احمد الصراف

«سستر» وجيهة

التقيت بوجيهة قبل 5 أو 6 سنوات تقريبا، كان ذلك اثناء انشغالي مع وبجماعة «براهما كوماري» الهندية، التي أصبحت لفترة لصيقا بها، ولا أزال أكن للمنتمين لها والعاملين بها كل محبة واحترام، بعد ان تشبعت من جميل افكارهم ما كان بمقدوري تقبله. ولو وجدت كلمة يمكن أن أصف بها «وجيهة الحبيب» التي تركتنا قبل ايام بكل محبة الى الأبد، لتنافست كلمتا «الهدوء والتسامح» في وصفها، فقد كانت تأكل بهدوء وتشرب بهدوء وتتحدث وتناقش بهدوء، وتصلي صلاتها بهدوء، وتختلف معك بهدوء، ولا تسمع، أو حتى لا تتخيل سماع شيء يسيء لأحد، فتسامحها كان مضرب المثل، وهدوؤها كان يمتص كل القضايا والمشاكل التي كانت تواجهها هي و«جماعتها»، وهم في خضم الاستعداد لهذا الحفل أو تلك الخلوة، داخل الكويت او خارجها. وبالرغم من النهر الصغير الذي كان يفصلني فكريا عنها، ويجعلنا نختلف أحيانا، والذي تحول مع الوقت الى محيط، فإنها بقيت أكثر من لطيفة، الى درجة الروعة، معي، ولا أعتقد أنها كانت تبتغي شيئا مني، وحتما لم تكن تتصنع التسامح في نقاشها ولا الهدوء في تقبل اختلافي معها.
ومن واقع معرفتي أعلم أن وجيهة الحبيب، التي فارقتنا في مبكر عمرها الخلاق، قد أثرت في حياة الكثيرين ممن استمعوا لها محاضرة وأختاً ومترجمة ومربية، وهي تناقش وتتكلم في قضايا المحبة وقبول الآخر، وأعلم أن «نفسها» وكلمتها الهادئة قد لامستا شغاف قلوب الكثيرين، وخاصة الذين كانوا بحاجة لسماع ما يريح ويطمئن، فقد كانت حاضرة دائما، بالرغم من كل ما كانت تعانيه من آلام، ولا أعتقد أن شيئا ساعدها في تخطي هول اللحظات الأخيرة من حياتها أكثر من ايمانها بأن محبتها في قلوب الكثيرين ستساعدها في عودة «روحها» لهذه الحياة بشكل او بآخر.
سلام عليك يا سيدتي يا من كنت أختا وأما وشقيقة وصديقة للكثيرين من دون جهد ولا منة ولا عناء، وأن كنت رحلت عن دنيانا فإن محبتك لم تتركنا، فهي باقية ما بقيت ذكراك.
***
ملاحظة: اليوم (الخميس 23 فبراير الجاري)، من 7 الى 9 مساء، يقيم «مركز التأمل» تجمعا في فندق «جي دبليو ماريوت»، للتحدث عن المرحومة وجيهة الحبيب ودورها الايجابي في حياة الكثيرين. وقد فاضت قريحة الصديق عبدالمحسن مظفر بالأبيات الشعرية التالية:
«اني حزين على انسانةٍ
رحلت عن دارنا لديار الخلد والنعم
انسانةٍ صدقت فيما تقدمه للناس من حولها باللطف والكرم.
وجيهةٍ في محياها وطلعتها
حبيبةٍ لذوي الآمال والهمم.».

