احمد الصراف

متى يظهر كارل بنز جديد؟

ما ان مرت فترة قصيرة على استعانة كارل بنز، قبل 130 عاما تقريبا، بالبترول لإدارة محركات سياراته حتى بدأ الانهيار السريع لاستخدامات الفحم والبخار وحيوانات الجر والنقل! ويبدو الآن أن سيناريو بنز سيتكرر، وإن بطريقة معاكسة، فقد بدأ العد التنازلي في فقد منطقة الشرق الأوسط، والخليجية النفطية، بالذات، التي عجزت طوال 75 عاماً عن خلق أي مصادر دخل بديلة، أهميتها للعالم مع كل هذا الانحدار في أسعار النفط نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي وارتفاع تكلفة الاستخراج، مع ما صاحب ذلك من زيادات هائلة على رواتب موظفي هذه الدول وارتفاع مصاريف حكوماتها، هذا غير مساوئ الفساد الحكومي والإداري. وقد زاد الطين بلة السعي الحثيث لدول صناعية كثيرة لتخفيض اعتمادها على وقود النفط واستخدام بدائل له، وهذا حتما سيؤدي لزيادة الاضطراب السياسي في دول المنطقة وزيادة أعباء حكوماتها! وفي هذا السياق، صرحت السيدة أماني بورسلي، (الوطن، 6/24)، وزيرة التجارة والصناعة السابقة، كدأب كل من سبقها بالتحذير بعد الاستقالة، محذرة من خطورة الوضع الاقتصادي، وأن الانهيار قادم. كما دانت إقدام الحكومة على سد عجز الموازنة بـ «الاقتراض» من صندوق الأجيال القادمة! وسبق تصريحها ما ذكره وزير الخارجية السابق، الشيخ محمد صباح السالم، (القبس 6/19)، من ضرورة وقف الهدر المالي، وأن السياسة المالية الراهنة يجب الا تستمر، ويجب وقف طريقة الإنفاق العام! ولكن الشيخ محمد، بعكس أماني وغيرها من المسؤولين، قص الحق من نفسه واستقال، وإن لأسباب لا علاقة لها بخطورة وضعنا الاقتصادي والمالي القابل للانهيار! يحدث ويقال كل ذلك والسواد الأعظم من الكويتيين لا يدركون الخطر الداهم الذي تواجهه موازنة الدولة، وبالتالي ينادون بالمزيد من الهبات والعطايا! ويطالب آخرون «أكثر ذكاء» بأن تذهب المشاريع الحيوية، الطويلة الأمد، للجحيم، فـ «ثقافتهم» لم تعرف يوما ما يعنيه «طويل الأمد» بل طويل العمر، وهم يريدون شرب الماء قبل ان يتبخر وأكل الكلأ قبل ان يجف، ولا شأن لهم بمشاريع داو وماو ولا حتى بغيفارا أو حسني البرزان، وهؤلاء، في غالبيتهم، نتاج تربية مدارس حكومية فشلت، على مدى نصف قرن، في أن تخلق منهم مواطنين مدركين لما تعنيه المواطنة ومسؤولياتها! وزاد من إصرار «الجماهير» على أن تحصل الآن على حصتها من الكيكة، وليس غدا، ما يرونه من فساد ونهب لثروات البلاد عيني عينك، وهو النهب الذي بلغ ذروته في فترة غزو واحتلال الكويت، عندما شفط بضعة أفراد بضعة مليارات من الدولارات من مال الدولة من خلال تعاملات مشبوهة، وساهموا فوق ذلك في خسارتها لما يماثل ذلك في استثمارات فاشلة، ومن يومها، وحنفية السرقة لم تتوقف عن الصب، وبعدها لم يحاسب غير رأس أو رأسين صغيرين، وفلت البقية وغيرهم من العقاب! وهنا نرى أن الحكومة مدانة حتى العظم، ونحن مدانون أكثر منها لفشلنا، على مدى 40 عاماً على الأقل، في تكوين جبهة وطنية تكون ناصحة ومرشدة لها من جهة، ومتصدية لها، إن تطلب الأمر ذلك، في حال انحرافها عن مسيرتها!
وبانتظار ظهور كارل بنز آخر نضع أيدينا على قلوبنا فزعا على مستقبلنا ومستقبل كل الأجيال القادمة، فالدولة في خطر، وكل من يحاول التهوين من ذلك واهم واهم يا ولدي.
***
ملاحظة: ان الدور الذي تقوم به الرائعة في السلطان، كأول فتاة تمثل الكويت في ألعاب الأولمبياد، التي ستبدأ قريباً في لندن، في رفع اسم الكويت عاليا، أكبر من دور عشرات السفارات، وهي تستحق كل احترام وتقدير، وأشارك كل محبي الكويت في تمني التوفيق لها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحكمة مع الضفادع

