احمد الصراف

القومي الوطني الليبرالي

قام سائق شاحنة بتوصيل بضاعة لأحد مستشفيات الأمراض العقلية، وعندما عاد لمركبته وجد أن إحدى عجلاتها قد فرغت من الهواء، فقام بفك براغيها بغية استبدالها بالاحتياطية، وأثناء عملية التبديل سقطت البراغي من خلال فتحة مجرى مياه الأمطار، فاحتار في كيفية استعادتها والغطاء لا يمكن رفعه، وهنا أحسّ أنه تورط، وسيدفع ثمن خطئه، لأنه سيتأخر في تسليم الشحنة التالية، هنا مرّ به أحد مرضى المستشفى وسأله عن مشكلته، فقال في نفسه ما الذي يعرف هذا المعتوه، ولكن ما الذي يضيرني لو شرحت له المشكلة، وهنا ضحك المريض وقال له، بعد أن استمع له: لا عجب في أنك أصبحت سائق شاحنة، لأنك أعجز من أن تحل مشكلة مثل هذه، كل ما عليك القيام به هو أخذ برغي واحد من كل دولاب وستحصل على ما يكفي منها لتثبيت الدولاب الاحتياطي، وسيمكنك ذلك من الوصول إلى أقرب ورشة! فأبهرت السائق الفكرة وذكاء المريض، فقال له: إذا كنت بكل هذا الذكاء، ل.مَ أنت في هذا المستشفى؟ فردّ هذا قائلا: أنا هنا لأنني مجنون وليس لأنني غبي!
تذكرت هذه النكتة، وأنا أستمع إلى من وجّه لي رسالة ضمّنها كلاماً مقذعاً، وطالبني بإثبات وطنيتي وعروبتي، وربما من خلال حرق أصابعي، والرد على تصريحات إيران المعادية، وبخلاف ذلك فأنا كذا وكذا! وتلك لم تكن رسالته الأولى، بل ربما الخامسة، وكانت جميعها مغفلة من أي لقب او حتى اسم «مزيف»! وعندما اتهمته بالجبن لأنه يشتم الناس ويخفي اسمه، اتصل معترضاً على وصفي، فقلت له إنني قد لا أكون «وطنياً ولا عروبياً ولا حتى خليجياً أو ليبرالياً» مثله، كما يدعي، إلا أنني لست بالغبي لأنساق لمطالبه وأثبت أي تهمة عليّ! طبعاً، زعل الأخ واتهمني بأنني لا أتقبّل النقد، غير عالم بأنني أردّ يومياً على أكثر من 5 رسائل «مؤدبة» تتضمن شديد النقد لما أكتب.   
وهنا، أتمنى من الراغبين في قيامي بالرد على تعليقاتهم وتعقيباتهم على ما أكتب، إرسال تلك التعقيبات أو الأسئلة إلى بريدي الإلكتروني أدناه، وليس إلى موقع الجريدة، الذي عادة ما لا أقرأ تعليقات القارئ من خلاله.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الجنرال هستد

