أليست مصر أيام مبارك أفضل من مصر اليوم، فرغم الفساد وكل مظاهر الاستبداد واحتكار السلطة في العهد المباركي، فإن الاقتصاد والأمن كانا أفضل حالاً من بعد ثورة يناير، والانقلاب على الثورة في حركة 30 يونيو. أليست سورية الأمس وقبل الثورة ضد نظام الأسد كانت أفضل؟ فلم تكن هناك براميل متفجرة، وأجساد أطفال دفنت في ركام التفجيرات، ورؤوس مقطوعة في أوعية طبخ، وبشر مصلوبون في الساحات العامة، أو كنائس مطلية بالسواد، ولم يكن المسيحيون يدفعون الجزية لعصابات داعش، ولم يكن ثلث الشعب السوري مشرداً في الداخل والخارج!
ماذا عن اليمن؟ ألم يكن متحداً ودولة شبه مستقرة في عهد الرئيس "المعجزة" علي عبدالله صالح، والآن يحيا في مستنقع الحركات الانفصالية، سواء من الحوثيين أو من أهل الجنوب، أما ليبيا فقد غابت دولة القذافي وقبيلته لتحل محلها اللادولة وتقسم واقعاً بين القبائل وثوار الأمس! أما العراق المحرر من حكم الفاشي صدام، فماذا بقي منه اليوم؟ نظام طائفي أقصى أهل السنة جملة وتفصيلاً، وتفتت العراق بين أكراد وعرب سنة وشيعة، ومشروع "داعش" يمضي قدماً في أرض السواد.
ماذا بقي من دول الربيع العربي، إذا استثنينا تونس؟ وهي حالة فردية ترك "تراث" بورقيبة بصماته على المجتمع المدني، وجاء حزب النهضة بقيادة الغنوشي الذي استوعب ضرورة المشاركة السياسية مع العلمانيين المختلفين معه، ووضع تونس على الطريق الصحيح، هل يصح القياس على تونس، واستلهام تجربتها؟! يمكن لو كانت "الظروف التاريخية" في دول الربيع متقاربة من تونس، لكنها لم تكن كذلك… فتونس تبقى أقرب لدول شرق أوروبا في تغيرات الثورات البرتقالية منها من عوالم الكر والفر العربية.
التساؤلات السابقة طرحتها تقريباً جريدة إيكونومست قبل فترة بعنوان "درس من الجزائر"، بعد انتخاب الرئيس بوتفليقة، لتنته الجريدة باستنتاج بأن بقاء الحال من المحال، وأن عبارة "كنا أفضل حالاً" قبل ثورات الربيع "الخريفي" لا تعني غير استمرار أنظمة الطغيان والفساد، ولو تأخرت "ثورات" ذلك الربيع فهي ستأتي، حتماً، بالغد، فالشعوب العربية تستحق حقها في الحرية والديمقراطية. هذا الاستنتاج صحيح، لكن هل يمكن للضحايا في دول الربيع أن يستوعبوا هذا الدرس؟ وإلى متى يستمر هذا الربيع المظلم، ويتحول إلى ربيع حقيقي..؟! هذا بعلم الغيب.