لم أقرأ حتى الآن أسباب حكم البراءة في قضية "دخول" المجلس للسبعين مواطناً المتهمين، ومن بينهم بعض الرموز من نواب سابقين. استعملت كلمة "دخول" المجلس كما يستعملها كل مؤيدي البراءة، وهي تعني رفضاً لمفردة "اقتحام" بمعنى استعمال العنف والقوة المادية. وذلك اللفظ "العنفي" درج على تكراره معظم جم اعات حزب السلطة التي ثارت ثائرتها وحميتها على حكم القانون حين صورت عبر وسائل الإعلام أن ما حدث يعد انتهاكاً صارخاً لحكم القانون تمثل في الاعتداء على مرفق عام، وشغب شعبوي لا يصح أن يحدث في دولة يحكمها دستور وقانون، وبهذا يضحي مبنى المجلس، عند تلك الجماعة، من المقدسات التي لا يصح المساس بها، لكنّ ما بجوف ذلك المجلس من "نواب" (إن صحت التسمية) يصح تبديلهم وتغييرهم وربما "قلعهم" بما يلائم مصلحة السلطة المتطابقة مع مصالحهم الشخصية.
بهذا يصبح هؤلاء فقهاء الحق في أثينا الكويت ودعاة حكم القانون، وكأنهم أبناء سقراط حين تجرع السم رافضاً مخالفة حكمه الجائر، بينما في الحقيقة هم آخر من يكترث لحكم القانون حين يتحول الحديث إلى معنى الشرعية الدستورية، والعطلة الدائمة لقوانين محاربة الفساد بشقيها السياسي والمالي.
قضية دخول المجلس في نوفمبر 2011 تعد معلماً لحركة وقتية متألقة لوعي شعبي استطاع في ذلك الوقت أن يفرض رؤيته على السلطة الحاكمة في لحظة ما، إثر قضية الإيداعات المليونية التي صبت في جيوب بعض نواب مجلس الأمة في ذلك الزمن، وتم بعدها تغيير الحكومة ورئيس الوزراء، لكن واقعة "الدخول" لم تنتهِ فصولها، ولم يكتمل مشوار الإصلاح والرفض الشعبي لجمود وفساد الوضع السياسي في الدولة، وسرعان ما جاءت ردود الفعل العنيفة من السلطة، والتي تمثلت في ملاحقات أمنية وقضائية لكثير من المعارضين، ورافقتها جهود حثيثة للانتقام للكرامات السلطوية وهيبتها المزعومة عبر نهج العصا والجزرة، وتم الثأر السلطوي للكرامات المشيخية، وانتهت الأمور في ما بعد بانتكاسة ما يسمى مرسوم الصوت الواحد، وتشتتت في المقابل كتل المعارضة السياسية لضعف متمثل في تركيبتها الذاتية وعجزها عن استقطاب جماعات عديدة من المجتمع خشيت وتشككت من الطرح القبلي- الطائفي المغالي في محافظته وتزمته، وهو ما تمثل في طرحها عدداً من مشاريع القوانين آنذاك.
حكم البراءة الأخير نقطة مضيئة في التاريخ الكويتي، ويبقى مشوار الإصلاح طويلاً وشاقاً، ومازال في بداياته ينهض ويكبو، فلننتظر…