احمد الصراف

تبعات اليوم الأغبر

في يوم أغبر، لم يكن له داع ابدا، صوّت مجلس الامة الكويتي على حرمان أي إنسان، كائنا من كان، من الجنسية الكويتية إن لم يكن مسلما، وهو قرار عنصري ما كان يجب ان يصدر، خاصة وأن منح الجنسية أصلا أمر يخص السلطة التنفيذية، ولا علاقة للسلطات الاخرى به، وكان من الممكن بالتالي اصدار توصية للحكومة بهذا الخصوص لكي تعمل بها، من دون الحاجة لاصدار قانون يفضح ميلنا الشديد للتفرقة بين البشر! وفي هذا السياق قام صديق بإرسال نص اعلان نشر في صحيفة مصرية من قبل سفارتنا في القاهرة، بناء على طلب من وزارة الخارجية، نيابة عن احدى الوزارات، تطلب فيه الوزارة المعنية مهندسين في تخصصات متعددة، على ان يتوافر في المتقدم الشرطان التاليان:
أولا: ألا تقل خبرته عن عشرين عاما. ثانيا: وهنا الكارثة، ان يكون مسلماً (!).
طبعا سفارتنا في القاهرة غير ملامة على نشر الاعلان بصورته المسيئة والمؤلمة تلك، واللوم بكامله يقع على وزارة الخارجية، المعنية اكثر بعلاقاتنا بالشعوب الاخرى، وأيضا على الوزارة المعنية التي اصرت على حصر المتقدمين بمسلمين، رافضة بذلك مجرد وجود عشرة ملايين مسيحي في مصر، ان لم يكن اكثر من ذلك! وان كان علينا قبول ممارسة هذه الوزارة للتفرقة الدينية، فإن علينا حينها التوقف عن التشدق بالعرب والعروبة والاخوة والدول والشعوب الشقيقة، وان نحصر انفسنا في المسلمين فقط، وبالتالي يجب على وزارة الصحة مثلا رفض استقدام أي طبيب او ممرضة او ممرض من غير المسلمين، وان تقوم الاشغال برفض توظيف أي مهندس أو استشاري غير مسلم، وهكذا مع بقية الوزارات.
المؤلم والمؤسف في كل هذا ان الوزارة المعنية كان بامكانها نشر الإعلان، وتقليل الضرر كثيرا، بعدم النص على ديانة المتقدمين، وممارسة اشد انواع التفرقة ضدهم، بأن تقوم، بينها وبين نفسها الامارة بالسوء اصلا، بفرز الطلبات واستبعاد غير المسلمين منها، من دون ضجة ولا خلق نعرات طائفية وطعن الناس في ديانتهم، ولكن المسألة كما فهمت من صديق يعمل في تلك الوزارة المتخلفة، كان يقصد بها الاساءة عمدا إلى فئة محددة، فبئس عملهم.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

كوسوفو وقوة عين «الأمانة»

أطلق اسم كوسوفو على الجمهورية الوليدة نسبة إلى السهل الذي وقعت فيه أكبر وأشرس المعارك بين جيوش الدولة العثمانية والصرب، ونشأت بعدها بسنوات «ولاية كوسوفو» العثمانية، والتي أصبحت عام 1913 جزءاً من مملكة الصرب، لتصبح عام 1918 جزءاً من يوغوسلافيا، وتحصل عام 1963 على الحكم الذاتي في عهد تيتو، ولكنها فقدت ذلك عام 1990، بعد إصرار الصرب على أن تكون جزءاً من دولتهم. وبعدها بتسعة أعوام، وبعد معارك ومذابح عرقية ودينية شرسة ذهب ضحيتها مئات آلاف المسلمين، تدخلت قوى حلف الناتو وحررت كوسوفو وقبلها البوسنة من شرور الصرب! وبالرغم من وضع كوسوفو الاقتصادي المتدهور، ووجودها ضمن أرض مغلقة دون منفذ بحري، وبسكانها البالغ عددهم مليوناً و700 ألف، فإن برلمانها أعلن عام 2008 عن قيام «جمهورية كوسوفو»، ولكن لم تعترف بها أي دولة تقريباً!
ولأن الشوارع في كوسوفو جميلة ورائعة، ولا تحتاج لشيء إلا «الزفتة»، ومستشفياتها تتوافر فيها كافة الأجهزة والخدمات ولا تنقصها إلا الأسرة، ومدارسها منظمة وجديدة ولا تحتاج لشيء غير السبّورات، ودور رعاية كبار السن والأيتام ورياض الأطفال فيها نموذجية وذات مستوى عال ولا تشكو إلا من نقص الشبابيك والأبواب، ولأن مكتباتها الوطنية تزخر بكل شيء عدا الكتب والمراجع والمخطوطات، ومحطات توليد الكهرباء فيها حديثة ولا ينقصها غير الوقود لتشغيلها، فبالتالي لم يجد مسؤولو الأمانة العامة للوقف في الكويت شيئاً تحتاجه جمهورية كوسوفو غير تقديم الدعم لمدرسة شرعية، وهنا تبرعت الأمانة لإحدى الجمعيات الخيرية بمبلغ 25 ألف يورو لتطوير مدرسة علاء الدين الشرعية، التي تعد مركز «إشعاع»، لأن مواطني الجمهورية الفقيرة بحاجة ماسة لتقوية وازعهم الديني بعد سني الحرب المدمرة! وهذا يعني أن الأهالي لا ينقصهم، والحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، شيء غير ضعف الوازع الديني! ولا أدري كيف يمكن أن يساهم مبلغ عشرة آلاف دينار تقريباً في تغطية تكلفة النقص في الوازع الديني لأكثر من مليون و700 ألف إنسان، كما ورد في خبر القبس (10/1)؟ لقد كان بإمكان الأمانة دفع التبرع دون الإعلان عنه في الصحف! ولكن المثل المصري يقول: ناس تخاف ما تختشيش!

