احمد الصراف

فأرة سانتا باربارا والأشغال

تمتاز المجتمعات الغربية بأمور كثيرة تفتخر بها، وما يجعلها فريدة حالة الشعور بالإنسانية التي تطغى على تصرفات الفرد الغربي العادي في أي مجتمع كان، فطريقة تعاملهم بشكل عام مع الآخرين ومع الحيوانات والبيئة تتطلب منا تعلم الشيء الكثير منها.
في احد شوارع سانتا باربارا في ولاية كاليفورنيا، اعتاد المارة مشاهدة مواطن متشرد من ملتحفي السماء ليلاً ومتخذي الطريق بيتا، اعتادوا مشاهدته مع كلب وقطة وفأر يجرها خلفه، ولكن بوضعية غير اعتيادية، فقد نجح هذا الانسان، الذي اختار العيش بحرية من دون قيود ولا بيت أو سيارة أو زوجة وأبناء وضرائب وفواتير كهرباء وماء وغاز وتأمين، في خلق إلفة بين هؤلاء الأعداء التاريخيين وجعلها تعيش مع بعضها بعضا، فالفأر يجلس طوال الوقت على ظهر القطة التي تجلس بدورها بكسل واضح على ظهر الكلب، الذي اختار وصاحبه السير في طرقات المدينة، مسترقين نظر المارة المعجبين برؤية ذلك المنظر الفريد، طالبين من صاحبها التقاط الصور الفريدة لها ومعها مقابل دولارات بسيطة، والغريب ان أياً من الحيوانات الثلاثة لا تخاف من لمسها أو حملها واللعب معها.
الفيلم القصير والممتع عن هذه المجموعة الفريدة، الذي قام عمدة مدينة سانتا باربارا بتصويره ووضعه على «اليوتيوب» يستحق المشاهدة، ويمكن ذلك على الرابط التالي من دون تغيير في الحروف: www.youtube.com/v/D85yrlgA4NK
في جانب آخر، وعبر المحيط، دان كبير قضاة بريطانيا اللورد «وول» وسائل الاعلام البريطانية لقيامها بإطلاق تسمية «جريمة شرف» على الحالات التي تقتل فيها فتاة أو امرأة لمخالفتها عادات وتقاليد ذويها أو أقاربها!! ودعا اللورد «وول» الى الوقف الفوري لاستخدام هذه التسمية المضللة التي لا علاقة لها، حسب قوله، بالشرف على الاطلاق، مشددا على ان حقوق الانسان والحفاظ على مثله ومبادئه اهم من قضايا ومواضيع الشرف، وبالأخص شرف العائلة، وقد جاء هذا الهجوم غير العادي مع ازدياد عدد جرائم القتل في بريطانيا على خلفيات عائلية خاصة بين الجاليات المسلمة.
يذكر ان جرائم عدة ترتكب سنويا في الكثير من الدول الاسلامية، وبالذات باكستان، وفي عدد من الدول العربية، والأردن بالذات، التي تتساهل قوانينها مع هذا النوع من الجرائم، وقد تبين في حالات كثيرة وبعد الفحص الطبي، ان الفتاة التي اتهمت بتلويث شرف العائلة بريئة ولا ذنب لها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

