احمد الصراف

الكوكاكولا

قامت شركة «كوكا كولا» أخيراً، وبعد 86 عاماً، بنقل مكان حفظ خلطتها السرية الى مقر جديد يمكن للجمهور الاطلاع على طريقة حفظ واحدة من أكثر العلامات التجارية شهرة وسرية في العالم، والتي كتب موادها ومقاديرها جون بمبرتون عام 1886، أي قبل 125 عاماً، ولم يدونها بل حفظها، وبقيت من دون تدوين لأكثر من 80 سنة! وانتقل حق الخلطة والإنتاج لأسا كاندلر عام 1891، ومنها تطور إنتاج الشركة وكبرت أعمالها لتصبح ليس الأشهر والأوسع انتشارا في العالم فقط، بعد ان بلغت قيمة علامتها التجارية أكثر من 50 ملياراً، أكرر 50 مليار دولار، بل وبعد أن أصبحت ايضا رمزاً للرأسمالية الأميركية وثقافتها الجديدة! ولو نظرنا الى ما حققته الكوكاكولا من نجاح تجاري، وما رسخته من ثقافة استهلاكية ورمز سياسي، لوجدنا ان أياً من هذه «الانجازات» الهائلة لم يكن ضمن أكبر أحلام من وضعوا الخلطة ومن اشتروها تاليا، أي بمبرتون وكاندلر، ومن جاء بعدهم هم الذين حولوا فكرة مشروب بسيط ومتواضع الى فكرة تجارية وسياسية عملاقة لم ير لها العالم مثيلاً، ودافعهم كان تحقيق أقصى الأرباح والمنافع لحملة أسهم الشركة وعلامتها التجارية، وهو الدافع نفسه وراء نجاح أي فكرة تجارية أو سياسية، أو حتى عقائدية، فالشيوعية فشلت في نهاية الأمر لأن عدد من كان يستفيد منها تناقص كثيراً في سنواتها الأخيرة، فكان لزاما عليها ان تختفي، على الرغم من كل ما قيل وكتب عن «انسانيتها» وكيف انه يمكن عن طريقها القضاء على نوازع الشر عند الكثير من البشر وجعلهم، ماديا على الأقل، متساوين، وهذا ربما ما كان يدور في رأس كارل ماركس ولينين، ولكن من جاء بعدهما هم الذين روجوا للفكرة وأوصلوها الى لعالمية، بعد ان رأوا ما يمكن ان يحققوه من نفع مادي وسياسي لانفسهم، وهو الأمر الذي لم يكن حتما يدور بخلد لا ماركس ولا لينين، ولو تمعنا في الطريقة الباذخة التي عاشها، ولا يزال يعيشها، قادة وأعضاء المكتب السياسي لأي حزب شيوعي، من وارثي الآباء المؤسسين، لوجدنا انه لا يختلف كثيراً عن المستوى الذي كان يعيشه القياصرة والملوك الذين سبق ان انقلبوا عليهم، كما لو تمعنا في الحياة المرفهة التي يعيشها «اكليروس» الكثير من الأديان، لما وجدنا في مستوى معيشتهم وطريقتها ما يتفق أو يمت بصلة لما بشر به انبياؤهم من تقشف وبساطة عيش! وبالتالي فالفائدة أو المنفعة الشخصية، أو القبلية العائلية، كانت، في الغالب الأعم، المحرك الأهم وراء نجاح الكثير من الأنشطة السياسية والعقائدية وغيرها، ويصح القول كذلك ان السبب في فشل الكثير من الأفكار أو المشاريع الدينية والعقائد، لم يكن سوء فكرتها، بقدر ما كان بسبب افتقارها الى مروجين ومسوقين جيدين!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الطبابة والجهل

