احمد الصراف

تكلم.. لكي أراك

وقف رجل وسيم وأنيق أمام سقراط، وأخذ يتبختر في مشيته ويتباهى بمنظره، فقال له سقراط: تكلم حتى أراك! ولو فكر الكثيرون منا في مدى عظمة هذا القول لاختاروا الصمت، قولا وكتابة، ولا استثناء هنا! فالغالبية تظهر حقيقتها عندما تنطلق في الكلام، وكثيرا ما نتمنى لو أن البعض بقي صامتا، فالكلام هو ما يميزنا كبشر، إضافة بالطبع لأفعالنا. وما هو محير هو ذلك الإصرار الذي يبديه البعض، ومنهم رؤساء دول، في الظهور على التلفزيون وإلقاء الخطب، بالرغم من أن قدراتهم لا تساعدهم حتى على إنهاء قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» من دون ارتكاب خطأ في اللفظ! وما يود سقراط قوله هنا أنه لا يرى البشر كما يبدون، بل بما في استطاعتهم قوله. وهنا نجد أن لغات العالم الرئيسية تبلغ نحو 1300 لغة، وهو رقم مختلف عليه بشكل كبير، ولكن اللغات المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة، والتي تدون بها جميع مستنداتها، هي ست: الإنكليزية والمندرين (الصينية) والفرنسية والروسية والاسبانية والعربية. أما اللغات العشر الأكثر تحدثا، كلغة أم، فهي المندرين، لغة مليار صيني، تليها الإنكليزية بنسبة النصف، حيث لا يتحدث بها أكثر من 490 مليونا، ومن بعدها الهندية بأقل قليلا من ذلك، ثم الاسبانية ومن بعدها الروسية والعربية والبنغالية والبرتغالية، أي لغة البرتغال والبرازيل وانغولا ومكاو ودول أخرى صغيرة، ثم تأتي بعد ذلك لغة المالاي في ماليزيا وأجزاء كبيرة من أندونيسيا، وأخيرا الفرنسية! إلا أن الإنكليزية تبقى لغة العالم الرسمية والأكثر انتشارا، واللغة الثانية لغالبية البشر. كما أن اتقانها مسألة حيوية لكل العاملين في الملاحة الجوية والبحرية، فهي لغة التواصل والاتصالات.
وقد كسبت الإنكليزية مكانتها بداية بفضل أنشطة إنكلترا الاستعمارية ودورها الريادي في الكثير من الاكتشافات والاختراعات، واكملت الولايات المتحدة مهمة نشرها بثقافتها الجديدة وأدبها الحديث وفنونها وبما أنجزته وقدمته للعالم من كلمات حديثة في الطب والكمبيوتر والفضاء وفي غيرها.
نعتقد للوهلة الأولى أن غالبية دول العالم تعرف بلغاتها، أي أن الهندية يتكلمها الهنود، والبرتغالية يتكلمها البرتغاليون، ولكن بالتدقيق أكثر نجد أن العكس هو الصحيح، فغالبية دول العالم تختلف أسماؤها عن أسماء لغاتها، فالصينيون والتايوانيون يتحدثون المندرين، ولغة الفلبين هي التاكالوك، والنيذرلاندز وغالبية البلجيك يتحدثون الدتش، والبرازيل تتحدث البرتغالية، أما النمسا فلغتها الألمانية، كما نجد أن إنكلترا هي الوحيدة التي يتطابق اسمها مع لغتها ولكنها جزء من المملكة المتحدة او بريطانيا، وبالتالي فإن جميع الدول الناطقة بالإنكليزية، وعددها يزيد على الستين، ومنها دول الكومنولث والولايات المتحدة تختلف تسمياتها على تسمية لغاتها، وكذا الأمر مع مجموع الدول الناطقة بالفرنسية أو الاسبانية والعربية. وبالمناسبة فإن إطلاق تسمية هولندا على النيذرلاندز Netherlands غير دقيق، فرسميا لا توجد دولة بهذا الاسم، والاسم قديم ويعود لإحدى مقاطعاتها، ولا يستخدم في الداخل إلا تجاريا. كما لا توجد لغة سويسرية، حيث يتحدث هؤلاء بأربع لغات، الألمانية والفرنسية والإيطالية إضافة إلى أقلية تتحدث بلغة هي خليط من اللغات الثلاث.