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

لا أحد على حق مطلق

اعتقد أن كل من يدعي بأن مشاعره ليست مختلطة أو متضاربة اتجاه ما يحدث على الساحة غير صادق مع نفسه، فمن الواضح، بالنسبة لي على الأقل، أن لكل من الطرفين حججه وأسانيده وأعذاره وتبريراته، وبالتالي من الضروري الانصات لما يقوله كل طرف! ولكن، بالرغم من وجاهة كل ما تطرحه المعارضة من آراء تتعلق بالحرية والديموقراطية وما تطالب به من ضرورة التمسك بالدستور وتطبيق القانون على الجميع وعدم التفرد بالقرار، فان سابق تجاربنا مع زعامات، أو قيادات المعارضة، تقول ان من الخطأ الهرب من الرمضاء، إن صح التعبير، والاستجارة بالنار! فقوى المعارضة، بغالبية اطيافها، هم عنوان التخلف والتشدد الديني والتسلط في الرأي، ولا ضمان بالتالي في أن الوضع سيكون افضل متى ما وصل هؤلاء الى سدة القرار النيابي او التشريعي، وربما التنفيذي تاليا، وعلينا بالتالي التمسك بمكاسبنا الحالية ورفض التغيير القسري، مع مطالبة السلطة بتنفيذ وعودها في الالتزام بمواد الدستور «حرفيا»، والإصرار على تطبيق القانون على الجميع، ولا استثناء لأي فئة من مواده، كما هو حاصل الآن!
إن الكويت على مفترق طرق، وبالرغم من كل ما ننعم به من خير، فان هذا ليس مبررا لأن يهان المواطن، وتمنع عنه حقوقه، ويحرم من إنسانيته بحجة أن الدولة وفرت له الطبابة والدواء والتعليم والراتب المجزي، فليس بالخبز ولا بالدواء وحدهما يحيا الإنسان، وعلى الحكومة أن تتنبه لهذا الأمر وتعمل صادقة على احترام فصل السلطات وتطبيق القانون، وأن تعرف حدودها جيدا، بحيث لا يكون هناك اي استثناء، فقد تغير الوقت وأصبح التفرد بالقرار من سمات الماضي.

***
• ملاحظة:
أعجبتني كثيرا الطريقة التي صيغ بها خبر لقاء «وجهاء» القبائل بصاحب السمو الأمير، حيث خلا الخبر تماما، ولأول مرة ربما، من أي ألقاب، بخلاف «وجهاء»، وهو ما لم تعتد الصحف عليه! وحري بالذين يطالبون الحكومة بتطبيق القانون، قص الحق من أنفسهم والالتزام بالقانون من خلال التخلي عن غير «القانوني» من تسميات وألقاب!