10أسئلة لنائب الفضيلة

نصب النائب السابق وليد الطبطبائي نفسه منذ اليوم الأول لدخوله المعترك الانتخابي، المدافع الأول عن الأخلاق والعادات والتقاليد، مكرسا وقته النيابي لمحاربة المفاسد، تاركا قضايا السرقات والنصب والاحتيال المالي الأخرى لغيره، متنعما بمقابل ما يكتب غير عابئ بما يقال عنه. حتى بعد حادثة الغرق الشهيرة في «كنكون»، التي كادت تودي بتاريخه السياسي، وربما بحياته، تمكن من تجاوزها بأقل قدر من الخسائر، مثلما نجح في تجاوز كل ما أشيع عن ارتباطاته العاطفية التي غالبا ما تنسج حول السياسيين، ولكن عندما فجر النائب السابق فيصل المسلم قضية الشيكات الصادرة من مكتب رئيس مجلس الوزراء لمصلحة عدد من النواب، بدا وكأن الأمور ستأخذ منحى آخر، حيث أشيع أنه، وأثناء زيارة النائب لديوانية معروفة في معقله الانتخابي طلب منه الحضور نفي ما أشيع عن وجود اسمه ضمن المستفيدين من شيكات رئيس مجلس الوزراء فنفى، لكنه عاد وأكد، تحت القسم، أنه سبق أن قبض ما سموه «تبرعاً» بمبلغ خمسين ألف دينار فقط، ولكن لمبرته الخيرية التي يرأس مجلس إدارتها، وليس لشخصه!! وفي لقاء الجمعية الذي أجرته «القبس» مع الطبطبائي أكد أنه سبق أن قبض من الرئيس شيكا لحساب المبرة! وهنا سنصدق، وبتلكؤ شديد، ادعاءه هذا، ولكن بتمحيص باقي أقواله لـ«القبس» سنجد أن هناك لبساً كبيراً! فهو يدعي أن التبرع حصل بعد أن قبل سموه عام 2007 رعاية «الملتقى الخيري الإنساني الأول»، وأن المبلغ كان لمصلحة «مبرة الأعمال الخيرية» فما علاقة رعاية ملتقى عام ودفع مبلغ كبير لمبرة خاصة؟ ولماذا لم يصدر الرئيس الشيك باسم المبرة مباشرة، إن كانت قانونية ومشهرة ولديها حساب في أحد المصارف؟ وإذا كانت غير ذلك فكيف تبرع لها الرئيس؟ ولماذا لم يقم الراعي الأول للأخلاق في مجلس الأمة السابق، وبطل محاربة الفساد الأول، بالإعلان عن التبرع في حينه؟ ولماذا سكت عندما ملأت الاشاعات البلد بخصوص شيكات رئيس الحكومة؟ ولماذا لم يعترف إلا بعد أن طلب منه القسم على القرآن بأنه لم يقبض شيكات من رئيس مجلس الوزراء؟
ولو صدقنا، وأيضا على مضض، بأن الشيك أودع بحساب المبرة فأين صورة كشف حساب البنك الذي يبين ذلك؟ وأين تقرير وزارة الشؤون الذي يوضح طريقة صرف المبلغ، وأنه لم يستفد منه شخصيا؟ ولو صدقنا أيضا وأيضا وأيضا ان شيك رئيس الوزراء الصادر له كان للصرف على «أسر متعففة»، فلا شك أن هذه الأسر لم تكن من أهالي بنيد القار وخيطان، بل من منطقته الانتخابية، فهل بإمكانه التأكيد ان تلك المعونات، إن صدق ادعاء توزيعها، لم تساهم في تجيير أصوات المستفيدين منها لمصلحته في الانتخابات النيابية الماضية على الأقل؟
مجموعة من الاسئلة نضعها بتصرف نائب الفضيلة والأخلاق السابق، راجين تكرمه بالرد عليها، وفي حال امتناعه عن ذلك فستثبت التهم بحقه ويبقى بعدها أمر إعادة انتخابه بيد ناخبيه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يقول وليد الرجيب

«.. عندما ندققق وننتبه نرى الاشياء بجمالها على حقيقتها، الأشياء التي نمر بها عابرين بشكل يومي، في حياتنا لا توجد دنيا واحدة ولكننا نختار، بوعي أو من دون وعي، دنيانا التي نعيش ونموت فيها، كم إنسانا على هذه الكرة الارضية يحرص على رؤية شروق الشمس وغروبها؟ كم واحدا فينا يعرف كل تفاصيل الشارع الذي يمر به يوميا، ولسنوات طويلة: اللافتات، الأشجار، الألوان، الأرصفة؟ نعيش لاهثين وكأننا نسعى للحاق بشيء أو الهروب من شيء، فلهاثنا دائم حتى آخر نفس نلفظه من صدورنا، ليأتي آخر العمر ونكتشف أننا لم نحقق شيئا..».
هذه فقرة من قصة «اليوم التالي لأمس» الرواية الجديدة للمبدع وليد الرجيب، التي وضع في صفحاتها الثلاثمائة خبرته كقاص وكاختصاصي نفسي، ونقل القارئ معه من فصل لآخر في رحلة ممتعة تروي قصة حب جميلة بين طرفين، طرفها الأول أرمل وحيد وطرفها الآخر زوجة حزينة. وعلى الرغم من البساطة الظاهرة للفكرة فإن الحوار والنهاية غير المتوقعة، والقالب الصعب الذي وضعت فيه قصة الحب جعلت من الصعب على أي كائن كان رفض العلاقة الجميلة، أو عدم الحرص على تكملته القراءة، حتى في مجتمع محافظ على درجة التزمت كمجتمعنا الذي يطغى الرياء على تصرفات الكثير من افراده!
رواية جميلة وجديرة بالقراءة، ويمكن الحصول عليها إلكترونيا من خلال موقع: www.arabicebook.com

