احمد الصراف

فيتامين صاد

تقول باربرا والترز الإعلامية الأميركية الشهيرة التي قابلت أكبر عدد من مشاهير العالم وزعمائه في كتابها «أوديشن» Audition، عن سيرتها الذاتية انها فوجئت، عندما زارت مارغريت تاتشر للمرة الاولى من بساطة حياتها وتواضع غرفة نومها، وهي التي غيرت وجه بريطانيا بشكل جذري، ولاحظت عدم وجود خدم في الطابق الذي تسكنه من مقر رئاسة وزارة أعظم امبراطورية عرفها التاريخ، وان تاتشر أخبرتها ان تقاليد «تن داوننغ ستريت» افترضت ان رئيس الوزراء البريطاني رجل متزوج، وان زوجته ستقوم بالاهتمام بأموره، وليس العكس، وبالتالي ليس هناك خدم ولا حشم، وانها تقوم، اضافة لمسؤولياتها الكبيرة، باعداد ما يفضله زوجها من طبخ في عطلة نهاية الأسبوع، وقد استمرت تاتشر في الحكم 11 عاماً، وهي أطول فترة لرئيس وزراء بريطاني لقرن مضى، وعندما قابلتها بربارا ثانية، فور تخلي المحافظين عنها، بعد صراع حزبي مرير، وجدتها في حالة نفسية سيئة! وتقول انه عندما يختفي بريق الشهرة وتخفت الأضواء من حولنا ونصبح من دون حماية، ويتوقف رنين هواتفنا، وتتواضع جداول أعمالنا، ونصبح وحيدين، هنا، وهنا فقط، تظهر أهمية الاحتفاظ بأصدقاء مخلصين وأعزاء يقفون معنا وقت الحاجة.
وفي السياق نفسه، يقول أحد خبراء العلاقات العامة ان تعدد نوعيات أصدقائنا دليل على تنوع وتعدد احتياجاتنا ورغباتنا، فهناك الجاد بين أصدقائنا وهناك المرح والكتوم والثرثار والعاطفي والدقيق، والجاد لا يصلح لساعات التسلية، والكتوم لا يصلح لتجاذب الحديث معه، وربما يكون مناسبا أكثر من غيره لنودعه أسرارنا، وهكذا! ويقول ان الأصدقاء هم كقطع صغيرة لصورة كبيرة لا يمكن ان تعرف ماهيتها إلا اذا وضعت القطع الصغيرة، أو «ركبت» أجزاءها بطريقة دقيقة لتظهر الصورة واضحة وثرية، والأصدقاء هم الذين يكونون صورة حياتنا الكبيرة، ويتفهموننا ويقلقون علينا، وبعضهم ربما يعرفنا أفضل من انفسنا، ونحتاج لوقوفهم معنا وقت الشدة، ويقال ان الأصدقاء ضروريون لاحتفاظنا بصحة ابداننا وصحة عقولنا، ويصف د. أوز الأصدقاء بانهم مثل الفيتامينات، فهم فيتامين ص، نسبة للصداقة، ومن الضروري وجودهم في حياتنا، فالأبحاث اثبتت ان المنتمين لحلقات صداقة قوية معرضون أقل من غيرهم للشعور بالتعاسة والاصابة بالأمراض القلبية، وعندما نتناول فيتامين ص بطريقة صحيحة فاننا نطيل من أعمارنا ونبدو أكثر نضارة، فحرارة الصداقة تذهب بالاكتئاب وتخفف من الضغوط النفسية، ويقال أيضاً ان أفضل خمسة أشياء للشعور بالسعادة، وهو ما يصبو له غالبية البشر، هو انتماؤنا لعائلة محددة، وان نمارس بشكل مستمر هواية أو هوايات محددة، ونمارس الرياضة بانتظام، وان تكون صحتنا جيدة، ورابعاً ألا يكون دخلنا المادي يقل كثيرا عن مستوى دخل من نصادقهم، وخامسا، والأهم، ان يكون لنا أصدقاء نعتز بهم، ونسعد بوجودهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