تقول الحكمة إننا، في مرحلة من العمر، نصبح جميعا حكماء!
أرسلت الطرفة التالية بالإنترنت لجمع من الأصدقاء، ويبدو أن اثنين منهم لم يصدقا أن «رجلا» يمكن أن يتصرف بما تصرف به «بطل» هذه الحكمة: تقول الطرفة ان رجلا في السبعينات من عمره ذهب لصيد السمك، وهي هواية لا تجذب النساء، لأن بها لحظات سرحان لا تعد ولا تحصى، والمرأة لا وقت لديها عموما للسرحان! وهناك، وهو سارح في أفكاره، سمع صوتا يقول: التقطني! فنظر حوله فلم ير احدا، فاعتقد أنه واهم. عاد الصوت مرة ثانية: التقطني! وهنا تأكد من ان شخصا ما يخاطبه، ولكنه لم يجد أحدا حوله أو قريبا منه، وعندما تكرر النداء نظر في الماء فوجد ضفدعة طافية على سطحه وتبحلق فيه وتطلب منه أن يلتقطها، فقال لها هل تكلمينني؟ فردت بنعم، وقالت ان التقطني وقبلتني في فمي فسأتحول لأجمل امرأة وقعت عيناك عليها، وتأكد أن جميع أصدقائك سيحسدونك على جمالي، وسأكون لك أنت فقط! وهنا مد الرجل الكهل يده والتقط الضفدعة ووضعها في جيب سترته، فصاحت فيه: ما الذي تفعله يا هذا، هل جننت؟ ألم تسمع ما قلته لك، قبلني وسأتحول لفتاة جميلة وأكون لك! فأدخل الرجل اصبعين في فتحة جيبه وقال لها: لا لست مجنونا، ففي عمري من الأفضل أن يكون لدي ضفدع يتكلم كالبشر من أن تكون معي فتاة جميلة!
وفي نهاية الطرفة وردت الجملة التالية «مع التقدم في العمر تأتي الحكمة»! ولكن النهاية لم تعجب صديقين، وذكر كلاهما أنه من النادر وجود رجل يفضل اقتناء ضفدعة تتكلم على فتاة جميلة! وأقول انه ربما معهما حق، ولكن الرجل الكهل لم يكن غبيا، فهو لم يختر إبقاء الضفدعة إلا بعد ان «حسبها صح»، فوجود صبية رائعة الجمال بجانبه أمر جميل، وربما أكثر من ذلك، ولكنها أيضا ستشكل عبئا نفسيا وجسديا وماديا لا طاقه له به، هذا خلاف طمع الآخرين بها، وما سيتطلبه الأمر من جهد لحمايتها من «الذئاب»، وهو عاجز عن إرضائها أو إرضاء نفسه معها، وبالتالي وجد أن الحصول على ضفدعة تتكلم كالبشر أمر مسل وممتع وافضل من صبية رائعة الجمال!
ونعود للفقرة الأولى من المقال ونقول إن كل واحد منا سيصبح يوما حكيم زمانه وعليم مكانه! ولكن المشكلة تكمن في التوقيت، فان نصبح حكماء ونحن على فراش الموت شيء، وبلوغ الحكمة قبلها بكثير شيء آخر، فنحن عادة نكتشف أن الدنيا فانية، وما كان يجب أن نجري جري الوحوش خلف المال والملذات، ولكن غالبا ما يأتي هذا الاكتشاف متأخرا، فالتوقيت هو المهم، والسعيد ليس من عرف سر الحياة، بل من عرفها قبل غيره.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مخلوقات الله الأربعة

نحن الآن في العقد الثاني من القرن 21، ومر العالم خلال هذا القرن وما قبله بأحداث مهولة، وطرأت عليه تغيرات هائلة وتقدم اقتصادي وادبي وعلمي غير مسبوق بتسارعه، ومع كل هذا بقي أو فضل الكثيرون العيش في زمن غير زمننا، وقد لا يلام البعض منهم، ولكن يفترض أن الغالبية تدرك إلى حد ما ما يجري حولها، وخاصة في المجتمعات الخليجية، التي تتوافر لديها المادة لشراء كل وسيلة اتصال ومعرفة ممكنة، ومع هذا نرى الكثير منهم يفضلون البقاء على جهلهم، ولذا تراهم يجلسون، وافواههم فاغرة، وعقولهم شاردة أمام خطيب أو داعية، وعشرات المايكروفونات والكاميرات امامه، وهو يقول كلاما لا يسمن ولا يسد جهلهم ومع هذا لا أحد من مستمعيه يود سؤاله من اين وكيف اتى بمثل هذا الكلام ومدى احتمال صحته؟ وفوق هذا يكررون طقوس الجلوس والبحلقة وفغر الفاه المرة تلو الأخرى من دون هدف او فلاح أو رشاد أمام الخطيب نفسه من دون كلل ولا ملل وكأن ما يقوله درس في الحياة! إن هذه السلبية المفرطة، والعجز عن مجرد التفكير في الشك في ما يقوله أي خطيب أو داعية، وفقدان القدرة على طرح السؤال، هو من أسباب عجزنا التام عن تحقيق شيء يذكر. وهذه السلبية هي التي تدفع هؤلاء الدعاة للإفراط في الخيال وذكر كل ما يعن على بالهم طالما لم يسبق لأحد أن تساءل او شكك في أقوالهم وادعاءاتهم! وفي خطبة لرجل دين سعودي يقول بكل ثقة واطمئنان إن الله (والذي يفترض أنه خالق الكون بنجومه وكواكبه ومجراته وتريليونات موجوداته التي تمتد لتريليونات أخرى من السنوات الضوئية) قد خلق «بيده» اربعة اشياء فقط وهي العرش، الذي بناه على الماء، وهو الذي يجلس عليه. كما خلق القلم وخلق ثالثا آدم بيده ورابع الأشياء خلق جنة عدن، ثم قال لبقية الأشياء في الكون: كن فيكن! ويستطرد في خطبته وعلى وجهه كل امارات المعرفة والجدية بأن سماكة السماء الواحدة هي مسيرة 500 عام، وأن طول المسافة بين السماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام أخرى، وهكذا حتى نصل للسماء السابعة! ولمزيد من التفصيل يمكن لقارئي المقال على الإنترنت الضغط على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=hYHXE–bj24&feature=related
وهكذا نرى كيف تضيع مليارات ساعات العمل في الاستماع لمثل هذا الكلام العجيب، الذي وإن ثبت شرعا، فإنه لا يفيد أمما وشعوبا نائمة وعاجزة عن صنع ما يفيد وتشكو في الوقت نفسه من نقص معرفي مخيف، بالرغم من ثرائها النقدي الكبير. فهل من حل للخروج من هذا المأزق؟ وهنا نشمل الجميع ولا نتكلم عن رجال دين بعينهم، وندين دور الكثيرين منهم في تكريس التخلف من خلال إلهاء الشعوب بما لا طائل من وراء ذكره، يحدث ذلك في الوقت الذي يمكن ان يكونوا فيه مصدر معرفة وثراء إنساني واسع، ولكن من الذي بإمكانه تعليق الجرس؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

