ابتلي المسلمون، والعرب بذات الذات، بالكثير من المصائب والبلاوي، ولكن أشد بلاويهم سوءاً الفتاوى الدينية، التي أصبح إصدارها هم كل صبي دين وكهل تدين! وكلما كانت الفتوى غريبة كان حظها في الانتشار أكبر وصداها في القنوات الفضائية والصحف والإذاعات أعلى، ليصبح مصدرها نجماً وعلماً دينياً، وليمدد بفعلته من فترة ضحك العالم علينا، وسخريته من طريقة تفكيرنا! وكان آخر تلك الفتاوى الغريبة والمستهجنة، التي لا يزال يدور حولها نقاش واختلاف، وشد وجذب كبيران، على الرغم من كل ما تضمنته من سخف، تلك التي تعلقت بحث شباب وكهول المسلمين، من المقتدرين مادياً، على زيارة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا والجزائر وغيرها، و«نجدة» من فيها بالزواج من الفتيات السوريات، لستر أعراضهن! وبصرف النظر عن حقيقة نية وهدف رجل الدين الذي أصدر مثل هذه الفتاوى، إلا أنه من الواضح أن النهاية لن تكون في مصلحة أولئك الفتيات، فالمسألة، كما سنبين لاحقاً، لا علاقة لها بستر الأعراض ولا بتقديم العون والمساعدة، بل الهدف جنسي بحت، كما ذكرت الزميلة دلع المفتي، من أن هذه الحملات ذكورية استغلالية قبيحة، غلافها الستر وباطنها النخاسة المقنعة بعناوين فضفاضة، مثل الزواج الشرعي، ورفع المعاناة، وأن هكذا يتراكض «المجاهدون» لنصرة الشعب السوري، بسبي نسائه تحت ستار الزواج من فتيات سوريات، بعضهن قاصرات، بمهور بخسة تدفع للأب المكلوم الذي لا يملك قوت أطفاله، فيزوج ابنته طمعاً بالستر.
حجة هؤلاء المفتين، ومن تصدى لتطبيق فتاواهم، أن هؤلاء من نساء المسلمين ويجب سترهن، وأن المسألة شرعية بحتة ولا إكراه فيها، وتتم على سنة الله ورسوله، وأن ما يحدث الآن في سوريا سبق أن حدث على نطاق أوسع بكثير في كوسوفو وقبلها في البوسنة وبعدها في الشيشان! ولكن الغريب أن الستر والخوف كانا على المرأة أو الفتاة الجميلة، فمن له الخيار لن يختار غيرها، على الرغم من أن الأقل جمالاً أحق بالمساعدة! كما أن التنادي والتكاتف لنصرة الشعب السوري اتجها نحو فتياته ولم يتجها، إن كانا صادقين، لشبابه، فلم نسمع بفتوى تطالب آباء الفتيات العربيات المقتدرات بتزويج بناتهم بشباب مخيمات اللاجئين السوريين! فلمَ يقتصر العون على النساء ويترك الشباب لمصيرهم، علماً بأن نسبة العنوسة في دول «العون» هي الأعلى في العالم؟ كما أن هذه الفتاوى جنسية بحتة ولا علاقة لها بالدين ولا بالتدين ولا بالقربى وكسب الأجر، والدليل على ذلك أن نساء مناطق عديدة من السودان ودارفور والصومال، وجميعهن مسلمات صحيحات الإسلام، تعرضن منذ عشرات السنين لأبشع أنواع الاضطهاد والتشريد والاغتصاب والتعذيب والتشويه والقتل والموت جوعاً، ومع هذا لم يتبرع شيخ ولا صبي دين، من نجوم القنوات الفضائية، بإصدار فتوى بضرورة قيام «شباب وكهول» الدول المقتدرة بزيارة مخيمات لاجئيهم، وما أكثرها، والاقتران بفتياتهم! هل لأنهن لا يمتلكن البشرة الشقراء ولا العيون الزرق، كفتيات سوريا وكوسوفو والشيشان والبوسنة والهرسك؟ اللعنة، كم أنتم منافقون.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
التصنيف: احمد الصراف - كلام الناس 
إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]
أصداء الذاكرة (2-2)
يتحدث السيد عبدالعزيز الشايع بألم، وإن خفي، عن تجربته السياسية القصيرة عام 1964 عندما دخل الوزارة، وكيف اضطر للاستقالة نتيجة الصراع داخل البعض من الأسرة، وكيف استخدم طرف منها المادة 131 من الدستور، التي تمنع الجمع بين الوزارة والعمل التجاري، لنسف التشكيلة الوزارية، لأن مطالبه لم تلبَّ، وكيف استقال هو ورفاقه، ورفضوا العودة عن استقالاتهم، بالرغم من كل ما تعرضوا له من اغراءات وضغوط، وذلك لقناعتهم بصعوبة العمل مع بقية الوزراء الذين تسببوا في المقام الأول، ومن دون وجه حق، في رفض وجودهم في مجلس الوزراء! ويقول ان موقفهم كان صحيحا فقد تضمنت وزارات سابقة تجارا، استقالوا من أعمالهم التجارية فور توزيرهم، كما تنص المادة 131، كما تشكلت وزارات بعد استقالاتهم وتضمنت وزراء تجاراً، وبالتالي كانت المسألة صراعا وليست خلافا على نص دستوري! وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد نصف قرن!