أثار مقالي عن التشخيص الطبي الخطأ، والحاجة للرأي الثاني، اثار نوازع الاصلاح لدى المفكر والطبيب البشري الدكتور كامل النجار، فكتب يقول ان التشخيص الخطأ الذي تعرض له صديقي امر متوقع، فالطبيب في نهاية الأمر انسان، ولا يعمل كجهاز كمبيوتر مبرمج، وهو بالتالي معرض لارتكاب الخطأ في التشخيص، وهذا يحدث حتى في الدول المتقدمة طبياً كأميركا، وسبب ذلك ان جسم كل مريض قد يتعامل مع المرض بطريقة مختلفة عن غيره، فقد تبدو عليه أعراض غير التي تظهر عند آخر يعاني المرض نفسه، والأطباء يعتمدون على تجميع عدة أعراض لجعل تشخيص مرض معين أكثر احتمالاً، ومن ثم يقومون بطلب فحوصات معينة لاثبات حدسهم أو نفيه، وبما ان كل عارض له عدة أسباب، فمثلاً ضيق التنفس قد يكون سببه أزمة أو التهاب بالرئة أو هبوط بالقلب، أو ورم أو حساسية في الشعب الهوائية، أو ذبحة صدرية، وبالتالي يعتمد التشخيص الصحيح على خبرة الطبيب ومؤهلاته، ثم على نتائج الفحوصات التي يطلبها، ولذلك من حق المريض، كما ذكرت، طلب رأي آخر، ولكن الأهم من ذلك هو نوعية الأطباء الذين يعملون في مستشفيات الكويت وعمان والسعودية والإمارات، كمثال، حيث ان غالبية حكوماتها، من واقع خبرته حيث عمل في وزارات غالبيتها، تبحث عن العمالة الأرخص، فتستقدم أطباء من دول متواضعة الامكانات، وغالبيتهم من الحاصلين على دبلوم محلي من بلادهم لا يؤهلهم للعمل كاستشاريين، ولكنهم يصبحون استشاريين في الخليج، وبالتالي لا يكون أداؤهم بمستوى الاستشاري نفسه في البلاد المتقدمة، ويقول، وهنا لب المقال، إن حل هذه المشكلة سهل، فلتقليل أخطاء التشخيص يجب الزام جميع المستشفيات بالتقيد بالبروتوكولات المعروفة لكل مرض، وهذه ليست سراً وحكراً على بلاد الغرب، وانما منشورة على الانترنت، مثل «بروتوكولات نايس» الانكليزية NICE Guidelines التي يمكن لاي طبيب ان يطلع عليها، فاذا اجبرت الحكومات كل المستشفيات على اتباع هذه البروتوكولات، وحدث خطأ في التشخيص، فمن السهل جداً على ادارة المستشفى مراجعة ما قام به الطبيب لمعرفة ما اذا كان قد التزم بالبروتوكول في تشخيصه ام لا، واذا اتضح انه لم يلتزم يجب معاقبته على ذلك، فالمحاسبة تجعل الأطباء اكثر التزاماً بالمقاييس المعروفة، وتجعلهم كذلك اكثر استعدادا للقراءة ومتابعة ما يستجد في عالم الطب.
لا نضع هذا أمام وزير الصحة بالوكالة «فما بوه طب»، بل سنحتفظ بالاقتراع لوزير الصحة المقبل، ولعلم صديقنا المفكر د. كامل، فإن وزير الصحة السابق، د. هلال الساير، بدأ السير في هذا المشروع من خلال فكرة توأمة المستشفيات المحلية بالعالمية، واتباع بروتوكولاتها، وفق ما قيل لي، ولكن المحزن انه ليس هناك ضمان بأن وزير، أو وزراء الصحة القادمين، سيستمرون في اكمال المشروع، الذي يعارضه كثير من الأطباء الضعفاء، كما ان هناك خوفاً من ان يقبر المعازيب ما تم تطبيقه من هذا المشروع الحيوي حتى الآن، لان هناك من سيقنعهم بانه لا يستحق الحياة!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