أحمد الصراف

احمد الصراف

للتاريخ ولصاحبنا المهندس

علق «شارلزكروثمر»، في النيويورك تايمز 7/16، على احداث الربيع العربي قائلا ان التاريخ السياسي العربي الحديث مر بمراحل ثلاث، كان اولها الاستعمار، البريطاني ـ الفرنسي، ثم المرحلة الثانية الاستقلال، التي سيطرت فيها موجة القومية العربية على غالبية الدول العربية، او تأثرت بها بطريقة او بأخرى، والتي كانت في غالبيتها علمانية واشتراكية ومعادية للتيار الديني والاستعمار، بقيادة العسكر غالبا، ولكنها انتجت في النهاية انظمة حكم عقيمة شبه اشتراكية ولكن مغالية في بيروقراطيتها، وفاسدة وتركت دولها في مستنقع الفقر والمهانة والقمع! «ولا ادري ما الذي يمكن توقعه من انظمة يقودها عسكريون فاشلون»! ثم جاءت المرحلة الثالثة، او الربيع العربي، والتي بدأها شباب علمانيون ومتحمسون في غالبيتهم، ولكن القوى الدينية نجحت في اكتساحهم، وهذا ما حدث في تونس ومصر ومن بعدهما ليبيا، وان بصورة اقل حدة.
كما سيسيطر الاخوان على سوريا، في حال نجاح معارضي النظام في اسقاطه. كما نجد ان الاخوان اقوياء في غزة وفي الاردن وغيرهما، وهؤلاء بنوا «امجادهم»، في الغالب، على اشلاء القومية العربية والاشتراكية. ولكن، كما سبق وان رأينا، فإن الاسلام المتشدد ليس حلا لأي شيء، وظهر هذا جليا في الطرق القمعية الرهيبة التي اتبعتها طالبان في توطيد سيطرتها على افغانستان، وما حدث ويحدث على ايدي المتشددين الاسلاميين في كل من السودان وايران. ويقول الكاتب إن المرحلة الرابعة القادمة ستكون الديموقراطية، والتي ستبني قوتها على اشلاء الاسلاميين! ولكن نلاحظ ان ما لم يتطرق اليه الكاتب هو الكيفية التي سندخل فيها مرحلة الديموقراطية، التي ستسود، شاء المتأسلمون او ابوا، كما اجبرنا الآن على قبول تمددهم، فبذرة فناء الانظمة الدينية يكمن فيها، فقريبا سنرى اشكالا ونماذج متضاربة من انظمة الحكم الدينية، التي على الرغم من ادعاءاتها بان ركيزة حكمها نابعة من فلسفة واحدة، ان جاز هذا التعبير الفضفاض، الا الخلاف سرعان ما سيدب بينها، ليس فقط بسبب تضاربها فكريا واسلوبا، بل ايضا لضخامة حجم الكيكة التي سيتقاتلون عليها، والتي طالما سال لعابهم لالتهامها، هذا غير صراع الاخوان مع القوى الاخرى، وعلي رأسها القوى السلفية، التي ستستميت في انتزاع الحكم منهم، مستعينة بكل ما تمتلكه من وسائل مشروعة وغير قانونية! ولكن هذا سوف لن يحدث قبل ان نرى انهارا من الدماء وعشرات آلاف الضحايا وخسائر مادية بمليارات الدولارات، فهذا دأب «الملالي»، فمتى ما وصلوا الى الحكم فمن الصعب تخليهم عنه بغير صراع وعرق ومال ودماء كثيرة! وهنا نتمنى مخلصين ان نكون على خطأ.

• ملاحظة:
ان الدور الذي تقوم به الرائعة في السلطان، كأول فتاة تمثل الكويت في ألعاب الأولمبياد في رفع اسم الكويت عاليا، اكبر من دور عشرات السفارات، وهي تستحق كل احترام وتقدير، واشارك كل محبي الكويت في تمني التوفيق لها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حمارة القايلة في الدانمرك

تقول الطرفة ان آدم وحواء كانا حتماً لبنانيين، فقد عاشا من دون كهرباء ولا ماء ولا طرقات معبدة ولا خدمات، ومع هذا اعتقدا انهما يعيشان في الجنة، وهكذا حال اللبناني، الذي لو سألته عن بلاده، أو ربما ضيعته، لقال انها الجنة أو شيء من ذلك، ومع هذا لا يتردد في الهجرة بحثاً عن عمل أفضل، ولو في النار! وربما مع اللبناني الحق في أن يشعر بأن بلاده جنة، فالحقيقة أن به كل ما يتمنى المرء، ولكن أحياناً لا يدركه! فلبنان يتميز بهوائه العليل، وخدماته الطبية والتعليمية، وسياحته، من طعام وفنادق وبحر وتزلج ومصايف، ولكن «الحلو ما يكمل»، فمشاكل لبنان أكبر من حجمه بكثير، ولكن هذه قصة أخرى!
الطقس الجميل يجعل النفس جميلة ومن يعيش فيه أسهل معشراً ممن يعيش في الجبال والصحارى المقفرة، حيث تغلب على سكانه الخشونة والجلافة حتى، وبالتالي نرى ان للطقس، وفي أي بقعة على الأرض، تأثيره الرهيب على تصرفات الإنسان ومعيشته وأخلاقه وطعامه ولباسه وحتى آرائه، فالإنسان ابن بيئته، فسكان الصحراء عادة حذرون لا يرحبون بالغريب، فليس عندهم ما يعرضونه عليه، بعكس سكان الثغور البحرية، الذين تنفرج ثغورهم لرؤية غريب، فهذا يعني انه بحاجة لطعام وشراب ومسكن، وربما أشياء «لطيفة» أخرى، وهذه جميعها معروضة للبيع! كما نجد للطقس تأثيره على نوعية ما يتم تناوله من طعام، فأهل الكويت مثلاً، والخليج عموماً، لا يستسيغون تناول المأكولات البحرية في وجبة العشاء، وسبب ذلك يعود لما توارثوه من عادات ليست بالقديمة كثيراً، فقد كان السمك يشترى صباحاً، وكان لا بد من تناوله في وجبة الغداء، فعدم توافر البرادات صعب من عملية حفظه طازجاً! كما لم يكن أحد يستسيغ تناول السمك مساء عند غيره خوفاً من ألا يكون طازجاً!
وبالرغم من توافر البرادات الآن فإن نسبة كبيرة من الكويتيين لا تزال على عدائها القديم لتناول السمك ليلاً! ونجد عكس ذلك في المناطق الباردة، حيث لا يتردد سكانها في تناول أي شيء في أي وجبة، فهم يقومون بتجفيف الأسماك وتدخينها بطرق عدة، ويتناولونها مقددة طوال العام، فبرودة الطقس تحفظها في حال جيدة لسنوات عدة! كما نجد ان الملابس التي يرتديها الخليجي أو الآسيوي بشكل عام خفيفة ورخيصة، وخياطتها غير معقدة، فالدشداشة هي الأنسب ـ والأرخص ـ للطقس الخليجي. وعندما يسوء الطقس تنخفض الأنشطة البشرية والتواصل الاجتماعي إلى الحد الأدنى، ولكن ما أن تشرق، خاصة في البلاد الباردة، أو يبرد الطقس في البلاد الحارة، حتى تزداد الزيارات وتتآلف القلوب ويلتقي الأحبة، ويزداد رواد المقاهي والمطاعم! وأذكر اننا عندما كنا صغاراً كان أهالينا يخيفوننا بـ«حمارة القايلة» التي ستعضنا إن خرجنا من البيت ساعة الظهيرة، والقايلة هي ذروة الحرارة! وطبعاً من السخف محاولة إخافة طفل دانمركي مثلاً بحمارة القايلة، فهؤلاء يبحثون عن الشمس بالتفك! كما نقول باللهجة المحلية، والتفك هو البندقية، والتفنكجي هو صانع البنادق، والكلمة فارسية ويستخدمها الأتراك، وهناك أسر في لبنان وسوريا والسعودية تحمل هذا الاسم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تجار دين وشهرة

