احمد الصراف

استعداء الآخر.. الأكثر قوة!

يستخدم الغرب اصطلاح Islamophobia (الإسلاموفوبيا) للتعبير عن الخوف من كل ما يتعلق بالإسلام، حضورا وعادات وافكارا واسلوب حياة. وقد كتبت عشرات المؤلفات وألقيت مئات المحاضرات ووضعت آلاف الدراسات عن هذا الموضوع، ولا يزال الأمر في بدايته! ولا يقتصر هذا العداء أو التخوف على المجتمعات التي توجد فيها أعداد كبيرة من المسلمين، بل أصبح يشمل جميع المجتمعات الغربية، الأمر الذي سيؤثر حتما في سياسات الهجرة والعيش المشترك فيها. وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا وخطورة هو الحجم البشري الضخم الذي اصبح يشكله المسلمون في العالم، وما تجمع لدى البعض منهم من ثروات نقدية نتيجة امتلاكهم لعصب انتاج النفط وغالبية احتياطياته المعروفة، وأخيرا للحالة البائسة التي تعيشها غالبية مسلمي العالم، التي تجعل من أوضاعهم قنبلة موقوتة، وهنا مكمن الخطر، أو هكذا يتصور الغرب! من جانب آخر تشعر غالبية المسلمين، والفقراء منهم بالذات، وهم الأكثر، ان الغرب من جهة، وضعف الإيمان الديني من جهة أخرى، هما سبب كل مشاكل المجتمعات الإسلامية، وأن لا خروج من هذا الوضع البائس بغير التمسك بالدين ونشره! وعندما ينتشر الإسلام ويتسيد أتباعه العالم سيختفي الفقر وتنتهي الأمراض! ولكن بما أن الغرب هو العقبة الكأداء أمام تحقيق مثل هذا الحلم، فلا مفر بالتالي من معاداته، والسعي الى تحطيمه في مرحلة لاحقة، ودفع شعوبه لاعتناق الإسلام، وذلك قبل أن ينتهوا من تآمره على الإسلام والمسلمين وإفنائهم، خاصة أن الغرب يمتلك أسلحة الدمار الشامل اللازمة لأداء هذه المهمة، هذا غير اكتفائه ذاتيا بما يلزم لاستمرار وجوده ورفاهيته! وهنا لا نبالغ إن قلنا ان هناك أنظمة غربية، أو أجهزة سرية متخصصة، تعمل علنا وسرا على التدرب في كيفية محاربة مسلمي العالم، أو على الأقل تحييدهم أو القضاء على ما يشكلونه من خطر على المجتمعات الغربية المتقدمة، خاصة أميركا! ولكن هل لدى أي دولة إسلامية، او المسلمين مجتمعين، أي خطة أو استراتيجية، على فرض أن الكبار يعرفون ما تعنيه الكلمة، لمواجهة مثل هذا المصير الذي يبدو يوما عن يوم أنه الاحتمال الأكثر قابلية للحدوث في السنوات العشر المقبلة، على أقصى تقدير؟! الجواب بطبيعة الحال هو «لا» كبيرة، وبالتالي لماذا كل هذا الإصرار «الأهبل» على معاداة الغير، والغرب بالذات، ونحن بكل هذا الضعف والهوان؟! ول.مَ نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى «رهطا» منا يسعى بكل جهده وزبيبته تسبقه لأن يرعب الغرب ويجعله يحترس منا جميعا، ويعمل لتأمين مجتمعاته من آفاتنا؟ أقول ذلك ليس لإيماني بأننا على باطل وهم على حق، او العكس، فليس لدي أداة لقياس ارجحية أي الرأيين، ولكني أتكلم من منطق واقعيتي، فطالما أننا لسنا بقدر المهمة في مواجهة الآخر، لا بالسلاح ولا بالغذاء ولا حتى بالعصي والحجارة، فالأولى أن نهادنهم، وأن نعمل أولا على تقوية مجتمعاتنا، ورفع مستوى الرفاهية فيه، ووقتها سنكتشف أن لا أحد يود التضحية بما لديه لكي يقضي على الآخر، وإن الغرب ليس عدونا بقدر ما نحن أعداء بعضنا بعضا، ونحن السبب في جهلنا وتخلفنا وفقرنا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حرف ال x والشيء