شفافية التعتيم

ذكرت في مقال سابق اني تلقيت قبل أشهر اتصالاً من السيد صلاح الغزالي لأخذ موافقتي على نشر بعض مقالاتي في كتاب تزمع «جمعية الشفافية» اصداره، عما كتب في الصحافة المحلية عن محاربة الفساد! اعتذرت في حينه عن قبول طلبه، بعد ان علمت منه ان النية تتجه لنشر كل مقال كتب عن الفساد بصرف النظر عن الخلفية الأخلاقية لكاتبه، وعما عرف عن سيرته! وقلت له ان من غير المعقول تضمين كتاب عن «الأخلاق» مقالاً يتيماً لكاتب هاو أو محترف لمجرد ان موضوعه يصب في محاربة الفساد، متجاهلين في الوقت نفسه مقالات الكاتب الأخرى التي ربما صبت في الاتجاه المضاد، وبالتالي سيستغل هؤلاء الكتاب اصدار الجمعية لتبييض سمعتهم! ولكن السيد صلاح لم يقتنع بوجهة نظري، مع وعد باحترام رغبتي!
وقبل أيام تسلمت كيسا من جمعية الشفافية يتضمن شهادة تقدير على مساهمتي في محاربة الفساد، مع بضع نسخ عن اصدار الجمعية الأول والذي تضمن مقالات مجموعة من الكتاب الذين سبق ان كتبوا في موضوع «محاربة الفساد»، ومنها ثلاثة مقالات لنا، وتبين من تصفحه ان المحترم صلاح الغزالي لم يحترم رغبتي، ونشر ما شاء له ان ينشر!
لست هنا في معرض مناقشة حق الجمعية في النشر من عدمه، فان كانت النية تتجه للنشر فلم كلف الغزالي نفسه مشقة الاتصال بنا لاخذ موافقتنا اصلاً؟! ألم يكن من الأفضل النشر من دون سؤال؟ وهل جاء الاتصال من منطلق الشفافية التي تدعيها الجمعية، ثم دفعها ما اشتهرت به من «تعتيم» لتجاهل ذلك الاتصال؟
المهم انني قمت بعدها بإعادة نُسخ الكتاب إلى الجمعية مع رسالة اعتذار عن عدم قبول شهادة التقدير، لتعارض ما قامت به الجمعية مع رغبتي الشخصية، بعد أن تأكدت شكوكي من الهدف وراء نشر كل مقال كتب عن الفساد، من دون تمحيص كاف، خصوصاً بعد استعراض اسماء من وردت مقالاتهم فيه، وغالبيتهم ممن نقدر ونحترم. فوجدت في الأمر ما يريب حقاً! ومن يحترم نفسه لا حاجة له لشهادة تقدير هزيلة من جمعية دار لغط كبير حول أنشطتها وانتماءات بعض اعضاء مجلس ادارتها التجارية أو الحزبية أو العقائدية، بصرف النظر عن مدى صحتها، خادشة للشفافية ولسمعة الجمعية.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

أنا والانتخابات

شاركت في انتخابات 2008 البرلمانية بحماس كبير، ونجحت وآخرون، عبر المساهمة ماديا ومعنويا، في إيصال مرشحين للبرلمان، وأعتقد أن أداء نائبتين، والسيدتين الأخريين، كان بشكل عام أفضل بكثير من أداء بقية الأعضاء الرجال، ربما مجتمعين! كما اعتقد أن البرلمان بحاجة الى حضور نسائي اكثر، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق شباب وشابات الجيل الجديد، وهنا أتمنى، وبالذات، نجاح المحامية ذكرى الرشيدي، في الانتخابات المقبلة.
***
ذهب بائع ورد الى صالون حلاقة لقص شعره، وعندما أنتهى رفض الحلاق أخذ مقابل عمله، وقال انه يقضي ساعات محددة اسبوعيا في خدمة المجتمع! شكره بائع الورد، وفي اليوم التالي وجد باقة ورد على باب صالونه مع كلمة شكر من البائع. وفي يوم آخر حضر شرطي الى الصالون لقص شعره، وعندما أراد الدفع قال له الحلاق ان يومه مخصص بكامله للخدمة العامة، ولا يريد شيئا مقابلا، فشكره الشرطي، وفي صباح اليوم التالي وجد علبة حلويات أمام صالونه مع كلمة شكر من الشرطي. وفي مرة ثالثة حضر بقال لقص شعره، وتكررت القصة معه، حيث وجد الحلاق في الصباح كيسا يحتوي على بضع تفاحات طازجة أمام باب محله. وفي اليوم الرابع حضر عضو كونغرس لقص شعره، وهنا أيضا رفض الحلاق أخذ مقابل منه، وقال انه يخصص يومه لخدمة المجتمع، فشكره هذا وذهب إلى حال سبيله، وعندما حضر الحلاق لمحله في صباح اليوم التالي، وجد طابورا من اعضاء البرلمان بانتظاره، وكل منهم يرغب في الحصول على قصة شعر مجانية!
***
إكراما لمشاعرنا، وتخفيفا للضغوط النفسية علينا، فقد قررنا المشاركة في الانتخابات المقبلة بصورة اقل زخما بكثير من قبلها.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