داحس و«الإخوان»

تدور في أروقة وزارتي العدل والأوقاف حرب شرسة، تشبه «داحس والغبراء»، إلا أنها أقصر منها زمناً، ومرشحة لأن تطول أكثر مع الوقت، وأطرافها كبار موظفي الوزارتين المنتمون إلى حركتي السلف، النصف صالح، و«الإخوان» غير الصالحين! ومن حقنا هنا أن نصف الإخوان بأي وصف نراه، بعد أن أنكر كبير فيهم أي علاقة لإخوان الكويت بمصر وغيرها، وبالتالي كشف مدى جهلنا لأننا اعتقدنا يوماً أن جمعية «الإصلاح الاجتماعي»، والتي كانت في خمسينات القرن الماضي تسمى بـ «الإرشاد الإسلامي»، لا علاقة لها بالتنظيم العالمي للإخوان، وليست الفرع المحلي لهم، ولم يقم الفرع الكويتي يوماً بمساندة الفرع المصري مادياً ولا بإيواء وتوفير الملاذ الآمن للكثير من كوادرهم، عندما لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات هرباً من بطش عبدالناصر بهم! ويبدو واضحاً أن من ادعى خطأنا وخطأ غيرنا، قد كشف ليس فقط عن عدم المصداقية، بل وعن مدى السذاجة وقلة الخبرة، ولا أدري كيف فاته أنه لا يزال يعيش بيننا بعض من الذين كانوا يوماً جزءاً حيوياً من الجمعية، وهم على علم تام بالجذور الحقيقية لجمعية الإصلاح، أو «الحركة الدستورية» وفكرهما الديني والسياسي! وقد كنت يوماً على علاقة بأحد كبار إخوان مصر في الكويت، وهو المرحوم إسماعيل السيد، وهو لعلم «الباشمهندس» من أوائل من لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات، وجاء بكتب توصية من حركة الإخوان في مصر، وكنت، حتى وفاته، وكيلاً عنه في بعض أموره المالية، ومنها تسجيل بيته في الكويت باسمي! وقد اكتفيت بذلك بعد رفضي لإلحاحه المستمر بمشاركته في أعماله، ولثقته بي، بعد علاقة استمرت لثلاثين عاماً، أسر لي بأمور كثيرة تمس شخصيات من «الإخوان»، وكان يقول لي إن جميع من تعرف عليهم كانوا غير جديرين بثقته، وأن البعض منهم سرقه وكذب عليه في عقود هندسية، وأن غالبيتهم يعيشون حياتين منفصلتين، واحدة أمام الناس، والأخرى خلافها، وأنه يعرف أسراراً تستحق أن تروى، ومنها ما يخجل من ذكره! وقد حاولت كثيراً حثه على كتابة مذكراته على أن تنشر بعد سنوات من وفاته، واقترحت عليه اسم الزميل محمود حربي ليساعده في تجميع أفكاره لما له من دراية أدبية، ولكنه كان يخاف تبعات نشر أي شيء لمن لا يعرف، وأنه يثق بي وسيمليها عليّ يوماً، ولكنه توفي قبل عام تقريباً، وقبل ميلاده التسعين بقليل، وكان على علاقة بمرشد الإخوان الأسبق مصطفى مشهور، الذي عاش في الكويت لسنوات، بعد لجوئه إليها! وبالتالي، نجد أن أي إنكار لعلاقة جمعية الإصلاح أو الحركة الدستورية بالتنظيم العالمي للإخوان محاولة ساذجة، والغريب أن من نكر وجود العلاقة وكأنه يتبرأ من شيء مشين في تاريخ حركة الإخوان في مصر!
نعود لحرب داحس والغبراء في الأوقاف، ونقول إن آخر ضحايا الحرب بين الإخوان والسلف، وهذا دليل آخر على علاقة إخوان الكويت بمصر، هو الخطيب السلفي المتشدد سالم الطويل، الذي تسبب هجومه المستمر على جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة، في إعفائه من الإمامة والخطابة بقرار من مدير إخواني الهوى في الوزارة! فإذا كانت الحركة الدستورية وجمعية الإصلاح، بعد كل هذا التاريخ الطويل، لا علاقة لهما بالإخوان المسلمين في مصر، فهذا يعني أن الكويت كلها كانت تعيش في وهم على مدى أكثر من 65 عاماً!

