احمد الصراف

يا سكري يا عسلي

تقوم جهات عدة، تجارية بالذات، بالترويج لمزايا العسل ووصفه بالمعجزة، وفي هذا مبالغة كبيرة، حتى ولو وجد من استفاد من العسل في علاج مرض ما، فقد يكون السبب ما أضيف له من مواد مسكنة او كورتيزون، فعلميا لا يختلف العسل كثيرا، في دوره كمادة محلية، عن سكر القصب الطبيعي غير المعالج. فمادتا العسل، وهما الكولوكوز والفروكتوس، أو سكر الفواكه، glucose and fructose منفصلتان فيه، بعكس السكر، والفروكتوس أكثر حلاوة، ولكنه لا يتحول الى طاقة بسرعة كالكولوكوز، وبالتالي فإن الأغذية المعلبة مثلا التي تحتوي على سكر عالي الفروكتوس تتحول الى دهون بطريقة أسرع من العسل. كما أن ملعقة من السكر العادي تحتوي على %50 أقل من السعرات الحرارية، من ملعقة مماثلة من العسل، وهذا يدفع البعض الى استخدام العسل بكميات أقل لحلاوته العالية وكثافته. كما يعتقد بعض خبراء التغذية أن العسل يحتوي على كمية قليلة من الفيتامينات والمعادن المفيدة، وفائدته في الهضم مؤكدة، مقارنة بالسكر الأبيض، الذي يخضع لإضافات عدة، وهذا ينزع عنه مواده النافعة، كالألياف، التي لا توجد بالعسل، بحيث لا يتبقى في السكر غير الحلاوة والضرر. واستخدام العسل في التحلية على المدى البعيد قد يكون أرخص، وهذا الكلام موجه للعقلاء، علىالرغم من سعره العالي مقارنة بالسكر، لأن الكمية المطلوبة منه أقل في التحلية. كما أثبتت التجارب أن العسل يتحلل بالدم بطريقة أكثر بطئاً من السكر، وهذا يساعد في عملية الهضم، وبالتالي من الأفضل استبدال السكر بالعسل، وخاصة في ظل صعوبة الحصول على سكر غير معالج في الأسواق. والخلاصة أن كل ما يدعيه البعض من احتواء العسل على العجائب أمر لا يدعمه أي بحث علمي، ولكنه بشكل عام أفضل من السكر، وعلينا في جميع الأحوال تجنب او التقليل من استهلاكنا من السكر الأبيض القاتل، هذا إضافة إلى أن العسل معرض للغش، حيث يضاف السكر لبعض أنواعه، ويمكن معرفة الأصلي منه برفع بعض منه في ملعقة وجعله ينسكب ببطء، فإن تقطع وهو ينحدر فهذا يعني أن مواد كالسكر قد اضيفت له، خاصة في الرخيص من أنواعه! وفي غياب السكر الطبيعي والعسل الصافي يمكن استخدام سكر الفواكه المستخرج من التين والزبيب، فهو لا يختلف في تركيبته عن العسل.
ويقول د. بانتنك Banting Dr، مكتشف الإنسولين، الذي يدعو البعض عليه في المساجد لأن ينقطع نسله ويحرق زرعه، إن الإصابات بمرض السكر في أميركا والعالم الثري، ارتفعت بطريقة موازية ومتساوية مع ارتفاع استهلاكه لسكر القصب الأبيض المعالج، وان عملية التسخين التي يتعرض لها السكر تحوله الى مادة خطرة. وهنا ننصح بقوة بالتوقف كليا، إن أمكن عن استخدام السكر الأبيض، وإن صعب على البعض ذلك، فعلى الأقل التقليل منه، وتربية أولادنا، والصغار بالذات، على عدم تناوله، أو تعويدهم عليه وهم صغار، لكي لا يدمنوا عليه، فالإنسان ابن بيئته! ولو كنت مكان وزير الصحة، وهذا ما لا اتمناه، لفرضت ضريبة عالية على السكر المستورد، ووجهت المبلغ المحصل لمعالجة أمراضه المنتشرة بيننا، بدلا من التفرغ لطرد الكفاءات الطبية! كما نعيب على الحكومة الرشيدة، ووزير صحة شعبها، الإعلان عن توفر مضخات إنسولين للأطفال المصابين بالسكر، ثم يتبين لاحقا ان الموجود لا يزيد على 160 مضخة، والمصابون من الأطفال أكثر من 3500، كما أن «أمناء»الجمعيات الخيرية لا يزالون على اعتقادهم بأن الصرف على وجبات طعام لمسلمي تمبكتو، التي يصعب مراقبتها ومعرفة حقيقتها، أكثر أهمية من الصرف على أطفالنا المرضى!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