تطرقت في مقال سابق، وبعجالة، لتاريخ ودور الجنرال البريطاني «وليام هستد William Hasted، في تخطيط وتنظيم مدينة الكويت قبل 60 عاما، في عهد الشيخ عبدالله السالم، حاكم الكويت المستنير، وربما بتوصية أو باختيار من المقيم السياسي البريطاني وقتها. ويقال إن لهستد الفضل الأكبر في جعل الكويت مدينة عصرية بمعنى الكلمة، سواء من خلال توزيع الضواحي أو المرافق العامة، او مواقع محطات تقطير المياه وتوليد الكهرباء. وقد بين اتصال من الصديق والباحث يعقوب الإبراهيم ان من المهم البحث أكثر في سيرة الرجل والكتابة عنه ثانية.
ولد هستد سنة 1898،ومات في 1977وهو في الثمانين تقريبا. وتلقى دراسته العسكرية والهندسية في بريطانيا، على الرغم من انه ولد في الهند، إبان احتلال بريطانيا لها. شارك هستد في الحرب العالمية الأولى، ونال وساما لخدماته، قبل ان يرسل للهند عام 1936، حيث ابلى بلاء حسنا في منطقتي بشاور ووزيرستان، واستحق أكثر من وسام شرف لانجازاته، التي تركزت على المشاريع الهندسية، وتخطيط وبناء المطارات. كما عمل رئيسا للمهندسين في بورما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنهى حياته العسكرية مع الحكومة بعد ان أصبح رئيسا لمهندسي السلطة في عموم الهند عام 1946، وبعد خدمة قصيرة في لندن قدم استقالته وطلق العسكرية إلى الأبد.
دوره الحيوي والحاسم بدأ في الكويت عام 1950، وكان اتصاله مباشرة مع الشيخ عبدالله السالم، حيث وضع تصورا لما يجب ان تكون عليه الكويت من سكن ومدارس وضواح ومعسكرات جيش وصناعة وتخزين وغير ذلك الكثير الذي أخذت به الجهات الاستشارية التي جاءت بعده. ولكن عمله في الكويت لم يستمر طويلا، فقد واجه ضغوطا كبيرة من متنفذين كبار للتأثير في قراراته وتوجيهها لمصلحتهم، خصوصا بعد تدفق عائدات النفط على البلاد وزيادة ثرائها وحاجتها لكل شيء، وبالتالي استقال من عمله بعد سنتين بقليل، ويقال إنه اجبر على ترك عمله. والطريف ان «خصومه» عينوا معه شخصية سورية معروفة لتكون بديلا عنه، أو مرافقا له،ان فكر في ترك عمله فجأة، ولكن حتى هذا الأخير لم يطل به المقام وقرر بعد فترة قصيرة من استقالة هستد ترك عمله!
تاريخ هستد في الكويت لا يود الكثيرون التطرق اليه، على الرغم من أهميته القصوى، وبالتالي لم تفكر أي جهة في اطلاق اسمه على اي مرفق، والسبب أن تاريخه ارتبط بخلافات شديدة بين مراكز قوى تلك المرحلة، وربما لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. والطريف في سيرة هستد أنه عاد الى وطنه وفتح مزرعة تربية ابقار وإنتاج حليب، ولكن سرعان ما تخلى عنها وهاجر الى أستراليا، وقام بعدة أعمال ومنها قيادة سيارة اجرة لفترة عام، ولكن لم يعجبه العمل فعاد الى الوطن! وعمله على سيارة أجرة خير دليل أنه ترك الكويت دون ان «ينهب» شيئا!
والآن هل بإمكان اي جهة الاهتمام بسيرة هذا الرجل ودوره في الكويت، خصوصا أن بعض من عاصروه، من أمثال العم خالد عيسى الصالح، مازالوا على قيد الحياة، وبإمكانهم إثراء النقاش؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أبو جاسم ورامشندرا

تقول فاطمة انها التقت في مقهى يتبع فندقاً نيويوركياً صغيراً بشخص عرف نفسه بأنه «رامشندرا»، وهو صاحب المقهى والفندق، وقال انه من الهند، وأنه لاحظ من لهجتهم أنهم من الكويت، وكان يتمنى منذ فترة اللقاء بأحد من مدينة عاش فيها وأحبها، ليظهر امتنانه وتقديره للسنوات التي قضاها فيها. وهنا طلبت منه فاطمة أن يشاركهم الجلسة ويخبرهم بقصته، فقال انه ذهب الى الكويت في منتصف الثمانينات ليعمل في شركة تنظيف كويتية أوروبية، وكان المشرف على العمال فيها كويتياً يدعى «أبوجاسم» وكان رجلا حازما وأمينا وصاحب ضمير في عمله، ولم يكن يترك موقع عمل من دون ان يتأكد بنفسه من أن المهمة تم أداؤها بصورة مثالية، وعندما كان لا يرضى كان يجبرهم على إعادة تنظيف المكان لمرات عدة قبل أن يوافق عليه. وقد علمهم الكثير، وبيّن لهم دقائق جمع القمامة وتنظيف الأرضيات والأسطح، وتدربوا على أن يتقنوا كل عمل يؤدونه، وانه شخصيا استفاد منه كثيرا، وقال رمشندرا ان اخلاصه في عمله شجع شركة التنظيف التي يعمل بها، وبتوصية من «أبو جاسم» لأن ترسله، وبعض زملائه، لدورة تدريبية في الخارج لبضعة أسابيع، وهناك تعلم فنون التنظيف الدقيق والسريع، وأنواع مواد التنظيف وغرض كل منها، وبالذات الكيماوية، والكميات المناسبة لكل غرض وأماكن استخدامها وشروط التنظيف وطرقه، وكيفية تحضير قوائم التدقيق واستخدامها Check list، وغير ذلك الكثير، وقال انه لم يكن يعتقد أن هناك كل هذا الكم الذي لم يكن يعرف عنه شيئا، ومن هنا بدأ احترامه لعمله، وأصبح يتقنه، وتوقف عن الشعور بانه يؤدي مهنة متواضعة، وبعد فترة أصبح مشرفا على عدد من العمال وكان يمكن ان يصبح مشرفا عاما، ويحل محل أبو جاسم، لولا أن وقع الغزو، فاضطر لترك الكويت التي احبها، والعودة لوطنه، وهناك وجد طريقة وصل فيها لنيويورك، ومن واقع سابق خبرته في التنظيف وما كونه من مال، حصل على عقد تنظيف صغير، وتطور مع الوقت واصبحت عقوده اكبر، وكون ثروة مكنته من شراء فندقه والمقهى الملحق به. وقال انه سيحاول يوما زيارة الكويت، وشكر أهلها، وابو جاسم بالذات، على معروفه وحسن تعامله واخلاصه، وما تعلمه منه من تفان وصبر! وهنا قالت له فاطمة ان «ابو جاسم» قد توفي! فقفز رامشندرا من مكانه كالملدوغ وسألها فزعا: هل تعرفينه؟ فقالت له: ليس حقيقة، ولكن ابو جاسم الذي كنت تعرفه قبل أكثر من عشرين عاما قد توفي، واخذ معه الاخلاص في العمل والوفاء والدقة والأمانة، بعد أن خربت «الإدارة» من تبقى بالزيادات والعلاوات، ونفخت في كوادره، وأن الإخلاص في العمل أصبح عملة نادرة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