أحمد الصراف

احمد الصراف

ماذا قالت موري؟

تقول السيدة اليابانية موري، المتزوجة من كويتي، إن الشعب الياباني الذي كان يوما من أكثر الشعوب انغلاقا على نفسه اصبح اليوم منفتحا على العالم، وحقق خلال الستين عاما الماضية تقدما صناعيا واقتصاديا فاق اي دولة اخرى، وأن اليابان تدين بتقدمها لمزايا شعبها، ووطنيتهم ومثابرتهم على العمل الجاد. وقد ظهرت فضائل الشعب الياباني واضحة للعيان في محنته الأخيرة، وسجلت عدسات تلفزيونات العالم جلدهم وتآزرهم الفريدين. وتستطرد موري في القول إن اليابانيين بشكل عام علمانيون، ولا يميلون في الغالب للارتباط بأي مؤسسة دينية، أو خلط الدين بالسياسة، ولا يعني لهم دين الشخص الآخر شيئا، لا في الزواج ولا في العمل، وبالتالي بامكان اي فرد الاعتقاد بما يشاء من دون خوف من اقصاء أو توقع عقاب أو نفي في الأرض، فالحرية الدينية مطلقة وفريدة في تنوعها، وسبب ذلك يعود الى أن الغالبية تقوم بخلط ديانة الشنتو بالبوذية، ولا يترددون في اضافة شيء من المسيحية إليها، وعلىالرغم من كل ضعف «وازعهم الديني» هذا فانهم يتمتعون بشكل عام بمجموعة خصال حميدة وعظيمة يندر وجودها مجتمعة في أي شعب آخر. وقد ساهمت تقاليد اليابان ودستورها الحديث، الذي شارك الجنرال الاميركي ماك آرثر في صياغته، في تطور علمانيتهم ورفض المعاداة على أسس دينية. ومن خصال اليابانيين الحميدة الصدق والأمانة في العمل مع انفسهم ومع الغير، كما أنهم شديدو الهدوء في أحاديثهم وتحركاتهم، وتلاحظ ذلك في الأماكن المكتظة كالمطارات ومحطات القطار ودور السينما وغيرها، حيث بالكاد تسمع لغوهم، فهم يتحدثون بأصوات كالهمس، ولا تسمع صراخ دعاتهم في المعابد، ولا ضجة الباعة في الأسواق. كما انهم كثيرو الاحترام لبعضهم بعضا، ومن الصعب أن تجد من يتجاوزك في الدور حتى في أصعب المواقف. ولديهم جلد على العمل وقدرة على الاتقان، وجلدهم وجديتهم لم ينزعا الرحمة من قلوبهم، فهم رحماء مع بعضهم بعضا، ومنظمون، وعلى استعداد تام للتضحية بالنفس في سبيل المجموع، وقد ظهرت حقيقة فضائلهم في محن عدة، وكل ذلك بسبب ما يؤمنون به أو «الضمير الحي»، الذي يتحمل المسؤولية! وفي شرح لما تعنيه المسؤولية لدى الياباني مقارنة، فقد قامت شركة اميركية باجراء استقصاء رأي لمجموعة من سائقي المركبات في اميركا واليابان، ووجهت إليهم سؤالا محددا: انهار فجأة الطريق أمامك نتيجة زلزال، وأصبحت منعزلا عن العالم، وكان هناك هاتف عمومي، وليس في جيبك غير قطعة نقد تكفي لاجراء مكالمة واحدة فبمن تتصل؟ %90 من الاميركيين قالوا انهم سيتصلون بأسرهم للاطمئنان عليها، أما اليابانيون فقد قال %70 منهم انهم سيتصلون برؤسائهم لأخذ التعليمات منهم بما عليهم القيام به!

