احمد الصراف

إني أعرفُ امرأة

تساءلت في مقال سابق عن سبب فقر مجتمعاتنا لمتطوعات ورائدات أعمال خير عالمية، كما كانت الحال مع «الأم تريزا»، وبالرغم من تعدد الأجوبة فإنها لم تشف غليلي! فالعمل التطوعي الذي يأخذ الإنسان بعيداً وعالياً أمر غريب على مجتمعاتنا، رجالاً ونساء، وهو أصعب مع المرأة بسبب الطريقة التي تربى بها، هذا غير معتقداتنا وتقاليدنا التي تضعها في درجة ادنى دفعت بها للتفرغ لخدمة الرجل، كحاضنة وجسد، وكأن نساء الأرض جميعاً لم يوجدن إلا لهذه الأعمال! والى ان يبزغ فجر جديد، ستبقى المرأة في مجتمعاتنا تحت وصاية الأب، الزوج والأخ، وحتى الخال والعم! ولو سألنا القلة التي تقوم بأعمال تطوعية في مجتمعاتنا لعرفنا منهن مدى ما يواجهنه من صعوبات ونقد وسخرية وهجوم وحتى تلفيق تهم.
سيمين بهبهاني، اديبة وشاعرة ايرانية، ومن القلة الواعية والمثقفة في وطن ظلم المرأة في كل عهوده، والتي رشحت لنيل نوبل مرتين، وهي ابنة الأديب عباس خليلي الذي كتب شعراً بالعربية والفارسية، وترجم ملحمة الشاهنامة للفردوسي المكونة من 1100 بيت للعربية، وعندما حاولت سيمين قبل بضعة أشهر الخروج من ايران، منعتها السلطات وحققت معها ليوم كامل، وهي التي تجاوزت الثمانين بسنوات وبالكاد تبصر شيئا! تقول سيمين في قصيدة لها ترجمتها ناهد روحاني: إني أعرف امرأة.. يملأها شغف الطيران.. لكن من فرط الهيجان.. يملكها هلع الترحال. إني أعرف امرأة.. في زاوية من منزلها.. من داخل مطبخها.. ما بين الطهي وجلي الصحون.. تنشد أغنية للحب.. حائرة نظرتها وبسيطة.. وغناها تعب وحزين.. ولها أمل في عمق الغد. إني أعرف امرأة تقول: إني نادمة.. ل.مَ علقتُ به قلبي؟ ابدا ليس جديراً بالحب.. واخرى تتمتم مضطربة.. أين المهرب من هذا البيت؟.. وتعود تتساءل: ترى.. مَن م.ن بعد غيابي.. سيمشط شعر ضناي؟ وامرأة حبلى بألم.. امرأة تبكي وتقول: نضب اللبن في صدري.. وامرأة بأوتار الوحدة.. تنسج فستاناً من تور.. وامرأة في زاوية الظلمة.. تعبد وتؤدي صلاة النور.. امرأة اعتادت الأغلال.. امرأة استأنست السجن.. وحصتها ليست إلا.. سحنة سجان عابس.. يرمقها بجفاء وفتور. اني اعرف امرأة.. يقتلها ادنى احتقار.. لكن تشدو وتقول.. تلك هي لعبة الأقدار.. امرأة تداري الفقر.. امرأة تهجع باكية.. امرأة تتحسر حيرى.. ما ذنبي؟ هي لا تعلم.. وامرأة تخفي عن الأعين.. دوالي رجليها.. والألم الكامن في جنبيها.. حتى لا يقول لها أحد.. ما أتعسك ما أتعسك! إني أعرف امرأة.. قصائدها حبلى بالحزن.. لكن تضحك وتقول.. الدنيا تلف وتدور. اني اعرف امرأة.. تهدهد صغارها ليلاً.. تقص، تغني لهم شعرا.. على رغم الاسى المدفون.. بداخل صدرها المحزون.. وامرأة تخشى أن ترحل.. أو ليست شمعة هذي الدار.. فأي ظلام سوف يسود.. إذا برحت هي باب الدار؟ وامرأة تجلس بأسى.. تداري شح سفرتها.. تقول لطفلتها، خجلى.. ألا نامي، أجل نامي، اني اعرف امرأة.. عليها بزة صفراء.. وتبكي حظها العاثر صباح مساء.. هي المسكينة لا تنجب.. ومن للزوجة العاقر؟ إني اعرف امرأة.. فقدت حتى رمق الترحال.. ينادي قلبها البائس.. ويصرخ تحت رجليها كفاك.. كفى إني أعرف امرأة صارعت شيطان النفس بداخلها، آلاف المرات، ولما انتصرت في الآخر أخذت تضحك ساخرة لفضيحة ثلة الفساق، امرأة تغني طربا، امرأة تلتزم الصمت، امرأة تمكث في الشارع، حتى في ظلام الليل، امرأة تكدح كرجل، على يدها بثور ألم، نسيت أنها امرأة، تحمل جنينا في الأحشاء، لشدة ما تداهمها، فلول الحزن والآلام، امرأة في فراش الموت، امرأة تكاد تموت، ومن عنها ترى، يسأل؟ لا أدري.. لا أدري، على فرشة صغيرة ذات مساء، تموت امرأة بهدوء، وامرأة تثأر لنفسها من رجل فاجر.. إني أعرف امرأة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