ملاحظات صديقي سلمان

1 – يقول سلمان انه كان وزملاؤه جالسين في مسجد مع مدرس التربية الإسلامية، وهنا دخل الطالب طوني عليهم ليستأذن من المدرس بالانصراف، لأنها كانت الحصة الأخيرة، ولا علاقة له بها. وما ان وصل إلى منتصف المسجد حتى صرخنا فيه بألا يدخل، لأنه مكان محرم عليه كونه مسيحيا، فتصلب طوني في مكانه والخوف باد على وجهه، وهنا قال الأستاذ: الا تستحون؟ أليس عيبا عليكم؟ ثم دعا طوني، وسط دهشتنا، للجلوس معنا، إلا أنه رفض وغادر المسجد ممتقع اللون. وهنا قال المدرس: من منكم يستطيع ان يخبرني أين كان نبي الإسلام يستقبل وفود الكفّار، وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، ألم يكن ذلك في المسجد؟ وكان ذلك صحيا ولكن عقولنا الصغيرة يومها لم تستوعب الأمر، فربما تصرفنا من واقع أنهم أنجاس، وهذا ما قاله أحد الطلبة للمدرس، في معرض تبريره لما بيناه من اعتراض على دخول غير مسلم للمسجد! ولكن المدرس لم يرد، واستمر في درسه!
2 – ويقول ان نظامنا التعليمي لم يكتف بإهدار وقتنا في تعلم مواد علمية لا نذكر منها شيئاً، كالفلزّات وحساب نصف قطر الدائرة وغيرها، بل ساهمت مدارسنا في ترسيخ نزعات العنصرية المتغلغلة في نفوسنا حتى اليوم. فعندما تستمع إلى أحدهم وهو يحكي عن جاره أو زميله في العمل، ستجده يشير في حديثه، دون أن يشعر، إلى لون بشرة ذلك الجار أو عرقه أو مذهبه، ولذلك علينا ألا نستغرب إن ضربت الفتنة الطائفية كل المنطقة قريبا، وإن هذه ليست إلا بداية العاصفة! ومن يستخدم الــ «التويتر والواتس أب» والايميل يعرف مدى ما يزخر به الإنترنت من رسائل حقد وكراهية طائفية والكثير من الأكاذيب والأحاديث والفيديوهات والصور المفبركة عن الشيعة والسنة!
3 – ويقول سلمان ان في كل بيت من بيوتنا ابن لادن، أو متعصبا صغيرا ينتظر الساعة المناسبة لمقاتلة الكفار وأهل البدع، إن في المدرسة أو الملعب أو المقهى، وحتى في العمل، وما إن يصطدم معه أحد فكرياً، حتى تتفجر مشاعره المكبوتة في داخله ويتحول إلى مقاتل، وإن كان بقلبه فقط. وعندما كنّا صغاراً علّمونا بأنه «مَعَ حَمَد قَلَم»، وعلمونا «أن هنداً تلعب في المدرسة»، وعندما كبرنا كان أول عمل قاموا به هو الفصل بين حمد وبين هند حتى لا يقعا في خلوة محرّمة. وعندما كبر حمد، أخذوا منه قلمه وأعطوه قنبلة، ففجر نفسه والآخرين بها، وسؤالي هو: أين ذهب قلم حمد، وهو الذي نحتاجه الآن؟
4 – ويقول سلمان انه في الخمسينات كان في مكتب البريد الرئيسي موظف هندي من كيرالا، أو ربما اثنان آخران، وكانت الرسائل تصل بانتظام وسرعة ودقة، بالرغم من بطء وسائل المواصلات حينها مع قلتها. ولكن اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن وعشرات الرحلات الجوية اليومية، مع تخمة في وسائل فرز الرسائل إلكترونيا، وعشرات مركبات التوزيع، ومئات الموظفين الكويتيين والعرب، إلا أنهم أعجز من أن يؤدوا ما كان يؤديه ذلك الموظف الهندي «المخلص لعمله»! ويقول سلمان بحسرة: اننا إن كنا فشلنا بجدارة في أداء واحدة من أبسط الخدمات الحكومية، والتي لا تزيد على وضع رسالة بريد في الصندوق الخاص بها، فكيف يمكن أن ننجح في ميكنة الشؤون أو التسريع في عمل الموانئ أو ضبط الحدود أو القضاء على الرشوة؟ فقلت لسلمان: اذهب لبيتك وقل لخادمتك العجوز: غطيني يا «صفية»، ما في فايدة من الكلام!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

