احمد الصراف

أحلام بثينة ومركز وعكر

ذهبت بثينة للدراسة في أميركا، ثم عادت للكويت وعاشت فترة، ولكن أجبرها وضعها على العودة لأميركا لإكمال دراستها، وهناك وقعت في الحب وتزوجت واستقرت في وطنها الجديد.
تقول بثينة إنها طالما تساءلت، وحتى وهي صغيرة، لماذا كانت أمها تحرص على عزلها عن اخواتها، ولماذا كان الجميع حولها يود ان يشعرها بأنها، كأنثى، «مشكلة» وعالة وقضية يجب الانتباه إليها، ولم تدرك إلا في مرحلة متأخرة أن إنسانيتها، بنظر حتى الأقربين لها، ناقصة، ولا يمكن أن تتساوى مع غيرها من الذكور، حتى ولو كانت أفضل منهم في كل شيء! وتقول إنها رضيت بنصيبها، أو كادت، وكان من الممكن أن تتخذ الموقف ذاته مع بناتها مستقبلا، لولا التطور الذي طرأ على حياتها. وتقول إن ما لم تتقبله ابدا في محيطها هو ذلك الحرص على ألا نكون سعداء في حياتنا، وأن نكون جادين أكثر من اللازم، فالضحك، خصوصا بصوت عال أمر ممجوج، والقهقهة، وبخاصة إن صدرت من فتاة، فإنها معيبة، ومن تفعل ذلك فهي «بيعارية» أو أنها «ما تستحي»! وانها عندما تقارن الطريقة التي تحتفل بها مختلف المجتمعات بأعيادها، وخصوصا في أميركا، تشعرها بالحزن على ما يلقاه أهلها، وبخاصة الشباب منهم، من شح احتفالي، مقارنة بما تلقاه هناك من اجواء مبهجة طوال العام تقريبا، فالأعياد والمناسبات المفرحة تتوالى طوال السنة من عيد فطر جميل إلى نوروز وكريسماس وهالاويين وعيد الشكر، مرورا بالهانوكاه وغيرها الكثير. وتتساءل عن سبب تأجيلنا للسعادة لما بعد الموت، وهل نحن محقون في ذلك، ولماذا علينا طلب الستر والرحمة عندما نضحك كثيرا في مجلس ما ونأمل في ان ينتهي الأمر على خير؟ فما سبب كل هذا الحذر وهذا الميل للشعور بالتعاسة؟ ولماذا تكون حتى أعياد ميلاد انبيائنا و«ائمتنا» مدعاة للحزن أكثر منها للفرح والبهجة، بحيث لا تختلف طريقة الاحتفال بها عن طريقة إقامة مجالس العزاء بمناسبة ذكرى وفاتهم؟ وتقول إنها عاشت في بيئة سعيدة ومريحة، ولكنها لا تتذكر انها رأت أمها يوما فرحة، بمعنى الفرح الحقيقي، فكل شهر والآخر هناك عزاء ومجلس و«قراية»، وانها لا تتذكر مناسبة واحدة فرحة في حياتها وهي طفلة غير الذهاب لبيت جدها لتستلم، بطريقة مهينة إلى حد، «العيدية النقدية» ممن هم أكبر منها سنا، والذكور بالذات! وتقول انها لم تسمع يوما الموسيقى في بيت أهلها غير ما يصدر مصادفة من التلفزيون، فلا رقص ولا موسيقى ولا اختلاط ولا ضحك! وتنهي رسالتها بالقول إنها وقد بلغت الخمسين الآن، كانت سترضى بكل ذلك لو أنها لمست، بعد كل هذا الحزن والشعور بالتعاسة والغم والهم المستمر الذي يحيط بنا، انه سيؤدي في مرحلة منا لجعلنا بشرا أفضل من غيرنا، ولكنها بعد نصف قرن تقريبا، لم تلاحظ أي تطور أو تحسن في أخلاقياتنا ومثلنا وطريقة معيشتنا، بل بقينا كما نحن، هذا إن لم نتخلف أكثر ونتشدد مذهبيا أكثر ونوغل في عدائنا للآخر أكثر، وما اكثر عدد هذا الآخر، كما لم يكن لهذا الحزن أي فعل إيجابي، فلا اختراعات ولا اكتشافات ولا تميز ولا فوز بأي جائزة، ولا إبداع في أي مجال ولا حتى شجاعة غير عادية، بالرغم من أننا ننادي يوميا بالتضحية وبحب الشهادة، ونردد «لا حول ولا قوة إلا بالله»!
اسئلة بثينة كثيرة ومثيرة وتحتاج الى مجلدات للإجابة عنها.
• • •
• ملاحظة: ورد في موقع وعكر، نداء لمقاطعة شركات ومنتجات «النصارى»! وحدد شركات إعلام واتصال وأغذية في غالبيتها مصرية أو لبنانية! ولم يجرؤ طبعا على المطالبة بمقاطعة شركات الأدوية والسيارات والطائرات والأجهزة الطبية الغربية، لأنه يعرف أن لا أحد سيرد عليه، ولا حتى هو، الأكثر حاجة من غيره الى دواء الأعصاب!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

