احمد الصراف

أصل اللغات.. وأصعبها

ورد بحث طريف في الإنترنت تعلّق بأكثر اللغات صعوبة في التعلم، ومن وجة نظر أوروبية غربية بحتة. وبالرغم من بذل علماء اللغات والآثار جهودا كبيرة في معرفة متى وكيف بدأت اللغات البشرية بالتكون، فإن هناك شبه إجماع على صعوبة البحث في هذا العلم، الذي تعرّض للتبدل والتطور كأي كائن حي. وبالرغم من ادعاء كثيرين بأن هذه اللغة أو تلك أكثر صعوبة من غيرها، فإن الحقيقة أنه ليست هناك لغة سهلة، فلكل لغة خصائصها، وهناك عناصر معينة تحدد تعقيد أو صعوبة لغة ما مقارنة بغيرها، كقربها أو بعدها عن اللغة الأم للمتعلم، ولا توجد بالمطلق لغة سهلة، ولكن بالتدقيق أكثر نجد أن أصعب لغات العالم هي خمس، وترتيبها تصاعديا كالتالي: أولا، الهنغارية، وتأتي بعدها الأخريات، وتكمن صعوبتها ليس فقط في وجود كلمات مؤنثة، وأخرى مذكرة، كما في العربية والفرنسية، بل وفي وجود كلمات محايدة، لا مذكرة ولا مؤنثة. كما أن فيها سبع طرق لتصريف الأفعال. وتعتبر الهنغارية لغة مستقلة بذاتها ولا ترتبط أو تتقاطع مع أي لغة أخرى، وغير معروف أصلها، كما هو حال الإيطالية والفرنسية والإسبانية، التي تعود الى اللاتينية. ثانيا: تتفوق اللغة الكورية عليها صعوبة، وسبب ذلك يعود للكيفية التي يتم تكوين الجمل فيها، وطرق النحو وتصريف الأفعال، وهذا يجعلها صعبة للأوروبيين بالذات. كما أن كتابتها، المشتقة من الصينية، تجعلها صعبة أيضا.
ثالثا: اليابانية، وتأتي في درجة أعلى من الصعوبة، وذلك لكونها مماثلة للغة الصينية، حيث تتطلب معرفة وحفظ آلاف أشكال الكتابة، وتعلم طرقها الثلاث، إضافة الى طريقتي تكوين المقاطع فيها. ثم تأتي الصينية في المرتبة 4، وصعوبتها في كونها لغة نغمية يتغير فيها المعنى مع تغير النغمة، إضافة إلى عدد حروفها الكبير وتعدد أشكال الكتابة فيها. ثم تأتي اللغة الأكثر صعوبة في العالم وهي العربية، وتقف على القمة في صعوبة التعلم بالنسبة للأوروبيين وغيرهم من دول شرق آسيا. وصعوبتها تعود بالدرجة الأولى لبعدها عن أي لغة أوروبية، وافتقار كلماتها لحروف العلة، وهذا يصعب قراءتها بشكل كبير. وقد طالب كثيرون بتغيير طريقة كتابتها وتضمينها حروف علة أكثر، بدلا من التشكيل، فكلمة «كتب» مثلا يمكن أن تعني فعلا واسما في الوقت نفسه، وتحديد كيف تلفظ وما تعني يمكن استنتاجهما من سياق الجملة، أو بالتشكيل.
أما عن أكثر اللغات غنى في الكلمات فإن الإنكليزية، بفضل ما أدخله الأميركيون عليها من كلمات جديدة في علوم الفضاء والطب والاتصالات والكمبيوتر، الأغنى بعدد المفردات، ولكن الأمر يصعب ويصبح أكثر صعوبة عندما نعلم أن اللغة كائن حي يتطور مع الوقت وكلمات كثيرة تموت مع الوقت وترتفع للسطح أخرى شبه ميتة، كما أن هناك كلمات مركبة مثل «قلم رصاص»، فهل هي كلمة واحدة لشيء أم كلمتان منفصلتان؟ وفي الإنكليزية مثلا هناك كلمة Dog وتعني كلب ومثابر وتابع وصبور.. إلخ، فهل هي كلمة واحدة أم 6 كلمات؟ وكيف يمكن تحديد أن كلمة ما، هي إنكليزية أو عربية.. وهكذا؟