ويشير السيد الشايع في كتابه «أصداء الذاكرة» الى دور بالغ الحيوية بذله الجنرال الإنكليزي هستد، الخبير في تنظيم المدن، الذي كلفه الشيخ عبدالله السالم بإعداد دراسة تشمل إعادة تنظيم الكويت، وكان ذلك قبل 60 عاما! وان هستد خدم الكويت أفضل خدمة، وهو الذي خطط الشامية والشويخ والدسمة وكيفان، ورسم الشوارع الدائري الأول وحتى الرابع وخصص مناطق الشويخ الصناعية والشويخ ومنطقة المستشفيات والدفاع، وكان تخطيطه مثاليا، فقد ابعد الصناعة عن السكن واتاح التوسع سكنيا عند الحاجة بنقل مكاتب الدفاع ومعسكرات الجيش الحالية إلى مكان آخر، ووضع في كل منطقة سكنية مركزا لكل خدمات اهالي المنطقة مما جعلها نموذجية بحق، وهو امر نادر الوجود في الدول الأخرى. (ومع هذا، وهذا كلامي، لم يهتم احد بتسمية «سكة» صغيرة باسم هستد، في الوقت الذي أطلقنا فيه اسماء من هب ودب على شوارع مدننا، ربما لأنهم امتلكوا يوما كراجا أو حظرة صيد سمك أو جاخورا، أو كان نائبا سيئ السمعة!).
نعود ونقول ان أسس بناء الكويت القديمة التي خرجت منها الدولة الحديثة لم تكمن فقط في قدرة اهلها على العمل الشاق والسفر البعيد والمخاطرة في البحر والاغتراب الطويل، بل وأيضا بما تميزوا به من تقاليد أخلاقية صارمة، وكان من النادر سماع قصص تتعلق بالغش والتزوير والسرقة بينهم، بالرغم من أن غالبيتهم كانوا من الفقراء المعدمين. وكان صاحب المركب الشراعي أو البخاري يحمل اموالا طائلة وبضائع ثمينة ويسلمها لأصحابها كما هي من دون ان تسجل حادثة سرقة واحدة طوال مائة عام او أكثر. وبالتالي ما تحتاج له الكويت الحديثة هو العودة للنظام الأخلاقي الذي كان سائدا، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون تضمين المناهج الدراسية مواد تتعلق بتدريس الأخلاق، التي ان هي ذهبت، وهي بالفعل قد ذهبت، فستذهب معها الأمم.
***
ملاحظة:
بناء على إلحاح لطيف من الزميل والكاتب نبيل المعجل، فقد عدنا للمشاركة في أنشطة التويتر ونشر مقالاتنا عبره ويمكن متابعتنا عن طريق العنوان التالي:
https://twitter.com/ahmedalsarrafl
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
أصداء الذاكرة (2/1)
كنت خارج الكويت عندما أصدر رجل الأعمال المعروف عبدالعزيز محمد الشايع كتابه اصداء الذاكرة، وبالتالي لم يتسن لي قراءته والتعليق عليه في حينه. جاء كتاب العم عبدالعزيز، كشخصيته تماما، حذرا في كلماته ودقيقا في اختيار مواضيعه ودبلوماسيا في مخاطبة من اتفق أو اختلف معهم، ولكنه أضاف الكثير للتاريخ الجميل لوطننا وكفاح الآباء المؤسسين، ودورهم الحيوي في تأسيس الكويت الحديثة، والتي لم يكتسب شعبها سمعته العالية بغير أمثال هؤلاء، وليس في الأمر أي مبالغة، فقد كانت الأخلاق العالية هي التي بنت سمعة الكويت أكثر من أي أمر آخر، بصرف النظر عن صفات البعض الشخصية التي قد تجعلهم غير محببين، أو حتى مكروهين من الغير، لسبب أو لآخر! كتاب أصداء الذاكرة فتح بابا نتمنى ألا يوصد، فهذه أول مرة، حسب علمي، يقوم فيها من هو في وضع السيد الشايع وعمره، بكتابة مذكراته، والتي كانت، بالرغم من اقتضابها، غنية ومسلية ايضا، ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه الأعمال التوثيقية في مجتمع تعود على إهمال التدوين والاعتماد على الذاكرة.