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصتي مع السيجار الكويتي

ناولني الصديق فؤاد زيدان سيجارا كوبيا فاخرا فاعتذرت عن قبوله، فاستغرب ذلك لمعرفته بعشقي للسيجار، وسألني عن سبب الرفض فقلت له، وأنا أرفع صوتي ليسمعني، وسط كل صخب الموسيقى والغناء في مربع «اللودج» الفاخر، بأنني سأرد عليه في مقال يحكي علاقتي بالسيجار الكوبي، وقبلها بالسيجار الكويتي!
بدأت علاقتي بالسيجار في نهاية السبعينات، واستمرت حتى اليوم وأصبحت تعلقا أكثر منه إدماناً أو ولهاً، فالوله يؤدي أحيانا الى الابتذال، خاصة إن لم نستطع التحكم في ما نريد ونرغب، ويتحول الاستمتاع الى عشق كاذب وإدمان صادق، وبالتالي تفقد العادة، وإن كانت سيئة، رونقها، وتطلب الأمر هنا وضع طقوس بسيطة للتدخين، ولا تدخين إن لم تتوافر، وأهمها ألا يكون هناك من يتأذى أو حتى ينزعج من رائحة دخان السيجار، وألا يكون التدخين يوميا، ولا تلقائيا، ويكون دائما في الوقت والمكان المناسبين، مع ضرورة توافر الصحبة الطيبة، والمستلزمات الأخرى التي لا دخان وسيجار بغيرها. وحيث انني سبق أن دخنت سيجارا عاديا في الليلة السابقة لعرض السيجار الفاخر علي فقد كان لزاما علي رفض العرض، والأمر ذاته لا يقتصر على التدخين بل ينسحب على بقية أنواع «العشق» الأخرى التي يجب أن نحفظها من الابتذال في الاستخدام أو الاستهلاك! وقد ذكرني سيجار فؤاد بأول تجاربي مع السيجار الكويتي، الذي كنا نصنعه بأيدينا الطاهرة، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن، عندما كنا في سن المراهقة، وربما لا نزال، فقد كنا نجمع أعقاب السجائر، أو سبارس، بالمصري، من على جنبات الأرصفة، وكانت جميعها في تلك الأيام من دون فلتر، ونقوم بتشريحها بعناية و«استخراج» التبغ منها وتجميعها في لفائف مصنوعة من مخلفات اكياس الإسمنت ولفها على شكل سيجار ضخم وغير فخم، ثم حفظها للمناسبات السعيدة، التي كانت غالبا ما تقع في اليوم نفسه عندما نذهب ليلا لسطح مبنى سينما الحمرا، الذي كان وقتها قيد الإنشاء، بعد مغافلة الحراس، وهناك نضع شرشفا على السطح الإسمنتي الملتهب من اثر شمس الظهيرة، ونخرج عدة الشغل من إبريق شاي ولفائف خبز مدهونة بالزبدة والسكر، وطبعا السيجار الكويتي غير الفاخر، والاستمتاع، من على ذلك الارتفاع، الذي كان يبدو يومها شاهقا، بمشاهدة عرض مجاني للفيلم الذي يعرض في سينما الفردوس الصيفية الملاصقة، والتي كانت بلا سقف وقتها، وغالبا ما يكون الفيلم هنديا، والاكتفاء بالاستماع لأغاني الفيلم لصعوبة قراءة الترجمة من تلك المسافة البعيدة! واثناء ذلك نتبادل انخاب الشاي وأخذ أنفاس عميقة من السيجار الكويتي، المخلوط ببودرة اسمنت بورتلند الأصلي، والعودة بعد انتهاء الفيلم للبيت ونحن في تمام الانتشاء بنكهة نيكوتين ناتج عن خليط من عشرات انواع السجائر المصنوعة من التبغ التركي والفرجيني والإنكليزي والعراقي، مضاف لها كم محترم من الزفت والقطران، ومن ثم قضاء بقية الليل في سعال مستمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

فكر ونص د. مصطفى محمود

ولد د. مصطفى محمود عام 1921 وتوفي قبل سنتين فقط. وقد هجر الطب في شبابه ولجأ إلى كتابة الرواية، ولكنه تدروش بعدها عندما لم يجد في ما قرأه واطلع عليه إجابة عن تساؤلاته عن الكون والوجود والموت والحياة، وقام بوضع عدة كتب «فلسفية» دينية. وبالرغم من أن إنتاجه الغزير، الذي قارب 90 مؤلفاً، إلا أن ايا منها لم يحظ بشهرة غير رواية «رجل تحت الصفر». كما قدم لسنوات برنامج «العلم والإيمان» على التلفزيون، وبنى مسجدا عام 1979 اطلق عليه اسم والده ولكن اشتهر باسمه، وألحق به عدة ‏مراكز‏ ‏طبية‏ توفر العلاج للفقراء. وبسبب تعدد قراءاته واهتماماته الثقافية ودراسته للطب فقد تقلبت آراؤه وأفكاره بين ما قد يفسر بانه الإلحاد والتشكيك وبين الإيمان الشديد، ومع كل «ثقافته» لم يستطع غير أن يعجب بشدة بشخصية السادات، الذي رأى فيه البطل و«الرئيس المؤمن»، ربما لأن السادات ساعده في إحدى محنه ووقف معه، وبالتالي لم ير فيه انه ساهم في إيصال مصر لما هي عليه الآن من خراب. ويقال إن السادات عرض عليه يوما الوزارة فاعتذر قائلا انه فشل في إدارة أسرته، حيث طلق مرتين، فكيف ينجح في إدارة وزارة؟!
على الرغم من تدين د. محمود وغزير إنتاجه الأدبي و«الديني» بالذات إلا ان ذلك لم يشفع له عندما تطرفت آراؤه الدينية، من وجهة نظر بعض الأزهريين ورجال دين آخرين، وخاصة بعد وضع كتاب عن «الشفاعة» فحاولوا إخراجه من «الملة» وتكفيره، وهوجم في فكره وشخصه في أكثر من 20 كتابا، وأثر فيه ذلك كثيرا، ولم يستطع مواجهة شراسة الهجوم بسبب عجزه وكبر سنه، فاختار الانزواء، حتى توفي عام 2009.
يقول د. محمود في أحد نصوصه الجيدة: رجل الدين ليس حرفة ولا يصلح لأن يكون حرفة ولا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين. وليس عندنا زي اسمه زي إسلامي، والجلباب والسروال والشمروخ واللحية أعراف وعادات يشترك فيها المسلم والبوذي والمجوسي والدرزي ومطربو الديسكو ولحية الهيبي اطول من الجميع! وأن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان لا يكفي لتكون مسلما، وديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة، والسبحة والتمتمة والحمحمة وسمت الدراويش وتهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها. والرايات واللافتات والمجامر والمباخر والجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر والمكر السياسي والفتن والثورات التي لا تمت إلى الدين! إلى أن ينتهي بالقول في نصه المطول: هذا هو الدين، وهو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا! انتهى.
فهل يفهم صاحبنا، مهندس افكار الجماعة، والذي بنى ثروته وكون شهرة مكتبه، باستغلال الدين، مثل هذا الكلام؟ أشك في ذلك!

