احمد الصراف

حرية إيران

فقدت العملة الإيرانية الكثير من قيمتها، ففي عهد الشاه كان الدولار بـ70 ريالاً فأصبح الآن بـ40 ألفاً، وتسبب ذلك في وضع الاقتصاد الإيراني تحت ضغط هائل في دولة كان من الممكن أن تكون الدولة الأفضل والأغنى في العالم وحولها الملالي، ومن قبلهم نظام الشاه الدكتاتوري، لدولة ريعية لا تعرف غير النفط موردا رئيسيا، فشعب إيران، أو هكذا يفترض، من الشعوب القليلة المحظوظة في العالم أجمع.. فلديها شعب خلاق وجميل وثروات طبيعية ومعدنية هائلة، ومناخ متعدد الدرجات، صالح لزراعة كل شيء تقريبا، ولديها انهر عدة ومياه وفيرة وتربة خصبة وجبال شاهقة وطبيعة خلابة وشواطئ رائعة طويلة وثروة سمكية مميزة، وهي الــ18 في حجم المساحة (6.1 ملايين كم2) وموقعها مميز، وهي أغنى الدول الإسلامية قاطبة باحتياطياتها النفطية الهائلة والثالثة أو الرابعة من حيث عدد السكان، بأكثر من 80 مليون نسمة! ولكنها تفوقهم بغناها التاريخي والثقافي والفلسفي ودور علمائها الريادي في الطب والرياضيات والفلك والفن، بكل اشكاله وألوانه. وكان من الممكن أن تكون إيران من أنجح دول العالم وأبرزها في مجالات عدة، ولكن ما تكشف اخيرا هو خواء نظامها السياسي، والذي لم يكن أفضل، في سجله الأمني على الأقل عن الذي سبقه، وكانت مفاجأة مؤلمة ما كشفته الأزمة الخانقة التي تعيشها نتيجة المقاطعة شبه العالمية لها، والحصار النقدي والاقتصادي الذي فرضته دول الغرب عليها لدفعها للتخلي عن برامجها النووية الطموحة، فعلى الرغم من كل ما تمتلكه إيران من «عضلات» بشرية ونفطية وأرض زراعية خصبة وشاسعة ومياه وفيرة ومعادن فإنها أصبحت، نتيجة كل سنوات الظلم والقهر، مستوردة رئيسية لكل شيء تقريبا، وليس هناك ما بإمكان المواطن الإيراني أن يعتاش عليه حاليا غير الخبز، المدعوم بقوة من الدولة، وليس لأنها تنتج كفايتها منه!
مخجل جدا أن يصل وضع أغنى دولة مسلمة إلى هذا الدرك من الضعف والتردي، وعدم القدرة على مواجهة مثل هذا الحصار الاقتصادي وهي التي كان بإمكانها أن تكتفي ذاتيا، ويحدث كل ذلك بعد اكثر من سبعين عاما من الإنتاج الضخم للبترول!
ما الذي جعل دولاً ككوريا وتركيا واليابان مثلا، التي تقل قدراتها عن إيران بكثير بمثل هذا الرقي والتقدم الاقتصادي مقارنة بإيران؟ الحرية السياسية والاقتصادية، بغيرها لا يمكن إحراز اي تقدم في المجالات الحيوية والنافعة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أصابع «ملالا يوسفزاي»