كتاب الشايع كان يمكن أن يكون من ألف صفحة لو ترك الرجل لذاكرته العنان ولكنه، كما ذكرنا، فضل عدم نكء جراح أحد أو إقلاق راحة الغير من دون سبب، وبالذات أولئك الذين غادروا هذه الدنيا، فمشاركته السياسية والاقتصادية الفعالة في تأسيس الكويت الحديثة، كويت ما بعد ظهور النفط مباشرة، مع خلفيته الثقافية والتعليمية الغنية نسبيا، مقارنة بابناء جيله، التي كونها خلال أسفاره وتعاملاته وسنوات عمله الطويلة في الهند، بكل ما تضمنته تلك التجربة من زخم إنساني وبعد في الرؤية، جعلت منه رجل أعمال نموذجيا، واعتقد أنه لو تم جذبه للسياسة لكسب منه الكثير، وخسرت أسرته خبرته، ولكن اختلافات نظرته للأمور وتباينها مع بعض افراد دائرة القيادة، ابعدته عن السياسة لتكسبه بالتالي أسرته، ماديا ومعنويا. «أصداء الذاكرة» كتاب يستحق القراءة وفيه عبر ودروس لمن يود ان يستفيد، ولكننا شعب لا يقرأ، ولو كنا نقرأ لما واجهت الكويت أي مشكلة اقتصادية أو سياسية في تاريخها، بخلاف الغزو والاحتلال، ومع هذا عانت الكويت الكثير، وواجهت، ولا تزال، أوضاعا كان من السهل تجنبها! ونجد في ثنايا الكتاب تلميحات لمثل هذه الأمور، حيث يقول في الصفحة 165 بأن ما بين 1957 و1975 تضاعف عدد الكويتيين اربع مرات خلال 18 سنة نتيجة «التجنيس العشوائي» بحيث انقلبت البنية الاجتماعية في البلاد وبدت آثار ذلك واضحة حتى الآن! وهنا تكمن قوة الرجل، فهو بالرغم من أنه استفاد على المستوى التجاري من هذه الزيادة السكانية كثيرا، كونه واحدا من كبار تجار الكويت، فانه لم يخف امتعاضه من تلك العشوائية، فقد كان من الممكن أن تكون تلك الزيادة، إن كان لا بد من ذلك، بالنوعية وليس بالكمية! وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
اليابان.. إيجاباً وسلباً (3 – 3)
نعود لموضوع الأمس، ونقول إن شهر رمضان الماضي كان بالفعل شهر العبادة، فلم تعرف الكويت في تاريخها الحديث هذا العدد الكبير من المتعبدين والمتهجدين والمصلين، وخاصة في العشر الأواخر من الشهر. وكان لافتا للنظر ملاحظة خلو الشوارع قبل صلوات محددة وعودة الازدحام لها بعد تلك الصلوات. كما كان لافتا للنظر العدد الكبير للخيم التي ألحقت بالمساجد لكي تستوعب الزيادة غير المتوقعة في أعداد المصلين! ولكننا رأينا في الجانب الآخر وفي الوقت نفسه، زيادة هائلة في قلة الخلق وانعدام النظام والاستهانة المطلقة بمصالح الآخرين واحتياجاتهم، وبلغت أعداد المتمارضين من موظفي الدولة بالذات الذين تغيبوا عن أعمالهم من دون عذر ارقاما فلكية ساهمت في ضياع ملايين ساعات العمل في الشهر الفضيل، كما تعطلت مصالح كثيرة بحجة الصيام أو الارهاق، او عدم الرغبة في العمل أصلا! وأخبرني صاحب مستشفى خاص أنه لاحظ زيادة غير مسبوقة في أعداد المراجعين بأمراض تتعلق بالتخمة وزيادة معدلات السكر وأعراضه الجانبية. كما أعلنت أكثر من جهة عن زيادات خيالية في استهلاك المواد الغذائية، ومن واقع أرقام لبعض أنشطتي التجارية وجدت زيادة هائلة جدا في كميات المواد التي تستخدم في خدمة بيع وتقديم الحلويات فاقت اي سنة أخرى، وهذه الحلويات لم تذهب حتما لفقراء بورما ومسلمي البوسنة! وبالتالي كيف يمكن قبول تزايد معدلات التدين لدينا بكل هذه النسب الكبيرة جدا ولا تقابلها أي زيادة في حسن التصرف والخلق الجيد والاستقامة والأمانة في أداء الواجب وعدم أكل المال الحرام من خلال قبض راتب من دون مقابل، وهذا يشمل حتى الذين وضعت الأمة ثقتها بهم كمشرعين؟! والجواب هو انعدام التربية الأخلاقية في مدارسنا، فقد تمت برمجتنا أو تدريبنا على أن واجب الإنسان هو القيام بما هو مطلوب منه دينيا، من دون الالتفات للأمور الأخرى التي لا تقل عنها أهمية! كما تبين بوضوح أن الجرعة الدينية الزائدة لا تعني بالضرورة ان كل من يؤدي العبادات هو أكثر صلاحا من غيره، فنحن جميعا بحاجة لأن نصح اخلاقيا لنكون مواطنين صالحين، وهنا على الحكومة (لا أدري إن كنت جادا هنا في طلبي) التفكير في زيادة جرعة الدروس الأخلاقية، وجعلها من المواد الأساسية، ولنا في اليابان وعجائب شعبها اسوة حسنة!
