الزميل بدر الديحاني كتب في مقاله بـ"الجريدة" أمس أن على الحكومة أن تكف عن إطلاق الدعوات المتكررة إلى إلغاء أو تخفيض الدعم عن الضرورات الأساسية للمواطن، فما يرهق الميزانية العامة ليس هذا الدعم بحد ذاته، بل دعم المؤسسات والشركات الثرية، فمن يستفيد من دعم الديزل الذي يهرّب ويسرق بصورة متكررة؟ وهل تحتاج تلك المؤسسات الكبيرة إلى دعم الكهرباء بتكلفة فلس واحد مقابل فلسين للمواطن؟ وهل ينقص تلك المؤسسات أن تحول مشاريع الـ"بي أو تي" من وضع الترخيص المؤقت كإيجار لأرض الدولة إلى ملكية تامة لعيال بطنها كما يدعو نحو هذا الاتجاه مجلس التابعين.
في مقابل هذا الرأي الوجيه للزميل بدر، أوردت "القبس" تحقيقاً عن أزمة طوابير الإسكان، ركزت فيه على أن الحل يكمن في البناء العمودي، بمعنى أن يتقبل المنتظرون للسكن نظام الشقق بدل الفلل، رغم فشل تجربتين لهذا النوع من الحلول، وأردت حالات يفضل فيها بعض المواطنين الفلل كي يبنوا أدواراً ثانية وملاحق غير مرخصة بغرض التأجير وزيادة الدخل، هنا تم تعليق الأزمة على رقبة المواطن لا على احتكار الأرض من القلة وارتفاع أسعار الأرض إلى أرقام خيالية يعجز عن دفع ثمنها المواطن العادي وليس المواطن "السوبر ديلوكس"، واستطراداً، وهذا ليس خارج الموضوع، يتم تذكير الناس دائماً بأن ميزانية الدولة ستواجه عجزاً حقيقياً مؤكَّداً بحلول عام 2017، من جملة أسبابه سياسة التوظيف في القطاع العام وزيادة الرواتب والمعاشات، وكلها من بركات مخرجات التعليم، وهو نظام تعليمي مخجل يقول عنه وزير التربية إنه لا غبار عليه وإن خبير التعليم السنغافوري الذي أكد سطحية التعليم في الدولة لا يفهم ظروفنا الخاصة!! وغير ذلك من أدبيات حزب التخصيص.
وهنا يظهر الرد جاهزاً من المعارضين وفحواه أن الفساد المالي والسرقات والتسيب الإداري هي السبب لا القطاع العام، أو الموظف المغلوب على أمره، ويرد دعاة الإصلاح من حزب مناصري القطاع الخاص بأن هذا القطاع العام غير منتج ومتكاسل، والوظيفة فيه مقابل الجنسية لا العمل، وتكفي زيارة بسيطة لدائرة حكومية ومشاهدة مناظر إفطار الفول والفلافل في غرف مغلقة حتى نعرف كيف يقدس هذا الموظف عمله، القطاع العام له شعار ثابت لا يتزحزح يقول بأن "المدير غائب في اجتماع مع الوكيل أو الوزير، تعال غداً أو الأسبوع المقبل، من أجل أن يباركلك بالتوقيع على المعاملة وتنهيها!".
أين الحلول في كل ذلك؟ أين الأزمة؟ هل هي أزمة قطاع عام مترهل لا ينجز وبخدمات سيئة تسير نحو الأسوأ، أم هي أزمة كبار متنفذين متحلقين حول دائرة الحكم، هم لا غيرهم، الذين يرددون عبارة "يا رب لا تغير علينا". أين هي الأزمة؟! هل هي أزمة صغار يتعيشون على الإنفاق الحكومي "المعروف" من غير عمل حقيقي منتج، أم أنها أزمة كبار، يراكمون الثروات، أيضاً، وبدورهم، من الإنفاق الحكومي "المجهول"؟! أين الجواب الصحيح عن أسباب هذه الأزمة وكل "بلاوي" الديرة من تعليم وإسكان ومرور وصحة؟ هل نجد الإجابة من دعاة الخصخصة ومن دعاة اليمين "التاتشريين الريغانيين" (نسبة لتاتشر وريغان)، أم نجد الجواب عند المعارضين الذين يرمون الجمل بما حمل على الفساد! أم نقول إنها أزمة إدارة دولة، تبدأ وتنتهي من فوق، عند من يملك منفرداً تلك السلطة، فلننظر إلى فوق علَّ وعسى أن نجد إجابة جديدة غير تلك العبارة المحبطة بأن "الشق عود"…