احمد الصراف

سخافة النظرية

نجحت قوات فيديل كاسترو في 1959/1/1 في دخول العاصمة الكوبية هافانا، بعد فرار دكتاتورها «باتيستا»، ومنذ 53 عاما وأميركا تحاول التخلص من الحكم الشيوعي فيها، وفشلت في ذلك عشرات المرات، وحتى محاولات المافيا الكوبية لم تجد نفعا، كما فشلت محاولة غزو الجزيرة عسكريا في بداية عهد «كنيدي» وبقيت كوبا شوكة في خاصرة الولايات المتحدة حتى اليوم، بالرغم من جهود 11 رئيسا اميركيا، على مدى نصف قرن! كما فشلت اميركا بمقدار أكبر في إسقاط النظام الشيوعي في فيتنام، وخسرت في حربها عشرات تريليونات الدولارات، هذا غير أرواح عشرات الآلاف من جنودها! وخسرت أميركا في العراق، وفشلت في تحقيق غالبية اهدافها، كما لا تزال تعاني الكثير، مع قوات الناتو، في حربها مع رجال عصابات طالبان في أفغانستان! ومن المتوقع أن تمنى بالفشل نفسه إن هي اختارت الوقوف علنا مع إسرائيل، إن قررت هذه الهجوم على إيران!
باستعراض أمثلة الفشل العسكرية والمخابراتية هذه، وحالة الضعف الاقتصادية التي تعيشها أميركا بشكل عام، نجد أن من الصعب تقبل ما يتم ترويجه من أنها تقف وراء كل عمل شرير يقع في بلادنا! فهذه الإمبراطورية التي وضعت طوال نصف قرن نصب عينيها أمن إسرائيل، فشلت، بعد أكثر من نصف قرن، في أن تؤمن السلام الكامل لها مع جيرانها المتعبين، لا يمكن أن تكون الإمبراطورية نفسها التي تقف وراء الربيع العربي، وأنها التي أوعزت للبرجوازي التونسي «البوعزيزي» بإشعال النار في نفسه، والموت بمأساوية، والتضحية بوظيفته المرموقة، كصاحب عربة خضار مصادرة! أو أن نقول انها التي ألّبت الشارع التونسي ودفعت بن علي للفرار، لينتهي عهده إلى الأبد! أو أن نقول، بسبب عجز حالنا وهوانها، أن أميركا هي التي طلبت من مخابراتها دفع مئات آلاف الشباب في القاهرة والاسكندرية للخروج للشارع، واطاحة حكم حسني مبارك الموالي تماما لأميركا! ويد أميركا التي فشلت في فيتنام وكوبا والعراق وافغانستان، والتي امتدت لأكثر من 7000 كلم لتمسك بــ«زمارة» رقبة القذافي وتزهق روحه، وهي اليد نفسها التي فشلت في الإمساك بــ«عنق…» كاسترو، بالرغم من أن كوبا لا تبعد عن أميركا بأكثر من 150كلم!
ما يحدث في دولنا ما هو إلا نتاج لتخلفنا العلمي والثقافي والدراسي والصناعي.. إلخ، الذي سهل للآخرين، أيا كانوا، استغلال وضعنا لمصلحتهم. فالبوعزيزي لم يحرق نفسه بسبب البطر والشبع، والشعب التونسي لم يتظاهر لفشله في اختيار أفضل عروض العمل المقدمة اليه، وشوارع القاهرة لم تحترق لخلو مصر من الفساد والبطالة، والتظاهرات فيها لم تنطلق تأييدا لمطالب ممثلي الصف الأول في هوليوود لزيادة أجورهم، وثوار بنغازي لم يحرقوا طرابلس ويضحوا بأرواح الآلاف منهم، لأن القذافي حرمهم من «السلمون» والكافيار، بل حدثت كل تلك الانتفاضات والثورات الشعبية لأن ظروف قيامها تهيأت في زمن أصبح فيه الإنسان يطالب بالخبز ومعه الحرية والكرامة! فالرجاء من المؤمنين بنظرية المؤامرة احترام عقولنا، ولو قليلا، فهناك فرق بين المؤامرة وبين هوان النفس والجهل والتخلف التي تمهد الطريق لاستغلال الآخرين لنا.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