شخصية بحرية ودار أوبرا

اختارت جهة لا أعرفها، مدير عام مؤسسة الموانئ الكويتية، الشخصية البحرية المؤثرة في العالم، ونال على ذلك جائزة (!). لا أعلم مدى تأثيره على البحر والبحرية في العالم، ولماذا تم اختياره بالذات لنيل هذه الجائزة، فقد يكون فعلا من مستحقيها، ولكني اعلم أن موانئ الكويت، التي سبق ان كتبت عنها الكثير، لا تزال على تخلفها وتعاستها، وقد ساءت فيها الأحوال كثيرا، وأصبح التأخير لأيام هو السمة السائدة، ولا يمكن التعذر بمشروع جسر جابر، فالموانئ تعرف بالمشروع منذ فترة طويلة، ولم تتصرف بحكمة لحل مشكلة كبيرة ستتفاقم كثيرا في الأيام المقبلة! والطريف أن الصحف امتلأت في الأيام الأخيرة بإعلانات كبيرة تقدم التهنئة على هذا الفوز المبين بالجائزة، التي ربما تزامنت مع بداية قيام رئيس الحكومة المكلف باستشاراته لتأليف حكومته الجديدة. وإذا كان مسؤول موانئنا قد أصبح الشخصية البحرية العالمية المؤثرة، فماذا تركنا إذا من جوائز لرؤساء موانئ دبي وسان فرانسيسكو؟ وبما أن هناك جائزة لـ«الشخصية البحرية المؤثرة في العالم» فلابد أن تكون هناك «الشخصية الجوية المؤثرة في العالم»، وكذلك «الشخصية البرية المؤثرة في العالم»! ونتمنى أن تفيدنا جهة ما بمن فاز بجائزتي البرية والجوية، وأن يفيدنا ما يعنيه الفوز بجائزة «الشخصية البحرية المؤثرة»، ومؤثرة بماذا، وعلى ماذا، ونحن بكل هذا السوء؟
***
تقدم ديوان مجلس الوزراء قبل أكثر من عام، وبدعم قوي من رئيس الوزراء، في حينه، الشيخ ناصر المحمد، بطلب تخصيص مساحة 70 ألف متر لإقامة دار للأوبرا في منطقة ساحة العلم! وقد ابدينا في حينه شكوكنا من أن يحدث ذلك، أو كما يقال بالانكليزية: Too Good to Be True، وتحقق ما توقعناه، حيث قام المجلس البلدي، وبمبادرة مباركة من العضو مانع العجمي، ومن واسع خبرته في احتياجات دور الأوبرا، بإقناع زملائه، أعضاء المجلس، بأن مساحة 70 ألفا المطلوبة، حسب التصاميم الأولية، كبيرة، وأن خبراتهم تقول ان كل «احتياجات الأوبرا»، يمكن تلبيتها بـ 50 ألفاً! (ليش 50 ألفاً وليس 23 ألفا مثلا؟ لا أدري؟)، وبسبب اعتراض وزير البلدية على التخفيض وإصرار الأعضاء عليه، تم تجميد الموضوع واعتبار الطلب كأنه لم يكن، ولن ينظر في اي طلب مماثل للمعاملة نفسها، حسب أنظمة المجلس، إلا بعد سنة كاملة من تاريخ تقديمه لأول مرة! فيا سمو رئيس مجلس الوزراء يرجى التدخل في الأمر ووضع حد لذلك، فمن أوقف المعاملة لا يريد لها اصلا أن تمر، وليس في الأمر حرص على عدم التفريط في المال العام، فالمجلس البلدي هو الذي وافق على التفريط بأراض عدة، ومنها موقع مبنى اللجنة الأولمبية الذي أقيم على أغلى شارع في أغلى منطقة، والذي تحول بقدرة «تواقيع بلدية شريفة» لفندق ومول، إضافة لمقر اللجنة الأولمبية، دون أن يعترض عضو على هذه المخالفة الشديدة الشراسة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

