جميعا في الثانوية، إلا عبدالله، فقد اختار الدراسة في أحد المعاهد الدينية، فكرهه للحساب والتاريخ والجغرافيا والأحياء والفلسفة، كما أخبرنا وقتها، دفعه الى اختيار دراسة لا تحتاج الىجهد كبير، بل للقليل فقط من التركيز وحفظ العلوم الدينية والأحاديث، والتي لا يحتاج فهمها لجهد كبير!! وهكذا تفرقت بيننا السبل، وابتعد عبدالله عن «الشلة» وأصبح له أصدقاء جدد، ولكن كنا نراه في الحي أحيانا وفي المسجد أحيانا أخرى، ومع الوقت تغيرت هيئة عبدالله فقصر ثوبه قليلا وأصبح يطيل لحيته، ثم سافر إلى مصر لإكمال تعليمه.
خلال سنوات قليلة، أكمل غالبيتنا دراسته الجامعية خارج الكويت، وعدنا للوطن أطباء ومهندسين ومحامين، وتقلبنا في مختلف المناصب الحكومية. أما عبدالله فقد عاد بعدنا بسنة، أو ربما بسنتين، بعد أن أنهى دراسته الدينية في مصر، وتوقعنا أن تنتهي الحال به مدرسا لمادة الدين أو ربما اللغة العربية!
خلال سنوات قليلة من تخرجنا بدأت العراقيل والمشاكل تواجهنا الواحدة تلو الأخرى، وفترت العلاقة بيننا شيئا فشيئا، خصوصا بعد أن تركنا جميعا الوظيفة الحكومية، بسبب الروتين الحكومي البالي، واخترنا إما العمل الحر وإما التوظيف في القطاع الخاص، واختار البعض العودة للعيش في أميركا، ولكننا بصورة عامة لم ننجح بشكل مثير في حياتنا، إلا واحدا أو اثنين من الشلة، أما الباقي فقد قبلوا بـ « المقسوم».
الوضع مع عبدالله كان شيئا آخر، فخلال ثلاث سنوات من عودته بالشهادة الدينية العالية أصبح وجهه شبه مقرر علينا في الصحف اليومية، حيث لم تكن تخلو جريدة من صورة أو تصريح أو فتوى أو رأي له. تعين في البداية مدرسا في مدرسة ثانوية، وانتقل بعدها بعام واحد ليصبح مدرسا في كلية الشريعة، بعد أن نجح في الانضمام لأحد الأحزاب الدينية الكبيرة. كما أصبحت الألقاب الفخمة تسبق اسمه حيث أصبح فقيها تارة وشيخا تارة أخرى، وعرف بالواعظ والملاج والمفتي، ثم تطور الأمر وأصبح يلقب بالأستاذ الدكتور، وكان معروفا أيضا كخطيب وإمام مسجد. وعلى الرغم من أنه لم يكن يداوم في الكلية، فانه استمر في قبض راتبه، من دون عمل حقيقي. وأصبح عضوا في ثلاث لجان شرعية لمراقبة أعمال البنوك والمؤسسات المالية التي تتبع النظام اللاربوي. كما أصبح عضوا في لجنة استشارية لتطبيق الشريعة. واشتهر في مجال كتابة عقود القران، بسبب المبلغ الكبير الذي كان يصر على قبضه مقابل كل عقد، وكان المعاريس يتسابقون على طلبه لعقد قرانهم وأخذ الصور التذكارية معه. وارتفع نجمه عندما نجح، بدعم من حزبه الديني، في إقناع الحكومة بمساواة خريجي الشريعة بخريجي كليات الحقوق في الكثير من مجالات العمل. وأصبح اسم عبدالله، خلال سنوات قليلة، يظهر على العديد من المؤلفات الفقهية، ويشارك في مؤتمرات الوسطية ويدير اللجان الدينية وينشط في اللقاءات السياسية والندوات الانتخابية مناصرا هذا ومزكيا ذاك، ومشاركا في الوفود الخارجية، ومستضيفا الزائر منها. واستكتبته مؤسسة صحفية ليكتب فيها عمودا يوميا، وبأجر مغر. ثم تطور الأمر معه وفتح مركزا في منطقة بعيدة لعلاج مختلف الأمراض بالرقية الشرعية، وأصبح المركز مصدر دخل كبير له. كل هذا دفع الإذاعة الحكومية لأن تخصص له ساعة في الأسبوع ليلقي مواعظه على المستمعين ويجيب عن استفساراتهم. ولم يتخلف التلفزيون الرسمي عن الحفل حيث خصص له يوما آخر في الأسبوع للرد على فتاوى المشاهدين. وكان كل جمعة يلقي خطبة عصماء في أحد مساجد منطقة سكنية مرموقة. وأصبح عضوا في ثلاث جمعيات خيرية ومشرفا على أكثر من صندوق وقفي فيها.
ولو أخذنا بالاعتبار ما يتطلبه الاهتمام بمتطلبات زوجاته الثلاث وأولاده الثمانية، وما يستهلكه تأليف الكتب من جهد ووقت، وما يعنيه إلقاء المحاضرات والمواءمة بين متطلبات العمل في الإذاعة والتواجد في التلفزيون من وقت، وفوق هذا كتابة عمود يومي والتصدي للإفتاء والإمامة وحضور جلسات لجان البنوك والمصارف، لوجدنا أن عبدالله البسيط المتواضع القليل الاستيعاب والفهم الكاره للرياضيات والجغرافيا والأحياء والتاريخ، قد أصبح فجأة رجلا خارقا، أو سوبرمان، ولكننا لم نكن نعرف ذلك، والدليل أننا فشلنا جميعا، نحن خريجي المدارس البريطانية والفرنسية والأميركية، في تحقيق نصف، أو حتى ربع ما حققه عبدالله من نجاح مالي ومعنوي وسياسي واجتماعي في مجاله الديني! وهذا دفع أحدنا، في واحد من لقاءات الشلة النادرة، لأن يشك في أن عبدالله ربما يمتلك «عصا موسى» السحرية ليكون بإمكانه القيام بكل هذه المهام منفردا!
ملاحظة: علىالرغم من أن شخصية عبدالله من وحي الخيال فان ما يماثلها موجود بيننا بكثرة، وفكرة المقال تعود للقارئ الفاضل «جابر»!

أحمد الصراف