حماماتنا والنظافة

كتب الزميل خالد القشطيني في «الشرق الأوسط» (12/20) ان هناك معايير عدة للحكم من خلالها على تقدم أو تخلف أمة ما. وقال كذلك ان «خبيرة مطاعم» اخبرته بان أفضل طريقة لمعرفة مستوى مطعم لم تأكل فيه من قبل، ليس في التمعن في ديكوراته وتفحص اثاثه أو قائمة طعامه وجمال موقعه، فهي أمور، على الرغم من أهميتها، لا تعني شيئاً ان كان «مرحاض» المطعم غير نظيف، وبالتالي عندما ترتاد مطعما عليك بالذهاب فورا للمرحاض وفحصه!
ويقول القشطيني انه يشعر بالأسف لوضع دورات المياه في مساجد بريطانيا، فهي في حالة رثة بشكل عام، وتعكس مستوى شعوبنا الاسلامية، فالجماعة يهتمون ويحرصون على ان تكون حمامات المساجد بعكس اتجاه الكعبة، ولكن ليس لمستوى نظافتها ومناسبتها للاستخدام من أهمية لديهم، علماً بان المسلمين يقولون ان دينهم يؤكد اكثر من أي دين آخر، على النظافة!
وأتذكر انني قبل سنوات كنت في رحلة من دبي الى بوسطن، عبر مطار فرانكفورت، وتصادف جلوسي بجانب مسافر ألماني يقصد وجهتي نفسها. وفي مطار فرانكفورت ذهبنا سويا للحمام، وكان هناك شخص «أوروبي» القسمات، على غير العادة، متقدم في السن، يقوم بمسح أرضية المرحاض، وكانت تبدو عليه علامات الضيق و«يتحلطم» بالألمانية، وهنا رأيت، في المرآة ابتسامة عريضة ترتسم على وجه رفيقي في السفر، وعندما خرجنا من الحمام، سألني ان كنت أود معرفة ما كان يقوله ذلك العامل، الذي تبين انه من ألمانيا الشرقية، فأجبت بنعم، فقال انه كان يدعو ربه ان يريحه من العمل في فترة الظهيرة، وهو وقت وصول طائرات عدة من الشرق الأوسط، لتصادف وصولها مع موعد الصلاة، حيث يهرع الكثير من المسلمين للحمام للوضوء، وما ينتج عن ذلك من «طرطشة» للماء في أرجائه! وقال رفيقي، الخبير في الشؤون العربية، ان ذلك العامل المسكين لم يكن يعرف ان تغيير «شفت» أو وقت عمله لم يكن ليغير شيئاً، فهناك أربع صلوات أخرى!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