نحن والدكتاتور العظيم

في عام 1940 قام عبقري السينما شارلي شابلن بإنتاج وإخراج وتمثيل فيلم «الدكتاتور العظيم»، وسخر فيه من الدكتاتورية، وتنبأ بجرائم النازية قبل وقوعها، وهي الجرائم التي أودت بحياة 60 مليونا من البشر، وتشريد وتشويه أضعافهم، في حرب عنصرية عبثية لم يعرف لها التاريخ مثيلا، وكل ذلك من أجل أوهام رجل مريض اعتقد أن قومه أفضل من غيرهم، وبالتالي على الآخرين أن يكونوا من درجة أدنى! ولا يزال الفلسطينيون، على الأقل في منطقتنا، يدفعون ثمن جرائم ذلك الأحمق!
يقول شابلن في خطبته الشهيرة في الفيلم: أنا آسف، أنا لا أريد أن اكون امبراطورا، هذا ليس من شأني، لا أريد أن أحكم أو أغزو اي أحد، يجب أن اساعد الجميع، يهودا، كفارا، سودا وبيضا! نحن جميعا بحاجة لأن نساعد بعضنا البعض، فقد وجد البشر هكذا. نريد العيش سعداء بجانب بعضنا وليس بأن نسعد بتعاسة غيرنا. لا نريد ان نبغض ونكره بعضنا، هناك في هذا العالم مجال للجميع، فالأرض طيبة وغنية ويمكنها أن تقدم للجميع كل ما يحتاجونه، ولكن يبدو أننا ضللنا الطريق، وسمم الطمع أرواحنا وملأ العالم بالكراهية، وأصبحنا نمشي كالإوز نحو التعاسة ونميل لإراقة الدماء.
لقد طورنا السرعة، ولكننا حبسنا أنفسنا في الداخل، وبالرغم من أن الآلات تعطينا الكفاية فإننا أصبحنا نريد الأكثر، كما أن معارفنا جعلتنا نفكر بأنانية، وأصبح ذكاؤنا مصدر تشدد وتفرقة، فنحن نفكر كثيرا، ولكن نشعر بدرجة أقل، وأصبحنا بحاجة لأن نكون بشرا، أكثر من حاجتنا للآلات، فنحن نحتاج للطف والرفق أكثر من حاجتنا للذكاء، لقد قربتنا الطائرات والراديو لبعضنا، ولكن أشياء أخرى أبعدتنا أكثر عن بعضنا، فالبشرية تنادي للاخوة ولوحدتنا جميعا. ورغم أن بإمكان الملايين سماع صوتي فإن الملايين أيضا غيرهم يعانون اليأس وهم ضحايا انظمة مستبدة وقاسية ودكتاتورية!… إلى آخر الخطبة الأشهر في تاريخ السينما!
لقد تذكرت الفيلم وأنا أشاهد إعادة للحفل الختامي الأسطوري لدورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في لندن، واستمعت بتمعن شديد لرسالتها السامية، التي كانت تخاطب البشرية أجمع وتقول لها إنه لا خيار لنا إلا أن نعيش متحابين على هذه الأرض فلا محل للبغضاء والكراهية، وأن الجميع سئم من تعصب «البعض منا»، ويشعر بالغثيان من مناظر القتل والتعذيب وزج الأبرياء في السجون، وان العدل يجب أن يسود العالم، فجميعنا سواسية وإخوة، ويجب أن نكون متحابين، وبغير ذلك لن يسود السلام كوكبنا، وعلينا أن نحل خلافاتنا بالطرق السلمية وليس بالحروب، وبغير ذلك سنفنى جميعا!
وقد لخصت أغنية Imagine لمطرب البيتل الراحل جون لينون رسالة المهرجان وفلسفته القائمة على نبذ التعصب والتفرقة فكلنا سواسية، ولم تفرقنا غير أفكارنا السوداء بأن البعض أفضل من الآخر!
***
ملاحظة:
ما يجري في وزارة الصحة على يد الوزير الجديد، أمر غريب ومؤلم حتى لمن لا يحتاج لخدماتها! بعد ان أصبح وضعها كوضع الخطوط الجوية! فقد كانت آخر قرارات السقوط «طرد» الاستشاري الإنسان والجراح العالمي يوسف العوضي من رئاسة قسم جراحة المخ والأعصاب، وهو الذي رفع اسم الكويت عاليا في أكثر من محفل وعضوية عالمية! والآن هل سيتغير مكان وقوفه الطبيعي من أمام أسرة مرضاه، إلى الوقوف في أروقة المحاكم، مع زميليه د. السهلي ود. الخترش لاسترجاع حقوقهم؟ وهل هذا يجوز أصلاً؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