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

السعدون وشكرابورتي

عمل السيلاني شكرابورتي لدي لسنوات، وكان مسؤولا عن الأمن ومراقبا لمركبات النقل، ومشرفا على العمال ومسؤول صيانة المعدات وحفظ سجلات كل المواد غير التجارية، وأمينا على نسخ مفاتيح أبواب المكاتب والمخازن والخزائن والسيارات، وحتى مفاتيحي الخاصة. ولكنه اضطر فجأة للاستقالة والسفر بسبب مرض زوجته، مما اضطرني لتوزيع مهامه على ثلاثة موظفين وتوظيف اثنين آخرين للقيام بما تبقى منها. اتصل بي بعدها بسنوات، بعد ترمله، طالبا العودة للعمل، وقد سرني ذلك، ولكن صعوبات حالت دون حصوله على «الفيزا» بسبب المشاكل التي واجهها مع مسؤولي السفارة في كولومبو، الأمر الذي دفعني للاتصال عدة مرات بـ«الخارجية» وبسفيرنا وقتها في كولومبو، وبعد اشهر ومعاناة وتكاليف وانتظار ممل وصل شكرابورتي، ولكنه كان إنسانا آخر، فقد نال منه موت زوجته وأثر به حادث المرور الذي تعرض له، واصبح ضعيفا وغير قادر على التركيز وكثير النسيان، و«ما يجمعش»! وعلى الرغم من أنني حاولت الاحتفاظ به لأمانته على الأقل، فإنه قص الحق من نفسه وعاد لوطنه حزينا ومات بعدها بعام!
حادثة شكرابورتي ذكرتني برئيس مجلس الأمة السيد أحمد السعدون، فمن الواضح أنه ليس أحمد السعدون الذي كنا نعرف، فقد تكون نالت منه السنون والأحداث الكثير، وأصبح أكثر ميلا للمهادنة. كما أعتقد أنه في الوقت الذي يشعر فيه بالامتنان لمن أوصله للمجلس، إلا أنه امتنان مشوب بالحذر، فهو بالكاد يشعر بالانتماء لهم، فواضح أنه يعوم في بحر غير بحره ويسير في صحراء غير أرضه، فلا هو بالمتطرف دينيا ولا بالمغالي قبليا، وبالتالي يبدو حتميا صدامه مع البعض منهم على الأقل، خصوصا ان وجد أنه لا محالة عائد لقديم ثوبه وسابق جلدته، ولكن من الواضح أن العودة اصبحت أكثر صعوبة بعد دوره الأساسي في التكييف المعيب لقرار المجلس السابق المتعلق بقضية اقتحام مجلس الأمة!
أما مشكلة السيد السعدون الأخرى، التي ترتبط بالأولى إلى حد ما، فتتعلق بنوعية فريقه الحالي والذي مكنه من الوصول للرئاسة، مقارنة بنوعية الفرق السابقة التي أوصلته للمكانة نفسها، وشتان بين الاثنين. فالمآخذ والنواقص التي يشكو منها بعض أعضاء الفريق الحالي تبدو فجة ومعيبة وحتى مؤذية، ولا أعتقد أنها تسره، على الرغم من دورها الحيوي في إنجاحه، وهو آجلا أم عاجلا، سيصطدم بها، إن أراد أن يستعيد نفسه ويحفظ وطنه، فحسب علمي أن أجندة هؤلاء وأهدافهم تتعارض، ولو قليلا، مع حساباته وأهدافه. نعيد ونقول إن شكرابورتي عاد لوطنه، ونتمنى أن يعود أحمد السعدون، على الأقل، لمواطنيه، فهو في وطنه لم يغادره، ونتمنى له عمرا مديدا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سنة المجلس والإساءة للتاريخ

ورد في مقال زميلتنا أو زميلنا «الكويتي» في 2/20 التالي: لتستمر احتفالاتكم العام تلو الآخر، ولكن هل كل الذين ينشدون باسم الكويت ويتغنون بها يعرفونها، وهل كتب تاريخ الكويت بشكل كاف، متخصص ومنهجي؟ وهل الاكتفاء بتسجيل الأحداث والشخوص يعطينا تاريخا، أم أن التاريخ يكون بتجميع الصور الشخصية والوثائق في كتاب؟ وقد لفتت هذه التساؤلات نظري، وإلى ما يقوم به بعض «الأكاديميين» من محاولات لـ «مط» بداية نشأة الكويت لبضع سنوات، وكأنها ستضع حدا بين حقنا في الوجود من عدمه، متناسين أن دولا كثيرة تفوقنا قوة ومنعة ولحمة وأفضل منا بكثير، مثل سنغافورة، وغيرها، والتي لا يتجاوز تاريخها وكل وجودها المائة عام، أصبحت بالرغم من ذلك واحدة من أفضل اقتصاديات العالم، وأكثرها استقرارا بفضل ديموقراطيتها واستقامة أنظمتها الإدارية والقضائية والسياسية ونظافتها، علما بأن شعبها يتكون من ثلاثة أعراق متنوعة في دياناتها ولغاتها وثقافاتها، فبينهم هنود هندوس، وصينيون بوذيون، أو لا دينيون، وملاويون مسلمون! وبالتالي العبرة ليست بطول تاريخ بلد ما وعرضه، بل بما يمثله للعالم من اتحاد ومنعة وكرامة، ومدى تمتع مواطنيه بالحرية والكرامة وبخيرات وطنهم، ومشاركتهم في الحراك الإنساني العالمي.
نعود لمقدمة المقال ونقول ان جهود غالبية المهتمين بتاريخ الكويت، وأكثرهم يعتبرون انفسهم معنيين بالأمر بحكم القدر، تجنبوا، لأسباب معروفة، التطرق بإسهاب لفترة مهمة، بالرغم من قصرها، وهي فترة تأسيس أول مجلس أمة تشريعي في الكويت، والتي لم تستمر لأكثر من ستة أشهر، أكتوبر 1938 – مارس 1939 (2 جمادى الأولى 1357 – 25 شوال 1357)، بعد قرار الشيخ أحمد الجابر، حاكم الكويت وقتها، حل المجلس! ويعتبر الكتيب الذي أصدره المرحوم خالد سليمان العدساني، سكرتير ذلك المجلس، عام 1947 بعنوان «نصف عام للحكم النيابي في الكويت» المصدر الأكثر دقة لوصف تلك المرحلة، وما صاحب تأسيس المجلس من أحداث جسام. كما تطرق فيه للظروف التي دفعت الشيخ أحمد الجابر لحل المجلس، الذي كان يرأسه الشيخ عبدالله السالم. يتكون الكتيب من 50 صفحة تقريبا، وطبع عام 1978 في مطابع «فهد المرزوق الصحفية»، وتصدره الإهداء المميز التالي: مولاي صاحب السمو أحمد الجابر الصباح. في عهدك السعيد المجيد بدأت هذا الإنشاء الرائع الفريد، فلئن حالت دون اتمامه الظروف، فلقد اقترن على كل حال جلا ذكره بجلال اسمك، واتسعت لمداه بوادر طيبة من رحابة صدرك وسعة حلمك فإذا نظرت إليه نظرة العطف والرضا وجدت انه بهما يقين. كما يوجد كتاب آخر ينسب للشخصية نفسها بعنوان «مذكرات خالد سليمان العدساني»، ومكون من 141 صفحة ويحتوي على تفاصيل اكثر عن تلك المرحلة، ومراجعتي لوزارة الإعلام بينت أنه غير مدرج ضمن قوائم المنع. ومساهمة منا في اماطة اللثام عن جزء مهم من تاريخ الكويت، بالرغم من تعرض بعض مواد المذكرات بالنقد الشديد لمواقف البعض ولجماعة انتمي لها، وليس في ذلك ما يسيئني شخصيا طالما أنه جزء من تاريخ وطني، فإنني أعرض إرسال النصين بالإنترنت لمن يرغب.

أحمد الصراف

احمد الصراف

درس أفريقي جميل

يعتبر مو ابراهيم شخصية أفريقية وعربية نادرة، وبالرغم من أنه نشأ في بيئة معادية للنجاح إلا أنه استطاع مد أذرع شركته إلى 14 بلدا أفريقيا، وحقق ثروة كبيرة ببيعها لشركة هولندية، والتي قامت بدورها ببيعها لـ«زين» الكويتية، ويقول «مو» إن السبب في تخلصه من الشركة هو شعوره بأن البنوك العالمية على غير استعداد لتمويل أو اقراض خططه التوسعية لعدم ثقتها برجال الأعمال الأفريقيين.
وقد برز مو ابراهيم في السنوات القليلة الماضية على المسرح الانساني العالمي من خلال جائزته السنوية الكبيرة البالغة قيمتها 5 ملايين دولار، متبوعة بمبلغ 200 ألف دولار تدفع سنويا للفائز مدى الحياة، وهي الاكبر على المستوى الشخصي في العالم، والمخصصة لأي رئيس أفريقي يختار التنازل طوعا عن السلطة، إن قبل أو بعد انتهاء ولايته، وقد فاز بها أخيرا بدرو فيرونا بايرز Pires الرئيس السابق لــ «الرأس الأخضر»، الجمهورية التي كتبنا عنها قبل فترة، واشتهر بايرز بدوره في مقاومة الحكم البرتغالي لبلاده، وتحريرها في العام 1975، واصبح أول رئيس وزراء لها حتى 1991، ثم عاد بعد سنوات ليصبح رئيسها، ويحقق لها استقرارا سياسيا قل نظيره في القارة الأفريقية، وتمكن من تحقيق تقدمها الاقتصادي واستقرارها ونجاح السياحة فيها. كما يسجل له رفضه كل محاولات ثنيه عن الاكتفاء بدورتين رئاسيتين، كما ينص الدستور، واستعداد المشرعين لتغيير مواد الدستور لمصلحة بقائه في السلطة لفترة ثالثة.
ويقول مو ابراهيم إنه خصص تلك الجائزة لشعوره بحاجة أفريقيا الماسة إليها، فمن أكبر مشاكل القارة أن نسبة كبيرة من زعمائها يأتون من مناطق قبلية فقيرة، وما ان يصلوا وتبهرهم مباهجها يستولي عليهم الخوف من فقدها، والحرمان من السلطة والعودة إلى حياة الفقر، فبالتالي يتشبثون، بعد انتهاء ولايتهم، بالحكم باستماتة.
وعندما سئل الفائز الأخير، (بايرز) عن الكيفية التي سينفق بها قيمة الجائزة، قال إنه سيصرفها على تأليف ونشر كتاب عن قصة الصراع لتحرير وطنه، وكيفية تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي. والسؤال، كيف اصبح حتى رؤساء افريقيا، الذين طالما سخرنا من انقلاباتهم المتكررة، أفضل منا بكثير؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

من أين نبدأ؟! (2-2)

يتطرق ويتيكر في أحد فصول كتابه القيم للعلاقة «المريضة» بين المواطن والدولة بسبب دكتاتورية وسلطوية غالبية حكومات العرب الذين يتعاملون – غالبا – مع مواطنيهم على أنهم «رعايا»، وما عليهم سوى الطاعة والولاء مقابل ما يحصلون عليه من «خيرات»! وفي فصل آخر يتطرق بريان ويتيكر الى أهم القضايا، التي تواجه المجتمعات العربية، وهي المتعلقة بالسياسة الدينية Politics of God، وكيف اجتاح المد الديني المنطقة برمتها على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بسبب «المرض العربي»، بعد أن اصبح المعتقد الديني يمثل لعشرات الملايين منطقة أمان واطمئنان في عالم ممتلئ بالشكوك واليأس. وقال ان اللجوء الى الدين بدأ مع الهزيمة النكراء التي أوقعها الاسرائيليون بالعرب في حرب 1967، ورماهم في أحضانه، وتعزز اللجوء الى الدين بعد الانتصارات التي حققها «المجاهدون الأفغان» على السوفيت الكفار، وما تبع ذلك من نجاح «حزب الله» في اخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، وبالتالي تولدت قناعة لدى الكثيرين بأن النصر العسكري يمكن تحقيقه بالالهام الديني، وبالتالي أصبح الدين – كما يقول ويتيكر – هوية وانتماء وتضامنا في وجه القوى الخارجية المستبدة! ويقول الكاتب محذرا بأن اعتبار الدين هوية له مخاطر نفسية وسياسية كبيرة، كما أن المد الديني انتج «أنواعاً» جديدة من التدين الأكثر تطرفا في تفسيراته، وهذا جعل تقبل الآخر دينا وثقافة وفنا، أو حتى محادثة شفهية أكثر صعوبة. ويقول ان المساواة في الحقوق والواجبات لا يمكن أن تتحقق بغير الحرية الدينية، وهذا هو العائق الأكبر أمام أي تقدم ايجابي في المجتمعات العربية. كما أن حرية التدين تتطلب حيادية الدولة دينيا، أي فصل الدين عن الدولة، وهذا أمر لا بد منه لأي خطة اصلاح جادة.
كما يتضمن كتاب ويتيكر فصولا عن «الوساطة» والفساد الحكومي والرشى والعمولات غير القانونية، وهو كتاب – كما يبدو – جدير بالاطلاع على الرغم من مرور سنوات على نشره، واصبح اكثر أهمية مع الثورات العربية، التي جرت دولها لبرلمانات أكثر تخلفا وانغلاقا، ولو كان لدى مسؤولينا من يقرأ ويستنتج ويحلل لكان بالامكان الاستفادة من تجربة الأمة الايرانية مع الحكم الديني، ولكنهم يا ولدي لا هم هنا، ولا بالهم هناك.