نعود للشعب الياباني ونقول إنه بالرغم من تقدمه التقني والحضاري وأدبه الجم إلا أنه لم يشتهر طوال تاريخه بأي نشاط إنساني بارز، حتى ما حققه أخيراً من إنجاز في عالم الرياضة إلا أنه لا يقارن بحجم اليابان وتاريخها وقوتها المالية والاقتصادية والتقنية! فاليابان لم تعط البشرية لوحة ولا شاعرا ولا أديبا ولا اي نوع من النشاط الفني الغنائي أو السينمائي، أو في التلفزيون والقصة القصيرة أو الرواية ولا حتى تماثيل شهيرة أو رسوماً، ولا شيء تقريبا في هذا المجال! ونتكلم هنا بشكل مطلق، فهناك بعض الابداعات ولكنها حتما ليست بالكثيرة ابدا، وهذا يسري بطبيعة الحال على دول اخرى كالصين مثلا، ولكن ليس بكل تلك الحدة، علما بان الصين كانت تتبع النظام الشيوعي الصارم والقاتل للإبداع حتى وقت قريب، بعكس اليابان الديموقراطية. وسبب فقر اليابان في ميدان الإبداع الإنساني موضوع شيق قد نعود له في مقال آخر!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
اليابان.. سلباً وإيجاباً (1 – 3)
يعتبر ماركوس أورليوس Marcus Aurelius، (حكم 161 – 181) من أعظم خمسة أباطرة حكموا روما. وينقل عنه قوله ان على كل فرد أن يعيش حياة شريفة ويلتزم أخلاقيا، فإن كانت هناك آلهة عادلة وعاقلة، (وكان يؤمن بتعدد الآلهة)، فإنها غالبا لن تهتم بمدى التزام الفرد بتعاليمهم وعباداتهم، بل سيغفرون له «معصيته» بناء على فضائله وأخلاقه التي عاش بموجبها. وإن لم تكن الآلهة عادلة، فإنهم لا يستحقون الالتزام بتعاليمهم! وإن لم تكن هناك في نهاية الأمر لروما آلهتها، فلن يكون هناك فرق بين أحد! ولكن البشرية تكون قد كسبت أولئك الذين عاشوا بطريقة شريفة ونبيلة، لتبقى ذكراهم إلى الأبد.
واجهت اليابان كوارث لا تعد في تاريخها، ولولا ما تميز به الياباني من جلد وقوة احتمال على العمل الشاق، لما تمكن من تحقيق شيء، فهي الدولة الوحيدة التي اكتوت بنار قنبلتين نوويتين، هذا غير تعرضها المستمر للزلازل والكوارث الطبيعية، مثل ما اصابها اخيرا. فأرض اليابان فقيرة، ومواردها محدودة وجغرافيتها صعبة، وبالتالي كان لا بد من خضوع شعبها القوي الشكيمة لمجموعة معتقدات دينية وعسكرية، وإيمان بأنه أفضل من غيره، وبالرغم من كل ما تسببت به قنبلتا هيروشيما ونكازاكي من مصائب مهولة، إلا أنهما كانتا «نقطة تحول» مفصلية في تاريخ اليابان الحديث، بتأثيراتهما العميقة في شخصية الياباني، خلال السبعين سنة الماضية، وجعله أكثر تسامحا بعد كل ما كانت تتصف به من صلافة وعنجهية وميل شديد للعسكرية والخضوع التام للامبراطور، ابن الله! فيابان ما قبل ماك آرثر هي غيرها بعده، فالصدمة الثقافية والإنسانية الإيجابية التي ساهم الجنرال الأميركي، وفريق العلماء والخبراء الذين صاحبوه، في خلقها لدى الفرد الياباني هي التي دفعت اليابان صناعيا وأخلاقيا إلى أن تكون ما هي عليه الآن، والتي أدت تدريجيا لاختفاء العنجهية لتحل محلها شخصية مسالمة ومرنة وأكثر تقبلا للآخر، من غير تفريط في الأساسيات العميقة للأخلاق اليابانية، فكيف حدث ذلك؟ وكيف تزامن تقدمها الصناعي وترفعها الأخلاقي مع تناقص التزاماتها الدينية؟ وكيف قبلت بتخليها عن فكرة تقديس الإمبراطور، ورفض بقية الرموز الدينية لمصلحة تحولها إلى دولة علمانية كاملة؟
الأمر برمته يعود إلى أمرين أساسيين: أولهما غياب فكرة العقاب والثواب من الفكر الياباني، وثانيهما المنهج الأخلاقي الذي اتبع تدريسه في كل المدارس مع نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، والذي كان له أبلغ الأثر في تشكيل فكر الفرد الياباني، وجعل الأخلاق، من منطلق منطقي، الأساس في التعامل مع النفس ومع الغير، وليس الخوف الديني من العقاب. فهناك فرق بين ان نكون أمينين ومهذبين وشرفاء، لأن الأخلاق تتطلب ذلك، وبين أن نكون كذلك لأن التعاليم الدينية تقول ذلك، ففي الحالة الأولى الفضاء الذي يشمله هذا الخلق والتهذيب أكثر رحابة، وبالتالي لا يقتصر على أصحاب الدين أو المذهب نفسه، بل الجميع تقريبا! فغالبية الأديان تطالب أتباعها بأن يكونوا شرفاء وأمناء بعضهم مع بعض، ولكنها لا تطالبهم بالضرورة بالتصرف بالقدر والطريقة نفسيهما مع اتباع العقائد الأخرى!
