احمد الصراف

كرومول وإليزابيث

احتفت المملكة المتحدة قبل ايام بعيد جلوس الملكة اليزابيث الستين، وهذه المرة الثانية في تاريخ الحكم البريطاني التي يتم الاحتفال بمثل هذه المناسبة، كانت الأولى في عهد الملكة فكتوريا، ولا يعتقد أن الأمر سيتكرر ثانية إن في عهد اي من ابناء الملكة أو حتى احفادها الحاليين.
تنتمي الملكة اليزابيث لأسرة «وندسور»، وهو اسم إنكليزي بحت تم اختياره بعناية من قبل الملك جورج الخامس عام 1917، بدلا من الاسم الألماني السابق للأسرة Saxe-Coburg and Gotha، بسبب أصول غالبية أفرادها! وحدث التغيير إبان الحرب العالمية الثانية عندما كانت بريطانيا في نزاع عسكري مع المانيا. وللعلم فإن الاسم لا علاقة له بالعائلة ويعود لاسم قلعة وندسور التي كانت تسكنها العائلة المالكة في حينه ولا تزال، وبالتالي فالقلعة هي التي أعطت العائلة اسمها وليس العكس. ولا يشار للعائلة المالكة بـ «السلالة» لأن اصولها تنوعت وتبدلت بعد تولي أكثر من امرأة للحكم، واقتران البعض منهن لمن هم غير إنكليز، والملكتان فكتوريا وإليزابيث مثالا. ومن حق أي ملك أو ملكة تغيير اسم الاسرة، فليس هناك دستوريا ما يمنع ذلك. وقد أظهرت استقصاءات الرأي خلال الاحتفالات الأخيرة بعيد جلوس الملكة ارتفاعا كبيرا في شعبيتها وشعبية الملكية، حدث ذلك بالرغم من أن الشعب البريطاني كان من أوائل من ثار على الحكم الاستبدادي، وطالب بما يشبه الجمهورية، أو الحكم البرلماني، وكان ذلك في عهد الملك شارلز، والتي أدت معارضته لنشوب الحرب الأهلية الأولى في إنكلترا بين الملكيين ومؤيدي الجمهورية بقيادة السياسي الفذ والقائد العسكري البارع وعضو البرلمان «أوليفر كرومويل»، والذي نصب «وصيا على العرش» بعد الاطاحة بالملك شارلز، ولكن فرار الملك بعدها من سجنه أشعل الحرب الأهلية الثانية، والتي أجبرت الجمهوريين على إعدام الملك عام 1649، منهين بذلك حكم آل «ستيوارت»! ولكن كرومويل، وبعد 5 سنوات كوصي على العرش، توفي قبل بلوغه الستين، وبقي الحكم بيد البرلمان، أو ما سمي بــ «رابطة انكلترا» The commonwealth of England، ست سنوات اخرى قبل ان تعود الملكية عام 1660 لإنكلترا، وإن بسلطات أقل بكثير للملك، ومن يومها اضمحلت سلطات الملكية في بريطانيا تدريجيا، ليصبح البرلمان مصدر القوة الأكبر، والفضل يعود لـ «كرومويل»! وبعد عودة الملكية أزال أنصارها رفاته من مقبرة العظماء في «وست منستر»، وربطوا هيكله بالسلاسل وقطعوا رأسه.
يعتبر كرومويل من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ البريطاني، فقد اعتبره بعض المؤرخين دكتاتورا ومتسلطا، بينما اعتبره البعض الآخر قائدا وبطلا قوميا! وفي استفتاء أجرته الـ «بي بي سي» عام 2002 ظهر اسمه ضمن العشرة الأعظم في التاريخ البريطاني، ولكن ايا كانت النتيجة فإن ما اقترفه من مذابح ضد كاثوليك اسكتلندا وأيرلندا، بسبب تعصبه لبروتستانتيته أمر لم يقبله الكثير من مناوئيه، وحتى مؤرخي سيرته!