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرصيف الشاهد على التدهور الخلقي

أسلك يوميا الدائري الخامس في طريقي الى المكتب، وقبل سنة تقريبا بدأت وزارة الاشغال، مشكورة وممنونة، أو هكذا ظننت، بإجراء صيانة شاملة على حاجز الكونكريت الذي يقع في منتصف اتجاهي الطريق السريع، وقد لاحظت في حينه بطء العمل وسوء المصنعية وقمت بإبلاغ الوزير الصديق موسى الصراف بذلك، ولكن نظام الاسئلة البرلمانية وركاكة نظام الاستجوابات لم يتركا له، او لغيره من الوزراء الجيدين فرصة الانتباه الى مثل هذه الامور.. الصغيرة!
ما ان انتهت اعمال الصيانة، وربما اثناءها، حتى بدأت تنعكس قيم المواطنين والوافدين واخلاقهم وطريقة تربيتهم ونظرتهم إلى الآخر على اطراف رصيف منتصف الطريق الذي انقلب خلال اشهر قليلة الى لوحة سريالية في كل مائة متر منه او اقل، وذلك من قبل مجموعة لا بأس بها من سائقي المركبات المصرين على معانقة الرصيف وترك الوان سياراتهم البهيجة عليه، مع نثر بعض من قطع الغيار هنا وهناك.. تبركا، مع اصرار البعض على تهشيم جزء من الرصيف وتركه شاهدا للتاريخ ليدل على مدى رعونة البعض، واهمال وتخلف ادارة المرور التي تصر على السماح لكل من هب ودب بقيادة مركبة حتى ولو كان، او كانت، لا تعرف التفريق بين حرف الألف وعود الكبريت، دع عنك المنقبات ومستخدمي الهواتف النقالة!
ولو غضضنا النظر عن اعتداءات البعض على هذا الرصيف الذي يبلغ ارتفاعه اكثر من متر وطوله يتجاوز العشرة كيلومترات والذي لا يخلو جزء منه من ضربة مركبة او حادث انزلاق او تهشيم حافلة، لوجدنا انه يمثل، بوضعه الحالي، عنوانا صارخا لحال الفساد التي تعم دولتنا «الفتية، واللي غيرها ما نبي»! فعلى الرغم من مرور اقل من عام على انتهاء صيانة الحاجز الاوسط، فان مظاهر الشيخوخة المبكرة والعجز بدآ يظهران عليه، حيث تكاثرت فيه الشروخ وتهدمت اجزاء كبيرة منه وتساقطت القشرة الاسمنتية التي طليت به لتغطية عيوبه الكثيرة!
فإذا كان من قام بأعمال صيانة ذلك الرصيف لم يعبأ بانكشاف امره، والطريق يمر عليه سنويا اكثر من 5 ملايين سائق مركبة، فكيف الحال اذن مع المقاولين الذين يعملون في الغرف المغلقة او تحت الارض؟
وهذا يقودنا الى أمرين: الاول يتعلق بأهمية الصيانة المستمرة والمستدامة، فلا يكفي بناء العمارات وتشييد المصانع ورصف الطرق ان لم يواكب كل ذلك نظام صيانة معتمد، فأعمال الصيانة الجارية على أغلبية مرافق الدولة تخضع للمصادفة وتوافر الميزانية، واهواء المسؤول ورغباته.
والامر الآخر يتعلق بضرورة محاسبة من اشرف ونفذ وراقب اعمال صيانة رصيف الدائري الخامس، فحبر الشيك الذي دفع له لايزال طريا لم ينشف!
نتمنى على وكيل الاشغال القيام بشيء ما في هذا الصدد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