لجنة التيتي

تشكو الكويت، كغيرها من الدول المتخلفة، من تخمة في القوانين غير العملية، وغير المطبقة اصلا، مع فقر واضح في التشريعات الضرورية، بحيث نكتشف مثلا أن قانون التجارة في دولة تجارية منذ نشأتها يحتاج الى أن يمرر بمرسوم ضرورة، ربما لأن مجالس الأمة المتعاقبة منذ نصف قرن لم تفكر في دراسة هذا القانون وإقراره بطريقة سليمة. وبالتالي لم يكن مستغربا وجود كل هذا الكم الهائل من المخالفات لدينا وفي أي دولة عربية أخرى، إن بسبب نقص القوانين و«تفاهة» العقوبات في الموجود منها، أو بسبب التقصير المرعب في تطبيق القانون، وخير مثال على فساد الجهاز الإداري النتيجة التي انتهت اليها جرائم المتاجرة بالبشر وبيع الإقامات والمتاجرة بالأغذية الفاسدة، كما أن هذا الوضع دليل آخر على عجز أغلب مشرعينا، منذ نصف قرن، في معرفة متطلبات الدولة الحديثة، هذا غير تخلف معظمهم وفسادهم!
وما ان قامت الحكومة قبل بضعة اشهر بالإعلان عن «تجميد» أعمال لجنة إزالة المخالفات، بمناسبة بدء الصيف (!!)، وبعد استقالة رئيسها الشهم الفريق محمد البدر، كتبنا ناعين عملها، من دون طلب الرحمة لها، وقلنا ان الفوضى والتسيب وسرقة أملاك الدولة وإساءة استخدامها ستعود كلها لسابق عهدها، وان آلاف المواطنين «المؤمنين» سيفرحون بقرار تجميد أعمال اللجنة، التي أتعبت الكثير من السراق، الذين لم تمنعهم صلواتهم اليومية من استغلال رصيف لإقامة خيمة ولا من إقامة ديوانية في ساحة للدولة، لاعتقادهم، لا بل ولإيمانهم، بأنهم إنما يأخذون بعضا من مال عام لهم نصيب فيه!
وأتذكر أن الفريق البدر اتصل بي وقتها مطمئنا، وبأن من تولى رئاسة اللجنة رجل فاضل، وان الأمور لم تتغير، فقلت له بأن الأمر لا علاقة له بالرجل بقدر علاقته بنوايا الحكومة، التي ربما سئمت من نشاط اللجنة الزائد، وكان عليها بالتالي أن «تخفف الرمي»، وربما تسمح لبعض المخالفات بالعودة، انسجاما مع الكثير من عاداتنا وتقاليدنا! ومع بدء موسم إقامة المخيمات فقد بدأت بالفعل المخالفات بالظهور، بعد ان أحس المخالفون باختفاء آليات لجنة الإزالة، وبعد أن اطمأنوا إلى أن مخالبها قد أزيلت! وهذه المخالفات إن لم تزل في اسرع وقت فستتحول حتما لديوانيات وبقالات ومساجد مؤقتة، وتكتسب مع الوقت «شرعية وضع اليد»! وأعلمني مصدر قريب من اللجنة أنها في حالة شلل تام، خاصة أن الكثير من معداتها وآلياتها المستأجرة لم يتم تجديدها منذ بداية الصيف الماضي، لعدم وجود ميزانية، علما بأن الدولة امتلكت ميزانية 14 مليون دولار لإنفاقها على أعمال نارية فاشوشية. كما يقال ان عدد موظفي اللجنة قد تقلص للحد الأدنى اللازم للقيام بالأعمال الورقية! ويقال ان من ضمن وسائل شراء رضا المواطنين، بخلاف العطايا والهدايا، غض النظر عن مخالفاتهم!
وهنا نتمنى ألا تدفن منجزات اللجنة، فقد قامت بمجهود كبير تشكر عليه، وألا يأتي وقت نقول فيه: «تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كوريا وفخرو