«البدون» والوزير

أعتقد أن «البدون»، أو المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد، والذين لا تخلو دولة في العالم منهم، وعبر اكثر من 40 عاما، تعرضوا، وما زالوا يتعرضون في الكويت، لظلم واجحاف كبيرين، وسبب ذلك يعود بالدرجة الأولى والثانية والثالثة إلى تقاعس مختلف حكوماتنا، والسلطة بالذات، عن وضع حل لأوضاعهم عندما كانت أعدادهم لا تتجاوز المئات، واستمر التجاهل مع ارتفاع العدد إلى عشرات الآلاف، ثم ليصل التجاهل إلى ذروته مع وصول أعدادهم، لما قبل الغزو والاحتلال الصدامي، ما يقارب المائتي ألف، قبل ان ينحسر حاليا لما يزيد قليلا على المائة ألف! ولا اعتقد أن أي مواطن عاقل، حتى وبعد مرور كل هذا الوقت، يعتقد أن بالإمكان منح جميع هؤلاء جنسية الدولة لكي تنتهي معاناتهم مرة وإلى الأبد، ففي المسألة تعقيدات كثيرة واختراقات وتحفظات أمنية وأخلاقية وسياسية عميقة، تساوي إن لم تزد على حجم كل الظلم والإجحاف اللذين لحقا بهؤلاء، وبالتالي ليس هناك من حل، حسب ما هو واضح، غير السير قدما في الاجراءات التي يتبعها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، والتي كانت بدايتها منحهم العلاج والتعليم المجانيين، وإصدار شهادات الميلاد، والوفاة لهم (ربما كنا الدولة الوحيدة التي لا تعترف بمن يولد أو يموت على ارضها)، والاعتراف بعقود الزواج بينهم، وبين غيرهم، وغير ذلك من الخدمات والحقوق الإنسانية الأساسية التي لا يمكن تصور معيشة إنسان بكرامة من غيرها! ويعتبر منح هذه الامتيازات والخدمات لهؤلاء خير دليل على مدى عدم إنسانية الطريقة التي عوملوا بها طوال الفترة السابقة، علما بأن الوضع لم يتغير لمصلحتهم لولا الجهود الخيرة لأطراف عدة! وبالتالي نعتقد ان ليس هناك من سبب يدعو «البدون»، حاليا على الأقل، للتظاهر، بل يجب عليهم العمل بصورة إيجابية أكثر والتعاون مع وزارة الداخلية، من خلال اختيار لجنة تمثلهم للتفاوض مع الجهات المعنية! أما ما يحدث الآن من تظاهر وفوضى واعتصامات وتعطيل وعرقلة لمصالح الناس، واشغال لطاقات وقوى الأمن، فلن يسرع، باعتقادنا، كثيراً في حلحلة أوضاعهم، خاصة أن وزارة الداخلية تعاملت حتى الآن مع المقيمين بصورة غير قانونية بطريقة تتسم بالحكمة، وسمحت لهم بحرية التعبير عن آرائهم وعرض مطالبهم كاملة وايصال صوتهم الى من يعنيه الأمر، ونقصد هنا الحكومة ووزير الداخلية، الذي تبنى مشكورا قضيتهم. كما أعتقد أن بتعاونه مع الجهة المعنية الأخرى سيصل لحلول كثيرة من شأنها رفع مستوى معيشة هؤلاء بيننا ومنح المستحقين منهم، وما أكثرهم، جنسية الدولة!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الطبيب المعمر