محنة صالح

يقول القارئ صالح .ع، انه يشعر في هذه الأيام بأنه محاط بــ«وحوش قبلية انتخابية» لا يستطيع ازاءها فعل شيء، فهو يرفض الاستسلام لإغراءاتها، فوجوده ضمن منطقة انتخابية يفرض عليه نهجا لا يتفق وتفكيره وتفسيره لمعنى المواطنة، حتى لو كانت نتائج «الفرعيات» في مصلحة قبيلته وعائلته، ماديا وسياسيا، لأنه يعتقد أن في ممارستها حجر على اصحاب الفكر المبدع، وما أكثرهم، ولن ينجح فيها غير من يعد بمال أكثر أو «واسطة حكومية» أفضل! وقال صالح انه يعاني وغيره الكثيرون من الوضع، ليس لأنه يحرمهم من الفوز بالمنصب النيابي، بل لمخرجاته السيئة، ولمخالفته للقانون أساسا. وقال انه نجح في اقناع والده بتبني وجهة نظره، ولكن في قلبه حرقة، وعاجز عن فعل شيء ويطالبني بالكتابة عن الموضوع!
مع بداية الحرب العربية اليهودية في 1948، وتأسيس دولة إسرائيل، روجت وسائل إعلامهم انهم سيغتصبون اي امرأة عربية تقع في ايديهم، وقيل ان الخوف من هذا المصير دفع مجموعة من الفلسطينيين الى ترك وطنهم والهجرة، ولسان حالها يقول: «الأرض ولا العرض»، أي أن تذهب الأرض ولا يذهب «الشرف»! ولكن مع ضياع الوطن تبين ان كل شيء آخر ضاع معه! لسنا هنا في مجال تصديق أو تكذيب هذه الرواية، ولكن نذكرها كمثال يمكن التعلم منه في وضعنا الحالي. فالوقوف بجانب المصلحة الشخصية، أو تفضيل مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن سينتج عنه في النهاية، لا محالة، فقدان الوطن، وبفقده سنخسر جميعا كل شيء، وهذا سيحدث لأن كل القبائل، ومعهم بقية الطوائف والأحزاب الدينية، يتقاتلون على الامتيازات والمنح نفسها، وهذا التكالب والتقاتل، في ظل موارد الدولة المحدودة، والتي تزداد شحا مع الوقت، كفيلان بتخريب كل شيء، وإن خرب الوطن خربت القبيلة!
ما أود قوله كذلك لصديقي صالح هو أنني سبق ان مررت، منذ عقود، بالمشاعر نفسها التي يمر بها الآن، فاعتراضه الآن على الانتخابات الفرعية، يذكرني باختلافي، أو معارضتي لتقاليد طائفتي، فالرفض، خاصة في البداية، لم يكن سهلا، وكنت أتساءل دائما: ما هو الأفضل أن أكون مواطنا، وبامتيازات لا تختلف عما لغيري، أم أكون طائفيا وبامتيازات أفضل من غيري؟ وكان الجواب بالنسبة لي واضحا، وهو ما جعلني مختلفا، بعكس ما كانت عليه الحال مع الغالبية، ولا يزال، فهذه الأغلبية، عندنا وعنده، ترى أن معزة الوطن مستمدة من معزة الطائفة او القبيلة، بينما يجب أن يكون العكس هو السائد والصحيح. وقد خسرت الكثير في البداية بسبب عدم طائفيتي، ولكني لم أندم قط على اختياري! وعليه، أنصح صالح واخواته وأهله بمقاومة الفرعيات ورفض تغليب مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن، ولا ادعي أن هذا سهل، ولكنه الأمل الوحيد في بقاء وطننا الصغير، فبلاه نحن لا شيء، واسأل المحروم ما يعنيه الوطن!

أحمد الصراف

احمد الصراف

جاكلين الكويتية

كان المجتمع حتى وقت قريب يستنكف من التحدث عن مجهولي الوالدين، وينكر حتى وجودهم، وكأنه يعتقد بأننا نعيش في «إمارة افلاطونية»، ولكن مع الوقت وتغير البالي من العادات والتقاليد، اصبح هناك من لا يتردد في الحديث عنهم بشكل طبيعي، ثم الدفاع عن حقوقهم في مرحلة تالية، ومن بعدها الطلب من السلطات تسهيل إجراءات تبنيهم، والاحتجاج على تلكؤها في الاستجابة السريعة لطلباتهم. وقد اطلعتني قارئة على موقع إلكتروني لزوجين كويتيين رائعين، لم يكتفيا، وهما في مقتبل العمر، بتبني، أو احتضان، صبي من هؤلاء، بل قاما بنقل تجربتهما الجميلة إلى وسائل الإعلام، ولقيت تجربتهما تجاوبا وصدى كبيرين، وغير متوقعين، في موضوع كان بالأمس «عيبا». كما غيّر حديثهما للإعلام وما نشراه في موقعهما الإلكتروني نظرة الكثيرين الى هذه القضية، وجعلتها اقرب لإنسانيتهما. كما خطا الزوجان خطوة جريئة اخرى، حيث قاما بتصوير تجربتهما مع طفلهما الجديد على فيلم فيديو، وبثا كل ذلك، مع كلماتهما الحنونة، على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي زارها الآلاف، وهذا النجاح شجع الكثيرين، سواء ممن لديهم أبناء او حرموا منهم، وايضا المطلقات والأرامل، وحتى العازبات، في التفكير جديا في تبنّي طفل من ابناء دور الرعاية الاجتماعية، طالما أن القوانين والأنظمة لا تعارض ذلك، بعد أن تبيّن لهم ما يمكن أن يضيفه التبني من متعة نفسية وجمال وخدمة كبيرة للمجتمع ككل!
وقد تصادف تسلمي لرسالة القارئة عن التبني مع قراءتي لفصل ممتع من كتاب Audition، المتعلق بسيرة حياة الإعلامية الأميركية الأشهر بربارة والترز، والذي تتحدث فيه عن تجربتها في التبني، وكيف قلبت ابنتها جاكي حياتها، وجعلتها إنسانة مختلفة، وأكثر عطفا وحنانا على الآخرين، وهي تجربة تستحق الاطلاع.
لمشاهدة موقع «أم وأبو حمودي»، والإطلاع على تجربتهما، يمكن النقر على الرابط التالي:
  http://www.myfosteringlife.blogspot.com

أحمد الصراف

احمد الصراف

مبدعوهم ومشعوذونا

يوصف جي غرينبرغ بأنه واحد من أذكى الأشخاص الذين عرفتهم البشرية في السنوات الـ 200 الأخيرة، فقد وضع حتى الآن خمس سيمفونيات كاملة، وهو لم يتجاوز 12 من عمره. يقول جي عن نفسه إن الموسيقى تملأ رأسه، ويتخلص من إلحاحها بكتابتها، وهو لا يعرف كيف يعمل عقله ومن أين يأتيه الإلهام، ولكنه يعرف أن المقطوعة تأتيه كاملة، وكأن أوركسترا تعزفها في عقله! ويعتقد أحد خبراء الموسيقى بأن جي لا يقل في عبقريته عن مندلسون وموزارت.
نشأ جي في اسرة عادية لا علاقة لها بالموسيقى، ولا تعرف عنها شيئاً. وتقول أمه انه بدأ، وهو في الثانية من العمر، بكتابة نوتات موسيقية، وكان يرسم آلاتها، ويطلب من امه شراءها له، وعندما أخذته إلى متجر الآلات الموسيقية أمسك بآلة «شيللو»، وبدأ العزف عليها بطريقة متقنة، بالرغم من أنه لم يشاهد ما يماثلها اصلا. وفي سن الثالثة بدأ جي بكتابة مقطوعات موسيقية، وكان الوحي يأتيه في أي مكان أو أي لحظة! موهبته، والذي لم يتجاوز العاشرة، دفعت ولاية نيويورك للصرف على دراسته من خلال منحة، وكان يحضر فصول الموسيقى مع من يكبروه بعشر سنوات، وقريبا سيسمع العالم أكثر عن هذا الصبي الموهوب الذي لا يتردد العظماء وكبار رجال الدولة في الوقوف له والتصفيق بحرارة لموهبته العظيمة. ولو كان جي غرينبرغ كويتيا لما تردد أهله في عرضه على الدجالين ومفسري الأوهام، لإخراج شيطان الموسيقى منه، أو ربما كانوا سيلجأون لكيّه، أو حتى عرضه على مشعوذ يقوم بضربه لإخراج الجن منه، وسيموت تحت الضرب، كما حصل مع مشعوذ شهير تسبب ضربه لمريض بوفاة المسكين تحت يده، ولكن الدجال نفذ من عقوبة السجن التي صدرت بحقه، بفضل وقوف «سلفه وتلفه» وراءه وامامه، وربما على جانبيه.
وبهذه المناسبة أخبرني صديق بأنه تسلم من مدرسة ابنته رسالة تطلب منه التوقيع عليها، بما يفيد موافقته على تدريسها الموسيقى! عاشت التربية وعاش المليفي وزيرا أبديا لها، وعاش التخلف، ومات كل من عارض ذلك، وبالامكان الاستماع للمعجزة جي، من خلال الرابط: http://wimp.com/musicprodigy

أحمد الصراف

احمد الصراف

ما أشبه الليلة بالبارحة

لست من المعجبين بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد فقدت ككثيرين غيري الثقة به، ولا أدري كيف وثقنا به اصلا مع هزيمة 1967، وفشله بعدها في ادخال الديموقراطية لوطنه، مما أدى، بوعي أو من دونه، إلى ترسيخ الدكتاتورية في مصر وبقية البلاد العربية لعقود طويلة تالية. ولكن كانت للرجل فضائله التي لا يمكن انكارها، ومنها عداؤه لطموحات «الاخوان المسلمين»، بالرغم مما أشيع عن مساعدتهم له في انقلاب 23 يوليو 1952. كما عرفت عنه ليبراليته النسبية، خصوصا في ما يتعلق بحقوق المرأة، ونظافة يده!
انتشر على الانترنت تسجيل لخطبة لناصر يقول فيها: «.. في سنة 1953 كنا نريد فعلا مخلصين ان احنا نتعاون مع «الاخوان المسلمين» على أن يسيروا في الطريق الصحيح، وقابلت مرشد الاخوان وقعد وطلب مطالب، طلب ايه؟ أول حاجة قالي يجب أن تقيم الحجاب في مصر، وخلي كل واحدة تمشي في الشارع تلبس طرحة! ( قطعة قماش توضع على الرأس). أنا قلت له اذا الواحد قال هذا الكلام فكأننا عدنا لأيام الحاكم بأمر الله الذي كان يمنع الناس تمشي بالنهار وتمشي بالليل، وان أنا برأيي أن كل واحد في بيته هو الذي ينفذ هذا الكلام! فقال لا، باعتبارك أنت الحاكم المسؤول، فقلت له يا استاذ بنتك في كلية الطب ومش لابسة طرحة، ما لبستهاش طرحة ليه؟ اذا كنت أنت مش قادر تلبس بنت واحدة، اللي هي بنتك الطرحة، عايزني أنا انزل البس عشرة مليون طُرح في البلد؟».
وما ورد على لسان ناصر قبل أكثر من 50 عاما، ورد ما يماثله على لسان رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا، فور سقوط نظام القذافي! كما بشرهم بأنه سيسمح بتعدد الزوجات. وورد ما يماثل ذلك على لسان زعماء حركة النهضة، «فرع الاخوان» في تونس، وتقريبا على لسان كل مرشح دخل الانتخابات المصرية الأخيرة، ممثلا لحزبي «الاخوان» و«السلف»، ومن لف لفهم، وأنهم سيعملون على تشجيع، ان لم يكن فرض الحجاب، وكأن ارتداءه يأتي قبل أي أمر آخر في الحياة، وسبب اهتمامهم بهذه المسائل بسيط، فالتصدي لقضايا الاقتصاد والبطالة والاسكان والفساد أكثر صعوبة بكثير، ولم يعرف ابدا عن اي من الاحزب الدينية اهتمامها بغير الحجاب والنقاب وطول اللحية وشكلها وعرض الزبيبة ومكانها، وبناء مساجد ومضايقة غير المسلمين وهلمجّرا! فمنذ 83 عاما لم يصدر عن حركة الاخوان، الأقدم والأكثر تنظيما على الساحة، أي «منافستو» متكامل وواضح يبين الطريقة التي سيديرون بها البلاد، متى ما حكموها، فاذا كان هذا حال أقدم الحركات وأكثرها ثراء نقدا وعددا، فما هو حال البقية؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

بودرة الصراصير

عندما لا يعجبك الطعام أو الخدمة في مطعم ما لا تحاول أبداً توبيخ النادل (الغرسون) فقد يضع هذا في صحنك ما لا ترغب فيه، قبل تقديمه إليك. وبالتالي، فإن افضل عقاب هو في وقف التعامل مع المطعم مستقبلاً!
ما يطالبنا به جمع من غلاة المتشددين دينياً، وحتى المعتوهين، من مقاطعة احتفالات المسيحيين باعيادهم، وعدم السلام عليهم أو تهنئتهم بالعام الجديد، لا شك نابع ليس فقط من كره هؤلاء الغلاة لما يمثله المسيحيون من خطر على معتقداتنا، بل وأيضا لما لمثل هذه التهاني من اثر إيجابي عليهم وشد أزرهم وتقوية مواقفهم، وفي هذا إضعاف لنا ولعقيدتنا! وبالتالي يجب الا نكتفي فقط بالدعوة لعدم تهنئة هؤلاء باعيادهم، والاستمرار في الوقت نفسه في التعامل معهم تجاريا واقتصاديا وصحيا، فهذا، كما ثبت طوال قرون، لن يؤثر عليهم، فتحريم السلام عليهم أصلاً نابع من ثقتنا بأنهم لا يبغون الخير لنا، وهنا من الأفضل عدم الاكتفاء بتحريم السلام بل ومقاطعتهم اقتصاديا وتجاريا وضربهم حيث يؤلمهم أكثر! وهنا ندعو ذلك السفيه الذي لا يعرف كيف يتصرف بماله في خير أهله وقومه، وثلة الغلاة والمتشددين، أخذ المبادرة، وقص الحق من أنفسهم، والتوقف عن زيادة قوة ومنعة أعداء الإسلام، بالامتناع عن شراء او استخدام منتجاتهم، سواء كانت سيارات أو ادوية أو تلفزيونات، وحتى الاحذية والاقمشة والدبابيس وسم الفئران، وحتى «بيف باف» الصراصير!
فهل نجد تجاوبا من هؤلاء، ونحن خلفهم سائرون؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

عيون العصر الحديث

حظيت مرتين بالاستماع الى حديث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس وتش «منظمة مراقبة حقوق الانسان»، الذي زار الكويت أخيراً واثنى على سجلها الحافل في ما يتعلق بحقوق الانسان، ولكن فقط مقارنة بسجل حقوق الانسان في الدول المجاورة! ولم يخف ذلك الرجل المتواضع والبسيط الذي تخاف الكثير من الحكومات المستبدة والدكتاتورية تقاريره عن جرائمها، لم يخف شعوره بالقلق على حقوق المرأة في الكويت، ووضع العمالة الاجنبية، وبالذات خدم المنازل، واوضاع «البدون». وحث الحكومة والسلطات العليا على الاسراع في تنفيذ مختلف وعودها المتعلقة بتحسين ظروف هذه الفئات. ومن المتوقع ان تظهر نتائج زيارة المنظمة للكويت في تقريرها المقبل، فسجلنا الانساني يحتاج للشيء الكثير ليصبح ولو قريبا مما هو مطلوب، فع.للنا كبيرة، مقارنة بالدول المتقدمة في مجال حقوق الانسان، على الرغم من اننا اكثر ضجة في ما يتعلق بدور الدين في تكريس هذه الحقوق. واعتقد شخصيا ان العائق الاكبر امام تقدم حقوق الانسان في الكويت يكمن في الجهات المتزمتة دينيا التي تعارض مثلا منح المرأة حقوقها الانسانية في حالات الطلاق والحضانة والنفقة، بحجة ان الشرع يعارض ذلك، وبالتالي لم يكن مستغربا، بل ومستهجنا غياب «الملتحين الدينيين» عن لقاءات وحفلات منظمة «هيومن رايتس وتش»، وغني عن القول انهم لا يكتفون بذلك بل عملوا على عرقلة جهودها، وهناك امثلة على ذلك، والمؤسف ان سياسات الحكومة في هذا الصدد متراخية بعض الشيء، فالمناهج الدراسية، كمثال، التي سيطر المتأسلمون عليها لعقود، لا تتطرق لقضايا حقوق الانسان، وطريقة التعامل مع العاملين معنا في البيت، الذين يستحيل تصور بقاء اسرة كويتية من دون تفكك من غيرهم!
شكراً لكل الجهات التي ساهمت في دعوة منظمة «هيومن رايتس وتش» عيون العصر الجديد، لزيارة الكويت في وضح النهار، ونتمنى ان نرى منظمات معنية اخرى غيرها بيننا، فقد سئمنا من الاستماع لاصحاب الوجوه الكالحة الذين لا يتقنون شيئا غير تهديدنا بالعقاب والعذاب!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحبيب المجتبى

قضت محكمة الجنايات قبل أيام بحبس ياسر الحبيب 15سنة، على خلفية آرائه الدينية المخالفة، وأمرت بإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة، علما بأن الحبيب قص الحق من نفسه وخرج من البلاد قبل فترة، ليعيش لاجئا في بريطانيا، وصدور هذا الحكم لا شك سيساعد في إسراع السلطات في بريطانيا بمنحه حق اللجوء، وربما الجنسية بعدها، وصحتين على قلب بريطانيا بهكذا مواطنين! الغريب في الموضوع أن النيابة العامة سبق أن وجهت إلى الحبيب أربع تهم، منها، كونه كويتياً اذاع في الخارج اخباراً كاذبة من شأنها المساس بالنظام الاجتماعي! ولكن الحكم قضى بإبعاده عن البلاد، ولكن لم يرد فيه إلى اين يبعد! وهل لو عاد، أو أعيد إلى الكويت مثلا، بناء على مذكرة للانتربول، سيبعد عنها بعد تنفيذ العقوبة؟ وإلى أين إن رفضت كل دول العالم استقباله؟ هل سنطلب منه حينها البقاء خارج الكون؟ أم سنضيفه رقما جديدا الى قائمة «البدون» سيئي الحظ؟
في سعي لمعرفة «فكر ياسر الحبيب»، قمت بالبحث في الإنترنت عن أحاديثه وخطبه، وفوجئت بكم الحقد والبغض غير المبرر فيها، وكأن هدفه ليس إثبات حقائق محددة وبناء مواقف عليها، بل استعداء الآخرين عليه، وعلى أبناء طائفته، لهدف ما! أقول ذلك بالرغم من إيماني التام بحرية القول والنشر، ولكن ليس هناك أكثر اشمئزازا من السخرية بعقائد الآخرين بطريقة سوقية، وبث البغضاء بناء على أحداث تاريخية مضت لا يستطيع أحد الجزم بشكل بات بصحتها، وبالتالي لا يعدو أن يكون كلامه نتاج مرض نفسي، وهو بحاجة إلى العلاج أكثر منه للحبس!
وخلال بحثي عن خطب ياسر الحبيب استمعت، من دون «استمتاع»، لخطب رجل دين آخر، هو مجتبى الشيرازي، الذي يعيش كذلك في لندن، وهنا أيضا أثار كلامه قرفي، وتسبب سوء منطقه ومقصده في تلبك معدتي، ولا أدري من اين يأتي هؤلاء بكل هذا الحقد، وهناك عشرات الوسائل الأكثر احتراماً ومنطقية وهدوءا لإيصال ما يودون إيصاله إلى الطرف الآخر، ولكن مع من نتحدث؟ وقد وصف السيد حسن الصفار، رجل الدين الشيعي السعودي المعتدل، («الوطن» 12/9)، تصريحات مجتبى بأنها غير مقبولة، وأنها تأتي ضمن الجهود الخبيثة لإيقاع الفتنة بين المسلمين. كما حذر من وجود فريق من المتشددين من سلفيين وشيعة من الذين يسعون الى نسف جهود التقارب بين ابناء الأمة.
لا تعليق أكثر! 