ليس أصعب من أفول نجم من كان يوما ملء السمع والبصر، سواء كان فنانا، سياسيا، أو رجل دين، فالبشر بشر، فما أن تختفي الأضواء من حول أي من هؤلاء حتى يفعلوا العجب، ليعودوا إلى الواجهة، فالراقصات يفتعلن الفضائح، والسياسيون بغريب التصريحات، والدعاة بعجيب الفتاوى. وعلى الرغم من أن لرجال الدين فضائحهم، فإننا قلما نسمع بها، فمصلحة أنظمة وأفراد تتطلب التغطية عليهم! وقد سمعنا أخيرا بقصة النائب السلفي المصري الذي أجرى عملية تجميل لأنفه، وادعى أن عصابة اعتدت عليه! وزميله السلفي الآخر الذي قبض عليه متلبسا مع فتاة في وضع جنسي بسيارته، وكادت قصته أن تطمس لولا أن الحكم صدر بحل البرلمان، فأصبحت قضيته بيد النيابة! كما ينظر البرلمان العراقي في رفع الحصانة عن النائب محمد أمين حسن، من حزب الدعوة، الشيعي المتشدد، بتهمة تزوير شهادته الدراسية، وهو الذي اشتهر بتلاوة القرآن مع بداية كل جلسة! ولو تقبلنا فضائح الراقصات وسقطات السياسيين، فإن من الصعب على أي مجتمع القبول بفضائح رجال الدين، فهم من يعظ الناس ومثال النزاهة والاستقامة، فكيف يقترفون المحرمات، وهم القدوة؟ وكذا ما نراه مثلا في قضايا لواط الصبيان، إن في مجتمعاتنا أو في مجتمعات رجال الدين الكاثوليك، وحتى البابا متهم بالتستر على بعض المتهمين الكبار! ويقول زميل ان حد الزنى، الذي يتطلب عادة أربعة شهود، يطبق دائما في قضايا الاتهام التي طرفها رجل دين، أما الآخرون فشهادة مخبر سري تكفي لتثبت التهمة عليهم! وقد شاهدنا عددا ليس بالقليل من عمليات رجم نساء حتى الموت في أفغانستان وباكستان، من دون شهود، ولا لذكر شركائهن في «الجريمة»! كما هنالك أيضا بعض رجال الدين الذين دأبوا على إصدار فتاوى، تؤيد الإرهاب فقط للعودة للأضواء، أو يستخدمون سلاح الحديث الطائفي للوصول إلى الشهرة، وهذا ما نراه في خطب بعض متشددي الوهابية والشيعة، وبالذات ياسر الحبيب وآية الله المجتبي الشيرازي، فأحاديثهم المتوافرة على اليوتيوب تقطر سما وهراء، بما تتضمنه من شتائم لا تقبل النفس السوية سماعها، فكيف بتصديقها. وهناك أيضا خطباء يأتون بقصص خيالية لا تتسق مع اي منطق، مثل السيد الشيعي الذي ذكر حادثة طائرة تعرضت لسقوط محقق، ولكن ما أن ارتفعت دعوات الركاب للمهدي المنتظر بإنقاذهم حتى تعدل وضعها ونجا ركابها! وطبعا تناسى هذا الساذج ذكر اسم الرحلة أو تاريخها! كما تناسى أن طائرة «شيعية» اخرى أسقطها الأميركيون، قبل 23 عاما، أجبرت السيد الخميني على تذوق طعم السم، ووقف الحرب العراقية الإيرانية، مجبرا! ولا ننسى في هذا السياق أن فتاوى كمضاجعة الوداع، ورضاع الكبير، ونكاح ملك اليمين، وجواز نكاح الاب لابنته إن كانت أمها أمة، والحمل المستكن، قد وضعت مطلقيها على شاشات أشهر القنوات الفضائية، وفي نشرات أخبار أميركا واوروبا، فهؤلاء جميعا طلاب شهرة، وقبلها طلاب ثروة، وقصة رجل الدين السعودي القرني، الذي سرق كامل نص كتاب من مؤلفته، ونسبه لنفسه، لاتزال تسمع اصداؤها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ارحل يا سيدي.. ارحل