أوقف مسلحون كثّو اللحى مكفهرو الوجوه صلبو التقاطيع، يضعون على رؤوسهم أغطية طالبان، أوقفوا باص مدرسة بنات، وسألوا إن كانت بينهن واحدة باسم «ملالا يوسفزاي»، وعندما وقفت هذه عاجلها أحدهم بعدة طلقات من رشاش اصابت احداها رأسها، والاخرى طرف عنقها، وهرب المسلحون الجبناء بعدها، متوارين عن الأنظار. وكالعادة، لم تتردد أو تتأخر حركة طالبان في تبني مسؤولية القيام بحادثة الاغتيال، حيث صرح إحسان الله إحسان، المتحدث باسمها، وهي حركة مسلحة شبه مشروعة في باكستان، بالاتصال بـ «البي بي سي» خدمة لغة الأوردو، مؤكداً مسؤولية الحركة، لأن ملالا كانت تحرض الفتيات ضدهم وضد مساعيهم لمنعهن من الذهاب الى المدارس، وإن هذا يتعارض ومبادئ الإسلام، وان التعليم لم يخلق للفتيات.
بدأت جهود ملالا يوسفزاي في معارضة جهود طالبان بمنع تعليم البنات منذ ان كانت في الحادية عشرة من العمر، من خلال ما كانت تدوّنه من مذكرات تنشرها بمختلف الطرق، ومن خلال موقعها الإلكتروني. وجاءت فرصتها عندما تمكنت قوات الحكومة من طرد مسلحي الحركة من سوات، التي اغلقوا فيها كل مدارس البنات، وهنا كشفت ملالا عن اسمها الحقيقي وزادت من كتاباتها، وبرزت أكثر عندما استضافها راديو «البي بي سي»، خدمة الأوردو والخدمة الإنكليزية، لأكثر من مرة، وكانت أولى تلك المقابلات عام 2009، حيث بينت نضجا في تفكيرها وقوة في حجتها وجمالا وأملا في موقفها، وقرأت بعناية صفحات من مذكراتها، ووصفت الخوف الذي تعيشه آلاف الفتيات، في منطقة لا تزال لطالبان سطوة ونفوذ، وفي منطقة هي الأكثر تخلفا وتشددا دينيا، ربما في العالم أجمع!
إن ما قام به جبناء طالبان، والذين يوجد بيننا من أمثالهم الكثير، ما هو إلا محاولة لإسكات الحق بالرصاص، فهؤلاء، بكل ما لديهم من قوة بشرية وحجج دينية وقوة نارية لم يستطيعوا التغلب على أصابع ملالا الرقيقة بغير استخدام رصاصات غادرة في رأسها، ولو وصل هؤلاء للحكم في أي دولة فمصير فتياتها لن يكون بأفضل من مصير ملالا، فليس للفتيات حق لا في التعليم ولا في غيره، هكذا يقول الشرع!

أحمد الصراف

احمد الصراف

شانتال الشوفال

اتصلت بي شانتال قبل ايام تدعوني للمشاركة في حوار مع قناة تلفزيون محلية، وقد اعتذرت لها بلباقة عن عدم قبول الدعوة، وبحجة أن قبولي سيحرجني مع من سبقها من زملائها في دعوتي للمشاركة في البرامج الحوارية للقناة نفسها، والذي سبق ان رفضت كريم دعواتهم من منطلق قناعاتي الخاصة. وقد تفهمت شانتال الأمر، ولكن ما لم تعرفه هو أنها اوحت لي بفكرة هذا المقال، حيث ذكرتني بحادثة طريفة حدثت قبل نصف قرن تقريبا. ففي منتصف ستينات القرن الماضي قام المصرف الذي كنت أعمل فيه، بإرسالي لتلقي دورة تدريب في مصرف بريطاني في لندن، ولكي أحسن من لغتي الإنكليزية. وهناك التقيت بـ«شانتال»، واعتقدت حينها أنني التقيت بفتاة أحلامي، فقد كانت سويسرية فرنسية جميلة، متعددة الثقافات واللغات، ذات عينين خضراوين وابتسامة ساحرة وشعر اشقر طويل وقامة ممشوقة، بحيث مثلت لي قمة الجمال البشري، واظن أنني اتصلت يومها بوالدتي وأخبرتها بتعلقي بها، بشانتال طبعا! وكنت حينها قد أنهيت دراسة الفرنسية لعامين، في المدرسة الثانوية التجارية، وقبل التحاقي بالعمل في البنك، وهذه نقطة غاية في الأهمية!
كنت في محاضرات المصرف البريطاني، وأثناء ساعات التدريب والعمل المصرفي أجلس بجانب شانتال. كما كنا نتناول طعام الغداء معا، وبعد اسبوع من تعرفي عليها قررت دعوتها للعشاء، او Date ، ولكن الأمر كان يتطلب شجاعة لم أكن أمتلكها، خصوصا انه تقرر نقلي إلى إدارة اخرى، مما يعني لقاءات اقل مع شانتال، وحيث انني كنت مصرا على تعميق علاقتي بها، فبالتالي حزمت امري ودعوتها للعشاء! وهنا نظرت إلي وقالت انها تعتذر عن قبول دعوتي، لأنني سببت لها، على مدى اسبوع، حرجا، وعرضتها لسخرية زميل لها، لأنني كنت اصر على مناداتها طوال الوقت بـ«شوفال»، بدلا من «شانتال»، وشوفال بالفرنسية، التي درستها لسنتين في المدرسة الحكومية، تعني {حصان}!