كتب الطبيب والوزير البحريني السابق علي محمد فخرو مقالا قبل فترة، تساءل فيه عن سبب نجاح كوريا خلال 40 عاما في زيادة معدَّل دخل الفرد فيها من 64 دولاراً ليصبح 20 ألف دولار؟ وكيف تحولت من دولة زراعية متخلّفة الى إحدى الدول الصناعية المتقدمة، وامتلكت شركات صناعية عملاقة تعمل في عصب الحياة العصرية، من تكنولوجيا الإلكترونيات والعلوم الحياتية والمركبات بأنواعها، وحتى أكبر شركات المقاولات. وتساءل كيف استطاعوا، بمساعدات أميركية متواضعة، لم تزد على 60 مليار دولار (دفعت من 1946 وحتى 1978)، بناء أسس نهضة اقتصادية، بحيث إنها تحولت من بلد يستجدي إلى بلد يقدم المساعدات! ويقول إن أسئلته طرحها في ندوة دعي إليها في الإمارات، تعلقت بالتعاون الكوري الخليجي. وقال ان ما لفت نظره أن المتحدثين في الندوة ركزوا جلّ اهتمامهم على الجوانب المظهرية والتجارية للعلاقات الثقافية، من تبادل أخبار وأفلام وصحف وترجمة كتب الطرفين والسياحة، وزيارات الأساتذة والطلبة والباحثين، وكلها لا تمس جوهر الموضوع الثقافي. ويقول ان جوهر الموضوع يظهر جلياً عندما نقابل الأسئلة السابقة الذكر بشأن كوريا الجنوبية، بطرح أسئلة مماثلة عن منطقتنا. فخلال تلك العقود الستة واتتنا فرص تاريخية، عندما وصل الدخل الإجمالي عبر فترة وجيزة إلى عدة تريليونات من الدولارات، وكان باستطاعة تلك الثروة نقل بعض من أقطارنا إلى دول صناعية متقدمة، كما فعلت كوريا الجنوبية، أو على الأقل أن تكون لدينا شركات بترول عملاقة، مع إمكانات علمية وبحثية في حقول الطاقة بالغة التقدم وتضاهي مثيلاتها في العالم. لكن ذلك لم يحدث، بل تراجعت قدراتنا وانتكست آمالنا بشكل مفجع، ورجعنا إلى الاعتماد شبه الكامل على الشركات الأجنبية في استخراج البترول أو الغاز وتصفيته ونقله وتوزيعه وتطوير تكنولوجياته! ويقول فخرو إن كوريا نجحت في بناء نفسها بسبب اختلاف ثقافتها، فلديهم ثقافة أدت إلى بناء نظام تعليمي يعد من بين الأفضل في العالم، والذي بدوره جعل مستوى تعليم الفرد هو أساس المنافسة والفرص في داخل مجتمعهم، وهذا خلق إنساناً مالكاً لسلوكيات العمل الجاد والانتظام واحترام الوقت والالتزام الضميري تجاه الإتقان والجودة في ميادين العمل والنشاطات الإنسانية الأخرى.. إلخ المقال. ما تطرق إليه السيد فخرو سبق أن كتبنا عنه عدة مقالات، وما عجز عن قوله هو ان طريقة معيشتنا وممارستنا لواجباتنا اليومية، وفهمنا لما تعنيه الثقافة ومناخ الاضطهاد الذي تعيشه كل مجتمعاتنا فيما يتعلق بالحريات السياسية والدينية والثقافية، هو السبب الأساسي لتخلفنا، فمن المستحيل تقريبا في الظروف الحالية التخلي عن «عاداتنا وتقاليدنا»، وعلينا بالتالي أن نختار بين الدنيا أو الآخرة، فلا حلّ سحرياً يجمع بينهما.

أحمد الصراف

احمد الصراف

شارعنا وغودو

لاحظت في الفترة الأخيرة زيادة لافتة في عدد السيارات الفارهة في شارعنا، لأن غالبية قاطنيه، او ابناءهم، من موظفي الدولة، وحيث انني لم اسمع بفوز أي منهم بيانصيب فمن الطبيعي الافتراض بأن أوضاعهم المالية تحسنت بصورة مفاجئة وغير متوقعة نتيجة الزيادات الفلكية في الرواتب، وذهبت غالبيتها لاقتناء سيارات غالية الثمن، وهو تصرف غير راشد ونتيجة «غير طبيعية» لزيادات غير منطقية! وقد ذكرني ما لاحظته في شارعنا بقصة «وزير السلطان»، الذي كان يمر يوما بمنطقة زراعية فرأى فلاحا يكدح في أرضه والعرق يتصبب منه، فأوقف موكبه ونزل عن حصانه ليسأله إن كان بحاجة لشيء، فشكره الرجل وقبّل كفيه ووضعهما على رأسه، في إشارة الى قناعته ورضاه بنصيبه! فسأله وزير السلطان عما يجنيه من مال من عمله الشاق، فقال المزارع انه يكسب من الأرض مبلغا صغيرا يصرف ربعه على حاجياته وطلبات زوجته وأولاده الضرورية، ويذهب الربع الثاني لشراء الطعام والشراب، والثالث يصرف للعناية بأخته المريضة، اما الرابع فيدفعه أجرة لصاحب الأرض! أعجب الوزير بقناعة الرجل وحسن تصرفه بما يجني، واهتمامه بأخته المريضة وهو شبه المعدم، فأصدر أمره لحاشيته بشراء الحقل من صاحبه وأن يوهب للمزارع! بعدها بأيام قام المزارع ببيع الأرض، وتطليق زوجته، والسفر إلى تايلند. فهكذا قرارات ينتح عنها هكذا تصرفات!
ما أود قوله ان موجة شراء رضا المواطنين وقبولهم عن طريق زيادات رواتب واسقاط قروض المصارف عنهم، أو فوائدها، وزيادة قروض بنك التسليف المخصصة للزواج أو الترميم وغير ذلك من مشهيات مادية، لن ينتج عنها غير إفساد المواطنين وخراب بيوت ونفوس الكثيرين منهم، ودفعهم أكثر للاتكال على الحكومة، التي طاب لها تشجيعهم على الصرف الاستهلاكي، والإيمان بمقولة «اصرف ما في الجيب وسيأتيك ما في الغيب»! وكان الأجدر بها، وهي التي تحب أن توصف بـ«الرشيدة»، إن كانت فعلا تبتغي زيادة رفاهية المواطن ورفع الغبن عنه، الاهتمام أكثر بما تقدمه من خدمات له، ورفع معاناته في الوزارات والمستشفيات وتحسين مستوى معيشته، وبناء مستشفيات ومستوصفات كافية، وإنشاء مدارس أفضل، واعتماد مناهج دراسية أكثر رقيا، وبناء طرق أكثر أمانا، وتشييد مسارح أكثر فائدة ومكتبات أكثر غنى بما فيها من معارف، وغير ذلك الكثير مما ينقص المواطن ويقلل من مستوى معيشته، والذي كان ينقص ذلك الفلاح ولم يهتم الوزير بتوفيرها له! ولكن هذه المشاريع تحتاج لتخطيط وتفكير وتنفيذ ومراقبة وبرمجة وإشراف مالي وإداري وهندسي، وجميعها أعمال مثيرة لضجر الحكومة ورئيسها، وتأخذ عادة سنوات لتنفيذها، إن نفذت أصلا، والأفضل بالتالي شراء ود المواطن وولاءه بعطايا نقدية ومنح مالية ورواتب مجزية وخصومات فلكية، وكفى الحكومة شر التخطيط والتدقيق والمراقبة، ولنذهب جميعا لتايلند… لأن الأمر لا يبدو أنه سيأتي يوما، كـ«غودو»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