اللعنة أم الرحمة؟

قام حسن من نومه فجرا على جرس منبهه الكوري، ونظر إلى ساعة معصمه السويسرية، متمنيا أن يكون في الأمر خطأ، فهو بحاجة للنوم لدقائق قليلة أخرى، وصح توقعه، فقد رنت الساعة اللعينة مرة أخرى قبل موعدها، ولكنه لم يستطع العودة إلى النوم، فترك الفرشة الأميركية الوثيرة، بعد أن تقلب عليها عشرات المرات، مفتقدا زوجته التي ذهبت لأداء العمرة، ربما بطائرة «ايرباص»، مع والدتها وأخواتها. أضاء حسن مفتاح الضوء الإيطالي عند سريره، ودخل الحمام وقضى حاجته في الآنية الاسبانية، ونشف وجهه بفوطة ارجنتينية، ونزل إلى المطبخ وفتح البراد، وأخذ قطعة زبدة دانمركية إضافة لقطعتي خبز ألمانيتين مناسب للحمية، ووضع الخبز في التوستر، أو المحمصة الفرنسية، وملأ إبريق الكهرباء الياباني بالماء المعالج بالكلور والفلورايد البلجيكي، واخذ كيس الشاي السيلاني، ووضعه في الكوب الصيني، وجلس على الكرسي الفرنسي بانتظار أن يسخن الماء! مد يده لريموت التلفزيون الكوري، وأخذ يستمع لآخر اخبار قناة السي ان ان الأميركية، عاد إلى البراد وأخذ مرطبان العسل النيذرلندي الأسود، ووضعه أمامه مع صحن وشوكة وسكين من الصين، وبدأ بتناول إفطاره المبكر في ضوء الفلورسنت البولندي، مستمتعا بهواء المكيف الأميركي! وعندما انتهى ذهب إلى الحمام لتنظيف اسنانه بفرشاة اسنان يابانية ومعجون فرنسي. وهنا حان موعد صلاة الفجر، فأنهى وضوءه وذهب إلى غرفة نومه، حيث اعتاد الصلاة هناك، وفرش السجادة السنغافورية على الأرض وانهى صلاته! فكر في العودة إلى النوم، ولكن هيهات، وهنا قرر أن يذهب للسير على شارع الخليج فلاتزال الحرارة محمولة في هذه الساعة المبكرة. غادر البيت الخالي، بعد أن ارتدى حذاء الرياضة الصيني، ولم يستطع التأكد من مصدر جواربه، واستقل سيارته الألمانية واتجه إلى الخليج، وهناك فوجئ بالعدد الكبير نسبيا من المتريضين، وغالبيتهم أوروبيون، بعضهم يمشي وآخرون يهرولون، وثالث برفقة كلبه الضخم، واثنان جالسان يصطادان السمك بسنانير يابانية، وفكر بينه وبين نفسه: ألا ينام السمك؟ عاد بعد ساعة إلى بيته، وأخد يقلب صحف الصباح بورقها المستورد من فنلندا، والتي طبعت على مكائن بريطانية، ولكنه لم يستطع التركيز، حيث لم يعتد بعد على استخدام عدسات نظارته السويدية الجديدة، فترك الصحف جانبا، وعاد إلى المطبخ وشغل ماكينة قهوة الاكسبرسو السويسرية، وجلس يرتشف قهوته مع سيجارة إنكليزية أشعلها من كبريت سويدي، وهنا شعر بالنعاس! ترك كل شيء ومشى إلى غرفة نومه، واستغرق في نوم عميق. استيقظ على صوت قوي صادر من مكبرات المسجد التايلندية، فقام واغتسل وارتدى دشداشته، بقماشها الياباني ونعاله الإيطالي وحمل معه هاتفه الفنلندي، وذهب لأداء صلاة الجمعة في المسجد، كدأبه منذ سنوات! وهناك سمع خطيب الجمعة يدعو بالخير والبركة لجميع لمسلمين، وأن يوفقهم الله لما فيه صلاحهم، وأن يبعد عنهم كيد أعدائهم، ويوحدهم وينهي خلافاتهم. ودعا الخطيب بهلاك أعدائهم من يهود ونصارى وكفار، وأن يحرق زرعهم ويجفف أنهارهم ويرمل نساءهم وييتم ابناءهم ويقطع نسلهم! وهنا رفع حسن حاجبيه مستغربا، وأدار بصره في الحضور يبحث عمن يشاركه في استغرابه، ويقلب نظره في كل ما حوله من أثاث وأسقف وثريات وميكروفونات وخشب وسجاد ومكيفات وأسلاك وأجهزة ومراوح وأبواب وحديد وزجاج ودهان وديكور وغير ذلك الكثير، فوجد أن جميعه مستورد أو مصنوع بيد من طالب الخطيب بإفناء نسلهم، وتساءل بينه وبين نفسه، أليس من الأفضل أن نقوم أولا بصنع مثل هذه الأشياء بحيث إن فني نسلهم يكون لدينا البديل؟ وأليس من الأفضل، بدلا من الدعاء بفنائهم أن نطلب لهم الرحمة والتوفيق والهداية، لخدمتنا، وأن يرخص اسعار بضائعهم، ويزيد من جودتها، ويحسن من فعالية أمصالهم ويزيد من قوة أدويتهم ويرفع من تبريد مكيفاتهم؟ أم أن الدعوة عليهم بانقطاع النسل أفضل، وأكثر جلبا للحسنات؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

التحليلات «الخرطي»!