أحمد الصراف

احمد الصراف

معضلة الأخلاق والبطالة

نشرت «مؤسسة الخليج للاستثمار»، وهي هيئة مالية إقليمية، تقريرا عن البطالة في دول مجلس التعاون، ذكرت فيه أن اقتصاداتها تعتمد على النفط والغاز كمصدر أساسي للإيرادات التي تستخدم للصرف على المشاريع والرواتب. وعلىالرغم من أن برامج التنمية الاقتصادية نجحت في الارتقاء بمستويات المعيشة والرفاهية، لكنها تقاعست عن خلق العدد الكافي من الوظائف لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العمالة الوطنية الجديدة في السوق، الأمر الذي تمخض عن بطالة تجاوزت %10 في السعودية و%14 في الإمارات و%8 في عمان والبحرين وان تدنت إلى %6 في الكويت وحوالي %3 في قطر. وإذا كانت هذه المعدلات مرتفعة إلا أن خطورتها تكمن في نوعيتها، فغالبية العاطلين تتراوح أعمارهم بين 19 – 25 عاما، ويشكلون حوالي %30 من مجموع العاطلين في السعودية وأقل قليلا من ذلك في البحرين وعمان والإمارات و%12 في الكويت! والأخطر أن غالبية العاطلين هم من الذين امضوا فترات طويلة في «حالة بطالة» حتى أصبحت «مزمنة»، وبينهم نسب عالية من المتعلمين جيدا، مما يدعو للتساؤل عن مدى ملاءمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات أسواق العمل الحديثة. ومحصلة ذلك كله تمثل في انخفاض معدلات الإنتاجية في دول مجلس التعاون وتزاحم العمالة الوطنية في القطاع العام مع استخدام القطاع الخاص لعمالة أجنبية رخيصة الأجر وقليلة المهارة. كما لاحظت الدراسة أن هناك تزايدا في أعداد الإناث المتخرجات من النظام التعليمي والباحثات عن عمل، وبالتالي فإن نسب البطالة ستتجه إلى التزايد ما لم يتم خلق الأعداد الكافية من الوظائف لاستيعاب العمالة الوطنية عند أجور مقبولة تكفل العيش الكريم. ويعتقد صندوق النقد أن أعداد المواطنين العاطلين في دول المجلس ستزيد قريبا الى أكثر من 2.5 مليون ما لم يتم اتخاذ إجراءات وخلق وظائف مناسبة لمواجهة هذه الكارثة. وسبب البطالة، حسب التقرير، يعود الى سرعة معدلات النمو السكاني وغلبة الفئات الشابة والفتية في الهرم السكاني التي ستتدافع في الأعوام المقبلة نحو الالتحاق بأسواق العمل بمعدلات مرتفعة تستوجب إيجاد وظائف كافية لها، إضافة إلى أن اقتصادات دول المجلس ريعية، رب العمل الكبير هو الحكومة، الذي بإمكانه دفع رواتب وأجور مرتفعة للعمالة الوطنية لاستقطابها لشغر الوظائف الحكومية، مع فتح الباب للعمالة المهاجرة للقيام بأعمال مرحلة التعمير والبناء، ومن هنا نشأت فجوة كبيرة بين أجور القطاعين، وزيادة معاشات التقاعد المبكر، وسعي الحكومات لاسترضاء مواطنيها.
التقرير طويل ويحتوي على معلومات قيمة، ولكن، كالعادة، ليس هناك من يقرأ او يستوعب أو يتخذ القرار، وبذلك سيحفظ في أحد الأدراج. ولعلم من كتب التقرير فإن في الكويت قرابة 35 ألف شاب وشابة يرفضون العمل، واختاروا ممارسة الجلوس في المقاهي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ملحمة الفساد السياسي الديني