أحمد الصراف

احمد الصراف

حوار الطرشان

عندما كنت أعيش في بريطانيا في منتصف الثمانينات، أعلمني صديق بأن والده، المحسن المعروف، شارك مجموعة من رجال الأعمال، وحكومات عربية، بالاستجابة لمبادرة الأمير شارلز، لتأسيس «مركز الدراسات الإسلامية في جامعة اكسفورد»، لزيادة تقارب الثقافتين الغربية، البريطانية، والإسلامية! وأنه أصبح عضوا فيه ممثلا لوالده. كان ذلك قبل ثلاثة عقود تقريبا، ولا أعتقد أن المركز، بالرغم من جهوده الكبيرة في ميادين النشر والمحاضرات والمنح الدراسية واللقاءات، وبشخصيات أمانته العامة المرموقة، قد نجح في ردم الهوة الشاسعة بين العالمين، والدليل زيادة حدّة التطرف واتساع الهوة بين المسلمين، وفي بريطانيا بالذات، والغرب عموما، بعد أن اصبح المسلمون، بشكل عام أكثر عدائية للغرب ولكل ما يمثله، ربما كان سبب فشل المركز وضعه الأقرب «للارستقراطية»، واختياره مخاطبة النخبة، وبعده عن مركز أو بؤر الصراع! وقد استغل البعض هذا وأسسوا ما يماثله بغية تحقيق الشهرة والمال من تبرعات الحكومات والشركات.
وفي السياق نفسه، عقد في اسبانيا قبل 3 سنوات مؤتمر، وصف بـ«التاريخي»، هدف الى فتح صفحة جديدة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، من خلال حوار حضاري شارك فيه بوذيون وهندوس ويهود ومسيحيون، وكان لسان حال الجهة المنظمة أنه لا ينبغي للأديان، التي اريد لها جلب السعادة للإنسانية، ان تكون اداة لصناعة البؤس، وأن كل افراد البشرية خلقوا على قدم المساواة، وهم شركاء على هذا الكوكب، فهم إما ان يعيشوا بسلام ووئام، او سيكونون لا محالة هالكين بنيران الحقد وسوء الفهم والكراهية!
وطبعا مرّ هذا الكلام الإنشائي دون اكتراث، بالرغم من جماله، فبعد أكثر من ألف يوم من ذلك المؤتمر، الذي ربما كان برعاية سعودية، لم يتغير شيء في الدول العربية الإسلامية في ما يتعلق بالتعامل مع اصحاب الديانات الأخرى، وربما كان العكس أقرب للصحة، خاصة بعد نتائج الربيع العربي التي بدأت «أزهارها» بالتفتح في مصر وتونس وليبيا، وربما قريباً في سوريا! كما أن تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في الدول الخليجية لم يتغير فيها سطر عن الانتهاكات التي طالت ولا تزال تطال غير المسلمين، وحتى المسلمين المنتمين لأقليات، وبالذات في الدول التي تصرف بسخاء على مراكز ومؤتمرات تقارب الأديان وغيرها من الأنشطة المماثلة. ويعود سبب فشل هذه المراكز الى غياب حرية العقيدة في الدول الراعية، ولتنامي التطرف المذهبي فيها، كما أن إصلاح الوضع مع الآخر لا يمكن أن ينجح طالما أننا لسنا أقرب بعضنا لبعض داخل دولنا، فالإصلاح يبدأ من بيوتنا ومجتمعاتنا، وليس بنقله في طائرات حكومية رسمية وخاصة الى الخارج!

أحمد الصراف