توضيح للقارئ ولزميلة

استخدم الانترنت بصورة مستمرة، كما تردني يوميا من اصدقاء ومحبين مئات الرسائل، انتقي منها اثنتين او ثلاثا وأعيد ارسالها لمن هم ع‍لى قائمة بريدي، واحتفظ بالبعض منها في الارشيف او للكتابة عن مواضيعها مستقبلا، واثناء بحثي اليومي في النت اجد ما يستحق مشاركة القارئ به، وغالبا ما يكون باللغة الانكليزية، فأقوم بترجمته والتصرف به، اسلوباً وحجما، بحيث يصبح مناسبا لعمود صحفي، بعد ان اضيف له من نفسي الكثير. والحقيقة ان اختيار موضوع مناسب لمقال وترجمته وتنقيحه اصعب بكثير من كتابة مقال يتضمن هجوما ع‍لى الحكومة او اظهار امر سلبي في المجتمع ونقده، وما اكثر سلبياتنا، وفي هذا السياق يقول المفكر المصري الكبير حسن حنفي في مقدمة كتابه عن «سبينوزا» طبعة 1997، ان اختيار نصوص بعينها للترجمة يعتبر في حد ذاته تأليفا غير مباشر، ويكون المترجم في هذه الحالة مؤلفا بطريقة غير مباشرة، وان الترجمة المختارة اختيارا دقيقا لما يناسب العصر واحتياجاته هي في صميمها تأليف يرتكز على التاريخ الحضاري، والترجمة الهادفة تخدم الغرض نفسه الذي يسعى اليه التأليف الواعي!
وقد دأبت في السنوات الماضية على الاشارة في نهاية بعض المقالات على انها مقتبسة بتصرف من الانترنت، وحيث ان هذا ليس دقيقا في الغالب، فما انشره من اخبار طبية وافكار عامة واكتشافات، واحيانا طرائف، من النت هو ملك للجميع، ولا يعد بالتالي سطوا ع‍لى افكار وجهود اشخاص معينين او انتاجهم الفكري، خاصة عندما يستحيل معرفة من ألف نكتة معينة او ذكر قولا محددا، وبالتالي سأتوقف مستقبلا عن ذكر جملة النقل تلك، الا اذا تطلبت الامانة الادبية الاشارة الى مرجع محدد، عندما يكون النقل واضحا وجادا ويتطلب ذكر مصدره لاضفاء اهمية اكبر على المقال. وعدم اشارة للنقل من النت لا يعني ان «المسألة» ستطوف على القارئ، فالكثير من الاحباء يقفون لي بالمرصاد ولا يترددون للفت نظري لاخطائي وهفواتي، وما اكثرها، وبالتالي يزداد حرصي باستمرار، ورغبتي في تدقيق صحة ما اكتب، كما ان من السهل التفريق بين نص مرح او مفيد، تم التصرف به بأدب من اجل نشر المعرفة، ونص آخر من بنات، او اولاد، افكاري، ولا ادري متى ستنتهي هذه لابدأ بسرقة افكار غيري!
نكتب هذا بمناسبة قيام زميلة تكتب في صحيفة غير القبس ببث رسائل على التويتر تذكر فيها بمناسبة الحكم على القرني لسرقة افكار كتاب مواطنته سلوى العضيدان، بأنني لا اختلف عنه!! ونحن لا نرفض تهمتها فقط لاننا لا نود الدخول في جدال، وندرك جيدا الفرق بين السرقة والنقل والاقتباس، وما تعنيه سرقة افكار الآخرين، والتربح من ثمار تعبهم من غير مقابل، وهذا ليس مجالنا ولا ما نهدف إليه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