طيري يا طيارة طيري

ما لا يعرفه البعض أن كل طيار في العالم يجب عليه معرفة اللغة الإنكليزية بأكبر قدر من الطلاقة، فالتخاطب بين الطيارين، وبينهم وبين أي برج مراقبة، «يجب» أن يكون باللغة الإنكليزية، حتى لو كان المتخاطبون وموقع برج المراقبة وجنسية الطيارة والأجواء جميعها روسية أو تركية أو حتى كويتية! هذا على الأقل ما تقوله التعليمات، ولكن من يتقيد بكل ذلك أمر آخر. كما يتطلب الأمر في الرحلات التي تزيد على 8 ساعات تواجد «ثلاثة ملاحين في الطائرة»، القبطان واثنين من مساعديه، لكي يتبادلوا مهمة الطيران. وفي الرحلات التي تزيد على 12 ساعة يتطلب الأمر وجود 4 طيارين، القبطان و3 طيارين آخرين. كما تتطلب قوانين السلامة عدم تناول طاقم الطائرة وجبة طعامهم من مصدر واحد أو نوعية واحدة، خوفاً من التسمم، أو لتقليل نسب الإصابة به. وفي المتوسط يعمل الطيار في الدول «اللطيفة»، والتي تتبع الأصول، من 9 إلى 14 يومياً في الشهر! أما في غيرها، فحدث ولا حرج، فقد تصل أيام العمل إلى 26 يوماً. كما يوجد اتفاق عالمي تلتزم بموجبه جميع شركات الطيران بتوفير مقعد خال لأي قبطان يسافر على طائرة أخرى، حتى لو كان الكرسي الوحيد المتوافر يوجد في قمرة القيادة. ولعلم البعض، فإن الوظيفة الأساسية لطاقم «الخدمة» في أي طائرة هو الحفاظ على سلامة الركاب. أما خدمتهم، فهي مهمة ثانوية، وبالتالي نطالب الركاب «الودرين»، أو «الجفصيين» الذين يعتقدون أنهم اشتروا ضمير من يعمل في الطائرة بمجرد قبول السفر على طائرتهم بتفهم هذا الأمر. وربما لهذا السبب كانت مضيفات سنوات الثلاثينات من الممرضات، وليس من المانيكان، كما هي الحال مع البعض! كما تمنع جميع شركات الطيران قيام أي من المضيفين بوشم أجسامهم في أماكن ظاهرة. أما المخفي، فحقهم فيه محفوظ، ليس من منطلق كرم في المعاملة بل لصعوبة معرفة مكان الوشم المخفي أصلاً! وبالرغم من أن النسبة والتناسب في عدد المضيفين إلى الركاب هما واحد إلى كل خمسين، فإن جميع الشركات تقريباً لا تتقيد بهذه النسبة.، وهو عكس ما نراه في الدرجة الأولى طبعاً. كما أن طول المضيف أو المضيفة عامل حاسم، لأغراض أمنية، ولكن حتى هذه تم غض النظر عنها بعد زيادة تبرم منظمات إنسانية من التمييز ضد قصار القامة، عفية عليهم! كما يتطلب الأمر وجود مرحاض واحد لكل 50 راكباً، ولكن قلة من شركات الطيران فقط، في غير درجة رجال الأعمال والأولى تتقيد بذلك. وتعتبر لحظات الإقلاع والهبوط الأخطر في عمل الطائرة، ولهذا تتطلب أنظمة السلامة إطفاء الأضواء حينها، لكي تتمكن العين من رؤية ما هو في الخارج بطريقة أفضل في حال وقوع حادث أو هبوط اضطراري يتطلب إخلاء سريعاً. وبالرغم من خوف الكثير من السفر بالطائرة، فإنها علمياً وإحصائياً هي أكثر أماناً واطمئناناً في السفر، مقارنة بجميع وسائل السفر الأخرى، فشكراً لكل من ساهم في تصميم حتى أصغر برغي فيها.

***
• ملاحظة: تقيم «مبرة رقية القطامي لسرطان الثدي» حفلاً ساهراً يوم الخميس 4 أكتوبر، وسيخصص ريع بيع التذاكر لدعم جهود «الجمعية الخيرة». لمزيد من التفاصيل عن الحفل وأهداف المبرة وأسعار التذاكر، يرجى الاتصال برقم 69090977. وقد قمنا بالمساهمة في جهود الجمعية، ولكن سوف لن نتواجد في الحفل لغيابنا في الخارج.