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

علاقة قراقوش بمرور الكويت

يحكى ان لصا حاول سرقة بيت من خلال الشباك، ولكنه سقط على الأرض لأن الشباك لم يكن مثبتا بإحكام، وهنا اشتكى اللص لدى الحاكم قراقوش على صاحب البيت الذي لم يحسن تثبيت شباكه، فطلب قراقوش من حراسه شنق صاحب البيت لإهماله، فطلب الرجل الرحمة وقال لقراقوش إن الذنب ليس ذنبه بل ذنب النجار الذي ثبت الشباك في ذلك اليوم. هنا طلب قراقوش اطلاق سراح صاحب البيت، وشنق النجار، وعندما أوتي بهذا صاح قائلا إنه يتذكر جيدا عندما كان يثبت الشباك صادف مرور حسناء أمامه ألهته عن عمله، وربما طرق المسمار في غير موضعه، فطلب الحاكم إطلاق سراحه وأن تشنق الفتاة مكانه، فقالت هذه، عندما حضرت مجلس الحاكم إنها غير مذنبة، فالحق على صاحب الحمام الذي تزينت عنده فهو الذي جعلها فاتنة فخلبت لب النجار فأخطأ في عمله، فأطلق الحاكم سراحها وطالب بشنق صاحب الحمام العمومي، ولم يكن للرجل عذر فقد ادى عمله، فذهب به الجنود لتنفيذ حكم الشنق به، ولكنهم عادوا للحاكم بعد فترة دون تنفيذ المهمة، لأن الرجل كان طويلا جدا، وكانت قدماه تصلان الى الأرض كلما علقاه على الحبل! وهنا صاح قراقوش بجنوده بصوت غاضب قائلا: اذهبوا ايها المغفلون وأتوا بصاحب حمام اقصر منه واشنقوه مكان هذا الطويل!
تذكرت هذه القصة عندما اضطرتني الظروف في الأسابيع القليلة الماضية، وعلى غير العادة، للتواجد في الطريق في أغلب ساعات اليوم، وفي أكثر من منطقة صحية وسكنية وصناعية، وفوجئت بكم السيارات في الطرقات وزحمة المرور الخانقة في كل مكان تقريبا من الدائري الأول وحتى السادس مع مختلف تقاطعاتها! كما تبين ان هناك أزمة مرور رهيبة لا يمكن ان تحل بالتوسعات الحالية للطرقات ولا بزيادة عدد الشرطة ودوريات المرور ولا حتى بتغليظ العقوبات المالية، فالمشكلة اخلاقية وأمنية وتتطلب تصديا جديا، خاصة أن المجلس الأعلى للمرور في سبات عميق، ومع غياب الجدية من حياتنا فلا أمل هناك، فالخسارة المادية وفي الأرواح الغالية مستمرة! وأتذكر أن الكويت مرت قبل 40 عاما تقريبا بوضع مماثل، عندما أصبحت حركة السير شبه مستحيلة في الكثير من الطرق الرئيسية، وللتغلب على المشكلة طالب مسؤول كبير، وفي قرار غريب، بوقف إصدار إجازات قيادة جديدة، وحصرها ضمن استثناءات قليلة! وجاء القرار
مهدية عمر لمجموعة من الضباط الذين تمكنوا من اقتناص الفرصة وتحقيق ثروات كبيرة ونفوذ أكبر ومكانة مرموقة من خلال استغلال نص الاستثناءات، ودخل عدد من هؤلاء سوق المناخ وحققوا ثروات، كما دخلوا في شراكات تجارية مع وافدين، ومرت فترة أصبح فيها خبر تعيين أو تغيير حتى رئيس قسم إصدار استمارات تعليم القيادة أهم من خبر استقالة الوزارة، وتشكيل أخرى جديدة، فما بالك بخبر تعيين مدير عام جديد للمرور؟! نعود ونقول إن المشكلة أخلاقية، وليست فنية ولا سياسية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«ساق بامبو» السنعوسي