فضيحة عبد الله الفهيد الثانية

سبق أن كتبنا مقالا انتقدنا فيه جامعة الكويت، بسبب فشلها في تنظيم المؤتمر الــ 42 للجامعات العربية. قام مدير الجامعة بتكليف من لا نعتقد باختصاصه، الرد علينا، وعلى الرغم من افتقار التعقيب للكثير من الكياسة، وما تضمنه من اوصاف شخصية مسيئة، لكننا رأينا التغاضي عنها والرد عليه. تركز التعقيب، الذي كان بتوقيع السيد فيصل مقصيد، مدير العلاقات العامة، على امرين:
1 ـ الاشادة بنجاح المؤتمر وخلوه من العيوب.
2 ـ عدم صحة، او بالأحرى، كذب ما ورد في مقالنا عن المؤتمر، واننا لم نتواجد في انشطته، وانكار قيامنا بمقابلة اي من المشاركين فيه! أولا: لن نرد على الجزئية الاولى، فالجامعة ونحن والكثير غيرنا، على علم تام بأن المؤتمر لم يخلُ من الكثير من الفوضى وسوء التنظيم والتنسيق. ثانيا: اما القول اننا لم نتواجد في اي من انشطته او اننا لم نقابل ايا من المشاركين فيه، فهو كلام باطل (!!). فكما ان عدم التواجد في كل مكان ووقت المؤتمر ينطبق علينا، فإنه ينطبق على المعقب ايضا، فهو حتما لم يتواجد في كل الانشطة، في كل الاوقات واعتمد في تعقيبه على السمع من آخرين، وهذا ما حصل معنا، وليس من حقه ان ينكر علينا ما منحه لنفسه، علما بأن الامر لا يتطلب دائما التواجد في مكان الحدث للكتابة عنه، ومع هذا لم نعتمد على وسائل الاعلام، بل على ما اخبرنا به كبار ضيوف المؤتمر، الذين التقيناهم يوم السبت 7 مارس، وهو اليوم الذي وصلوا فيه واعتقدوا ان المؤتمر سيعقد في اليوم التالي، ولكنهم فوجئوا وبموجب المستندات الدامغة الموجودة لدينا، بأن المؤتمر قد تأجل افتتاحه ليوم 9 مارس، وهذا اوقعهم والكثيرين في ارباكات تغيير حجوزات السفر، وتأخير سفرهم وتعطل اعمالهم! فهل بإمكان المعقب اعطاء تفسير وجيه لوصول وفود من دول عربية قريبة قبل يومين كاملين من الجلسة الافتتاحية؟ لو كنت مكان السيد مقصيد لما وقعت كتاب التعقيب اصلا! ولعلم المعقب، لا نحن، ولا المكانة العلمية والادبية لمن اخبرنا بسوء التنظيم، تسمح لنا ولهم باختلاق او ادعاء امور لم تحدث تتعلق بسوء التنظيم والفوضى وقلة الاحترام لمكانة الكثير من الضيوف. كما ليس لنا، ولا لمن اخبرنا، عداء شخصي مع مدير الجامعة او اي من كبار موظفيه. ولا نعرف ايا منهم ولم يسبق لنا ان التقيناهم! ثالثا: لا علاقة لنا، لا من قريب ولا من بعيد، بجمعية او هيئة اعضاء التدريس، ولم يحدث بيننا وبينهم، لا قبل ولا بعد ولا اثناء انعقاد المؤتمر، وحتى كتابة هذا الرد، اي اتصال ومن اي نوع او شكل كان، ولا نعرف حتى اسماءهم! ونحن على استعداد لتفويض الجامعة بالاطلاع على كشف مكالماتنا الهاتفية مع شركة الهاتف المحمول، ووزارة الاتصالات عن تلك الفترة.
رابعا: ورد في التعقيب ان ضيوف المؤتمر كانت تنتظرهم في غرفهم «حقيبة» تحتوي على مطبوعات المؤتمر، وانها كانت محل تقديرهم واعجابهم! وهذه الفقرة كافية للدلالة على مستوى التنظيم، فقد اوحت وكأن الحقيبة هي الهدف، علما بأنها وزعت يوم المؤتمر، لا في الغرف، كما ورد في التعقيب.
خامسا: نرجو ان يزيل ردنا هذا النفس التآمري الذي امتل.ئ به كتاب التعقيب! فما كتبناه كان من واقع تجربتنا الشخصية وليس تأثرا بطرف او جهة معادية للجامعة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