يعتبر الياباني شيجياكاي هينو هارا Shigeaki Hinohara أكبر طبيب معمر في العالم، فقد أنهى دراسته قبل 70 عاما، ولا يزال يمارس المهنة في المستشفى الذي اسسه وسط انقاض مدينة طوكيو بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واطلق عليه اسم «سينت دوك». كما يقوم هينو هارا الى اليوم بالتدريس في الكلية التابعة للمستشفى العالمي، على الرغم من انه اصبح يقارب المائة عمرا!
عندما بلغ هينو هارا الخامسة والسبعين قام بتأليف أول كتبه، وبلغ عددها الآن 150 كتابا، منها «عش طويلا، عش بجودة»، والذي بيع منه اكثر من مليون و200 الف نسخة! وهو يشجع قرّاءه ومرضاه، واتباعه في حركة «المعمرون الجدد»، على اتباع نصائحه، وأسلوب حياته. ويقول إن الطاقة تنبعث من الشعور بالسعادة، وليس من الأكل الجيد والنوم الطويل، وان علينا ان نتذكر جميعاً، عندما كنا صغارا، أننا اثناء لعبنا كنا ننسى تماما الاكل او النوم، وان من الممكن، كبالغين، ان نتبع الامر ذاته الآن، وألا نقيد انفسنا بمواعيد محددة للاكل والنوم! ويقول إن جميع معمري العالم، بصرف النظر عن جنسياتهم او اعراقهم، يمتازون باعتدال وزنهم، وانه لا يتناول غير القهوة وبعض الحليب وملعقة من زيت الزيتون مخلوطة بكأس عصير برتقال صباحا! اما الغداء فيتكون من الحليب وبعض البسكويت، او لا شيء، ان كان مشغولا باداء عمله، وانه غالبا لا يشعر بالجوع عند انشغاله، اما عشاؤه فيتكون من الخضار وقطعة سمك مع الرز، ويتناول 200 غرام من اللحم الصافي مرتين اسبوعيا. ويقول إن من الافضل ان نخطط ليومنا مقدما، وان نحتفظ بجدول اعمالنا. وجدوله مزدحم حتى عام 2014 بمحاضرات وعمل مكثف في المستشفى، وانه يخطط للاستمتاع ببعض الترفيه في 2016، ومنها حضور دورة الألعاب الاولمبية في طوكيو. ولا يعتقد هينو هارا ان على الانسان عدم التقاعد عن العمل، وإن لا بد فيجب ان يكون متأخرا جدا، وان سن 65 للتقاعد، الذي وضع قبل نصف قرن، لا يصلح لانسان اليوم الذي اصبح يعمر اكثر، فمعمرو اليابان فقط يزيدون على 36 الفا، وغالبيتهم تجاوز المائة، ومتوسط العمر فيها وصل الى 86 عاما للنساء و80 للرجال.
ومن المتوقع ان يصل عدد من تجاوز المائة عام 50 ألفا بعد 20 عاما، وقال ان من الضروري ان نشارك الآخرين في ما نعرف، ولذلك فهو يلقي سنويا اكثر من 150 محاضرة، ويعتقد ان علينا حمل اغراضنا، بدلا من تكليف الآخرين بها، وان نستخدم الدرج، بدلا من المصعد، فهذا يحسن من صحتنا. ويقول إن الألم امره غريب، وليس من طريقة للتخلص منه سوى بنسيانه عن طريق اللعب، فلو اشتكى طفل من ألم في سنه مثلا فليس هناك شيء افضل من اللعب معه لينسى. وقال إن من المهم ان يكون في حياتنا مثل أعلى، فقد كان والده الذي انهى دراسة الطب في اميركا عام 1900 مثله الأعلى، ومنه تعلم الكثير، من ذلك الإيمان بأننا يجب ان نعطي المجتمع اقصى ما نستطيع، ولذا هو يعمل كطبيب متطوع منذ ان كان في الــ65 من عمره، ولا يزال يعمل 18 ساعة اسبوعياً من دون مقابل، ويستمتع بكل دقيقة من ذلك.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