منذ ما بعد التحرير بقليل وأنا أكتب عن مخالفات بعض الجمعيات المسماة بالخيرية وتلاعبها باموال التبرعات، وكيف استطاعت جمع مليارات الدولارات دون أن تطالها يد الرقابة أو المحاسبة، فما جمعته مكنها من تقوية نفوذها السياسي، وزيادة ممثليها في البرلمان، وتعيين محازبيها في مراكز القرار، وهذا حصنها كثيرا من اي محاسبة أو رقابة. وقد رأينا سنة بعد اخرى كيف استمرت بعض هذه الجمعيات في مخالفة قرارات وأنظمة وقواعد وزارة الشؤون فيما يتعلق بجمع الأموال النقدية والتحويلات المصرفية، دون خوف بالرغم من تهديدات الوزارة بتوقيع اقصى العقوبات عليها، ولا أدري كيف بإمكان الوزارة القيام بذلك إن كانت هذه الجمعيات هي التي توصي بتعيين نصف الوزراء تقريبا؟ فقد قامت بعض هذه الجمعيات، وللمرة العشرين على الأقل، وخلال رمضان الماضي، بارتكاب مخالفات عدة رصدتها أجهزة الوزارة. كما قامت موظفة في الوزارة بالتقدم بشكوى للوكيل لتعرضها للسب والقذف من قبل مدير مالي في الجمعية المحلية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بعد ان رصدت مخالفات جسيمة بحقهم (جريدة «الجريدة» 8/10). كما اشتكت الموظفة من عدم تعاون مدير إدارتها مع تقاريرها، ربما لأنه قد يكون عضوا في اكبر جمعية خيرية متورطة في جمع الأموال! وهنا نجد أن عدم تعاونه مبرر، فالشرهة ليست عليه بقدر ما هي على من عينه لمراقبة «ربعه»! فهو منتمٍ لحزب سياسي ديني متطرف ومنصبه رقابي، ولحزبه الديني علاقة بمخالفات جمع التبرعات، فكيف يستقيم ذلك؟
تتلخص مشكلة التبرعات، التي عجزت اجهزة الدولة، ووزارة الخزانة الأميركية عن السيطرة عليها، في جوانب ثلاثة رئيسية: أولا: كبر حجم الأموال التي جمعت طوال الثلاثين سنة الماضية، وحق «القائمين عليها» في الحصول على ما نسبته %20 منها لاستخدامهم الشخصي، وهنا نفترض أن الأربعة أخماس الأخرى، أو %80 من الأموال المحصلة ستذهب للغرض نفسه الذي جمعت له. ثانيا: بالرغم من كل الترهل الذي تشكو منه الإدارة الحكومية، والعمالة الفائضة والعاطلة، فإن الجهات المعنية في السلطة بخلت على إدارة رقابة الجمعيات بأي كوادر نوعية أو حتى عددية للعمل في جهاز رقابة أموال التبرعات، لكي لا تشغل بالها بتقاريرها. ثالثا: الصراع السياسي والمذهبي بين الكتلتين الأكبر في مجال جمع التبرعات، وفي عدد المخالفات بالتالي، على كسب قلب وجيب المتبرع الكويتي، وما يعنيه هذا الصراع من اشغال الإدارة السياسية وإرباكها! وبهذه المناسبة، وبعد مرور شهرين على آخر مخالفات الجمعيات الخيرية قام مدير إدارة الجمعيات والمبرات الخيرية في الشؤون بإمهال الجمعيات والمبرات المخالفة مهلة إضافية لتقدم تفسيرا لمخالفاتها، وتقديم كشوف بما جمعته لدعم الشعب السوري! وهدد المدير بأنه، في حال تقاعس الجمعية المخالفة عن التعاون، فإن الوزارة ستقوم بإغلاق الحساب الخيري للجهات المخالفة. ونحن نشك طبعا في أن يقوم السيد المدير بتنفيذ أي من تهديداته.