أحمد الصراف

احمد الصراف

كيف نعكس الاتجاه؟

من المؤكد ان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة كانت مفاجأة للكثيرين، ولكنها كانت برأيي نتاجاً طبيعياً لسنوات من «القهر التعليمي» الذي صب لأربعة عقود في اتجاه واحد، ليأتي بنا لهذا الوضع البائس. ولا اعتقد ان السلطة، بما عرف عنها من تسامح ديني، وميل للانفتاح، سعيدة بهذه النتائج، وهي تعلم انه ليس بامكانها تغيير الوضع في المستقبل القريب بقرارات رسمية، وحتى بغير ذلك بفترة زمنية قصيرة، وليس أمامنا، أو امامها غير اتباع ما اتبعته تلك القوى للوصول الى ما وصلت اليه، وان باتجاه معاكس، أي عبر المناهج الدراسية، و«إعادة» تشكيل العقلية الكويتية، المنفتحة اساسا، والتي جعلتها المناهج اكثر انغلاقا ورفضا للآخر، وميلا لقبليتها وطائفيتها! علما بانه كان بالامكان تجنب الوصول لهذه المخرجات الانتخابية السيئة في اغلبها لو كان «مستشارونا» يقرأون! فما مرت به الكويت، والكثير من دول الربيع العربي، سبق ان مرت به ليبراليات أوروبية عريقة، وتعلمت من تجاربها ان تغيير العقليات، ومحاربة الكنيسة، ليسا بالأمر الهين، وهنا نرى انه ليس امام السلطة، وليس الحكومة، ان ارادت اصلاح الاوضاع ووقف تكرار وصول المتشددين والغلاة لسدة التشريع، غير اتباع الأمرين التاليين، علما بانه لا مجال للمقارنة بين امكانات وقوة التيار الديني بامكانات التيارات الليبرالية (ان وجدت)، المادية والتنظيمية:
أولا: إحداث نقلة نوعية في المناهج الدراسية، تعيد المواطن المختطف قبليا ومذهبيا لوطنه.
ثانيا: دعم وتنمية مؤسسات المجتمع المدني، وفتح المجال لتأسيس تنظيمات أكثر ليبرالية، ودعمها ماديا في مواجهة جمعيات دينية يعود تاريخ البعض منها لأكثر من 60 عاما، وبتصرفها شبكة اخطبوطية من المصالح المادية والتجارية.
ومن دون ذلك فان التيار الديني سيزيد من قوته مع الوقت، وسيعود كل مرة بزخم أكبر، وحينها لن يتوقف طموحها عند تعديل المادة الثانية من الدستور بل ستتعداها لما هو أكبر واخطر!

***

• ملاحظة:
ألا يعني فشل التيار الليبرالي في ايصال مرشحيه للبرلمان فشلها؟ وإن صح ذلك، وهو صحيح، فلم لم يعترف احد بهذا الفشل، او يستقل، ولو صوريا، لافساح المجال لدماء جديدة؟

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

فرنسا والأرمن

لا يميل البعض للفرنسيين، لعنجهيتهم أو لأسباب أخرى، إلا أنهم شعب مبدع وخلاق، ولهم إسهامات لا يمكن نكرانها في مجال التشريعات ونشر مبادئ الحرية والمساواة. ويقال إن الفرق بين الفرنسي والإنكليزي، وخاصة أيام الاستعمار، أن الأول يدخلك بيته وناديه، ويتساوى معك في كل شيء، شريطة أن تتكلم لغته. أما الإنكليزي فلا يبالي إن تحدثت بلغته أم لا، فهو لا يجبرك على ذلك، ولكنه لا يقبل بك ندّاً له، ويرفض إدخالك ناديه، أو مساواتك بنفسه، وهنا نجد أن الشعوب التي استعمرتها فرنسا تتكلم الفرنسية غالبا، وعكس ذلك في المستعمرات البريطانية. مبادئ الحرية والمساواة الفرنسية دفعت فرنسا كذلك إلى منع طلبة المدارس من استخدام أو لبس أي رموز دينية، كالنقاب والحجاب وتعليق الصلبان أو ارتداء القلنسوة اليهودية. كما سبقت فرنسا العالم في تشريع منع المرأة المنقبة من التواجد في الأماكن العامة. وفي يناير الماضي أقرّت فرنسا قانونا يجرّم إنكار حقيقة تعرّض الأرمن للإبادة الجماعية في مطلع القرن الماضي على أيدي العثمانيين، علما بأن قانون العقوبات التركي يجرّم كل من يؤكد وقوع مثل هذه الإبادة الجماعية على أراضيها! وقد دفع عدد من مثقفي تركيا ثمنا غاليا لمعارضتهم هذا القانون. وقد أقرّت فرنسا هذا التشريع بالرغم من تجميد أنقرة لتعاونها العسكري والسياسي معها، وأنكرت أن صدور القانون كان لترضية الناخبين من أصل أرمني، فوجود 500 ألف منهم يقابله وجود 600 ألف تركي فيها، ثلثهم فرنسيون! كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقارب 15 مليار دولار، ولا يمكن لدولة كفرنسا بملايينها الستين الانحياز لبضعة آلاف صوت على حساب مبادئها، علما بأن القانون عرّض استثمارات شركات فرنسية كبيرة في تركيا للخطر، وقالت فرنسا إن تركيا عليها إنهاء الموضوع والاعتراف بالإبادة، التي تشهد لها بادية الشام وعشائرها الذين آووا الأرمن عام 1915 في دير الزور والشدادية والرقة والحسكة وغيرها. ويذكر أن 22 دولة في العالم قد اعترفت بالإبادة العرقية للأرمن، منها روسيا ولبنان و41 ولاية اميركية و9 منظمات دولية. ويتهم الأرمن الأتراك بقتل ما يصل إلى 1.5 مليون، منهم بين عامي 1915 و1916 عبر مخطط إبادة جماعية على أيدي «حزب الاتحاد والترقي»، الذي كان يهدف إلى توحيد الدول التي تنحدر شعوبها من أصول تركية في آسيا الشرقية وربطهم بالسلطنة، بدلاً من التوجّه نحو العرب شرقاً. وترفض تركيا استخدام عبارة «إبادة»، واصفة ما حصل بالأحداث الناتجة عن مخطط نقل الأرمن من هضبة أرمينيا إلى البلاد العربية، عقابا على تعاونهم مع الروس ضد السلطنة، وأن عدد الضحايا لم يزد على 300 ألف شخص(!)، وأنهم وقعوا في أعمال خطف وسلب على طريق القوافل من قبل عشائر تركية وكردية وعربية! ويقول أحد الأطباء إنه لاحظ وجود الكثير من الجينات الأرمنية لدى أبناء القبائل العربية، وخاصة في منطقة شمال الجزيرة، خاصة أن الكثير منهم يحملون ملامح واضحة تؤكد ذلك نتيجة حالات التزاوج الكبيرة التي حدثت إبان وقوع المجزرة وتشرد الأرمن بين المدن والقرى والصحاري العربية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حلول سلفية لأزمات اقتصادية