التخلف المدني

يقال إن مسلمي مصر ظلوا لفترة طويلة يرفضون استخدام صنبور الماء للاغتسال، باعتباره بدعة شيطانية كافرة لم يرد لها ذكر في الكتب الدينية، حتى أفتى بعض أهل المذهب الحنفي بحلالية استخدام الصنبور، فأطلق عليه من يومها اسم «الحنفية» نسبة إلى المذهب الحنفي الذي سمح باستخدامه. وكانت الدراجة في منطقة نجد مكروهة، خصوصاً في معاقل الوهابية، وكانت تسمى بـ «حصان إبليس»، إلى أن أفتى عاقل بجواز استخدامها! وفي بداية تأسيس البنك الوطني، قبل 60 عاماً، نصح بعض رجال الدين نوعية معينة من التجار بالتعامل مع البنك الجديد والاستمرار في وضع أموالهم كودائع لدى البنك البريطاني، لأن أخذ الفوائد منه، كبنك «كافر»، حلال ويجوز «الإضرار به» بأخذ الفوائد منه. أما أخذ فوائد الودائع، فلا يجوز أخذها من البنك المسلم(!!).
والغريب أنه كلما اعتقدنا أننا تغيرنا أو تطورت أحوالنا للأحسن وابتعدنا عن سيطرة البعض على عقولنا يأتي خبر ليثبت أننا لا نزال نعيش في وقت غير وقتنا. فقد قامت إدارة التوعية في بلدية الكويت، ومن منطلق حرصها على توعية المصلين، وإيصال الرسالة التوعوية لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع، بالطلب من وزارة الأوقاف قيام أئمة المساجد بحث المصلين على النظافة. وقال مسؤول البلدية إن اللجنة التابعة لقطاع المساجد، ومن مبدأ التعاون، قامت بإعداد خطبة ليوم واحد بعنوان «الطهور شطر الإيمان» لكي يلقيها الأئمة، وليساهموا في القضاء على الكثير من السلبيات! وهذا جيد في ناحية، وخطر في نواح أخرى، فبهذا الطلب نلغي حكم المنطق من حياتنا، ونربط كل فعل بالدين، فالزبالة والقمامة ليستا شراً ومرضاً طالما لم يطالب رجل الدين بإزالتها، والوقوف الخطأ أمام المسجد غير مخالف طالما أن رجل الدين لم يحرّمه، وهكذا. فكل ما لم يأت به حكم من إمام مسجد أو رجل دين غير جدير بالاهتمام والاتباع. وفي هذا السياق، قرأت قبل فترة أن أهالي مدينة سعودية شبه نائية، قاموا، بعد أن ازدادت نسبة الوفيات في مدينتهم نتيجة حوادث الطرق، بالطلب من إمامهم إصدار فتوى تحرم تجاوز إشارة المرور الحمراء! وهذا يعني إلغاء العقل تماماً طواعية وعدم استخدامه حتى في البديهي من الأمور، أو كما نقول «حطها برأس عالم واطلع منها سالم»، وكان لهم ما أرادوا وانخفضت الحوادث، ولكن الورطة عندما لا يوجد «عالم» لسؤاله، فلا نعرف ما علينا القيام به، أو عندما يكون هذا «العالم» غير عالم بشيء أصلاً!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كلام الأسدي المؤلم

يقول خلدون الأسدي، الذي ينتمي الى قبيلة شيعية عراقية معروفة تقطن في جنوب العراق، ومن سكان الناصرية، انه وعلى مدى 80 عاماً من حكم السياسيين السنة في العراق، وكان خلالها موظفا لاكثر من عشرين عاما، لم يشاهد في أي دائرة حكومية او نقابة او اتحاد او جمعية او منظمة صورة او علما او لافتة لرجل دين سني او رئيس جماعة سنية او جهة دينية سنية او شعائر دينية سنية! ولكنه من جانب آخر، وخلال 5 سنوات من حكم الشيعة، رأى اللافتات والصور والاعلام لرجال دين ومراجع دينية ورموز طائفية وطقوس وشعائر طائفية شيعية تملأ الدوائر الحكومية والمؤسسات والمنظمات والاتحادات والاحزاب! ووصل الأمر لدرجة أن يترأس بعض الوزراء الشعائر الطائفية في وزاراتهم ومن ضمنها طبخ وقرايات بشكل منفر للشيعة المتعلمين فكيف بغيرهم. والأسوأ ارغام موظفين من مختلف الشرائح على حضور المناسبات، ومن يتغيب يعتبر ضد النظام ويوصف بالناصبي أو الوهابي او البعثي. كما تطرق الى مشكلة وجود ضباط امن من احزاب السلطة الشيعية من الذين لديهم صلاحيات واسعة. كما قام افراد جيش المهدي، خلال سطوتهم وأثناء المناسبات الدينية، التي اصبحت لا تعد ولا تحصى، بتبليغ الناس بوضع الاعلام الطائفية ورفع الصور والشعارات خلال هذه المناسبات. ويبدو ان بعض الناس في الاحزاب الطائفية متخصصون في البحث عن المناسبات الدينية التي لم نكن نعرفها ولم يسجلها المؤرخون، مثل استشهاد الرسول، على اساس انه توفي مسموما! وهؤلاء لا يعرفون ان مقام النبوة اعلى من مقام الشهادة، ولكن بسبب ولعهم التأريخي الماسوشي بالتغني بالشهادة التي بدأوا يطلقونها على كل من هب ودب ويكتشفونها من سنة الى سنة ليزيدوا المناسبات الدينية التي يستخدمونها لتحويل الناس عن مصالحهم وأعمالهم وما يفيدهم، وكأن الهدف في الحياة هو البكاء واحياء المناسبات الدينية التي حولت حياة الناس العاديين من الواعين الى مأساة، خصوصا أنهم يعلمون بالبرنامج المخابراتي والسياسي من وراء ذلك، والذي يقصد منه ابقاء هؤلاء على تخلفهم وجهلهم، ودفعهم عدة مرات كل شهر الى زيارة المقامات الدينية والمدن المقدسة في زيارات مليونية ليتفاخروا بعدد الزوار ضد الخصوم السياسيين، مما يدل على أن الهدف سياسي بحت من وراء إقامة هذه المناسبات. وقال ان عدد الاذاعات والفضائيات التي أصبحت تسرح وتمرح وتقدم مختصين بتفسير الاحلام وطب الاعشاب وطب الائمة والطب النبوي والحجامة وتجبير الكسور والاحوال الشخصية والاحوال السياسية وحتى الرياضية، وأن الأمر اصبح كبيرا وخطرا جدا، وأظهرت مقدميها من رجال الدين وكأنهم يعلمون كل شيء!…وإلى آخر المقال.
ولكن المؤسف أن ما ذكره د.الأسدي اصبح ظاهرة في غالبية المجتمعات الشيعية، فالمظاهر الدينية التي أصبحنا نراها في السنتين الأخيرتين في الكويت، على الأقل، لم نكن نعرفها أو نراها بمثل هذه الصورة والكثافة، ولا يعني ذلك ان الشيعة أصبحوا الآن اكثر فهما لعقيدتهم من قبل، بل من الواضح أن المستفيدين من الوضع أصبحوا اكثر واشد استغلالا. ونتمنى ألا تدفع «المخرجات الانتخابية» الأخيرة إلى أن نصبح في وضع يشبه، ولو قليلاً، ما يحصل في العراق، فلسنا بحاجة الى مزيد من التشدد، ولا الى مزيد من المظاهر الطائفية، فالكويت وطن الجميع والأرض تسعنا كلنا، ولكنها ستضيق إن حاولت فئة التطرف أكثر من غيرها، أو التهجم على معتقد الآخر واستفزازه، ولا ننسى ان الدنيا «قلابة»، ولا شيء يبقى على حاله، ومن يصر على موقفه لن يحصد غير النفور والكراهية وبعدها الحرب التي ستحرقنا جميعاً.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

