هل هي أزمة نص قانون أم أزمة فكر خلق هذا النص، وممارسة سلطوية تسير في ظل ذلك الفكر؟ وهل تقدمت حريات الضمير وفي مقدمتها حرية التعبير مع تغيير النصوص القانونية وتطورها، أم انها بقيت على حالها، بل أجزم بأٓنها في حالة تراجع رغم "الشكل" التقدمي المضحك الذي تظهر فيها تلك النصوص القانونية؟!
اتركوا مسألة "الشريط" جانباً، ولنتوقف عند محنة حرية الصحافة، بكل الثرثرة "الباصجة" عنها وعن المباهاة بتقدم حريات الضمير في الكويت عن بقية شقيقاتها الخليجيات، وكأنها الأعور بين عميان، بعد توقيف جريدتي الوطن وعالم اليوم بموجب أحكام قضائية، وأعود للسؤال ذاته: ما الذي تغير اليوم بنص المادة 15 من قانون المطبوعات الجديد لسنة 2006 والتي تجيز "لرئيس دائرة الجنايات أو قاضي الأمور المستعجلة (عند الضرورة) بناء على طلب النيابة العامة إصدار قرار بإيقاف صحيفة مؤقتاً لا تجاوز أسبوعين قابلة للتجديد… وبين نصوص قانون المطبوعات والنشر القديم لسنة 61 ومواد 35 و35 مكرر التي تجيز لمدير دائرة الإعلام… أو مجلس الوزراء تعطيل الصحيفة مدة ثلاثة أشهر وإلغاء ترخيصها (أيضاً عند الضرورة)… إدارياً… إلخ… أين الفرق في الواقع الممارس، وليس في مسميات الألفاظ، بين قانون الأمس وقانون اليوم مادمنا انتهينا لنتيجة واحدة، وهي تعطيل الصحافة من خلال عملية "أتوماتيكية" ثابتة لا تتغير، تتغير الأسماء وسبل التعطيل لننتهي بذات النتيجة الحسابية، فوزارة الإعلام تقدم طلباً للنيابة التي بدورها تقدم الطلب للمحكمة ليصدر الحكم بالتعطيل المؤقت…! هل تغير علينا شيء؟ غير أنه كانت لدينا خمس صحف في عهد قانون المادة 35، ومكررها والآن لدينا عشرات الصحف اليومية تحت ظلال القانون الجديد تصدر بمنشيتات مختلفة، بمحتوى واحد تقريباً، صحافة فرض عليها بنهج السلطة الواحدة الحاكمة أن تسير تحت الساس، تخشى خيالاتها، وتراعي فقه "مصالحها المرسلة" مع دوائر النفوذ المهيمنة في الدولة. هل تغير عليكم شيء في الجوهر، أم تم إشغالنا بهذه الزخرفة والأضواء الملونة الباهرة، كي ننسى حقيقة أن المحتوى والمعنى لم يتغيرا؟ ليست هي أزمة نصوص ولا جدوى من البحث في دستورية أو عدم دستورية مثل هذا النص، وغيره من نصوص "البهرجة" التقدمية في القوانين الكويتية، هي أزمة فكر تابع لدوائر الحكم بكل تناقضاتها وصراعاتها، هي أزمة غياب الإيمان الحقيقي بحرية الضمير.