يعتبر أبو اسحق الحويني نجما تلفزيونيا، شهيرا، وله عدة برامج تلفزيونية وحضور ومئات الإطلالات على أكثر من قناة تلفزيونية، كما يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال أحاديثه وفتاويه، التي ساهمت بفاعلية في نجاح الكثير من أعضاء البرلمان المصري الجديد، وخاصة من السلف. ولد الحويني عام 1956 في قرية حوين في مصر، وكان والده متزوجا من ثلاث نساء، وتلقى تعليما عاديا قبل أن يستقر في قسم اللغة الاسبانية في جامعة عين شمس، وليسافر إلى اسبانيا مع طموح وأحلام، ولكنه عاد منها غير راض. ويقال ان حياته انقلبت بعد قراءته لكتاب للداعية «الألباني»، ولم يكن لديه قبلها أي اهتمامات بـ«العلوم» الشرعية، ومطالعته للكتاب بيّنت له ان ما يفعله الناس في الصلاة وما ورثوه عن الآباء يخالف السنة الصحيحة! ومناسبة الحديث عن أبو اسحق تأتي من الأهمية التي أصبح هو وغيره من الدعاة السلفيين يمتلكونها، وأنه من الفئة التي ستحكمنا، وإن بطريقة غير مباشرة، في المقبل من الأيام، وبالتالي سيؤثر فكرهم في حياتنا، شئنا أم ابينا.
ولمعرفة «خطورة ما يدور في رأس مثل هؤلاء» تعالوا نقرأ نص حديث تلفزيوني للحويني يشرح فيه الطريقة التي ستعالج بها الحركة السلفية الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر وغيرها.
يقول الحويني: «.. نحن في زمان الجهاد، والجهاد في سبيل الله متعة، والصحابة كانوا يتسابقون عليه، والفقر الذي نحن فيه سببه اننا تركنا الجهاد، ولو كل سنة نغزو مرة أو مرتين وثلاثاً فسيسلم ناس كثيرون في الأرض، والذين يرفضون هذه الدعوة نغزوهم ونقاتلهم ونأخذهم أسرى، ونأخذ اموالهم وأولادهم ونساءهم، وكل هذه عبارة عن حلول، فكل مجاهد سيعود من الجهاد و«جيبه مليان»، وسيرجع ومعاه ثلاث أو أربع من الرقيق، وثلاث أربع نسوان، وثلاث أربع اولاد(!)، ولو ضربنا كل «راس» بـ 300 درهم أو دينار سنجد عندنا مالية كويسه! مقابل ذلك لو ذهبنا للغرب للعمل هناك أو لصفقة تجارية، فعمرنا ما نحلم بالأموال دي، وكلما صعبت أحوالنا نأخذ «راس» ونبيعه ونفك ازمتنا (المالية)»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