أحمد الصراف

احمد الصراف

المؤامرات المخجلة

انقلاب يوليو 1952 في مصر كان مؤامرة، وهكذا مع انقلاب تموز العراقي، وكذا الانقلاب على حميد الدين اليمني، والخميني على الشاه، فجميع هذه الانقلابات والثورات دبرتها المخابرات الغربية! وتكرر الأمر ذاته في تونس على بورقيبة وعلى بن علي بعدها، وفي مبارك مصر وقذافي ليبيا، مرورا بالسفيرة إبريل كلاسبي، وكيف «خدعت» صدام واغرته بغزو الكويت! وحتى حرب 2003 على العراق مؤامرة، بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وزادوا على ذلك بأن ما يجري من عقوبات اقتصادية وتهديد عسكري لإيران يصب في نهر المؤامرة نفسه، ولا ننسى طبعا وصول الإخوان للحكم في مصر وتونس، وهكذا مئات المؤامرات تصاغ في وكالات وأجهزة المخابرات الغربية ضدنا يوميا طامعين في مياهنا ومعادننا وبترولنا وارصدتنا النقدية، هذا غير رغبتهم في القضاء على عاداتنا وتخريب معتقداتنا والفتك بديننا! ولكن الغريب ان لا أحد من هؤلاء حاول أن يتساءل يوما: لماذا نحن؟ لماذا لم يتآمروا في نصف القرن الماضي على ماليزيا، وهي مفرطة الغنى، أو تركيا، وهي ليست اقل إسلاما وغنى من ماليزيا؟ ولماذا لا تآمر هناك على النرويج والمكسيك، وبترولهما وغناهما يتجاوز اضعاف ثروات كل  الدول العربية؟ ولماذا التركيز الشديد علينا نحن بخلاف هذا العالم، غير متناسين ما حصل ويحصل في أفريقيا واميركا الجنوبية وغيرها؟ هل لأننا صيد سهل وجهلة؟ أم لأننا نشكل خطرا على الغرب؟ أعتقد أن كل ذلك إضافة للسبب الأهم وهو أنظمة حكمنا الدكتاتورية وجهلنا في إدارة ثرواتنا بطريقة سليمة، وفساد سياسيينا، فالمؤامرة، بالرغم من رفضي لها بمعناها الكلاسيكي، أمر تتبعه كل القوى الكبرى! فلا يمكن أن يعتمد الغرب مثلا على مادة حيوية، كالبترول، ولا يخطط في كيفية استمرار تدفقه لمصانعه ومركباته وطائراته بسلاسة وشروط عادلة! وبالتالي ليس بإمكانه ترك الأمر للصدف، بل يتطلب الأمر تخطيطا محكما، ويكون غبيا إن لم يفعل ذلك. ولو كنا نحن، لاعنو المؤامرة، في وضعه لما ترددنا في القيام بالشيء ذاته. وبالتالي فإن ما يجذب «ذباب المؤامرات» لنا هو عسل جهلنا وتخلفنا وتمسكنا بدكتاتورياتنا، فالدكتاتورية هي السلطة المطلقة والسلطة المطلقة فاسدة ومفسدة، والفساد يؤدي إلى تآمرنا على الآخر وتآمر الآخر علينا، اما لأخذ نصيبه من الكعكة أو لضمان «حقوقه» في ما نملك، فمادة كالنفط ليست حقا مطلقا لمن ينتجها! وبالتالي لتجنب تآمر الآخرين علينا يجب أن نحتاط للأمر بالتخطيط السليم وأن نحترم انفسنا وشعوبنا وكراماتنا، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير التحول لدول ديموقراطية يكون فيها القرار للأمة وليس لفرد دكتاتور، فحرب العراق على إيران واحتلالها للكويت، كمثالين حديثين، لم يكونا ليقعا لو كان العراق ديموقراطيا! ومبارك ما كان ليسقط لو كانت مدة حكمه «الشرعية» قد قاربت على الانتهاء! والقذافي ما كان ليقتل كالفأر وتدمر بلاده «بمؤامرة دولية» لو كان مؤمنا بتداول السلطة ويعرف شيئا اسمه دستور! وقيام صدام بقتل عشرات الآلاف من شعبه بأسلحة محرمة ما كان ليقع لو كان القرار جماعيا، ولو كان العراق ديموقراطيا! وهكذا مع سوريا الأسد، التي كان من الممكن ان تكون أغنى واجمل الدول العربية وأكثرها حصانة من المؤامرة، لو كانت تتمتع بنظام ديموقراطي السلطة فيه للأمة وليس لفرد أو عائلة!
شيء مخجل حقا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرد على الخازن

كتب الزميل جهاد الخازن مقالا في «الحياة» يوم الخميس، سرد فيه وضع الكثير من الدول العربية وما يجري فيها من قتل ودمار وتخريب، وما تواجهه غيرها من مشاكل بيئية واقتصادية وبشرية لا حصر ولا حل لها، ووجه اللوم للكويتيين لعدم رضاهم عن أوضاعهم، وانهم يكثرون من توجيه التهديدات والتهم لبعضهم، وأن لا أحد منهم يود رؤية حقيقة أن كل دولة عربية لها مشاكل يصعب حلّها، إن لم يستحل ذلك، وأن الكويت هي الاستثناء، ومع كل ذلك يختار الكويتيون أن ينكدوا عيشهم بأيديهم، وان عليهم القبول بالوضع، وان يسافروا وينبسطوا ويصوموا رمضان (!). الغريب أن المقال وجد تجاوبا كبيرا، خاصة على الإنترنت، ومن يقرأه بعجالة يجد أن مع الكاتب الحق في ما ذكره، وان على الكويتيين القبول بأوضاعهم وان يحمدوا ربهم ويذهبوا ليهنأوا بعيشهم! ولكن بالتمعن قليلا في المقال نجده يروّج لفكرة أن أوضاعنا، بفضل حكوماتنا، هي الأفضل، وانه ليس بالإمكان افضل مما كان! وهو هنا لا شك يقارن وضع الكويت بما يجري في سوريا والعراق ومصر وليبيا، ولا يقارنها بالتي أفضل منها كماليزيا وتركيا والسويد، وبالتالي علينا أن نسكت ونستمتع بحياتنا، لأن حكومتنا أفضل من غيرها، وسلطتنا أعدل ما يمكن الحصول عليه، وأوضاعنا جميلة، وخزائننا ممتلئة بالأموال ورواتبنا جيدة وبترولنا تتنافس الدول على شرائه، وبالتالي، لمَ الاحتجاج؟ وما موجب رفع سقف المطالب؟! فيكفي أننا نجد دائما شيئا نأكله وجنسا نمارسه، وتجولا نقوم به، وكل عام والجميع بخير. ولكن يا سيد جهاد، ماذا عن حقوق المرأة المُهدَرة؟ ماذا عن آلاف الطلبة الذين كدستهم حكوماتنا في صفوف مكتظة؟ وماذا عن تدهور التعليم وانتشار الفساد الإداري والرشى وسرقات المناقصات؟ وماذا عن نقص الجامعات الرهيب؟ وماذا عن الزيادات الهائلة في رواتب الموظفين، التي أكلها الغلاء، والتي دفعت لشراء الولاءات وإسكات المطالبات، التي اختفى مفعولها بعد ساعات؟ ماذا عن انقطاع الكهرباء وتأخر تنفيذ مشاريع حيوية يحتاجها المواطن؟ ماذا عن مشاكل المرور التي يذهب ضحيتها المئات سنويا من دون سبب؟ ماذا عن الكوارث البيئية والجرائم التي ارتكبت في حق الوطن والمواطن، والتي لم توجه التهم حتى لفرد على ارتكابها؟ ماذا عن مشكلة «البدون» التي خلقتها السلطة وعجزت عن وضع حل لها حتى الآن؟ جميل أن تكتب مقالك يا عزيزي جهاد وتقارن اوضاعنا بغيرنا، ولكن عليك أن تتذكر انه ليس بالخبز وحده، ولا حتى بالجاتوه، يحيا الإنسان! فسقف مطالب إنسان القرن الــ 21 لا تقتصر على توفير الخبز، بل تتضمن أيضا عودة الليبرالية التي طالما اشتهرت بها الكويت، ودستورها شبه العلماني خير شاهد، وتطالب بوقف التضييق على الحريات، ووقف مطالب قوى الظلام، التي تكسب أرضا جديدة كل يوم، ولن يكون هناك مكان لغير رأيها قريبا، وقانون قتل من يتعرّض للرسول وزوجاته، ولو سرا وهمسا، خير مثال، وهكذا! وبعد كل ذلك تريدنا أن نسافر وننبسط ونصوم رمضان؟ وهذا طبعا يفترض أن الجميع قادرون على السفر، أو أن الكل مطمئن على مستقبل ابنائه وأحفاده، وهذا غير صحيح في ظل كل هذا الخراب الذي نعيشه، فالخبراء يقولون ان حكومتنا، التي أطنبت في مدحها، ستعجز قريبا عن دفع رواتب موظفي الدولة، دع عنك توفير بقية مطالب وحاجات الأمة، إن استمرت اسعار النفط في الانخفاض، فما الذي ستقوله في حينها؟!
شكرا للفت نظرنا لأوضاعنا، وللسعادة التي نعيشها، وأتمنى أن يبقى قلمك حرا وبعيدا عن المدح الزائف، فمن السذاجة الا ترى في الكويت غير تلك الصورة النمطية المتمثلة بملايين دولارات النفط التي تصب في جيوب المواطنين، وتجعلهم الشعب الأكثر «سعادة» و«ثراء»، وبالتالي عليه أن «يسكر نيعه» ويسكت عن التجاوزات والسرقات وانتهاك الحريات، وأن يصوم بعدها رمضان!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشعراوي و«الإخوان»

