احمد الصراف

ثلاثية بصمات العرب

«كل الامم عرضت تاريخها للنقد الا العرب، وكل الامم نزعت القداسة عن تراثها الا العرب. وكل الامم تتطلع الى مستقبل يقطع مع مساوئ ماضيها الا العرب، فهم يرون مستقبلهم في عودة الماضي. كل الامم ترى ان الدين لله والوطن للجميع الا نحن، وكل الامم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين الا نحن، وكل الامم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المرأة الا العرب، كما يحرمون الفن ويؤسسون لثقافة القبور وغسل الموتى وتغليف المرأة. كل الشعوب تلد أجيالا جديدة، الا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائعهم فينا وحثهم على التمسك بها والحفاظ عليها!» (عبدالله القصيمي – رجل دين سابق ومفكر سعودي راحل).
***
عندما يعيش البشر في مناطق صحراوية قاحلة تفتقر إلى أساسيات الحياة فان سلب ونهب بعضهم البعض، عن طريق الغزو، يصبح الملاذ الأخير لاستمرار الحياة. وقد عاش جميع سكان الصحارى، والعرب منهم، آلاف السنين يغزون بعضهم البعض، وجاء الاسلام في جزيرة العرب، وانتشر الدين، وعندما استقرت الأمور تم توجيه قوة الغزو للخارج، اما للحصول على غنائم أو لنشر الدين. وربما كان الغزو تاريخيا السبب في نشوء القبائل، في ظل غياب حكومات قوية، أو ما قبل وجودها! فالقبيلة، بتقاليدها وقوانينها غير المكتوبة، هي الحامية للمنتسبين اليها، وهي أداة تنظيم العلاقة بينهم وبين الغير، وبالتالي يمكن القول إن بداية وضع العرب لبصماتهم «الثلاث» الخاصة على تاريخ العالم كانت مع الاسلام، واستمرت معه، ولا تزال. وجاءت البصمة الثانية مع نجاح العباسيين، قبل أواخر سنوات حكمهم في بغداد، في جعل بغداد عاصمة العالم في العلم، نتيجة سياسات التسامح القومي والديني التي اتبعوها، والتي كانت نتيجة لتلاحق وتلاحم خبرات وثقافات ديانات متعددة، مما ادى لأن تعطي بغداد البشرية نخبة من أفضل العلماء.
ثم جاءت البصمة الثالثة والأخيرة مع مرحلة الربيع العربي، غير متناسين بصمات كثيرة أخرى، وهي تسمية غربية جاءت تأسيا بربيع «براغ» عام 1968، ومحاولة دوبتشك الانقلاب على السوفيت! فالربيع العربي فرض نفسه على الخارطة السياسية العالمية، وأصبحت ثورات العرب وانتفاضاتهم والتغيرات السياسية الجذرية التي صاحبتها مادة دسمة للدراسة ولأجهزة مخابرات وموضوعا اعلاميا مهما! كما اصبح هذا «الربيع» يمثل هاجسا للكثير من الدكتاتوريات، حتى غير العربية، وأعتقد ان أثره سيستمر لفترة، فلم نر بعد نهايته! كما أن العالم، والشرق الأوسط بالتحديد، أصبح بعده غير ما كان عليه، ولن تعود أوضاعه لما كانت عليه، ولن تقبل الشعوب بأقل من الحرية والكرامة، فقد تهدم، ربما الى الأبد، حاجز الخوف! أما أولئك الذين يحاولون وقف عجلة التاريخ والعودة بنا للقرون الوسطى فطيشهم وطموحهم للحكم والثراء ورغبتهم في التمتع بالسلطة، وما يفتقدونه بشكل عام من قوة فكرية وأخلاقية وفلسفية، ستقضي عليهم في نهاية الأمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أحداث تاريخية (3-3)