كارلوس غصن وعسكري المرور

يعتبر اليابانيون الشعب الأكثر اعتزازا بقوميته ويؤمنون بأنهم الأفضل وأن الطريقة التي يتبعونها في عملهم هي الأحسن، ولكن لم يمنعهم كل هذا، وما نجحوا في تحقيقه من إنجازات إدارية وصناعية، من الاستعانة بمهندس لبناني لانتشال واحدة من اكبر شركاتهم من الانهيار بعد ان بلغت ديونها عام 1999 أكثر من 22 مليار دولار، وكان كارلوس غصن، المولود في البرازيل، والذي انتقل منها الى لبنان مع أمه وهو في السادسة، والذي تخرج بعدها مهندسا من (Ecole Polytechnique) في فرنسا، هو المنقذ! فما حققه غصن وبلغه كان ولا يزال غير مسبوق، فبعد بداياته في فرنسا، والتي انتقل منها الى البرازيل اصبح في 1999مدير عمليات شركة نيسان، وليتولى بعدها بسنة رئاستها، ونجح في السنة الأولى في رفع أرباحها إلى 2.7 مليار دولار، بعد خسارة أكثر من 6 مليارات في السنة السابقة لها، وكان له فضل إنقاذها من افلاس محقق! نجاحه الهائل دفع شركة رينو، المنتج الأكبر للسيارات في أوروبا، في عام 2005 لتعيينه رئيسا لها، مع احتفاظه بمنصب الرئيس في «نيسان»، والشركتان متنافستان ولكن يجمعهما تعاون استراتيجي. والسؤال كيف قبل اليابانيون، بكل عنجهيتهم وصلفهم، برجل لبناني ليقود واحدة من أكبر واقدم مؤسساتهم (1933)، والتي يعمل فيها 155ألف موظف، وتبلغ قيمتها السوقية 3000 تريليون ين؟ الجواب يكمن في برغماتيتهم وواقعيتهم!
ولو نظرنا لوضع المرور لدينا لوجدنا أن جميع وزراء الداخلية، ومنذ نصف قرن، كانوا يصرون على تعيين عسكري تدرب طوال حياته إما على مقاومة الشغب أو حفظ الأمن وملاحقة المطلوبين وتأمين الحدود، وغير ذلك، على إدارة وظيفة عالية التقنية كالمرور، والتي لا علاقة لها بتنظيم السير بل بانسيابيته وتخفيف حوادثه، وتصميم مساراته، وكل هذه مهام علمية فنية بحتة وليست عسكرية، وبالتالي ليس من المعيب ان نعترف بفشلنا المخيف في هذا المرفق وأن نستعين بخبرة اجنبية لحل المشكلة التي تتفاقم كل يوم، فقد اصبح المرور كابوسا يوميا للكثيرين، ولن يحله أي عسكري ولو كان بدرجة مارشال، وحيث اننا لسنا أفضل من اليابانيين ولا حتما أذكى وأكثر خبرة من الغربيين، الذين يستعين بعضهم بخبرات بعض من دون أي حساسية، فما الذي يمنعنا من ان نجلب خبير مرور عالمياً، وهم متوافرون بكثرة، لينظر في المشكلة ويضع الحلول لها، فقد آن الأوان لأن نعترف بعجزنا وقلة حيلتنا، كما أن المشكلة في تفاقم مستمر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لماذا لديهم أم تريزا؟