ولد آرثر كونان دويل، الطبيب والكاتب الأسكتلندي عام 1859، ومات عن 70 عاماً، واشتهر بكونه مكتشف شخصية التحري الشهير شارلوك هولمز، وقد لاقت رواياته في بداية القرن العشرين رواجاً كبيراً، فاقت شهرة بطلها هولمز شهرة خالقها، فقام المؤلف بالتخلص من تلك الشخصية بتدبير نهاية لها! ما لم يتوقعه هو درجة ردة فعل القراء، الذين هجموا على بيته وأتلفوا محتوياته احتجاجاً على إنهائه لحياة بطل رواياته، وهنا اضطر دويل للتصريح بأنه سيعيد شخصية هولمز للحياة في رواية قادمة، وقيل وقتها إنه شعر بالسعادة لردة فعل الجمهور بالرغم من خسارته مادياً واضطراره لكتابة قصة جديدة رغماً عنه، ومصدر سعادته شعوره بأنه نجح في إيهام القرّاء بحقيقة وجود شخصية شارلوك هولمز الخيالية، التي استولت على مشاعرهم! تذكرت تلك الحادثة بعد أن سمعت ما كتبه البعض من نقد لرواية سعود السنعوسي الرائعة «ساق البامبو»، وكيف نسبوها للفلبيني هوسيه ميندوزا الذي ورد اسمه على الصفحة 7 مع اسم المترجم واسم مدققة الترجمة! وأعتقد أن مؤلف الرواية الحقيقي، أي السنعوسي، ربما شعر بنفس شعور دويل، وكيف أن «حبكته» قد انطلت على قرائه وصدّقوا أن الرواية مترجمة، وهو ما كان المؤلف يسعى للإيحاء به، بالرغم من أن ذلك قد يسلبه حقه في نسبة الرواية له، وبالتالي حرمانه من بعض الشهرة. فإن كان من كتبها هو ميندوزا، كما ذكر ناقدو الرواية، ومن ترجمها هو إبراهيم سلامة ومن قامت بمراجعة الترجمة هي خولة راشد، فما هو إذاً دور سعود السنعوسي، علماً بأنه لا يوجد في العالم، على ذمة العم غوغل، كاتب رواية يحمل اسم هوسيه ميندوزا؟! «ساق البامبو» هي بالتالي أجمل رواية قرأتها لكاتب كويتي، ولا يعني ذلك أنني قرأت كل شيء، وقد تكون الأولى التي احتوت على كل ذلك الزخم من العواطف المتضاربة التي صبّها المؤلف بعناية وحرفية عالية في شخصية هوسيه، المولود من أب كويتي وأم فلبينية، والذي عاش في مجتمعين متناقضين حتى النخاع، وقد يكون الجزء الأكثر امتاعاً في الرواية ذلك الذي تضمن نشأة الصبي في بيئة أمه وخالته وجده في قرية فلبينية صغيرة، فما ورد في ذلك الجزء من تفاصيل دقيقة وأمور تتعلق بعادات وتقاليد وخلجات أفئدة غريبة لا يمكن أن يكتبها شاب في عمر وخلفية سعود السنعوسي الثقافية، إن لم يكن يمتلك حقاً موهبة حقيقية، وهذا ما دفع البعض للشك في أنه كاتبها. وإن كان من كتبها فلبينياً، فمن الذي دوّن الجزء الكويتي منها والذي تضمن، أيضاً، خلجات أفئدة وتفاصيل دقيقة لا يعرفها غير الكويتي؟
رواية «ساق البامبو»، التي صدرت قبل أشهر قليلة، رواية مختلفة بكافة المقاييس في أحداثها وتركيبتها، وقد تكون الأولى التي تضمنت كل ذلك المزج بين ثقافتين متباينتين، عربية كويتية، ومسيحية فلبينية، وتستحق بجدارة أن تقرأ، ويمكن الحصول عليها من www.nwf.com أو من مكتبات جرير وآفاق وذات السلاسل، كما تتوافر لدينا 30 نسخة لتوزيعها على غير القادرين على الحصول عليها لسبب أو لآخر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