اكتشف احد اساطين الفتاوى الغريبة وجود ما يشبه شكل الصليب داخل ثمرة الطماطم، وحرم على المسلمين تناولها! وهذه فتوى سخيفة وسبب تافه لمنع تناول ثمرة طيبة، وتحريض على كراهية الآخر، ولكننا نرى في جانبهم غير ذلك، حيث قام تيري مور بطرح تساؤلات في برنامج TED الشهير، عن سبب استخدام الغرب، وبقية العالم لحرف x في الاشارة لامر او شيء غير معروف، كأن نقول ملف x او فضيحة السيدة x او المعامل x في الرياضيات، او للاشارة الى «الشيء» غير المعروف او المطلوب ايجاده (يستخدم في العربية حرف السين)، ويقول انه قرر قبل 6 سنوات تعلم اللغة العربية ووجدها لغة دقيقة، واكتشف ان الفرس والعرب، ومن بعدهم الاتراك، وضعوا اسس العلوم الغربية في الرياضيات والهندسة كعلم الجبر، وان هذه المعارف وجدت طريقها للغرب من خلال العرب في الاندلس، وكانت هناك رغبة شديدة لترجمة تلك العلوم للغات الاوروبية، ولكن حال دون ذلك صعاب بسبب عدم وجود حروف مقابلة او مماثلة في اللغة الاسبانية، او صعوبة نطق بعض الحروف العربية، ومنها حرف الشين، وهو الحرف الاول من كلمة «شيء»، التي تستخدم بكثافة في الرياضيات، ولا يوجد لحرف الشين مقابل لفظي في الاسبانية فقام هؤلاء «باقتراض» حرف محدد من الكلاسيكية الاغريقية يماثل في لفظه حرف الشين وشكله X، وهذا سهل لهم ترجمة النصوص القديمة، كالنص التالي، الى الاسبانية: «جزء الشيء هو عدد نسبته الى الواحد كنسبة الواحد الى ذلك الشيء، فإن كان الشيء ثلاثة كان جزؤه ثلثا، وان كان الشيء ثلثا كان جزؤه ثلاثة..! حيث استبدلوا كلمة «الشيء» بــ x! ولكن بعد نقل هذه النصوص من الاسبانية لغيرها من اللغات الاوروبية تحول هذا الحرف الاغريقي تدريجيا ليصبح x الحالي! وبالتالي، فإن استخدام حرف الاكس للاشارة لغير المعروف كان سببه عدم معرفة الاسبان بكيفية نطق كلمة «الشيء» العربية!.
والآن هل سيقوم واضعو مقررات الرياضيات في دولنا باستخدام حرف الـ«اكس»، بدلا من حرف «السين»، في المسائل الرياضية، كما هو سائد الان، ام ان المسألة ستتطلب قرونا من الجدل، والدجل، قبل ان نكتشف الحقيقة، مثلما استغرق الامر قرونا لنكتشف ان «الارقام العربية» هي ارقام هندية، وان التي يستخدمها الغرب هي الارقام العربية؟ ومتى يتعلم «متخلفونا» فضيلة التسامح واحترام الاخر ورموزه الدينية، والاقرار بفضله علينا، من دون حساسية؟.
***
* ملاحظة: غاب الآدمي، ابن الاوادم جاسم القطامي، ليثبت ان قلة فقط، عندما تغادر هذه الدنيا تقوم بأخذ شيء من النفس معها، ومن هؤلاء هذا الانسان الكبير، الذي غادرنا قبل ايام تاركا في القلب غصة! فقد كان بالنسبة لوطنه، ولي شخصياً رمزاً ومعلما في الوطنية ومعلما في انسانيته!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجلس الأمة والكوكا كولا

يعتبر مشروب شركة الكوكا كولا الأكثر شهرة في العالم والأقدم، حيث تأسست عام 1880، ولا تنافسها غير البيبسي. وبدأت الشركة إنتاجها الكبير في القناني عام 1892، وفي عيدها الخمسين أصبحت الكوكاكولا رمزا للرأسمالية الأميركية وثقافتها «الغذائية» الجديدة. وفي ابريل 1985، ووسط حملة إعلانية ضخمة، قامت الشركة باستبدال مشروبها السابق بآخر جديد، بعد ان بينت آراء عشرات الآلاف تفضيلهم صواب الفكرة، وهكذا أصبح هناك الكولا الجديدة! وبالرغم من كل ما بذلته الشركة من جهد ودراسة وتجارب طويلة، وحتى الاستعانة بالفتوى والتشريع»!! فإنها لم تحسب حسابا للعشق القديم بين المستهلك الأميركي و«الكولا القديمة»، وما كانت تمثله من علاقة عاطفية وذكريات صبا، وتسبب ذلك في ردة فعل قاسية رافضة للمشروب الجديد، وأصرت على عودة القديم، وهذا اجبر شركة الكولا، وبعد أربعة أشهر تقريبا، على إعادة «الكولا القديمة» للسوق، واحتارت في ما تفعله بالكولا الجديدة، التي انفقت مئات الملايين على تجربتها وإنتاجها! وفي لحظة ما أصبح في السوق «كولا قديمة»، من المخزون السابق، و«كولا جديدة» مما تبقى من المشروب الجديد في الأسواق، ولا يزال له محبوه، و«كولا قديمة جديدة»، بعد إعادة إنتاج وتسويق القديم بطعمه وشكله نفسهما!
ولو قارنا ما حدث قبل 30 عاما تقريبا مع «إدارة الكولا» مع ما جرى في الكويت قبل ايام، لوجدنا أوجه تشابه عدة، فقد تم حل مجلس 2009 وجرى انتخاب مجلس جديد بتسمية «مجلس 2012»، وجاء حكم المحكمة الدستورية، بعد أربعة اشهر تقريبا، لينهي حياته، ويعيد الاعتبار لمجلس 2009 السابق! وفجأة أصبح لدينا برلماني سابق وبرلماني «مع وقف التنفيذ» أو غير موجود، وبرلماني سابق جديد!
والطريف أن شركة «البيبسي»، المنافسة الكبرى للكولا، انتهزت فرصة تورط الكولا في تلك الفوضى التجارية وقامت بنشر إعلان في جريدة الــ«نيويورك تايمز» على صفحة كاملة، وأتذكره جيدا الآن، وضمنته جملة واحدة كتبت في منتصف الصفحة البيضاء بخط صغير ووضعت اسمها في اسفل الصفحة بخط اصغر وقالت فيه: After 90 years of eye to eye, the other eye blinked!
بعد 99 عاما من بحلقة العين في العين، رفت العين الأخرى!
وقد فاز ذلك الإعلان بجوائز عدة، حيث تمكن بجملة قصيرة من إرسال رسالة قصيرة وواضحة من دون إهانة الطرف المنافس أو الحط من قدره، بل قالها بكل كبرياء وانفة، فهل نرى شيئا من هذا القبيل، يضع حدا للمهاترات السياسية التي سئم الجميع منها والتي ستحرق الأخضر قبل اليابس في هذا الوطن الصغير الذي كان يوما ما وطنا جميلا؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أداة القياس