كان لمقال «مَن القديس ومَن المجرم؟» حظ كبير من التعليقات، وحتى «الشتائم». وقد نبهني قارئ لخطأ في المقال تعلق بوطن الأم تريزا، وانها ألبانية، وليست برتغالية، كما ورد في مقالي! دفعني هذا للبحث أكثر في موضوع جمهورية ألبانيا، التي كانت لقرون، الدولة المسلمة الوحيدة في أوروبا، قبل ان يميل أتاتورك بدولته الفتية نحو أوروبا ولتتبعها البوسنة، بغالبيتها المسلمة وتصبح الدولة الثانية في أوروبا، بعد استقلالها، ولتلحق بهما كوسوفو التي لا تزال تصارع لتثبت وجودها. كانت ألبانيا طوال تاريخها دولة هامشية، ولم يشتهر من شعبها أحد تقريبا، واسمها الرسمي، بلغتها، «شغيبريسي Shqipërise»، ولا أعرف لماذا اشتهرت بــ «ألبانيا»! ويبلغ عدد سكانها 3 ملايين، وهي دولة طاردة، بسبب فقرها، فقد امتد شعبها ليغطي كوسوفو والجبل الأسود والبوسنة وغيرها، وبقيت الدولة تحت الحكم العثماني خمسة قرون قبل أن يسيطر الصرب واليونانيون عليها! ومع الحرب العالمية الثانية احتلها موسوليني، وعين الملك حمد زوغو حاكما عليها. وبعد الحرب سيطر الشيوعيون على ألبانيا ليصبح أنور خوجه Hoxha Enver زعيما لها لأربعين عاما، حول خلالها ولاءه من روسيا إلى الصين! وعندما توفي عام 1985 انفتحت ألبانيا على العالم، وإن ببطء، وانتخب فيها أول رئيس غير شيوعي.
ولدت آغنيس غونكزا بوجاكسيو عام 1910 في عائلة يوغسلافية تعود بأصولها للأقلية المسيحية في ألبانيا، وكانت تعمل فلاحة في بداية حياتها، قبل أن تتعلم في مدارس الرهبان اليسوعيين في بلدها يوغسلافيا، وترسل في أواخر عشرينات القرن الماضي إلى ايرلندا لتلقي التأهيل الديني، ومن بعدها للبنغال، ولتصبح بعدها راهبة وتتسمى بـ «الأخت تريزا». ركزت الأم تريزا، وهو اسمها بعد أن نذرت نفسها للرهبنة، جهودها على المعدمين والأطفال المهملين والعجزة والمصابين بالجذام، ودفعتها اهتماماتها للسفر للهند والبقاء فيها والانطلاق منها لغيرها لمساعدة المنكوبين والمحتاجين، وكسبت جهودها الخيرة طوال نصف قرن احترام كل الدول وقادة العالم، ومنحت أعلى الأوسمة والجوائز وأرفع الألقاب، ونالت تقديرا لم تنله امرأة في التاريخ. وبالرغم من إيمانها المسيحي الذي ظهر في الكثير من أقوالها الشهيرة، فإن يومياتها كشفت جانبا مخفيا من شخصيتها الشكاكة والقلقة وأزمة إيمان حادة، إلا أن ذلك لم يمنع الفاتيكان من تطويبها كقديسة، مبررة ذلك بأن جوانب الروح المظلمة شأن معروف لدى الكثير من القديسين.
والآن لماذا لا توجد في مجتمعاتنا رائدات أعمال خير عالمية تشبه «أم تريزا»، ولو من طرف بعيد؟ الجواب واضح ومعروف ونتركه لمقال مقبل، إن رأى النور.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