فوائد الغزو الثاني

يعتقد الكثيرون بأن الكويت مقبلة على فترة عصيبة، بل ويراها البعض مرعبة في أحداثها، وأن الخيارات مرة، فإما السقوط في حفرة ذات قرار، ويمكن الخروج منها، وإن بتكلفة عالية، وإما السقوط في هاوية لا قرار لها وتكون النهاية، أو هذا ما تقوله درجة التصعيد الأخيرة بين قوى المعارضة، من أغلبية المجلس المبطل، أو أقلية المجلس المنحل، من جهة وبين السلطة من جهة أخرى! ولكن في قراءة متأنية للأحداث، ومقارنتها بما سبق أن مرت به دول أخرى، أميل للاعتقاد بأن المرحلة السياسية المقبلة ستكون أفضل بكثير من الوضع الحالي، وسوف لن تكون هناك لا حفرة ولا هاوية، فطرفا الصراع لا يرغبان حتماً في إيصال الأمور إلى درجة التصادم النهائي، بالرغم من كل ما تقوله تلميحاتهم ولهجات خطاباتهم ومواقفهم وردود أفعالهم، وبالتالي سيصل الجميع، بطريقة أو بأخرى، الى حل مرضٍ، لأن انتصار أي منهما سيعني هدم الهيكل على من فيه! وبالتالي أعتقد بأننا في المرحلة القصيرة المقبلة سنجد أن كلا الطرفين قد تنازل عن بعض مواقفه، ليس لمصلحة الطرف الآخر، بل لمصلحة الدولة واستقرارها! لكن المشكلة، في نظر آخرين، ليست في طريقة تجنب خياري الهاوية أو الحفرة، بل في النهج الذي سيتبع مستقبلاً، وهنا مصدر القدر والتفاؤل، أيضاً! فقد مرت السلطة، والكويت تالياً في ربع القرن الأخير بكارثتين، الأولى الغزو العراقي الصدامي، أو الغزو الخارجي، وحقق الخروج منها فوائد جمة على أكثر من مستوى وصعيد، وبالتالي لم تذهب دماء الشهداء سدى، خصوصاً ما تعلق بتوصل طرفي العقد الاجتماعي في مؤتمر جدة، الذي كنت حاضراً فيه، لمعرفة أدق لقوة و«شرعية» الطرف الآخر، وبالتالي احترام موقفه وحججه، وعودة الديموقراطية، كما يجب أن تكون! ولكن، لسبب أو لآخر، بقيت قضايا لم تحسم في حينه. أما الغزوة الثانية، الداخلية والأخطر نسبياً، والتي تتعرض لها السلطة، وأمن الوطن بالتالي للخطر، فمن المتوقع أن تتمخض عن معالجة ما لم تتعرض له «مفاوضات» مؤتمر جدة، وتصحيح مسار الديموقراطية في البلاد، فليس هناك من طريقة للقضاء على هذه الفتنة ووأدها وجني ثمار الحرية والاستقرار بغير صدور التزام واضح ودقيق ليس فقط بالالتزام بالدستور، بل وبضرورة تطبيق القانون، وتطبيقه على الجميع دون تفرقة، هذا إذا أريد لكيان الوطن أن يستمر، والسلم الأهلي أن يستديم ويترسخ! إن سحب البسط من تحت أقدام القوى المسماة بالمعارضة، بكل ما لهم وعليهم من حقوق، لا يمكن أن يتم بغير الإصرار والتأكيد الجازم على التمسك بالقانون وجعل الجميع، نكرر الجميع، تحت مظلته، دون استثناء، وعندها سيجني الوطن والشعب ثمار الغزو الداخلي، ونتخلص لمرة وإلى الأبد من مقولة «واحد يبيع وواحد يطق»!

• ملاحظة
نصيحة من صديق: بدلاً من مقاطعة الانتخابات ومعارضة مرسوم تعديل الدوائر، لماذا لا يشارك المعارضون في الانتخابات المقبلة، ويختارون من يأملون فيهم السعي إلى إسقاط المرسوم بقانون؟

أحمد الصراف

www.kalamanas.co

احمد الصراف

حقائق طريفة ومؤلمة

يؤمن المسيحيون، وهم أتباع الدين الأكثر انتشارا في العالم، بمسيح واحد وإنجيل واحد ورب واحد، ومع هذا يرفض المنتمون لكنيسة الكاثوليك اللاتين الصلاة في كنائس الكاثوليك السوريين، ولا يصلي الاثنان في كنائس جماعة المارتوما، ولا يصلي الثلاثة في كنائس البنتيكوستن، ولا يصلي الأربعة في كنائس السالفيشن آرمي، ولا يصلي الخمسة في كنائس الأرثوذكس، ولا يصلي الستة في كنائس اليعاقبة، وهكذا… بحيث يشمل الأمر كنائس عدة أخرى.
كما يؤمن المسلمون، أتباع ثاني أكبر دين، بإله واحد وقرآن واحد ونبي واحد، ومع هذا لا تتفق آراء السنة مع الشيعة، او العكس، وبعضهم ينتقد إلى حد كبير المنتمين للطرف الآخر، وفي أي مكان كانوا، إن في بيوتهم أو مساجدهم. والشيعة لا يصلون في مساجد السنة، والاثنان لا يصليان في مساجد الإسماعيلية أو البهرة، وكل هؤلاء لا يصلون في مساجد الصوفية، ويرفض الجميع الصلاة في مساجد الأحمدية او القاديانية إضافة لرفض الصلاة في مساجد عشرات الطوائف الأخرى، والقتال بينهم لم يتوقف يوما منذ أكثر من الف عام! كما أن معظم المسلمين تقريبا ليسوا على وئام وسلام مع اليهود أو المسيحيين، بالرغم من انهم يشاركونهم عبادة الإله الواحد! وبالرغم من أن المسلمين ليسوا جميعا إرهابيين، إلا أن غالبية الإرهابيين مسلمون، وغالبية ضحاياهم مسلمون، إن من مذهبهم نفسه أو من اتباع المذاهب الآخرى، والجميع يقتل الجميع باسم الرب.
أما الهندوس، اتباع المعتقد الثالث الأكثر انتشارا، فلديهم 1280 كتاباً مقدساً، ويعبدون ملايين الآلهة، ويتحدثون بمئات اللغات، ومع هذا يذهبون لمعابد بعضهم بعضا، ولم تقع بينهم يوما، على مدى آلاف السنين، اي معارك دينية، وحدهم السياسيون من حاولوا تفريقهم للاستفادة من اصواتهم.
وبالرغم من ان البوذية من أوائل معتقدات العالم فإنها الرابعة انتشارا، وهي فلسفة أكثر منها ديانة، وتدين بتعاليمها للأمير الهندي Siddhartha Gautama، وتقوم على مفاهيم فكرية ثلاثة: الكارما، العودة للحياة والسماسرا، وأتباع هذا المعتقد، بالرغم من تعددهم وانقسامهم، فإنهم يؤمنون بـ «بوذا» المعلم وبتعاليمه التي تحث على الأمانة والصدق، ويؤمنون بأن الغرض من الحياة هو أن نطور من الشعور بالرحمة في داخلنا وأن نمتلك الشفقة على الآخر من دون تحيز أو تفرقة، وان نعمل جميعا من أجل السعادة والحرية، وأن نطور من الحكمة لدينا لكي تصل بنا للحقيقة، كما أن البوذية لا تتدخل في السياسة ولا ترتبط بها، ولو توقفت كل الديانات عن التدخل في السياسة فإن قتلا كثيرا سيتوقف، وستقل البغضاء والكراهية إلى الحد الأدنى، ولكن هل هذا ما تريده الجماعة لدينا؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الإخوان المسلمون في الخليج (3-3)