توجد في الحياة أدوات وطرق قياس لكل شيء تقريبا من المسطرة إلى ميزان الحرارة وميزان الوزن وغير ذلك، وهذه الأدوات تجعل من السهل مثلا تحديد مساحة غرفة مقارنة بغيرها، أو ثقل جسم مقارنة بآخر أو سرعة سيارة بغيرها. وعادة ما يقبل الجميع بالنتيجة من دون تردد، لأن أداة القياس حجة يصعب الطعن فيها. ولكن تصبح الأمور أكثر صعوبة عند مقارنة نص أدبي بآخر، أو قصة بأخرى، فهنا، وفي غياب تام لأي أداة قياس موحدة متفق عليها، أو جهة تمتلك القول الفصل، تتداخل خلفيات الأحكام الثقافية والدينية والذوقية في مسألة تحديد أي النصين، أو النصوص، أكثر بلاغة أو جمالا من غيره، وبالتالي تتعدد الآراء وتختلف الرؤى، وقد يتطور الأمر ويصل إلى درجة الخلاف الكبير، وقد تتجه فئة لفرض «ذوقها» أو رأيها على البقية لاعتقادها بأن ليس فقط القرب للصحة أو الحقيقة، بل هو الحقيقة المطلقة، وكل ما عداه هراء في هراء، وتتعقد الأمور أكثر عندما يجد طرف أن الوسيلة الوحيدة لفرض رأيه على الغير لا تكون بغير اللجوء للقوة. أكتب ذلك على ضوء الموضوع الذي نال بموجبه الشيخ مصطفى محمد راشد درجة الدكتوراه في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر بتقدير عام امتياز، حيث ورد فيه أن الحجاب ليس فريضة اسلامية، وان تفسير الآيات بمعزل عن ظروفها التاريخية، واسباب نزولها قد ادى إلى فهم مغلوط شاع وانتشر بشكل كبير حول ما يسمى بـالحجاب الاسلامي، والحجاب هو المراد به غطاء الرأس الذي لم يرد لفظه في القرآن على الاطلاق، الا ان بعضهم قد اختزل مقاصد الشريعة الاسلامية وصحيح التفسير ورفض إعمال العقل في نقله وتفسيره، وأورد النصوص في غير موضعها وفسرها على هواه، مبتعدا عن المنهج الصحيح في التفسير والاستدلال الذي يفسر الآيات وفقا لظروفها التاريخية وتبعا لأسباب نزولها، إما لرغبتهم وقصدهم في أن يكون التفسير هكذا، واما لحسن نيتهم لأن قدراتهم التحليلية تتوقف إمكانات فهمها عند هذا الحد لعوار عقلي أو آفة نفسية!
وهنا نجد أن من السهل على آخرين الطعن في كلام الشيخ مصطفى، وتقديم أدلة معاكسة تثبت أنه هو الذي يشكو من عوار عقلي أو آفة نفسية، وسيصل آخر إلى نتيجة تخالف الرأيين، وهكذا. وعليه، وفي غياب أي أدوات قياس حيادية أو عقلية حاسمة، يصبح من الصعب، او المستحيل، الوصول إلى رأي تام وبات متفق عليه في أي موضوع تقريبا، والحل هو في قبول كل طرف بما يعتقده الطرف الآخر، والعيش معه بسلام، وخلاف ذلك لا فيصل غير إعمال القتل بعضنا في بعض حتى آخر نفس، وليصبح من بقي على قيد الحياة، ولو مصادفة، هو صاحب التفسير الصحيح! وحتى هنا لن ينتهي الأمر، فسرعان ما سيدب الخلاف من جديد بين المنتصرين على ما هو صحيح وما هو أصح، أو الأكثر صحة، وهذه سنة الحياة، والعاقبة لمن اتعظ!