سنخاطبك بلقبك الرسمي الذي لا يزال العالم، والمتحضر منه بالذات، يخاطبك به، فلا تزال رئيس سوريا، وبيدك أن تفعل الكثير لإنقاذ وطنك وطائفتك وعائلتك ونفسك! ولنبدأ بنفسك، فبغير ذلك نكون قد تجنينا على الحقيقة، فمن لا يفكر بسلامة نفسه لا يمكن أن يفكر بسلامة غيره، بشرا أو ترابا! فأنت يا سيدي لا تزال في مقتبل العمر، وأمامك الكثير لتعيشه، ولا تتصور أنك ستبقى في الحكم الى الأبد، وان حدث ذلك فلن تكون يوما، أو حتى لحظة، مطمئنا لسلامتك، وأمن وسلامة من تحب وتعشق، فقد وقع المحذور، واصبحت جزءا من دائرة عنف مستمرة، فإما أن تستمر في القتل أو تتوقف، وفي الحالتين لن ينتهي أعداؤك ولن تتوقف محاولات ذوي ضحاياك في التخلص منك! وبالتالي من الضروري التفكير بجدية في فعل شيء للخروج من هذه الدائرة الجهنمية، بأقل ما يمكن من الخسائر، ولو أن خسائرك، مهما عظمت، فإنها لا تقاس بخسائر وطنك وشعبك! لقد نجح والدك ونجحت أنت في أن ترفع من مستوى معيشة وكرامة أقليات وطنك لدرجة لم تبلغها من قبل، ولكن تشبثك بالسلطة واستماتتك في البقاء على القمة لن ينهي ما انجزت فقط، بل وسيعيد هؤلاء إلى درك اقل مما كانوا عليه من قبل، هذا ان بقي أحد فيهم حيا أو رافضا للهجرة! فكل ما انجزته لهؤلاء سيضيع ويذهب مع الريح، ان تسلمت قوى الشر والظلام الحكم في سوريا، وعليك بالتالي أن تجد مخرجا لهذا الوضع المأساوي، ومهما فكرت فلن تجد افضل من الرحيل بكرامتك، فلا أنت ولا أي انسان، بحكم الطبيعة، قادر على البقاء في الحكم الى الأبد، وخاصة عندما تنشب من حوله حرب أهلية حقيقية. عليك يا سيدي أن تفكر بالطريقة التي ستمضي بها الأربعين سنة القادمة من حياتك، وكيف ستحيا فيها واين، وليس كيف ستبقى حيا، وأين ستعيش مع أسرتك وفلذات كبدك ضمن مجتمع اصطبغت حياته بالدم، وفقد الكثيرون فيه كل شيء؟ ولا تقل لي بأنك تفكر بشعبك وأمتك وطائفتك، فمن الواضح أن ليس لهؤلاء أولوية لديك، فلا يمكن أن يقبل اي رئيس بفتح مدافع دباباته على شعبه، أو استخدام طائراته السمتية والحربية في قصف أحياء ومدن وطنه، ويستمر في الادعاء بأنه يسعى لسعادة ورفاهية شعبه! اعلم أنك تواجه، في جزء كبير من حربك، عصابة مسلحين مهووسين دينيا، ولكنك لا تستطيع ان تنكر أن بين من يعارضون حكمك وطنيين بذلوا الكثير الكثير في محاربتك، بعد ان سئموا من حكمك ودكتاتوريتك!
ان الحديث عنك وعن سوريا وعما يجري فيها ليس سهلا على علماني مثلي لا يؤمن بخلط الدين بالسياسة، او العكس، وبالتالي لا انكر أن مشاعري مختلطة ازاء ما يجري فيها! فمن جهة لا اريد لحكمك ان يزول لكي لا تأتي جحافل الجهل وتحكم أجمل بلد عربي، ومن جهة اخرى لا اريد لك أن تتشبث بالحكم، كما فعل غيرك، وتسهّل أكثر وصول القوى الدينية المتشددة إلى حكم سوريا، ولكن الحق أولى بالاتباع، وبالتالي فإن عقلي يقول بأن عليك، في كل الأحوال، أن ترحل!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كلام يخاطب العقل وليس القلب