كما كان متوقعا فقد أدت الخلافات الحادة بين أعضاء المجلس والحاكم لإصدار الأخير أمرا في 21 ديسمبر 1938، والدعوة الى إجراء انتخاب مجلس جديد في 27 ديسمبر 1938، وتم ذلك في حينه، ولكن العلاقة سرعان ما تدهورت أيضا بين الطرفين، فصدر في مارس 1939 قرار بحل المجلس، وهنا اعترض مواطنون متحمسون على قرار الحل، ووقعت مشادات وأحداث دامية ومؤسفة اصيب فيها بعضهم، وأعدم مواطن، كما تعرض عدد من أعضاء المجلس المنحل للاعتقال. وفي هذا الصدد ذكر المرحوم الشيخ راشد الحمود في مقال له أن من اعترض على قرار الحل، كان يعمل لانضمام الكويت الى العراق (!)، وذلك في إشارة إلى برقيتين أرسلتا الى الملك غازي، موقعتين من سكرتير المجلس التشريعي خالد العدساني، والعضو أحمد زيد السرحان، حيث بثت إذاعة قصر الزهور، التي كان يديرها الملك غازي شخصيا، نصيهما! ولكن مصادر محايدة ذكرت ان البرقيتين كانتا مزورتين. كما ذكرت أن مسودة القانون التي وضعها المجلس، أو دستور البلاد، نصت على أن الكويت دولة ذات سيادة مستقلة واراضيها لا يتنازل عن شيء منها. كما سبق أن اعترض أعضاء المجلس، بخطاب محرر في 5 مارس، على وصف المقيم البريطاني في الخليج للكويت بانها محمية، وردوا بأن الكويت إمارة مستقلة. ويعتقد آخرون أن البرقيتين أرسلتا لشكر العراق، أو الملك غازي، على موقفه من المجلس، وبالتالي لم تتضمنا طلبا للانضمام الى العراق، كما أشيع. ويعتقد بعضهم الآخر أن أعضاء المجلس أخطأوا في كثير من الأمور، ولكن نواياهم، بشكل عام، كانت طيبة وفي مصلحة الكويت. ويقال إنه ورد في وثائق الخارجية البريطانية ان الوكيل السياسي «ديكوري» قال في تقرير لحكومته، إن الخلاف في المجلس التشريعي لم يكن حول العراق ولا يرتبط بالعراق. أما ما اشيع عن موقف بعض الكويتيين من المجلس، وعدم مشاركتهم في انتخاب أعضائه، أو الترشح له، فهناك كلام كثير قيل بهذا الصدد، وربما تخوف الأعضاء من الوجود غير العربي في الكويت هو الذي دفعهم لذلك، خاصة أن غالبية من تم استبعادهم من انتخابات 1938 و1939 كانوا من أصول فارسية. وهذا ربما دفع هؤلاء للوقوف، مثلهم مثل فئات عدة أخرى، إلى جانب الحاكم وحلفائه الكبار، في صراعهم مع أعضاء المجلس.
والحقيقة الأخرى المعروفة، أنه مع غياب المصادر، وتضارب الروايات، وعزوف الجميع، عدا واحد أو اثنين، ممن شارك في أحداث تلك الفترة، عن تدوين تجاربهم وذكرياتهم، فإن لا أحد تقريبا يعرف بالدقة ما وقع من أحداث في تلك الفترة. وتستمر الحقيقة غائبة، وستبقى كذلك بسبب إهمالنا في التدوين، وبالتالي تصبح الحاجة ماسة إلى من يتكلم بإنصاف وحياد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أحداث تاريخية (3 – 2)