(وإلى مقال الغد).
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
رحلة سريعة
فلنذهب في رحلة سريعة إلى داخل العقل البشري، ونتعرف على مراكز التفكير والإدراك والوعي والحركة وغير ذلك، فوزن المخ مثلا يتراوح بين 1300-1400 غرام، ومع هذا يحتوي على 100 مليار خلية عصبية تعمل بكفاءة حتى آخر لحظة. كما أن %75 من المخ يتكون من الماء، وفيه 100 ألف ميل تقريبا من الأوعية الدموية، ونسبة وزن المخ إلى وزن الجسم هي %2، بينما في الفيل 15 من الواحد في المائة. وبالرغم من أن المخ هو الذي يصدر إشارات الألم، فإنه لا يتألم كبقية الأعضاء لعدم احتوائه على مستقبلات حسية. وبالتالي فإن أغلب أسباب الصداع تنحصر في ارتفاع أو انخفاض الضغط في الأوعية الدموية أو التهابات في بعض التجاويف مثل الجيوب الأنفية أو التهابات في بعض أغشية المخ، ولهذا نشعر بآلام الصداع، ولكن أنسجة المخ نفسها لا تشعر بأي ألم. ومعروف أن المخ يتوقف نموه عند بلوغ الإنسان عامه الــ18. وأول إحساس يتعلمه مخ الجنين هو احساس اللمس، وبعدها بأسابيع تصبح الشفاه قادرة على القيام بالأمر ذاته، ومن بعدها بقية أعضاء الجسم. ويحتاج المخ لــ%20 من أوكسجين الجسم، ويفقد الإنسان وعيه إذا فقد المخ الدم الواصل إليه لمدة 8 ــــ 10 ثوان. أما إذا طالت المدة لــ 5 أو 6 دقائق، فإن المخ يبدأ بعدها بالموت والتسبب باضرار جسيمة. وهناك دراسة علمية تؤكد أن أكل الأطعمة التي تحتوي على إضافات صناعية لتحسين الطعم واللون تؤثر سلبا في مستوى ذكاء المخ. ودراسة أخرى تقول إن تناول المأكولات البحرية، ولو مرة في الأسبوع، يساهم في الوقاية من الإصابة بالجنون أو العته. والطريف أن من الصعب أن يقوم الإنسان بدغدغة نفسه لأن المخ يفرق بين لمسة الإنسان ولمسة غيره. ويتعامل مخ الرجل مع الألم بطريقة مختلفة عن مخ المرأة، وهذا ما يجعل الشعور بالألم مختلفا بين الجنسين. كما يأخذ مخ المرأة وقتا أطول من الرجل في اتخاذ القرارات، وعادة ما يصعب عليها التراجع عنها. بينما مخ الرجل يأخذ القرار سريعاً، ولكن يمكن التأثير في قراره بعدها، إلى حد ما.
وتبين أن المخ يتذكر شكل الأشياء والأحداث بطريقة افضل إن استخدمنا طريقة الارتباطات،أي ربط ما نود تذكره بأمر آخر، أو ربط كل معلومة نريد تخزينها في الذاكرة بحدث معين، وأثناء النوم يقوم المخ بالعمل على تقوية تلك الارتباطات وتقوية فرصة تذكرها، ولهذا ينصح الخبراء الطلبة بمذاكرة الأجزاء الصعبة قبل النوم وقراءتها مرة عند الاستيقاظ. وكل البشر من دون استثناء يحلمون، والذين يعتقدون بأنهم لا يحلمون هم الذين لا يتذكرون أحلامهم صباح اليوم التالي. ويتطلب الضحك أن تعمل خمسة مراكز في المخ مع بعضها من أجل الشعور بإحساس الضحك. وتمتلك جامعة هارفارد بنكاً يحتوي على 7000 مخ بشري بغرض دراستها، ولا نمتلك 7000 نعال لمطابقتها بغيرها. ويؤثر الكحول في وظائف المخ عن طريق إضعاف التواصل بين الخلايا العصبية. كما أن القراءة بصوت مرتفع للطفل الصغير تساعده على تطوير ملحوظ لقدراته العقلية. ومعلوم أن العين ترمش 20 ألف مرة، ومع ذلك لا نكاد نشعر بأن العالم أصبح سوادا أمامنا، ليس فقط لسرعة الرمش، ولكن لأن المخ حافظ على الإضاءة من حوله لعدة كسور من الثانية حتى لا تتأذى عندما نرمش في كل مرة. ويحتوي المخ على كثير من الدهون، وأهمها Eicosapentaenoic acid الذي لا يستطيع الجسم تكوينه، وهو متواجد بكثرة في زيت السمك.