ورد في مقال للزميل رشيد الخيون أن الشاعر العراقي الزهاوي، عندما كان نائبا عن بغداد في البرلمان العثماني، عام 1914، تبين له ان العائد من بعض الأوقاف يمنح لقارئي كتاب «البخاري» على سطح البواخر! فتساءل: اننا نعرف أن البواخر تسير بالبخار لا بـ«البخاري»؟ فلماذا لا تُنفق الواردات على نشر التعليم ليتقن الناس استعمال البخار ما دام هو الذي يُسيّر البواخر، بدل انفاقها على قراءة «البُخاري»، الذي ليس له في تسييرها دور! ضج المجلس لكلامه، وهجم عليه البعض يريد ضربه! تذكرت هذا وأنا أقرأ مقالا للكاتب كامل اللامي، موجهاً للسيد علي السيستاني، المرجع الأعلى، يبث فيه مواجعه للممارسات الخاطئة التي يقترفها البعض باسم المذهب، وبموافقته، ويعترض على مقولته «ان كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء»، ولكل المغالاة التي يراها في محبة أهل البيت بصورة تفوق من هم أعلى منهم. ويقول انه لم يسمع بأن النبيين والمرسلين لطموا وجُنّوا وبكوا وأقاموا العزاء سنوياً لفقدهم ولداً أو أخاً أو زوجة، بل آمنوا بأن ما أصابهم انما هو قدر الله وأمره وعليهم الإيمان به. وعندما فقد النبي ولده ابراهيم، قال: «ان العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون»! فما لطم وما بكى وما صرخ وما ضرب الزنجيل وما طبر رأسه بسيفه، وما أمر قومه وأصحابه بإقامة العزاء سنوياً! وحين استشهد الامام علي ما طبر الحسن والحسين رأسيهما بسيفيهما، وما أقاما العزاء سنوياً، وما أمرا الناس بذلك، انما قالا: «انا لله وانا إليه راجعون». وقال ان علينا ازالة ما علق بالمذهب من شوائب دخلت عليه بقصد أو بجهل لتشويهه، وما تحريم شائبة التطبير الا خطوة للاصلاح. كما طالبه، ضمن أمور أخرى، بالسعي الى تفسير القرآن تفسيراً يُفهم من قبل كل مسلمي العالم في الشرق والغرب، وليس فقط شيعة العراق، الذين يفهمون أن القرآن نزل لأجل أهل الكساء، وما خُلقت السماوات والأرض إلا لأجلهم! وهي روايات، برأي الكاتب اللامي، لا صحة لها! وقام الكاتب بتوجيه مجموعة أسئلة للسيد السيستاني تتعلق بميزانية الحوزة وما يرده من خمس وواردات الأئمة والتبرعات الأخرى. كما طالبه بالافصاح عن كم الأموال التي تصرف على «الشعائر الحسينية» سنويا. وكم مسجدا بني وكم مدرسة علمية نموذجية أنشئت لأطفال العراق، مكان مدارس الطين الحالية. وكم بيتا بني لإيواء ملايين الأرامل والأيتام الذي يعيشون في العراء، صيفا وشتاء، وكم مولد كهرباء تم شراؤه لإنارة ليالي الفقراء والمعوزين، علما بأن مولدات المراقد تكفي لإضاءة مئات القرى البائسة؟ وتساءل: هل الأئمة بحاجة حقا الى ما يقام لهم سنويا من مآتم تنفق فيها ملايين الدولارات وتضييع فيها ملايين ساعات العمل دون مردود؟! ألا يستحق الحسين تكريما أفضل؟ وتساءل: ل.مَ لا تحرم المواكب فوراً، التي تحولت لتجارة؟! ولماذا لا يقوم بحث الناس على الاقتداء بالحسين وجده المصطفى، والعمل بما عملوا لأمتهم، بعد أن اصبح لكل قارئ عزاء من «محبي الحسين»، وكل رادود سعره الخاص بالدولار؟!
كلام معقول ويستحق الالتفات إليه من دون تشنج، فوضع المواطن العراقي، والشيعي بالذات، وصل الى حضيض لم يصله من قبل بالرغم من امساك كباره، منذ عشر سنوات تقريبا، بزمام الحكم في العراق.
***
ملاحظة: تسبب فيروس غريب من إتلاف أكثر من 62 مقالاً، تم تحضيرها للنشر، من على جهاز كمبيوترنا المحمول، وعليه ستتوقف مقالاتنا لبعض الوقت أو تصبح متقطعة لحين اصلاح الخلل، وهذا غير متوقع حدوثه بالسرعة المناسبة، خصوصاً وأنا بعيد جداً عن أي ورشة معتمدة .. فمعذرة للجميع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجموعة 29 الكبيرة