فضائل الإنترنت وفضائحه

أصبح الإنترنت مع الوقت أداة نعمة ونقمة، فهو من جهة وسيلة معرفة وتواصل سريع، ومن جهة أخرى وسيلة فعالة لتخريب سمعة أي شخص، أو إعطاء معلومات تاريخية أو صحية أو تعليمية أو علمية خطأ من خلال وضعها في قالب جذاب ومخادع، بحيث تنطلي على الغالبية! ولهذا قامت جهات تبحث عن المصلحة العامة بإنشاء مواقع إلكترونية يمكن الرجوع إليها للتأكد من أي معلومة صحية أو تاريخية قبل القبول بها! وكمثال على هذا النوع من الرسائل المسيئة والكذب ما انتشر على الإنترنت من أن جد الملك عبدالله، ملك الأردن، توفي عن 96 عاما، ودفن في المقابر الملكية في عمان، ولكنه دفن بمراسم يهودية، وبحضور حاخام إسرائيلي، وأن الملك قطع جولته في الخليج ليشارك في تشييع جده الكولونيل الإنكليزي والتر بيرسي غاردنر، الذي كان له دور في تربيته، خاصة بعد انفصال أمه، أنطوانيت، عن أبيه الملك حسين، بعد رفضها دخول الإسلام، إلى غير ذلك من مبالغات! فقد تبين من البحث أن والتر غاردنر، ولد عام 1914 وتوفي عام 2010، وكان رجلا عصاميا فاضلا، وأنه جاء للدنيا وغادرها مسيحيا، كما أن ابنته أنطوانيت دخلت الإسلام وتسمّت بــ «منى». وكان غاردنر، الذي سبق أن التحق بالجيش البريطاني، وهو في سن الــ14 كنجار، في فترة من حياته، مسؤولا عن توفير المياه للقوات البريطانية المنسحبة من دنكرك، إبان الحرب العالمية الثانية، كما كان له دور عسكري رائع في أكثر من موقع أوروبي وشمال أفريقي، ونال أكثر من وسام شرف، وترك العسكرية عام 1946 ليعمل كمالك عقارات. ولكنه عاد إلى الجيش عام 1952، حيث أرسل إلى ماليزيا ليبقى فترة هناك قبل أن يعود بعدها إلى الشرق الأوسط مع أسرته في بداية خمسينات القرن الماضي، ليساهم بخبرته الطويلة بالمياه في إدارة وحدة الهندسة في الجيش الأردني، وأثناءها التقى الملك حسين بابنته وتزوّجها. وفي عام 1961 عُيّن غاردنر رئيسا لسلطة مياه الأردن، وتمكّن بخبرته من اكتشاف عدة مصادر مياه جوفية، وبناء خطوط مياه لمدن وقرى لم تعرف يوما المياه الجارية.
نعيد ونكرر أن علينا أخذ الحيطة الشديدة في قبول أو رفض ما يرد إلينا على الإنترنت، وكنت شخصيا ضحية لأكثر من خبر خطأ، وناشرا لأكثر من معلومة غير صحيحة، وجميع هذه التجارب السيئة جعلتني أكثر حذرا، وميلا لرفض تصديق غالبية ما يردني. كما علينا التحقق من صحة أي خبر مسيء لجهة وشخص ما، قبل قبوله ونشره.