أحمد الصراف

احمد الصراف

طرق النصب والاحتيال الجديدة

تشتكي د. سميرة من مشكلة غريبة تتمثل فيما أصبحت تشعر به من ضعف متصاعد في قدرتها على مقاومة إغراءات الفساد والنصب والاحتيال، فقد عاشت دائما صادقة مع نفسها وأمينة على مبادئها، ولكن لكل شيء حدود. تقول سميرة إن حكومتها أرسلتها قبل سنوات لدراسة الطب في اميركا، وهناك التقت بشريك حياتها، الذي أصبح تاليا والد أبنائها، فقررت البقاء معه. ولكن عندما انهت دراساتها العليا، فوجئت بأن حكومتها تطالبها بدفع مبلغ كبير، هو تكلفة الصرف عليها وعلى دراستها، وذلك لأنها أخلّت بشروط ابتعاثها، ولم تعد لتعمل في جهة حكومية لفترة زمنية، وتقول إنها تدفع قسطا شهريا لسداد دينها، ويستقطع المبلغ من راتب زوجها، الذي بالكاد يكفي أسرة من اربعة اشخاص، حيث إنها اختارت عدم العمل والتفرغ لتربية ابنيهما. وتقول إن كل من استمع لحكايتها ضحك من «سذاجتها» وإصرارها على دفع دينها لحكومة غنية، كالكويت، وأن من يدفع غبي، وألا أحد بحاجة لألف دينارها، وهناك مئات الملايين التي تضيع شهريا على التافه من الأمور، وفي صورة مساعدات لدول لا أحد يعرف أين تقع، وأن كل من نصحها بعدم الدفع، وغالبيتهم من المصلين والصائمين من ابناء وطنها، جاء بنصيحة تختلف عن غيره في كيفية التخلص من القرض الذي ترتب عليها، ومنها:
أولا: الكتابة لوزير التربية شخصيا وشرح ظروفها، وغالبا ما سيعفيها من القرض، خاصة إذا حمل الكتاب أحد النواب، وهناك حالات استثناء معروفة.
ثانيا: العودة الى الكويت والعمل كمساعدة «طبية» لأحد النواب، وهذا سيعفيها من العمل الحكومي، وتستطيع العودة الى أسرتها، بعد شهر بالكثير، فور الانتهاء من إجراءات التوظيف. أو تقديم كتاب لوكيل التربية بإسقاط نصف القرض وتقسيط الباقي على فترة أطول، وهناك أيضا استثناءات مماثلة معروفة، والتوقف بعد فترة بحجة عدم القدرة. أو العودة ومحاولة معرفة «مفاتيح» المسؤولين، فقد اصبح لكل معاملة ثمن معروف، ولكل وزارة «مفتاحها»، وغالبا ما يكون الفراش البنغالي في مكتب السيد الوزير او الوكيل هو الذي يعرف أكثر من غيره في هذا المجال. أو العودة الى الكويت ومحاولة العمل في القطاع الذي يعجبها، سواء في صيدلية او مستشفى أو مختبر أو مستوصف، فكثير من المؤسسات تبحث عمن يحمل مؤهلاتها، لتوظيفها مقابل مبلغ رمزي  لتغطية النسبة المطلوبة من العمالة الوطنية، وأن ما سيدفع لها من دعم حكومي سيكفي ويزيد على قرضها الشهري!
وتستطرد الدكتورة في القول إن النصائح كانت أكثر من أن تحصى، ولكنها لا تستطيع اتباع اي منها، فالتزامها الأخلاقي، الأكثر شمولا من التزامها الديني، يمنعها من ذلك. وتقول إنها عرضت خدماتها على قنصلية وسفارة الكويت، حيث هي، من دون مقابل، إلا أنهم اعتذروا بحجة وجود غيرها، من غير الكويتيين، ممن يعملون لديهم. وتستمر سميرة في شكواها قائلة إنها فوجئت بعمق خراب «النفوس» بين بعض ابناء وطنها، وهو شيء لم يكن معروفا حتى قبل عشر سنوات أو اقل، وأنها تشك في أنها ستكون سعيدة لو عادت إلى وطن لا يسير فيه شيء بغير واسطة أو عمل فاسد! وهنا تسألني: ما العمل؟ فقلت لها إن عليها أن تبقى في «وطنها» الجديد، وألا تعود، وتستمر في دفع ما عليها لكي يطمئن ضميرها، فالكويت ليست لها الآن ولا لأمثالها! ولا ادري ان كنت محقا في نصيحتي أو أنني ظلمتها؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أقوال فوزية