في الجزء المخصص من الدراسة عن الكويت، تناول الكتاب مفهوم الوطن في فكر جماعة الإخوان المسلمين، في مقاربة تاريخية سياسية بدئت بمقارنة بين مفاهيم «القوم» و«الأمة» في الجاهلية والإسلام، ومرورا على الوطن في فكر سيّد قطب وحسن البنا، وركّزت الدراسة، وهي من أخريات ما كتبه الراحل أحمد البغدادي، على الوطنية في فكر الإخوان في الكويت، وبينت أن كثيراً من المفكرين الإسلاميين، لم يناقشوا معنى هذا المصطلح برغم شيوع استعماله في الفكر الإنساني، حيث يرى البغدادي أن التعارض بين الولاء للوطن والولاء للحزب أو التنظيم سواء داخل الدولة أو خارجها، من القضايا المسكوت عنها في عالمنا العربي، لذلك تقدم جماعات الولاء للتنظيم على الولاء للوطن. في الكويت نفسها، يقدم الباحث والكاتب السّعودي مشاري الذايدي التاريخ الديني للكويت بما فيه من تسامح وتشدد، أرّخ لبروز الإسلام السياسي في الكويت عقب هزيمة يونيو 1967. كما تناولت الدراسة حداثة النشوء الحركي للإسلاميين السياسيين في الكويت من جهة، وتشابك العلاقات في تيار الإصلاح، الذي قاده الشيخ يوسف بن عيسى، واصفاً الشيخ بأنه محور كثير من الخطوات الإصلاحية في الكويت. وكشفت الدراسة أن الشيخ يوسف بن عيسى كان قنطرة العبور بين الكويت القديمة والجديدة، وهو الحلقة الوسطى بين «المثقف الإسلامي» أي الحركي السياسي، وبين رجل الدين التقليدي والمحترف، مفن.ّدا أي ادعاءات بانتسابه إلى الإخوان المسلمين. وأشار إلى نص من كتابه «الملتقطات»، نقل فيه عن عبدالله القصيمي موقفا ناقداً للإخوان، لخّص عبره ابن عيسى موقفه من جوهر دعوة الإخوان المسلمين، حيث استشعر الخطر في التسييس الحاد للإسلام لدى جماعة الإخوان، مستشهداً بما نقله على لسان شملان يوسف بن عيسى عن والده، عندما قام بطرد عبدالله المطوع أبرز قيادات الإخوان المسلمين في الكويت، من مجلسه.
وفي الجزء المخصص من الدراسة عن إخوان السعودية، أحصى يوسف الديني اتجاهات تيار التنوير الإسلامي في السّعودية، في أربعة اتجاهات، هي: الأول مجرد استنساخ مشوه لتجربة نقد الظاهرة الدينية في شكلها الأوروبي أو في تجلياتها العربية، والثاني من داخل التيار التنويري أو المتعاطفين معه من «الإخوان المسلمين» الذين يرون وبشكل براغماتي في دعم هذا التيار حدا من غلو السلفية المهيمنة على المشهد السعودي، والثالث من المتعاطفين مع تيار التنوير باعتباره ضرورة ملحة لنقد الخطاب السلفي، والرابع وهو الذي يعتبر أن التنوير حالة ذات جذور تاريخية للحراك الفكري والديني في السُّعودية، واستعرض رموزاً لها.
وانتهى يوسف الديني إلى نتيجة مفادها: إن لم يكسر التيار حاجز الخوف والتردد فسيتحول إلى تيار متكلس يردد شعارات بعناوين حالمة من دون أن ينعكس ذلك على المشهد الفكري المتغير.