عندما مات الحبيب *

عاجل الموت «سوامي» وهو شاب، وجلست زوجته وابنه ووالداه حوله يبكونه بحرقة، فقد كان معيلهم الوحيد، زارهم «مهاراج جي»، حكيم القرية، ليعزيهم بولدهم، فتشبثوا بتلابيب ثوبه وهم في حزن شديد، الدموع تنهمر من مآقيهم، يستعطفونه كي يعيد الحياة لحبيبهم ووالدهم ومعيلهم وفلذة كبدهم، الذي مات قبل يومه بكثير، فما الذي سيحدث الآن لابنه وزوجته ووالديه، بعد ان أصبحوا محرومين من كل شيء، فقد كان نعم الزوج والسند وعماد الأسرة الوحيد، وانهم جميعا يشعرون باليأس والعجز التام في غيابه، فهم لا شيء، لا شيء ابداً من غيره! وعندما لم تجد محاولات «مهاراج جي» في مواساتهم والتقليل من حزنهم، وتصبيرهم على بلواهم، بعد تزايد بكاء الجميع ومطالباتهم اياه باعادة «سوامي» الى الحياة، نهض الحكيم من مكانه وطلب قدحاً من الماء، ثم وضعه بجانب الجثة الهامدة وقال لهم إن على كل من يرد عودة «سوامي» للحياة شرب قدح الماء، وسيموت عوضاً عنه! هنا بانت علامات الاستنكار على وجوههم فقال لهم: ألم تقولوا إنه كان حبيب الجميع ومعيلكم الوحيد وان حياتكم أصبحت مستحيلة من غيره، فلم لا يموت أحدكم، وانتم جميعاً بلا نفع بعضكم لبعض من دونه؟ لم لا يضحي أحدكم بنفسه لتستفيد البقية من عودة «سوامي» للحياة؟ تعالي أيتها الزوجة ألم تقولي إنه كان الوحيد الذي يضع الخير على الطاولة، لماذا لا تستبدلين جسده بجسدك؟ فقالت الزوجة ان لديها ابنا صغيراً بحاجة إليها، ويجب ان تعيش من أجله! وعندما وجه الحكيم نظراته للاب تردد هذا وقال ان لديه زوجة مريضة تعتمد عليه، وان مات فمن سيعتني بها، وهنا حول «مهاراج جي» نظراته للأم فقالت هذه ان ابنتها ستأتي لتلد عندها بعد أيام وليس هناك من يعتني بها، وهي بحاجة اليها، هنا نظر الحكيم للطفل وقال له: أيها الصبي ألا تريد ان تضحي بحياتك لكي يعود والدك إلى الحياة ويعيل أمك وجدك وجدتك، ويحميهم من المرض والجوع؟ وقبل ان ينطق الصبي بكلمة ضمته امه الى صدرها قائلة: هل انت مجنون؟ انه طفلي الوحيد ولا يمكن ان أعيش من دونه، وهو لم يعش حياته بعد! وهنا ابتسم «مهاراج جي» وقال من الواضح ان هناك حاجة لبقائكم جميعاً على قيد الحياة، والوحيد الذي لم يكن له غرض في هذه الدنيا قد أخذه الموت منكم! والآن لنكمل اجراءات دفنه فقد تأخر الوقت كثيراً!
ولو تمعنا في هذه القصة الرمزية، لوجدنا ان الحب يبقى طالما بقيت الحياة، أما بعد ذلك فلا تبقى إلا ذكريات الأوقات الجميلة! والحياة ستستمر بنا أو بغيرنا، ببكاء ونواح ولطم، أو بابتسامة وسعادة ومرح، فلم نختار الأسوأ ونترك الأفضل والأجمل؟
* قصة من التراث الهندي