أرجوكم.. فشلونا

لم أشارك، طوعا وعمدا، في الانتخابات الأخيرة، أملا في إبلاغ من يعنيه الأمر رسالة احتجاج «صامتة» بأن الأمور بلغت درجة خطرة، وان الإصلاح الشامل اصبح مستحقا، وان السكوت عما يجري من خراب خيانة، وجاء مؤشر «منظمة الشفافية الدولية» ليؤكد صحة موقفنا بعد أن أصبحنا في «الدرك» 66 عالميا لعام 2012، في تراجع مستمر عما كنا عليه! علما بأن منطلقاتنا في المعارضة تختلف عن مواقف ومنطلقات غالبية قوى المعارضة الأخرى! فنحن نعارض وسنستمر في المعارضة طالما أن هناك خرابا إداريا وفسادا ماليا! نعارض لأن من المخجل جدا، إلى درجة البكاء، أن يكون هذا الوطن الجميل والصغير والسهل الإدارة، في هذا الدرك الأسفل من انعدام الشفافية والفوضى والتسيب! قد نجد للهند عذرا ولمصر سببا وللعراق مخرجا، ولكن ما هو عذرنا في كل هذا الخراب الذي يحيط بنا، وكيف يمكن أن نبرر سكوتنا عن كل ذلك التورم الذي اصاب حسابات بعض «المشرعين» المصرفية، وكيف يمكن أن نفهم عجز دولة تمتلك أكثر من 300 مليار دولار في الخارج عن بناء مستشفى واحد جديد على مدى أكثر من ربع قرن؟!
لا نطالب طبعا بتغيير النظام، فغبي وفاسد من يطالب بذلك، بل نطالب بتغيير آلياته وأسلوبه، فقد تغير الزمن واستحق التغيير، فالحكومات يجب أن تكون منسجمة مع تطلعات شعبها في الحرية والكرامة والإنسانية، وما يحدث الآن، والذي كان نتيجة مباشرة لعقود ثلاثة من الظلام الفكري والتعسف الأدبي، لا تلام عليه إلا السلطة، التي أتاحت لها ظروف معينة الاستفراد بالقرار منذ عام 1986 وحتى وقوع الغزو الصدامي والاحتلال في عام 1990 من دون أن نجني شيئا من ذلك الاستفراد، والغياب الكامل لأي رقابة تشريعية، بل العكس هو الذي حصل، فنهب الناقلات وسرقة استثمارات أسبانيا واختلاسات حسابات مكتب الاستثمار في لندن وغيرها الكثير، والتي ختمت بضياع الوطن، حدثت كلها أثناء فترة الاستفراد بالقرار، حتى خطة التنمية اليتيمة التي طالما «طنطن» وزراء كبار في حينه لها، لنسب إنجازها الكبيرة تبين لاحقا عدم صحتها تماما (!!) فكيف يمكن أن نصدق أن مثل هذه العقليات يمكن أن تنقل الكويت لتصبح مركزا ماليا عالميا، وهي التي عجزت عن اتخاذ قرارات أكثر بساطة بكثير؟ ومن الذي يضمن لنا اليوم أن مصير كل وعود الحكومة سيكون افضل من نتائج كل اللجان الاقتصادية التي شكلتها وتجاهلت توصياتها المرة تلو الأخرى؟
عارضنا ورفضنا المشاركة في الانتخابات لأننا سئمنا من المماطلة ومللنا من التأخير وضجرنا من الفساد وانقهرنا من السرقات والرشى العلنية، ويئسنا من الإصلاح، وبالتالي أصبح رجاؤنا منحصرا في حكومة ضعيفة ومجلس أمة مهلهل، وأقصى امانينا ان نكون على خطأ في كل ما ذكرناه، وأن يثبت هذا المجلس المهلهل وهذه الحكومة الضعيفة أننا على خطأ!

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

قرفص ولا تجلس

تتفاوت الآراء كثيرا في ما يتعلق بأفضل الاختراعات والاكتشافات البشرية، فهناك اكثر من قائمة ورأي، فهناك من يرى أن الإنترنت والهاتف والمطبعة والمضادات الحيوية والتخدير هي الأفضل، وآخرون يرون أن اللغة، التي ميزتنا عن بقية الحيوانات، والعجلة والنار والتلسكوب والكمبيوتر والتلفزيون والسيارة، إضافة إلى الكهرباء والساعات الآلية وغير ذلك الكثير أفضل. وهناك قوائم وآراء مختلفة، ولكن جميعها أجمعت تقريبا على أن كرسي المرحاض الغربي هو واحد من أفضل اختراعات الإنسان في كل العصور! وجاء ذلك الإجماع ربما لما كانت الحمامات القديمة تسببه من «عدم راحة» لمستخدميها، وانتشار الحشرات والروائح الكريهة فيها، وعدم ملاءمتها للتطور العمراني والصحي، إضافة إلى أن حاجة الإنسان طوال اليوم لمكان مريح يختلي به. كما أن علاقة المرحاض الحديث بالتطور واضحة فلا يمكن تصور وجود مدن بحجم نيويورك، طوكيو ولندن، بكل ناطحات السحاب فيها، دون نظام مراحيض حديثة. وقد لا يتفق الكثيرون على ما ناله المرحاض الغربي من مكانة مهمة، ولكن الحقيقة أنه سهل حياة الكثيرين بطريقة عجيبة وأصبح بحق «بيت الراحة»، بعد ان كان مصدر القذارة والإزعاج والمرض، وحتى الإصابة بفوبيا الحشرات! الطريف في الأمر هو التعديل الذي أصبح هذا الاختراع بحاجة له، خاصة لأولئك الذين يشكون من الإمساك المزمن! فقد تبين لعلماء في جامعة «ستانفورد» الأميركية أن وضع الجلوس على كرسي الحمام الغربي يعرقل عملية قضاء الحاجة لأن الجسم يصبح في وضعية تختلف عن وضعيته الطبيعية التي اعتاد الإنسان عليها على مدى مئات آلاف السنين، عند قضاء حاجته، وهي وضعية القرفصاء القديمة، وهو الوضع نفسه المستخدم في الحمامات العربية حاليا! لأن وضع الجلوس على الكرسي لا يجعل من القناة الشرجية في وضع مستقيم، ويعرقل نزول الفضلات بشكل سهل، ويجب بالتالي العودة لوضع القرفصاء! وحيث ان من الصعب العودة لاستخدام الحمام القديم المتمثل بحفرة في الأرض، فكان لا بد من إضافة تعديل بسيط للحمام الغربي ليصبح أكثر ملاءمة و«راحة»، وذلك برفع القدمين ووضعهما على قاعدة خشبية أو بلاستيكية بقياس 30 × 30 مثلا وبارتفاع يتراوح بين 20 إلى 25 سم، ووضع القدمين عليها بحيث ترتفع الركبتان لمستوى الصدر بزاوية 35 درجة تقريبا!
الموضوع مهم وجدي، وبالذات لمن يشكون من إمساك مزمن، ويمكن ملاحظة آثاره الإيجابية خلال أيام قليلة، وقد تسبب الوضع السابق في إصابة الكثيرين بامراض البواسير والتهاب القولون والزائدة وحتى سرطان القولون. للمزيد من التوضيح يمكن مشاهدة الفيلم المتعلق بهذا الاكتشاف من خلال الموقع التالي: https://mail.google.com/mail/u/0/?shva=1#all/13a948df7e65bd7c