أحمد الصراف

احمد الصراف

آلام الزهير وأقواله

بسبب تراكم مشاكل وزارة الصحة وانشغال الوزراء المتعاقبين فقد تسبب الأمر في إهمال القطاع الطبي الخاص وزيادة مشاكله ومعاناته، ولكن على الرغم من كل ذلك فانه يمكن تلمس إنجازات كبيرة حققها هذا القطاع علىالرغم من كل التضييق الذي يمارس عليه، حيث نجح في السنوات الثلاث الأخيرة فيما لم تتمكن وزارة الصحة من تحقيقه طول تاريخها، وذلك بحصول خمسة من مستشفيات خاصة على شهادات الاعتراف الأميركية والكندية، وهي الأعلى في العالم، والتي يسعى لها الجميع لإثبات جودة الخدمات الإدارية والفنية. كما أن إحصاءات الوزارة لعام 2010 تشير إلى أن القطاع الخاص عالج %43 من مرضى الدولة في عياداته، وأجرى %48 من العمليات الكبرى و%67 من المتوسطة و%79 من الصغرى في مستشفياته على الرغم من قلة عددها ومحدودية مواردها وعدد أطبائها مقارنة بنظيراتها الحكومية. وبالتالي فإن القطاع الأهلي يمكن ان يعطي الكثير لو تحرر من التضييق والقرارات التعسفية! وعن ماهية هذه المضايقات، قال د. عادل الزهير، ان اتحاد المهن الطبية الأهلية طالب أكثر من وزير صحة بضرورة الالتفات الى مشاكلهم، وأملهم في الوزير الحالي كبير، ومن هذه المشاكل أولا: عدم وجود لائحة بالجامعات المعترف بها، وخضوع قبول الأطباء الجدد للمزاجية ولأكثر من جهة حكومية. ثانيا: إيقاف الوزارة العمل بقرار منع انتقال الأطباء في القطاع الأهلي من عمل إلى آخر، إلا بعد مضي سنة، فقد تسبب وقف القرار في فوضى كبيرة في سوق العمل في القطاع الأهلي في حين حافظت الوزارة على كوادرها باستمرار. ثالثا: منح تراخيص فتح مستوصفات أهلية كاملة لأطباء أسنان! رابعا: إصرار الوزارة على تحديد عدد عيادات الأسنان في المراكز الصحية دون غيرها من العيادات، ورفض إعطاء ترخيص صيدلية للمراكز الطبية ذات جراحة اليوم الواحد. خامسا: التضييق على ترخيص الطب النفسي في القطاع الخاص، وهذا أمر تنفرد به الكويت عن غيرها. سادسا: زيادة حالات الاستغلال في المجال الطبي، فبالرغم من منع المتاجرة بالطب، فإن البعض نجح في شراء عمارات وترخيصها كمستوصفات طبية، ومن ثم تأجيرها كعيادات طبية، وهذه كارثة. كما تمنع تعليمات الوزارة الترخيص للمستشفيات الأهلية باستقدام مساعدة ممرضة، أو اختصاصي أغذية، أو حتى اختصاصي تقويم العمود الفقري، أو فني ليزر، أو توظيف اختصاصي نفسي، أو مساعد مسجل وممارس عام في المستشفيات الأهلية. كما تمنع التعليمات كذلك الطبيب الحاصل على ماجستير نساء وولادة من القيام بالتوليد في مستشفى أهلي، إذا كان يعمل في مركز طبي، وتشترط على المستشفى الذي يقوم بالتوليد أن يقوم مديره أو مالكه والطبيب الاستشاري بالتوقيع على تعهد بمسؤوليتهم تجاه أي مضاعفات أو اخطاء تصدر عن هذا الطبيب، ولا تكتفي بتعهد الاستشاري الذي يعمل في المركز. وغير ذلك الكثير من المعوقات التي تتطلب التفاتة من وزير الصحة!

***
• ملاحظة: ليست لنا مصلحة في ما كتبنا، بل نكتب من منطلق إيماننا بأن الرعاية الطبية لا تكتمل بغير تكاتف جناحيها العام والخاص أو حتى تنافسهما بشرف، بحيث تكون المحصلة النهائية لمصلحة الجميع.

أحمد الصراف

www.kalamanas.co

احمد الصراف

الماسونية والإخوان والخطوط

تمنع «التعليمات» في غالبية الدول العربية، وبعض الإسلامية، تأسيس أي فروع للماسونية، إن بسبب سرية أنظمتها وأنشطتها، وربما لما تدعو إليه من تآخ ديني، أو لأنها تعتمد على التضامن بين أعضائها وتفضيل العمل بينهم على مشاركة الآخرين فيه، ولو كانوا أفضل منهم! وقد نالها الكثير من الهجوم، خصوصاً من قبل التنظيمات الدينية في الدول العربية. ولكن لو نظرنا إلى أنشطة أي تنظيم سياسي ديني مثل حركة «الإخوان المسلمين»، لما وجدنا أنها تختلف كثيراً عن أنشطة أي تنظيم سري عالمي آخر، فهم أولاً يتطلبون الولاء التام من الأعضاء للمرشد الأعلى للتنظيم والخضوع والطاعة لأوامره. كما يتطلب الانضمام إليهم تحقيق شروط قاسية ومراقبة مستمرة وتزكية من أكثر من طرف معروف. كما يحابى المنتمون لهم على حساب الآخرين، ولو كانوا أفضل منهم بكثير، ويدافع أعضاؤه عن مصالح بعضهم البعض بشكل شرس. كما يخضع التنظيم في عمله لسرية مطلقة، خصوصاً في ما يتعلق بأهداف القائمين عليه، أو بثروات واستثمارات التنظيم الهائلة التي تدار من خلال هياكل مالية متشابكة ومتشعبة تحاط بسرية تامة ومعقدة لا يعرف عنها شيئاً غير أفراد معدودين في مكتب الإرشاد، ولولا ما سرّبه المنشقون عن التنظيم، وما أكثرهم، من أسرار تتعلق بحجم تلك الثروات و«الأباطرة» القائمين عليها، لما عرف العالم شيئاً عنهم وعن الشركات والجهات المالية التي تقوم بإدارة مليارات الجماعة في بنوك «أوفشور» في البهاماس وكيمان ايلاند وغيرها! كما يعيش المشرفون على الإدارة في حصن مكين وضمن أسوار عالية، ولا يعرف عنهم إلا القليل. ولو نظرنا إلى شعار الإخوان المتمثل بسيفين متقاطعين، وكلمة «وأعدوا»، لوجدنا ما يشكله الشعار من استفزاز لكل من يعاديهم، فهو يتضمن رسالة عنف وتهديد لا شك فيها، وهم بالتالي ليسوا بأفضل من أي حركة سرية أو مافيا تعمل تحت الأرض!

***
• ملاحظة: التعدي على الرموز الدينية خط أحمر. التعدي على القبائل خط أحمر. التعدي على الطوائف خط أحمر. التعدي على الثوابت خط أحمر. والتعدي على الدستور خط أحمر! ولكن التعدي على الأطباء والمعلمين خط لا لون له! والتعدي على المال العام خط أخضر! والتعدي على المخافر والضباط والشرطة خط بنفسجي! والتعدي على الحريات خط أبيض! والتعدي على الأخلاق خط بألوان متعددة ليس بينها الأحمر. والتعدي على حق المواطن في دوام الموظفين لا لون له حتى الآن.

أحمد الصراف

احمد الصراف

من هو تيدي؟

وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم، وقالت لتلاميذها: إنني أحبكم جميعاً! ولكنها في الحقيقة كانت تستثني تلميذاً يدعى تيدي، فملابسه متسخة دائما، ومستوى أدائه متدن، ومنطوٍ على نفسه، كما انه لا يشارك الآخرين في اللعب، ويصر على الذهاب إلى الحمام كثيرا، وكآبته منعتها من التمتع بتصحيح واجباته، كما كانت دائما تعطيه درجات متدنية! وذات يوم طلبت منها الإدارة مراجعة سجلات الدراسة السابقة لبعض التلاميذ، فوقع بيدها ملف تيدي وفوجئت بأن تقاريره السابقة كانت تقول عنه عكس ما لدينا من انطباع عنه، وأنه ذكي وموهوب ومنظم، كما ورد في تقرير آخر ان تيدي تلميذ محبوب لدى زملائه، ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان. وورد في تقرير ثالث ان وقع وفاة أمه عليه كان صعبا، خصوصا بعد ان أهمله والده! وفي آخر تقرير ورد ان تيدي تلميذ منطو على نفسه لا يبدي الرغبة في الدراسة، وليس لديه أصدقاء وينام أثناء الدرس. وهنا أدركت المعلمة تومسون حقيقة مشكلة الصبي، وشعرت بالخجل من تصرفها معه. وفي يوم أحضر التلاميذ هدايا عيد الميلاد لمدرستهم، ملفوفة بأشرطة جميلة، ولكن هدية تيدي كانت ملفوفة بكيس بقالة، وقد تألمت المدرسة من ضحك زملائه عليه، لان ما قدمه لها كان عبارة عن عقد من ماسات ناقصة الأحجار وقارورة عطر نصف خالية، وهنا عبرت المعلمة عن اعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة، وارتدت العقد ووضعت شيئا من ذلك العطر على ملابسها، يومها لم يذهب تيدي بعد الدراسة الى منزله مباشرة، بل انتظر ليقابلها، وقال لها ان رائحتها تذكره برائحة والدته، هنا انفجرت المعلمة بالبكاء، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد فيها رائحة امه الراحلة، ومنذ ذلك اليوم أولته اهتماما خاصا، وبدأ عقل الصبي بالعمل واستعاد نشاطه، وفي نهاية السنة اصبح أكثر التلاميذ تميزا في الفصل، وفي يوم وجدت المعلمة رسالة عند باب مكتبها من تيدي يخبرها فيها انها افضل معلمة قابلها في حياته، فردت عليه بأنها تعلمت منه كيف يمكن ان تكون معلمة جيدة، وبعد سنوات فوجئت المعلمة بدعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام موقعة باسم: ابنك تيدي، ذهبت لحضورها، وهي ترتدي العقد ذاته وتفوح منها رائحة العطر ذاته.
والآن هل تعلم من هو تيدي؟ إنه تيدي ستودارد، واحد من أشهر اطباء العالم، ومؤسس مركز ستودارد العالمي لعلاج السرطان!
القصة بكاملها مفبركة، بخلاف حقيقة وجود طبيب شهير ومركز سرطان عالمي يحمل اسمه، ولكن هذا لم يمنع تأثر كثيرين بها وتجاوبهم معها، وخصوصا مدرسات المراحل الابتدائية في أكثر من بلد. كما اعجب بالقصة الملايين لما فيها من معان جميلة، ومغزى القصة هو المهم هنا، وليس مدى حقيقتها، فالحياة تعلمنا كل يوم درساً مفيداً.