اشتد الخلاف بين المجلس والحاكم مع قرار الأعضاء إلغاء الاحتكارات، وكان أولها احتكار «النامليت»، أو المرطبات، الذي كانه يمتلكه شخص و.ف.ب «الأجنبي»، الذي كان يدفع أجرا سنويا زهيدا للحكومة مقابل احتكاره، وتطلّب الأمر تعديل الوضع وفتح باب المنافسة لآخرين لدعم دخل الخزانة العامة. أما الاحتكار الثاني، الذي كان أيضا لرجل «أجنبي»، فكان يتعلق بحق شراء المصارين من الجزارين، والذي كان ينص على اجبارهم على البيع لأي سعر يراه مناسبا! كما درس المجلس احتكار صنع وبيع قوالب الثلج وبيع الرمل للعراق، وقرر الابقاء عليهما، لأن ما يدفعه المستثمر للحكومة مقابل الاحتكار مجزٍ، وشروط العقد وافية ومشروعة.
أما أكبر قضية خلافية فقد تعلّقت باحتكار مقاولة النقل والتنزيل، التي عرفت بـ«حمال باشي»، فقد كان احتكارا مجحفا مُنح لأربعة اشخاص بصورة غير طبيعية، خاصة ان شركة هؤلاء سيكون لها حق نقل وتنزيل وتحميل كل معدات وأجهزة شركة النفط الجديدة، وما سيدرّه ذلك من مبالغ طائلة عليها. وبعد صراع تم حل الشركة وتعويض أصحابها، وإعادة الحق للحكومة.
وناقش المجلس سيل الهجرة الى البلاد من الدول المجاورة، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب ما لاقاه المهاجرون من ظلم وشرور في بلادهم. وكان من اهم عوامل عدم الرضا مزاحمة هؤلاء لغيرهم من المهاجرين السابقين لهم اصلا، في بسيط أعمالهم وأجورهم. ووصل عدد هؤلاء في مرحلة ما الى أكثر من عشرة آلاف، وزاد العدد مع نهاية الحرب. وبالتالي رأى المجلس لزاما عليه وقف سيل المهاجرين بتشريعات مناسبة. ولمّا كان من الصعب امكان تمييز الوطنيين النازحين ممن قدم الى الكويت من أولئك الدخلاء، الذين جاؤوا ملتجئين، كان من الضروري سنّ قانون دقيق يميّز الوطني من الأجنبي، وهكذا تأسّس ما يشبه مجلس للنفوس وضع اساسات ساعدت تالياً في تحديد السكان بصورة أكثر دقة.
وبالرغم من اقتراب الأوضاع السياسية على الاستقرار بين الحاكم والمجلس فإن البعض كان يرى ضرورة معرفة موقف بريطانيا من الاتفاق الجديد، وهنا قام المقيم السياسي في خليج فارس(!) بزيارة الكويت، بعد عودته من اجازته، وارسل كتابا في 5 أكتوبر 1938 لسمو الحاكم يخبره فيه برضا حكومته عن المجلس، وهو ما ردّ عليه الحاكم شاكرا، مؤكدا رغبته التي نفذها في تأسيس هذا المجلس.
وقبل مغادرة المقيم البريطاني الكويت طلب في 15 أكتوبر 1938 الاجتماع بسمو الحاكم وولي عهده ولجنة من أعضاء المجلس، وبحضور الكابتن «ديكوري»، وعند تطرقه لوضع بعض العناصر غير العربية في الكويت كان جواب اللجنة المنتدبة من المجلس أن كل من قطن الكويت قبل نهاية الحرب العظمى يعتبر وطنيا، وقالوا «انهم منا ونحن منهم»، ولا يجوز التفريق بين سكان الكويت لا من جهة المذهب ولا العنصر، فالكويتيون متساوون جميعا ويتمتعون بكل الحقوق، أيا كان نوعها. اما ترحيل اللاجئين الطارئين فمسألة موكولة لظروف الكويت وقدرتها على الاستيعاب.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أحداث تاريخية (1 – 3)

لقي عرض ارسال مذكرات المرحوم خالد العدساني المتعلقة بمرحلة شديدة التوتر والأهمية من تاريخ الكويت الحديث، لمن يطلبها اقبالاً حسنا، وطالب البعض بالكتابة عن ظروف انشاء وحل مجالس ثلاثينات القرن الماضي.
قام حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في عام 1921، وبناء على رغبة خاصة وشعبية، باختيار بعض وجهاء البلد أعضاء في مجلس حكم استشاري، وحدث ذلك بعد فترة من وفاة سلفه الشيخ سالم المبارك الصباح، ولكن المجلس لم يستمر لأكثر من شهرين، وتم حله وبقية المجالس الأخرى كالمعارف والبلدية وغيرها، بعدها قامت مجموعة من المواطنين بتأسيس حركة للمطالبة بنوع من المشاركة في الحكم، وأطلقوا على أنفسهم «الكتلة الوطنية»، وكان عملهم في البداية يتسم بالسرية، ونجحوا في توزيع منشورات تطالب بالاصلاح، ونشر بعض منها في الصحافة العراقية، وعندما اشتد عود «الكتلة» رأت ان ظهورها للعلن أصبح أمراً محتماً، وقامت في فترة لاحقة بارسال وفد الى الحاكم للمطالبة بانشاء مجلس تشريعي، وكان يساند «الكتلة» الشيخ عبدالله السالم وشقيقه الشيخ فهد، وقد وافق الشيخ أحمد الجابر على انشاء مجلس تشريعي يشاركه في ادارة البلاد، وفي 29 يونيو 1938 اجتمع 320 مواطناً في ديوان الصقر لاختيار 14 مرشحاً من بين 20 لعضوية أول مجلس نيابي في تاريخ الكويت السياسي، وفاز فيها: محمد ثنيان الغانم، وعبدالله الحمد الصقر، صالح عثمان الراشد، يوسف صالح الحميضي، حمد الداود المرزوق، مشاري حسن البدر، يوسف بن عيسى القناعي، سليمان خالد العدساني، يوسف مرزوق المرزوق، خالد عبداللطيف الحمد، مشعان الخضير الخالد، سلطان ابراهيم الكليب، سيد علي سيد سليمان الرفاعي وعبداللطيف محمد ثنيان الغانم، وغالبيتهم من اثرياء البلد. واظهارا لحسن نية الأعضاء الجدد، وخلافاً للاعراف، قاموا باختيار الشيخ عبدالله السالم، ابن عم الحاكم، وولي عهده، رئيساً لهم، ويعتقد ان المجلس ما كان ليظهر لولا نصيحة المقيم البريطاني في خليج فارس (!) وقبول الشيخ أحمد الجابر للفكرة. ولكن سرعان ما دبت الخلافات بين المجلس والحاكم منذ اليوم الأول، عندما رفض طلب توقيع قانون يخول أعضاء المجلس الاشراف على تنظيم أمور البلاد وسن القوانين، ولكن بعد جهود شاقة قبل الشيخ توقيع القانون بعد ان عدل جملة «نحن أمير الكويت» الى «نحن حاكم الكويت»! وباشر المجلس عمله واصدر جملة تشريعات تتعلق بالجمارك والمعارف والقضاء والاحكام والأمن العام، كما اهتم بقضايا التعمير وتخصيص الأموال لتوسعة الشوارع والدوائر الحكومية، والطريف ان اول موازنة معروفة للكويت صدرت وقتها وبينت ان اجمالي الواردات المالية للدولة بلغت 263 ألف روبية، أي 36 ألف دينار! تقابلها 200 ألف روبية مصروفات الأسرة الحاكمة و40 ألفاً رواتب موظفي الحكومة، والمتبقي يصرف على التطوير والتشييد، ولم يدخل في الواردات مبلغ 90 ألف روبية عن حصة الكويت من امتياز شركة النفط، لانها لم تكن قد دفعت بعد.