آلام خالد

يقول صديقي خالد: ذهبت الى أميركا قبل 40 عاما للدراسة، وفي المدرسة الداخلية حددوا فصولنا وسكننا وضرورة حضور قداس الأحد. أخبرني المشرف بأنني معفى من القداس لاختلاف المعتقد، فقلت له بأنني كتابي مؤمن، ولا شيء يمنع دخولي الأبرشية. اعجبهم موقفي المتسامح، وكنت حينها أعرف ما يكفي عن الدين، وأن اسلافي، عندما فتحوا الشام والأندلس، لم يهدموا كنيسة ولم يقتلوا قسيسا! بعدها باشهر قليلة حلت أعياد الميلاد ورأس السنة، واحترت الى أين اذهب لأسابيع ثلاثة والسكن مغلق، والوطن بعيد؟ ولم اعلم أن إدارة المدرسة رتبت استضافة ثلاث أسر أميركية لي، وهكذا كان. كانت تجربة أكثر من جميلة. بعدها بشهرين حل شهر رمضان، فأخبرت الأستاذ المسؤول بأنني لن اشارك البقية في تناول وجبات الطعام، وأن ديني يفرض علي الصيام لشهر كامل، وسأكتفي بسندويتشة في السحور، ومشاركتهم الافطار. واعتقدت بأنني سأترك لحالي، ولكن الأستاذ أخذني للشيف وشرح له وضعي، فقرر هذا، على الرغم من اعتراضي، أن يقوم بتحضير وجبات خاصة لي طوال الشهر، وقد قدرت له ذلك كثيرا، لعلمي بما يعانيه من جهد غير عادي منه، خاصة أن لا علاقة تربطني به. بعدها اصبح الجميع يتقبل وضعي ويزداد فضولهم لمعرفة ما سأقوم به بعد صيام شهر، فأخبرتهم بعاداتنا في العيد والتقاء الأهل في بيتنا الكبير وقيام كبار العائلة بتوزيع الهدايا النقدية علينا، ومشاعر الفرح بصيام الشهر وتناول أول وجبة غداء بحضور الجميع. وفي اليوم الأخير من شهر رمضان، فاجأني بعض أصدقائي بإيقاظي من النوم في الرابعة فجرا، والطلب مني مرافقتهم لبيت المشرف، وهناك استغربت الأمر، خاصة ان البيت غارق في الظلام، وما ان فتحت الباب حتى فوجئت بالأنوار تضاء والجميع بالداخل يصيح بصوت واحد «عيد مبارك»! عقدت المفاجأة لساني ولا أدري ما تمتمت به من كلمات شكر وتقدير، فقد اختاروا وقتا مزعجا جدا بالنسبة لهم، وغاليا ومهما بالنسبة لي، وهو موعد العيد في الكويت نفسه، مع فارق الوقت! وهنا ايضا اذهلني اخلاصهم وتقديرهم لما يعنيه العيد بالنسبة لفرد مسلم وحيد، فشكرتهم على محبتهم، وكيف أنهم فضلوا جميعا تهنئتني على هناء النوم في فراش دافئ! وهنا قادني مشرف الدار للهاتف، وقال إن بإمكاني إجراء مكالمة خارجية والتحدث مع أهلي لعشرين دقيقة مجانا، وأنهم شاركوا جميعا في تغطية تكلفتها، فنظرت اليهم بامتنان ولا أعتقد أنني رأيت وجه أحد منهم، فدموع الشكر كانت تغطي بصري، فقد كنت ساعتها أشعر بحنين جارف لسماع صوت والدي واخوتي في تلك المناسبة السعيدة، وكنت أعلم ما يتكلفه الأمر من جهد ومال لإجراء مكالمة صعبة مع الكويت!
تذكرت كل ذلك اليوم وأنا أطالع الصحف، وأتذكر عشرات المساجد التي بناها أهلي وأبناء وطني في العديد من الدول ومنها لبنان وبريطانيا، والتي لم يطالبنا أحد يوما بهدمها، وشعرت بحزن شديد وأنا اقرأ مطالبة ذلك «النائب» بهدم كنائس المسيحيين في الكويت، وتمنيت أن أتواصل مع مدرسي تلك المدرسة وأصدقائي فيها، وأعتذر لهم عما فعله السفهاء منا بحقهم!
التوقيع: خالد عبداللطيف الشايع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