لم أكن يوماً أية مودة أو تقدير لمحمد متولي الشعراوي، الداعية والسياسي والوزير الراحل، والذي كان مقرباً من جهات عليا في أكثر من دولة! فقد كان له دور في تلميع نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولم يحاول يوماً إدانة حكمه أو التنديد بدكتاتوريته، وظل يحترمه حتى آخر أيامه، وكان له الموقف نفسه من الدكتاتور الآخر أنور السادات! كما ساهم متولي الشعراوي، وبيّنت ذلك في عدة مقالات، بفعالية بالتأثير في العقل العربي المسلم ودفعه نحو التفسيرات الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، ويكفي الرجوع إلى مقابلاته الصحفية والتلفزيونية وجملة فتاويه، وما كتب عنه من سير، لنعرف مقدار جدلية الكلام الذي صدر منه وعنه. كما اشتهر عنه تحريمه لاستخدام غرف العناية الفائقة في المستشفيات، وخاصة تلك التي تتوقف فيه حياة المريض على عمل الأجهزة الطبية المساعدة على إبقاء المريض حياً، والتي برفعها يموت المريض، بحجة أن في ذلك تدخلاً من الإنسان في قضاء الله وقدره، وهذا مقبول ربما من بعضهم، ولكن ما أن أصيب متولي بوعكة خطيرة، حتى قبل بنقله بطائرة «ملكية» خاصة لدولة أوروبية ليمكث تحت رحمة الأجهزة الطبية نفسها التي سبق تحريم استخدامها، والتي ساعدت في نهاية الأمر في تمديد عمره بضع سنوات!
نعود إلى موضوع المقال والمتعلق برسالة وردتني على الإنترنت تضمنت نصاً يدّعي مرسله أن قائله هو متولي الشعراوي! وبالرغم من شكيّ الكبير في ذلك، كونه لا يتسق مع ما عرفته عن الرجل من مواقف وأقوال وآراء، على مدى أكثر من 35 عاماً، فإن النص جدير بالتنويه، لما له من علاقة بالأحداث الجارية، خاصة في مصر، وما يبذله بعض الكتاب، في القبس وغيرها، من جهد في لي رقبة النصوص الدينية والسياسية وتطويعها، لخدمة مواقفهم ومصالحهم الحزبية والشخصية… طبعاً! وشكيّ نابع من أنه لو كان هذا ما قاله الشعراوي في حياته لما تردد «خصوم الإخوان المسلمين»، وما أكثرهم، في الترويج له واستغلاله لتشويه سمعتهم السيئة أصلاً، بسبب ما كان للشعراوي من شعبية وقدرة بالتأثير في الجماهير، وأسباب تلك القوة معروفة، ولا تزال صالحة مع غيره حتى اليوم!
يقول النص المنسوب إلى الشعراوي: لماذا لا أنتمي لجماعة الإخوان؟ لأنني مسلم قبل أن أعرف الإخوان أو غيرهم، وأنا مسلم قبل أن يكونوا حزباً وأنا مسلم بعد زوالهم، ولن يزول إسلامي بدونهم، لأننا كلنا مسلمون وليسوا وحدهم من أسلموا، وأرفض أن يتلخص ديني في صندوق انتخاب، فديني هو صلة بيني وبين خالقي! وأرفضهم لأنني أرفض أن أرشح حزباً يستعطفني مستنداً إلى وازعي الديني قبل أن يخاطب عقلي، وهو حزب سياسي أرفض الانتماء له لأن ليس له علاقة بالدين وهو يمثل الفكر السياسي لأصحابه، ولا يمثل المسلمين. لهذا أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا أن يصل أهل الدين للسياسة. وأقول لهم إن كنتم أهل دين فلا جدارة بكم بالسياسة، وأن كنتم أهل سياسة فمن حقي أن لا أختاركم، ولا جناح على ديني. أنتهى.
وفي هذا السياق، يقول أحد المفكرين: لا تحدثني كثيراً عن الدين، بل دعني أراه في سلوكك وأخلاقك وتعاملك! فلم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين، ولكن رجل الدين ساهم في قتل كثير من الفلاسفة!

أحمد الصراف