ضحكتُ كثيراً وأنا أتابع التطورات المتلاحقة التي شهدتها مصر أخيرا، وكيف تمكن حزب الإخوان المسلمين من الاستفراد بالحكم وتجميع كل الصلاحيات في يد ممثلهم، رئيس الجمهورية! وكيف قبل «الفيلد مارشال» طنطاوي، أو أُجبر على قبول الذهاب إلى بيته لكي «يرتاح»، بعد ان كان قبلها بساعات حاكم مصر الفعلي، وكيف أُقيل رئيس الأركان (عنان) وهو نائم، وأعيد بعدها الجيش، لأول مرة منذ أكثر من 60 عاما إلى ثكناته، ليصبح وايضا لأول مرة مؤسسة عسكرية فقط بعد ان كان مؤسسة مالية وصناعية وسياسية، وليصبح وزير الدفاع وزيرا مثل بقية الوزراء وليس أعلى حتى من رئيسهم، كما كانت الحال خلال عهدي السادات ومبارك! ولا ننسى طبعا في هذه العجالة الأحداث المفاجئة الأخيرة في ليبيا، التي اعيد فيها الاعتبار الى الليبرالية في دولة تزخر بالقبلية! وسبب ضحكي هو التعارض الشديد بين كل ما حدث وبين كم التحليلات الفاسدة التي أدلى بها، تصريحا وتلميحا وكتابة، مجموعة من المحليين السياسيين والعسكريين «الاستراتيجيين» من أمثال عبدالباري عطوان ومحمد حسنين هيكل وعلاء الأسواني، الذي نتمنى أن يعود الى الأدب وينسى «حكاية التحليل»، وغيرهم من محللين عرب ومحليين، في ما يتعلق بما يجري في أكثر من دولة عربية، ومنها مصر، وما توقعوه بأن المجلس العسكري الأعلى فيها، والذي أصبح في خبر كان، سيدفع باللواء سليمان ليصبح رئيسا ويعيد مبارك الى قصره ويمنع محاكمة أبنائه، وأن الأمر مسرحية أعد لها الجيش باتقان! أو أن مرشح الجيش هو الفريق شفيق، وأن عهد مبارك سيعود على يديه وان طنطاوي وراءه! وسقط شفيق، ربما بسبب كل ذلك، وعندما نجح محمد مرسي قال هؤلاء المحللون «الخرطي» ان قادة الجيش تركوه ينجح لأنه سيكون ضعيفا، وهم الذين سيحكمون، فالقوة العسكرية والتشريعية بأيديهم! وتبين لاحقا أن لا شيء مما ذكروه كان دقيقا، وأن نظرية المؤامرة، التي طالما آمنوا بها كانت كالرياح التي تهب في اتجاه وسفينة الأحداث تبحر في اتجاه آخر، ولا أريد أن اقول ان طنطاوي لم يكن يحضر نفسه لرئاسة مصر، أو انه كان اضعف مما تصور الكثيرون، وذلك لكي لا اصبح واحدا من «زمرة» المحللين، فالحقيقة أن لا احد «أبدا» توقع ما حصل أو الطريقة التي انتهت بها الأمور، حتى الآن، وصعود نجم محمد مرسي، بهذه السرعة، وهو الذي كان احتياطيا، مع كل تواضع قدراته الشخصية وإمكاناته وخبراته السياسية، فقد نجح الرجل، و«فشل» عباقرة الصحافة والإعلام السياسي في تحليلاتهم، ونتمنى أن يتعلموا شيئا من هذا الدرس ويخففوا عنا مستقبلا إسهال تصريحاتهم، فهم في الحقيقة لا يختلفون كثيرا عن الدجالين من قارئي الطالع وكاشفي البخت الذين يصدرون كتبا سنوية بتوقعاتهم، وما إن يتحقق شيء منها حتى يملأوا الدنيا صراخا! وهنا لا يلتفت أحد للكم الهائل من الكذب الذي ورد في كتبهم، فالناس تهتم بقصص النجاح أما الفشل فله الرحمة، وقد رأينا كيف اشتهر من هاجر الى الأميركتين وأفريقيا، ولم نسمع غير قصصهم، أما الذين أكلتهم التماسيح أو غرقوا في البحيرات والأنهار فلا أحد يود أن يعرف عنهم شيئا!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

التدين والتقدم في الأوقاف

يعتقد بعضهم أن هناك علاقة سببية بين التدين والتقدم الحضاري، بشقيه الصناعي والأخلاقي! فالدول الأكثر تحضرا، وربما سعادة وثراء، هي عادة غير المتدينة، أو التي تتميز، بشكل عام، بضعف وازعها الديني! ويقول أحمد النفيس، الذي عين نفسه ناطقا باسم «شيعة مصر»، أن مثل هذا الكلام لا يعني تقليلا من أهمية الالتزام بأحكام الدين، فالثابت أن المكان الوحيد الذي يمكن فيه معرفة مقدار تدين المرء وقيمته سيكون بين يدي الله. وقد يكون للنهضة أسبابها وأدواتها، وقد يكون بينها التدين الصحيح وقد لا يكون، ولكن من المؤكد أن غاية المتدين مرضاة الرب، وليس مجرد استعراض القدرة والجلد على الصلاة والصيام وإطلاق اللحية وارتداء الجلباب! ويستطرد بأن في مصر، وأثناء حالة الفوضى التي تلت ثورة 25 يناير، جرى اغتصاب كثير من أراضي الدولة لإقامة المساجد عليها، ويتساءل إن كان أي فقه إسلامي يبيح بناء المساجد على الأرض المغصوبة والصلاة فيها؟ كما اصبحت هناك جوامع تتنافس لرفع الصوت عبر المكبرات، ربما لجذب المصلين إليها، ويقول إنه لا يعتقد أن زيادة كمية التدين أمر جيد إن لم تكن مرتبطة بنوعية التدين وارتفاع المستوى الأخلاقي للشعب، ويكون خالصا لوجهه!
وكلام النفيس نفيس، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن كل ما يقوله نفيس وجميل، والدليل على صحة ما ذكره أننا نرى المصلين في الكويت وغيرها لا يترددون في إغلاق الشوارع والدوارات بسياراتهم، ويذهبون لأداء الصلاة! فهم يعتقدون بأن على الآخرين تحمل لوعة الانتظار ومعاناة زحمة السير، بينما هم يؤدون الصلاة أو يستمعون لخطبة! كما نجد في لبنان ودول أخرى أن مؤسسات صحية وتعليمية عدة، تابعة لأحزاب دينية، تقوم بالاستيلاء على أراضي الدولة وإقامة مشاريع دينية وتجارية ضخمة عليها! ولا أعرف كيف تجوز ممارسة العبادة في مسجد مخالف لكل قواعد البناء والتنظيم، وعلى أرض مغتصبة من الغير! وقد تأثرت شخصيا بمثل هذه التعديات! وفي السياق نفسه ورد في القبس قبل ايام أن مسلسل التجاوزات وهدر المال العام لا يزال مستمرا في وزارة الاوقاف، والتي يفترض ان تكون أكثر مؤسسات الدولة ورعا وتقوى، والتي لا يعمل فيها غير المتدين، ومن أعضاء حزبي الإخوان والسلف بالذات، وأن مصدرا مسؤولا فيها كشف عن تجاوزات بلغت المليوني دينار صرفت كمكافآت لغير المستحقين، وكمعونات لجهات خارجية. وأن هذه التجاوزات نفسها سبق أن تكررت في السابق، فكيف يمكن قبول ذلك؟ وهل هي جزء من حرب السلف والإخوان على كيكة الوزارة وأموالها شبه السائبة؟ ولماذا لا يوجه أولئك الذين لم يرحموا أحدا من بذيء نقدهم، جهودهم لمعالجة صراع الإخوان مع السلف، بدلا من تدبيج المقالات في نقد من يفوقونهم قامة ومقاما؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