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

التكالب على الخير والشر

يقول القارئ خ. مشاري، انه ورواد ديوانه ضاقوا ذرعا بما يحصل في البلد من تسيب وخراب، فكل صباح سرقة وكل عصرية جريمة وكل مساء خبر لا يقل سوءا عما قبله، وكأننا نعيش مسلسل رعب وفضائح لا نهاية له. ويقول انه يصعب عليه تصديق أن الدولة جادة في تحصيل مئات ملايين الدنانير عن فواتير الكهرباء، أو وضع حل نهائي لقضية «البدون»، أو محاسبة المسؤولين عن سرقات مولدات كهرباء صيف 2007، أو الكارثة البيئية الأكبر في تاريخ الكويت والمسماة بمحطة مشرف، أو كارثة اطارات رحية وأمغرة، أو محاسبة المسؤولين عن وفاة المرحوم سمير سعيد وغيره في سيارات اسعاف خربة، أو أن الدولة لا تعرف من يقف وراء تعطيل مشاريع حيوية كالجامعة واستاد جابر وجسر الصبية، وفضيحة الداو ومخالفات عقد شل، وغير ذلك المئات من القضايا والمخالفات! ويقول انه لا يعرف كيف يمكن أن تمر آلاف مطالبات الاعاقة المزورة من دون حساب والتي كلفت، ولا تزال تكلف الدولة عشرات ملايين الدنانير شهريا، وكيف يستمر تبوؤ الكويت للمرتبة الأولى في عدد قضايا الطلاق بين الدول العربية، ولا يرفع أي مسؤول حاجبه متسائلا! ويستطرد السيد خ. قائلا انه كان سيقبل بكل ذلك على مضض شديد، بالرغم من عدم وجود ما يدعو لكل هذا الخراب والتلف، فنحن لم نصل بعد لمرحلة الصراع على اللقمة، فالكويت لم تكن في تاريخها بمثل هذا الغنى المادي! كما أنه كان سيقبل بكل التسيب والفساد على أساس أن هذا هو السائد في دولنا، فلماذا تكون الكويت استثناء؟ ولكن ما يزعجه بالفعل هو كل هذا التدين الذي انتشر اخيرا كالنار في الهشيم، وأصبح ظاهرة لافتة للنظر! فقد اعتاد منذ التحرير تقريبا على الصلاة في مسجد يرتاده عادة الكبار، ولاحظ في السنوات الأخيرة تزايدا مطردا في أعداد المصلين في هذا المسجد، وحتى في غيره، اضافة للجامع الموجود في حيه السكني! ويتساءل عن السبب في وجود مسارين متضادين ولكن متوازيين في الوقت نفسه، زيادة في أعداد المصلين، والراغبين في الحج والعمرة، وزيادة موازية في أعداد المفسدين والمخربين؟ وكيف وصلنا لهذا الدرك من التسيب الاداري والحرمنة وانعدام الشرف والانحلال الوظيفي والانهيار شبه التام في الخدمة الطبية والتعليمية مع كل زيادات الدخل والمنح والعطايا والتدين واللحى والبسملة والحوقلة المستمرة؟ ولمَ كل هذا التكالب على «مظاهر» التدين، بحيث أصبحت فيه اللحية هوية وعلامة انتماء دينية وكلمة المرور Password لفتح الكثير من أبواب المسؤولين ومراكز اتخاذ القرار؟ وكيف يمكن انقاذ البلد في ظل كل هذا الخراب؟
ونقول للسيد «خ» ما سمعه كابتن طائرة، توشك على السقوط، من برج المراقبة عندما طلب منهم التعليمات بما عليهم القيام به بعد ان تعطلت كل أجهزة الطائرة وفقدت توازنها واحترقت محركاتها، بأن عليه رفع يديه للسماء وأن يكرر وراءه: اشهد أن لا اله الا الله، واشهد أن محمدا رسول الله!

أحمد الصراف

احمد الصراف

جورج وأبو الفتوح

ينسب لجورج أورويل مؤلف «Animalfarm»، في رواية 1984، وهي أيضا من روائع الأدب السياسي العالمي، تعبير الأورولية (Orwellian)، والذي يستخدم في وصف مجتمع يؤمن بالنظام الشمولي، تتم فيه مراقبة كل فرد، وإعطاؤه ما يلزم من أخبار وقصص مختلقة، ويفرض على أفراده الالتزام بالطاعة لشخصية خرافية أو مثالية تسمى «الأخ الأكبر»، الذي يراقب الجميع من صومعته، والذي له صلاحية قلب الباطل حقاً، والعبودية حرية، والحرب سلماً. ويتعرض أفراد هذا المجتمع للنفي في الأرض إن تجرؤوا على طرح أي تساؤلات أو اعتراضات. كما يستخدم التعبير في وصف المجتمعات التي تروج لمحاربة الليبرالية، والتي تدعو إلى التحكم في وسائل الإعلام من أجل السيطرة الكاملة على أفراد المجتمع.
ولو تمعنا في طريقة تأسيس الأحزاب الدينية واستمرارها، إضافة إلى حكم الملالي في إيران، لوجدنا أن مثال «الأورولية» ينطبق عليها تماماً، فهي تنظيمات تخضع بقوة للأخ الأكبر، أو المرشد، وهي التسمية التي يستخدمها «الإخوان» وملالي طهران، وكأنها تعني أن الشعب قطيع يحتاج إلى الإرشاد الدائم، وهذا المرشد يتم اختياره بطريقة غامضة من قبل مجلس الجماعة الذي أيضاً يتم اختياره بطريقة أكثر غموضاً، وليس لأحد الحق في الاعتراض على آراء أو مخالفات الـ «Big Brother»، وتتكون لدى اتباع هذا المرشد هالة قريبة من القداسة عنه، وتختفي مثالبه وعيوبه، ويصبح مثالياً، فهو ليس على استعداد لرفض تصديق أنه زوّر في أوراق رسمية تتعلق بجنسية والدته، بل وهم أي هؤلاء الاتباع على استعداد للموت في سبيل إيصاله لسدة الرئاسة، وهذا ما حدث في ميدان العباسية في مصر مع أنصار حازم أبو إسماعيل! ولو عدنا إلى أرشيف «اليوتيوب» لوجدنا مقابلات لـ «أبو الفتوح»، المرشح المفضل لمختلف القوى المتأسلمة في مصر لمنصب رئاسة الجمهورية، لوجدنا مقابلة تعود إلى ما قبل بضع سنوات، عندما كان رئيساً للأطباء العرب، حث فيها الفلسطينيين بـ‍‍ «قوة» على الاعتراف بإسرائيل، وعندما ووجه، أخيراً، بتلك المقابلة قال إنها مفبركة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

شبّعناهم شتايم شبّعونا طراقات

بالرغم من انتمائنا، والبعض الآخر، للتيار التخلفي(!)، فإن ذلك لم يمنع «التيار التقدمي»، وهو فصيل منبثق عن حركة سياسية يسارية، من دعوتنا لحضور حلقة نقاشية تتعلق بالنية لتعديل المادة 79 من الدستور، بحيث يضاف إليها نص يفرض تماشي أي قانون يصدر مستقبلاً مع الشريعة قبل إقراره، وهذا يعني وضع جهة «افتاء ما» فوق الأمة! وقد أسهب منظمو الحلقة في شرح مخاطر اقتراح التعديل والتحذير من إقراره، وتحميل جهات ما المسؤولية، وضرورة عدم المساس بالدستور أو العبث به، وشرح التعقيدات التي ستنتج إن أقر القانون! وبالرغم من خطورة الموضوع والحاجة للتصدي له بقوة، ليس فقط لأن إقراره يعني القضاء كلياً، وإن بصورة غير مباشرة، على الدولة المدنية ودستور 1962، فإن الحضور، وأنا منهم، كان أكثر من قليل في عدده، وهزيلاً في قوته، وأقل ضعفاً حتى من بابا روما عندما «احتج» على احتلال هتلر لبولندا، وبالتالي لم يمتلك حضور الندوة غير التنفيس عما بداخلهم وتحميل السلطة كامل المسؤولية، وليذهب كل لبيته وأسرته!
ثلاثون عاماً، ونحن نكرر الأقاويل نفسها، ونطيل في سرد الأحاديث نفسها، ونبيّن المصاعب نفسها، ونشرح الظروف نفسها، ومع هذا لم نتقدم يوماً خطوة، ولا خطوة فعالة واحدة، أو نسعى بجدية إلى جمع كل هذا الشتات المسمى بمؤيدي الدولة المدنية من تقدميين واشتراكيين وليبراليين وعلمانيين، أو من يفضل «الوطنيين المعارضين لتسلط القوى الدينية وهيمنتها على مجلس الأمة والقرار السياسي»! ثلاثون عاماً، والزعامات التاريخية، التي يصعب على أي كان إنكار دورها الكبير وتضحياتها ومقاومتها الشرسة لكل مغريات السلطة والجاه، لا تزال ترفض ترك مقاعدها، وربما كان الأمر يهون لو أنها لم تعارض أصلاً في وحدة الصف والذوبان في هياكل تنظيمية أكبر! ثلاثون عاماً، ونحن نجتمع ونتكلم ونوصي وننصح ونطالب، ولا شيء يتحقق في نهاية الأمر. ثلاثون عاماً، ونحن نلوم السلطة، ونعلم يقيناً أن قوة الآخر تكمن في ضعفنا، والسلطة في أي مكان في العالم تقف مع الجهة الأقوى والأكثر تنظيماً، فمتى كنا منظمين، دع عنك أقوياء، في الثلاثين سنة الأخيرة؟ ثلاثون عاماً، لم نتعلم فيها غير الشجب والاستنكار والاحتجاج والرفض والتحذير، ثم لا شيء!
الطريف في الموضوع كان التعقيب الذي أدلى به السيد محمد عبدالقادر الجاسم، حيث ذكر ما معناه أن هناك مبالغة في التخوف من موضوع التعديل الدستوري، ومن الدولة الدينية ومن سيطرة الإسلاميين على المجلس، وأن لا مبرر لكل هذا الهلع والجزع!
***
• ملاحظة: سنتغيب عن الوطن لفترة طويلة، ولكن المقالات ستستمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أين تكمن المشكلة؟