***
يقول الحكيم الصيني
«ما تصد قوني»: إن رحلة الألف ميل تبدأ عندما تتعطل بك السيارة في طريق صحراوي طويل وغير مطروق.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

رد الشفافية

رداً على مقال وملاحظة سابقة لنا عن جمعية الشفافية، التي كان وسيكون لها دور فعال في مراقبة مدى نزاهة أي انتخابات نيابية، كتب لنا السيد صلاح الغزالي، رئيس الجمعية، مؤكدا أنه لم يتلق أي اتصال من أي عضو في الجمعية، أو من غيرهم، بخصوص فترة مؤتمر الشفافية، الذي عُقد في البرازيل قبل أيام، ولكنه تلقى رسالة «تويتر» عن الموضوع ورد عليها. كما أرفق برسالته عنوان موقعين، قال إنهما تضمنا معلومات عن المؤتمرين، وهنا نود أن نؤكد له عدم اقتناعنا بما ذكر عن وجود مؤتمرين منفصلين، فالموقع الأول خاص بمنظمة الشفافية الدولية، والثاني خاص بالمؤتمر الذي عُقد من 7 إلى 10 نوفمبر الجاري، ولكننا سنتغاضى عن ذلك ونفترض حسن النية! كما أن متابعي أنشطة جمعية الشفافية يطلبون من الجمعية شفافية أكثر فيما يتعلق بحقيقة ما استفادته من المشاركة في مؤتمر البرازيل، فما ورد في موقع الجمعية كلام عام لا يفي بالغرض.
كما تطرق السيد الغزالي في رده لما سبق أن ذكرناه في مقالنا عن احتمال انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وهو الذي يفترض فيه الحيادية التامة من خلال ترؤسه لجمعية الشفافية، نافيا الانتماء، كما أضاف أن من يشاركونه مجلس إدارة الجمعية بعيدون عن فكر الإخوان! وهنا نميل لتصديق نفيه، وبالتالي سنفترض عدم صحة ما أشيع عنه، ونتمنى للجمعية، التي لا تزال لنا مآخذ عليها، التوفيق في مهامها الخطيرة، من غير أن يثنينا ذلك عن متابعة أنشطتها ونقدها، إن لزم الأمر!
وذكرنا في مقالنا نفسه، المتعلق بـ«مطلقي الصفارة»، أن من سرّب أسرار فضيحة «ووترغيت»، التي أطاحت في بداية السبعينات بالرئيس الأميركي نيكسون، وهو الشخص الذي كان يشار له بـ«الحنجرة العميقة Deep Throat»، في ربط طريف مع فيلم جنسي حمل التسمية نفسها، وأثار في حينه ضجة كبيرة، ذكرنا أن شخصيته لم يتم الكشف عنها قط، ولكن الصديق والمثقف أسامة الجمالي لفت نظرنا إلى أن «الحنجرة العميقة» لم يكن غير «مارك فيلت» Mark Felt أحد كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفدرالي! الذي قام عام 2005 بالكشف عن هويته لمجلة «فانيتي فير»، قبل أن يتوفى عام 2008. والجدير بالذكر أن الصحافيين اللذين سرب لهما «فيلت» أسرار الووترغيت رفضا، طوال ثلاثين عاما، كل التهديدات والإغراءات للكشف عن مصدرهما. وقد بينت الحادثة مدى أهمية مطلقي الصفارة، إضافة إلى ما أظهرته من الدور الخطير الذي تلعبه الصحافة في الكشف عن الفضائح والاختلاسات والسرقات الكبرى!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أدونيس.. المفترى عليه