أحمد الصراف

احمد الصراف

التركة السيئة

كتب لي صديقي فؤاد يقول إنه أصيب في الفترة الأخيرة بعارضين صحيين خطيرين، تسببا في تعرضه لآلام مبرحة، اشتكى في الأول من صعوبات شديدة في التنفس، وفي الثاني فقد القدرة على السير حتى لمسافة قصيرة، بسبب آلام مبرحة في قدميه! وقال ان التشخيص «الدقيق» بيّن أن صعوبة التنفس ناتجة عن سنوات التدخين الطويلة، وهنا وصف له «الاخصائي» دواء للرئة! أما تورم قدميه فقط شخصه اخصائي آخر بأنه نقرس! وقبل أن يكتشف فؤاد خطأ التشخيصين كان قد تناول كميات كبيرة من الأدوية، ذات الأعراض الجانبية السيئة وغير الضرورية اصلا، وعانى من استمرار الآلام وصعوبة التنفس لشهرين آخرين، ولولا الصدفة التي قادت طبيبا معروفا سأله عن سبب ضيق تنفسه، بعد أن شاهده يلهث على درج أحد المستشفيات، وطلبه القيام بفحص شرايين قلبه فورا، لبقي فؤاد حتى الآن يعالج رئته «الصالحة» بأدوية لا لزوم لها! تجربته مع التشخيص الخاطئ دفعته لمراجعة اخصائي آخر لفحص آلام قدميه، التي استمرت بالرغم من كميات الأدوية التي تناولها على مدى أسابيع، وهنا أيضا تبيّن خطأ التشخيص، انه لا يشكو من النقرس، بل يعاني من مشاكل في أعصاب القدم! لم يصدق صاحبنا ما سمع فحمل تقاريره وسافر الى أميركا، وفي مستشفى جامعة «هارفارد» أكدوا له صحة التشخيصين الجديدين، وكانت تلك نهاية معاناته وآلامه! وهنا يقول ما كان ليتعرض لكل تلك الآلام والمعاناة وتناول كل تلك الأدوية لو كانت الوزارة تتبع نظام «الرأي الطبي الثاني» Second Opinion، وخاصة في حالة الأمراض الخطيرة والمستعصية. كما ينصح حتى بعدم الأخذ بالرأي الثاني إن لم يتفق مع الأول، واللجوء الى رأي ثالث، حتى يتطابق رأيان منهما، وأن عدد الحالات التي حدثت بها تشخيصات خاطئة لا تعد ولا تحصى. ويضيف أن وزارة الصحة تعاني من مشاكل ضخمة ليس من السهل على أي وزير، ولو كان بمكانة د. هلال الساير، حلها، فالموضوع يحتاج ليس فقط الى قدرات من يماثله قوة، بل والى الدعم السياسي والوقت الكافي! وحيث ان هذه يصعب تحقيقها في ظل الاضطراب السياسي الذي تعيشه البلاد، فالحل هو في اعتماد خطة الإصلاح من قبل مجلس الوزراء، وتكليف وكيل مساعد بتنفيذها، بعد منحه صلاحيات كاملة، تمنع أي وزير صحة أو وكيل من التدخل في صلاحياته!
وفي الختام نقول ان الخطة الحكيمة التي بدأ د. الساير بتطبيقها في إصلاح وضع مستشفياتنا المترهل، عن طريق ربطها ببروتوكولات تعاون طبي وتقني مع مستشفيات عالمية، بعيدا عن السياسة والمصالح الشخصية، معرضة لخطر الإلغاء! لاحتمال عدم عودة د. هلال للوزارة، ومن سيأتي بعده ربما لن يكمل السير في خطة سلفه الإصلاحية، وسنعود حينها الى نقطة الصفر! وحتى ذلك الوقت دعونا نضع أيدينا على قلوبنا، ونطالب بالرأي الثاني والثالث، قبل ان نغز إبرة في أجسادنا الطاهرة.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