***
• ملاحظة: هناك الكثير الذي يمكن قوله عن هذه الدراسة، ولكن يكفي ان نذكر بأن هناك مؤشرات على انخفاض مستوى تعليم الإناث في الدول الخليجية، والكويت بالذات، منذ بدأت سيطرة الإخوان على غالبية وزارات التعليم في دول المجلس، فهل يكفي هذا لبيان شرهم؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الإخوان المسلمون في الخليج (3-2)

وثقت الدراسة لقاءات ولي عهد أبو ظبي (نوفمبر 2003) بقيادات الاخوان، وكيف وعدت الجماعة الشيخ بالتفكير جديا في حل نفسها، الا أنهم تراجعوا عن ذلك تاليا، وبالتالي تخوفت الحكومة منهم، خاصة أن اجراءات البيعة التي تجري بينهم لأمير الجماعة أو مرشدها، بينت ازدواجية ولائهم وتشكيكا واضحا في انتمائهم لوطنهم.
ولم يغب مشهد الربيع العربي عن كتاب «المسبار»، فتناول الباحث عمر الترابي الاسلام السياسي في الخليج وخطاب الأزمات والثورات، متناولاً التشكيلات الاسلاموية السياسية وخطابها السياسي في الخليج، ووصف جماعة الاخوان بأنها الجماعة التي تقود أخواتها في الخليج، وعبّر عن قدرتها على رسم خطابها وفق المتغيرات ببراغماتية كبيرة، بعد أن انتشرت في أعقاب نكسة 1967. وكان الصعود الأكبر للجماعات في الثمانينات، وظلت بين مد وجزر، فانزوت الى أن أعادتهم أحداث 11 سبتمبر الى الواجهة، وزاد نفوذهم بعدها بدعم من الحكومات والمنظومات الراغبة في تمثيل اسلام معتدل، ولكن هذه الجماعة تعرضت في الأعوام الأخيرة لخسارة في شعبيتها بعد أن خاضت التجارب وامتحنت في صدقية شعاراتها في الخليج وغيره. وفي ختام دراسته، قال الترابي ان تاريخ العمل الاسلاموي في الخليج يكشف أن مهنة الاسلاميين هي اغتنام الفرص، وتطوير الخطاب امّا للكسب الجماهيري أو السياسي، والآن يغتنمون فرصة نجاح الاحتجاجات العربية، واستمرار صعود نجم النموذج التركي، في محاولة لانقاذ شعبيتهم في الخليج، ومحاولة الظهور بشعارات اصلاحية جديدة، تماشيا مع المرحلة، ويُراوحون بين التلويح بالاحتجاجات وشعارها، أو الدخول في حلفها والتصالح معها لضرب الآخرين.
وبعدها تتطرق الدراسة لوضع الاخوان في البحرين، وكيف أنها بدأت بلقاء عبد الرحمن الجودر بحسن البنا، الا أنّ دعوتهم وُوجهت بالصدام المُبكر مع المجتمع البحريني الذي كان متحَم.ّسا للتيارات الناصرية والقومية، مُدَّ اخوان البحرين بالأنساق الجديدة والخبرات من اخوان الكويت، وازداد وهجهم بعد تراجع التيارات اليسارية والقومية، وانتصار الثورة الخمينية الايرانية، والغزو السوفيتي لأفغانستان (1979)، وسهّل امتلاك الاخوان المسلمين في البحرين أموالاً جيدة، أمر توسيع قاعدتهم الجماهيرية، بالاضافة الى ضعف المنافسين من التيارات السنية الأخرى، وبمضي السّنين تمكنت الجماعة من السيطرة على التعليم، وبعد الانفتاح السياسي في 2001 تم تأسيس ذراع سياسية تحت اسم المنبر الوطني الاسلامي. وتميزت حركة الاخوان المسلمين في البحرين بمرونة حركية عالية، فعرفت كيف تتجنب الانتحار الجماعي في الملمات، وكيف تستثمر ميزاتها أيام الانفراج. ونأت بنفسها عن الصدام مع الدولة وأجهزتها.
تناولت الدراسة الاسلاميين في عمان باقتضاب شديد، مغطية تيارين، أولهما حركة الاخوان المسلمين الحديثة، وتيار حركة الامامة بامتداداتها التاريخية، وكيف ان الانضمام للاخوان لم يقتصر على اتباع مذهب محدد، بل شملت الجميع. والى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«الإخوان» في الخليج (1 – 3)