سياسيون وسياسيون

تقول الطرفة، على لسان أحد مفكري اليونان الحديثة، إن الفقير يعمل ويعمل ليأتي الغني ويستولي على جهده، وكل ذلك يتم برقابة رجل الأمن الذي يتلخص دوره في حماية الاثنين، الفقير والغني! ولكن دافع الضرائب هو الذي يدفع ضرائب عن الثلاثة، ويأتي المتشرد والعاطل عن العمل ليرتاح نيابة عن الأربعة الذين سبقوه، ويأتي السكير ليشرب حتى الثمالة بالنيابة عن الخمسة الذين جاءوا قبله، ويأتي المصرفي ليسرق الستة، ومن بعد يأتي المحامي ليدخل السبعة في متاهات النصوص القانونية، وما يجوز ولا يجوز، ويختم الحلقة متعهد دفن الموتى ليدفن جميع الثمانية الذين اتوا بقوة، ولكن ليس قبل ان يأتي «السياسي»، ليستمتع بحياته على حساب التسعة جميعا، ويعيش سعيدا إلى الأبد.
وتقول الطرفة الثانية ان سمكة قرش كانت تعوم مع ابنها باحثين عما يمكن ان يكون وجبة شهية لهما، وهنا شاهدا عن بعد يختا كبير الحجم يتهادى على سطح الماء بخيلاء، فانطلقا إليه، وما ان اقتربا منه اكثر حتى وجدا مجموعة من الرجال والنساء يقفون على سطحه، وبأيديهم ما يحتسونه بلذة واستمتاع، وبعضهم الآخر يسبح حول اليخت، وهنا انطلق القرش الصغير نحو أحد السابحين يود نهش لحمه، فأسرعت امه بايقافه قائلة: ألا ترى أن هؤلاء جمع من السياسيين؟ يجب ان تفرق بينهم وبين بقية البشر «فمكونات» هؤلاء تختلف بعض الشيء عن مكونات غيرهم، وبالتالي فإن طريقة تناول لحمهم يجب ان يكون مختلفا ايضا، ويتطلب الأمر بالتالي اتباع طقوس محددة! عليك أولاً أن تذهب إلى من تود نهش لحمه، وتدور حوله في حلقة كبيرة بعد ان تخرج زعنفة ظهرك من الماء بحيث يراها، وعندما تتأكد انه عرف من أنت وما تشكله من خطر عليه، قم بدورة أخرى من حوله، وهو سيتبعك بجسمه وعينيه، وستبدو عليه علامات الرعب الشديد، وقبل ان تجهز عليه في النهاية قم بدورة ثالثة، لتأكيد تخلصه من كل ما بداخله، ومن بعدها انهشه واستمتع بلحمه «نظيفاً»! فقال سمك القرش لأمه متسائلا: ولكن لماذا كل هذه الطقوس التي لا داعي لها، ولم لا نهجم عليه من أول لحظة ولا نضيع وقتنا في الدوران المرة تلو الأخرى؟ فقالت الأم: هؤلاء سياسيون، ويجب عدم تناولهم قبل بث الرعب الشديد في قلوبهم، فالرعب من رؤية زعنفتك المرة تلو الأخرى، سيجعله يفرغ ما في داخله من أورام وفضلات وخباثب وكلام بطالي، وهنا يصبح لحمه اطيب، ويسهل تناوله بشهية أكبر!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