أحمد الصراف

احمد الصراف

العودة للحفاة والحجاب

يبدو أن مقال يوم الأربعاء الماضي عن الحجاب والحفاة أثار شجون البعض فكانت هذه التعليقات:
يقول سالم، المصري، إنه يقوم، ومنذ عشرين عاما تقريبا، بتوصيل والده لمحله التجاري، وإعادته للبيت مساء، ويقول إن والده قليل الكلام، ومع هذا كثرت تعليقاته في السنوات الأخيرة بخصوص ما كان يراه من مظاهر خلاعة وطريقة لبس الفتيات والسيدات في الشارع، أو وهن يقدن مركباتهن! وأنه دأب في الاشهر الأخيرة على التطاول على البعض منهن لفظا، وشكواه لا تنحصر فقط في عدم ارتدائهن للحجاب، بل وفي إصرار البعض منهن على كشف أجزاء كبيرة من أذرعتهن، وأن الأخلاق، بنظره، أصبحت في الحضيض، وأن هذا لا يرضي الله ولا رسوله، وأن على الحكومة أن تفعل شيئا لوقف هذا الانحدار والتسيب الاخلاقي المستشري. ويقول سالم انه كان يتفق كثيرا مع ملاحظات والده ويشاركه الشعور نفسه، وانه كاد في أحد الأيام أن يوقف سيارته ويوجه صفعة لتلميذة مدرسة بسبب قصر «تنورتها»، وانه لم يتردد في توجيه ملاحظات عدة للبعض منهن، وكان يتساءل دائما عن سبب سكوت السلطات عن هذا التسيّب وان في الأمر مؤامرة على الشعب، وتخريب أخلاقه لتسهل السيطرة عليه! ويقول ان مقالي عن الحجاب وحفاة الأقدام لفت نظره إلى حقيقة أنه ووالده، وطوال العشرين عاما الماضية على الأقل، لم يشكوا يوما من أكوام الزبالة في طريق ذهابهما وإيابهما، والتي كانت انظارهما تقع عليها كل يوم، ولا آلاف الذباب الذي يغطي زجاج مركبته كلما اضطر للتوقف بجانب أحد اكوام القاذورات، ولا عشرات المتسولين الحفاة الأقدام من بائعي العلكة الذين يدقون، بمذلة واضحة، على زجاج السيارة عند إشارات المرور متوسلين ومتسولين قروشا بسيطة، وإمارات الجوع والحرمان من الأكل والدراسة وربما النوم، بادية عليهم! كما لم تهزه ولا والده أو تلفت نظرهما عشرات الحفر التي كانا يضطران يوميا للوقوع فيها، ولا زحمة السير الخانقة، وعشرات القضايا والمآسي التي يصادفها كل من يسير أو يتحرك في شارع قاهري، ولكنه كان يشعر ويلاحظ كم كانت الدماء تفور في رأسه ورأس ابيه لرؤية من تقود سيارتها المكشوفة، مثلا بغير، غطاء رأس أو حجاب، وبذراع مكشوفة!
ويقول الصديق نور رازق، انه ذهب وزوجته في أحد الأيام لتخليص معاملة رسمية وهناك طلب منه «رئيس القسم»، بكل خشونة، تكليف ساع محدد بمهمة إنهاء المعاملة، والعودة في اليوم التالي لتسلمها، وهنا شعر بأن في الأمر شيئا، ولم يخب ظنه، حيث طلب منه الساعي دفع مبلغ كبير لـ «البيه»، كرشوة، لإنهاء المعاملة، وحيث ان زوجته كانت مضطرة لها فقد الحت عليه بدفع «المقسوم»، وهكذا كان، وعاد في اليوم التالي معها لمكتب رئيس القسم الذي رحب بهما، هاشا باشا، وطلب منه توقيع الأوراق في أماكن محددة من النماذج الرسمية، وأن يكتب اسم والدته وزوجته كاملين! وهنا أخذ الرئيس النماذج وفحصها ورفع رأسه ونظر إليه قائلا: أنت مسلم؟ فرد نور: نعم، والحمد لله! فقال له رئيس القسم، الذي سبق أن قبل رشوته، والذي تغير موقفه منه بسببها واصبح اكثر لطفا: كنت فاكرك مسيحي! يا أخي، ما دام انت مسلم، مش حرام عليك مخلي مراتك من غير حجاب؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