أعلن وزير التعليم العالي عن اعتماد مجلس الوزراء لبرنامج المنح الدراسية للطلبة الكويتيين من خريجي الثانوية، الذين يحصلون على موافقات لدراسة البكالوريوس من إحدى الجامعات المصنفة ضمن أفضل 100 جامعة في العالم! وهنا تتكرر المأساة للسنة المائة، فعاما بعد عام، لا نجد ايا من جامعاتنا، عربية أو إسلامية، ضمن هذه القائمة أو حتى ضمن الـ300 أو الـ500 الأهم في العالم، وكان يمكن قبول هذا الوضع على مضض لولا ان الجامعات التي لدينا لم تنجح حتى في الاحتفاظ بمراكزها المتخلفة، بل تخلفت أكثر، فجامعات مثل القاهرة وعين شمس، وحتى بيروت الأميركية، انحدرت مستوياتها عما كانت عليه قبل عشرين سنة مثلا، ولم نعد نسمع منذ عقود بمخرجات بارزة منها!
وهنا تقول القارئة فوزية، تعليقا على الأحداث السياسية الدينية الأخيرة، إن البشر في مجتمعاتنا أصبحوا كمحاربي قبائل «الزولو» في احتفالاتهم الوطنية، عندما يقومون بتزيين وجوههم بمختلف الألوان ويربطون قطعا من العظام البشرية أو الحيوانية بشعر رؤوسهم، وتتدلى قطع العاج من اذانهم وأنوفهم، يتراكضون ويتصايحون، إن احتجاجا او ابتهاجا أو احتفالا بمناسبة ما، وما ان ينتهي الحفل حتى يعود البعض منهم ليرتدي ملابسه العادية، وينزع العظام من أنفه وأذنيه! وإننا بالتالي لسنا، ثقافيا على الأقل، ببعيدين عنهم في الكثير من تصرفاتنا! فلو قام أحد بالجلوس على برج عال ومراقبة حركة المرور في جميع شوارعنا لاكتشف الكم الكبير من المجانين الذين سمحت لهم حكوماتهم بالجلوس خلف مقود السيارة، وحمل «رخص سوق» معترف بها، على الأقل، من كل دول مجلس التعاون، او ملاحظة ما يجري في دوائرنا الحكومية، أو عمليات الغش في الشهادات والامتحانات الدراسية، وفوضى الطوابير في الوزارات، إن وجدت، واستمرار الواسطات في قبول الطلبة في أكثر مرافق الدولة خطورة وأهمية، وبطرنا في الصرف على التافه من الأمور بغير حساب، فبعد كل أساليب المعيشة والتصرفات الخاطئة التي تملأ حياتنا لا يمكن أن يتكون لدينا فهم واضح وسليم لقضايانا الدينية والوطنية، لأننا أعجز عن فهم ما هو في مصلحتنا أو مصلحة غيرنا، فالمسألة ليست غيرة على ما نعتقد أنه «حق» لنا، وثورة لا تبقي ولا تذر، بل تفكير وتبصر وتصرف بحكمة ودهاء، وكل هذا يتطلب حدّاً أدنى من المعرفة او المنطق، وبالتالي كيف يمكن توقع الصلاح من «حركات» وتظاهرات جماهيرية غوغائية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مخالفات الخيريات

بعد المذكرة، الفضيحة، التي رفعتها موظفة إدارة الرقابة على الجمعيات الخيرية لوكيل الوزارة، ضد أحد كبار مسؤولي الجمعيات، الذي تعرض لها بالإهانة، لأنها كشفت مخالفاتهم، وضد مديرها المباشر في الوزارة الذي رفض اتهاماتها ورفض التعاون معها، وفي محاولة من الأخير، ربما لرد الاعتبار لنفسه، قام السيد بدر العوضي، مدير إدارة الجمعيات الخيرية في الشؤون، بالتصريح للصحف (القبس 8/30) بأن الوزارة «رصدت» قيام سياسيين بجمع مساعدات لسوريا وبورما، من دون إذن! وأن هناك مخالفات لجمعيات في رمضان الماضي! وهنا، بدأت الضغوط النيابية على الشؤون لطمطمة مخالفات التبرعات «السياسية»، وصدرت الأوامر بمنع العوضي من الإدلاء بأي تصريحات إعلامية!
يذكر أن هذه المخالفات طالت سياسيين من المنتمين لأحزاب منافسة ومخالفة للحزب الديني السياسي الذي ينتمي إليه السيد العوضي! وقد نشرت جريدة «الجريدة» في اليوم السابق لتصريح العوضي صورا لسندات قبض، بيّنت قيام جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان التابع للتنظيم العالمي، بجمع تبرعات بصورة غير قانونية، وهي سندات لا تحمل شعار الوزارة ولا ختمها! ويحدث ذلك بالرغم من تصريحات مسؤولي جمعية الإصلاح بأنهم ملتزمون بكل قوانين الوزارة المنظمة لجمع التبرعات، وأنه لا توجد «مخالفة واحدة» على الجمعية، وهذا كذب بواح طبعا! وبالتالي، فإن المخالفات كبيرة وكثيرة، وكل طرف يحاول تعرية غيره، والتغطية على مخالفاته، وهنا يبرز الدور الحساس والموقف غير المريح الذي وجد السيد محمد الكندري، وكيل الشؤون، نفسه فيه، فهو مضطر من ناحية، ولأسباب سياسية، للتغطية على بعض المخالفات، بناء على تعليمات عليا ربما، ومن جانب آخر، مطلوب منه، ولأسباب سياسية، أيضا، الكشف عن مخالفات أخرى، ويحتاج الموقف إلى سوبرمان للتعامل مع هذين الوضعين!
إن مسألة التبرعات الخيرية ليست مشكلة تقتصر على الكويت، فلا شك في أن هناك مخالفات رهيبة مماثلة في دول الخليج الأخرى، ولكن عدم وجود صحافة «مزعجة وجريئة» أبقى المشكلة «مكتومة»، كما تشكو دول غنية كبرى كأميركا من مخالفات جسيمة في صناديق واستثمارات كثير من الكنائس والمبرات، وقد تورط رجال دين كبار في قضايا اختلاس مئات الملايين منها، وانتهت الحال ببعضهم إلى السجن، وهروب بعضهم الآخر بما حمل.
إن المسألة تتطلب حزما، وهذا الحزم لا يمكن أن يأتي من حكومة تخاف من ظلها، وطالما أن الحزم مفقود، فإننا نطالب أصحاب الضمائر النائمة بالانضمام إلى الجمعيات المسماة بالخيرية، وتولي أعمال جمع التبرعات فيها، لأن الثراء السريع مضمون وسهل.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الخدعة الكبرى