العشاء الأخير والملائكة البيض

ما ان انتهى المضيف وزوجته من تناول العشاء مع صديقه وحرمه، حتى انشغل بتدخين سيجارة، بينما انشغلت الزوجتان في المطبخ بتحضير طبق الحلويات، وهنا قال المضيف لصديقه انه تناول بالامس وجبة طيبة في مطعم جديد، وان اسعاره مناسبة، وقريب من بيته، وعندما سأله صديقه عن اسم المطعم لم يستطع تذكره، وهنا ألح عليه بان يتذكر فهو بحاجة الى اخذ قريب له لمطعم مميز، فقال هذا انه ليس سهلا عليه، بعد ان تجاوز الثمانين، تذكر ما فعل قبل ساعة، ولكنه سيحاول، وان على ضيفه مساعدته في التذكر، وهنا بادره بالسؤال: ما اسم ذلك الشيء الذي تهديه لزوجتك في بعض الاحيان؟ فقال: ساعة، فقال: لا ابسط من ذلك، ولكن قيمته المعنوية اكبر! فقال: بوكيه زهور؟ فقال: نعم، ولكن ما هو اسم اهم زهرة في البوكيه؟ فقال: ورد. وهنا لمعت عينا المضيف وانفرجت اساريره عن ابتسامة عريضة، فسأله صديقه: هل تقصد ان اسم المطعم هو «ورد»؟ فلم يرد المضيف بل ادار وجهه نحو المطبخ وصاح قائلاً: يا «ورد» ما هو اسم المطعم الذي تناولنا العشاء فيه بالامس؟
***
في محاولة لتحسين العلاقات الاسرية بين مجموعة من الزوجات، من اعضاء ناد رياضي، وبين حمواتهن، قامت الادارة بترتيب رحلة لاحد المنتجعات البعيدة تستغرق يوما كاملا، وصلت حافلة الزوجات في الموعد وتأخرت حافلة الحموات، وبعد فترة جاء خبر وقوع الكارثة، حيث تسبب حادث مرور في سقوط الحافلة التي تقلهم في البحر، بعد انقلابها، وموت ركابها! وهنا انخرطت الزوجات في البكاء، ولكن بعد فترة بدأن بتكفيف دموعهن، الا واحدة استمرت في البكاء المر وكأنها فقدت اعز انسان في حياتها، وهنا اقتربت منها صديقة لها وقالت: اعلم بأن علاقتك مع حماتك كانت جيدة، ولكني لم اكن اعلم بأنك كنت تحبينها لهذه الدرجة! فقالت هذه انها لا تبكي على فقدها بل لانها اتصلت بها صباح اليوم لتخبرها عن وعكة صحية أصابتها في آخر لحظة، منعتها من الالتحاق بحافلة الحموات!
***
في محاولة مضحكة للنيل من النظام القمعي في سوريا، ألقى الداعية السعودي محمد العريفي، الذي نتوقع له مصير القرني نفسه، خطبة قال فيها ان شابا من المقاومة السورية ذكر قبل مقتله، ان ملائكة بيضا على خيول قاتلوا مع المقاومة! ولا ادري سبب لجوء مثل هؤلاء الدعاة، ونحن في بداية الالفية الثالثة، لمثل هذه الاكاذيب، فضررها اكثر من نفعها، ويذكر ان للعريفي كتابا في 600 صفحة، مزينا بالصور والتوضيحات، يتحدث فيه عن احداث يوم القيامة.. وما بعدها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطيب والشرير

يعتبر جوناثان سويفت واحدا من عمالقة الأدب الانكليزي والعالمي، ويكفيه فخرا انه مؤلف قصة «رحلات جوليفر» التي ألهبت خيال اطفال العالم، وحتى بالغيه، لأكثر من 350 عاما، ولا تزال. كان سويفت شاعرا، ولكنه اشتهر أكثر ككاتب ساخر، وله مجموعة كبيرة من المقالات في السياسة والاجتماع. ولد سويفت لأبوين ايرلنديين، وكان مناصرا في حزب المحافظين، واصبح رجل دين وعميدا لكنيسة سانت باتريك في مدينة دبلن.
وبالرغم من تدينه، فإنه اشتهر عنه قوله بان لدى «جماعته» من التدين ما يكفي ليبغض بعضهم بعضا، لكن ليس لديهم منه ما يكفي ليحبب بعضهم إلى بعض! ولو تمعّنا في قوله هذا لرأينا أنه ينطبق على عقائد كثيرة! فمن الصعب على اتباع عقيدة ما ان يحب بعضهم بعضا، فما بالك بحب غيرهم؟ ولو كان الأمر عكس ذلك، كما يعتقد بعضهم، لما كانت هناك مذاهب وفرق واحزاب ومعتقدات وخلافات دينية عميقة بسبب تفسير كلمة أو اختلاف على مفهوم او نظرية او اسلوب حياة، ويقول عالم الاحياء الانكليزي ريتشارد داوكنز، مؤلف «أعظم عرض على كوكب الأرض» ان الأخيار يقومون بفعل الخير، والأشرار يقومون بارتكاب الشرور، والأخيار يرتكبون الأفعال الشريرة باسم الدين فقط!
***
ملاحظة: قضت لجنة حقوق المؤلف في وزارة الإعلام السعودية، بتغريم الداعية السعودي عائض القرني مبلغ 330 ألف ريال سعودي، أي 30 ألف دينار تقريبا، في القضية التي اتهمته الكاتبة سلوى العضيدان فيها، بالاعتداء على حقوقها الفكرية، ويعتبر هذا الحكم صفعة للداعية، وغرامة غير مسبوقة في عالم السرقات الادبية، ودرسا له ولغيره، وتأتي أهميته في انه صادر من السلطات السعودية التي لم يعرف عنها اهتمامها بمثل هذه السرقات، ونتمنى ان تكون هذه هي البداية فقط.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