أحمد الصراف

احمد الصراف

دعوة صحية

قلت له لماذا تصر على «الاستمتاع» بالحياة بطريقتك الغريبة هذه؟ إنك تدمر صحتك! فقال إن أسرته لم يعرف عنها لا الغنى ولا «العمر الطويل»، وبالتالي لا شيء لديه يخسره في هذه الدنيا، فالحياة على أي حال قصيرة، وسيستمتع بها حتى «الثمالة»، وطالما فيه «عرج ينبض»، وأنه سعيد بحياته ويتلذذ بها، ولا شيء بعدها يهم! قلت له إن كلامه يحمل معاني فلسفية كبيرة ويصلح لدرس جميل، إن كان بالإمكان التحكم في حياته ومسارها واختيار ساعة الموت، شنقا أو برصاصة مسمومة! فقال إنه في غير وارد القيام بشيء من هذا، فقلت له إذاً ما الضمان من أن ينتهي ما لديك من مال، وما لديك ليس بالكثير اصلا، وتعمر بأكثر مما تتوقع، وتصاب في اواخر ايامك بمرض شديد يقعدك عن الحركة أو يسبب لك آلاما مبرحة، واحتمال ذلك وارد بقوة بسبب معيشتك غير المكترثة، فكيف ستتدبر الأمر حينها، بلا صديق ولا مال ولا علاج؟ وقلت له إن الطريقة التي يعيشها الآن، بكل ما فيها من عدم اكتراث ولا مسؤولية وحب للحياة ونهل من متعها، خاصة ان المرء قد يموت في أي لحظة، جذابة للكثيرين، ولكن بما أننا غالبا لا نختار لحظة موتنا، فما الذي سنفعله إن تقدم بنا العمر، ولم نمت، ونحن سكارى، واصبحنا عجزة ومفلسين؟ هنا سكت وقال إنه بدأ منذ فترة يشكو من آلام في صدره ولا يعرف كيف يعالج الأمر، مع قلة ما لديه من مال، ومن دون تأمين صحي! كما أنه غير قادر على التوقف عن التدخين، فالسيجارة سلوته وطريقة لنسيان آلامه، فهو يداويها بالتالي كانت هي الداء. فطلبت منه ان ينتحر، فرفض طلبي ضاحكا واشعل سيجارة جديدة!
والآن نعود لكلام العقل ونقول إن على أولئك الذين يودون إطالة أعمارهم حتى المائة وما بعدها، إن بالاستفادة من الجينات القوية التي ورثوها، إما بالمحافظة عليها أو الارتقاء بصحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، إن لم يرثوها، فعليهم جميعا ألا ينسوا الأمور الحيوية التالية، فهي كفيلة بأن تجعلهم غالبا أكثر صحة وإشراقا. أولا يجب ألا نفكر في التوقف عن العمل، حتى لو احلنا قسرا إلى التقاعد، فإن علينا أن نجد ما نقوم به كل يوم، فليس اصعب من القيام صباحا من دون أن يكون هناك ما يتطلب أداءه! كما علينا الاهتمام الشديد باسناننا، بفرشاة ومعجون والأهم بتمرير الخيط بينها. كما علينا أن نتحرك بشكل دائم، ففي الحركة بركة. ولا ننس تناول المواد التي تحتوي على الألياف، خاصة في وجبة الإفطار. وألا تقل ساعات نومنا عن ست، وأن نشعر بالتفاؤل الدائم ونقلل من عصبيتنا، ونمارس هوايات سهلة، وأن يكون لدينا ضمير حي في تعاملنا مع الغير، وأن نكون نشطاء اجتماعيا، فالإنسان بفطرته «حيوان اجتماعي».
وأخيرا نتمنى للجميع حياة سعيدة!!
• • •
• ملاحظة: نكرر كتابة ونشر مثل هذا المقالات لنذكر، أساسا، انفسنا بها، بعد ان تقدمنا في العمر واصبحت الذاكرة «مو لي هناك».