والآن ألم يحن الوقت لأن تستخدم الحكومات العربية «أمخاخ» مواطنيها بطريقة سليمة؟
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
سكر الإرادة
سألني قارئ شبه صديق: أنت وين عايش؟ ألا ترى ما يحدث في الوطن؟ أليس لك رأي؟ نحن بحاجة لآراء أمثالك! قلت له، في مكالمة خارجية على حسابي، طالت كثيرا: يا سيدي عتبك على الراس، ولكن ما فائدة «الحكي وطق الحنك» عندما يصم كل طرف أذنيه، ويصر على موقفه؟ فصوت العقل قد غاب عن الساحة منذ فترة، والكل، بلا استثناء، مخطئ، ولكن يمكن القول، وإن بحذر، ان هناك خطأ وهناك خطيئة، وحتى هنا لا يمكن الجزم بصورة قاطعة خطأ من أقسى وأمر من غيره! وقلت له انني أحاول أن ألهي نفسي، وربما قرائي، بمواضيع وكتابات أبعد ما تكون عن السياسة، لعل وعسى تساعد في تبريد القلوب وتهدئة النفوس الثائرة، بعد أن أفقدنا صراعنا على السلطة والمال والنفوذ ما تبقى من منطق لدينا، واصبحنا سخرية، وبالذات لدى من كنا بالأمس القريب لهم قدوة ومثالا يحتذى! ولكنه اصر على رأيه، وهنا، كان لا بد من تلبية طلبه ووقف النزيف المالي، وكان هذا المقال!
تعتبر الفطائر الدانمركية الأكثر شهرة عالميا في عالم المعجنات، ويقال ان اصلها يعود للعاصمة النمساوية فيينا، فتسمياتها، حتى في الدانمرك، وخلطاتها نمساوية، ولكن هذا لن يغير شيئا، والقصة تعود لعام 1850 عندما اضرب عمال المخابز عن العمل فاستعان اصحابها بعمال من فيينا، وجاء هؤلاء مع خبراتهم وخلطاتهم، التي تطورت مع الوقت واصبحت دانمركية بقدر ما كانت نمساوية!
تصنع المعجنات من طحين القمح والخميرة والحليب والبيض مع كثير من الزبدة، وأحيانا كثيرة تستخدم الزيوت النباتية في صنعها، كما تضاف اليها محسنات كالهيل وطبعا الكثير من السكر. وتضاف الى أنواع منها مكسرات أو فواكه طازجة أو مجففة وشوكولاتة الكاكاو ومواد لذيذة أخرى.
وما يجعل الفطيرة الدانمركية هشة ولذيذة ما تتعرض له من تكرار في العجن والطي والتبريد تحت درجات منخفضة! وقد ساهم في شهرة الفطائر الدانمركية غنى الدانمرك بالحليب والزبدة والقمح، إضافة إلى أن الشعب الدانمركي كان يوما المستهلك الأكبر للسكر في العالم، مقارنة بحجمه الصغير، فقد كانت بلاده في القرن السادس عشر تمتلك مزارع قصب سكر ضخمة في جزر الهند الغربية، وكان السكر يتوافر في كل بيت بكميات كبيرة في الوقت الذي كان فيه شحيحا وغاليا في غالبية الدول الأوروبية الأخرى. وقد اكتشفت حكومة الدانمرك، غير الرشيدة طبعا، مضار استهلاك السكر، وسعت لحرمان شعبها منه بإضافة «ضريبة سكر» عالية عليه، وأدى هذا لرفع اسعار الحلويات والكيك وشكولاتة الكاكاو لمستويات عالية جدا، وبالتالي قلّ الاستهلاك بشكل واضح، ولم يكن غريبا بالتالي تقدم الدانمرك لاحقا في صناعة دواء مرض السكر، أو الانسولين بحيث اصبحت الدولة الأكبر والأفضل في انتاجه. والآن هل هناك أمل بأن تقوم حكومات دولنا الخليجية، الرشيدة طبعا، مقارنة بغير الرشيدة، مع كل ما نشكو منه من سمنة مفرطة وكسل عجيب، وعدد إصابات بمرض السكر هو الأعلى في العالم، بفرض ضريبة عالية على السكر، وتوجيه المبلغ المحصل لزيادة وعي المواطن، او حتى إعادته له، بعد أن فقدنا جميعا وعينا؟ لا طبعا، لن يحدث شيء من هذا، خاصة بعد فقد جماعة ساحة الإرادة لوعيهم بسبب قلة الحضور.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
كافيار الحبيب (2-2)
يحفظ سمك الستورجين، بعد صيده في برادات ضخمة تحت درجة حرارة 18 تحت الصفر، ويتراوح طول السمكة عادة بين متر ومترين، كما يتراوح وزنها بين 75 و100 كلغ، ويشكل الكافيار عادة %10 من وزن السمكة. ولتناول الكافيار بطريقة سليمة ينصح بإخراج علبته من البراد، وإبقائها مغلقة في الخارج لفترة 15 دقيقة قبل تناوله. ويفضل تقديمه في وعائه الزجاجي أو المعدني نفسه، أو يقدم في طاسة باردة جدا توضع على ثلج مبشور. كما يمكن تناوله كما هو أو بوضعه على قطعة خبز، بعد تحميصها قليلا ودهنها بقليل من الزبدة. ولا ينصح بتناول الكافيار بالطريقة التي يقدم بها في المطاعم، حتى الفخمة منها، والتي تضيف اليه الليمون وأحيانا كثيرة البصل والكزبرة وصفار البيض وغير ذلك، فكل هذه الأمور تذهب بطعمه! وقد يكون السبب للتغطية على أمر أو عيب ما في الكافيار، ولكن تبقى المسألة قضية ذوق، ويسري الأمر ذاته على نوع الشراب الذي يفضل تناوله معه.