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

احمد الصراف

صرصار لافونتين

يعتبر «جين دو لافونتين» (1621-1695) Jean de La Fontain واحداً من أكبر شعراء فرنسا في القرن الـ17، وكان يعرف بحبه لرواية الأساطير، والمبالغة المفرطة فيما يكتب من خزعبلات وحكم أحياناً. ويعتبره البعض من أوائل من عرف تركيبة اللغة الفرنسية وأسرارها، حتى قبل أديب فرنسا الكبير فيكتور هوغو، وقد كرّمته فرنسا عام 1995 بإصدار مجموعة من الطوابع باسمه. وفي تحريف طريف لإحدى قصصه الخيالية عن الصرصار والنملة قال المرسل: كان يا ما كان في قديم الزمان نملة وصرصار، وكانا صديقين حميمين! وفي الخريف، كانت النملة الصغيرة تعمل من دون توقف، تجمع الطعام وتخزّنه للشتاء. ولم تكن تتمتّع بالشمس، ولا بالنسيم العليل في الأمسيات الهادئة، ولا بالأحاديث الطيبة بين الأصدقاء، وهم يتلذذون بتناول البيرة المثلّجة بعد يوم كدٍّ وتعب. وفي الوقت نفسه، كان الصرصار يحتفل مع أصدقائه في حانات المدينة، يغني ويرقص ويتمتّع بالطقس الجميل، ولا يكترث للشتاء الذي أوشك على الحلول. وحين أصبح الطقس بارداً جدّاً، كانت النملة على أتم الاستعداد لاستقباله، فقد ملأت بيتها بمونة الشتاء حتى السقف، واستعدت لأن تخلد للنوم دون خوف أو فزع، ولكنها ما كادت تغلق الباب في وجه الريح الباردة حتى سمعت من يناديها من الخارج، ففتحت الباب، ودهشت لرؤية الصرصار يدعوها إلى الخروج لرؤية سيّارته «الفرّاري»، وكان يرتدي معطفاً غالياً، وقال لها: مساء الخير يا صديقتي النملة، جئت لأخبرك بأنني سوف أقضي الشتاء في باريس، هل تستطيعين، لو سمحت.، الانتباه لبيتي خلال فترة غيابي؟ فأجابت النملة: طبعاً، فلا مشكلة لدي. ولكن قل لي: ما الذي حصل؟ من أين وجدت المال للذهاب إلى باريس؟ وكيف اشتريت هذه «الفراري» الرائعة وهذا المعطف؟ فأجابها الصرصار: تصوري، كنت أغنّي في الحانة الأسبوع الماضي، فأتى منتج وأعجبه صوتي، فوقعت معه عقداً لإقامة حفلات في باريس طوال فصل الشتاء. آه، كدتُ أنسى. هل تريدين شيئاً من باريس؟ أجابت النملة: نعم! إذا رأيتَ الكاتب الفرنسي لافونتين قل له: صديقتي النملة تسلم عليك وتقول لك: يلعن أبوك، على أبو نصايحك! والعبرة هنا، من خلال التغيير الجذري في سياق القصة/ الحكمة، أن علينا التمتع بالحياة، وإيجاد التوازن اللائق بين العمل والراحة، لأن الفائدة من العمل المبالغ فيه غير موجودة إلا في الأساطير، أو قصص لافونتين. وإن علينا العيش للعمل وللتمتع بالحياة وليس بأحدهما فقط، فلن يستمتع من وراء امال لبخيل غير ورثته. وفي هذا السياق يقول الكاتب المصري الراحل جلال عامر: نحن الشعب الوحيد الذي يستخدم «المخ» في السندويشات! ويقول: لم يعد أحد في مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة الغاز. ويقول إن من السهل عزل الملوك، ولكن من الصعب تغيير السلوك. ويقول: الحرب يخطط لها «الدهاة».. ويصنعها «الشجعان».. ويرثها «اللا مؤاخذة»! وأخيراً: البلد فيها ناس عايشة كويس، وناس كويس إنها عايشة.
* * *
• ملاحظة: ورد في مقال يوم الأربعاء الماضي بعنوان «أحلام بثينة ومركز وعكر» اسم اعتقد البعض أنه مقصود به شخصية محددة، وهذا غير دقيق، فالاسم وفحوى المقال من وحي خيالي، وبالتالي لا وجود لشخصية «بثينة»، كما ورد في المقال، على أرض الواقع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