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصة الشاعرة بروين

سأل واعظ ابنه: هل تعلم ما هو الإسلام؟ إنه الصدق وعدم إيذاء الغير وخدمة الناس، وتلك هي العبادة وهي مفتاح الحياة. فرد ولده قائلا: بهذا المعيار فإن في مدينتنا مسلما واحدا، وهو أرمني! بروين اعتصامي، شاعرة إسلامية ملتزمة.
تعتبر بروين اعتصامي، الشاعرة الإيرانية الأبرز، واحدة من أكبر مناصري حقوق المرأة. ولدت في تبريز عام 1906، وفقدت والدتها وهي طفلة، وأثر ذلك في نفسيتها وشعرها. والدها هو السياسي يوسف أنشياني، الملقب باعتصام الملك، أو اعتصامي، وكان له دور في تشجيعها على تلقي المعرفة من التراث الفارسي شعرا وادبا، إضافة لتعليمها العربية. قادها فضولها للإحاطة بسير وتراث كبار الكتاب والأدباء وأعمالهم، وكان والدها يزودها باستمرار بترجماته من العربية والفرنسية لبعض عمالقة الفكر والأدب، ونشر لها غالبية قصائدها في مجلة بهار التي كان يصدرها باللغتين الفارسية والكردية. وقد أدخل الأب ابنته مدرسة أميركية للبنات لتكون على علم ومعرفة بالتراث الغربي، وهذا دفعها للتفرغ لدراسة اللغة الانكليزية والتعرف الى كبار أدبائها. وعلىالرغم من الحياة القصيرة التي عاشتها بروين فإنها كانت حياة حافلة، ولكنها ممتلئة بالمآسي، فإضافة ليتمها المبكر فإن زواجها من ابن عمها لم يدم لأكثر من شهرين لعدم التكافؤ، عادت بعدها لكنف والدها، ولكن هذا لم يطل به العمر كثيرا، حيث توفي عنها عام 1937، وتركها وحيدة، ولم تنتظر هي أيضا، حيث لحقت به بعد أربعة أعوام، وكانت في الخامسة والثلاثين من عمرها، بعد أن جفت مآقيها من البكاء المر عليه، فقد كان بالنسبة لها الوالد والمعلم والمرشد.
دعت بروين في حياتها ونثرها وشعرها إلى تثقيف المرأة وإعطائها مزيدا من الحرية الشخصية والاستماع لرأيها، وتلبية حقوقها التي ترهلت مع الزمن. وبسبب آرائها الجريئة، مقارنة بعصرها، أساء الناس فهمها، لأنها رأت في المرأة شريكا لا يستغني عنه الرجل، فصعوبات الحياة لا يمكن مجابهتها فرادى، مثل المرأة والرجل كمثل السفينة والربان، فإن كانت السفينة محكمة، وكان ربانها عاقلا فلا خوف من الأمواج والاعاصير، وما هذه الفتاة اليوم الا أم المستقبل وبيدها مستقبل اسرتها، وأيضا بسبب آرائها اعتقد البعض أنها رجل! وفي عام 1935 قام بهار ملك شعراء إيران، بكتابة مقدمة أول ديوان لها، وجعلها فيه شاعرة العصر، ووضعها في مصاف شعراء إيران الأوائل، وقال ان شعرها يمكن مقارنته بشعر الشيرازي في ملامحه الأخلاقية والتربوية، وكذلك بشعر غوير الانكليزي، والشاعر الإيراني القديم ابن يمين. ومعروف أن أشعار بروين تفيض بالمشاعر الجياشة المتدفقة بخصوبة غريبة، وهي زاخرة بمعاني الشفافية والرقة وصدق المقاصد والرومانسية الحزينة الهادئة، ويتجلى حزنها في قصيدة «الطفل اليتيم» التي تعبر عن نفسيتها الحزينة لعدم رؤيتها والدتها وحرمانها من عطفها، حيث تقول فيها: أشياء رأيتها ولم أحبها، لم أر وجه أمي أبدا، والطفل اليتيم عيناه ليستا فرحتين، كم جميل نور وجه الأمهات، لكن لماذا لا أرى نورا أمامي؟ وكانت بروين تنظم القطع والقصائد على العروض العربية، إلا أنها كانت تحاول نظم قصائد القوافي، أو تنظم قطعا مدورة فتبدو وكأنها قطع نثرية موزونة، واتسم أسلوبها بالوضوح والرصانة! وعلى الرغم من غزارة انتاجها فإنها لم تكتب إلا قصيدة واحدة عن نفسها أوصت بكتابتها على شاهد قبرها، حيث تقول فيها: هذا التراب الذي تنامين فيه، هو نجم بروين وخطها، ان صاحبة الشعر واللحن الحزين، ترجو اليوم قراءة سورة الفاتحة ويس، المحبون هم الذين يذكرونها، والقلب الذي لا يعشق، لا يحب، كن ما كنت، ومن تكون فآخر المطاف هنا تكون، و مهما أوتيتَ من طغيان أيها المغرور، فعندما تصل الي هذا المقر، فانت بائس وخسران، ان بروين اليوم تُحلّق كالفراشة، كل من يري هذا يري عين الحقيقة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