معجزاتنا الكبرى

مع كل يوم يمر وكل تصريح يصدر عن أعضاء مجلس الأمة الجدد، أشعر بأن الأمور بخير، وأن ليس أمام هؤلاء غير إلهاء أنفسهم بتوافه الأمور وقشور القضايا ومضايقة الناس والتسلي بالحجر على حرياتهم، وعاجلا أم آجلا سينكثون بكل وعودهم، فليس هناك شيء دائم، والحرية ستنتصر، والإخاء سيسود، والعدالة ستجد طريقها في النهاية، لامحالة، وبالتالي لا شيء يدعونا، نحن الأقلية الواعية، للقلق من اختيارات الأغلبية النائمة، فيوم صحوهم قريب، فهؤلاء ليسوا غير «ظاهرة صوتية»، فإخوان مصر ومن نسخ عنهم وتبعهم الذين اليوم هم القوة الأكبر على الساحة، لم يستطيعوا طوال 83 عاما من فعل شيء يمكن النظر اليه بفخر، فهم، وعبر سلسلة مرشديهم لم يضعوا يوما أي برامج صحية أو تعليمية أو توعوية يمكن الاستشهاد أو الإشادة بها، ولم يقوموا بفعل خير ما لم ينته لمصلحتهم وقنوات مصالحهم، واثناء انشغالهم بتحقيق طموحهم للوصول إلى الحكم نسوا أو تناسوا فعل شيء، والآن وقد وصلوا فإن الصراع على الشهرة والسطوة والسلطة سيقضي على كبار كبارهم أولا، وسيتولى الطمع المادي والفساد السياسي أمر القضاء على قواعدهم، فالسلطة مخربة، وقلة فقط استطاعت عبر التاريخ مقاومة مغرياتها المدمرة، وسنرى قريبا كيف سيتقاسمون المناصب بينهم ويوزعونها على ذويهم، ولن يكون هناك مكان للرجل الصالح في المكان الصالح، إن لم يكن منهم ومن اذنابهم، وما أكثر هؤلاء. وإن فشلوا، وهذا برأيي أمر لا مناص منه، فسيضعون اللوم، كسابقيهم على الصهيونية والاستعمار، ولن يلام بالطبع «الاستحمار»! وفي هذا الصدد صرح محمد حسان الداعية السلفي الأشهر في مصر، والمرشح لمنصب رئيس الجمهورية، بأن مصر ليست بحاجة لمبالغ المعونة الأميركية، وأن بإمكانه طلب التبرعات وجمع مليار و300 مليون دولار خلال فترة بسيطة، يعوض بها استجداء مصر لأميركا! ومادام الأمر بهذه السهولة، فمن الذي منع الداعية الفاضل صاحب أكبر وأغرب لحية في مصر، من الإقدام على هذا الأمر الطيب والخير، أليس من الأفضل جمع المبلغ أولا، وقطع المعونة تاليا، أم نقطع المعونة لنكتشف بعدها ان الحاج حسان لم يستطع جمع غير مليون جنيه مصري، وكلامه لم يكن سوى لغو في لغو؟
ملاحظة: صرح السيد زغلول النجار، خريج الجيولوجيا، والغارق الأكبر بقضايا الإعجاز، والشروح والتفاسير، بأن «الربيع العربي» هو من علامات الساعة، وأن اليهود يستعدون للمعركة الفاصلة مع المسلمين!
ولو علمنا بأن عدد اليهود في إسرائيل يبلغ 5 ملايين، وعدد المسلمين مليار و300 مليون على الأقل، يتوزعون على 50 بلدا، لعلمنا مدى خطل مثل هذا الكلام من شخص يبيع آلاف الكتب سنويا في علوم لا يفقه بها احد غيره!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشرف القاتل

لأسباب تربوية بيئية وموروثات عقائدية، يرتبط الشرف في مناطق معينة بصورة مباشرة بالأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، وبالتالي لا علاقة للكلمة، كما هي الحال مع غيرهم بالسلوك الحسن والصدق والأمانة والغيرة على الوطن، وشرف الكلمة وغير ذلك. يبدو أن هناك من يعتقد أن لا أحد في العالم يعرف معنى الشرف، ويتفاعل معه «إيجابيا» مثلنا، وإننا على استعداد لقتل فلذات أكبادنا لمجرد الشك في «سلوكهم». وقد ارتكبت العديد من جرائم الشرف بحجة «غسل العار»، وخاصة في الأردن وافغانستان وباكستان، بسبب تسامح قوانينها مع مرتكبيها، كما تنتشر هذه الجرائم بين مهاجري هذه الدول إلى الغرب. والغريب أن ما تظهره التحقيقات في أحيان كثيرة من براءة الضحية من أي فعل جنسي، لم يخفف من وتيرة ارتكاب هذه الجرائم البشعة، وبالتالي القتل سيستمر طالما كان المجتمع متخلفا، وكانت قوانينه متسامحة مع مرتكبيها، فقضاء بضعة أشهر في السجن تضمن سمعة «رجولية» دائمة. وفي حادثة مرعبة هزّت الضمير الإنساني جرت محاكمة ثلاثة مهاجرين أفغان إلى كندا، لإقدامهم على نحر ثلاثة أفراد من عائلتهم، فقد قامت توبا محمد يحي، (42 عاما)، بالتعاون مع زوجها محمد شافيا (58 عاما)، وابنهما حامد، (21 عاما)، بقتل زينب (19 عاما)، ساره (17 عاما)، وجيتي (13 عاما)، وهن بنات محمد شافيا من زواج سابق، في جريمة شرف. ووقف والد الفتيات الثلاث في المحكمة متفاخرا بأنه أقدم على أمر حسن، ولو مات وعاد للحياة مائة مرة لفعل الأمر ذاته! وتمنى أن ينجس الشيطان قبور بناته. وقد كان لكلماته وقع مؤلم على الحضور والمحكمة، وحاول محاميه التخفيف من حدة أقواله بأنها من «عادات وتقاليد» الأفغان، ويجب ألا تترجم حرفيا. وقد تبرعت شهرزاد موجاب، البروفيسورة في جامعة تورنتو، بتحليل تصرف واقوال شافيا، قائلة ان في بعض الأسر يعتبر الحفاظ على «الشرف»، (الجنسي)، أكبر أهمية من الحياة، وأن هناك فرقا بين القتل لاسترداد الشرف وبين العنف ضد النساء!
وفي بحث نشر على الإنترنت، لا أعرف مدى دقته، ورد أن تعبير «القتل من أجل غسل العار» استخدم لأول مرة في الغرب في هولندا عام 1978 للتفريق بينه وبين القتل بسبب الثأر. وتصف «هيومن رايتس ووتش» القتل من أجل الشرف بأنه تصرف انتقامي يقوم به عادة فرد ذكر ضد قريبة انثى بتهمة جلب العار لعائلة، إما لرفضها الزواج بمن اختارته لها، أو لتعرض الفتاة لاعتداء جنسي، حتى ولو لم يكن لها خيار فيه، أو طلبها الطلاق، أو اقدامها على الخيانة الزوجية، وجميع هذه الأسباب تكفي لتعرضها لعقاب شديد، والقتل غالبا. ويمكن أن يتعرض الذكور للقتل بسبب الشرف أيضا، وهذا ما يتعرض له المئات كل عام من الجنسين، في باكستان وحدها. ويقول شريف كنعانة ــ المحاضر في جامعة بيرزيت، في الضفة الغربية، إسرائيل ــ ان القتل من اجل الشرف موضوع معقد وعادة قديمة تضرب جذورها في تاريخ المجتمعات العربية الرعوية والرحل، وأن القتل لا يكون لأسباب جنسية بقدر تعلقه باستيلاء الغير على «أداة» صناعة الرجال، ورمز الخصوبة في المجتمع!

أحمد الصراف

احمد الصراف

يا صاعدين المصاعد

لسبب لا أعرفه وجدت نفسي في أكثر من مناسبة في مصعد معطل، خاصة في بيروت، بسبب استمرار انقطاع التيار الكهربائي فيها، وفي مصر، بسبب قدم عماراتها ومصاعدها، وفي الكويت مرة واحدة، لسبب لا أعرفه، ولكني أعرف أن %90 من مصاعدها تفتقد شروط السلامة! وعندما يتعطل بك المصعد فقد تكون وحيدا، أو تجد معك من يخفف الوحشة عنك، والمثل الشعبي يقول «حشرة مع الناس عيد»، ولكن الآخر قد يكون سببا في ارتباكك وإصابتك بقلق شديد، أو أن تكون أنت سببا في قلق الآخرين، خاصة أن عدد المصابين برهاب الأماكن المغلقة أو المرتفعة، ليس بالقليل، وهذا ما عرفته مؤخرا، وهؤلاء لا يمكن أن تعرف مرضهم إلا متأخرا، فهم عادة لا يظهرون خوفهم للملأ، وبالتالي من الأفضل، أن يتعطل بي المصعد وليس معي أحد، فتجاربي السابقة لم تكن سارة ابدا، فعدم وجودهم يدعو أكثر الى محاولة التصرف بمنطقية أكثر، في غياب الصراخ وطلب النجدة والتعرق الشديد، والضرب على باب «الأسانسير» وغير ذلك من التصرفات التي لا قدرة للمصاب بالرهاب على التحكم بها.
ولكن أن حدث ووجدت نفسك محبوسا في مصعد معطل، فأول شيء يجب تذكره هو الاحتفاظ بهدوء الاعصاب، فليس هناك أسوأ من الشعور بالارتباك والاقدام على تصرف خاطئ. وعليه يجب أولا المحافظة على الهدوء والتفكير في طريقة مناسبة للاتصال بقريب أو صديق أو البحث عن رقم حارس المبنى أو شركة صيانة المصعد بداخله. كما ان بعض المصاعد تزود بخط هاتف «حار».
ثانيا، إن تعرض المصعد لعطل خطر، وبدا هبوطه بسرعة، دون ضابط، فعليك الضغط فورا على ازرار جميع الطوابق، فهذا سيشغل المصدر الاحتياطي للكهرباء، وسيساعد ذلك في توقف المصعد عند أحد الطوابق.
ثالثا، تمسك بقوة بالمسكات الموجودة في المصعد، وهذه لا تتوافر عادة في المصاعد الرخيصة الثمن، وتمسكك سيساعدك في حفظ التوازن والتخفيف من قوة الصدمة.
رابعا، اسناد الرأس والظهر إلى أحد جوانب المصعد، ووضعهما في خط مستقيم، وهذا سيحمي العمود الفقري إلى درجة كبيرة، مع ثني الركبة قليلا للتخفيف من قوة الصدمة على صابونتي الركبتين.
هذه معلومات بسيطة قد ينتج عن حفظها واتباعها في وقت الحاجة إنقاذ حياة عزيز، وبالتالي يرجى اطلاع ابنائكم واحبائكم عليها. ونطالب الإدارة العامة للإطفاء، والدفاع المدني، وهي جهات لم تشتهر أصلا بادائها الجيد بسبب ترهلها وظيفيا، وكونها «مقبرة للكفاءات، الاهتمام ولو قليلا بمواصفات المصاعد المستخدمة، خاصة في المباني القديمة أو السيئة المصنعية، فغالبيتها تفتقر الى أدنى درجات السلامة!