سرقات فكرية

دانت لجنة في السعودية، تختص بالنظر في المخالفات التابعة لإدارة حقوق المؤلف، والمشكلة بقرار من وزير الثقافة والإعلام، دانت رسميا رجل الدين عايض القرني، مؤلف كتاب «لا تيأس»، في القضية المرفوعة من السيدة سلوى العضيدان مؤلفة «هكذا هزموا اليأس». وصرح محاميها، حسبما نشر مؤخراً في الصحف، أن اللجنة الموكلة لها مهام النظر في الكتابين أنهت أعمالها بتأكيد وجود سطو واعتداء على كتاب موكلته، وأنه حصل على تقرير اللجنة الذي حكم نهائياً بإدانة القرني.
وقد سبق أن كتبت مقالا عن هذا الموضوع قبل عدة أشهر، عندما ظهرت الفضيحة للعلن، ولكن القبس ارتأت وقتها عدم نشر المقال، الذي تعرضنا فيه لعملية السطو، وتساءلنا: كيف يسمح رجل دين، معروف ويفترض أنه «نزيه»، لنفسه بالسطو على نتاج فكر غيره، ويستمر في عمله، ويستمر مريدوه بالتوافد عليه، وسؤاله في ما يشغلهم من أمور دينهم ودنياهم؟! وتساؤلنا لم يكن لنا بقدر ما كان لغيرنا، من المغترين بفكر واخلاص هؤلاء، فالقرني قد لا يختلف بالطبع عن إمام المسج والداعية وغيرهما ممن وردت أسماؤهم في فضائح كبيرة، ليس آخرها ورود أسماء بعضهم بين «القبيضة»! ولا يختلف ما يوجد بيننا عما هو موجود بين رجال ونساء العقائد الأخرى، ففضائح سرقات أموال المحسنين من صناديق الخير في الكنائس لا تزال تزكم الأنوف، وستستمر كذلك، والهالة الدينية التي يحاول هؤلاء إسباغها على أنفسهم ليست في الغالب إلا غطاء لضعفهم وهوان أنفس الكثيرين منهم!
ما صدر في السعودية من حكم يعتبر سابقة في منطقة لا تضع عادة اعتبارا لأي حقوق فكرية، وسيردع اي سرقات مستقبلا، نقول ذلك مع شعورنا بأن فكرة كتاب العضيدان سبق أن تطرق لها الأميركي ديل كارنيغي في كتابه الشهير قبل نصف قرن «دع القلق وابدأ الحياة»!
***
ملاحظة: تقيم الجمعية الثقافية النسائية في مقرها بالخالدية ندوة في السابعة من مساء اليوم، يحاضر فيها المفكر السعودي إبراهيم البليهي، نتمنى الالتقاء بكم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عالم جون لينون الرائع

يعتبر نجم فرقة البيتل الراحل جون لينون الأكثر شهرة والأكثر إثارة في تاريخ الغناء الحديث، وقد ترك، قبل مقتله، بصمات واضحة على الثقافة الفنية الغربية وعلى حركة السلام والمحبة، ولا تزال اغنية imagine، التي كتبها ولحنها قبل 30 عاما، تحتل المركز الثالث ضمن قائمة أشهر 500 أغنية في كافة الأزمان. ويقول صديق انه ليس هناك شيء أكثر روعة من العالم الذي يصفه لينون في اغنيته. ومن وحي هذه الاغنية، كتب عالم الاحياء والباحث الشهير ريتشارد داوكنز، يقول انه كم جميل ان نتخيل عالما بغير انتحاريين او «11 سبتمبر»، أو حرق باصات لندن وقطارات مدريد او رسوم الدانمرك، وبغير حملات صليبية او غزوات مضادة، أو حروب دينية، ومن دون تقسيم الهند، ومن بعدها باكستان، وموت وتشريد عشرات الملايين وحرق مدن وتدمير قرى وتسميم آبار، أو تخيل عالما بغير حروب عربية فلسطينية يهودية، او تصفيات الصرب والكروات لمسلمي البوسنة، واضطهاد المسيحيين لليهود، وطردهم والمسلمين من الاندلس! أو عالما بغير محاكم التفتيش وافران الغاز النازية، ومذابح دير قانون ودير ياسين، وقتلى ايرلندا وجرائم الشرف، وضحايا المثليين، وجرائم الاعتداءات الجنسية في بعض الكنائس الكاثوليكية! تخيل عالما بغير مبشرين انجيليين، ودعاة يطلبون من اتباعهم ان يعطوا «الرب» من مالهم حتى الألم! تخيل عالما بغير طالبان، ولا تدمير لتماثيل بانيان، ولا صراع الشيعة والسنة في العراق وباكستان، ولا قتل ولا هدم ولا تفجير لمساجد بعضهم البعض في كراتشي ووزيرستان والحلة وكردستان! تخيل عالما بغير مدارس دينية تنشر الكراهية، وتحض على قتل ابناء الآخرين وتشريدهم وحرق زرعهم وفناء نسلهم! تخيل عالما بغير معسكرات تدريب على القتل وجز رقاب كالخراف، وتقطيع الاوصال على صيحات «الله أكبر»، وأمام عدسات التلفزيون! تخيل عالما بغير كراهية ولا إقامة حد ولا قمع باسم الدين، ولا ضرب للنساء بالسياط، ولا شج للرؤوس في المناسبات! تخيل كم سيكون العالم جميلا من دون كل هذا التطرف والتشدد والغلو القاتل!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com