خير مثال

اتصل صديق ليخبرني بأن الصور التي نشرتها القبس في عدد امس الاول لاعضاء البرلمان المصري، وهم بعمائمهم ولحاهم الكثة والغريبة الاشكال والالوان، ادخلت الحزن الشديد على قلبه! أمّا الصور التي بيّنت بعضهم وهم نيام، او في غفوة من الزمن، فقد جعلته يشعر بالرعب من المصير الاسود الذي ينتظر مصر تحت حكم هؤلاء الذين «اخذهم» النوم في يوم قد يكون الاهم في حياة غالبيتهم، فكيف ستكون حالهم، وحال وطنهم، في جلسات البرلمان العادية واجتماعات لجانه المهمة؟!
هونت عليه، وقلت له هذه هي الديموقراطية، وهذا ما افرزته صناديق الاقتراع، وما علينا غير الانتظار لنرى ما ستتمخض عنه عقول هؤلاء، وليس اشكالهم! فقد ادخلنا اصحاب لهم في سبات لاكثر من الف عام، ولا بأس من انتظار نهاية هذا السبات، او «البيات السياسي» لبضع سنين اخرى، فالاحزاب الاسلامية، التي «تمكنت» من غالبية مقاعد البرلمان المصري، تكره بعضها البعض اكثر من كراهيتها للاحزاب الليبرالية او العلمانية الاخرى، وهي ان لم تلجأ للانقلاب على الدستور، لتتشبث بالحكم، فإن نهايتها ستكون معروفة، فكل قانون سيعرض على البرلمان سيكون خاضعا لتفسيرات دينية عدة وتوجهات ورغبات فردية متخلفة، وما اكثر توجهاتهم وتفرق آرائهم! وبالتالي لا خوف من وقوع مصر في قبضة هؤلاء، فليس بإمكانهم، بكل ما يملكوه من خبث وذكاء وقدرة وفهم وسياسة وحنكة، حل اي من مشاكل مصر الاسكانية والاقتصادية والبيئية ومحاربة الفساد والتعايش مع اتفاقية السلام مع اسرائيل، وابقاء الاوضاع السياحية، مصدر الدخل الاكبر، على حالها، فاهتماماتهم ستنحصر في اللحية والحجاب والنقاب ولفة الراس والفرج والمرج! وفشلهم سيكون على ايدي من اتى بهم بعد ان ييأس منهم، ونهايتهم واضحة للعيان، فمنذ 80 عاما وهم بانتظار تسلم الحكم، ومع هذا لم يتمكنوا طوال هذه الفترة من تقديم برنامج حكم واضح، فعقلية «اهل الكهف» لا يمكن ان تنجح في حكم مصر وادارتها باقتدار في ظل الكم الهائل من المشاكل التي تواجهها، ليس اقلها عدم الاعتراف بحقوق الاقليات، وهو الامر الذي يعني عدم اعتراف بأي شيء يسمى «حقوق الانسان»، ومن هنا ستكون البداية لنهايتهم، مرة والى الابد!