آمنت مجموعة من السيدات، ومن أطياف مختلفة من المجتمع، برسالة انسانية قلما اثارت اهتمام الكثيرين منا، إما لعدم إيماننا بما يسمى «حقوق الإنسان»، وإما لخلو تلك القضايا المعقدة من الشعبية، ورغبة الكثيرين في أن يديروا أوجههم عنها لزوايا ومناظر أكثر راحة وأقل دعوة للتفكير والتعاطف مع قضايا ومشاكل الآخر، وبالتالي فإن قلة فقط تهمها مسائل المساواة والعدالة بين أطياف المجتمع، وربما العكس هو السائد، حيث نرى ازديادا في قضايا وحالات التعصب والتمييز ضد الغير، ومن هنا تطلب الامر تدخل البعض، فتشكلت «مجموعة 29» التطوعية بجهود مجموعة من الناشطات الكويتيات اجتمعن تحت شعار نبيل وسام وهو نص المادة 29 من الدستور الكويتي والتي تقول ان الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون امام القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل او اللغة او الدين. وواضح ان هذه المادة لم تحدد جنسية من يتساوون في الكرامة والحقوق، بل هي لكل الناس، ومن هنا جاء اهتمام مجموعة 29 بقضايا البدون ضمن قضايا مهمة أخرى، كأولوية ملحّة. وفي هذا السياق، وإيمانا من المجموعة بأن التعليم هو اللبنة الأولى لتأهيل وإعداد إنسان متوازن قادر على العطاء والاندماج في المجتمع، تقوم المجموعة حاليا بالترتيب لنشاط لتكريم المتفوقين العشرة الأول من أولاد وبنات فئة غير محددي الجنسية، والعمل على تأمين مقعد دراسي جامعي للمتفوقين منهم، بصورة منحة داخلية، بما يضمن استمرارية تعليمهم وتوفير مستقبل أفضل لهم يساعدهم على خدمة أنفسهم وأسرهم والكويت مستقبلا. ومجموعة 29 تهدف بهذا الى التذكير ان هؤلاء الشباب جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وإدماجهم فيه وتأهيلهم للحياة الكريمة ضرورة ملحّة يجب على الدولة ألا تغفل عنها.
وحيث إن شهر رمضان هلّ على الجميع هذه الأيام، وهو شهر طالما وصف بزيادة الخير فيه، فإننا ندعو هنا كل اسرة كويتية تفكر في مستقبل ابنائها وتعليمهم، للتفكير ايضا في المتفوقين من «البدون»، ودعم جهود هذه المجموعة الخيرية ومساعدتها للقيام بدورها واداء رسالتها الانسانية. وقد قمت شخصيا بإرسال مبلغ للمجموعة كمساهمة متواضعة مني، لدعم جهودها في تكريم ابناء «البدون» المتفوقين. كما أن المجال مفتوح لتبني تكاليف طالب او طالبة او اكثر لمنحة دراسية داخلية، علما أن الجامعة الاميركية في الكويت كانت اول من ساهم في توفير كرسي للطالب المتفوق الذي ترشحه المجموعة!
لمزيد من التفاصيل عن طريقة المساهمة والتبرع يرجى التواصل مع المجموعة على التويتر group29kwG@ ولمعرفة المزيد عن نشاط «مجموعة 29» يمكن الاتصال على الرقم التالي 97647645.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الختان والعلمانية

أصدرت محكمة ألمانية في مدينة مولون حكما بعدم قانونية عمليات ختان الذكور التي تجري في ألمانيا! ومن سيتأثر بهذا القرار هم يهود ومسلمو ألمانيا، وقلة غيرهم، وقد اعترض هؤلاء بشدة على الحكم، وطالبوا الحكومة بوقف هذا التعدي على حقوقهم، وفق تعبيرهم! وقال قادة يهود ان هذا الحكم هو الاشد بعد الهولوكوست، وأن ما ذكرته المحكمة من ان اخضاع الاولاد لعملية ختان هو تعد على حقوقهم الانسانية، هو عكس ذلك تماما، وليس في الامر جريمة وتعد جراحي على جسد من لا ارادة له! وذكر الراباي غولد شميدت بأنه لا يرى مستقبلا لليهود في ألمانيا، ان اصرت المحكمة على قرارها ولم يعترض عليه. وما جعل الوضع اكثر سوءا هو ما بينته استقصاءات الرأي من ان غالبية الألمان يؤيدون حكم المحكمة، وهذا ما تسبب في اصابة كثيرين بصدمة مؤلمة، وما يعنيه من ان المسلمين واليهود غير مرحب بهم في المجتمع الأوروبي!

***
سخر بعضهم من إيماننا بــ «العلمانية»، والتي تعني اساسا فصل الدولة ونظامها السياسي عن الدين، ولم يعلم هؤلاء بأنها وحدها، كما ذكر الراحل حامد نصر ابو زيد، التي يمكن ان تفتح آفاقا للحرية والعقلانية وتعدد المعاني، فالدين شأن المتدينين، ومهمة الدولة ان تضمن حرية الجميع، وتحمي بعضهم من بغي الآخر باسم الدين. لكن العلمانية لا يمكن ان تتأسس من دون اصلاح ديني، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن، بل تحقق في اوروبا القرن السادس عشر، ولم تحدث عندنا ثورة فلسفية كالتي احدثها فلاسفة اوروبا، تلك الثورة التي على اساسها تحققت الثورة الاجتماعية والسياسية التي ارست مفهوم «المواطن»، وأحلته محل مفهوم «الرعية»، السائد في مجتمعاتنا! وتزداد الاهمية يوما عن يوم لفصل الدين عن الدولة، فإذا نظرنا حولك سنجد النتائج المأساوية لهذا الزواج الكاثوليكي المحرم بين الدولة والدين في عالمنا العربي، فالدين، وفق قول ابو زيد، لا تستخدمه الجماعات الراديكالية او الاسلاميون فقط، وانما الدولة، وهذا امر يعود تاريخه الى النصف الثاني من القرن العشرين. وفصل الدين عن الدولة غير فصل الدين عن المجتمع، فهذا ما لا يمكن ان يتم، فالدين، تاريخيا، مكون اجتماعي، وليس مجرد مكون شخصي او فردي. وقد يبدأ الدين كذلك، اي يبدأ تجربة شخصية فردية، وقد يظل كذلك في بعض التجارب. لكن بعض التجارب الدينية الشخصية الفردية يتم تحويلها الى تجربة مشتركة تخلق جماعة، تصبح مجتمعا ثم تتطور الى «امة». في هذه الحالة الاخيرة يصبح الدين قوة وشيئا لا يمكن انتزاعه من المجتمع. ولكن الدولة ليست المجتمع، بل هي الجهاز الاداري والسياسي والقانوني الذي ينظم الحياة داخل المجتمع. واذا كان الدين قوة اجتماعية، فهو ايضا ليس المجتمع، فالمجتمع جماعات واديان. ومن حق هذه المجتمعات على الدولة، وهذا جمال العلمانية ورونقها، والذي لا يريده المتخلفون، ان تحمي بعض الجماعات من افتئات جماعات اخرى على حقوقها. من هنا فدور الدولة، كجهاز منظم لسير الحياة في المجتمع، اي مجتمع، المتعدد الاديان او المذاهب والانتماءات بطبيعته، يجب ان يكون محايدا، وهذا لا يتم بغير ألا يكون للدولة دين تتبناه وتدافع عنه وتحميه، فدورها هو حماية الناس، لا حماية العقائد، فالدولة لا يصح ان يكون لها دين، فهي لا تذهب الى الجامع ولا تصلي ولا تحج، بل هي مسؤولة عن المجتمع بكل مكوناته، بما فيها الأديان.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرد الأخير