تشكو الدول الإسلامية قاطبة، بدرجات متفاوتة، من تخلف عام، وحدهما ماليزيا وتركيا تمكنتا في نصف القرن الماضي فقط، من الفكاك من هذا التعميم وتحقيق تقدم بارز في أكثر من مجال، ولكل واحدة أسبابها، فماليزيا تدين بتقدمها للعنصر الصيني من مواطنيها، الذي كان له الفضل في الاهتمام بزراعة أشجار المطاط، وفي مرحلة تالية تحولهم للصناعة وتحقيق تقدم تجاري جعل ماليزيا نموذجا يحتذى. كما ساهم تعدد أعراقها في نجاحها وانقاذها من الجمود والتطرف الديني. أما تركيا فنجاحها يكمن في غنى مواردها وحجم سكانها الكبير وقربها من أوروبا وبالطبع نظامها العلماني.
واستطرادا نلاحظ أن كل الأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية تتمتع بقدر واضح من الثراء النسبي مع ارتفاع نسب المتعلمين بينهم وصغر حجم اسرهم، نتيجة ما يسمى بآلية الدفاع Defense mechanism. ولكن لو نظرنا لأوضاع الأقليات المسلمة التي في الدول غير المسلمة، كمسلمي الصين وتايلند والفلبين وغيرها، لوجدنا أنهم يفتقدون آلية الدفاع، وبالتالي تعاني جميعها تقريبا من أعراض تخلف مجتمعات الدول الإسلامية نفسها.
مناسبة هذا الحديث يعود للنظرية الجديدة التي توصل اليها أخيراً Eric Chaney، أستاذ مساعد الاقتصاد في جامعة هارفارد، والتي أثارت تعليقات عدة في الغرب، حيث ذكر أن الدول العربية، كما هو معروف، تعاني نقصا حادا في الديموقراطية، وتشكل أنظمتها الدكتاتورية ثلث حجم الأنظمة المستبدة في العالم، وأن هذا النقص في الديموقراطية امتد، بتأثير منها، لمناطق خارج حدودها، وشمل المناطق التي سبق أن حكمها الأمويون والعباسيون والفاطميون وغيرها من الدويلات الإسلامية، والتي سبق أن اجتاحتها جحافل جيوش المسلمين العرب، فقد أصبحت هذه، لأسباب عدة، أكثر رفضا للديموقراطية مقارنة بالمناطق الإسلامية التي لم تصلها تلك الجيوش! ويقول ان من أسباب ذلك برأيه هو مساهمة أو دور الدولة أو الحكومة الكبير في الناتج القومي لهذه الدول، مقارنة بتلك التي لم تصلها الجيوش، وافتقارها الشديد لمؤسسات المجتمع المدني، والاتحادات العمالية، وضعف قدرتها المادية، وأخيرا ذلك التحالف «التاريخي» بين «حكام» ودكتاتورية هذه الدول والمؤسسة الدينية، وهو ما أدى الى القضاء على عنصر المنافسة في المجتمع، وأكسب القوى المحافظة القدرة على معارضة أي تغيير سياسي قد يتطور مع الوقت ويصبح في غير مصلحتها! وبالتالي فالدول التي وصلتها جيوش الفتح او الغزو أكثر رفضا للديموقراطية من غيرها.
وتصديقا لجانب من هذه النظرية، فقد توصل يوهان غوتنبرغ عام 1450 الى اختراع المطبعة، التي اعتبرها الأخطر في تاريخ البشرية! ولكن السلطان العثماني بايزيد الثاني، لم يقبل بها في حينه، بموجب فتوى دينية بحجة أنها قد تفتح الطريق لطباعة مصحف محرف، ولكن السلطان نفسه سمح لليهود باستخدام المطبعة للحفاظ على تراثهم الديني من الضياع! وأول مطبعة عرفها المسلمون كانت في مصر، ولكن بعد 370 عاما من اختراعها، وعليكم حساب التأثير السلبي لتلك الفتوى على كل العلوم والعقول.

أحمد الصراف

احمد الصراف

جمال العطاء

مررت قبل سنوات بصديق يعمل في أحد المصارف لعمل ما، وهناك أخبرني عن وقوع حادث لصبية فلسطينية تسبب في احتراق اجزاء كبيرة من جسمها، وطلب مساعدتي! مددت يدي لجيبي واخرجت كل ما فيه، من دون أن أعد المبلغ، وقلت له: هذا كل ما لدي، أرجوك لا تعد المبلغ أمامي ولا تخبرني به، فقد يكون قليلا فأحزن، وقد يكون كثيرا فأحزن أكثر! ضحكنا معا، وتركته. وفي اليوم والساعة نفسهما، وعند مروري على صديق آخر التقيت بالأخ طلال ابن صديقنا الكبير المرحوم حسين الأمير، فقال إنه كان يبحث عني ليسلمني شيكا يتعلق بحصتي من بيع فكرة شركة كنا ننوي تأسيسها! شكرته وأعطيته عنوان البيت ليرسل الشيك، وفي المساء كان بانتظاري في البيت فاكس ومغلف، الفاكس كان عبارة عن صورة ايصال بمبلغ التبرع من صديقي المصرفي يعلمني فيه بأن المبلغ الذي تبرعت به هو 283 دينارا! أما المغلف فقد احتوى على شيك بمبلغ 280 ديناراً، لمصلحتي من حصتي في شركة نسيت موضوعها كليا!
وقبل أسبوع تقريبا، وبعد كتابة مقال «لوياك»، والذي طالبت فيه بالتبرع لها، وما ذكرت عن تبرعي لها بمبلغ من المال لدعم انشطتها، اتصل بي مكتب الصديق يعقوب ليطلب مني ارسال من يتسلم شيكاً بمبلغ يمثل حصتي من ناتج تصفية حساب تفليسة شخص مدين من أيام المناخ! وعندما تسلمت الشيك تبين لي أن ما تبرعت به لـ «لوياك» يقارب كثيرا المبلغ الذي وردني من تفليسة ذلك التاجر، والذي يعود لما قبل الاحتلال.
والحقيقة أن سعادتي بتسلم شيكي الصديقين لم تكن بمثل سعادتي وأنا أتبرع لمشاريع خيرية أو تعليمية أو فنية أو أدبية مثمرة، فالعطاء ليس بحجمه، بل وأيضا بطريقة تقديمه، مع كل ما يصاحبه من شعور عميق بالراحة والانسانية، ولا أكتب هنا من قبل المباهاة، بل لتشجيع أكبر عدد من القراء على العطاء لجهات مثل: لوياك وبيت عبدالله والجهات العديدة الأخرى التي تهتم بسيئي الحظ بيننا من معاقين وذوي احتياجات خاصة، وما أكثرها، فالعطاء جميل حقا. وبخلاف الفكرة السائدة، فانني أؤمن بأن الاعلان عن التبرع يحث الآخرين على القيام بالمثل، فالتبرع بسكوت، بالرغم من مثاليته، جميل، الا أنه غالبا ما يمر من دون تأثير ايجابي على الآخرين! تبرعوا، تبرعوا تصحوا.
***
ملاحظة: يقدم المخرج العالمي سليمان البسام، عرضا لآخر مسرحياته «ودار الفلك»، على مسرح الشامية الساعة 8 من مساء اليوم وحتى الجمعة.
الدخول مجاني ولكن يتطلب الحجز المسبق، هاتف 50800468.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الهرج المصري

بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في مصر، اكتشف بعض المحتالين والاستغلاليين وجود كتلة انتخابية ضخمة تمتاز ببساطة تفكيرها يمكن عن طريق استغلالها، في ظل كل اجواء الشحن الديني السائدة، تحقيق مكاسب مالية وانتخابية مؤكدة. وبالتالي رأينا زيادة لافتة في أعداد مدعي التواصل مع الأولياء والصالحين، وسردهم لقصص ورؤى لأنبياء وصحابة، بهيئات وأشكال محددة، وحرص تلك الشخصيات المقدسة على «التدخل في الانتخابات»، وتأييد ترشيح فلان أو غيره لرئاسة «جمهورية» مصر، أو التوصية به لحسن خلقه وكمال علمه! ومن جهة أخرى، نجد أن غالبية هؤلاء النواب أو المرشحين والساعين الى الوصول للسلطة، إن لم يكن جميعهم، لم يكونوا يعتقدون يوما أن الأمور ستتطور بذلك الشكل السريع في مصر وينهار النظام وتسيطر الحركات الدينية على الشارع، وبالتالي لم يكن أي منهم، وخاصة الدعاة من اصحاب اللحى الكثة، يتحرّج في الحديث في أي شيء وعن أي شيء في البرامج التلفزيونية، وإطلاق ما شاء من الفتاوى والآراء الغريبة، غير واضعين في اعتبارهم طبعا أنهم سيكونون خلال فترة قصيرة مرشحين لتولي أرفع المناصب السياسية، وبالتالي كانوا يأخذون راحتهم في الكلام إن رغبة في جذب الجماهير الغافلة لبرامجهم، أو لتسجيل أطول الحلقات لتحقيق أعلى الإيرادات. وما ان رشح الدعاة السابقون انفسهم للرئاسة حتى بدأ البعض الآخر بالنبش في الإنترنت عن تسجيلات لسابق أحاديثهم وخطبهم، وغريب فتاواهم، منها تلك المتعلقة بمعنى كلمة «بيبسي» التي سبق ان تطرقنا لها، وحرمة لعبة كرة القدم، وغير ذلك الكثير. ومن هؤلاء الطبيب عبدالمنعم أبوالفتوح، المحسوب على حزب الإخوان كمرشح للرئاسة. فهذا الطبيب قام قبل سنوات، وأثناء توليه للأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب، بإجراء مقابلة مع قناة تلفزيون إسرائيلية، وذكر في المقابلة أنه يطلب من الفلسطينيين «ضرورة» الاعتراف بإسرائيل، ولا شك أنه عندما قال ذلك لم يكن يعتقد أن حكم مبارك سينهار بتلك السهولة وأنه سيترشح مكانه. وعندما واجهته الصحافة بتصريحاته تلك قال: ان في الأمر «قصّاً ولزقاً»، وعندما قيل له ان مدير مكتبه أكد الحديث، أصرّ على أنه مفبرك!
وفي حديث تلفزيوني للداعية محمد حسان، الذي يعتبره الكثيرون فوق منزلة الترشح لأي منصب، قال ان خالد بن الوليد جاءه في المنام (ووصف شكله ولباسه وحدد، المدخل الذي جاء منه)، فعرفه هو ومن كان يستمع لخطبته، التفتوا نحوه، فقال لهم خالد: لا تلتفتوا إليّ فأنتم بين يدي عالم (أي الداعية حسان!)
إن هذه المحاولات المتعددة والمستميتة لتغييب عقل الشعب المصري وفكره خطيرة جدا، ويبدو أن الاستمرار بها دليل على نجاح هؤلاء في مسعاهم المخرب، كما نجحوا في الكويت وغيرها.

أحمد الصراف

www.kalamanas.co