وفي الوقت الذي يقوم فيه الكثير من متناولي هذا الطعام اللذيذ ببلعه، إلا أن الطريقة الأفضل لتذوقه والاستفادة منه تكون بتكسير حباته، عن طريق ضغطها باللسان، على جدران الفم. ويحتفظ الكافيار بصلاحيته داخل علبته المغلقة في البراد لفترة 4 أسابيع، هذا ما تقوله التعليمات، ولكني احتفظت به لفترات أطول من ذلك، وبقي لذيذا وصالحا، كما احتفظت به لأشهر عدة في «الفريزر»، وهذا ما لا ينصح به بائعو هذه المادة النادرة، وأيضا لم يتلف لدي. أما بعد فتح العلبة فيجب أن يستهلك فورا.
يعتمد ثمن الكافيار على نوعيته بالطبع، فكلما كانت الكريات أكبر واللون أقل سوادا كان من نوعية أفضل وبالتالي أغلى ثمنا. ويتراوح ثمن كيلو الكافيار الجيد بين 3 آلاف إلى 6 آلاف دينار، أو 8 إلى 20 ألف دولار اميركي، علما بأن هناك كافيارا يستخرج من اسماك أخرى كالسلمون، ولكن ثمنه أقل بكثير من كافيار «الستورجين» ولونه مختلف تماما، ويسمى بكافيار السلمون مثلا، أما كلمة كافيار منفردة فتعني بيض «الستورجين»، والكلمة إيطالية ولكنها مشتقة من الفارسية وتعني البيض. «بون ابتي»!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
كافيار الحبيب (1 ــ 2)
قمت قبل شهر تقريبا، وبناء على دعوة صديق، بزيارة مزرعة لتربية سمك الــ«ستورجين» Sturgeon، المصدر الرئيسي للكافيار، حيث تناولنا بعضا منه، وفي مطعم القرية تذوقنا السمك نفسه، ولم يكن سيئا. وبالرغم من أن المزرعة كانت شبه نموذجية فانها كانت تطبق المعايير الأوروبية بدقة من حيث نوعية الغذاء وعدم حقن الماء بالأوكسجين، وهذا ما لا يتوقعه المرء في مزارع مماثلة في منطقتنا. كما على المستثمر في مثل هذا النشاط الانتظار لسنوات طويلة قبل جني شيء. وفي المزرعة اكتشفنا أن السمك البحري يمكن أن يعيش في المياه العذبة والعكس صحيح، وذلك بتغيير بيئته تدريجيا. زيارة المزرعة لم تشف غليلي فبحثت أكثر في الكتب والنت ووجدت أن الإنسان عرف الكافيار منذ قرون طويلة، وكان طبقا مميزا على موائد القياصرة الروس والفرس وملوك الإنكليز. وأن «الستورجين» يعيش في المياه قليلة الملوحة، فبحر قزوين مغلق، ومساحته تبلغ 20 ضعف مساحة الكويت، وتقلل من ملوحته إلى الثلث مياه الأنهار التي تصب فيه، كما أن درجة حرارة مياهه طوال العالم تناسب «الستورجين»، الذي يهاجر، عند أوان وضع بيضه لمصبات الأنهار، كما تفعل أسماك كثيرة اخرى. وبسبب الطلب العالمي على الكافيار، وتناقص أعداده في بحر قزوين، نتيجة الصيد الجائر أو تلوث البحيرة، قامت دول عدة بإنشاء مزارع خاصة بها، مثل اسبانيا والسعودية، وحتى قم، وأخرى ستقام في الكويت(!) ومع هذا لا يزال %90 من كافيار العالم يأتي من بحر قزوين. وما يجعل الكافيار الجيد نادرا الفترة الطويلة التي تتطلبها الأنثى لتبلغ، وهذه تتراوح بين 12 و20 عاما أحيانا، ولكنها تعيش غالبا حتى المائة، ويمكن استخراج البيض منها إما بشق بطنها أو بتدليكها، لتضع بيضها من دون أن تقتل. وينقسم سمك الكافيار لعشرين نوعا، ولكن أشهر أنواعه ثلاثة: بولوغا، أسيترا وسفروغا Beluga,Asetra, and Sevruga وكل سمكة منها لها شكل وحجم خاص، والبلوغا أكبرها وأفضلها، وبلغ حجم أكبر واحدة تم صيدها 850 كلغ، وتتفاوت اطوالها وأوزانها حسب بيئتها!