أحمد الصراف

احمد الصراف

من أين نبدأ؟ (2/1)

بمناسبة كل هذا الحراك السياسي والعسكري البالغ النشاط الذي تشهده منطقتنا، وفي دول عدة في الوقت نفسه، اجد من المفيد العودة لمقال كتبه الصحافي والكاتب البريطاني باتريك سيل، Patrick Seale، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بعنوان What’s Really Wrong with the Middle East ونشر في نوفمبر 2009، حيث تطرق فيه لكتاب زميله ومواطنه بريان ويتيكر Brian Whitaker، المتخصص الآخر في شؤون منطقتنا، والذي نشر في العام نفسه، وبعنوان مقال سيل نفسه، حاول فيه أن يكون صريحا مع العرب، لدرجة الألم، بكشفه للتناقضات الحادة التي تعيشها مجتمعاتهم وما فيها من خلافات قبلية وعنصرية وجنسية! واستغرب سيل وقتها عدم اهتمام أحد بترجمة الكتاب، وربما لم يترجم حتى الآن، على الرغم من مادته البالغة الأهمية. ويقول إن هدف ويتيكر، الذي عمل سنوات في الشرق الأوسط كمراسل لــ «الغارديان» البريطانية، هو دفع العرب لمناقشة أوضاعهم بصراحة، إن أرادوا اللحاق بالعالم المتطور. وان من أهم المعوقات امام تطورهم هو ان مسائل مثل التغيير والابداع ووضع حلول للمشاكل والتفكير النقدي، أو الخلاق غير مرحب بها جميعا من اي سلطة! وهذه ليست النهاية، بل يضيف للقائمة أمورا أخرى كاصرار الحكومات، أو المجتمعات العربية، على الانكار المنظم للحقوق الحيوية للملايين من مواطنيهم بسبب التفرقة على أسس الدين، الأصل، الجنس، او الخلفية العائلية وغيرها. ويتحدث ويتيكر في الفصل الأول من كتابه عن فشل التعليم العربي بشكل عام، وان علاج هذا الفشل يتطلب احداث تغيير يبدأ بما في العقول، ولكن الأنظمة العربية، لسبب ما، لا تسمح بالمناقشة الحرة ولا بحرية التفكير، بل تحث على الطاعة والاستسلام، ومخاطر ذلك معروفة، ولكنه يستدرك أن تطوير التعليم لا يمكن أن يحدث بغير تغيرات اجتماعية وسياسية «راديكالية» جدا، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه في المستقبل المنظور. وقال ان نقطة الضعف الثانية التي يتطرق لها ويتيكر هي العصبية القبلية والمذهبية والعائلية، فهذه تجعل الفرد خاضعا لسلطة «العصبية» التي قبل بالانتماء لها، ولا يخفى أثرها السلبي على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ويستخلص من ذلك أن من الاستحالة على العرب الدخول في عهد جديد من الحرية، والمواطنة، والحوكمة السليمة ان كان الولاء للعائلة أو القبيلة أو المذهب أو الدين هو الحكم في تصرفاتهم ويأتي قبل الولاء للوطن. والى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«علمانيتي».. ودستور الدولة!

«اقتلوهم، اقتلوهم جميعا، فالرب سيختار من يذهب الى الجنة، ومن يذهب الى الجحيم!».
(ابوت ارنولد، الحملة الصليبية الرابعة عام 1205، عندما سئ‍ل عن كيفية التفريق بين المؤمنين وغيرهم)!
***
احتفلت، بيني وبين نفسي، بمرور نصف قرن على بدء تشكيل عقلي الليبرالي، ولم تزدني السنون الا ثقة بأنني كنت ولا أزال أسير على الطريق الصحيح، وان قلبي يتسع لمحبة الجميع، حتى لأشد المخالفين لآرائي ومعتقداتي. أقول ذلك بمناسبة كل ما يثار عن نية الأغلبية المتشددة في البرلمان طلب تعديل المادة الثانية من الدستور، التي يعتقد البعض بشكلية التعديل، وانه لن يغير الكثير من النظام العام! ولكن بالتمعن في الموضوع بدقة أكثر نجد أن وراء هذه المطالبة والالحاح المستمر عليها منذ عقود نوايا وأهدافا خطيرة، وبالتالي يجب ألا يمر هذا التعديل، ولا يجب السكوت عنه، مع شعورنا بأن المقترح سيرفض لا محالة! كما ليس من الحصافة الاعتقاد بأن القوى المسماة الوطنية أو الليبرالية أو التقدمية في المجلس ستقوم بمعارضته ووقفه، فلهذه القوى – ان وجدت – حساباتها، وطالما هادن بعض المحسوبين عليها التيار الديني، ولم يتردد «التقدميون» منهم، والأكثر يسارية في المجتمع، وفي أكثر من مناسبة، من الجلوس مع أكثر قوى التخلف تشددا، التي تنتمي في أفكارها الى القرون الوسطى، والتضامن معها في سبيل أهداف لا يمكن تحقيقها ليس – فقط – لتضارب مصالح الطرفين المعنيين، بل – ايضا – لاختلاف طريقهم، ولو نظريا.
كما رأينا كيف وافق أكثر وزراء التربية «ليبرالية» في التاريخ السياسي للكويت على قانون منع الاختلاط الجامعي من دون أن يرف له جفن، وبالتالي فان التصدي للمادة الثانية لا يمكن أن يكون الا بجهود «شبابية شعبية»، تعي الخطر المحدق بالحريات وتتحرك لوأد المحاولة في مهدها، مرة والى الأبد. أقول ذلك لأنه ليس بامكاني منفردا فعل شيء غير ابراء ذمتي بالكتابة عن الموضوع والتحذير من خطورته.

أحمد الصراف

احمد الصراف

معارك قلم

قام الزميل عبداللطيف الدعيج قبل سنوات بتجميع مقالات 30 عاما في كتاب سمّاه «معارك قلم» وكان اختيارا جيدا، فقد كانت حياته ومقالاته، ولا تزال، مجموعة معارك ضد جهات عدة، وأعتقد أنه انتصر في غالبيتها إن لم يكن كلها، وبقي هو وبقيت افكاره، وذهب أولئك مع الريح. تذكرت ذلك عندما سمعت بكل الفضائح التي تعرض لها رجال سياسة وأعمال ودعاة مشهورون، وما حققه كل هؤلاء من ثروات ضخمة نتيجة فسادهم العقائدي والسياسي، كما حدث مع صاحب ميثاق الشرف، وغيره في مصر والكويت والسعودية أو قطر بيوسفها القرضاوي! وأعتقد، وبتواضع، بأنني شاركت الزميل الدعيج في بعض «معاركه»، إضافة لمعاركي الأخرى، وأثبتت الأيام أنني كنت على حق في كشف «سر وستر» الكثيرين، وبالتالي لم استغرب الهجوم الأخير الذي تعرض له «ملهم» الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، الذي ما ان سقط مبارك حتى سافر الى مصر ليصلي في ميدان التحرير، ويخطف ثورة شبابها ويجيّرها لجماعته، وصدور مذكرة اعتقال بحقه من القائد العام لشرطة دبي بسبب تهجمه على الإمارات وسبها، كدولة وحكومة، ووصفها بأقبح الأوصاف، بسبب موقفها من بعض المتظاهرين السوريين، المعارضين لنظام الحكم الدكتاتوري في بلادهم! ووصف قائد شرطة دبي ــــ كما نقلتها الصحافة ــــ تعليقات القرضاوي بأنها سفيهة، مضيفا: ما بقى يشتم إلا فينا، شتم العالم كله، لم يبق ولم يذر، ونسي يوم أن هرب مع فتاة سرا، وتاريخه أسود في الجزائر، ارتكب حماقات شنيعة.! وقال انه سبق للإمارات أن أمرت بمنع دخول القرضاوي إلى أراضيها «لما له من نشاطات تنظيمية سياسية»، واتهمه بأنه «بدأ يحزب الناس ويؤسس لمشروع يهدف إلى إحداث بلبلة»، وزاد قائلا انهم في الإمارات سبق ان قبضوا على عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين، الذي ينتمي اليه القرضاوي، في حالة تلبس مع عاهرات! وتابع خلفان متسائلا: متى رمينا السوريين في الشارع؟ كيف تنقل إليه أخبار كاذبة فيصدقها، وهو رجل دين عليه ألا يتسرع في الحكم على عباد الله؟ واتهم المسؤول الأمني الإماراتي القرضاوي بأنه يعمل بأسلوب «يا تخلوا تنظيم الإخوان يأخذ راحته أو أشتمكم في الجزيرة وفي خطبة الجمعة»، واصفاً الأمر بأنه «بلطجة»! وتساءل عن سبب سكوت القرضاوي عن قيام قطر بسحب جنسيات المئات من مواطنيها.
لقد سبق أن انتقدنا القرضاوي في الكثير من المقالات، وكان التهجم يلاحقنا دائما، مدافعين عن سيرة الرجل، واصفين إياها بالعطرة! مطالبيني بالإنصاف والحيادية عند الحديث عنه، ولكني كنت دائما على ثقة بصحة موقفي منه، وصحة ما نسبته من أقوال للزعيم السلفي المصري المتشدد ابو اسحق الحويني من مقترح يتعلق بتفعيل فريضة الجهاد، لتخليص مصر من ديونها، فبالجهاد يمكن غزو بلاد الكفار وسبي ابنائهم ورجالهم ونسائهم، وبيعهم في «أسواق الرقيق»، وتحقيق مال يزيد عما يمكن تحقيقه من السفر لدول الكفر والعمل فيها، وفك ضائقة المواطنين بالتالي، وقد ورد في الأخبار أن الحويني اصيب بـ«وعكة» نقل على اثرها لمستشفى أوروبي! ولو رجع سليما معافى فهل سيعود لمقترحه المتعلق بفرض الجهاد، وخطف وبيع بنات وأبناء ونساء من انقذوا حياته وحياة المئات غيره من «الدعاة» من موت محقق؟ وكيف يقول هؤلاء كل هذا الهراء ثم لا يترددون في اللحاق بأول طائرة خاصة أو ملكية متجهة للغرب عند شعورهم بأول عارض صحي؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أكياس اليهود