كتبت قبل ايام مقالا عن «الإخوان المسلمين في الخليج»، وقد وردتني شتائم عدة عليه، ويبدو أنني لمست جرحا حساسا، ولهذا سنعيد الكتابة عن الموضوع، ولكن بالاستعانة ببعض ما ورد في مقال كتبه في سبتمبر 2011 الباحث والكاتب السوداني عمر البشير الترابي، ابن الترابي، الزعيم الإخواني السوداني المعروف، تعليقا على كتاب صدر قبلها بشهر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث عن «الإخوان المسلمين في الخليج».
يقول عمر ان تنظيم الإخوان في الخليج هو أقدم تنظيم إسلامي في المنطقة، وموضوعه محاط بسياج من السّرية، وهذا دعا «مركز المسبار» في دبي، لإصدار كتاب عنهم. والكتاب، الذي قدم له رئيس المركز تركي الدخيل، حاول تفكيك الخطاب الإسلاموي ورصد التجربة وتحولات الخطاب، وعلاقة الإخوان بالجماعات والتيارات الأخرى في الخليج، وموقفهم من الظواهر الثقافية السّياسية كدعوات التنوير وغيرها. كما تناول أنشطتهم في دول مجلس التعاون عدا قطر. ويقول ان جذور التنظيم في السعودية تعود لثلاثينات القرن الماضي، عندما رفض الملك عبدالعزيز طلب حسن البنا فتح فرع لهم في السعودية. ولكنهم مع هذا تمتعوا بنفوذ فكري كبير فيها، ولم يعكرها غير موقف الطرفين المتباين من حرب اليمن في بداية الستينات! ويقول ان هجرة الإخوان من مصر بدأت بعد انقلاب ناصر العسكري عام 1952، وتعرضهم للسجن والمضايقات، ولم تنفرج أحوالهم إلا في عهد السادات، وفي اجتماعهم الموسع عام 1971 تَشَكّلت ملامح التنظيم الإقليمي، الذي ضمّ إخواناً آخرين من البحرين والإمارات والكويت، وعلى الرغم من هذا التوسع الجغرافي في التنظيم، فإنّ الدراسة تشير إلى أن دور الإخوان الخليجيين لم يزد على جباية الأموال(!).
ويسأل الكاتب إن كان الإخوان قد عضوا اليد التي مُدّت لهم، وأنكروا جميل إيواء السعودية لهم، ليجيب نقلاً عن وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز، والذي توفي اخيرا وكان وليا للعهد السعودي، إذ يقول «الإخوان أصل البلاء»، ويشير إلى تنكرهم للمملكة التي آوتهم، كما ظهر التنكر في موقفهم أثناء غزو الكويت واحتلالها.
وفي الجزء المخصص للإمارات تضمن الكتاب شهادة اثنين من أهم قيادات الجماعة في الإمارات وهما د. محمد الركن، ود. محمد المنصوري نائب رئيس جمعية الإصلاح في رأس الخيمة، وورد فيها أنّ بدايات الإخوان في الإمارات كانت في أوائل السبعينات، وبتأثير من إخوان مصر والكويت، حيث طالب طلاب البعثات التعليمية للكويت العائدين بإنشاء مؤسّسة تمثلهم في الإمارات أسوة بجمعية الإصلاح الكويتية. ونجحوا في دبي ورأس الخيمة والفجيرة، ولكنهم لم يتمكنوا من تأسيس فرع في أبوظبي، والشارقة. استقطبوا عبر الجمعيّة الطلاب والناشئة واستهدفوا مؤسسات التعليم، وسيطر أتباعها على الأنشطة الطلابية، وفي 1988 أصبح الإخوان المسلمون هم الصوت الأقوى في مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات. تزامن ذلك مع وجود ذراع إعلامية نشطة هي مجلة «الإصلاح». وقد قامت الجمعية عبر مناشطها بحملة تشويه للنظام التعليمي الحكومي في فترة الوزير أحمد حميد الطاير، وقد اعتمد الإخوان أساليب خطابية عاطفية، يعتبرها القيادي محمد الركن دليلاً على عدم نضج الجماعة حينها. وسرد منصور النقيدان، وهو من وضع الدراسة، الأحداث التي أوصلت الدولة إلى حل مجلس إدارة الجمعية وتقييد مجلتها، وإسناد الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. وعلى الرغم من توتّر علاقة الإخوان مع الدولة فإنهم تمتعوا دائماً بعلاقة خاصة بحاكم رأس الخيمة ـ السابق -الشيخ صقر القاسمي. وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف