احمد الصراف

إنسانية سائق كافر

في يوم لندني جميل، اصطحبت ابنائي الثلاثة، وجدهم الذي كان في زيارة لنا، لحديقة قريبة. أخذ الجد حفيدين وذهب ليتمشى، وبقيت مع الصغير الذي اختار اللعب على «الزحليقة»، فجأة فقد طفلي توازنه من علو ثلاثة أمتار تقريباً وسقط على الأرض الصلبة، وبقي في مكانه من دون حراك، حملته وركضت به كالمجنون الى الشارع أبحث عن مساعدة، ووقفت في وسط الشارع انظر باتجاهيه الخاليين، غير عارف ما علي القيام به، وبعد لحظات خلتها الدهر كله، ظهرت سيارة، وما ان أوقفها ما ارتسم على وجهي من هلع، حتى رميت بنفسي داخلها ورجوته ايصالي لأقرب مستشفى. وتساءلت بيني وبين نفسي: لماذا المستشفى وليس لمكان اكثر حزناً، فما كان متكوماً بين يدي كان بلا حراك ولا نفس، وفجأة صدرت منه أنة خفيفة وسال شيء من فمه فعاد لي الأمل، ولكن يا ترى هل سيبقى سليماً معافى؟ وهنا هاجمتني عشرات الأفكار السوداء وأخذت تتصارع في داخلي تحرقني وتبكيني، كيف سيعيش؟ هل سيصبح طبيعيا وقادرا على المشي والركض والتفكير، أم سيكون هناك عاجز آخر في البيت؟ هل سيعود للضحك معي واضحاكي بابتساماته الآسرة؟ هل سيعود ليطلب مني الهمبرغر والآيس كريم، وتحضير البيتزا له؟ وماذا سأقول لأمه التي تناديه بـ«حبيبي محمد»، وهي التي انجبته بالرغم منها وأصبح الأعز عندها؟ لا ادري متى سنصل الى ذلك المستشفى اللعين، فالوقت يمر ببطء مبك، ولكن ما إن وصلنا لردهة الحوادث حتى انطلقت الى الداخل أطلب المساعدة فتلقفته مني ممرضة وسألتني عن الحادث وجرت به لغرفة الطبيب، وطلبت مني الانتظار خارجا! جلست انتظر، والأفكار والهواجس السوداء تتناهشني، متخيلا أكثر التوقعات سوءا، ولم انتبه الا بعد فترة أن من كان يجلس بجانبي لم يكن سوى من تبرع بإيصالي الى المستشفى، فاعتذرت له عن شرودي وشكرته على مساعدته وطلبت منه أن يذهب لحال سبيله، فرفض، واصر على تجاذب الحديث معي، ربما ليبعدني عن الأفكار السوداء، وسألني عن اصلي وفصلي، ولا ادري كيف أجبته ففكري كان مشوشا. وبعد نصف ساعة، كانت بطول قرن وأكثر أخبروني أن محمد بخير، ولكنه بحاجة لصور أشعة للتأكد من سلامة جمجمته، هنا قدمت الشكر ثانية للرجل ورجوته أن يذهب لحال سبيله، لكنه اصر على البقاء، وقال إنني حتما لن أعرف كيف أعود إلى الحديقة، حيث تركت والدي وطفلي الآخرين! فسكت على مضض! بعد ساعة خرج ابني يمشي مربوط الرأس!
قبل أن نفترق، طلبت من الرجل اسمه وعنوانه لأشكره بطريقتي، فقد كان السبب في انقاذ حياة ولدي الصغير، فتمتم بكلمات غير مفهومة، وذهب لحال سبيله! مر شهران على ذلك الحادث، الذي لم تفارق ذكراه مخيلتي، وفي يوم دعينا لبيت سيدة تعرفت عليها زوجتي في مدرسة الأبناء، وهناك التقيت برجل حياني بحرارة وعندما شعر بأنني لا أعرفه قال إنه الذي أوصلني إلى المستشفى، فعانقته بقوة، واعتذرت منه، وقلت له إنني لا يمكن أن انسى معروفه، وعندما سألته عن علاقته بصديقة زوجتي، قال إنها أخته، وأنه قدم من «تل أبيب» لزيارتها!
يقولون إننا الأصلح والأفضل، وبقية الكون بعدنا، فقلت لهم، ربما، ولكننا متخلفون، والتخلف ليس فقرا ولا قلة انتاج، بل انعدام أخلاق وقلة آدمية!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كيف يعيش فقراؤنا؟

تقول طبيبة عراقية في رسالة مؤثرة لصديق، إنها بكت كثيرا، وهي تشاهد موت يتيمة معاقة عقليا من نزلاء دار أيتام، نتيجة سوء تغذية وفقر دم في محيط مملوء بالثراء المادي والغذائي، وفي دار لا تبعد كثيرا عن جامع معروف يصلي فيه الآلاف أسبوعيا، ومن بينهم أعضاء في مجلس النواب، وكثير من أغنياء العراق، وتقول إنه ليس غريبا ان يموت فقراء العرب من الجوع والفقر، فذلك جزء من ارث امة حكمها، بعد الراشدين، أكثر من مائة «حاكم» من أمويين وعباسيين وغيرهم وصولا إلى العثمانيين، الذين انتهت بهم، بعد ان استمر عهد كل هؤلاء لأكثر من 1250 عاما، لم نقرأ أو نسمع فيها عن واحد أقام العدل وأنصف الفقراء، ربما غير عمر بن عبدالعزيز، وحتى هذا لم يدم حكمه طويلا! وعندما اقتحم هولاكو بغداد المعتصم وجد في قصوره غرفا مملوءة بالمجوهرات، وعددا لا يحصى من الجواري والغلمان، وأن هذا «الخليفة» لم يصرف شيئا من أمواله على تسليح واطعام جيشه والفقراء! وتقول الطبيبة العراقية إننا لو نظرنا إلى واقع وحال كثير من الأماكن الدينية، الأكثر تقديرا واحتراما، وخاصة في الدول الاسلامية لوجدنا أن غالبيتها يحيط بها حزام فقر واضح. كما نجد أن أي جهة تقدم العون لهؤلاء تحصر عونها في أتباع مذهبها أو دينها، وهذا عكس ما يحدث مثلا في كنائس الغرب، ومعابد جنوب شرق آسيا مثلا، التي يسمح للجميع بدخولها والانتفاع من خدماتها من دون تمييز او تفرقة! وقد ذكرني كلام هذه الطبيبة، بقصة ذلك البحريني الذي قبض عليه في الكويت قبل فترة «متلبسا» بجريمة الصلاة في مسجد غير مسجد أتباع مذهبه، وكيف ضرب الرجل من قبل المصلين، وكيف رحل خلال ساعات الى الخارج!
ولو عصرنا فكرنا لما وجدنا جامعا أو كنيسة في بلداننا عرف عنها توزيع المعونات للفقراء، من دون التدقيق المسبق بدين طالبي العون ومذهبهم، وهذا أيضا عكس ما نشاهده في أماكن كثيرة أخرى، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مآدب رمضان، التي لا يسأل فيها عادة عن ديانة من يرتادها، ولو أنني أشك في أن غير المسلمين لديهم الجرأة على الاقتراب منها. كما لو بحثنا لما وجدنا أي مستشفى خاص في كل الدول العربية يرضى بتقديم العلاج للمضطر والمحتاج، علما، ان عددا كبيرا منها مملوك لمؤسسات خيرية ومالية اسلامية معروفة، وهذا طبعا يتناقض تماما مع ما يصرف على تمويل ومساندة الارهاب، والذي يكفي نصفه لتحسين دخل ملايين المسلمين وتغيير معيشتهم الى الأفضل.
وتنكر الطبيبة وجود ثري عربي واحد، وما أكثرهم، تبرع أو أوصى بالتبرع بغالبية أمواله لخير البشرية، مثل «الكافر» بيل غيتس، أو أن أحداً من اثريائنا أو مشاهيرنا أنفق على الخير والتعليم مثل ما فعلت اوبرا وينفري، وعشرات غيرها من فنانين ورجال أعمال. وبالرغم من أن خطباء مساجدنا بارعون في وصف زهد السلف الصالح والأئمة وكرمهم، فاننا نجد أنهم يعيشون عيشة ترف متناهية، كما ظهر من مقابلات تلفزيونية أجريت مع بعضهم، عندما زارت الكاميرات بيوتهم، وبينت بذخ معيشتهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التراجع إلى الخلف