أرسل لي صديق جزءا من مقال الزميل مبارك الدويله في القبس وتطرقه لشخصنا. وبسبب لهجة المقال التهكمية وما أظهره من جهل بشخصنا لزم علينا الرد: يقول الزميل، مخاطبا إيانا بوزير مالية حكومة الظل، الذي يكتب يوميا عن العلمانية او الاخوان المسلمين ونادرا ما يكتب عن رؤيته في اصلاح الاوضاع المتدهورة للتنمية والبورصة في البلاد، اننا «استمعنا» لرأيه في علاقة الحركة الدستورية بتنظيم الاخوان، وأن الحركة كانت حتى 1990/8/2 تابعة لهذا التنظيم، ثم قطعت بعد الغزو! وأننا كتبنا مقالا نستشهد فيه بعدم مصداقية ادعائه، متطرقين لأمور حدثت قبل الغزو لتأكيد ارتباط اخوان الكويت باخوان مصر، مثل تأسيس جمعية الارشاد، وايواء رموز الاخوان الذين فروا من عذاب عبد الناصر في الستينات! وأن المضحك في مقالنا ما ذكرناه من أن اسماعيل السيد، احد كبار اخوان مصر، الذي جاء للكويت في بداية الخمسينات وكّلنا، مع علمانيتنا بأموره المالية، وانه أسرّ لنا بأن جميع من تعرف عليهم من الإخوان لم يكونوا جديرين بثقته! وان بعضهم سرقه وكذب عليه! وتساءل الدويله عن سبب عدم ذكرنا لهذا الكلام إلا بعد وفاة السيد؟
والآن دعني أرد على جملة ترهات المقال: أولا انا لست وزير مالية ظل، ولم اسع يوما لمنصب سياسي أو حزبي، كتكالبكم اليوم للوصول لأمانة الحركة، وتكرار سيناريو «حقوق الإنسان»، فثرائي النفسي والمادي جعلاني في غنى عن اي منصب كان، وقد ذقت وما ازال أذوق حلاوة الحياة، واستمتع بكل أموالي الحلال التي لم احاول يوما استغلال مناصبي أو حزبي أو تهديداتي النيابية في جمعها، ثانيا: اتهمتني بالاستماع لرأيك في علاقة إخوان الكويت بإخوان مصر، وهذا افتراء، فأنا لا أتابع ما تكتب أو ما تقول، غير ما يرسله البعض لي! ثالثا: كنت قبل 33 عاما في أرفع منصب مصرفي في بنك الخليج، وأدرت بكل أمانة مئات ملايين الدنانير، وخرجت من البنك، موظفا وعضو مجلس إدارة وليس في ذمتي فلس واحد، أو علي مأخذ صغير أو كبير، ولا أدري أين كنت أنت وقتها لتأتي اليوم وتتهجم علي! واثناء تلك الفترة تعرف علي اسماعيل السيد ووثق بي، بعد اختبار مالي، وعرف أن جلدي لا يشبه جلد الإخوان، الذين طالما ذاق مرارة التعامل معهم، وشوائب بعضهم. رابعا: كنت عضوا في أكثر من مصرف وشركة، وكانت لي أعمالي التجارية الواسعة، داخل الكويت وخارجها، وتخليت عنها مؤخرا لأبنائي، واخترت البقاء بعيدا عن «جلاحة» وجوه البعض وأنت تعرف من أقصد! ومع كل تاريخي المصرفي والتجاري على مدى نصف قرن إلا أن كامل الحركة الدستورية ومعها جمعية الإصلاح وجحافل التنظيم العالمي للإخوان ليس بإمكانها أن تجد مستمسكا واحدا يخدش سمعتي، وأنصحك بالتوقف عن رؤية الناس وطبع الإخوان، وأن الناس ليسوا جميعا أغبياء ليصدقوا هذا المنطق. خامسا: لو كنت من سابق قرائي لعلمت بأنني تطرقت في مقالات عدة لتجارب إسماعيل السيد مع الإخوان، وهو الذي قضى أكثر 53 عاما بينهم في الكويت! سادسا: ما دفع إسماعيل السيد للثقة بي، وليس بأحدكم، هو الشيء نفسه الذي دفع 23 آخرين من جنسيات مختلفة وديانات ومذاهب متعددة للثقة بشخصي المتواضع من خلال وكالات خاصة وعامة! وأخيرا نتمنى أن تنجح كل محاولاتك ضد الرموز الوطنية، ولست بأحدها، في أن تزكيك لاستلام قيادة جمعية الإصلاح والحركة الدستورية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ضميرنا والياباني