من القديس ومن المجرم؟

من يهتم في عالمنا بامرأة مثل القديسة الأم تريزا البرتغالية، التي تركت وطنها الأوروبي لتعيش مع فقراء الهند ومنبوذيها. ومن يحترم ويقدر شجاعة وأعمال الخير التي قدمتها أوبرا وينفري، مقدمة البرامج السابقة، وعشرات الممثلات والكاتبات والفنانات الأخريات اللاتي بذلن الكثير وتبرعن بالأكثر للتخفيف من شرور العالم وجرائم طغاته، ومساعدة فقراء أفريقيا وتولي تربية وتعليم المئات منهم، إن لم يكن مئات الآلاف؟ أليست الرائعة إنجلينا جولي، التي لم تترك مخيما للاجئين عربا أو مسلمين وغيرهم إلا وزارته، بصفتها الشخصية أو ممثلة للأمين العام للأمم المتحدة، خير مثال على ما تقدمه المرأة الفنانة للإنسانية مقارنة بغيرها من الجالسات في البيوت و«المتفرغات للحش»، وما اكثرهن؟! وكيف يمكن أن نقدر ما قامت به هذه الجميلة التي لديها كل شيء تقريبا من راحة ومال وشهرة، مع هذا تقوم بزيارة أكثر دول العالم خطورة كأفغانستان ومخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن مرورا بالعراق، التي لم يزرها «رجالنا» إلا لالتقاط الصغيرات منه للفتك بهن جنسيا؟
أليست إنجلينا جولي، التي يضعها الكثيرون في خانة الكافرات السافرات او كما يصفهن وجدي غينم، بــ«العاهرات»، أكثر شهامة ونخوة من الملايين من اصحاب الشوارب، وحتى من حالقيها منا؟ وكأن كل ذلك لا يكفينا لنشعر بالخجل من تواضع ما قدمناه للبشرية، مع كل ما نخلقه من ضجيج حولنا، لتأتي سيدة استرالية لتثبت لنا عجزنا حتى عن الاهتمام بابنائنا ليس فقط من المعاقين، بل حتى من الأصحاء. فقبل فترة بهر معاق عراقي العالم بصوته وفنه الجميل عندما ظهر في برنامج تلفزيوني شهير، ولم يكن غير واحد ممن تلقوا مساعدة السيدة مويرا كيللي التي تدير منذ عقود مؤسسة للعناية بأطفال العالم، دون تمييز بين جنس أو عرق أو دين وآخر.
وعلى الرغم من انها لم تبلغ الخمسين بعد، فقد بدأت مبكرة جدا وكانت بدايتها الجدية وهي في الــ21 عندما باعت سيارتها والتحقت بالأم تريزا في الهند، ومن هناك زارت مناطق حروب ومجاعة وكوارث دون أن يوقفها شيء، وعندما ذهبت إلى العراق قبل سنوات تبنت الشقيقين أحمد وايمانويل ونقلتهما من وسط ملايين المسلمين المعدمين والمهملين في العراق الى استراليا لتمنحهما اسم عائلتها، وليصبح بعدها إيمانويل مطربا عالميا، بعد مشاركته في برنامج للهواة حصل بعد ظهوره فيه على اعجاب وتعاطف ملايين المشاهدين في العالم، وكانت Moira Kelly معه تقف خارج المسرح تشاهده يغني وهي تبكي من فرحتها بنجاحه! ولا حاجة لنعرف رأي غالبية «متأسلمي» أوطاننا بما تقوم به وقامت به هذه المرأة «الكافرة»، التي يمكن أن تصيبها يوما رصاصة من إرهابي جاهل، والتي أخذت أطفالاً مسلمين، حتى من المعاقين والمهجورين، ليعيشوا في بيئة غير إسلامية، معتقدين أن من الأفضل بقاءهم بيننا مع اعاقاتهم وجوعهم، ودون أي التفات إلى حقيقة أنهم كانوا يعيشون بطريقة أقرب للحيوانات منها للبشر، لتجعل منهم هذه السيدة بشرا أسوياء. فهل مقتل هذه السيدة هو جواز المرور لملاقاة الحور العين مثلا؟ والجواب معروف خاصة انها تعمل دون رجل محرم، ولا ترتدي النقاب، وترفض الجلوس في البيت، أو غلق الباب عليها، وتظهر علنا، دون محرم، وتعزف الموسيقى لأطفال لم نستحق شرف العناية بهم؟ ومن المخطئ المارق هنا، ومن الذي يستحق محبة الله وجنته، هي وأمثالها أم الذين يسعون لقتلها بعد أن أحلوا دمها؟
لا نطالب بتمثال لكيللي وأمثالها ولا بتسمية شارع، أو حتى زنقة، باسمائهم، بل فقط بأن «نحل عنهم» ونتركهم لحالهم لكي يبدعوا وينتجوا ويقوموا برعاية من عجزنا عن رعايتهم!

أحمد الصراف