دولة الخير.. ودولة الشر

لدينا أكثر من 1500 مسجد ومئات مراكز الدعوة والهداية الدينية وتحفيظ القرآن ومسابقاته وجوائزه، إضافة الى محاضرات دعوية في المساجد والمولات والمعسكرات الصحراوية، هذا غير قيام مئات آلاف المؤمنين سنويا بزيارات دينية لاكثر الأماكن قدسية لدى المسلمين. كما تزور البلاد عشرات «الشخصيات الدينية» كل عام لإلقاء المحاضرات، هذا غير مئات البرامج الدينية في التلفزيون والإذاعة التي تدعو الى سواء السبيل، كما لا ننسى هنا دور الصفحات الدينية في مختلف المطبوعات والمجلات، بخلاف ما تقوم به مئات الجمعيات الخيرية من أنشطة دعوية وطبع ونشر وتوزيع مئات آلاف الكتب والمنشورات والكتيبات التي تحث على حسن الخلق والاستقامة والزهد في الدنيا وفعل الخير وتجنب المعاصي، وغير ذلك كثير! ولكننا نجد في المقابل – وهنا بيت القصيد – أن خلال الفترة الزمنية نفسها زاد ارتكاب المعاصي والجرائم الجنسية وجرائم الفساد والرشوة بمعدلات فاقت معدلات زيادة السكان او التنوع العرقي والإثني بكثير، وحدث ويحدث كل ذلك في دولة يفترض أن شعبها يتمتع بأعلى مستوى معيشة في العالم، وحتما الوحيدة التي لا يوجد فيها من لا يمكنه الحصول على عمل، هذا إضافة إلى أن الكويت هي الدولة التي يفوق فيها نصيب الفرد من «الدرس الديني» أي دولة أخرى، فكيف يمكن أن نصدق، بعد كل هذا الزخم الدعوي وجود كل هذا العدد من مخالفي القوانين والمجرمين والمستهترين، وكفلاء كل هذا العدد الهائل من مخالفي الإقامة، الذين جلبوهم وتاجروا بعرقهم وحتى دمائهم، من دون أن يرف لهم جفن! فوجود كل هذا الكم من المساجين والمجرمين وأصحاب السوابق من المواطنين الممنوعين من السفر، في دولة توفر عملا لكل ساع له يبين أن هناك خللا ما، فما سبب كل هذا الفساد المنتشر ضمن «الإدارة الوطنية» في المؤسسات الحكومية وانتشار الرشوة علنا بين الجميع تقريبا؟! وكيف نصدق رضا كل هذا العدد من المواطنين لرواتب ومزايا من دون أن يقابلها قيام كثيرين منهم بأي مجهود يذكر أو حتى الاهتمام بالتواجد في العمل، مع حرصهم على أداء ما هو مطلوب منهم دينيا في المواقيت الصحيحة؟! وهنا يتبين لنا أن العبرة ليست في عدد المساجد وحجمها ولا بتكرار مسابقات القرآن وجوائزها ولا برحلات الحج والعمرة وفخامتها، ولا بتعدد الجمعيات الدينية ومجالسها، ولا بكثافة الدروس الدينية في المناهج الدراسية وتشعبها، فكل هذه «قد» تخلق شخصا متدينا ولكن، حسبما هو واضح، لا يمكنها أن تخلق مواطنا صالحا، والحقائق أمامنا واضحة، فالمواطنة الحقة والاستقامة في العمل وفي أداء الواجب الوظيفي ورفض الرشوة لا يمكن ضمانها عن طريق زيادة الجرعات الدينية، بل بالتوازن المعرفي والمنهج الدراسي الصحيح، وبالبعد عن التطرف والاقتراب من الاعتدال، وقبول تراث وثقافة الآخر، واحترام آدمية الغير. وفي السياق نفسه نجد أن نائبا يقول ان علم البلاد لا يستحق الاحترام لأنه مجرد «خرقة»، ويزيد عليه زميل له برفض الوقوف للسلام الوطني، لأنه نوع من الموسيقى المحرمة، فإنهم، بطريقة ما يرسلون رسائل عدة للنشء تقول انه ليس هناك علم وطني يستحق الاحترام، ولا سلام يستحق الوقوف، وبالتالي ينفيان بتصرفاتهما هذه مفهوم الوطن والمواطنة ويبرران لهما خيانته وسرقته وارتكاب ما يخطر على بالهم من مخالفات وجرائم بحقه، مع تسهيل اعتبار الرشوة والمتاجرة بالإقامات أمورا عادية لا تستحق كل هذه الضجة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصة الشاتوش

زاد ولع سيدات المجتمعات المخملية، وبخاصة في أوروبا وأميركا، وتاليا بين أغنياء المافيا الروسية، إضافة إلى سيدات المجتمعات الخليجية، زاد ولعهن باقتناء شالات الشاتوش، Shahtoosh، والتسمية قد تكون فارسية وتعني «ملك الصوف». حدث ذلك رغم الحظر العالمي على صيد وقتل ظبي الشيريو Chiru، مصدر صوف أو زغب الشاتوش النادر والثمين، والذي لا يزيد سمك شعيراته عن 11 مايكروميتر. وقد فرض الحظر على صيد الظباء عام 1975، ولكن شال الشاتوش يباع «سرا» في مناطق عدة من الهند، ويشتهر بإمكانية تمريره كاملا من خلال خاتم اصبع صغير، ومع هذا له فعالية كبيرة في توفير الدفء لمن ترتديه.
يعيش ظبي الشيريو في مرتفعات نيبال والتبت على ارتفاع 5000 متر، وهو دائم الترحال، ومعرض للانقراض بسبب قلة عدده وما يتعرض له من إفناء للحصول على صوفه ولحمه وعظامه! المشكلة الأخرى في الشاتوش، إضافة لندرته وحظر استعماله، هو خيوطه الرفيعة التي يصعب، بل يستحيل على أي كائن من كان حياكتها، وبالتالي لا تتوافر صناعة الشاتوش إلا في مناطق من كشمير، المتنازع عليها بين الهند وباكستان، وقد عرف العالم البشمينا، أو صوف الشاتوش عن طريق البريطانيين، إبان حكمهم للهند، وزاد الطلب عليه من يومها عالميا، علما أن هذا النوع من الصوف عرف للمرة الأولى في منتصف القرن السادس عشر، وزيادة الطلب عليه في السنوات المائة الأخيرة اجبر دول العالم المتقدم على إصدار حضر التعامل به على المستوى الدولي، وهو الحظر نفسه المفروض على مواد مماثلة كالعاج وقرون وحيد القرن وغير ذلك. وقد تأخرت الهند، ومن بعدها «جامو وكشمير» في التوقيع على اتفاقية الحظر، ولكن دخول الصين إلى سوق بيع الشاتوش، وتهريب مواده الخام من بوتان والنيبال اديا إلى تقليل فعالية الحظر، الذي سبق وأن ساهم في زيادة أعداد الظباء في هضبة التبت، وانخفاض الطلب عليه بنسبة %75. والشاتوش قد يكون صافيا بنسبة %100، وهنا يكون سعره مرتفعا جدا، أو خليطا من أصواف ناعمة أخرى بنسب أقل بكثير. كما أصبحت هناك شالات مصنوعة من فراء الأرانب تباع على أنها شاتوش، وهذه بالرغم من نعومتها الفائقة، فإنها لا تعطي دفء الشاتوش الحقيقي، ولا وزنه الخفيف، كما يصعب تمريره من خلال خاتم صغير، ويبدأ بعد فترة بالتساقط (الحت)، ونحن هنا لا ننصح باقتناء هذا النوع من المواد المحظور استعمالها عالميا، كما نحذر من شراء مواد مغشوشة أو ممنوعة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