تذكرت، وأنا أكتب مقال السبت الماضي عن السيدة اليابانية موري، كيف أن وازع الضمير عند اليابانيين أقوى منه عند غيرهم، وهذا ما جعلهم اكثر استقامة وخلقا منا بالرغم من ضعف وازعهم الديني، أو خوفهم من أي عقاب سماوي او جنة أو نار، تذكرت أن الايرانيين عندما لا يريدون اقحام الدين في قسم ما، فإنهم يقسمون بالوجدان! وبالبحث وجدت أن الضمير هو الوجدان، أو قدرة الفرد على التمييز بين الفعل الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل! والضمير هو الذي يؤدي الى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، والى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق أفعاله مع قيمه الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر، نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق، لدى كل طرف. والضمير يتطور وينمو ويكتسب قوته عن طريق التربية المنزلية والمدرسية والثقافة العامة. وفي هذا السياق، يقول الداعية السعودي عادل الكلباني، ان الكثيرين منا يُسك.تون ضمائرهم بصبغ أخطائهم بالشريعة، والبعض منهم يتحايل على الضمير أو ما بقي منه كي لا يلوم ولا يمانع الاستمرار في الخديعة، فتراه يحزم حقائبه الى بلد ما، في عطلة قصيرة جدا، هو ينوي الاستمتاع بامرأة، لكن ضميره لا يطاوعه فيحتاج الى أن يحتال عليه ليسكته في وهمه أن ما يفعله شرعي قد أفتى به العلماء، وهنا يقول لضميره: أنت ذاهب للزواج على سنة الله ورسوله، وان كنت تنوي الطلاق بعد يومين أو ثلاثة فالزواج صحيح! وان سأله ما تبقى من ضميره: أليست الأعمال بالنيات؟ فيسكته بأن الشروط والأركان تامة فالعقد صحيح. ويعود الضمير للتساؤل: حسنا، والخديعة والنية ألا تؤثران؟ فيسكته مرة أخرى: لا، لا أثر لهما فهما في القلب، لم نتفق على مدة، فالعبرة بصحة العقد لا بسلامة النية، وأننا نعمل بالفتوى، ولا نتحمل خطأ المفتي. وهنا يقول الضمير حسنا، فهل ترضاه لأختك، أو لابنتك؟ فيتلعثم هذا ويتمتم، ولكنه يجيب بتلعثم: يا أيها الضمير المتبقي فيّ، لهذا جئت الى هنا، فأنا لم أفعله في النساء العفيفات في بلادي الطاهرة وانما فعلته في قوم فقراء يحتاجون الى المال فأعطيهم قليلا منه يرضيهم ويغنيهم! يحتار الضمير ويتساءل: كأني كنت أسمعك تحكي أن المسلمين اخوة، وأن أعراضهم مصونة، وأن لا فرق بين عربي وأعجمي، وأن..! فيجيبه بكل ارتياح: الناس يختلفون، ولا بد من انزالهم منازلهم!.
كما يسكت البعض ضميره، أو ما تبقى منه، حين يريد أن يرتشي، فيسميها بغير اسمها، فهي اكرامية، عمولة، أتعاب، وان لم تأخذها أنت أخذها غيرك، والمهم أن تتقن العمل، فان الله يحب من أحدكم اذا عمل عملا أن يتقنه، فهو يحفظ الأحاديث التي تعينه على خداع ضميره، واسكاته، فليس هناك غش، ولكن تقاضي شيء من تحت الطاولة، ليكون ثمنا لأتعابك، وأنت لن تأخذ الا من بيت مال المسلمين، ولك فيه حق كما لبقية المسلمين! ويتناسى أن الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس! ويسكت ضميره، وهو يقتل المسلمين، يوهمه أنه يجاهد وينصر الدين، ويعلي راية الاسلام، وأنه ان مات مات شهيداً، وان عاش عاش حميداً، وأن هؤلاء المسلمين سيبعثون على نياتهم، وهو انما أراد تطهير البلاد من الكفرة الأنجاس! وايضا يسكت ضميره وهو يشتم هذا ويسب ذاك، ويتهجم على آخر، ويقطر لسانه فحش قول، وسوء أدب، بحجة الغيرة على الدين، والمحافظة على الأخلاق، والفضيلة! ويسكت ضميره كي يتجاوز حقه، فيتعدى في الصف لأنه مشغول، ويسرع في الطريق مستعجلا، ويقف في المنعطف، أو مزدوجا لأنه لا وقت عنده، أما الآخرون فليس وراءهم شيء! وهكذا نرى أننا ركزنا في التربية على العامل الديني فقط، وفيه مهارب كثيرة، واهملنا تنمية الضمير الحي وتربيته فينا، وهنا مكمن الخطورة وسبب تدهور أوضاعنا!

أحمد الصراف