في الخليج أنظمة هشة وبقاؤها كما هي في مصلحة المنطقة ومصلحة استقرار العالم بشكل واضح. والحقيقة الأخرى أنه على الرغم مما يحدث في دول مجلس التعاون من مخالفات وفساد مالي وإداري، فإن هذه الأنظمة تبقى، وإلى حد كبير، الأفضل لشعوبها، مقارنة بأنظمة بقية الدول العربية، وليس هناك ضمان بأن أوضاعها ستصبح أفضل، حتى بدرجة ضئيلة، لو استولت قوى أخرى على مقاليد الحكم فيها!
ما ورد في الصفحة الأولى من القبس يوم الجمعة من اعتراف نحو 60 إماراتيا معتقلا في أبوظبي بانتمائهم لتنظيم «سري» كان يهدف للاستيلاء على الحكم في دولة الإمارات بالقوة أمر مثير للهلع، وحتى للحزن الشديد! خصوصا عندما نعلم أن هؤلاء ينتمون لجمعية «الإصلاح» المرتبطة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأن لديهم أموالا واستثمارات وهياكل تنظيمية وفروعا وتراتبية ومنهجية عمل، وفروعا منتشرة في الإمارات السبع! وأنها، فوق هذا، تتلقى دعما ماديا ومعنويا من تنظيم مماثل في دولة خليجية، وقد تكون الكويت، خصوصا أن رسالة إنترنت تم تداولها بشكل واسع تحمل أسماء جهات وأفراد من الكويت، متورطين بإرسال أموال للتنظيم الإماراتي ومن بين هذه الجهات أفراد وشركات ومؤسسات دينية وشبه حكومية!
نحن لا نود هنا توجيه الاتهام لأحد طالما أن المسألة لم يحسمها القضاء، ولكن التعتيم الذي يلقاه خبر القبض على هذا التنظيم في وسائل الإعلام الخليجية، والكويتية بالذات، يبين بوضوح مدى نفوذ «تنظيم الإخوان» في الخليج وقدرتهم على التأثير في الصحافة وغيرها، على الرغم من خطورة الخبر الذي يرقى لمستوى الكارثة، خصوصا عندما نعلم أن نشاط الإخوان في الإمارات لا يتعدى عمره الثلاثين سنة بكثير، مقارنة بأكثر من ضعف ذلك في الكويت، وهذا يعني أن تجذرهم وتغلغلهم في مؤسسات الدولة هنا وقدراتهم التنظيمية والمالية أكبر بكثير من هناك، وهم بالتالي مؤهلون أكثر من غيرهم للسيطرة، متى تهيأت لهم الظروف المحلية والدولية!
لقد سبق أن حذرنا عشرات المرات من خطر الحركات الدينية المسيسة، وسنستمر في التحذير من خطورة تحركاتها وطموحاتها للوصول للحكم، خصوصا عندما نعلم أنها تدين بولائها لمرشد الأخوان في مصر وليس لقياداتها السياسية الشرعية، أو حتى «الروحية» المحلية! إن الحكومة مطالبة باجتثاث هذه التنظيمات، أو على الأقل الحد من أنشطتها وقدرتها على جمع الأموال، أو تعيين المنتمين لها في الوظائف الحساسة، فقد وصلوا للحكم في أكثر من دولة عربية وهم لن يرضوا بالوقوف عند حد معين، فكيدهم عظيم، وخداعهم أعظم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مخاطر تشغيل المخ

ردا على مقالاتنا الثلاثة عن اليابان، ودور الأخلاق في تربية الفرد، كتب لي الصديق العراقي الكندي ياملوكي، بـأن أخلاق اليابانيين تأثرت بأنظمة وقواعد «البوشيدو» الصارمة، وأنه كان لتعاليم كونفشيوس دور في صقل الشخصية اليابانية وتهذيبها. وقال انه اكتشف، من خلال تجربة طريفة، كيف تعتمد مدارس الشرق على التلقين، ولا تسمح لا للمناهج ولا لهيئة التدريس بتربية الطفل على النقد الحر، ولهذا نربى لنكون مطيعين خانعين في تصرفاتنا، وقال انه كان يقوم يوما بمساعدة اسرة عراقية مهاجرة على التأقلم مع بيئتها الجديدة، وكان مطلوبا منه اصطحاب مريم الصغيرة إلى مدرستها في يومها الأول. وهناك طلب أن يتحدث مع مدرستها، بعد أن وصل متأخرا لبضع دقائق، فطلبت منه المدرّسة إدخال الطفلة والانتظار قليلا، وانها لا تمانع ان أنصت لدرسها! ويقول ياملوكي انه جلس مصغيا كالطفل في فصل به نحو 20 فتى وفتاة، وهناك اعطت المدرّسة كل واحد منهم تفاحة تختلف عن التي عند غيره، شكلا وحجما ولونا ورائحة، وطلبت من كل واحد أن يصف تفاحته بطريقته الخاصة. وأن يقوموا بشقها إلى نصفين، أو إلى قطع صغيرة، ووصف شكلها من الداخل ورائحتها، وبما تذكرهم، ومقارنة لونها باشياء أخرى، ومن ثم تذوقها ووصف طعمها، ومقارنة ذلك مع ما سبق ان تناولوه من تفاح، وهي حلوة أم حامضة الطعم أم من غير طعم. وعندما انشغل الجميع بالكتابة توجهت المدرّسة صوبه، وسألته عن الكيفية التي يمكن ان تساعده بها، فشكرها، وقال انه جاء ليساعد مريم على التأقلم مع بيئتها الجديدة، ويعتقد بأنه سيصعب عليها في يومها الأول الكتابة، أو حتى التحدث عن لون التفاحة وطعمها وشكلها، وان الدرس صعب عليها! وهنا فاجأته المدرسة بابتسامة رقيقة، وقالت له بلباقة: يا سيد ياملوكي، هؤلاء جميعا طلبة وطالبات قدموا إلى كندا من أنحاء مختلفة من العالم، ومن خلفيات دينية وعرقية متعددة، والدراسات التربوية التي أجريناها أثبتت أن الطفل الشرقي بالذات يأتينا مسلوب الإرادة، يردد ما يلقن له، وليس لديه ادنى قدرة على النقد أو التفكير الخلاق، أو ان يكون صاحب مبادرة أو فكرة أو حتى رأي! بل يعتمد على حفظ الدرس وتكراره، وهذا يحرمهم من ملكية الرؤية النقدية ومن القدرة على اتخاذ القرار في الحياة تاليا، وهذا سبب جمود المجتمعات التقليدية، والعربية الشرقية بالذات! وقالت ان من واجبنا كمدرسين فتح أذهان الطلبة للمعرفة، ودفعهم لاستخدام عقولهم إلى أقصى درجة، والتخلي عما ورثوه من اساليب قديمة! ويقول ياملوكي انه بعد اتفاقه على صحة ما ذكرته المدرسة، طلبت هذه منه أن يشرح الوضع لأسرتها، بلغتهم، لكي يستوعبوا أكثر طريقة التدريس الحديثة، والتي تختلف عما اعتادوا عليه سابقا.
ذكرتني قصة الصديق ياملوكي بحادثة جرت لي في منتصف الستينات، عندما كنت أعمل نهارا وأدرس ليلا في ثانوية كيفان، فقد تبين لي وجود تناقض واضح بين مادتين من المقرر، فإحداها تقول ان الفضل في أمور كثيرة يعود إلى الحضارة اليونانية القديمة، والأخرى تقول ان الفضل يعود إلى علماء المسلمين. وقد جادلت مدرسيّ المادتين في هذه النقطة، وكيف ان علينا أن نشغل عقولنا، من خلال ورشة عمل، لمعرفة أي الجهتين لها الفضل، وأن نتوصل إلى الحقيقة من دون إخلال بمادة المقرر، بل لكي نرضي فضولنا فقط! لم تعجب فكرتي أيا من المدرسَين واعتبرا الأمر تدخلا في أسلوب التدريس، وفوجئت في اليوم التالي، باستدعائي إلى مكتب الناظر لمقابلة اثنين من رجال المباحث، أو أمن الدولة، لسؤالي عن الهدف من أسئلتي! فشرحت لهما الأمر، وبينت التناقض بين الكتابين، فهزّا راسيهما وتركاني! وعلمت بعدها أن العميد المرحوم محمد الحمد، الذي كان يعرفني جيدا، تدخل وامر بحفظ القضية! وعرفت يومها أن من يشغل مخه يستدعى لأمن الدولة! حدث ذلك في الكويت في عز انفتاحها، والأبعد ما تكون عن الأنظمة البوليسية، فما بالك بما يحدث فيها اليوم ولا يزال يحدث في الدول «الغلبانة»؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطائي اليوناني