البشر والكلاب

يقول المثل الإنكليزي You can’t teach an old dog new tricks، ويعني انه من الصعب تدريب كلب مسن على حيل جديدة، وهكذا مع الإنسان! ولكن طباع البشر تختلف عن طباع الكلاب ويمكن، بقليل من الصبر والمثابرة، أن يتعلم الإنسان، بصرف النظر عن عمره، أمورا وألعابا وحيلا جديدة، فليس لقدرات البشر حدود.
وقد انتج العباقرة والمبدعون فكريا غالبية أعمالهم المميزة بعد تجاوزهم مرحلة الشباب بكثير، وقد احتفل لبنان مؤخرا بمئوية الشاعر سعيد عقل، وهذه أول مرة في التاريخ يتم الاحتفال بتكريم شخصية عامة معروفة، المكرم لا يزال على قيد الحياة! كما يمكن حتى تغيير الصفات الشخصية للفرد كالغضب الشديد والعناد وحتى التقتير الشديد في الصرف من خلال تدريبات محددة. وعلى الصعيد الشخصي يمكنني الادعاء بأنني حققت الكثير من التغيير في حياتي بعد تجاوزي الستين، واصبحت اقوم بأمور ونشاطات لم أكن أعتقد، حتى وانا اصغر بكثير، أن بإمكاني مجرد قبول القيام بها، أو أن لديّ القدرة عليها! كما تعلمت «حيلا» وألعابا لطيفة، بعد أن تجاوزت السادسة والستين، ولا أعتقد أنني سأتوقف عن تعلم شيء جديد كل يوم، فكل يوم أتعلم كلمة من هنا وتعبيرا من هناك ونكتة من كتاب وطرفة من رسالة انترنت، وطريقة تفاوض جديدة. كما اصبحت أدقق وأساوم بطريقة أفضل في تعاملي مع الغير، في تجارة أو عقار! واصبح قطع مسافة 6 كيلومترات في ساعة سيرا، وفي منطقة جبلية، امرا يسيرا بعد أن كان في الخمسين أمرا مستحيلا! كما تعلمت استخدام التويتر لساعة والفيسبوك لنصف ساعة، وتوقفت عن استخدامهما. كما نجحت في قهر الإنترنت، وبرامج الكمبيوتر العصية الفهم، وغازلت «الوتس أب» لأيام وتركته لغيري، وعودت نفسي على قراءة كتاب من جهاز كمبيوتر قبل النوم، بعد أن كان مسك الكتاب في الفراش أمرا مقدسا ويصعب التخلي عنه، وهكذا تمضي الحياة سعيدة بنا إن وضعنا في بالنا أن لا شيء صعب ولا شيء غير قابل للتعلم، وإن بقليل من الجهد، فالمثل يقول: التكرار يعلم الشطار، وفي رواية اخرى «الحمار»، فهذا الحيوان المظلوم بإمكانه الاستدلال ومعرفة طريقه من نقطة لأخرى إن قام صاحبه بالسير معه مرة واحدة! ولكن البعض منا يرتكب الخطأ نفسه المرة تلو الأخرى ولا يتعلم ولا يتعظ، ومع هذا نصر على وصف الحمار بالحمق والجهل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأفورزم

تعني Aphorism القول المأثور أو الحكمة المختزلة في جملة قصيرة ودقيقة تعبر بذكاء عن ملاحظة أو حقيقة ما، فمثلا: نقول إن أفضل ما في المستقبل أنه دائما يبدأ في اليوم التالي! أو، المال يمكن ان يشتري لك كلبا جميلا، ولكن طريقة تعاملك معه هي التي تجعله يهز ذيله فرحا بك. وان افضل وقت تحتفظ فيه بفمك مغلقا هو عندما تكون تحت الماء. وكيف يمكن أن نفسر ما يتطلبه الأمر من وقت قصير ليطلب المراهق أن يكون في الظلام، وهو الذي كان يخاف منه قبل سنوات قليلة فقط؟ أو المشاركة في المؤتمرات الخارجية ضرورية للشركات لتعرف من من الموظفين الذين يمكن أن يسير العمل بدونهم! أو ليس هناك اسوأ من تلقي مكالمة خاطئة في الساعة الرابعة صباحا، وأكثر سوءا أن تكون المكالمة صحيحة! وعندما تقرر القيام بقراءة الكلمات الصغيرة خلف عقد قرض مصرفي او بوليصة تأمين فيجب أن تحضر نفسك لقراءة ما لا تود معرفته! ولهذا نجد أن الغالبية توقع مثل هذه العقود دون أن تفكر في قراءتها، فمن سيقرأ سوف لن يؤمن ولن يقترض، هذا اذا كان له «خلق» لقراءة 4 صفحات من الحروف الصغيرة!
ونقول: المال لا يمكن أن يشتري السعادة، ولكن لسبب ما فان البكاء في سيارة مرسيدس فخمة يجلب راحة أكبر من البكاء في سيارة فولكس قديمة.
وان قمت من النوم صباحا، بعد السبعين، وليس هناك ما يؤلمك أو يشغلك صحيا، فالاحتمال الأكبر أنك في مكان آخر، مع غير الأحياء.
والحياة لا تأتي مغلفة بعلبة جميلة وعليها رباط أنيق (أمبلاج)، ولكنها تبقى مع ذلك هدية رائعة. وقال لي صديق وسياسي سابق، ان الفرق بين سياسييّ الغرب وسياسيينا، هو الفرق بين الحمام الافرنجي والعربي، فالأول يحتاج الى بضعة براغي ليزال أما الثاني فان ازالته تتطلب تخريب الحمام بكامله تقريبا.
وأخيرا، نلاحظ جميعا في احتفالات دفن الشخصيات، وحتى البشر العاديين، أن حاملي النعش يسيرون عادة بخطى ثابتة وبطيئة! ويعتقد البعض أن البطء يعود من منبع الاحترام للميت وعدم الهرولة في دفنه، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد توارثت عادة السير بهذه الطريقة من عادة أوروبية قديمة، عندما كانت توضع شموع على زوايا النعش الأربع، والسير السريع، أو الهرولة بالنعش سيتسبب اما في سقوطها واما اطفاء شعلتها، وبالتالي كان حاملو النعش يحرصون على السير به ببطء!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الإخوان سرطان

رأت السلطة في الكويت في منتصف سبعينات القرن الماضي تقريبا أن التيار الوطني، الأقرب لليبرالية والممثل حينها للطبقة المتعلمة فوق المتوسطة، يشكل خطرا عليها، وأن الحل يكمن في تغيير المعادلة وتغيير طريقة ممارسة اللعبة الديموقراطية، وهنا اتجه بعض افرادها لسياسة تجنيس فئات معينة لترجيح كفة على أخرى! ورأى البعض الآخر التحالف مع القوى الدينية الأكثر محافظة وولاء! ما لم تدركه السلطة حينها أن الحكمة أو المقولة التي تنسب للملك عبدالعزيز بن سعود من أن «الدين طير يقنص به»، قد تكون مناسبة لمجتمع سلطوي ولكنها لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان، خاصة في المجتمعات الأكثر انفتاحا، فهؤلاء المتدينون يمكن الاستعانة بهم لتحقيق أهداف معينة، ولكن ليس من السهل التخلي عنهم وقت شاء من استعان بهم، بغير استخدام القوة، كما فعل ابن سعود مع «الإخوان» عندما عارضوا إصلاحاته، وكما فعلت قطر مع جماعة من مواطنيها قبل سنوات قليلة عندما وضعتهم على الحدود وطلبت منهم التصرف، مع الفارق. ولكن هذا الأسلوب ليس بالأمر السهل دائما، خاصة بالنسبة للكويت، وبالتالي يصبح أي تقريب للمتأسلمين، على حساب الفئات الأخرى، مغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر، فهؤلاء، متى ما تمكنوا لن يترددوا في استغلال الوضع لمصلحتهم وتمكين أنفسهم من الحكم، وما ذكره الفريق ضاحي خلفان، قائد عام شرطة دبي، غير بعيد عن ذلك، فقد بين في حديثه للزميلين حمزة عليان وعبدالسلام العوضي (القبس) قبل اسابيع قليلة، أن خطة «الإخوان» للوصول الى الحكم في الخليج ستبدأ من الكويت مع عام 2013، وسبب ذلك أنه ليس بإمكان حكومتها استخدام العنف ضدهم، إضافة إلى أنهم يحاولون منذ أربعينات القرن الماضي توطيد اقدامهم في الكويت، وهم اليوم أقرب ما يكونون الى السلطة من اي وقت مضى. وذكر الفريق خلفان أن هناك تعاوناً بين «إخوان» الكويت ومصر، فهذا التنظيم يدير خلاياه من الدول التي يتواجد فيها! وتصريح السيد خلفان هذا يتناقض مع كل ادعاءات وترهات «قيادات» الإخوان في الكويت» من أنهم يعملون بصورة مستقلة عن إخوان مصر، فواضح أن هناك حلفاً يربط الاثنين، والدليل أنه لا أحد من هؤلاء استطاع إخفاء فرحته، وحتى شماتته من أعدائه ومعارضيه، عندما نجح إخوان مصر في اكتساح غالبية مقاعد البرلمان، «ولكنهم سكتوا عندما فشل مرشحهم للرئاسة في الحصول على نصف عدد الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات النيابية، وهذا مؤشر واضح على انكشاف ألاعيبهم وخواء فكرهم».
نعيد ونحذر بأن وصول «الإخوان» يشبه وصول طبقة رجال الدين، او الملالي للحكم في إيران، فإزالة هؤلاء بالعنف أو السلم أمر أقرب للاستحالة منه لأي شيء آخر، فهؤلاء، في داخلهم وصريح عباراتهم، يعتقدون بأنهم ممثلو الله في أرضه، وحاملو رايته، ومبلغو رسالته، وكل اعتراض عليهم هو اعتراض على مشيئة الله وحكمه، وبالتالي يجب أن يقابل من يعترض طريقهم بأقصى درجات العنف، وقد وفرت نصوص دينية عديدة الذريعة لهؤلاء للجوء الى ما يرونه مناسبا لدحر، او تصفية أعدائهم، ان حاول هؤلاء «اغتصاب» الحكم منهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشملان وبلغريف