يصلي البعض طالبين من الله أن يحميهم من أصدقائهم، أما أعداؤهم، فهم كفلاء بهم! ويقول آخرون إن وجود أصدقاء سيئين في حياتهم يغنيهم عن وجود أعداء، وهذا ينطبق على البعض ممن يحملون لقب «دعاة»، فضرر ما يقوله البعض على الفضائيات، ودورهم في تخريب العقول، أكثر من فائدته، ومن هؤلاء داعية عراقي شيعي صاحب شطحات لا يعتمد في قولها على غير سذاجة وتعصب مستمعيه، وقد سبق أن تطرقنا إلى الكثير من لغوه الذي لا يستحق العودة إليه، والإنترنت مليء بهذره. كما نجد في الجانب الآخر داعية معارضاً له لا يقل عنه سوءاً، ففي خطبة بثتها قناة تقوم عادة بترجمة مثل هذه الشطحات إلى الإنكليزية، وتبثها على العالم، حيث يرد فيها ما يلي بالحرف: «إن اليهود لهم صفات كثيرة، ومنها عدم القدرة على المواجهة. وإنني نظرت في التاريخ، وكان عندي دورة عن الأديان، فبحثت في تاريخ اليهود فلم أجد فيه ولا معركة واجهوا فيها أعداءهم، مع أن تاريخهم يعود إلى ما قبل الإسلام، ومع ذلك لا يمكن أن تأتي معركة ويأتي اليهود في مواجهة ويلتحم الصفان في مواجهة المؤمنين، وإنما يبحثون عن قرى محصنة أو من وراء جدر معنوية من الناس أو حسية، ويحاربون خلفها، ولذلك تجد اليهودي بسلاحه إذا رأى أمامه 3 أو 4 فلسطينيين يهرب منهم مع أن معه رشاشاً، طيب ما عندك شجاعة لتقاتل وتعيش؟ وعلى فكرة، الدبابات القديمة (في الجيش الإسرائيلي) ما كان لها فتحة لقضاء الحاجة من بول وغائط(!) ويقال إن الجندي اليهودي كان يخاف أن يخرج من الدبابة لقضاء الحاجة، ولو أن عنده رشاشاً وصاحبه يحرسه برشاش، لرهبة في صدورهم، ولذلك كانوا يأخذون معهم أكياساً ليتغوطوا فيها ويفتحوا الفتحة في الدبابة ويلقوها خارجاً! وقرأت أيضاً أن أثناء الجهاد الفلسطيني زاد الطلب على الحبوب المضادة للإسهال، فالإنسان إذا خاف انطلق بطنه في الغالب، ولذلك قامت تسهل عليهم بطونهم وعلى ثيابهم، وهذا وقع للأميركان في العراق(!) وهذا ثابت في تقارير منشورة من شركات أميركية تقول إن الجيش طلب منها كمية كذا من هذه الأدوية، وأكيد ليس لوضعها في الحلويات، بل طلبها لأن جنودهم يسيل منهم غائط أو بول!» (انتهى). ورابط الحديث هو التالي: http://www.memritv.org/clip/en/3317.htm
والآن، هل نحن بحاجة لأعداء مع وجود هؤلاء بيننا؟ ومتى نتعلم أن نحترم عدونا لكي يكون لانتصارنا طعم، إن انتصرنا عليهم؟ وكيف يتغلب هؤلاء «الجبناء» علينا المرة تلو الأخرى وهم يتغوطون لمجرد رؤيتنا؟ وما كان سيحدث لو لم يخافوا منا؟ ألا تستحق ذكرى كل أولئك المدنيين والعسكريين الذين ماتوا، وفقدوا وجرحوا في حروبنا المتعددة مع إسرائيل، كلاماً أفضل؟ أليس مؤسفاً أن الأبواب تفتح لهؤلاء، ويتقدموا الصفوف، ويأتي المفكرون والباحثون والعلماء الحقيقيون خلفهم…بكثير؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