«..يا قارئ خطي لا تبك. على موتي.. فاليوم أنا معك وغداً في التراب.. فان عشت فاني معك وان مت فللذكرى.. ويا ماراً على قبري لا تعجب من أمري بالأمس كنت معك وغداً أنت معي.. أمـــوت ويـبـقـى كـل مـا كـتـبـتـــه ذكــرى فيـا ليت كـل من قـرأ خطـي دعــا لـي..»!
فاز الشاعر السوري، العالمي علي أحمد سعيد اسبر، المعروف بـ «أدونيس» المولود عام 1930 مؤخرا بجائزة «غوته» الألمانية المرموقة والتي تمنح كل 3 سنوات لمن تعكس أعماله روح غوته العظيمة. ووصفه مانحو الجائزة بأنه الشاعر العربي الأهم في العصر الحديث.
لم يعرف أدونيس المدرسة النظامية الى أن بلغ الـ14 من عمره، وحفظ القرآن صغيرا كما حفظ عددا كبيرا من قصائد القدامى. وفي 1944 القى قصيدة من شعره أمام شكري القوتلي، رئيس الجمهورية السورية حينذاك، نالت الاعجاب، وكانت تلك نقطة التحول الأكبر في حياته، حيث أرسلته الدولة الى المدرسة العلمانية الفرنسية في طرطوس، وتخرج بعدها في جامعة دمشق عام 1954 مجازا في الفلسفة، ونال الدكتوراه في الأدب من جامعة القديس يوسف في لبنان، الذي هاجر إليه عام 1956، ولكنه اضطر لتركه والعيش في باريس بعده. وقد أثارت أطروحاته وكتابه «الثابت والمتحول» سجالاً طويلاً، وحصل على جوائز عالمية عدة، قبل جائزة غوته، وكُرّم من كثير من الدول وتُرجمت أعماله الى ثلاث عشرة لغة. يعتبر الكثيرون أدونيس من أكثر الشعراء العرب اثارة للجدل، فمنذ أغاني مهيار الدمشقي، استطاع بلورة منهج جديد في الشعر يعتمد على توظيف اللغة بطريقة مبدعة تختلف عن الاستخدامات التقليدية لها، من دون أن يخرج شعره أبداً عن اللغة العربية الفصحى ومقاييسها النحوية. وأدونيس مرشح منذ فترة لنيل جائزة نوبل للآداب، وهو يعتبر، اضافة الى منجزاته الشعرية ودراساته العميقة، واحداً من أكثر الكتاب العرب اسهاما في المجالات الفكرية والنقدية. وسبق أن قامت الكويت بنشر الكثير من مؤلفاته وتراجمه، ولكن كان ذلك في زمن الحرية والعز والانفتاح، اي في سبعينات القرن الماضي، وهو أخيرا فنان رسم ويجيد الرسم بالكولاج.
وبالرغم من أن الشاعر أدونيس هو من أفضل مفكري العرب، واكثرهم صراحة في القول، وهذه علته، الا أنه لم يلق ما يستحق من تكريم من اي دولة عربية! فهو أبعد ما يكون عن صالونات النخبة وأساليب التملق، كما أن آراءه في الدين والدنيا والحياة واضحة ومستقيمة تخلو من الالتواء، وهذا ما أخاف الكثيرين منه، اضافة الى خوفهم من ثقافته العالية التي تجعله فردا شاذا في مجتمع لا يقرأ، ومن هنا جاء اهمالنا له، وبالتالي افتراؤنا عليه، ولكن عندما يفوز غدا بجائزة نوبل للآداب، وهو أمر مستحق منذ فترة، فاننا سنلتفت إليه حينها، ونتمنى ألا يكون الوقت قد فات، فقد تجاوز هذا الرجل الكبير، علما ومقاما، الثمانين من عمره الجميل والمثمر!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

بلاد العرب والإخوان

تقول الحكمة ان كلبا رأى أسدا نائما فربطه بحبل، ولما أفاق الأسد وجد نفسه غير قادر على الحركة، وأخذ يزأر محتجا، ولكن لم تجرؤ أي من حيوانات الغابة على الاقتراب منه، وتصادف مرور حمار بجانب الأسد، فطلب منه هذا ان يفك قيده، ومقابل ذلك يعطيه نصف الغابة التي يتولى زعامتها! قام الحمار بتقليب الفكرة في رأسه، وبعد تردد وافق على العرض! وما إن وقف الأسد على قوائمه حتى قال للحمار: لن أعطيك نصف الغابة! وهنا قاطعه الحمار باكيا: لماذا يا زعيم؟ فقال الأسد: بل سأعطيك الغابة كلها، فلا خير فيها ان كان كلب يربط زعيمها، وحمار يفك قيده!

***
سبق أن وعدت صديقاً كريماً، وبناء على لطيف طلبه، بأن «أحل عن ظهر» الاخوان، وأريح القارئ من فضائحهم وسوء افعالهم، ولو لفترة قصيرة، ولكن التطورات الأخيرة التي نتج عنها تنصيب محمد مرسي رئيسا، بصلاحيات تعود بمصر لعهود الفراعنة، كانت أقوى من أن اقاوم رغبة الكتابة عنها!
قلة فقط، من جماعتي، شاركتني تمنياتي بوصول الاخوان، ديموقراطيا أو بغير ذلك، لحكم مصر، ومصر بالذات. فالهالة التي أحاط الاخوان المسلمون أنفسهم بها طوال نصف قرن على الأقل، والتي أعمت بصر وبصيرة الكثيرين، بحيث لم يروا حقيقة هذا التنظيم الديني الخطير، تطلبت وقف هذا العمى، ووقف متاجرتهم بـ«وسوف وسنفعل وسنبني وسنشيد»، ومباركة وصولهم للحكم، لكي يكتشف هؤلاء مدى تواضع قدرات الاخوان، واستحالة نجاحهم في حكم أي دولة، ليس فقط لضعف اغلب شخوص التنظيم نفسه، بل للمعطيات والمبادئ غير الواضحة وغير العملية التي طالما نادوا بها طوال عقود، والتي كانت السبب الرئيسي في وصولهم للحكم أساسا! وبالتالي أمامهم أحد طريقين: اما الالتزام بتلك المعطيات و«المبادئ» الدينية، والعمل بموجبها، مع كل ما يعنيه ذلك من تضييق على كل ما مثلته وتمثله مصر من انفتاح وسياحة واهتمام بحقوق الأقليات والمساواة الكاملة مع غيرهم، أو التخلي عن تلك «المعطيات الدينية والمبادئ»، والحكم كأي حزب سياسي براغماتي يهدف للوصول للسلطة! فان سارت على النهج الأول فان افلاس مصر المالي امر محتم، وسلامها الوطني في خطر كبير! وان اختارت النهج الثاني، فانها تكون قد قضت على الأساس الذي اوصلها للحكم!
ما لا يود هؤلاء معرفته ان الشعوب، في زمننا هذا، لا يمكن ان تنهض بغير الحرية والكرامة والمساواة والعدل، وهذه جميعها مفقودة تحت اي حكم أوتوقراطي ديني لا يعرف غير العمل بموجب النص! وهنا لسنا بحاجة للاستشهاد بتجربة ايران وغيرها، فالنصوص التي على أساسها وصل الاخوان إلى الحكم لا تخولهم التلاعب بها من دون ان ينكشفوا، وتكون تلك بداية نهايتهم.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