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

التجمّل بالحضارة

في يوم قارس البرودة، قررت الذهاب الى وسط مدينة لندن لشراء بعض الكتب. استقللت الحافلة أو الباص الأحمر، وجلست في اقرب مقعد للباب، وهو الجزء المخصص لكبار السن والعجزة ولكنه كان خاليا تقريبا. لففت نفسي جيدا، فقد كان الطقس باردا حقا، وما ان سارت الحافلة بضعة أميال حتى تذكرت أنني في زيارتي الأولى للمكتبة نفسها ترجلت في محطة بعيدة قليلا عنها، واضطررت للسير كيلومترا تقريبا، ولكني اليوم على غير استعداد للمشي حتى لعشر خطوات، خاصة أن المطر بدأ بالهطول. وهنا سألت سيدة كبيرة في السن كانت تجلس بجانبي، لخلو الحافلة من قاطع التذاكر، عن أقرب محطة لــ«مخزن فويلز للكتب»، فقالت لي، دون تردد، بأن علي الترجل بعد محطتين، وهذا ما فعلته، وما ان سرت بضع خطوات باتجاه سير الباص حتى وجدته قد توقف وترجلت منه العجوز نفسها التي سبق ان سألتها، واتجهت نحوي، بعد أن انطلق الباص في طريقه، وقالت: ايها الشاب، وكنت وقتها شابا فعلا، أعتذر لك بشدة، هذه ليست محطتك، بل هي بعد محطتين أخريين من هنا! شكرتها، ووقفت في مكاني أنتظر الباص التالي، واستغربت وقوفها معي، وهي تحمل المظلة بيدها لتقيني من المطر، فسألتها إن كانت هذه محطتها فنفت ذلك وقالت إنها ترجلت من الحافلة لكي لا تجعلني أسير لثلاثة كيلومترات على الأقل في هذا المطر! نظرت لتلك السيدة، التي ربما كانت في الثمانين من العمر وسألت نفسي، لو كنت مكانها وفي سنها هل كنت سأترجل من الحافلة، في هذا البرد والمطر، لأخبر شخصا غريبا واجنبيا، ربما لن التقي به مرة أخرى في حياتي، بأنني أخطأت، وأضحي بدفء الباص؟؟
تذكرت تلك القصة، التي مر عليها الآن أكثر من 44 عاما، عندما قمت يوم 10 يناير بنشر ملاحظة أعلنت فيها عن إقامة «مركز تنوير»، ولا علاقة له بمركز «سيئ الذكر»، ندوة للمفكر إبراهيم البليهي في الجمعية الثقافية النسائية، يوم الأربعاء، 11 يناير، في الوقت الذي كانت الندوة في يوم نشر الملاحظة نفسه، أي الثلاثاء. وفي محاولة متواضعة لسداد ما لتلك السيدة من دين «حضاري» في عنقي، قمت في السادسة والنصف من يوم الاربعاء، 11 يناير، بالذهاب الى الجمعية الثقافية، ووقفت على باب قاعتها بانتظار من سيأتي في ذلك اليوم لحضور الندوة، حسب ملاحظتي، لأخبره بخطئي، وأعتذر له! لم يطل انتظاري كثيرا حيث أتى شخص وأخبرته، بالخطأ وتبعته سيدة وفعلت الشيء نفسه معها، وتركت الجمعية بعد السابعة بدقيقة، فلست مسؤولا عن الاعتذار لمن يأتي متأخرا!
شكرا لك يا سيدتي يا من علمتني كيف أحاول أن اكون متحضرا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما يموت الأطباء