جاك وحليمة

قرر جاك وصديقه بوب الذهاب لممارسة رياضة التزلج على الجليد في أحد المنتجعات. انطلقا بسيارتهما الصغيرة شمالا، ولكن عاصفة ثلجية فاجأتهما في منتصف الطريق واجبرتهما على اللجوء الى مزرعة قريبة طلباً للمساعدة، وهناك فتحت لهما سيدة، تبدو عليها مسحة من الجمال، الباب، فسألاها ان كان بامكانهما قضاء الليلة في بيتها، بعد ان انقطعت بهما السبل! فقالت السيدة إنها محرجة، فقد توفي زوجها قبل فترة قصيرة، ولها جيران يراقبون كل حركاتها، ولا تريد أن تلوك الألسن سيرتها في كنيسة الأحد على الرغم من تعاطفها مع وضعهما. فقال لها جاك إنه يتفهم موقفها وإنهما لا يريدان غير أن تسمح لهما بالنوم في المخزن الملاصق للزريبة، ولا يحتاجان منها الى شيء غير ذلك، وسيغادران بكل هدوء في الصباح مع تحسن الطقس، وسيسعيان بألا يراهما أحد! وافقت السيدة على طلبهما، وان على مضض. وفي الصباح، وبعد هدوء العاصفة غادر الصديقان وواصلا رحلتهما لمنطقة التزلج وقضيا عطلة أسبوع جميلة.
بعد تسعة اشهر بالتمام تسلم جاك رسالة غير متوقعة من مكتب محاماة شهير، وقد تردد كثيرا في فتح الرسالة، ولكنه قال لنفسه انها ربما تكون من محامي تلك السيدة التي قضيا الليلة في مخزنها، وهنا ذهب الى مكتب صديقه بوب وبكل جدية سأله: هل تتذكر تلك السيدة المملوحة التي قضينا الليل في مخزن زريبتها في عطلة نهاية الاسبوع؟ فقال بوب:‍ نعم أتذكر جيدا. وهل تعلم أن ذلك كان قبل تسعة أشهر؟ فرد بوب وبصوت يشوبه القلق: نعم نعم أعتقد ذلك. وهنا بادره جاك بالسؤال الثالث: وهل تركتني في تلك الليلة نائما، وتسللت خفية الى مخدعها؟ وهنا قال بوب بصوت محرج: نعم، لقد فعلت ذلك، وأنا مدين لك بالاعتذار لأنني لم اخبرك بالأمر في صباح اليوم التالي، لقد أخطأت! فقال جاك: وهل عندما سألتك السيدة عن اسمك اعطيتها اسمي بدلا من اسمك؟ فقال بوب بصوت يملؤه الخجل وقد احمر وجهه تأثرا: نعم فعلت ذلك أيضا، وأكرر اعتذاري، ولكن لمَ كل هذه الأسئلة، وما هذه الرسالة التي بيدك، والتي تلوح بها في وجهي؟ فقال جاك: يبدو أنك تركت انطباعا جديا لديها في تلك الليلة، ولسوء حظك، أو لحسن حظي، توفيت السيدة قبل اسبوع وأوصت بجزء كبير من ثروتها لي!
وبعيدا عن جاك وصاحبه، فالمثل الشعبي يقول «عادت حليمة الى عادتها القديمة»، وقصته أن حليمة كانت زوجة حاتم الطائي(!) وكانت بخيلة جدا لدرجة أن يدها كانت ترتجف وهي تضع السمن في القدر، فأراد الطائي أن يعلمها الكرم فقال لها: انها كلما وضعت ملعقة سمن في قدر الطبخ زاد عمرها يوما، وهنا صار طبخها طيبا! بعد فترة مات ابنها الذي كانت تحبه أكثر من نفسها، فتمنت الموت لتلتقي به، فأخذت تقلل من السمنة لكي يتناقص عمرها، وهنا قالوا: «عادت حليمة الى عادتها القديمة»!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحجاب والحفاة

لفتت صورة معبرة انتشرت على الإنترنت نظر كثيرين، بسبب شديد تمثيلها لواقعنا المر. فنحن، وفي عواصم عربية وإسلامية عدة لا تسترعي نظرنا ولا نشعر عادة بالألم إن وقعت أعيننا على صبي أو صبية حافيي الأقدام! ولكننا في الوقت والمكان نفسيهما نتألم ونتضايق، وربما نستنكر، باللفظ على الأقل، عند رؤية امرأة لا تضع قطعة قماش على رأسها! ففي الحالة الأولى، الاشد إيلاما وقسوة، لا نرى الأرجل العارية، كما في تلك الصورة، فالمنظر طبيعي جدا، في مجتمعاتنا ولا يستحق التهويل، أما في الثانية، والأقل خطورة وأهمية، فإننا غير قادرين على السكوت إن رأينا الشعر مكشوفا.
كما لاحظت في كثير من القرى اللبنانية والباكستانية، والأمر يسري على بقية قرانا ومدننا المقدسة بالذات، ان اهتمام الأهالي بتشييد جامع أو حسينية في القرية يتزايد يوما عن يوم، فعدم وجود دار للعبادة أمر مثير للاستغراب، ولكن افتقار القرية إلى مدرسة، ولو ابتدائية، او مستوصف أمر لا يثير استغراب أحد، لاعتقاد هؤلاء أنهم مكلفون نصا بتوفير دار للعبادة، فببنائها نكسب السمعة في الدنيا والأجر في الآخرة، ولا أجر هناك على بناء دار علم أو إنشاء مكتبة أو بناء مستشفى للعلاج! وعندما تتسابق مجالس الجمعيات التعاونية على توفير رحلات الحج والعمرة المجانية لغير القادرين ماديا من سكان المنطقة، أو يقومون بتوفير موائد إفطار في رمضان، فإنهم لا يبذلون نصف ذلك الجهد في التدقيق على جودة البضائع على أرفف جمعياتهم، أو أن اسعارها غير مبالغ بها، أو ان موردها لم يدفع رشوة عنها، والسبب هنا أيضا أن التدقيق والحرص على هذه الأمور لا أجر عليها ولا خير فيها! كما نجد أننا حتما الأمة الفريدة والوحيدة التي لا يتردد البعض من أفرادها في إفساد ذمم الغير في سعيهم للحصول على الثواب وأداء واجب ديني! فقد ورد في القبس، (7 مايو الماضي)، أن «اللجنة العليا لشؤون الحج» اجتمعت لمناقشة بعض القضايا الشائكة، ومنها تلاعب بعض أصحاب الحملات بالوافدين وتوفير تأشيرات حج لهم بأسعار تميل للسوق السوداء! وهذا يعني أن هناك من دفع، أو على استعداد لدفع «رشوة» ليحصل على تأشيرة لأداء فريضة دينية! وهذه من غرائب الدنيا الثماني في أمة أكثر غرابة لا تستطيع أن تدرك مدى خطورة ما تقوم به من تخريب لذمم الآخرين مادام ذلك يؤدي، باعتقادها، إلى أن تحصل على الأجر والثواب. وهنا نجد أن مناهج مدارس أبنائنا تفتقد حتى لفقرة واحدة تحرم ارتكاب مثل هذه التصرفات غير الأخلاقية، وبالتالي ليس مفاجئا أن أحدا في وزارة التربية، ذات النسبة الأعلى من «المتأسلمين» بين صفوف العاملين بها، وخاصة من المعلمين والمعلمات، لم يعترض على خبر غريب أو «يخاف ربه» عندما كشفت دراسة أن %62 من طلبة جامعة الكويت لديهم خبرة سابقة في ممارسة الغش! وأن %93 من هؤلاء الطلبة شاهدوا زملاء لهم يغشون في الامتحانات! والمأساة لا تكمن فقط في ارتفاع نسبة الغشاشين بين الطلبة، وربما في كل مرافق المجتمع، بل في الطريقة السهلة و«الطبيعية» التي نتعامل فيها مع مثل هذه الظواهر الخطيرة، فالمهم بنظرنا أن الطالب والطالبة يلتزمان باللباس الشرعي، وأنهما يؤديان الصلوات في مواقيتها ويصومان رمضان، وكل عام وأنتم وهم بخير!

أحمد الصراف

احمد الصراف

في الزيارات والنظافات (2-2)

هنالك من يعد الشيعة مثلا مشركين ويجب العمل على إفنائهم، وهناك من يعتقد أن الأقباط يجب أن يتركوا مصر ومسيحيي لبنان يجب أن يهاجروا منه، وآشوريّي العراق وكلدانه يجب التخلص منهم، وهكذا، وهذا ليس أمرا بائسا فقط بل مضحك أيضا، وإن كان ضحكا كالبكاء، فكيف يمكن أن يفكر أي طرف في إفناء غيره، ولو كانوا يعدون بالملايين، لمجرد أنهم يتبركون بمقابر أئمتهم مثلا؟ وتصبح المسألة أكثر استحالة عندما نعلم أنه لا توجد دولة عربية واحدة لا يوجد فيها مزار مقدس أو قبر يتبرك به او رمز يطلب منه الشفاء والخير، فهذا ما نراه شائعا في مصر وتونس والسودان وموريتانيا والسنغال والهند وباكستان وغيرها العشرات، فهل سيقوم هؤلاء المتطرفون المجانين بإفناء مسلمي كل هذه الدول ليثبتوا للعالم أنهم على حق، ولكي ترضى نفوسهم المريضة؟
وبهذه المناسبة يقوم صديق مغرم، منذ أكثر من نصف قرن، بزيارة «الأضرحة» والمدن المقدسة من اليابان مرورا بتايلند وإيران والعراق وحتى سيدنا البدوي في مصر، والأوزاعي في لبنان والسنوسي في ليبيا ومولاي عبدالله في المغرب. ويقول صديقنا انه لاحظ أن غالبية أماكن العبادة في العالم عادة ما تكون نظيفة ومرتبة، وترحب بشكل عام بالسائح والزائر، وحتى الفضولي، وتوفر للجميع الخدمات المناسبة، بصرف النظر عما إذا كانو زواراً عاديين أو متعبدين. ويقول إن الصورة تختلف تماما في أماكن العبادة والقداسة في الدول الإسلامية بشكل عام، حيث نجد أن غالبية هذه الأماكن تفتقر الى خدمات المواصلات السهلة والرخيصة وأماكن الاستراحة لكبار السن، وأن أوضاعها متهالكة، والأسوأ أن أماكن قضاء الحاجة فيها هي الأقل نظافة في العالم والأكثر سوءا، فلا خدمات عامة ولا مياه ولا نظافة، هذا إن وجدت أصلا! كما أن هذه المناطق تفتقر بشكل عام الى خدمات البنية التحتية بصورة مخجلة، فلا مياه جارية ولا مقاه ومطاعم نظيفة، وقال ان الأمور لم تتحسن كثيرا فيها منذ نصف قرن، عندما بدأ اول زياراته لمدن العراق. ويقول إنه لاحظ أمرا أسوأ وهو أن الوضع العام لهذه المدن في ترد مستمر بالرغم من الزيادة الكبيرة في عدد زائري تلك المدن، وبالتالي زيادة مدخول «المشرفين عليها» من السياحة الدينية، فلا فنادق نظيفة ولا مقاه ولا خدمات مواصلات يعتمد عليها ولا حمامات وهكذا، وهنا يتساءل عن سبب هذا الوضع المزري!؟ وبالرغم من جهلي بما يتحدث عنه قلت له ان الأمر ربما يعود بصورة أساسية إلى تخلفنا العام وإلى عدم اهتمامنا بما يكفي بالسياحة الدينية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكمن السبب في أن غالبية هذه الأماكن يتوارث الإشراف عليها، وتحصيل ما يتم التبرع به من أموال، أسر معروفة، وحلت مؤخرا أحزاب وعصابات قوية محل البعض منها، وليس من مصلحة هذه الجهات أو من أولوياتها الاهتمام بالمرافق العامة ولا بالخدمات الأرضية وما تحتها، خصوصا ان هذه المناطق كانت تاريخيا منسية من قبل الحكومات المركزية، واستمر الإهمال والنسيان «المفيد» إلى يومنا هذا. حتى عندما حاول البعض الاستفادة ماديا من النقص الشديد الذي تشكو منه هذه الأماكن في الخدمات والفنادق والمطاعم، لحقت بهم خسائر مادية بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية في تلك الدول، وقد تتعدل الأمور معهم «إن» استقرت الأوضاع الأمنية في تلك الدول، ولكن هل هناك أمل في ذلك؟.

أحمد الصراف

احمد الصراف

في المزارات والنظافات (2-1)

حاول هتلر، عندما كانت ألمانيا في أوج قوتها العسكرية والاقتصادية، وكانت الدولة الأعظم في حينه، حاول، ولأسباب تتعلق بأوهام سيادة العرق الآري على غيره، حاول وضع ألمانيا فوق الجميع، كما كان، أو لا يزال، يقول نشيدهم الوطني! وتطلب ذلك من هتلر التخلص، ولو حرقا، من الأجناس الوضيعة ضمن شعبه! وقد ورد على لسان الكاتب الفلسطيني، ناصر الدين النشاشيبي، في أحد كتبه، أنه عندما زار ألمانيا بعد انتهاء الحرب بسنوات، مر على بعض من أثر ذلك الرجل الذي وضعنا، اي العرب، في الدرك الــ14 بين شعوب العالم، ولا يأتي بعدنا غير اليهود والسود! وبالرغم من ألمانيا وصلت لقمة تقدمها التقني والمالي والصناعي في جميع المجالات، وكان هذا يتيح لها تبوؤ مكانة عالية بين بقية أمم الأرض، إلا أن أحلام العظمة التافهة التي غزت مخيلة الزعيم النازي تسببت في توريط شعبه ووطنه في حروب عبثية طالت العالم أجمع. وقد كانت الآلة العسكرية الألمانية واجهزة الغستابو السرية وغيرها، هي الأكثر قوة وعنفا في التاريخ. وعندما قرر هتلر إفناء اليهود عن بكرة أبيهم أعد لهم محارق عدة (الهولوكست) ساق لها قسرا الملايين منهم، ولم توفر أو ترحم أجهزته أحدا إلا من كان بإمكانه تقديم خدمة علمية للنظام النازي! ولكن مع كل البطش والقتل الجماعي الذي مارسه هتلر، وقلة عدد اليهود النسبي في ألمانيا واوروبا، إلا ان جهود إفنائهم فشلت في النهاية، وحدث ذلك في ظل غياب تام لأي منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان أو أي مواثيق ومعاهدات تضمن حقوق الأقليات. وعليه يمكن الاستنتاج، بعد كل التطور الكبير في قضايا حقوق الإنسان، وحق كل شعب او اقلية في العيش بالطريقة التي تراها مناسبة، فإن من الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل، القضاء على أي جماعة أو إفناء اي فئة أو اقلية، إثنية، دينية أو مذهبية أو جنسية، بشكل تام، فالمجتمع الدولي لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي، إلى الأبد، ازاء مثل هذه الأحداث، وقد رأينا كيف تدخل الغرب لإفشال محاولات الصرب إفناء المسلمين في البوسنة وكوسوفو، ومحاولة قبائل الهوتو إفناء التوتسي والعكس، وغيرها الكثير، ولا ننسى ما قام به أتراك أواخر دولة بني عثمان من قتل وتنكيل بأكثر من مليون ارمني، وما فعلته عصابات الكتائب في مخيمات صبرا وشاتيلا، وجرائم العصابات الصهيونية في القرى والمدن الفلسطينية، ومع هذا فشل جميع هؤلاء في القضاء التام على أي من مناوئيهم الذين خرجوا من محنهم وما ارتكب بحقهم من مجازر جماعية أقوى مما كانوا عليه قبلها، فقد عاد اليهود مثلا، واذاقوا الألمان طعم الهزيمة المر وأجبروهم على دفع تعويضات ضخمة لضحايا مجازرهم!
نعود لقضايا المنطقة ونقول ان كل دعوات التكفير والمطالبات بمنع أو تحريم قيام اي مجموعة بإقامة ما تريد من شعائر، والتهديد بتكفيرها إن أصرت على أفعالها لن ينتج عنها غير دمار الطرف المطالب بالتدمير في نهاية الأمر، وما على المطالبين بمثل هذا اللغو غير قراءة أحداث التاريخ، ولكن المشكلة أن هؤلاء لا يقرأون اصلا. وللموضوع بقية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