علاقة التدوين بـ «أبو الزلف»

تعتبر أغنية «هيهات يا أبو الزلف» من أجمل أغاني الزجل اللبناني، أي الشعر الغنائي التراثي الشعبي المنتشر غالبا في جبل لبنان، والذي يحتل مكانة جميلة في وجدان اللبناني، ولا تزال هذه الأغنية تردد من الخاصة والعامة هناك، ومنذ عقود طويلة، في كل مناسبة وفرح، ولم يكن غريبا بالتالي أن يشدو بها مطربون كبار كصباح وفيروز ونجوى كرم ووديع الصافي وحتى نعيمة عاكف. وتقول كلماتها: «هيهات يا بو الزلف عيني يا موليَّ.. لبنان احلى دني، هوا وزهر وميّه.. أوف أوف أوف. لبنان طيب الغفا من عطر نسماته، وبيضل غافي القمر ع كتاف تلاتو، وطاير خيال الوحي ع جناح ارزاتو، حامل حنين الجبل للمجد غنياتو، ولبنان احلى دني، هوا وزهر وميّه»!
وكنت دائما أعتقد أن أبو الزلف يقصد به الشاب صاحب السوالف الطويلة، وفي اللهجة الكويتية نطلق كلمة «زلوف» على السوالف. ولكن يقال ان الكلمة مشتقة من «الذلف»، أي «الأنف الصغير ذو الأرنبة المستوية!»، والذلفاء هي الحسناء الغانية بجمالها، وأبو الذلف بالتالي هو الشاب الوسيم. ويقال ان هذه الأغنية سمعت للمرة الأولى من جواري البرامكة وهن يغنينها على قبور أحبابهن الذين نكب بهم هارون الرشيد، الذي أزيل اسمه من أحد شوارع الكويت أخيراً. وأن «دنانير»، وهي أوفى جواري البرامكة، بقيت على وفائها لمولاها يحيى البرمكي، على الرغم من انها «آلت» للخليفة، وانها كانت تشدو باللحن، وإن بكلمات مختلفة. وربما يكون صحيحا أيضا إن اصل التسمية، كما ورد في مرجع آخر، يعود إلى «السالف»، وهو الجزء من اللحية المقارب للأذن والذي يترك ليطول، وهذا ما كان يتميز به مسيحيو ويهود الدول الإسلامية، الذين ربما كانوا يجبرون على إطالة سوالفهم للتعرف إليهم! وكانت حياة هؤلاء أكثر انفتاحاً، واكثر حبا للطرب، وان التأوهات الكثيرة التي تحتويها الأغنية كانت تعكس معاناتهم من الطريقة التي كانوا يعاملون بها من قبل المسلمين. ولكن يبدو، كما هي الحال في «كل» تاريخنا، ان لا شيء يمكن الجزم به أو المراهنة على صحته، فقد تعدد الرواة واختلفت الروايات على أكثر الأمور أهمية و«تفاهة»، وليس هناك من يستطيع الجزم بأي أمر أو قصة أو حادثة تاريخية! ولو نظرنا لأخطر قرار يتخذه الشخص العادي في حياته وهو الزواج لوجدنا أنه كان يتم في جميع الأحوال مشافهة، من دون توثيق او حفظ لدى اي جهة، وكان بالتالي عامل العلانية ضروريا في الزواج ليعرف به الجميع. كما أن ندرة الورق وصعوبة حفظ المواثيق والمستندات وظروف المعيشة لم تسمح بحفظ مثل هذه العقود، أو تخصيص مكان لها، بعكس ما كان، ولا تزال الحال عليه بالنسبة للمسيحيين وغيرهم الكثير الذين تحفظ عقود زواجهم في دور العبادة الخاصة بهم منذ مئات السنين، بحيث يمكن الرجوع لها ومعرفة من تزوج بمن، أما المسلمون فمن المستحيل على غالبيتهم تقريبا العودة لبضعة أجيال لمعرفة من تزوج بمن. كما أن الشفاهة، وندرة المواد، هما اللتان كانتا السبب وراء إبداع عرب الجزيرة في الشعر وليس في أي مجال إبداعي آخر، لأنه لا يحتاج الى مطرقة نحت ولا الى قلم للكتابة ولا الى ريشة رسم، بل الى ذاكرة قوية يستطيع صاحبها الانتقال بها من واد لآخر ومن بلد لغيره من دون أن ينسى منه شيئا. وهنا نقول «هيهات يا بو الزلف» أن يتعدل بنا الحال إن كنا لا نكتب ولا ندون، وإن فعلنا فلا أحد، تقريبا، يهتم بالقراءة!
***
• ملاحظة: بسبب الظروف السياسية، وبعد حملة الشطب الأخيرة، فقد قررنا الغياب عن الوطن لفترة، قد تطول قليلاً.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أين جولياني الكويت؟

ربما يتفق الكثيرون معي بأن صلاح الأمة، والقضاء على الأزمة، لا يتطلبان غير تطبيق القانون على «الجميع»، وقبله التمسك بمواد الدستور وتفعيلها، ولكن المشكلة تكمن في طريقة تطبيق القانون، وهنا يبدأ الاختلاف! وليس أمامنا بالتالي غير الاستفادة من تجارب الآخرين، فلا داعي لاعادة اختراع العجلة!
كانت مدينة نيويورك، التي عرفتها في السبعينات مكانا موحشا، والسير في شوارعها خطرا، والاجرام فيها منتشرا، وبقيت حالها في تدهور مستمر الى أن انتخب المحامي اللامع جولياني Rudy Giuliani عمدة لها عام 1994 فتغيرت حالها تماما، وأصبحت نيويورك، خلال سنوات قليلة، واحدة من أكثر مدن العالم الكبرى أمانا! كانت خطة جولياني بسيطة جدا، حيث تبين له أن من المستحيل على اي قوة شرطة القضاء على مجرمي المدينة الكبار، وأن هؤلاء كانوا يوما من مرتكبي المخالفات والجرائم الصغيرة، وأصبحوا مع الوقت، واستمرار السكوت عنهم، مجرمي المستقبل، وأن عليه بالتالي تركيز جهوده على محاربة مقترفي المخالفات الصغيرة والجرائم الهامشية، صعودا الى الجرائم الأكبر فالأكبر، وهكذا! وبدأ حملته بتنظيف جدران مدينته وقطاراتها من الرسوم والكتابات المشوهة، وفرض غرامات عالية على من يقبض عليه وهو يتلف أملاك الدولة، او يخالف قوانين المرور، حتى البسيطة منها، وأجرى حملة تنظيف لشوارع وطرقات المدينة وفرض الأمن في الحواري والطرق المنزوية، ورفض كل طلبات العفو عن المجرمين الصغار، الذين خصص للكثيرين منهم برامج اعادة تأهيل، وتحولت مدينته بالتدريج لمكان يستحق العيش فيه، واصبحت حتى أكثر أحيائها السابقة رعبا، كهارلم، مقصدا لمرتادي المسارح والمطاعم الفخمة والنوادي الليلية!
ما نحتاج له في الكويت ليس فقط تنفيذ أحكام الاعدام التي صدرت بحق القتلة ومهربي المخدرات، بل وقبلها بكثير معاقبة مرتكبي المخالفات الصغيرة! فلو قامت الحكومة مثلا بتوقيع العقاب العادل بحق أكثر من مائة ألف موظف تغيبوا قبل بدء عطلة العيد عن أعمالهم، وهم الذين انفسهم يتكرر غيابهم مرة بعد أخرى دون عقاب، والذين يتزايد عددهم عاما بعد عام، لوجدنا أن الغياب سينخفض كثيرا في القادم من السنين، بعد ان عرفوا أن هناك خصم راتب ولفت نظر وغير ذلك، فمع الأسف الشديد هؤلاء لا يتعلمون بغير هذه الطريقة! ولو قامت «الداخلية» بتحرير غرامات بحق عشرات آلاف المخالفين بمركباتهم يوميا، لحققت ليس فقط ثروة من الغرامات، بل ودفعت الكثيرين الى الانتباه لأفعالهم، وسينعكس هذا ايجابا على بقية تصرفاتهم. والآن هل نتوقع تحركا ولو بسيطا لاصلاح أوضاع الدولة وتردي الأخلاق فيها؟

***
ملاحظة: اخبرني قارئ بانه اتصل بعضو في وفد جمعية الشفافية الزائر للبرازيل لحضور مؤتمر الشفافية عن سبب بقائهم في البرازيل لاسبوع، بالرغم من ان اعمال المؤتمر 3 ايام فقط؟ رد العضو بأن هناك اجتماعات وانتخابات قبل المؤتمر! ولكن من موقع المؤتمر على الانترنت تبيّن عدم وجود اي انشطة خارج فترة الـ 3 ايام، وكان الاجدر بجمعية تهتم بالشفافية ان تكون اكثر وضوحاً، كما طلب منها، من منطلق الشفافية، نشر ما استفادت من مشاركتها، ولكنه لم يتلق من العضو رداً، وهذا يخالف ما تدعيه من شفافية!

أحمد الصراف
[email protected]