«في يوم كان لمصر «صفيتها» التي غطت «سعدها»، ولكن من تكون «صفية» الكويت، بعد أن جعلتها قوى الظلام عارية بلا غطاء عقلي أو فكري؟».. نص مقتبس للزميل صالح الشايجي!
يمكن القول، على ضوء التركيبة الجديدة للمجلس التشريعي، ان ليس أمام الكويت غير التراجع تنمويا واقتصاديا وفي مجال حقوق الإنسان، وان قاومت الحكومة فسنبقى، في احسن الأحوال، في مكاننا، والجمود شقيق التخلف في عالم سريع ودائم التحرك، وبالتالي على برنامج التنمية والتخطيط المستقبلي الانتظار، فقد دخلت البلاد نفق الصرف النقدي على «رفاهية» المواطن وتوزيع الهبات وزيادة الرواتب. فجناحا المجلس، أو «غالبيتاه» لا تؤمنان لا بالدولة ولا بالمواطنة، فالأغلبية الأولى ستبقى ما بقي الماء والكلأ، فإن جف الضرع ونشف الزرع وتبخر الماء تبخرت معه! أما الغالبية الثانية فعقيدتها لا تقرّ أصلا بوجود وطن ولا بحدود سياسية بين الدول الإسلامية، بالمعنى الحضاري المعروف، وكما قال أحد مرشدي جماعة الإخوان في مصر انه يفضل رئيسا مسلما لمصر، ولو كان من ماليزيا، على قبطي، ولو كان مصريا! وهنا يرى البعض أن الحل هو في تعطيل الحياة البرلمانية ووقف العمل بالدستور، ومن ثم تفرغ الحكومة كليا لتنفيذ الحيوي من المشاريع ووضع البلاد على سكة التقدم ومن ثم العودة، بعد سنتين أو ثلاث، لانتخابات جديدة، في ظروف أكثر ملاءمة، بحيث تفرز صناديق الانتخاب نوعية أفضل من النواب! وهذا كلام لا خير فيه، فلو نظرنا للفترات التي عطلت فيها السلطة الحياة النيابية وخلا لها الجو لما وجدنا انها أنجزت شيئا خلالها، لا بل وكانت فترات تزايدت فيها السرقات بشكل كبير، ولم يمنعها شيء، لا حينها ولا الآن، من تنفيذ أي مشروع حيوي! وما شهدته البلاد، في نصف القرن الماضي، من فترات نهضة قصيرة كان الاستثناء وليس القاعدة، كما أن المناهج الدراسية المتخلفة، وهي أس البلاء، لم يقرها أي مجلس أمة، وكانت ولا تزال من صميم واجبات أي حكومة، كما أن تأخير تنفيذ جسر الصبية (جابر)، لأكثر من 15 عاما لم يكن بفعل نائب أو لجنة نيابية، بل بتقاعس وتردد حكومي واضحين. وعليه فإن الحل يكمن في إبقاء الوضع النيابي على ما هو عليه، والعمل بجدية على تنفيذ المشاريع الكبرى الحيوية، وإقرار عشرات مشاريع القوانين المعلقة منذ سنوات، وتطبيق القانون على الجميع والتمسك بالدستور. ولو حدث ذلك لما رأت المعارضة ما تلوم الحكومة عليه، وهذا إسكات لها ولنار فتنة مقبلة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

كوكتيل كويتي سعودي

عندما أقر قانون منح المرأة الحق في الترشح والانتخاب، وقف فهد الخنة، النائب وقتها، من الحركة السلفية، وألقى كلمة ابدى فيها شديد حزنه من النتيجة، ووصف الحدث بالمكروه، لمخالفته الشرع والدين، وقال إنه مكروه لا يحمد غير ربه عليه! إلى هنا لا نعتقد أنه تجاوز حقه، ولكن السيد الخنة السلفي المتشدد، عاد وبعد سنوات قليلة، و«الحي يقلب»، ورشح نفسه للانتخابات الأخيرة، التي لم يوفق فيها، واثناء حملته الانتخابية لم يتردد في التودد للمرأة وطلب رضاها ودعمها ووقوفها «إلى جانبه»، متناسيا كيف أن إعطاءها حقها الأمس كان مكروها، كالموت، وكيف حارب بشراسة معترضا على حصولها على ذلك الحق، ليأتي بعدها وينشر إعلانا في غالبية الصحف، يعتذر فيه لناخبيه من رجال ونساء، عدم قدرته على زيارتهن وزيارتهم شخصيا لتقديم الشكر، بسبب ضيق الوقت!
لسنا في معرض التهجم على السيد الخنة أو غيره هنا، بل لنبين مدى «مكيافيلية» السياسيين، وفي أي منطقة كانوا، ولأي مذهب انتموا، وأي لبوس ديني تلبسوا، في أشكالهم وهيئاتهم وتصرفاتهم ومعتقداتهم، فهذا لا يمكن أن يجعلهم مختلفين عن غيرهم، أو أكثر نزاهة وصدقية منهم، ولا أدري كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بهذا التلون! وما الفرق بينهم وبين الليبراليين والعلمانيين، الذين لم يجعلوا صفة سيئة إلا وألصقوها بهم؟ إن تقلب هؤلاء وتلونهم ليسا إلا دليلا آخر على أن الحكم السياسي الديني، الذي ساد أخيراً في عدد من الدول العربية سينكشف حتما، وسيظهر عجز «قادته» قريبا، وسلف الكويت وإخوانها ليسوا باستثناء، ولا أفضل أو اذكى من غيرهم، فليس أمام هؤلاء سوى التركيز على القشور وتوافه الأمور، وربما يحاول بعضهم الدفع باتجاه تغيير المادة الثانية من الدستور، وان حدث ذلك فستكون تلك نهايتهم.
وفي جانب آخر ورد في موقع العربية نت قبل أيام قليلة، أن الداعية السعودي عبدالعزيز الطريفي أصدر فتوى بجواز استخدام بطاقات الائتمان المسروقة، إن كانت صادرة من بنوك إسرائيلية، لأنها، وفق رأيه ان صح ذلك، ليس لها عصمة كبنوك المسلمين، وأن من يسرق تلك البطاقات له حق استخدامها، فهذا حلال. وقال إنه الحق يسري على اموال الدول والأفراد الذين لا توجد عهود ولا مواثيق بينهم وبين دول الإسلام، فهذه الدول ليست دولاً مسالمة، وعندئذ يكون مالها من جهة الأصل مباحاً، وبالتالي لا حرج على الإنسان في استخدام البطاقات المسروقة من إسرائيل.
وكالعادة، لم تقم اي جهة دينية عليا برفض فتوى هذا الداعية، أو التنصل منها، لأنها، وبكل بساطة ووضوح، صحيحة شرعا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

وماذا بعد صدور الحكم؟

قبل 5 سنوات تقريبا قام محاسب مصري يعمل في جمعية إعانة المرضى، التابعة سياسيا وتنظيميا لحزب ديني، بسلب 14 مليون دولار تقريبا من الحساب المصري للجمعية «الخيرية»، ولم يكتشف مجلس إدارة الجمعية عملية الاختلاس إلا بعد أن اكتفى المحاسب بما سلب، وهرب لوطنه! ثارت الفضيحة ولكن أحدا من مسؤولي الجمعية لم يشعر بأي تأنيب ضمير أو تقصير، ولم يصدر عن الجمعية اي بيان اعتذار، وكل ما قالته انها سوف تلاحق المختلس وتعيده ليحاكم، ولم يتحقق ذلك بالطبع! كما لم تستطع وزارة الشؤون، التي نكن لوكيلها ولمدير ومراقب الجمعيات فيها كل احترام، فعل شيء حتى الآن، ربما لأن ما سرق من مال «لا صاحب له»! أو ربما لأن أموال الجمعية من الضخامة بحيث لم يشكل المبلغ المختلس ما يستحق الزعل عليه. والغريب أن مجلس إدارة الجمعية لم يكتف بالبقاء، وكأن شيئا لم يكن، ولم يستح من فشله في الوفاء بوعده بإعادة الجاني، بل قام برفع دعوى مدنية ضد البنك الذي كان يتعامل معه، و63 موظفا فيه، مطالبا إياهم بما اختلسه محاسبهم! ولم يصعب على محامي البنك بالطبع تفنيد دعواهم، واقناع المحكمة برفض القضية لانقطاع علاقة السببية بين الخطأ المنسوب إلى البنك وبين الضرر الذي أصاب الجمعية المدعية، كما دفع الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، إضافة إلى الدفع بعدم أحقية المدعية بمطالبة المدعى عليهم بالتعويض. وتضمن الحكم ما يفيد بمسؤولية إدارة الجمعية عن حادثة السرقة، لما أعطته للمحاسب من صلاحيات، ودفاتر شيكات، وحق إجراء التحويلات الخاصة بحسابات الجمعية، وهو ما ثبت من اقوال «إدارة الخبراء»، وبالتالي لم يثبت وجود تواطؤ بين موظفي البنك وبين المتهم الهارب. كما أن البنك كان يقوم بإرسال كشوف الحساب للجمعية شهرياً، وكان يفترض بمجلس إدارة الجمعية معرفة حقيقة ارصدتهم ولو مرة في السنة، ولو تم ذلك لاكتشفت الاختلاسات في مرحلة مبكرة، وليس بعد أربع سنوات!
وواضح من حيثيات الحكم أيضا أن المحكمة حملت مجلس إدارة الجمعية المسؤولية، فكيف يمكن تصديق أن محاسبا يستطيع، على مدى 1500 يوم، اختلاس ما يقارب 14 مليون دولار من دون أن ينكشف أمره؟ وما الذي دفع المحاسب لأن يأخذ «راحته» ويسرق ما يريد على مدى 4 سنوات، غير قناعته بضعف قدرات مجلس إدارة الجمعية، وعجزه عن معرفة ما يحدث فيها، لكي لا نقول بتواطئه مع المتهم؟!
وهنا، وبعد صدور هذا الحكم ليس أمام أعضاء مجلس إدارة الجمعية غير التحلي بالمسؤولية والاستقالة من مناصبهم، بعد ثبوت تقصيرهم، ماديا وادبيا، وتسبب إهمالهم في خسارة الجمعية لمبلغ كبير. وان ترددوا في ذلك فما على وزارة الشؤون غير إجبارهم على الاستقالة مستندة إلى حيثيات حكم المحكمة الأخير!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرقي والإنسانية

سبق ان تطرقنا قبل عشر سنوات تقريبا لموضوع هذا المقال، ونعيد كتابته بعد الترحيب الذي لقيه مقال سبقه عن الدرس الحضاري الذي تعلمته من سيدة إنكليزية!
ما ان أقلعت طائرة الخطوط البريطانية من مطار هيثرو، في طريقها لبوسطن، حتى اقتربت المضيفة من مسافرة وسألتها إن كانت قد فقدت شيئا، فنفت هذه ذلك! عادت لها بعد دقيقتين وكررت السؤال وطلبت منها ان تبحث في حقيبة يدها، وأن المطار على اتصال بكابتن الطائرة بهذا الخصوص، وان الإرسال سينقطع خلال لحظات! هنا بحثت السيدة في حقيبة يدها فتبين أنها فقدت محفظة نقودها، وفيها مبلغ نقدي لا بأس به وبطاقات ائتمان أشياء ثمينة ومهمة أخرى! أسرعت المضيفة لمقصورة القيادة، ورجعت بعدها لتخبرها بأن محفظتها عثرت عليها بائعة محل العطور، التي أبلغت الأمن الذي قام بالبحث عنها، وفي أثنائها أقلعت طائرتها، فاضطروا للاتصال بقائدها، وهو في الجو، ليُعلموا المسافرة بالأمر! لم تنته الحضارة هنا، بل استمرت في دراميتها عندما سألت المضيفة المسافرة، وهي تخبرها بأن محفظتها سترسل مع الرحلة التالية، إن كانت تحمل نقودا معها، أو ان احداً بانتظارها في المطار، فعندما نفت ذلك، قالت لها انها ستعطيها مبلغ 100 دولار نقدا لاجرة التاكسي ولشراء أي ضروريات! وفي اليوم التالي حضر موظف من شركة الطيران لعنوان سكن السيدة، وسلمها محفظتها بكامل ما كان فيها من نقد وأشياء ثمينة أخرى! هنا نجد أن الحضارة ظهرت في أجمل صورها من خلال تصرف بائعة شابة، ربما كانت في أمس الحاجة لما كان في المحفظة من مال، وكان بإمكانها الاستيلاء على المبلغ، أو حتى التأخر في إعلام الأمن، وهي على ثقة بأنها سوف لن ترى يوما وجه من نسيت محفظتها، لتقول لها «شكرا»، إن هي ردتها لها، ولا أعتقد انه طرأ على بالها دين ولون ولغة وجنسية من نسيت المحفظة، وهذا ذكرني بفتوى الداعية السعودي الذي حلل الاستفادة من بطاقات الائتمان المسروقة إن كان مصدرها بنكاً ربوياً! كما تجلت الحضارة في سرعة تصرف أمن المطار وتجشمهم عناء الاتصال بالطائرة هاتفيا، بعد الاستدلال عليها من خلال تفاصيل بطاقة صعود الطائرة التي أبرزتها المسافرة عند الشراء من محل العطور، وأخيرا توجت مضيفة شركة الطيران هذا الرقي والإنسانية في التعامل مع «البشر»، بسؤال المسافرة عن الكيفية التي ستصل فيها إلى بيتها، إن لم يكن لديها أجرة التاكسي وتبرعها بمائة دولار، وهو مبلغ كبير جدا في معناه بالرغم من تواضعه! وهنا يطرح سؤال نفسه طرحا: كم نحتاج لكي نصل لهذا المستوى من الإنسانية والرقي في التعامل مع البشر بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية؟

***
• ملاحظة: هذا ليس ملخصا لفيلم هندي، فالمسافرة كانت، ولا تزال، زوجتي، وكان ذلك قبل 25 عاما.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

لا شيء يدوم.. لا شيء!

فاز المناصرون والمنتمون للأحزاب الدينية ومن الجماعات المعارضة «للحكومة» فوزا واضحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهذا ما كان ليحصل لو كانت السلطة أكثر إدراكا للوضع. فوصولهم بهذا الزخم الواضح، وبنسب غير مسبوقة ليس إلا نتيجة أمرين اثنين رئيسيين، إضافة الى أمور ثانوية أخرى، الأول يعود الى فشل الحكومات المتعاقبة، بسبب تخلف المناهج الدراسية، وعلى مدى أربعين عاما، في خلق مواطن ينتمي الى وطن حر ومستقل، وليس منتميا أو منحازا أو حتى متعاطفا مع قبيلته، التي أصبح مجرد الحديث عنها خطا أحمر، أو عن طائفته، وخطها الأكثر احمرارا. وقد أوضح عالم الاجتماع علي الوردي في كتابه عن شخصية الفرد العراقي «والتي أصبحت بسبب سوء مخرجات التربية لدينا صالحة لأن تنطبق على الفرد الكويتي»، كيف يتحول الدين أحيانا في السياق الطائفي الملتهب إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي، وتوصل إلى أن الإنسان العراقي «أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى» (علي الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47). فلو لم يبد المتشددون الشيعة كل هذا الانحياز لطائفتهم، لما اضطر مناوئوهم من المتطرفين السنة إلى وضع خلافاتهم العميقة جانبا والتكتل ضدهم، والعكس صحيح طبعا، فصعب ان نقول ان كانت البيضة قبل الدجاجة أم العكس!
أما الأمر الثاني فيتعلق بفشل الحكومات، خاصة حكومة الشيخ ناصر المحمد الأخيرة، التي بلغ فيها الفساد على مدى سنوات مبلغه، في تحقيق أي إنجاز أو تنمية تذكر. وبالتالي كان طبيعيا نجاح من حاربوها وعارضوها، والدليل فشل، أو عدم ترشح، جميع، إلا واحد، من النواب السابقين الذين خضعوا لاستجواب النيابة، بسبب تضخم أرصدتهم البنكية بصورة مفاجئة!
والآن هل هناك أمل في تغيير الوضع؟ الجواب بنعم صعبة ومشروطة بأمور ثلاثة:
أولا: غربلة المناهج الدراسية بشكل جذري وجعلها أكثر ليبرالية، وأقرب الى العلمانية، وتجسيد الانتماء للوطن قبل القبيلة والمذهب والعائلة.
ثانيا: تطبيق القوانين على الجميع، دون تمييز، وحتى على ابناء الأسرة.
ثالثا: العودة الى الدولة الدستورية، التي أصلا لم توجد إلا لسنوات قليلة! وهذه هي الأكثر صعوبة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أقوال أندي

بعد 92 عاما على وجه الكرة الأرضية، وليس البسيطة، كما يقول البعض، والتي تعني المبسوطة، غادرنا قبل شهرين أندي روني، أحد أشهر المعلقين الساخرين في التلفزيون الأميركي الذي عمل في شبكة «سي بي اس» من 1978 وحتى وفاته بشهر، واشتهر من خلال برنامج 60 دقيقة. كانت ل‍روني قدرة عجيبة على قول كثير في جمل قصيرة لا تزيد على السطرين. وانتشرت اقواله على الإنترنت، وأصبحت جزءا من الثراء الإنساني الأدبي، وكان يسعد كثيرا عندما يسمع الآخرين يرددون جمله، حتى من دون الإشارة إليه، ومن تلك الجمل: تعلمت ان من الأفضل أن اكون رحيما، من أن اكون على حق! وتعلمت ألا أرفض هدية مقدمة من طفل. وتعلمت أنه بصرف النظر عن جدية حياتنا ودورنا فيها، فإننا بحاجة دائما الى صديق. وتعلمت أن الجميع، أو كل واحد منا، في لحظة من العمر، بحاجة الى يد حنون تمسك بيده، وقلب رحيم يتفهمه. وتعلمت أيضا أن الحياة هي كلفافة ورق التواليت، كلما اقتربت من نهايتها أصبحت أكثر سرعة. وتعلمت أن اكون ممتنا لأنني لم احصل على كل ما تمنيته في حياتي. وتعلمت أن الثراء لا يشتري الرقي، وتعلمت أن الأشياء الصغيرة التي تحدث لنا كل يوم هي التي تجعل الحياة رائعة. وتعلمت أن تجاهل الحقيقة لا يمكن لأحد أن يخفيها أو يغيبها. وأن الوقت كفيل بأن يداوي جميع الجروح، وتعلمت أيضا أن من اسهل الطرق لكي أتقدم في الحياة، هو أن أحيط نفسي بأشخاص أفضل مني واكثر علما وخبرة. وأن كل من نقابل يستحق على الأقل ابتسامة منا. وأن لا أحد منا كامل إلى أن نقع في الحب، فنؤمن بكماله! وتعلمت أن الحياة صعبة، ولكني أكثر صلابة منها! وتعلمت أن ليس هناك فرص ضائعة، فما افقده يحصل عليه شخص آخر، وأننا عندما نقبل برسو الحزن على موانئنا، فإن سفينة السعادة سترسو في ميناء آخر. وتعلمت ( وهذا ما لم أتعلمه أنا) أن تكون كلماتي رقيقة ورحيمة، فقد أضطر غدا لمضغها! وأن الابتسامة ارخص طريقة لكي نحسن من مظهرنا!
أكتب هذا متمنيا للجميع حياة سعيدة، ولو أنني أشعر بأن من السهل ترداد مثل هذه الأقوال، من القيام بها، فقد أجريت أخيرا عملية زرع أسنان صعبة ومكلفة جدا، وحاولت أن أريها لكل من أقابل، وأن أعود نفسي على الابتسام، فما استطعت، فقد تشققت اطراف شفتي من الشد المفتعل الذي لم اعتده طوال 60 عاما. وكررت لنفسي القول ان علي ألا أنسى الابتسام، ولكني نسيت ذلك أكثر من مائة مرة في اليوم الأول، فتوقفت عن التصرف ببلاهة، واكتشفت، وربما أكون على خطأ، أن من لديهم، أو لديهن ابتسامات آسرة وجميلة يعود سببها لتركيبة وجوههم، وليس بالضرورة لأنهم قرروا أن يكونوا مبتسمين دائمين!

أحمد الصراف

احمد الصراف

رجاء لوزير الإعلام

احتلت الكويت المرتبة الأولى عربياً في تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود» لحرية الصحافة لعام 2011! فاذا كان هذا صحيحاً، فما هو اذاً حال حرية الصحافة في الدول العربية الأخرى؟! ألا يدعو ذلك للحزن والخجل؟ فان كانت الكويت بكل قيودها وتحفظاتها الأولى، فما هو اذاً وضع السعودية وعمان ومصر ولبنان وسوريا؟
الأمر الجميل، وربما الطبيعي جداً، ان تأتي دولة مثل فنلندا في المرتبة الأولى تليها بالتدريج النرويج واستونيا وهولندا والنمسا وايسلندا ولوكسمبورغ وسويسرا والرأس الأخضر وكندا!! ولو نظرنا لأحوال هذه الدول لوجدنا ان هناك علاقة ما بين تقدمها في مجال الحريات الصحفية وبين تحضرها وسعادة شعبها، وهذا ينطبق حتى على جمهورية «الرأس الأخضر»، التي تقع قبالة سواحل غرب أفريقيا، فتقدم هذه الدول وليبراليتها المتقدمة جعلاها بعيدة عن أي اضطرابات حقيقية، حتى الآن، منذ الحرب العالمية الثانية! مما يؤكد حيادية، وربما دقة تقرير «مراسلون» هو المستوى المتدني نسبياً الذي حصلت عليه الولايات المتحدة، التي نزلت للمرتبة 47، وفرنسا 44، وبريطانيا 28، وألمانيا 18، واسبانيا 39، ومعروف ان منظمة «مراسلون بلا حدود» التي تصدر تقريراً سنوياً حول حريات الصحافة تحرص على الدفاع عن حرية الإعلام في العالم، ومقرها باريس، ولديها مكاتب اقليمية في دول عدة ويعمل معها أكثر من 150 مراسلاً موزعين على القارات الخمس.
ما نتمناه من وزير الإعلام الجديد، والذي يبدو انه أفضل من غالبية من سبقوه بكثير، ليس العمل على احتفاظ الكويت بهذا الترتيب المتقدم و«الحضاري» في مجال حرية الصحافة، بل وتعزيز ذلك في السنة الحالية ما يليها، فحرية الرأي ضرورية للسلام الداخلي، ولصحة وعافية المجتمع، وعندما يتم القضاء على حرية الفكر أو الحجر عليه، فان ذلك يعني القضاء على الرأي العام، وبالتالي تصبح الدولة من غير دعامة، وهنا تكون بداية نشوء الجماعات والحركات السرية المناهضة للحكم ولأمن الدولة وسلامتها ورخائها!
الخيار لكم، معالي الوزير، في هذه المرحلة الدقيقة، وستثبت الأيام المقبلة مدى حرصك على الحريات، وأهمية مكانة الكويت لديك، ونتمنى ألا تخيب آمالنا فيك.

أحمد الصراف

احمد الصراف

من المسؤول؟

ليس هناك أسهل من إلقاء المسؤولية على الآخرين ولومهم على أخطائنا، فحوادث المرور التي نتورّط فيها سببها الآخرون، ووقوفنا في المكان الخطأ سببه عدم وجود أماكن وقوف سيارات كافية، إلى آخر ذلك من أعذار واهية وسخيفة، والغريب أنه عندما يتهم شخص بالسرقة يتعلل بأنه لو لم يقم بذلك لقام غيره بتلك السرقة، أو أن الجميع يسرقون ولم يُقبض على أحد، فلمَ هو بالذات؟ وينتاب الكثيرين شعور بالاضطهاد، أو بأنهم ضحايا مؤامرة من آخرين أو من النظام، وأنهم معتدى عليهم، وأن البعض يتجنى عليهم ويخطئ في حقهم، ويسعى لوقف تقدمهم!
ما لا يعلمه هؤلاء هو أننا عندما نلقي باللائمة على الآخر، فإننا نظهر ضعفنا وقلة حيلتنا، ففشل مدير شركة في عمله يدفعه أحياناً إلى إلقاء اللوم على مساعده مثلاً، وهذا يعني بصورة مباشرة أن مساعده هو الذي يدير الشركة بصورة فعلية، وهو بالتالي أقوى منه! ويلجأ آخرون إلى وضع اللوم على أمور غير حسية كالطقس أو جهاز الكمبيوتر البطيء، أو الغبار أو البيت غير المريح أو عطل السيارة، أو حتى إلقاء اللوم على القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية! ومن شروط النجاح في الحياة التوقف عن لوم الآخرين أو الظروف السيئة، ويقول أحد المتخصصين في بحث على الإنترنت إن هناك خمس خطوات يمكن اتباعها للتوقف عن لوم الآخر، أو الظروف، ومن ثم تحمّل مسؤولية تصرفاتنا، فأولاً علينا رسم أربعة أعمدة على ورقة، ندوّن في العمود الأول جميع المشاكل التي نلوم الآخرين أو الظروف عليها، كأن ندّعي عدم القدرة على وقف التدخين بسبب الإدمان على النيكوتين، ثم نبيّن في العمود الثاني كيف يمكننا تحمّل مسؤولية أعمالنا وتصرفاتنا، بالاعتراف بأننا أصبحنا مدمنين بإرادتنا، وفي الثالث نبين ونحدد كيف يمكننا أن نشعر بمسؤولية أكبر عن تصرفاتنا ورفض تحميل الآخرين مسؤوليتها، وأن نتعهد بأن نكون أكثر إصرارا على وقف التدخين، وأخيراً نسجل في العمود الرابع الخطوات التي يجب القيام بها قبل الإقدام على تصرف لا نودّ القيام به، كأن نقرر السير ربع ساعة، فور شعورنا بالرغبة في تدخين سيجارة.
إن اتبعنا هذه الخطوات فسيصبح تحكّم الآخرين أو الظروف فيها أقل، كما سنجد أن الظروف المعيشية السلبية حولنا أصبحت أقل سيطرة علينا، وأخف إرباكاً من قبل، وأن قدراتنا على اتخاذ القرار أصبحت أفضل، وسنجد أن تأثير الآخرين فينا أصبح أقل بكثير.

أحمد الصراف