بمناسبة أخبار الصحافة عن استقالة الوزراء أمس الأول، والتوقعات المحتملة عن نتائج حكم الدستورية في الطعون الانتخابية أمس، والتي لا أعرف مصيرها حتى كتابة هذا المقال، فلا أملك موهبة "كاسندرا" ابنة ملك طروادة التي وهبها الإله أبولو قدرة قراءة المستقبل في الأساطير اليونانية، تصادف نشر الخبرين مع قراءتي بالمصادفة لعرض كتاب "الموت وما بعد الحياة" لسامويل شيفلر، فهو يقرر بمثالية متسامية أننا زائلون، والبشر الذين نحبهم سيرحلون في زمن ما، وليس هذا ما يفترض أن يهمنا بقدر ما يجب أن نكترث لاستمرار الحياة الإنسانية الكريمة لمن يأتون بعدنا في مسيرة الزمن، فقيمة وجودنا الحاضرة تستمد معانيها من أمل استمرار الأجيال القادمة، وبين ثنايا هذا الفكر يقرر المؤلف بدهية جميلة، أنه إذا أردت أن تعرف قيمة أمر ما فتخيل غيابه وانظر ماذا يحدث.
بدوري تخيلت بقاء هذه الوزارة، ثم تخيلت غيابها، ومن جديد أغمضت عيني وتذكرت ذهاب وزارات سابقة ثم تشكيلات وزارية مختلفة جاءت بعدها، وتذكرت، أيضاً، برلمانات استمرت قليلاً ثم تم ترحيلها للمجهول، وكان آخر حفلات الحل قد تمثلت في المجلسين السابقين خلال العامين الماضيين، الأول حل بعد حكم الدستورية، ووجدت السلطة ضالتها في حكم المحكمة لتشكل مجلساً آخر يناسب مقاس الانفراد بالهيمنة السلطوية، وجاء مجلس جديد كان "شبه مناسب" لأسرة الحكم، ليحل في ما بعد لبطلان إجرائي – لا يهم معرفة طبيعته – ولن يهم اليوم نتيجة الحكم المحتمل في أي لحظة في ظل معطيات تاريخنا مع سوابق ماضية لم تنهض بمجملها لتأكيد المبادئ الدستورية ممثلة بأن الأمة مصدر السلطات، ومبدأ الفصل بين سلطات الدولة الثلاث، هل تغير شيء؟!
غابت الحكومة وحضرت حكومة، وغاب مجلس وجاء مجلس جديد، ماذا سيحدث؟ لن يحدث شيء، فحضور أو غياب، أي من الحدثين لن يغير من الأمر شيئاً أمام منهج السلطة الواحدة الحاكمة، ماذا يعني أن يستبدل وزير بوزير آخر، وماذا يعني استقالة كل الوزراء وتركيب طقم وزراء جدد، وماذا يعني يغيب هذا النائب، أو ذاك يحل محله… لا شيء.
في تاريخ الدولة السياسي كانت هناك قلة من الوزراء وضعوا بصماتهم في الإصلاح والتطوير خلال فترات عملهم، وطبعاً، التاريخ لم يعد نفسه لهؤلاء الوزراء الاستثنائيين، وإنما عاد بملهاة في ما بعد، ومن نهاية الستينيات يظهر الخط البياني لتدهور واقع الدولة في مجمل قضاياها، من خنق الحريات إلى توطن الفساد بكل صوره… لم يتغير شيء، غياب وزراء وحضور وزراء، غياب مجلس، وحضور مجلس جديد، غيابهم أو حضورهم لن يكونا مجديين، الأمر سيان، نحن راحلون وكذلك من نحبهم اليوم، أما الأجيال القادمة… ماذا أبقوا لهم…؟ لا شيء… أغمضوا عيونكم وتخيلوا عدماً.