أحمد الصراف

www.kalamanas.co

احمد الصراف

قيامة أحد الدعاة

ربما نكون، بخلاف غالبية شعوب الدنيا، الأكثر نقداً للإنترنت واستخداماً له في الوقت نفسه، ولكنه أصبح مؤخراً، وفي منطقتنا، أداة تجهيل وعبث، بدلاً من وسيلة اتصال شبه مجانية ورافد عظيم للمعرفة! ومن بين مئات الرسائل التي تردني يوميا هناك رسائل غاية في الخطورة من ناحية قوتها التجهيلية، تبين بوضوح الفرق الشاسع بين طبقات المجتمع في فهمهم وتقبلهم للدين، بين كونه دينا للعبادات، أو أداة إلهاء وإرهاب وتعمية، ويختفي التساؤل متى ما عرفنا ما يحققه مؤلفو هذه الكتب من ثروات، متى ما وضعوا هذا الكلام ضمن دفتي كتاب، أو قالوه في خطبة ما، فهناك مثلا من يصف عذاب القبر، وآخر يتكسب من تفسير أحلام الجهلة والمرضى النفسيين، ومن يصف أحداث يوم القيامة، وما بعد بعد يوم القيامة، بتفاصيل وشروحات وصور توضيحية خيالية إلى أقصى درجة، ومثال ذلك كتاب لأحد الدعاة مكون من 600 صفحة! والمؤلم أن غالبية أو جميع من يدّعون العلم بأحداث يوم القيامة يصرّون على أنهم استقوا ما في كتبهم من «علم» من كتب مؤرخين إسلاميين، ولا يترددون، دون خجل، من التربح من مجهود غيرهم الفكري، على تواضع مادته، وهم بذلك يتربحون بسبب عدم رغبة الكثيرين في أن يجهدوا أنفسهم في البحث والقراءة، وهذا ربما يعذرون فيه، ولكن قارئي كتب هؤلاء يصرون في الوقت نفسه على عدم الارتفاع بتفكيرهم لمستوى طفل في العاشرة من عمره، ورفض تصديق كل ذلك الكم من الخزعبلات التي تتضمنها كتب هؤلاء، والتي لا يقولها دين ولا يقرها عقل!
وفي رسالة على الإنترنت لاقت رواجا كبيرا، يتحدث كاتبها بتفصيل ممل عن الكيفية التي سيموت فيها كبار الملائكة، نقلا عن كتاب «بستان الواعظين ورياض السامعين» لابن الجوزي، حيث يتطرق لأحداث يوم القيامة، بعد نفخ «إسرافيل» في الصور النفخة الأولى فتستوي الأرض من شدة الزلزلة، فيموت أهلها جميعا، وبعد موت ملائكة السموات السبع والحجب والسرادقات والصافين والمسبحين ‏وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيين(!) ويبقى جبريل وميكائيل واسرافيل ‏وملك الموت! ثم يصف الكاتب كيف قبض ملك الموت أرواح الملائكة الثلاثة الكبار، وكيف بكوا طالبين من الله أن يهوّن عليهم سكرات الموت! ثم يأتي دور ملك الموت نفسه، فيقول الله (كما في الرواية): وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة، لولا أن الله أمات ‏الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته، فيموت‏. ثم يخرج الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: يا دنيا أين أنهارك؟ أين أشجارك؟ وأين عُمَّارك؟ أين الملوك وأبناء ‏الملوك؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي ‏وعبدوا غيري؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد،‎‏ ‏فيرد الله عز وجل فيقول: الملك ‏لله الواحد القهار (!!) والحقيقة أنني لن أصاب بالدهشة إن اكتشفت أن هذا ما يتم تعليمه لطلبة الكثير من المدارس المؤدلجة، أو الذين يتم تحضيرهم للقيام بمهام انتحارية، فمن يقرأ هذا الكلام ويصدّقه يهن عليه القيام بأي أمر وفعل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تقرير «هيومن رايتس» الجنسي