عندما عدت إلى غرفتي، في ذلك المنتجع اليوناني الجميل الواقع على بحر ايجه، تبين انني نسيت بعضا من أوراق النقد على الطاولة، وأن من تقوم بتنظيف الغرفة قد عثرت عليها ووضعتها على مكتبي. اتصلت بمدير الغرف وأبديت له تقديري لأمانة موظفته، وطلبت منه إرسالها لكي أكافئها، فرد بكلمات مجاملة وقال إن هذا واجب عليها، ومن طبيعة عملها، وهي بالتالي لم تفعل شيئا غير عادي لتكافأ. فقلت له إنني لو كنت مكانه لما ترددت في وضع اسمها وصورتها على لوحة «أفضل موظف»، أو موظفة الشهر، لكي تكون قدوة ونشعرها بالتقدير! فاجأني رده بقدر ما اثار اعجابي، حيث قال إن القيام بكيل المدح لها أو الإعجاب بعملها يعني أن القاعدة هي عدم أمانة بقية موظفي المنتجع، وأن ما قامت به أمر غير عادي، وبالتالي استحقت عليه التقدير والثناء، وهذا غير صحيح. فهم يفترضون أن أمانة الموظف أو الموظفة أمر مفروغ منه، ولا يحتاج الأمر للطبل والزمر، وهو جزء من شخصية كل فرد ونوعية تربيته! حدث هذا في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ومع عاملة متواضعة المكانة والأجر! وقد ذكرني كلام المدير بأخينا حاتم الطائي، فنحن، ومنذ أكثر من ألف عام، لم نتعب يوما من ترداد قصة كرمه وخلقه، إن في احاديثنا أو أدبياتنا، أو حتى في مناهجنا الدراسية، وضرب المثل بكرمه، وكأن ما فعله أمر مثير للعجب، ويعني إصرارنا الحديث عن كرمه وكأننا نعاني من عقدة نقص، وبالتالي بحاجة لسرد قصته لدرء التهمة عنا! كما يعني، وهذا هو المهم، ان ما قام به الطائي لم يكن امرا اعتياديا، فلو كان المجتمع الذي وقع فيه الكرم مجتمعا كريما أو قريبا منه، لما بقيت قصته عالقة في الأذهان كل هذا الوقت، مع كل ملابساتها التي لا شيء يؤكد حقيقة وقوعها بكل تفاصيلها، بل يعني ان الكرم كان، وربما لا يزال، أمرا نادر الحدوث، وهذه حقيقة ألمسها كثيرا في حياتنا اليومية، فنحن، بشكل عام، لسنا بكرماء، وما نجده من كرم يكون غالبا مقرونا بجانب ديني، فمن يكون كريما يتوقع أن يكون لكرمه مردود في صورة ثواب وأجر، وهو بالتالي كرم مشروط، وليس كرما نابعا من نفس لا تبتغي غاية أو رجاء غير خدمة المجتمع، اقول ذلك من واقع تجربتي الشخصية في جمع التبرعات للأغراض النبيلة والخيرة، حيث أعاني الكثير من رفض «أثرياء ومقتدرين» للمساهمة حتى بالقليل من المال في مشاريع عدة، فقط لأنها غير مخصصة لبناء مسجد أو طباعة كتب دينية أو حفر آبار وتدريس دعاة، وهنا أجد صدا! ولا انسى قصتي مع رجل أعمال قصدته للتبرع لمدرسة للمعاقين، حيث رفض طلبي فلم اتردد في أن أقول له إن رفضه نابع من منطلق ديني، وأنه يعتقد بأن ليس للمشروع أجر أو ثواب عند الله، فوافقني على قولي! وهذا عكس ما عايشته في سنوات غربتي، فالكرم هناك، وخاصة للأغراض الجميلة والنبيلة من مساعدة أطفال أو لبناء دار للعجزة أو للأوبرا، أو حتى أي مشروع ثقافي أو إنساني، أو مأوى للحيوانات الضالة أمر عادي ومنتشر كثيرا، وليس غريبا بالتالي ألا نجد بين جميع منظمات الإغاثة العاملة في مهام بالغة الإنسانية في الصومال وأفغانستان والسودان، غير الغربيين، وهي المناطق نفسها التي ساهم «إخوتهم واشقاؤهم في العقيدة واللغة» في تخريبها، وهذا التطوع هو أسمى درجات الكرم ونكران الذات.

أحمد الصراف