أحمد الصراف

احمد الصراف

اغفر لهم يا أبتي.. إنهم سفلة أشرار

في قمة الصراع السوفيتي الأميركي، وبعد تحطم طائرة أميركية ومقتل ركابها، قال صديق اشتراكي الميول إنه سيتوقف عن السفر بالطائرات الأميركية، وأن السوفيتية أكثر أمانا، لندرة تعرضها للحوادث! فقلت له إن الأمر خادع، فعدد الطائرات المدنية السوفيتية أقل بكثير من مثيلاتها الأميركية، وبالتالي نسبة سقوطها اقل، كما أن سياسة التعتيم المتبعة في تلك الدول نجحت في إخفاء كل ما هو سيئ فيها، بعكس المجتمعات الغربية المنفتحة إعلاميا! وفي هذا السياق، يعتقد كثيرون أن المجتمعات الغربية، والأميركية بالذات، تشكو من «انحلال» أخلاقي رهيب، مقارنة بــ«طهارة» مجتمعاتنا! ولكن هذا ليس دقيقا بالضرورة، فعدد سكان الدول الغربية يفوق أعداد كل الدول العربية، كما أن وسائل الإعلام هناك على استعداد لنشر أي خبر، فما بالك بفضيحة جنسية، وهذا عكس ما يجري في مجتمعاتنا، حيث التعتيم والستر هما المتبعان، إلى درجة أننا نوصي بعضنا، حتى بعد جلسة فرفشة، بالستر عما واجهنا! مناسبة هذه المقدمة تتعلق بجريمة قيام أب بالاعتداء جنسيا على ابنته لأكثر من ست سنوات، منذ أن كانت في سن الــ12، هذا غير استمراره في ضربها وتهديدها بالقتل إن هي وشت به، ولكنها امتلكت في نهاية الأمر الشجاعة لتعلم السلطات بمأساتها. وقد ورد الخبر وكأنه حالة نادرة، ولكن الحقيقة أن مجتمعاتنا «تغص» بمثل هذه الجرائم الأخلاقية الرهيبة، فقد أخبرتني سيدة أن جمعية نسائية قامت قبل سنوات بحملة إعلامية حثت فيها الفتيات والنساء اللاتي يتعرضن لأي نوع من الاعتداء، بالذات من أقاربهن الذكور، بالاتصال بالجمعية أو الحضور إليها! وتقول إنها تطوعت للعمل مع فريق «الإغاثة»، ولكنها، وبالرغم من خلفيتها العلمية والثقافية، لم تستطع الاستمرار طويلا، فقد كادت أن تصاب بانهيار نتيجة قلة النوم والإرهاق الذهني والضغوط النفسية بعد كم المكالمات التي وردت للجمعية من فتيات ونساء يشتكين من قيام اخواتهن وآبائهن وغيرهم من المحارم بالاعتداء الجنسي والجسدي عليهن، وعجزهن التام عن القيام بشيء، خوفا من التسبب في تعرضهن للقتل، أو سجن وربما قتل من اعتدى عليهن، وبالتالي انهيار اسرهن نتيجة فقد مورد رزقها المتمثل في الأب أو الأخ أو زوج الأم مثلا، من المعتدين! وتقول إن قصص الاعتداءات الجنسية والوحشية كانت، في عددها ووحشيتها، أكثر مما توقعت سماعه، وحرمها من النوم لأشهر عدة بعد ذلك، وكان يؤلمها أكثر ذلك التناقض الرهيب الذي تعيشه مجتمعاتنا، وكل مظاهر الورع والتدين التي تحيط بنا! وقالت إن بإمكانها كتابة مجلدات عن حالات الاعتداءات التي سمعتها، ولكنها تعلم جيدا مصير ما ستكتب. وقالت إن السبب الرئيسي لاستمرار «زنى المحارم» وزيادتها سنة بعد أخرى، رغم الزيادة المعادلة لها تقريبا في الجرعة الدينية، يكمن في غياب الوازع الأخلاقي عند المعتدين، وجهل المعتدى عليهن بحقوقهن كبشر! وقالت إنها بالتالي لا تستغرب عندما يطالب كثير من «قادة الرأي» في المجتمع بالستر وبحرمان المرأة من التعليم، فهي كانت ويجب أن تبقى متاعا وعورة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطيور التي طارت.. عادت