من هو اليوم على حق؟

يمكن القول ان مسلمي العالم، وإن بشكل عام، يعتقدون بأنهم الفئة الأفضل، وأنهم على صواب وبقية العالم على ضلال! وقد نقبل بهذا المنطق لو كان المسلمون متفقين على رأي أو موقف واحد أو يعيشون بأسلوب حياة متشابه، ولكن الواقع غير ذلك تماما، فمن الواضح أن الكل يخطئ ويؤثم ويكفر الكل، فمن على حق إذا؟ ولو نظرنا للحركة السلفية، أو الدينية المتشددة الأخرى، والتي يعتقد أتباعها أنهم الأكثر وضوحا وتمسكا بأهداب الدين والأكثر تعبيرا في معاشهم ومعيشتهم بالسلف الصالح، ان كان لما قبل أكثر من 1400 عام، فإننا نجدهم الأكثر فشلا وارتباكا في مواجهة ما تمثله الحياة العصرية من تعقيدات وتحديات صعبة، فلا هم قادرون على التكيف معها، ولا طبعا بالتغلب عليها، ولا عبرة هنا بالنوايا الحسنة! وبالتالي نجد أن لا فضل لأحد على الآخر إلا بقدر ما يعطي العالم من خير، ومن منطلق هذا المعيار فإن الغرب، الكافر من وجهة نظر غالبيتنا، هو الوحيد الذي أعطى البشرية الافضل منذ أكثر من قرنين، ولا يزال يعطي العالم الأفضل في الغذاء والدواء والعلم والعلاج والتعليم والمواصلات والتنمية بشكل عام، وهنا يصبح من الصعب الإيمان بأن فئة لم تقدم للعالم، حتى الآن، سوى الخراب والدمار والكراهية والتعصب، هي الأفضل، كما توهم أدولف هتلر، بأن جنسه أو دينه او مذهبه هو الأفضل، فمن يعتقد بذلك يعش في ضياع ووهم كبيرين وحتما لا يعرف ما يجري حوله، وعاجز عن التعامل بإنسانية مع بقية البشر. كما يعتقد البعض من أتباع السلف، من الذين بنوا أوهامهم على رمال متحركة، بأنهم قادرون، بعميق إيمانهم، على إلغاء منطق التاريخ الذي لا يسمح بتكرار احداث معينة مرتين بالأسلوب والطريقة ذاتها، خاصة بعد مرور أكثر من الف سنة عليها، ولا يعترف بوجود حقائق ثابتة يمكن بناء مواقف متشددة عليها! فنظرا لكون الأفكار السلفية متنوعة الأشكال، دينيا وعرقيا وقبليا، فقد تتحول اختلافاتها في لحظة من الزمن لصراعات حادة بينها، لاعتقاد كل طرف بأنه القابض الوحيد على جمرة الحقيقة، والممثل الشرعي الوحيد للأمة الصالحة أو للفرقة الناجية منها. وبصيغة أخرى نقول إن السلفي، أو أي متشدد ديني، أيا كان مذهبه وجماعته، لا يقوم في الحقيقة بمحاورة أحد، فهو يؤمن إيمانا أصم وأعمى بأنه أفضل من غيره في كل شيء، حتى لو كان هذا الغير أكثر علما وإنجازا علمياً منه، فالمجتمع الديني المتشدد بشكل عام، لا يؤمن بالحوار، فالحوار يعني أن وجهة نظر أحد المتحاورين قد تكون على خطأ، وهذا لا يجوز في فكر هؤلاء، وبالتالي فإن كانوا لا يؤمنون بالحوار أصلا فكيف يقبلون بالديموقراطية ويشاركون في انتخاباتها ومجالسها؟

* * *
ملاحظة: كنا ليلة أمس الأول في سهرة على شاطئ لبناني، عندما كبست علينا «شتوية» استمر هطول أمطارها لأكثر من ساعة، ونحن في أواخر شهر يونيو! في الوقت الذي كانت فيه بقية دول المنطقة تشتعل درجات حرارتها، سياسياً وطبيعياً! هذا هو لبنان، وهذه روعته، وسر جماله الأبدي.

أحمد الصراف