الجميع يرغب في العيش بكرامة، وحتى في الموت بكرامة! ولكن عندما يحين الوقت تتشبث الغالبية بالحياة وتفعل المستحيل للبقاء على قيد الحياة، أو إبقاء مرضاهم، الميئوس منهم، أحياء ولو ليوم، متناسين الكرامة واللياقة، وهذا أمر طبيعي مع الجميع تقريباً، ولكن ليس بالضرورة مع الأطباء، وإن بشكل عام، فهؤلاء عادة لا يلحون على إبقاء أنفسهم، أو مرضاهم، الميئوس منهم، على قيد الحياة! وهنا يقول الدكتور الأميركي كن موراي إن زميله «شارلي» شعر يوماً بآلام داخلية حادة تبين منها أنه مصاب بورم سرطاني متقدم في البنكرياس! وعلى الرغم من أن الذي شخص مرضه كان الأشهر في مجاله، وصاحب اختراع طبي يطيل به عمر المصاب بنسبة لا تقل عن %15، وإن بمستوى معيشة بائس، فإن د. شارلي اختار إغلاق عيادته، والتوقف عن مراجعة الأطباء، وقضاء ما تبقى له من عمر مع أسرته! وبعد بضعة أشهر مات في فراشه بهدوء وسلام، وبكامل كرامته، دون علاج إشعاعي ولا كيميائي، ولا حتى جراحي! ويضيف د. موراي أن الأطباء مثل غيرهم يموتون أيضاً، ولكن تجاربهم الطبية جعلتهم أكثر هدوءاً وتقبلاً للمرض، وحتى للموت، لأنهم يعرفون بدقة ما سيحصل لهم في مرضهم، والمراحل التي سيمرون بها، ويعلمون بخياراتهم، وبأنهم سيتلقون أفضل رعاية من زملائهم، إلا أن أعداداً متزايدة منهم أصبحت تختار الموت بكرامة ولياقة وهدوء، هذا مع أنهم ليسوا بشوق للموت، ولكن ما يعرفونه عن الطب الحديث ومحدودية تأثيره دفعهم لتقبل الأمر وحث زملائهم وأسرهم لوضع حد لحياتهم، متى حان وقت رحيلهم! فهم على غير استعداد مثلاً، عند إصابتهم بذبحة صدرية، وفقدهم للوعي وتوقف القلب عن القيام بوظيفته، لتعريضهم لأمور مثل الصدمات الكهربائية، أو إعطائهم CPR، وما قد ينتج عنه من كسر ضلوع في محاولة لإعادة الوعي لهم بدفع الدم لأدمغتهم، إضافة لما سينتج عن ذلك، إن نجحت الصدمات الكهربائية أو ضغطات اليد المتتالية، في مكوثهم بغرف العناية المركزة، شبه أحياء، بمساعدة معدات طبية، قبل أن يموتوا في النهاية بطريقة متعبة ومذلة لهم ولأهاليهم، فليس هناك أسوأ من تثقيب جسد المريض وإدخال الخراطيم الطبية الدقيقة فيه، وتسريب الأدوية والأغذية له من خلالها، وبمساعدة أجهزة معقدة تعمل ليلاً ونهاراً وبإشراف طبي دقيق، كل ذلك على أمل أن يعود يوماً للحياة الطبيعية، وعلى حساب مرضى آخرين أكثر لتلك الخدمة منهم.
ويستطرد د. موراي بالقول إنه لا يستطيع أن يحصي عدد الأطباء الذين طلبوا منه العمل على إنهاء حياتهم في حال تعرضهم لذبحة صدرية قاتلة، وكيف أنهم طلبوا من أهاليهم فعل الشيء ذاته معهم، وأن يتركوهم ليرحلوا بسلام وكرامة، فهم أدرى من غيرهم بما يعنيه بقاؤهم نصف أحياء، والآلام تفتك بهم ولا يستطيعون قول شيء أو فعل شيء إزاءها.
هذه وجهة نظر يسهل الحديث فيها، ولكن الذي يده في النار ليس مثل غيره، فمعذرة إن كان في كلامنا تجريح لمشاعر أحد، فالحياة ليست دائماً زهوراً يانعة وأطفالاً رائعين ومناظر خلابة وسفراً سعيداً، بل هي أيضاً معاناة ومرض وآلام وحزن!

أحمد الصراف

احمد الصراف

برمائي وجوي

في قبس الجمعة كتب زميلنا «الكويتي» على الصفحة الأخيرة مقالا لم يخلُ من الأخطاء والركاكة، انتقد فيه مستوى مخرجات المدارس الاجنبية! وقال ان أستاذا جامعيا اخبره ان طلبة المدارس المحلية والعربية، ولا أعرف ما المقصود بالمحلية، «أفهم» بكثير من خريجي المدارس الأجنبية! وربما يقصد هنا أنهم أكثر فهما، وقال ان هؤلاء لديهم معلومات وقدرة على تحليلها «أنضج»، (هكذا)! ولا ادري كيف توصل لهذا الحكم من رأي فرد؟!
لست خبير تعليم، ولكن بإمكاني القول، من واقع تجربتي كأب وخال وعم لعدد ممن درسوا في المدارس الحكومية والاجنبية إن مقال «الكويتي» احتوى على قدر كبير من التجني، وابتعد كاتبه عن الحقيقة، فهو مثلا لم يتطرق للمدارس ثنائية اللغة، التي نجحت إلى حد كبير في المزج بين الأجنبية والعربية، وكانت مخرجاتها ولا تزال، تفوق غيرها جودة. وقد مررت بتجربة طريفة نوعا ما عندما اكتشفت أن المدرسة التي التحق ابناؤنا بها في بريطانيا تقع في منطقة يسكنها أثرياء يهود، وبسبب اصول أبنائي ومستوياتهم الدراسية فقد شعرت بالقلق من احتمال ممارسة التفرقة ضدهم، أو على الأقل سيصعب عليهم التأقلم مع اقرانهم دراسيا، ولكني فوجئت بالطريقة السلسة التي انسجموا فيها مع محيطهم الجديد، والكيفية التي استوعبوا فيها مناهج تلك المدرسة، وكل ذلك بفضل الأساس القوي الذي تعلموه واكتسبوه من مدرسة بيان، ثنائية اللغة.
كما قلل كاتب المقال من أهمية تميز طلبة المدارس الأجنبية بلغتهم الإنكليزية، مقارنة بطلبة المدارس العربية أو الحكومية، ولم يدرك ان إتقان هذه اللغة بحد ذاته جواز مرور لكنز هائل ولعالم واسع من المعرفة في جميع الميادين، بعد أن وصلت أعداد الكلمات والمصطلحات باللغة الإنكليزية إلى المليون، مقارنة بمائة ألف كلمة لأي لغة أوروبية، ونصف ذلك للغة العربية! والفضل في ذلك يعود طبعا لمنجزات الأميركيين في الطب والفضاء والإنترنت والكمبيوتر والاتصالات وغيرها. ويختم «الكويتي» مقاله بالفقرة الغريبة التالية: في النتيجة ينمو أطفالنا وعلى ظهورهم يحملون ازدواجية تحتاج إلى طريقة برمائية تساعدهم على التعايش مع المجتمع! ولا أعرف ما المقصود بالبرمائية، فإن كانت تعني إزدواجية اللغة أو المعرفة، فهذا يعني أنه يفضل أن نتعلم إما السير على اليابسة واما السباحة في البحر، وألا نجمع بين المهارتين، فهل يعقل هذا الكلام؟ وهل تعني بالتالي أن من لديه ثلاث أو اربع ثقافات يعاني مشكلة أكبر، أي أنه برمائي وجوي أيضا؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التخريب المتعمد

في تصرف يفتقد المسؤولية، وتكرر ما يماثله عشرات المرات، وفي حالة انعدام تام للاحساس بما يمثله بث الفرقة بين أبناء المجتمع من خطورة، تم توزيع كتيب يحث على مقاطعة الانتخابات ومعاداة الشعوب الأخرى والدعوة لغير ذلك من سقيم الآراء.
لا أتكلم هنا بلسان «شريف مكة» ولا أدعي العفة والطهارة، ولكن من حقي ان أطالب بالحد الأدنى من الذوق في التعامل مع الحساس من القضايا وعدم تشجيع المعتوهين والرعاع من المواطنين على نشر السقيم من أفكارهم، خصوصاً تلك التي يمكن ان تترتب عليها تبعات خطرة.
موضوع هذا الكتيب الغريب ذكرني بمقال كتبه قبل فترة قصيرة الزميل الأردني جهاد علاونة بعنوان: هل من حقي اختيار ديانتي؟ يقول في مقدمته: اسمي وموطني وديانتي لم اخترها، على الرغم من ان بامكاني، قضائيا، تغيير اسمي، ولكنه عاجبني ولست معترضاً عليه، أما الوطن فليس بمشكلة أيضاً، فكل بلاد العرب أوطاني! انما الدين الذين ولدت ونشأت عليه هو الذي.. شو بدي أحكي! فأنا لا أريد القول انه مش عاجبني، وانما هو اللي مش عاجبه أحد، ومش عاجبه أن أعيش مرتاح، ومش عاجبه ان أنعم بالحياة، ومش عاجبه ان أعيش بكرامة، هذا الدين هو اللي ماشي ضدي ولستُ أنا من يمشي ضده، أنا والعذرى مش ضد الدين، بس هو اللي ضدي أينما أذهب واينما أتجه بفكري ومهما كانت أفكاري فهي لا تعجبه! فان دعوت لأي شيء يعارضني، وان دعوت للاصلاح يعارضني، وان قلت نحن نريد مؤسسات مجتمع مدنية في الأردن يعارضني، اذاً هو الذي يقيم تعارضاً بين ما يحلم به المواطن العربي وبين ما يريده ان يكون عليه، ولو ان الحكومات العربية تعرض كل الأديان على الشعوب العربية، كما عرض القيصر الروسي كل الأديان على كل الشعوب السوفيتية (يقصد الروسية)، وقال لهم انتم احرار في اختيار الدين الملائم لكم، لربما اخترنا، نحن العرب، ما اختاره الروس! انتهى الاقتباس بتصرف.
والآن ما الذي يدفع هذا الكاتب لأن يكتب هذا الكلام، ويدفع مئات الآلاف المماثلين له للتخوف من الدين والتعامل معه بحذر، والخشية من كل ما له صلة به، أليس لما ينشره البعض من أفكار متطرفة ومعادية للإنسانية والتسامح والمحبة والعيش بسلام مع الآخر؟ أليس لأن كل ما يبثوه معاد لكل المشاعر والأحاسيس الطيبة؟ وهل يتخيل هؤلاء المتطرفون الدينيون بانهم، بتشددهم الديني وتهديداتهم بالعذاب والنار، يمكن ان يكسبوا قلوب العامة، ويجعلوها مؤمنة؟ وما الفائدة من شعب كامل من الخراف الخائفة التي قبلت الدين خوفاً وليس اقتناعاً؟ ولماذا نربط الدين بالعداء للديموقراطية والحرية والتفاهم والمحبة؟
نعود ونقول ان الشرهة، أو المسؤولية، لا تقع فقط على المعتوهين الذين يصرفون على طباعة مثل هذه المواد، بل على من يقوم بتوزيعها ونشرها وتسويقها والترويج لها والتعامل معها وكأنها مواد دعاية لصابون غسيل أو معجون حلاقة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كلمة أجبك

في إحدى دورات التدريب المخصصة للرجال طلب المحاضر المتخصص في العلاقات العامة من الحضور أن يقوم من يمتلكون هواتف جوالة بكتابة رسائل لزوجاتهم أو حبيباتهم أو رفيقاتهم، مكونة من كلمة واحدة، أحبك! وخلال ثوان بدأت هواتف الجميع بإصدار رنين مكالمة أو نص رسالة! وسألت الأولى زوجها عن مناسبة أو سبب إرسال الكلمة؟ وتساءلت الثانية إن كان زوجها يريدها أن تعود للبيت فورا؟ أما الثالثة فقد ردت تسأل عما إذا كانت هي المقصودة وليس واحدة أخرى؟ والرابعة ردت قائلة: أنا سبق وحذرتك من صنف الحشيش اللي بتاخذه! ده هيبوّظ عقلك! أما الخامسة فقالت إن الكلمة أدخلت الفرحة العارمة الى قلبها، وهي تعرف أنه يقصدها، وأن كلمة «أحبك» أنستها زعلها منه صباح اليوم، وستقطع جولة «تسوقها» وتعود للبيت لتحضر له أكلته المفضلة! وقالت السادسة: سأحيا بكلمة «أحبك» فيما تبقّى من عمري! والسابعة طرحت السؤال التالي: صاير لك شي حبيبي، علمني؟ وثامنة اتصلت تسأل: وينك، بالمستشفى؟ أما أطرف الرسائل فقد كانت من زوجة داخلها الشك في نص الرسالة، فأرسلت تتساءل مستنكرة: أبو محمد، شنو، هل سرقوا تلفونك؟
وقال المحاضر إن من كل هذه الردود نستطيع الاستنتاج أن للكلمة الطيبة تأثيرها، كما للكلمة السيئة، وخصوصا على النساء، فالكلمات الجميلة لها أهمية ودور كبيران في تشكيل او تغيير نفسياتهن! ولو قلبنا التجربة وطلبنا من النساء إرسال الرسالة ذاتها لأزواجهن او أحبابهن لما تلقين نصف عدد الردود التي تلقاها الرجال. وإن سألوا عن السبب في عدم الرد جاءت إجابتهم بأنهم لم ينتبهوا للرسالة أو لم يكن لديهم وقت لقراءتها، أو أنهم قرأوها، ولكن نسوا الرد عليها، أو أنهم أجلوا الرد لحين عودتهم للبيت، أما الرجال بغالبيتهم فسيتعللون بأنهم لم يفهموا ما هو مطلوب منهم القيام به،.. بعد قراءة كلمة: أحبك، وبالتالي لم يرسلوا أي رد!
فيا صنف الرجال لا تغتروا كثيرا بأنفسكم، وأكثروا من الكلام الطيب والمديح، وعدم التردد في الاعتذار عند ارتكاب الخطأ، وما أكثر أخطاؤكم، فالاعتراف قوة، وليس ضعفا.. كما يعتقد «الذكور» بغالبيتهم!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com