ثوراتنا والمشاعر المختلطة

قيل في تفسير «المشاعر المختلطة» إنها تشبه شراء رجل سيارة جديدة، وطلبت «حماته» تجربتها، وبعد دقائق تتصل الشرطة لتعلمه بوقوع حادث لحماته في سيارته، وهنا تنتابه مشاعر مختلطة، فهو من جهة يتمنى الشر لحماته، ولكنه يتمنى في الوقت نفسه ألا تصاب مركبته بخدش!
***
تساءل الزميل خليل علي حيدر في مقال له عن قدرة «الضمير الشيعي» على تحمل ما يحصل في سوريا من مذابح، وسكوته عن محاصرة المدن وضرب بيوت الناس بالدبابات والصواريخ، وقتل سكانها من دون تمييز، وهو هنا يشير لأقوال وتصريحات عدد من النواب في مجلس الأمة، وهو تساؤل مشروع يقابله تساؤل مشروع آخر يتعلق بسكوت «الضمير السني»، أو بالذات المتشدد دينيا، عما يحدث في البحرين، حيث لاتزال الأغلبية فيها تعاني الأمرين من نظام حكم يشكو من الفساد والانحياز، وسوء معاملة مواطنيه! وبالرغم من منطقية التساؤلين، فإن من الصعب ألا تنتاب الإنسان المحايد، الذي يحاول أن يكون أكثر إنصافا، مشاعر مختلطة. فمن جهة لا يقبل عاقل بقاء حكم دكتاتوري فاسد لأكثر من اربعين عاما في السلطة من دون تغيير، ولكن من جانب آخر لا يمكن قبول استبدال حكم دكتاتوري حزبي بآخر دكتاتوري ديني، قد يكون اكثر تسلطا واصعب إزالة مستقبلا! فصناديق الانتخاب في مصر مثلا هي التي أوصلت كل هذه النسبة الكبيرة من الأميين سياسيا وإنسانيا الى قاعة البرلمان، ويمكن أن تعيدهم للقاعة نفسها، المرة تلو الأخرى، قبل ان يكتشف المواطن المصري «الغلبان» مدى ما اقترفه من خطيئة في حق وطنه!
ولو نظرنا الى البحرين، فإننا نجد أن المتشددين لدينا ولدى أكثرية الدول العربية، ومعهم قطاع كبير آخر، على علم تام بما تعانيه الأغلبية فيها، وهم ربما يشعرون بضرورة الوقوف معهم، لكنهم يخشون من أن يعود عليهم موقفهم هذا بالوباء مستقبلا! فالجانب المستفيد من اي تنازل لن يتوقف عن المطالبة بالمزيد، وهنا مكمن خوف الجانب الآخر الذي يعتقد بأن من الأفضل له رفض اي مطالب، وعدم الرضوخ لها منذ البداية، لكي لا تكر السبحة!
وحيث ان أحداث سوريا أكثر مأساوية ووصلت الأوضاع فيها لما يشبه الكارثة، فإن تمني أي أمر سيكون خارج المنطق، ولن يجد أذنا صاغية حتما، وبالتالي نتجه صوب البحرين، ونضم صوتنا لأصوات آلاف الأحرار، ونطالب السلطات البحرينية، وعلى رأسها ملك البحرين، بإطلاق سراح المعتقلين في سجون المملكة، ومنهم المناضل وداعية حقوق الإنسان عبدالله الخواجة الذي يقضي عقوبة سجن غير محددة.

أحمد الصراف