فؤاد بطرس ومسجد الكيربي

وردت الفقرة التالية في كتاب «المذكرات» لفؤاد بطرس، الشهابي والوزير والنائب اللبناني السابق، التي ذكرتني كثيراً بقصتنا في الكويت وتجاربنا الأولى مع الدستور وما كانت عليه الكويت في سنوات استقلالها الأولى، وما آلت إليه الأمور بعدها بأعوام قليلة، بعد ان شجعت السلطة تنامي نفوذ القبلية وتأجيج الطائفية عن طريق نظام المحاصصة، وغضت النظر عن كل أمر مخالف ما دام يخدم هواها!! يقول السيد بطرس، الذي تجاوز التسعين من العمر، في مذكراته:
«.. وما كان ليتم الاستقلال وليقوم لبنان كدولة ناشئة حاضرة في الأسرة الدولية لولا الميثاق الوطني الذي توصلا اليه (أي الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح)، والصيغة المميزة والممتازة التي جاءت كترجمة أولى لهذا الميثاق. لقد قدر جيلنا هذا العمل وثمنه إلى أبعد الحدود، وكان همنا أن يكون التطبيق على مستوى هذا التصور، فيمارس الاستقلال في شكل يمكننا من خلق دولة تتمتع بصفات مثالية وتجمع اللبنانيين على مختلف تياراتهم وانتماءاتهم، وترتقي تباعا إلى ان تبلغ المستوى المطلوب. للأسف، اصطدم هذا التصور بعثرات جمة، لكن الفكرة بحد ذاتها كانت براقة وجديرة بالتضحية والاهتمام، وتبنّيناها بحماسة ودون تحفظ»!!
هكذا بدت الأمور في لبنان في فجر استقلاله، وهكذا كانت أحلام مؤسسيه، ولكن كل شيء تدهور مع الوقت، بعد ان نخرت الطائفية في نسيج المجتمع وحولته الى نظام أعجز من أن ينهض بقواه الذاتية، أو أن يعتمد على نفسه ويمنع الآخرين من التحكم بمصيره أو الاعتداء عليه.
ما آلت إليه الأمور في لبنان نحن مقبلون عليه، وبخطى حثيثة!
فحلم الدستور والديموقراطية، التي وضع الآباء المؤسسون وأسرة الحكم أسسها، يبدو في طريقه الى الانهيار، بعد ان وصل اليأس الى قلوب اعتى المؤمنين بالدستور والمتمسكين بنصوصه وروحه المبدعة.
فكيف يمكن ان نصدق أن الأمور ستصل الى درجة يتعهد فيها رئيس وزراء، رئيس السلطة التنفيذية، خطيا لنائب بأنه سيقوم شخصيا بترخيص بناء مخالف، سبق ان تمت إزالته لمخالفته كل قانون وعرف وذوق، وانه يتعهد، وأيضاً شخصيا، بإعادة بنائه على نفقته الخاصة (؟!!).
نعم، الحرية أهم من الديموقراطية، والكرامة أهم من الدستور، فسلام على الاثنين ان كان هناك ضمان لأن نكون أحراراً في دولة بلا دستور، وأن نكون أصحاب كرامة في غياب الديموقراطية، ولكن من الذي بإمكانه الاتفاق معي على هذا الأمر، أو الاختلاف فيه معي؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

قف مع أخيك ظالماً أو مظلوماً

انفردت أغلبية الدول العربية، من دون بقية دول العالم الحر التي تحترم نفسها، بالتنديد بقرار المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بالقبض على الرئيس عمر البشير ومحاكمته لدوره في احداث دارفور! ووصفت أغلبية دولنا قرار المحكمة بالجائر تارة وبالمتحيز تارة اخرى، ولم تكلف اي منها نفسها البحث بصورة جادة في حيثيات القرار ومدى شرعيته، او حتى التزام الصمت حياله!
تداعيات القرار الجنائي الدولي، لكونه الاول في التاريخ الذي يصدر بحق رئيس دولة لا يزال في سدة الحكم، ستكون في مصلحة الشعوب المضطهدة كافة، او التي قد تضطهد مستقبلا. والحكم جرس انذار لكل زعيم يعتقد بأنه في مأمن من المساءلة والعقاب مهما ارتكب من جرائم بحق شعبه او غيره، ويجب ألا ننسى في الكويت فضل المجتمع الدولي ودوره في تحريرنا ووطننا من حكم احد طواغيت هذا العصر!
الطريف، او ربما المبكي في الموضوع، ان السلطات السودانية، وبعد تنديد العالم بقرارها طرد 13 منظمة اغاثة دولية تعمل في مجال تقديم المساعدات الطبية والتعليمية والغذائية لمئات آلاف المشردين والمهجرين والجياع من شعبها، بررت قرارها بالقول ان تلك الجهات كانت تتجسس عليها! وهذا بحد ذاته اعتراف غير مباشر بالتهم!
كما صرحت الحكومة السودانية بأنها ستقوم بتقديم الخدمات الانسانية نفسها التي كانت تقوم بها منظمات الاغاثة تلك، ولا حاجة بالتالي لوجودها وجهودها مستقبلا! ويجب ان يتمتع الواحد منا بمستوى عال من العته ليصدق مثل هذا الادعاء!
وفي حركة استباقية لقرار الرئيس البشير السفر لحضور قمة الدوحة، وتعريض نفسه لخطر القاء القبض عليه، التزاما من دول العالم كافة بالقرار الدولي، فقد اصدر «علماء» السودان فتوى تمنع الرئيس من السفر خارج السودان لأن سلامته ليست موضوعا شخصيا يتعلق به، بل يتعلق بــ «رفاهية» الشعب السوداني وسلامته ووحدته الوطنية، ولكنه تجاهل الفتوى وسافر إلى أريتريا الأكثر تخلفا منه!
والرهيب اننا لم نتردد في اصدار مختلف بيانات التنديد بإسرائيل وعدوانها الاخير على غزة وتسببها في قتل 1200 مواطن فلسطيني، ولنا كل الحق في ذلك. ولكننا لم نحرك شعرة او ننطق بكلمة عندما قتل احدنا وشرد اكثر من 1200000 انسان من شعبه من دون رحمة! وهذا يعني ان من حقنا قتل بعضنا بعضا ولو بلغ الضحايا الملايين، ولكن ليس من حق الغريب قتل اي منا ولو بالعشرات.
الموت للعصير!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أكرمونا بالسكوت عن الأعراف

بعد التحرير بأشهر قليلة، كنت أستمع مصادفة لإذاعة الكويت واسترعى انتباهي سؤال موجه من مستمع إلى السيد عجيل النشمي تعلق بحكم خروج المرأة من بيتها، وحمل السلاح والمشاركة في قتال العدو المحتل والمغتصب؟! إجابة الشيخ أو «فتواه» كانت واضحة جداً، حيث قال إن مكان المرأة هو بيتها ورعاية زوجها و«تحضير الطعام» له وتربية أولادها(!!)
لم يصدق أحد ممن رويت لهم تلك الفتوى، واعتقدوا بأنني أبالغ، ولم أهتم كثيرا بتغيير رأيهم.
مرت 19 سنة وقام سمو أمير البلاد بتشريف حفل تخرج اول دفعة من ضباط الشرطة من السيدات، وبهذه المناسبة قامت «الوطن» بتوجيه سؤال للسيد عجيل النشمي، ما غيره، عن جواز قيام الرجل بأداء التحية للمرأة في السلك العسكري إذا كانت من رتبة أعلى! فقال إن إدخال المرأة في العسكرية في غير حالات الاستثناء أمر غير مرغوب فيه، بل ينبغي أن يمنع! وأضاف أن الإشكال والاحراج في موضوع تحية الرجل للمرأة، أو العكس، عسكريا، يخالفان الأعراف المحلية، قبليا وحضريا، فمكان المرأة الذي حدده الدين هو القيام بأعباء المجتمع كتربية الأبناء ورعايتهم، فهذا أكرم وأستر لها(!!).
ربما نسي السيد النشمي العجيل أن جميع المجتمعات، والكويت ليست باستثناء، تخلت عن مئات آلاف الأعراف والتقاليد، منذ فجر التاريخ حتى اليوم، والذاكرة والمجال لا يساعدان على حصرها جميعا. ولكننا نعلم جميعا تقريبا أن الزواج إسلاميا، كان، ولأكثر من ألف عام، ولا يزال لدى الكثيرين، يتم شفاهة من دون عقد مكتوب أو موثق! ولكن متطلبات العصر وضروراته ارتأت التخلي عن هذا العرف الراسخ في القدم وضرورة توثيق عقود الزواج وتسجيلها في دوائر الدولة الرسمية. وفي محاولة لثني المعترضين على ذلك قامت الحكومات بربط مساعداتها المالية والسكنية باشتراط وجود عقد زواج مكتوب لطالب المساعدة، وهنا سارع جماعة الشيخ عجيل في التخلي خلال لحظات عن عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم، وقاموا بتسجيل عقود زواجهم وتوثيقها، طمعا في الحصول على قرض التسليف وبيت الاسكان! وهنا نجد أن متطلبات العصر والحياة التي نعيشها، والرغبة في امتلاك شيء ثمين، كانت ولا تزال أقوى من أي تقليد أو عرف. وعليه نرجو من رجال الدين إكرامنا بسكوتهم عن الأعراف والتقاليد فليس هناك من لم يكسر تقليدا أو يتجاهل عرفاً، وفهمكم كاف.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أموال {الجمعيات} وحملات المرشحين

انفردت «القبس»، وليس هذا عليها بغريب، بالتحذير من مغبة استغلال الأموال الهائلة الموجودة بتصرف الجمعيات الخيرية، والتي تنتمي أغلبيتها الساحقة، ان لم يكن جميعها، إلى احزاب دينية سياسية، حذرت من استغلال تلك الأموال في دعم مرشحين معينين في الانتخابات النيابية المقبلة، خاصة وان تخريجات هذه الأحزاب ومبرراتها الشرعية للصرف على حملة مرشح أو مرشحين محددين جاهزة للرد والقول، بأن هؤلاء ممن «يخافون الله»، وفق مفهومهم، وانهم خير من غيرهم، ومن الضروري دعم المرشح القوي الأمين للنيابة، ونجاحه سيصب في النهاية لمصلحة الجمعية أو الحزب السياسي الديني الذي دعمه، وسيزيد من نفوذه ويزيد من أمواله اضعافاً مضاعفة (!)
وورد في خبر «القبس» كذلك أن وزارة الأوقاف شكلت فريق عمل منها ومن ممثلين من الداخلية والشؤون للإشراف على آلية التعامل مع «الجمعيات الخيرية» التي لها ثقل سياسي، ولديها مرشحون في الانتخابات! وان هذا الفريق سيرصد ما اذا كانت هذه الجمعيات ستستغل أرصدة أموال الخيرات لدعم مرشحين معينين!
وهنا نشك ان أحداً سيصدق كلام وزارة الأوقاف، حتى ولو صدقت نيتها، فحجم الخراب والتحيز في عدد من هذه الجهات الحكومية وسيطرة القوى الدينية على وزارة الأوقاف بالذات، أمر معروف، فعلى من تضحك الوزارة؟ ومن جهة أخرى، تبين من واقع ما تسرب من تصريحات بعض النواب السابقين أن حكومة الشيخ ناصر المحمد قد منحت قسائم صناعية، وزرائب ماشية ومبالغ نقدية كبيرة لشراء ودّ عدد من النواب السابقين، وستكون هذه المدفوعات موضوعاً مهما وساخنا في الحملات الانتخابية المقبلة!
ولو حاول مواطن حضور حملات بعض المرشحين الذين حامت حولهم شائعات قبولهم الرشى الحكومية، أو الذين بدأت تظهر عليهم علامات الثراء المفاجئ، وطلب إلى هؤلاء النواب القسم على أنهم لم يتقاضوا من الحكومة، طوال فترة نيابتهم، أو قبلها أي مساعدات نقدية، أو شيكات أو منح عينية في صورة قسائم وجواخير (زرائب ماشية)، أو مساعدات مالية لدفعها لأسر متعففة، فإن هذا المواطن وبقية حضور تلك المخيمات الانتخابية سيرون ويسمعون العجب.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«سوات» قبلة الحائرين