ينكب صديقنا الباحث يعقوب الإبراهيم منذ سنوات في البحث والتنقيب الدؤوبين في الأرشيف البريطاني عن كل ما يتعلق بتاريخ منطقة الخليج والعرب عموما، وأنشطتهم التجارية والتعليمية والسياسية، خصوصا أثناء حقبة النفوذ البريطاني في المنطقة، وعلاقة بريطانيا ببقية مستعمراتها السابقة، وبخاصة الكويت. ولو عرف صديقنا الإبراهيم ما يتضمنه بحر «اليوتيوب» من درر لما تردد في الغوص فيه ايضا بحثا عما يشده ويمتعه، خصوصا أن الصورة والكلمة المسموعة تكونان في أحيان كثيرة أكثر تأثيرا وابلغ في إيصال الرسالة. ومن الوثائق النادرة على «اليوتيوب» تسجيل لتقرير مصور، ربما قامت به الــ BBC في منتصف عام 1956، حيث يقوم مقدمه بزيارة البحرين، بعد تعدد واشتداد التظاهرات فيها، والمطالبة بدور أكبر في إدارة البلاد والتخلص من المستشار البريطاني بلغريف! ويقول مقدم البرنامج ان لبلاده علاقات جيدة بالبحرين كونها النقطة التي تدير منها بريطانيا مصالحها على امتداد شواطئ الخليج «الفارسي»! وانه يقف في المكان نفسه الذي فوجئ فيه وزير خارجية بريطانيا، سلوين لويد، أثناء زيارة مفاجئة له للجزيرة الصغيرة، بتظاهرة شعبية تطالبه بالضغط على حكومة البحرين لإدخال إصلاحات سياسية فيها وأن يكون للشعب دور أكبر في إدارة البلاد! ويقول المذيع ان لبلاده اتفاقية حماية مع البحرين، وهذا يوفر لها نفوذا كبيرا لدى قادته! ومن اطرف ما ورد في التقرير المصور على لسان مقدمه أن القوى الوطنية في الكويت كانت تراقب عن كثب ما كان يجري في البحرين من حراك سياسي، وأن البلدين يتشابهان في طريقة الحكم، وان الكويتيين ينوون الاقتداء بالبحرين في المطالبة بحق المشاركة. وقال المقدم إن المجتمع البحريني طالما تمتع بشكل عام بحرية تعبير أكبر، مقارنة بغيره، وكان لدى شعبها دائما رغبة في التحرر من الحكم البريطاني، مع شبه إجماع على وجوب مغادرة بلغريف وإنهاء نفوذه الكبير في الإدارة الحكومية. ومن الذين تمكن مقدم البرنامج من مقابلتهم المناضل البحريني عبدالعزيز الشملان، والذي أبدى تحفظا كبيرا على وجود بلغريف ودوره ونفوذه المشبوهين، وتدخلاته المستمرة في كل ادارة ومشكلة. ومعروف ان الشملان سعى للتخلص من نفوذ المستشار البريطاني، ولكنه عانى الكثير في سبيل ذلك، فقد قامت حكومة البحرين، وربما بإيعاز من بلغريف، بنفي الشملان إلى جزيرة «سانت هيلانه»، والتي سبق أن نفي اليها نابليون، كما نفت معه رفيقي دربه في «الهيئة الوطنية»، عبدالرحمن الباكر وعبد علي العليوات، بسبب دور الثلاثة في التظاهر ضد الحكم والتحريض على «الشغب» وعلى الوجود البريطاني. وفي 1961 أعيدت محاكمة الشملان في بريطانيا (!) وأفرج عنه ورد له اعتباره، واختار الاستقرار في سوريا، والتي بقي فيها حتى عام 1971، عندما عاد للبحرين لينتخب عام 1973 نائباً لرئيس المجلس التأسيسي، الذي وضع دستور البلاد. وعين بعدها سفيرا في مصر ومندوبا دائما للبحرين في الجامعة العربية، كما عين سفيرا في عدة دول أخرى قبل أن يتوفى في 30 ديسمبر 1988، عن 77 عاماً.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يا من تقصدون جيرتها