أعتقد، كإنسان عادي، وربما عاقل، بأن ليس لدي ما اخجل منه من الناحية الجنسية، ولو كانت ميولي مخالفة لميول الغالبية لما ترددت في الاعتراف بذلك، فليس هناك سبب لدفعي للكذب بهدف إخفاء أمر فزيولوجي لا خيار لي فيه! أكتب ذلك لمنع السفهاء من الغمز من قناة ميولي الجنسية، فاهتمامي بمشاكل المثليين ومعاناتهم مع مختلف السلطات الدينية والطبية والأمنية نابع من إنسانيتي، علما بأنني حتى اللحظة لا أعرف أحدا من هؤلاء، ولا أعرف غير من هم على اتصال بي إلكترونيا، دون اسم أو وجه!
معاناة المثليين في الكويت أمر متوقع، فهم ينتمون إلى مجتمع متخلف من جهة، وكاذب ومنافق من جهة أخرى، وذلك بسبب تكوينه العقائدي الذي لا يسمح له بالتصدي لمثل هذه الظواهر، ولا التعامل معها بطريقة منطقية، وما ينطبق على الكويت ينطبق بالقدر نفسه تقريبا على غالبية المجتمعات العربية. فنحن على غير استعداد للاعتراف بمشاكلنا وقضايانا الجنسية، والتصدي لها بالمناسب من الحلول، بل نحاول دائما، كما فعلنا لقرون، طمسها وخنقها، بتجنب الحديث عنها، أو اطلاق تسميات مضحكة عليها.
تقرير «هيومن رايتس ووتش» الأخير عن معاناة المثليين، خصوصاً المتحولين جنسيا، في الكويت غير سار أو مشرّف أبدا، بل ومخز إنسانياً ويبين مدى الإجحاف والظلم الذي يتعرض له هؤلاء، والذي يصل لدرجة الابتزاز المادي والضرر النفسي والجسدي وحتى الاعتداء الجنسي، وخاصة من قبل بعض رجال الأمن بعد إلقاء القبض على هؤلاء، بسبب تشبههم بجنس غيرهم، ورفض الاعتراف بشهاداتهم الطبية، التي تشهد بتحولهم جراحياً لجنس آخر، او حتى ادراج تلك الشهادات الرسمية في ملفات قضاياهم، التي تثبت أن تحولهم جنسي!
إن هذا الوضع المخزي لا يمكن معالجته بغير التعامل معه بجرأة ووضوح، من خلال الاعتراف بوجود المشكلة ووضع الحلول العملية لها، فالحلول التي ينادي بها الغلاة والمتخلفون غير إنسانية وغير قابلة للتطبيق، ولا تصب إلا في نفي هؤلاء من الأرض، ولا أعرف ما يعنيه ذلك غير القضاء الجسدي عليهم! كما يحتاج قانون التشبه بالآخر الى إعادة نظر، فنصف شباب الكويت يمكن أن يودعوا في السجن إن طبقت مواد قانون «التشبه بالجنس الآخر» عليهم، فهناك من له شعر طويل، أو فتاة بشعر قصير، أو ملابس صارخة الألوان لشاب مقارنة بفتاة ترتدي بدلة، ولا أدري ما حكم الرجل الذي يرتدي حذاء بكعب عال، وما هو العلو المسموح به؟ وماذا لو غمر أحدهم وجهه بالكولونيا، فهل يعني ذلك أنه يتشبه بالجنس الآخر؟ الأجوبة على كل هذه الأسئلة بنعم، فقد وضع القانون أمر تقدير ذلك للشرطي!

أحمد الصراف