سيطرت حركة طالبان، فرع باكستان، على مقاطعة «سوات» المتاخمة لافغانستان. وسمحت لها الحكومة بالتمتع بحكم شبه ذاتي في تلك المنطقة الوعرة والنائية والتي يصعب الوصول اليها. وبسبب رغبة الحكومة الضعيفة في اسلام اباد في ارضاء جميع الاطراف، وعند حكومتهم وعندنا خير، تنازلت السلطة المركزية عن غالبية صلاحياتها لتلك الحركة، وهنا قامت هذه بهدم كامل مباني 225 مدرسة بنات وساوتها بالارض، لكي تجعل من الصعب جدا عودة نظام تدريس الفتيات الى المقاطعة في حال انتزاع السلطة منها. كما قام «رجالها» باغلاق وحرق جميع محال الحلاقة الرجالية والغاء المهنة من القاموس التجاري، وباشروا بتوقيع عقوبة الجلد علنا على اصحاب تلك المحال والعاملين فيها، او بمن يحترف تلك المهنة مستقبلا. كما حرقوا جميع مباني ومحتويات المحال المتخصصة ببيع الاشرطة والآلات الموسيقية وحتى الاجهزة الكهربائية المتعلقة بالصوت والصورة. وفرضوا على الاناث، ومن اي عمر كن، ارتداء البرقع الكثيف والسميك الذي لا يظهر من المرأة شيئا، ومنعهن من الخروج من منازلهن من دون «محرم»، الا لاسباب قهرية. كما فرضت الحركة اسلوب معيشة على سكان المقاطعة الذين يتجاوز عددهم خمسة ملايين، يتسم بالشدة والغلظة، ومنحت شرطة الاخلاق صلاحيات ضرب كل من يشك في تصرفاته، وهذا خولهم حق توقيع عقوبة الاعدام بعشرات المطربين والراقصين من الجنسين وبمن يشك في اخلاقهم او سلوكهم الانثوي او الذكوري المغاير لجنسهم، او جنسهن، المدون في بطاقات هوياتهم، او هوياتهن، وكل ذلك من دون محاكمة او حتى سؤال بسيط. كما اغلقت دور بيع الكتب والمجلات، بالرغم من قلتها، وصودرت الكتب من مكتبات مدارس الذكور واحرقت.
ومنع الاطباء من الرجال، وبأوامر مشددة، من فحص او تقديم العلاج للمرضى من الاناث. وهذا يعني ان الغالبية الكاسحة من النساء لن يكون بمقدورهن تلقي اي نوع من العلاج الذي يتطلب الفحص الجسدي بسبب ندرة الطبيبات الاناث، يحدث ذلك بالرغم من الوضع الصحي السيىء الذي تشكو منه المرأة الباكستانية في تلك المناطق اصلا، وهذا يعني ببساطة زيادة معدل الوفيات بينهن مستقبلا، خاصة انهن حرمن من تلقي التعليم، ولو البدائي منه!!
كما فرض على جميع البالغين من الرجال اطلاق لحاهم واستخدام المسواك ونبذ الملابس الغربية، او الغريبة. واصبح حضور الصلاة امرا بالغ الاهمية بحيث تخلو في اوقات ادائها شوارع المدينة من البشر تماما، وللشرطة، التي لا تصلي، حق توقيع العقوبة على كل من يشاهد متسكعا في الشارع وقت الصلوات!!
ولو افترضنا ان الحال في تلك المقاطعة الفقيرة والنائية استمر لعقدين او ثلاثة قادمة بمثل هذا الشكل، فما الوضع المثالي الذي يتوخى حكام المنطقة بلوغه في ظل مثل هذه الاحكام التي تعود الى القرون الوسطى؟ هل ستتحول «سوات» الى قبلة المؤمنين، وليس فيها فندق واحد من نجمتين؟ ام ستصبح جنة السائحين وليس فيها ما يكفي اهلها من طعام؟ ام ان كل هذا لا يهم طالما اعتقد الفرد منهم انه ليس بحاجة الى العالم اجمع متى ما اقتنع انه ادى ما عليه من واجبات؟ فإن كانت هناك اي فائدة ترجى من اسلوب وطريقة المعيشة هذين فليعلمونا بها وسنكون لهم من التابعين!!

أحمد الصراف