قام مواطن مصري قبل سنوات باختلاس ما يعادل 12 مليون دولار من حسابات صندوق جمعية إعانة المرضى، وهي جمعية دينية معروفة بانغماسها في السياسة، دون أن «ينتبه» أحد من أعضاء مجلس إدارة الجمعية لعملية الاختلاس، إلا بعد مرور أربع سنوات، وهذا يعني أحد ثلاثة امور: إما أن ثروة الجمعية هائلة بحيث لم يؤثر في شيء سحب 12 مليون دولار منها! او أن أحدا في الجمعية قد يكون تعاون معه وغطّى على السرقة لفترة كافية، وسهل له الهرب بتسليمه جواز السفر! أو أن أغلب أعضاء مجلس إدارة الجمعية لم يكونوا يعرفون شيئا عن أنشطة الجمعية ووضعها المالي، بحيث كانوا، على مدى أربع سنوات، وبوجود «مدققين قانونيين» لحسابات الجمعية، يضعون «بصماتهم» على التقارير المالية السنوية، سنة بعد اخرى، دون تدقيق شيء فيها! وفي جميع الأحوال فإن الأمر يعتبر بمستوى الكارثة، ومع هذا لم تقم الجمعية الوقورة بمحاسبة أي من أعضاء مجلس إدارتها، ومر الموضوع بسلام عليهم، واكتفوا برفع قضية على 60 موظفا في أحد البنوك بتهمة عدم مراقبة الأموال التي كان المتهم يحولها إلى مصر.
وبالأمس، ورد في القبس أن سلطات قطر تمكنت من ضبط المتهم «عبدالعزيز. ج»، الذي سبق ان صدر حكم بسجنه 7 سنوات على اختلاسه أموال الجمعية السائبة، وأبلغت قطر الكويت بذلك، وأن النائب العام اتصل بنظيره القطري وطلب منه تسليم المتهم، ويقال ان الأمر يحاط «بسرية تامة، لأسباب كثيرة»!
الطريف في الأمر أن المتهم سبق أن قبض عليه في مصر، التي رفضت تسليمه للكويت، وأوقف هناك مؤقتا، ولكنه تمكن، خلال محاكمته، من الهرب، بعد أن أوهم حراسه بأنه يعاني مرضا مزمنا! ولا شك أن خبر إلقاء القبض على المتهم قد ارعب البعض، فهو حتما لم يعمل منفردا لأربع سنوات، والاحتمال كبير أن احدا ما، داخل الجمعية او خارجها، كان يساعده في عملية الاختلاس! وهذا ما ستكشفه التحقيقات مع المتهم، متى ما أعيد للكويت! وقد تسعى جهات لعرقلة جلبه بحجة أنه سيفضح جهات «متنفذة» لا يراد لاسمها أن يتلطخ. وفي تعليق طريف على خبر القبس قال أحد القراء انه توقف عن التبرع بشكل كامل لأي جمعية منذ سماعه بتلك الفضيحة، وأنه يقوم الآن بتوصيل تبرعاته لمستحقيها مباشرة.

أحمد الصراف