سرقات المشاهير

هناك مهن كثيرة في العالم تدر الكثير من المال، ولكن غالبيتها تتطلب قدرات عقلية ومواهب ومؤهلات لا تتوافر لدى غيرهم! وهنا نتكلم عن أصحاب مهن وليس أصحاب الثروات! فمديرو المحافظ المالية في المصارف والشركات الاستثمارية وصناديق الأسهم والسندات هم الأكثر دخلاً في العالم، ولكن عدد هؤلاء في العالم لا يتجاوز بضع مئات! ويأتي بعدهم ممثلو السينما ونجوم الغناء والإعلام وأطباء التجميل وغيرهم. ولكن جميع هذه المهن خطرة، ومن يعمل بها معرض لفقد وظيفته نتيجة خسارة مالية أو سمعة، أو فقد البريق أو الجمال البدني والصوت مع التقدم في العمر، أو غياب المواهب، ويجمع أصحاب كل هذه المهن عامل مشترك واحد، وهو انها مهن تتطلب في الغالب جلداً وقوة في التحصيل والمعرفة، ومهنية عالية مع موهبة في حقل أو آخر، وبالتالي لا نستغرب أن البعض من هؤلاء يلجأ الى المخدرات والمسكنات ومراجعة مستمرة للأطباء النفسيين وغيرهم لمساعدتهم في تحمل الضغوط الجسدية والنفسية الهائلة، وإطالة بقائهم تحت الأضواء! وحدهم رجال الدين، ونتكلم هنا بشكل عام، وبالذات من المنتمين لأنظمة سياسية، أو من المؤيدين لها، من بإمكانهم تحقيق الكثير من الشهرة والمال والنفوذ والاحترام الاجتماعي من دون بذل الكثير، ومن دون مخاطرة حقيقية. كما يمتازون عن غيرهم من أصحاب المهن الأخرى في أن تقدمهم في العمر يزيد من أهميتهم ولا ينقصها!
فهؤلاء عادة لا يحتاجون للكثير من السهر في التحصيل الدراسي طالما امتلكوا المقدرة على الحفظ وسرعة البديهة، وهؤلاء تزيد أهميتهم مع تخلف مجتمعاتهم، والعراق الحالي مثال حي! فهم العلماء، وليسوا أساتذة الجامعة ولا المؤرخين والمكتشفين والفيزيائيين وكبار الجراحين والأطباء والدستوريين، هم الذين تفسح لهم أفضل الأماكن في المجالس ومن تقبل جباههم وأكتافهم ورؤوسهم وحتى أيديهم وعباءاتهم! وكأي مهنة فإن العاملين منهم بشر مثل غيرهم، لهم نقاط ضعفهم وغرائزهم ورغباتهم المعلنة والدفينة، وقد يحبون الشهرة والمال حباً جماً، وبالتالي يسعون الى زيادة شعبيتهم وجذب الأتباع و«المقلدين» لهم باتباع كل الوسائل، ولو تطلب الأمر المزايدة على بعضهم البعض في عدد من يتبع آراءهم وتوصياتهم وفتاواهم ووجهات نظرهم شبه المصونة، وبالتالي نجد بعضهم نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن مع اشتداد التنافس بينهم سمحوا لأنفسهم بالغش والتزوير، فقد باع داعية معروف ملايين النسخ من مؤلفاته، ثم تبين لاحقاً أنها من «مسروقاته»! وصدرت أحكام إدانة وتعويض بحقه. وكشف موقع Statuspeople، المتخصص في إحصاءات «تويتر»، عن وجود أعداد كبيرة لمتتبعين لمشاهير رجال الدين وغيرهم، وبالملايين، ثم تبين أن في الأمر غشا كبيرا، والمتتبعون شخصيات وهمية.
ولكن بما اننا نعيش في مجتمعات جاهلة فإن سحر هؤلاء الغشاشين والمدلسين سيستمر، والكشف عن ألاعيبهم وغشهم سيستمر، فهذا جزء من حرب الربيع العربي!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

جِمالنا وبعارينهم

يقول المثل: كل الجمال تعارك، إلا جميل «طيبة» بارك! في وصف تحرك الأمور من حولنا، ونحن على جمود! فما يحدث في المختبرات العلمية وفي مراكز تجميع وتحليل المعلومات ومعامل تطوير أجهزة الاتصال وتحسين أداء الطائرات لجعلها أكثر سلامة وسرعة، وما يصرف من مليارات على برامج ارتياد الفضاء، وآخرها هبوط «كيوريسيتي» على المريخ، وهو الحدث الذي يعني بداية عصر في استكشاف المريخ، في وقت نكون فيه في منتصف عصر اختلافاتنا على أمور مر عليها 15 قرنا، ولا نزال نتطاحن ونتقاتل حولها، ويحدث كل هذا وكأننا لسنا هنا في هذا الكوكب العتيق، منشغلين بأمورنا راضين بما وفره النفط لنا في الثلاثين سنة الماضية، وما سيوفره لنا من طعام وسيارات وطائرات وأسلحة في الثلاثين سنة القادمة، في أفضل الأحوال، ولن نعرف بعدها ما نفعل فحتى أصابعنا، التي ستكون من قلة الماء وندرة الصابون شديدة القذارة، لن نستطيع العض عليها ندما بسبب غبائنا، فكيف نصدق، ونحن ضمن كل هذا الخضم من التغير والتطور الذي تمر به الدنيا كلها، ان فريقا منا يحرم بيع العقار لمواطن مسلم مثله فقط لأنه من مذهب مخالف؟ أو أن هناك من يحرم مشاهدة الألعاب الأولمبية، أو المشاركة فيها، أو أننا يجب أن نغير اسم «أم كلثوم» إلى «أم الثوم»! فمن يسمع هذا يعتقد أننا انتهينا من قضايا ومسائل التقدم والتطور وإشكالات الأمن والسلامة، وتفرغنا للقضايا الصغيرة ككيفية نتف شعر الإبط! ولو لم يكن الأمر كذلك لما ثار فريق من «علمائنا» على صحة ودقة مواقيت الصلاة، بالساعة والدقيقة، التي تتبع حاليا، فمن يسمع أو يقرأ ذلك يعتقد أننا مثال الدقة في بقية مواعيدنا والتزاماتنا، وهذا غير صحيح طبعا، وهل المهم دقة ساعة الصلاة أم سمو معانيها؟ أما اكتشاف البعض أن «عبادان وقزوين» ليستا من أبواب الجنة الثمانية (الوطن 16/7)، فهو الخبر الذي كنا ننتظره، وهو جدل لا يزال يدور بين مؤيد ومخالف لهذا الوصف، والطريف أن لا أحد اهتم بما يعنيه ذلك بل بصحة المكان فقط، والذي تصادف وجوده في دولة يعتبرونها معادية لهم، مذهبيا وسياسيا! ولا أدري لماذا ينشغل الآخرون في جامعاتهم ومختبراتهم بإنتاج أفضل الأدوية والأمصال، وكل ما يفيد حياة البشر وصحتهم وسعادتهم ورفاهيتهم، ونبقى مشغولين بالفتوى التي أصدرها أستاذ في جامعة الإمام سعود من أن الجنة لا يدخلها غير اصحاب الفرقة الناجية من أهل مدينة محددة ومن تبعهم! وهذا يعني قصر دخولها على بضعة ملايين أو ربما بضعة آلاف وحرمان سبعة بلايين (بلايين) من البشر منها! ولا ننسى في هذه العجالة ما ذكره آية الله مكارم الشيرازي من أن تناول لحم الدجاج ينتج عنه فقد الغيرة والرجولة! وهذه الفتوى كان مصدرها الأول، حسب علمي، السيد كفتارو، مفتي سوريا، وسبق أن كتبنا عنها قبل أكثر من 10 سنوات، ونبش عنها الشيرازي بعد انقطاع الدجاج عن أسواق طهران وارتفاع سعره، علما بان «الجوجه كباب»، كان ولا يزال الأكلة المفضلة لرجال الدين هناك، ومع هذا لم يثبت يوما أن تناولها بتلك الكثرة أثر في خصوبتهم، أما الغيرة فلا نعرف كيف نقيسها، وليست بحساباتنا لانها عاطفة غبية في جزء كبير منها وتدل على عدم الثقة بالنفس، أو هذا ما يقوله علم النفس الحديث!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