يحتوي الكافيار على عدة أنواع من الفيتامينات والمعادن والدهون طبعا، وأحيط تناوله تاريخيا بما يشاع من أن له دورا في زيادة خصوبة الرجل، ولكن ليس هناك ما يثبت ذلك بشكل قاطع، فمن خانته قدرته لا تسعفه بيضات أسماكه!
وبالرغم من ان صيد الكافيار في إيران وتعليبه وتسويقه، وهي أكبر الدول المصدرة له، تتبع إداريا وزارة المالية في إيران، فإن اللغط لم يتوقف يوما حول استفادة بعض رجال الدين من أركان النظام من تجارته، لما يدره من أرباح كبيرة.
وإلى مقال الغد.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
الساعة وما أدراك ما الساعة!
يلاحظ في كل إعلانات الساعات أن الوقت في غالبيتها يشير الى العاشرة وعشر دقائق! ويعتقد البعض أن سبب ذلك يعود إلى وقت توقيع اتفاقية إنهاء الحرب العالمية الثانية، واستسلام ألمانيا النازية عام 1945! بالبحث تبين عدم صحة ذلك، فقد استسلم قادة الجيوش الألمانية في أكثر من مكان ومناسبة، ولم تكن أي منها في العاشرة وعشر دقائق، مساء أو صباحا، وبالتالي المسألة تتعلق بما تبدو عليه الساعة من جمال الشكل عندما يشير عقرباها الى 10/10، فهذا الشكل يسمح بقراءة اسمها ورؤية علامتها التجارية في الوسط وقراءة أي كتابة بين العقربين بسهولة! كما أن الشكل يشبه الوجه المبتسم. ويقال ان هذا التقليد عمره مائة سنة، ولكن بعض الماركات العالمية تفضل تثبيت عقارب ساعاتها على الثامنة و19 دقيقة، وهذه بشكلها المنحني تشير للسقوط بعكس تلك التي تشير عقاربها للأعلى. كما أن هذا التوقيت يشير للزعل أو التقطيب. وأحد مصنعي الساعات يفضل تثبيت الوقت في كل اعلاناته، وعلى ما هو معروض منها للبيع، على الساعة 8 و3 دقائق. أما إعلانات ساعات الرولكس، الأكثر شهرة، فإنها تشير للعاشرة و9 دقائق، وكانت في عام 1926 تثبت على 10 و10. أما ساعات «هاملتون» فتقاليدها، التي تعود لعام 1920، تطلبت تثبيت العقربين على العاشرة وعشر دقائق، إضافة لتثبيت التاريخ على 28 من الشهر ويوم الاثنين من الأسبوع! وبالرغم من المخاوف التي اعترت بعض مصنعي الساعات من إمكانية انخفاض الطلب على ساعاتهم نتيجة انتشار استخدام الهواتف النقالة، والتي فيها جميعا ساعة دقيقة، إلا أن شعبية ساعات المعصم لم تتأثر كثيرا، ولا تزال الهدية المفضلة للكثيرين. والطريف ان الوقت في إعلانات هواتف «الآيفون» يشير إلى 9 و42 دقيقة صباحا، ويقال ان ذلك يمثل الوقت الذي قدم فيه ستيف جوبس هاتفه الجديد للعالم عام 2007 في مؤتمر مبيعات عالمي! وساعة المعصم يتم ارتداؤها دائما على اليد اليسرى ولا أحد يعرف لماذا لم يتم تصميم ساعة لليد اليمنى. وقد بدأ تطور ساعات الرسغ من القرن 17 وفكرتها أخذت من ساعات الحائط التي ظهرت قبلها بأكثر من قرن، ولكن ساعات المعصم لم تصبح رائجة إلا في الـ 1920، وكانت في البداية تقتنى من النساء كحلية، وكان لها غطاء وسلسلة، وتردد الرجال كثيرا في ارتدائها، حيث تعرضوا للسخرية لتشبههم بالنساء، ولكن مع الوقت تقبلها الجميع، إلا أنها لم تصبح رائجة كساعة يد إلا بعد الحرب العالمية الأولى عندما اكتشف الجنود أن وضعها على يدهم اليسرى أكثر عملية، وبالتالي قاموا بربطها، بقطع من الجلد، على ايديهم، بدلا من الاحتفاظ بها في جيوبهم، والتقط مصنعو الساعات الفكرة من يومها، وكانت تلك بداية نهاية ساعات الجيب. وبالرغم من أن ساعات الكوارتز، التي عرفها العالم في 1970، رخيصة الثمن وأكثر دقة من غيرها، إلا أن البعض يفضل الساعات التقليدية الغالية الثمن، لما لها من قيمة معنوية ودقة صنع، وقد تتحول لقطع أثرية مع الوقت. وينتشر بيع الساعات الثمينة في الدول الخليجية اكثر من غيرها، مع العلم بان غالبية سكان المنطقة لا يعني لهم الالتزام بالوقت شيئا.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com