منذ شهرين تقريباً وأنا أقضي إجازة ممتعة في لبنان، ومنه قمت بزيارة القاهرة، حيث استضافني صديق كريم، والقاهرة، إضافة لبيروت، لا ينصح بزيارتهما، ولكني استمتعت بوقتي فيهما جدا، وأدركت أننا نميل لتكبير الأمور، خوفا من المسؤولية. وكان من المقرر أن نقوم، زوجتي وأنا، بزيارة القدس، ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تصدر لنا تصريح الدخول بسبب توتر الأوضاع، وضاعت منا فرصة المشاركة في احتفالية القدس بالدخول في قائمة غينيس للأرقام القياسية لأكبر مائدة طعام «أورغنك» طبيعية، وفي تظاهرة سلمية ضد محو هوية القدس العربية! المهم في الموضوع أن كل هذا التخوف أمر محير، فليس هناك اليوم ضمان من الوقوع في خطر أو حتى التورط في زحمة سير في أي من مدن العالم التي تصنف بالآمنة، فالأمان أصبح نسبيا حتى في ما نأكل ونشرب، وبالتالي لا مجال لمعرفة من أين يأتينا الخطر لنحتاط منه ونتجنبه! فمئات آلاف سائحي الخليج وغيرهم من لبنانيين وعرب كانوا يعتقدون أنهم سيقضون صيفية جميلة في لبنان عام 2006، وفاجأت إسرائيل الجميع بهجومها على لبنان، كرد فعل على قيام حزب الله بخطف اثنين من جنودها من داخل حدودها ورفض اطلاق سراحهما! وبالتالي لو أنني، بناء على ما حدث في تلك السنة، قررت الامتناع عن زيارة لبنان «لخطورة أوضاعه»، لبقيت ربما إلى الآن، أعاني من الخوف وأحرم نفسي من الاستمتاع بجمال لبنان وضيافته الرائعة وهواء جبله الصحي وكرم اهله وطيب فاكهته، وهنا نتكلم عن خمس سنوات، بانتظار أن تهدأ أحواله، وهي لن تهدأ، فهذا قدر لبنان المريض بأمراض عدة والذي لن يشفى منها أبدا، ولكنه، وبفضل كل أجهزة الدعم، محلية وعالمية، يمتلك خاصية البقاء حيا للأبد، بأهله وجباله وجماله! ولو قارنا أوضاعه الأمنية بغيره لوجدنا الفارق، فقد تعرضت شخصيا لمشاكل وسرقات في لندن ومدن برازيلية وأميركية عدة، وبإمكاني القول، ومن واقع تجربتي الشخصية، انني وطوال 56 عاما، لم يتم يوما توقيفي أو مضايقتي أو تورطي في أي حادث أو مشكلة او حتى خناقة أو سوء فهم خطير في لبنان بالرغم من طول فترات إقامتي فيه، وبالتالي لست على استعداد، بعد كل هذه التجربة الممتعة والثرية، أن اسمح للخوف بأن يحكمني ويمنعني من الاستمتاع بما تبقى من حياتي، فالحياة قصيرة ويجب ألا نجعلها أكثر مللا بالتردد من صعود الجبال. فيا محبي لبنان اتركوا مخاوفكم جانبا، وتعالوا لأحضانه، فليس في طبع الليالي الأمان، ولا تنسوا وأنتم في الطائرة أن تغنوا معي ومع فيروز، يا قمر مشغرة، ويا جارة الوادي طربت، ويا أرضك غنيه وبيوتك رضية وعجبالك العز راية عليي. ويا ساحر العينين يا حلمنا أسأل في الحيين عن دربنا. ويا كرم العلالي عنقودك لينا، يا حلو يا غالي شو بحبك أنا!

أحمد الصراف