من أمستردام وإلى ماربيا 2-2

حطت بنا الطائرة في مطار ملقه Malaga قادمين من أمستردام، ومنها ذهبنا الى بيت صديق عزيز يقع على بعد بضعة أميال فقط من جبل طارق ومن السهول، التي دارت فيها أولى معارك المسلمين مع القوط Gothics. وهنا تتأمل الوجوه وتقارن عادات الأكل والتصرف والأخلاق ونبرة الكلام والثقافة واسماء المدن والثغور فتجد نفسك أقرب للمغرب منك لأوروبا، خاصة شمالها. كما تجد بونا واسعا، ولا يزال يتسع، مع ازدياد مشاكل اسبانيا، بين المنطقتين، فهنا لا يبدو أن أحدا على عجلة من أمره، وقد يكون هذا مقبولا لو لم تصاحب ذلك عادات الكسل وقلة النظام والمواعيد «الخرطي»، بحيث ترى ما لا تتوقع رؤيته في دولة «أوروبية»! وتشعر أنك لا تزال في بلادنا!
ومع هذا لا يزال الفرق بيننا وبين من استعمرناهم لـ 800 عام، يبلغ 800 سنة أخرى ولكن ضوئية! وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الاسبان للتخلص من التركة الإسلامية، فإن الأثر الذي تركه هؤلاء خلفهم كان طاغيا، بحيث صعب تجاهله! كما ساهمت البرغماتية الغربية في دفعهم للحفاظ على الكثير من الآثار والأطلال، وحتى الأسماء العربية للمدن والملابس والمأكولات وغيرها.
ولو كنا مكانهم لكانت كل هذه «الروائع» اثرا بعد عين.
رد فعل الاسبان على الحكم الإسلامي تجده ظاهرا في العدد الكبير للكنائس، الذي يزيد نسبيا عن اي دولة اوروبية اخرى. وعلى الرغم من ليبرالية اسبانيا، التي يعيش فيها أكثر من مليون مسلم، غالبيتهم من شمال افريقيا والشرق الأوسط والبعض من جنوب شرق آسيا، إضافة الى أكثر من 20 ألف مسلم اسباني، إلا أنهم، كـ «متشددينا»، لا يميلون للتساهل في قضايا الحريات الدينية، وبالذات مع المسلمين!
وبالتالي لا نجد مثلا مساجد مرخصة رسميا في أنحاء كثيرة من اسبانيا، غير تلك التي بناها اثرياء أو ملوك عرب، والتي بنيت بنفوذهم، وليس برضا اصحاب البلاد!
ففي الوجدان الاسباني يمثل بناء مكان للعبادة مؤشرا على القوة، وإلى ما قام به المسلمون من تحويل الكنائس والأديرة الى مساجد، وبالتالي لا يريدون للتاريخ أن يتكرر. وفي تقرير لإذاعة الـ «بي بي سي» ورد فيه أن الأسباب الكامنة وراء رفض بلديات المدن الاسبانية السماح للجاليات المسلمة ببناء مساجد فيها، على الرغم من كبر عددهم، هو الخوف المتأصل في النفوس، وإلى الكثير من الممارسات الخاطئة للمسلمين فيها، إضافة الى تشددنا الديني مع الغير في بلداننا، وهنا مكمن المشكلة.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com